المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : يوميات شاعر متهالك


ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 18:40
(1)
أقف الآن عند نقطةٍ وحيدةٍ تحاولُ الالتصاقَ بإرهاصاتِ بوح ٍ مغامر ٍ في ظلِّ لوعةٍ خرافيةٍ باختصارِ المسافةِ المائلةِ عن ، والى الحلم .
هاأنذا أحمل مُهمَلَ أشيائي المبعثرةِ ما بيني وبين بوابةٍ للحلمِ الصاعدِ الى أسفل منازلٍ للقمر المتثائب خلف نافذتي المفتوحة ، وقد أضمرتُ في داخلي أن أتدحرج على صدره كبرتقالةٍ راشدة ، وأن أرصد بريق عينيه في مرآةٍ مقعرة ومجوفة لأرى من خلالها أحلامه الناعسة وهي تستدفئ بشهي لحظةٍ مختالةٍ فاتنة .
هاأنذا الآن أتقوقعُ وأنفرجُ في داخل بوصلةٍ غامضة ، يشير عقربها المتسكع على ظهرها كغجريةٍ راقصةٍ الى خاصرتي الموبوءة بالحلم العابث في داخلي كالأرملة المجنونة .
هاأنذا إذاً أبدأ رحلة ً لشهقةٍ صاخبةٍ تعتمل أصداءها في فؤادي كالحمى القاتلة ، ترتجف لها أطرافُ أحلامي المتآكلة ، وترتعش أوردة اللحظة الهاربةِ من عنفوان بوحها المغامر .
هي نقطة ٌ ليست وحيدة ، وقد ضمت الى صدرها أفنان ظلي ، وأزاهير وجعي ، فباتت مفتونة بالخطو المتسارع أسفل نافذتي المشرعة .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 18:42
(2)
لم تمهلني بواباتُ الريح لأرتدي معطف الشتاء القارس ، وبدوتُ بثوب نومي كمهرج ٍ بليدٍ لا يجيدُ تسلية جمهورهِ المتعطشِ لابتسامةٍ واحدة .
كنتُ شقياً كطفل ، عبثياً كطفل ، مغامراً كطفل ، وكنت أجمع ألعاب الأطفال التي أصادفها وأخبئها تحت سريري ، وأظلُّ أنظر اليها بين الحين والآخر ، كان دم الطفولة مواصلاً جريانه في أوردتي رغم ثلاثينيتي البائسة .
وتحرجني ساره ذات التسع سنين وهي تبحث عن لعبتها ، وتكتشف طفولتي المتأخرة .
رويداً يا ابنتي ، يوماً ما سأحدثكِ عن بوابات الريح ، والقمر المتثائب خلف نافذتي ولوعتي المجنونة . سأحدثكِ عن ليلٍ يربض على صدري وهاجسٍ يعشقُ ظلي من الوريد الى الوريد .
سأخبرك عن خيامي التي نصبتها على الماء ، وعن شجر البرتقال الذي يتسلق قامتي كل مساء .
يوماً ما سأحدثكِ عن أحلام الليمون ، وعن السنبلة العرجاء ، فلا تعجبي يا ابنتي
خذي لعبتكِ الآن وانصرفي .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 18:44
(3)
كنتُ أشعلُ الصمت ميمماً بوحي لقيثارةٍ قديمة تتكئ على الجدار . ويخذلني صوتي وهو يهربُ أمامي وخلفي كرجلٍ معتوه .
شعرت بالحزن الشديد ، وأنا أرى كل الكونِ وكأنه بدأ يتخلقُ من جديدٍ متجاوزاً معالم صورتي وهويتي ، مما أجبرني على الدخولِ في تحدياتٍ هلاميةٍ وميتافيزيقيائيةٍ لأصل الى وجهٍ يشبه وجهي ولو من بعيد .
غامرتُ بنشر أشرعتي رغم الضباب الذي يخفي محيط عيني وكامل قامتي ، ووزعت ارصفتي وخرائط مدني على نجماتٍ تضيء في سماء أحلامي المتعثرة .
لم تمهلني بواباتُ الريح لأصعد على صدر موجةٍ عاتيةٍ تخترق القلبَ من أقصاه الى أقصاه . لم تمهلني لأغني .
بدأتُ في رسم ظلي ، متفائلاً بصديقتي الشمس ، ومتوجساً من غيمةٍ ترقب خشوع انتظاري ، رأيتها وهي تقلبُ تقويم جسدي ، وتتربصُ لفراغات عيني متحينةً لوقتٍ تخبو فيه ظلالي ، فتقرئني .
لم تمهلني الريح ، لأغني ، وأغني .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 18:45
(4)
لن أعود أدراج بوحي ، وسأظلّ قابعاً خلف صورتي المعلقة حتى أختنقُ أو يختنق الجدار . سأمارسُ عليه همجيتي المهذبة حتى يذوب .
أجل ، يوماً ما ، سيذوبُ الجدار ، وعندها سأحمله في آنية حزني ، وأصبه في المحيط . أو أفرغه في جوف صهيوني ٍ لعين .
أحمل الآن حطب مهجتي لأعتقه بنور الشمس ، وبذكرى لحظةٍ هزّت القلب ، سيكون رائعاً هذا الحطب المعتق . سأهديه لأبي ليزرعه أشجاراً تقاومُ مواسم الغبار . أو أهديه لصديقي ليملأ به مزهريته الفارغة .
لن أحتار في حطب مهجتي المعتق ، حتى لو وضعته سلـَّماً لعاشق ٍوعشيقة . وربما سأبيعه في مزادٍ علني في سوق الأفئدة الحزينة .
لن أحتار فيه ، ومليونُ مكلوم ٍسيشتريه . لن أحتار ، حتى لو طرزته على شال قصيدةٍ مجروحة ، أو وضعته بصمة ًعاشرة على شماغ ِشاعر ٍمطاردٍ منبوذ .
لن أحتار ، فالريح لن تمهلني ، حتى يذوبَ الجدار .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 18:57
(5)
أتدحرجُ من أسفل الى أعلى غير مبالٍ بتلك الجاذبية وكأني بذلك استسلم لغوغائيةٍ بليدة ٍتجوس في داخلي كالكرة الزئبقية ، تلك المتنافرةُ المتماسكة .
أجل ربما أنا كذلك ، متنافرٌ متماسك ، متوحدٌ متهالك ، أهربُ من ظلي الى الشمس وأهرب من الشمس الى غيمةٍ مغامرة تهوى جنون الريح وعبث العاصفة .
أقفُ على بُعد أنملةٍ من نجمة ، وأستدير ، مُشغلاً روحي بليل القصيدة البهيم ، وأهيمُ في سماءٍ من ورق ، بحثاً عن صفحةٍ بيضاء ، أرسم عليها ما علق في ذاكرتي لوجهي القديم .
ما كنت أصدقُ أنني أنسى وجهي ، حتى رأيته مرةً في المرآة لا يشبهني ، كان مختلفاً ، اختفت منه أشياءٌ كثيرة ، وظهرتْ عليه تقاسيمٌ جديدة ، حدثتني يومها نفسي ، لربما سرق أحدٌ ما وجهي ، وتخيلتُ عصابة ًهمجية تقوم بسرقة الوجوه وتخبئها في مكان ٍ ما أو ربما ترتديها كالأقنعة .
قضيتُ وقتاً طويلاً أبحثُ فيه عن وجهي ، متوقعاً أن أصادفه يوماً ، مرمياً تحت نافذة ، أو معلقاً بغصن شجرة ، أو أن أجد أحداً ما يرتديه ، مدعياً ملكيته ، فأحاربه وأنتزعه منه بالقوة .
اقتنعتُ أخيراً وبعد طول بحث ، أنني أنسى وجهي أو أتناساه ، وربما أهرب منه أحياناً لأجده مختبئاً خلف قصيدة ، أو لوحةٍ جديدة ، وأحياناً لا أجده .
هل رأى أحدٌ منكم وجهي ؟؟ .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 18:59
(6)
يحيطُ بي القلق ، كإحاطة السوار بالمعصم ، وشيءٌ ما لا أدريه ولا أعرفُ كنهه يمور في داخلي كالأمواج المضطربة ، شيءٌ ما يجول في أعماقي كالرهبة الجائرة كاللحظة المحمومة ، كالصخب العارم حتى الغثيان .
أجهل هذا الشعور المتهالك حتى الفناء . أجهل هذا الوقت المتصاعد في داخلي كالفيروس القاتل . ربما أنا خائف ، تتملكني خشية الانتظار من مجهول ٍأشعر بتربصه الدائم . ربما ، ربما ، هناك أشياءٌ كثيرة .
تلك عقدة ٌ قديمة ، قد لازمتني أمد الدهر ، تبدَّل الكونُ ولم تتبدل ، بقيتْ تربض على صدري وتنمو على وجعي كالجرح الذي يتسع ، والعمر الذي يزيد .
لن آبه الآن بها ، فلي موعدٌ مع قصيدةٍ غاضبة لا تهوى الانتظار . سأفقأ بها عين خوفي وقلقي حتى أشعر بالانتصار ، ولو للحظةٍ يتيمة .
هي القصيدة ، وليست سواها تلك اللحظة المحمومة ، وذلك الصخب العارم حتى الغثيان ، وحتى حدود الجنون .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 19:02
(7)
غفوتُ على بارق ٍمن هجير ، بعد أن أجهدني ظمأ أحلامي ، وأتعبتني لوعة تجتاحني كالشهب المحرقة . حدقتُ في السماء القريبة ، كأني أراها للمرة الأولى
وبدأتُ أتشكلُ بالغيم متخيلاً قصصاً عديدة ، فتارةً أكون سحابة ً غاضبة ، ومرة ً باسمة ، وأخرى كفارس ٍشجاع ، وهو يحلم بالحبيبة البعيدة .
يومها كنتُ أصدقُ أحلام الغيم ، متشبثاً بسحابةٍ تحملني هنا وهناك ، لأوزع ملامح صورتي على المرابع السحيقة في الكون الشاسع . كنتُ أتجاوز أحلامي برسم تقاسيم وجهي في سقف السماء . تلك كانت هواية ًقديمة ، عدتُ بعدها لرسم أحلامي على الرمل ، ومن يومها لم يفارقني السؤال – هل أخطأتُ بتصديقي أحلام الغيم القديمة ؟ .
كثيراً ما أكتشف غوايتي ، وأنا أتهالك في حزني وهزائمي . وأفتقد الغيم في كل مرة ٍأفقد فيها ملامح وجهي وصورتي ، لكنّ الغيم ماعاد صديقي ، أو أنني فقدتُ مقدرتي في تشكيل أحلامي بسقف السماء .
اذاً أصبح الرمل موطن أحلامي الوحيد ، بعد أن تخلت السماء عني . هاأنذا الآن أرضٌ جدباء مجهولة ، يحتويها الفراغ الرهيبُ من كل صوبٍ واتجاه .
هاأنذا الآن فارغٌ حتى من ظلي ، أبحث عني في الفراغ بلا جدوى . رباه ، عادت الدنيا فراغ ٌ في فراغ .
كم أفتقدكَ أيها الغيم .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 19:05
(8)
ما كنتُ لأعبر خطاً ضئيلاً بين الواقع والمجهول ، وليس في الحسبان تجاوز الحلم الى مدارات التحقق والوجود ، وغير ممكن ٍأبداً أن أختصر المسافة بيني وبين القادم البعيد أو القريب . هكذا كنت ، وهكذا سأكون .
بحثتُ عنه كي يبحث عني ، ونلتقي على بوح الطين في لحظات الجلاء النادر في عمق أرواحنا . أخذ بيدي بعد أن أسرج خيل خياله ، موجهاً بصري وبصيرتي لأفق ٍيتدلى من خيوط الشمس ، ليعلن لي سرّ الوهج المتلألئ في عينيه ، ويقول لي بلكنة حلمه الغريب ، سنحفر خندقاً تحت أفق الشمس المتدلي .
كنتُ غريباً أصدقُ غرابة أحلامه ، وأتجاهلُ وجعَ غربتي بيني وبينه . حاولت الاختصار بكل ما أمكنني لأعبر له واليه في نقطة اكتمال ٍفريدة ، نقطة الدهشة الممكنة والمستحيلة . تلك النقطة الهادئة حتى صخب الصمت ، والمجلجلة حتى الانفجار . إنها الدهشة الغير ، والغير الدهشة .
حملتهُ أو حملني على قوالبَ متعامدة على مهجة القلب ، وأفرغنا من فراغ أحلامنا بعض البوح المغامر والمقامر حتى الانتحار البليد ، لتحفنا لحظتها المأمولة ، وتفاجئنا شهقتها المجنونة ، ونمضي في غمار انفلاتها المضيء كنجمة ٍوحيدة تعبر في سماء التعب المتشظي في أعماقنا ، كالوهلة المجيدة .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 19:08
(9)
هي لحظة ٌأعود اليها لأتنفس عبير أيامٍ مضتْ . أعود اليها كالهارب من الصقيع ليحتمي بجذوة نار الذاكرة . ما غيرها الذاكرة ، تحتلني من الوريد الى الوريد كلما أرهقتني صورتي المتعبة .
أقفُ أمامها متهالكاً حتى أخمص وجهي الشاحب ، وقد أخذته رمادية ظلي ، وأخفته في عرين حزنه الصاخب ، وطوته كالجريدة الفاشلة المهملة .
أقف أمامها كاليتيم ، أسألها هجعة ًللوجع المترب بالمسافة الخانقة . أسألها خبز أحلامي المتعثرة ، وحلوى أيامي المتناثرة على رصيف هواجسي المتآكلة .
كنتُ أرصد بوحها الرحيم ، المنتشر على سقف حزني كأوراق الخريف . وأدخل في طقس أوهامها كالصحاري المقفرة ، أحلم بمزن انهمارها واشتعالها لأعود من جديد ، وتهتز أغصانُ مهجتي المتفحمة .
ما سواها الذاكرة ، رغم ثقبها العنيد ، تقفل أبوابَ غربتي ، لأنهض كالعنقاء من رماد التعب المتشبث بأجنحتي ، وأحلق في سماوات انعتاقي وحريتي .
رغم ثقبها المائل على مرايا انكساراتي ، تميل عليّ بأثداء البقايا من بوح وجهي القديم ، لأعود ..... لأعود ...... .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 19:14
(10)
أفتح بوابة ًللشمس ، ونافذة ًللعصافير ، وأقفلُ المساحات المتبقية لاتساع الجرح .
أعلنُ هدنة ًمفتوحة بين المد والجزر ، وأستبيح موجة ًمراهقة ًتشغلُ مهجة القلب وأبدأ الترقب والعد ، من فاتحة الأسئلة الى رحم العجز الموبوء في الرد .
أنهض من سبات الحلم ، معلقاً بأوردة الشوارع المنسية في مدن الأمس . وأخطفُ لحظة ًهاربة من وطن المجهول المرتقب ، لأمارس فيها عبثيتي المتأخرة .
أفعل أشياء كثيرة لأتفادى ليل المسافة ، وأمنح ظلي فرصة ًتلو أخرى ليقترب منيَ أكثرَ وأكثر .
هكذا أفعلُ ولا أفعل ، كلما بادر السؤال بنشر أجنحة الغربة والحيرة . وكلما برقتْ في عين أيامي لهفتهُ المريرة ، لاقتناص اللحظة الحالمة الأخيرة .
هكذا أفتتح أزمنة ً أخرى لمواسم السنابل ، وأمكنة ًجديدة ًلاشتعالات المساء .
ليس بعد ، مازال في القادم وقته الأجمل ، لأبدأ الغناء ، رغم الغبار المتطفل على نافذتي ، ورغم الهجير الصاخب ، وويلات الريح المجنونة .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 19:17
(11)
أغرق في بحر قطرةٍ من ألم ، وأتمدد في ظلّ نخلةٍ من جرح ، وأعلو حتى أمتزج بغيم لوعتي ، وأسقط حتى يعلق قشر البرتقال بقامتي ، وأتحلل الى أسئلةٍ رمادية تراودني على فراغات مهجتي . الآن وحدي ، وكلُّ شيءٍ يلتصق بي .
كل شيءٍ أقرب لي من جسدي ، محنطٌ أنا في انفعالاتي وثوراتي الهادئة حتى هدوء الموت .
المح ظلي في سراب المرايا ، يعاكس نجمة ً تغزل ضوئها المثقوب بلحن نشيدي ، وابتهالات شوقي العارم حتى الجنون . ( هكذا أكونُ أو لا أكون ) .
ليس لي من غفوة صبري على عين ٍتحاكي ثورتي الشاحبة الا انفعالات الدموع ، والحزن يدفعها كالطفلة التائهة ، أو الشاعر المهزوم .
لستُ أخفي شعوري بقسوة الهزيمة ، عند آخر بوح ٍتصبب له جبيني ، وانثنت قامتي كغصن زيتون ٍ، ووردة ٍطائفية . لستُ أخفيه ، وقد تصاعد كالدخان الكثيف ليملأ سماء أحلامي المخملية ، ويحجبَ أفق انتصاراتي الهلامية .
آهٍ ، أيتها القصيدة الغجرية ، أقفُ الآن بين يديك ، وأنا مجرد شاعر ٍ هلامي ٍ قد عصفتْ به مليونُ هزيمة . فافتحي ذراعيك ِلعاشق ٍمهزوم ٍمحنط .

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 19:24
12)
على حدود النظر ، وقفتْ صورة ٌأخرى للحلم القديم ، صورة ٌمزيفة ، تكتنفها الثقوب ، وترتعُ على جسدها الهش المتآكل ديدانُ الهزائم ، وفيروسات الخذلان والغربة والهروب .
حدقتُ في تقاسيمها وتجاويف الزمن العابث في خلجاتها ، وتأملتُ أطياف الخيبة التي تكسو قامتها ، والندب الطاغية على ملامح هيئتها ، واعترتني قشعريرة الاكتشاف المذهل المبكي ، وهي تشبهني الى حد التطابق الرهيب .
كانت صورة الحلم القديم ، وجهه المزيف ، وأحلامه المثقوبة من الوريد الى الوريد . لم تخدعني تلك الصورة أكثر من خداعي لها ، ومكري عليها وأنا أستدير لها ، متنكراً ، متجاهلاً وقفتها البليدة ، وأقول في داخلي هامساً وصارخاً لها – يا أنا ، أنا لستُ أنا .
تركتُها وحيدة ، كليلها الطويل . تركتها خلفي تنادي ، بزيفها تنادي ، بثقوبها بتآكلها ، بهزائمها ، بغربتها وخيبتها ، تنادي ، تنادي ، تنادي .
وعندما زادت بيننا مسافات الهروب ، نظرت خلفي ، ولم أراها ، صرختُ بأعلى صوتي ، مردداً مقولتي لها – يا أنا ، أنا لست أنا .
سمعتها تردد من داخلي ، ( أنا لستُ أنا – أنا لست أنا ) ، واعترتني للمرة الأخرى قشعريرة الاكتشاف المذهل المبكي ، أجل ، كنتُ أنا ، وكانت صورتي ، صورة الحلم القديم .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 19:27
(13)

أتجاسرُ على خطوي المائل قليلاً عن قرص الشمس ، لأبث فيه صدى لوعتي ، وأقرأ عليه بعضاً من نهج الروح ، معتصماً ببريق مهجتي ، ووميض أحلامي .
أخلد برهة ًتحت فيء مغامرتي لهذا البوح ، التقط شيئاً من أنفاس جنوني ، أتنشقها عميقاً كالخارج من تحت الماء ، أو كالداخل فيه .
أهدأ حتى أعتاد السطح أو يعتادني ، لأبدأ رحلة ًأخرى بنفس الخطو المائل قليلاً عن قرص الشمس ، محاولاً أن لا يسبقني تمرد ظلي لثورتي البيضاء غير المعلنة
فينشرُ فيها صخبه العارم ، وظلاله المضطربة .
من فرط بوحي قد أجدني فجأة ًملتحفاً بجنون الريح ، وغيمة ٌصغيرة تنامُ على ساعدي . وقد أجدني معلقاً بساق دوار الشمس ، وقد بدا متثائباً ، مللاً من طول هذا البوح . فأهربُ الى نجمةٍ تشبه الوطن ، أخبئ فيها بعض أحلامي وأنام .
هناك ، خلف قمرٍ لم يصعد بعد على ظهر الدنيا ، أقف وحيداً ، حتى من ظلي ، حتى من جسدي ، حتى من هذا البوح المتهالك .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 19:30
(14)

أيّ واحدٍ منهم أنت يا قلبي ؟ . أراك تبدو أكبرَ من حجمك ، وأصغر من حجمي .
لماذا أنت أكثرُ عمراً مني ، هل لأن أشياءكَ تشيبُ قبلي ، وتتركني للشوق الهرمِ يعبث بما تبقى من مهجتي ؟ .
لماذا أنت مختلفٌ عني ، لا تشبهني ، هل لأنك دوماً تعصاني وتقهرني ؟ .
مسكينٌ أيها القلبُ الشقي ، تعيش عمرك خالياً مني ، كأنك لستَ لي ، وكل ما فيك يخصني وحدي . وحيداً ، تعاني بكور انطفاءاتك ، ووحشة عزلتك ، ومرارة جرحك . أواه عليك ، مكسورٌ حتى آخرك ، حتى أخمص نبضك .
مسكينٌ أيها الشقي ، أدمنتَ ليل أحزانك وغربتك ، ماذا عساني أقولُ لك ، وقد تناسيتني حتى نسيتك ، وهجرتني حتى تنكرتُ لك ، وعبثتَ بي حتى قتلتُك .
مسكينٌ أنت ، لم تعرف الا هزائمَ شوقي ، وانتحارات غيابي ، ومسكينٌ أنا ، لم أعرف سوى نزف جراحك ، وموت أحلامك .
ماذا عساني أقول لك ؟
لن أقول شيئاً ، سأصمت ، وقد ودعتني ، لتحيا بدوني ، وأموتُ بدونك .
لن أقول شيئاً ، سأصمت ، وأصمت ، وأصمت .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 19:32
(15)

أقبعُ الآن خلف بوصلتي العتيقة ، أنفض الغبار المتراكم على كل الجهات الأصلية والفرعية ، محاولاً إيجادَ جهةٍ أخرى لهذا البوح المتهالك .
جهة أخرى تبقى في معزل ٍعن تطفّل الغبار ، وبعيدة عن انقسام الجهات عليها ومن حولها . جهة ٌ تتمرد على بوصلتي ، وتفصحُ عن رمادية وجهي .
أريدها مستقيمةً الى الجرح ، عمودية ًالى الانكسار ، مصوبة ًالى عين النزف .
أريدها ملتوية ًالى القلب ، متعرجة ًالى الروح ، متثنية ًالى ردهة البوح .
جهة ٌأخرى متعامدة ٌعلى نبض الحلم ، لتختصر نحوه انفلات المسافة العمياء ، وتوقفَ التأرجحَ العنيد في وميضه المتقطع ، وبريقه المتنقل بين الجهات .
أريدها كالسهم ، تخترق ليل الغربة البهيم ، وتجرح الظلام المنتشر في مرايا الألم.
أريدها عيناً ، تقرأ سرمدية التعب المتشظي ، وتفكُّ طلاسم الوجع المتخفي في دهاليز الروح .
جهة ٌ تحتلني ، من بحر هواجسي الى نهر انفعالاتي الخامدة ، ومن أرض غيابي الى سماء مهجتي الثائرة .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 19:35
(16)

تتقنُ عزلتي تخدير الألم الأهوج ، العابثِ في داخلي كالفيروس القاتل . وتتفنن في إلغاء مجلداته وملفاته المقرؤة منها والمخفية . وتصبح العزلة محركاً للبحث عن اصداراتٍ جديدة لأي مضادٍ لتلك الفيروسات الخطيرة .
وحيداً الا مني ، ومن ابتهالاتي الخافتة ، أمضي متسربلاً جذوة اشتعالاتٍ غامضة لأبقى معتكفاً في لحظةٍ واحدة ، لحظة مدٍ وجزر ، تقدمٍ وانحسار ، تقوقعٍ وانتشار
وأظلُّ بخطوي الضئيل المائل قليلاً عن قرص الشمس ، أسيرُ نحوي بثباتٍ لا تغريه أزمنة التهافت والتهاوي والانقسام .
لا أنفكُّ محاولاً جمع شتات قامتي من بوابات الريح ، سانداً هيكلها المتهالك بجداريات البوح واجباريات الهمس اللذيذ .
أغوص عميقاً في أعماق وحدتي ، لألمس لبَّ ذاتي ، وجوهر الأنا المهمل في تجلياتي الحميمة ، وتوجساتي السقيمة ، وحافزٌ يدفعني للغوص أكثر وأكثر ، حتى انعدام الجاذبية ما بيني وبيني .
وحيداً الا مني ، ومن صلاتي ، ومن بؤرة ضوءٍ وحيدة ، سأمضي ، وأمضي .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 19:37
(17)

تتقاذفني هجعة الحلم ونتوءات الأمل الضئيل ، رغم انشطارات الهاجس المستبد المفعم بالقلق ، والموشوم بالجرح العنيد .
ألمحُ العطش الفاجع يمارس غوغائية مذهلة وانفلاتاً عجيب . وتطغى صورة السراب المدهش لتملأ الأفق البعيد ، بل والقريب .
هكذا تبدو الحياة أحيانا ، أضيق من حلم ٍصغير ، وأوسعُ من فاجعةٍ عظيمة .
أنظرُ حولي ، لا أرى الا الفراغ الجامح يحتويني ، ويلصق على جسدي الهش المتآكل صورته العابسة ، ووجهه البائس البغيض .
فراغٌ يتصببُ مساحاتٍ جوفاء ، لا لون لها ولا طعم َ ولا رائحة ، ولا تشبه الماء ، بل تشبه الظمأ الغائص في العروق . مساحاتٌ خالية ٌ رتيبة ٌ مملة ، تعتنقُ الألم الغارق في بحر التعب ، وويلات الوجع الصاخب حد الجنون .
هجعة الحلم لا تكفي لكل هذا العطش الظالم والطاغي على قامةٍ آيلةٍ للسقوط .
رباه ، كم قامةٍ ستسقط ُ في هذا الخريف المخيف ؟ وكم ستنتظرُ الربيع ؟؟ .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 19:40
(18)

اسحب ياهذا نصلك من قاع صدري ، لأعود حراً من قيد جراحي ، وأغلال نزفي .
دعني أبدأ لو مرةً مشوار بوحي لوحدي ، دعني أمرق من خلالي لأفتتح المواسم الغائبة عني ، دعني أهمس للسنابل النائمة على كتفي والقي عليها نشيدي الحزين
دعني أخطو في دهاليز روحي كي أجدني ، دعني أفقأ عين هزائمي لأعلن نفسي .
جرجر نصلك هذا من بقايا وجعي ، وبوح تهالكي ، وانشطارات تعبي .
دعني أنظر من نافذتي ، لأختصر المدى ، وأعتصر المسافة الممتدة الى لون وجهي .
من زمن ٍغابر ٍللشوق العابر في دمي ، والعابث في مهجتي ، وأنا أصقلُ لحظة ً واحدة لاحتفالات اللقاء ، وأروضُ وقتي لانبلاج فجر ٍ مختلف ، وأوغلتُ في حمى انتظاراتي حتى أقفل النهارُ وغاب . لم يدع لقامتي ولو لحظة ًيتيمة ً لتخرج من أسر انكساراتها المريرة ، وترقى الى سماء الجبين .
اسحب نصلك هذا ، ودعني ، أبدأ الآن مني ، مني أنا .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 19:44
(19)

آن لي نشر أشرعتي على جسد القمر المختبئ خلف هضاب القلب ، وآن لي أن أتوحد في عين المسافة المثقلة بالشوق والمفعمة بالحنين ، وآن لي أن أتواجد دوماً على سطح الماء العامر بابتهاجات المهجة المفتونة بالهجير .
آن لي أن أصعد بابتهالاتي الى سماء الوجع الضارب في أتون اللحظة الهاربة ، وأن أغمد سيف انتصاراتي المزعومة في كبد المساء الحزين .
آن لي أن أبدو أكثر مما أبدو ، أطول قليلاً ، وأكثر ذكاءاً ، وأغزر تجربة ، وأسرع فهماً ، وأوسع انتشاراً ، وأعمق معنىً ، وأعلى قامة ً، وأشدُّ قوة ً ، حتى يتأكد ظليَ المهزومُ من صدق انتصاراتي ، ويعاود التصاقه بي والسير في خطواتي
ويرتاح لو ساعة ً من تعب الهروب المزمن الطويل .
آن لي أن أخلد الى ظلي ، حتى تتزود روحي من فيء ظلاله ، وتبدأ التحليق من جديد .
هكذا ، سنغمر اللحظة المدهشة معاً ، نفتق برهتها ببوحنا معاً ، ونجرح فجرها بضوئنا القليل .
هكذا ..... ، ولكن .
غداً ، ستقول لكنُ هذه ، ستقولُ كل ما لا نريد .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 19:46
(20)

لن أسألَ عن مواعيدي التي ذبلت في صيف الانتظار الطويل ، ولن ألحَّ على نيل اعتباراتي المهملة في سلال السنين ، ولن أبحث عن دفتر أحلامي الضائع مني ، ولا عن قلمي المكسور .
سأظل هكذا ، أفقد أشيائي ، شيئاً ، شيئاً ، حلماً ، حلماً ، عاماً ، عمراً ، شارعاً ، مدينة ً ، حبيبة ً ، وطناً ، وطناً ، وطناً ، وطناً . لن أهتم كثيراً حتى لو أدمى مهجتي فراقـُها ، ولن أهتم حتى لو أماتني حزني عليها ، ولن أهتم حتى لو صمت قلبي حسرة ًوكمداً عليها ، لن أهتم ، لن أهتم .
لم يبق فيَّ شيءٌ يهتم ، متناثرٌ ، متهالكٌ ، مُتعبٌ ، متعبٌ ، متعبْ . رباه يا خالقي ماذا بقي ، رباهُ لطفاً ، نحن قومٌ يقرئُنا الموتُ في كل يوم ٍألف مرة .
سأصمتُ الآن ، وأقرأ الفاتحة .
صمتْ .
صمتْ .
صمتْ .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 19:49
(21)

غابوا عني ، وبقيتُ وحيداً ، أقرأ بقايا غبارهم في ذاكرة الشوارع ، وشوارع الذاكرة . حملتُ ما تناثر من فتات صورهم ، وهربتُ الى فيء روحي ، يظلني دمعٌ أهوج ، متربعٌ على صدر وجهي ، وحسرة ٌمريرة ، تعبرني كالسهم ، تلون خارطة حزني وألمي .
تقاذفتني أمواج تعبي ، في بحر الغربة المتلاطم ، لتقذفني أخيراً الى شاطئٍ مهجور لأجد نفسي ملقىً على رمل وحدتي ، عابثاً بالطين ، أرسم تارة ًعليه وجهي ، وتارة ًأمحو ، وتارة ً أخرى يلاحقني الموج ، فيغرقُ كل الرمل .
هل سأنزعُ ولو متأخراً جداً فتيل انشطار الحزن الصاخب ، والوجع الذائب في دمي ويعلو وجهي خارجاً من قمقم غياباته ، وأظفرُ بلحظةٍ متقدمةٍ ومتمردةٍ على هاجس هذا الموت البارد ؟ .
هل سألاحق يوماً وجوه الذين قد غابوا ، داعياً بقايا صورهم ، للمشاركة في احتفالات الذاكرة قبل فناءها المترقب كل حين ؟ .
هل سيقدِّرُ أولئك الغائبون حينها نحيب تهالكي ، وجنون بوحي ، ولوثة الحلم الرابض في أوردتي ، وهاجس التعب المثقل بالأنين ؟ .
هل سيمكثون طويلاً ، ليقرءوا عمر انطفاءاتي المديد ؟ .
ليتني كنت أدري ، ليتني . لكنني ، لا أظن .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 19:51
(22)

أتجرأ اللحظة على فتنة القلق ، لأفاجئها في غمرة انتشارها المذهل ، بسؤالي الغريب نوعاً ما ؛ من يكون غريق الضوء ، وما علاقتي به ، ومن أين جاء ؟ .
تلك لوحة ٌكنت قد رسمتها ، قبل أن تفاجئني وتفجعني أخبار الصباح . وكنت قبل أن أسلم عيني لهدأة نوم ٍقصيرةٍ جداً ، أتسائلُ قلقاً ، هل سيخطف الضوءُ
أحداً ما ؟ وما علاقة الغريق ، ويده المودعة من خلال الماء ، بذلك الضوء الذي يملأ الأفق ؟ . وما علاقة اللوحة بأخبار الصباح ؟ .
ستلومني الأسئلة الكثيرة التي أغوص فيها ، وهي تحملق في وجهي بحثاً عن إجابة ، أو أدنى رد . ستلومني كثيراً ، وأنا أغرس المزيد منها في كل يوم .
هل هو الموت ، ورهبته المنتشية ، ووقوفه الصامت كالجدار ، تلك الوقفة الرهيبة والمهيبة ، والتي تغري العديد من الأسئلة الباعثة على المزيد من القلق والخوف والترقب والانتظار ؟؟ .
أيكون الموت في رهبة ظله حافزاً للخلق والإبداع والإصرار على الحياة ، ومن ثمَّ وبشكلٍ طردي ومتصاعد ، قد يتولد لدينا نوعٌ متشعبٌ من التماهي في صوره وإشكالياته الى حد الالتصاق المباشر أو غير المباشر فيه . والذي يجعلنا في لحظةٍ لا نملك تفاصيلها ، نصل الى فك غموضه ، والبوح بأسراره ، واكتشاف عالمه القريب البعيد ، والعادي الغريب ، والبسيط المعقد .
أقول ، ربما ، والله أعلم .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 19:53
(23)

أحملُ ما تناثر من أوراق أمسياتي الحالمة والمؤلمة ، وما خطته أنامل أيامي على سطح غيبي الذي قد تبدى ، متجاهلاً رعشة الأماني العارية تحت سقف المجهول المختبئ والمتأهب للحظتي القادمة .
لا أملك شيئاً ، سوى أن أهزّ النور المنفلت من وقته الليلكي ، ليسّاقط كالثمار الناضجة على أرض أحلامي ، وأعشاب أمنياتي ، لتعبث به العاصفة المقبلة .
لا أملكُ شيئاً ، سوى أن أختبئ خلف ظلي ، وأنتظر فجأة قدومه ، وعيني على فتات بريق ٍيحطُّ ويعلو كالكرة ، تتقاذفها أقدام انفعالاتي وثوراتي الهادئة .
آآهٍ ، لو أتمدد أكثر ، لأملأ تلك المساحات الجوفاء ، والفراغات العبثية ، ولو أتوحد أكثر ، لأنشر جسدي على سطح النور المنبثق عبر أثير أحلامي التائهة .
آآهٍ ، لو لم أكن متهالكاً الى هذا الحد ، لأشبعتُ الروح مداً يمتد ، وشددتُ بلوعة بوحي ، أنهاراً من حلمي المنهد .
آآهٍ ، لو أملك أكثرَ من هذا الرد .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 19:57
(24)

كانت كالشيء العابر . عبرَتْ ، الا مني . وقفتْ تنسجُ خطوتَها ، زمناً في ردهة وجعي ، أحملها قدراً في قدري ، حلماً يأبى أن يعبرني ، درباً يعشق أبوابي .
الا مني ، لم تتجاوزني ، ظلتْ بعضاً من بعضي ، كلاًّ من كلي ، انتحلتني رغماً عني ، سكنتني ، أخلتْ جميع أشيائي واحتلتني ، أرضاً وسماءاً ، قمراً ، شمساً ، ماءاً وهواءاً ، بحراً ، براً ، جسداً وظلاً ، حلتْ بدلاً من كوني المنفي ، وعبرتْ ،
الا مني ، لم تعبر ، لم تخرج من ذاكرتي .
كانت ، الا عندي ، بقيتْ في رحم بقائي ، تحيا بحياتي ، يوماً ، شهراً ، عاماً ، عمراً أزهى من عمري ، أكثر ألقاً ، بل زمناً يتعدى زمني .
كانت كالشيء العابر ، عبرتْ دوني ، تركتني الا منها ، الا مني ، الا من شيءٍ في شيئي ، عبرتْ ، الا من ذكرى ، لا تعبر ، لم تعبر ، لن تعبر .
هناك ، أو هنا ، مازالت ، مازلت ، لها أرتبُ وجهي ، لم أسأل عنها ، ولن أسأل ، يكفيها حزني ، لكن ، لا ، لا يكفي...
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 19:59
(25)

أرقبُ وقتاً آخذاً في التصاعد الى غمرة بوحي بانفلاتٍ عجيب . يهوي نحوي بظلاله المفعمة بالسواد ، والمشبعة بالجفاف الرهيب .
ألمح ظله العابث في الزوايا ، متنقلاً على وجوه المرايا ، متسرباً من ثنايا المجهول والمنتظر . في كل مكان ، تعصف رائحته المريرة ، تضع بصمتها الغريبة على ملامح الأشياء ، في انتظار القراءة الأخيرة .
ربما هو هاجسٌ حافلٌ بالقلق ، يغطي أروقة اللحظة المرتقبة ، في ارتباكٍ يفضح النشوة الحاضرة ، وارتعاشٍ واجمٍ لصخب المهجة الحالمة .
بل هو الخريف ، خريف التساقط والانتهاء ، خريف التماهي والتناهي ، بل هو التهالك حتى الإغماء ، والتآكل حتى الغثيان المميت .
لا شيء يساعد على الاختباء ، أو الهروب المقيت ، لا شيء هناك أو هنا ، يعلن الوقفة الصامدة ، بل وهلة ً صامتة ، تسبق لحظة الانفجار .
إنه الخذلان المهين ، والتخاذل الباعث على الهزيمة ، انه الغيب ، يضع حداً لتمادي الغرور ، ويثقب ذاكرة الإنسان . انه النسيان .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 20:03
(26)

لا تفتنّي أيها الغيم المتستر على خيبتي ، فلن أرتدي خوذة المنتصر ، وقد انتشرت على جسدي ثقوب هزائمي ، وارتدَت روحي بذلة المتقهقر .
لن تغويني شمسٌ تراود جبيني ، ولن تخدعني أنجمٌ تتبنى ثورتي أو أغصان زيتوني . أنا الساعة أبدو مختلف ، أكثر انعتاقاً في تلمس جرحي ، وأشد تمسكاً باعتناق الحلم ، بل إنني قد عزمت أن أقرأ وجهي على مرأى من عيون الحزن .
أنا مختلف ، رغم الرتابة المتمردة والخانقة ، واللحظة الجوفاء الفارغة . سأصدق ذلك ، رغم الزيف المتشدد والمتطرف ، ورغم التعب الإرهابي المتعجرف .
أجل سأصدق ذلك ، نكاية ً بالزمن العاري ، والوقت المتخاذل المتهالك . وقد أزمعتُ التصدي ، لتشابه الوجع المتردي ، وفاجعة الوهم المتخفي ، في موازين الحقيقة .
هكذا ، أمنح وقتاً آخراً لتجدد السنابل ، حتى تصعدَ سقفَ جمجمتي ، وتفتتح الصبوحات النائمة على كتفي ، ولن تفتني بعدُ أيها الغيم ، فأنا الآن أمتشق ظهر تلك العاصفة .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 20:05
(27)

مقنَّعٌ ، أتخفّى خلف حطامي ، خلف الظلام الذي يهشِّمُ أجزائي ، خلف البقايا من فتافيت أحلامي وأيامي ، خلف انكساراتي ومراراتي وويلاتي .
مقنعٌ ، أندسُّ في عيني ، كي لا أراني ، أو ألمح ظلي . مقنعٌ كلي ، في كل أشيائي قلبي وشارعي ومرآتي .
هكذا أمضي ، مجهولاً ، منزوعاً ، حتى مني ، ومن همي وأحزاني . هكذا أمضي موزعاً ، منقسماً ، مختلفاً بعضي على بعضي .
لا أحد سواي ، يعرفني ويجهلني ، يقبَلني وينكرني ، يوماً ألملمُ أشيائي ، ويوماً أبعثرني ، ويوماً غيري يسكنني .
هكذا أمضي ولا أمضي ، أتأففُ مني ، منشقاً على نفسي ، متمرداً ، أحبني وأكرهني ، أهربُ مني وألحقني .
مقنّعٌ في صباباتي ، حماقاتي ، صواباتي وأخطائي . أتستر على نفسي مني ، أنكر ذنبي وحسناتي ، أتجاهلني ، وأعلمُ أني ولا أني .
مقنّعٌ ، حتى ساعة أبدو مكتملاً ، ألقاني ولا ألقاني .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 20:08
(28)

أحلامي شابتْ ، ظلتْ دهراً فوق طاولتي ، ترقصُ دون هوادة ، كفتاةٍ غجرية . كلَّتْ ، ملَّتْ ، تعبتْ ، هرمتْ ، حتى أضحتْ كعجوزٍ خرِفتْ ، وانسلتْ الى مخدعها ، وحيدة ، كئيبة ، حزينة ، تعصرها حسرةُ أيامٍ ذهبتْ واندثرتْ .
آهِ يا أحلامي العجوز ، لو جازَ لي أو يجوز ، لقلتُ انتحرَتْ ، تركَت على طاولتي ، نظارتها السميكة ، أقلامها القديمة ، ورقاً أصفراً قاتم اللون ، وعصاها الخشبية ، وانتحرَتْ . آهٍ لها ، من يأبهُ الآن بها ، أو تغريه لحظتها الرمادية ، ووقتها الشاحب المتجعد ؟ .
هكذا أضحتْ أحلامي ، بعد أن تقوَّسَ عودُها ، وتدنَّى جبينها ، وتهالكتْ أيامها ، هكذا أضحت ، بنظرتها المتكسرة ، تحدقُ في الثرى ، فوق الثرى ، تحت الثرى ، تخطُّ بعصاها الرمل ، تحاول رسم ظِلالها ، بما تبقَّى في ذاكرتها المثقوبة .
...........
الآن وحيدة ، خلف نافذتها الوحيدة ، وبابها الوحيد المغلق ، وبنظرةٍ تبدو بعيدة ، ترقبُ المدى المحترقْ .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 20:11
(29)

شارعٌ رمادي ، ضوءٌ منسكبٌ بآخر الطريق ، بابٌ يشبهُ بابي ، هناك منعطفٌ الى القلب ، لطالما وقفَتْ فيه الذكريات ، وهي تسرّحُ تفاصيلها الصغيرة ، بمشط أيامها ولياليها الغابرات .
لحظةً يا زمن ، أندلقُ فيها كالماء ، أتدلى فيها كالرشاء ، أدخل في ظلام دهاليزها وأقبيتها ، أتلمسُ بعضي كالأرملة العمياء . لحظةً مجوفة ، أقذف فيها طلاسم جسدي المهترئ ، وأرتب وجعي المتنقل والمتغلغل ، وأسرح فيها كالراعي ، أتفقد شياه ذاكرتي ، وعشب أحلامي .
لحظةً يا زمن ، أعود فيها اليَّ مني ، أكبحُ بعضاً من أيامي التي تسبقني ، وأستظلُّ مؤقتاً بوهم حضورها ، وزيف غيابها ، وأقلق هدأتها الأبدية بقامة ظلي، سأغمرها بدفء حزني ، وأطرح في ثناياها بعض تعبي ، سأجرها قهراً الى مرآتي لأقرأها وتقرأني .
لحظةً ، أحتفلُ فيها بسابق عمري ، سألونها ، وأزينها ، وأطيبها بعطري ، سأعانقها وأضمها حتى يسقط دمعي .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 20:13
(30)

لولا يقيني أنهنَّ بشر ، لقلتُ ملائكة . أصواتهن ، نظراتهن ، وقفاتهنّ الصامدة والصامتة ، تشير الى أكثر وأعلى من إنسان ، وأقل قليلاً من معنى ملَك .
أجل ، كنّ كذلك ، وهنّ يعبرنَ الى عيني ، كالضوء ، كالوهج الباسق ، كالشهب ، كالأنجم الثاقبة ، ويتجاوزنَ الى مهجتي ، كالتسبيح ، كاللحظة الخاشعة .
البارحة ، صعدنَ الى السماء ، حملنَ أنوارهنَّ المتلألئة ، وصعدنْ ، وتركنَ جذوةً للحزن ، تعصف في قلبي ، حبراً ودموع ، فبتُّ ليلي أنشدُ :

( موتٌ هنا / موتٌ هناك / يا للخيارِ الأوحدِ / موتٌ وموتْ .
أحلامهنْ / بيتٌ وشارعْ / ومآذنٌ بين المنازلْ / واللهُ أكبر .
ذاتَ النقابْ / يا خولة َالزمنِ الضريرْ / تلكَ التي قد أقسمَتْ أن لا تعود / وقفَتْ بجوفِ ظلامهمْ / تدعو الإله / يا ربِّ لا ، لا تنجني / كيف النجاة بلا وطن / ولمَا النجاة ) .

هنَّ صعدن ، وهبط العالمُ من عيني ، حتى القاع .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 20:16
(31)

تخذلني أشواقي ، وهي توغلُ في نرجسيتها العفوية ، وتتهادى على مسرح فؤادي بأدوارها البليدة ، متقمصة ًرجعية ًعبثية ، وتقدمية ًبلهاء .
هي لا تجيدُ الحديث ، إلا بأنانيةٍ بغيضةٍ حمقاء ، وقولٍ مفعم ٍبالغرورِ العفِنْ . نزقٌ يتنزّى على كاهل قامتي الآيلةِ للسقوطِ الفاضحِ حدَّ الجريمةِ الشنعاء . قامتي المتعبة ، قامتي الملونةُ بأطياف الوجع السرمدي ، والمصلوبةُ على أعمدة الفجيعة المدهشة ، والمرسومةُ على الجدران الرمادية ، وأرصفةِ المدائن المثقوبة . تلك المدائنُ الهاويةُ الى قاع الرماد ، والمسحوقةُ كالبارودِ في جوف بندقيةٍ قديمة .
أنانية ، لن تملّ الحديثَ عن تهالكها في تهالكٍ متصاعدٍ ، يزيدُ من تخاذلها وخذلانها ، ويحثها على انفلات وحدتها ، وخصوصيتها ، ورهبة الحلم القابع في ظلال أوردتها .
تلك أشواقي النرجسية ، لا ترى وجهَها إلا في مرآتها المتكسرة ، والمتناثرة على بساط أوجاعها ، وهزائمها ، وانكساراتها المريرة . ولا تلمحُ ظلَّها إلا على صفحةِ ماءِ هروبها ، وشفقِ سماءِ انفعالاتها ، وثوراتها الهادئة ، والمستسلمة .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 20:19
(32)

مُتعَبٌ أنا ، متعبٌ لأكتمل . أحاول عبثاً لملمتي ، أتساقطُ ورقة ًورقة ، في خريف أحلامي وأيامي . عبءٌ أنا على نفسي المتعبة ، والمثقلة بهواجسي ، والعاجزة عن رسم وجهي وظلي .
متعبٌ لأكتملَ في داخلي ، صوتي يجرحُ صوتي ، يدي تفتكُ بيدي ، كلي يهجم على بعضي ، أنتظرني فلا أجيء ، إلا ساعة أرحل ، ولا أرحل ، أبقى وحدي دوني ، ولا شيء معي .
متعبٌ لأكتمل في خارجي ، أتخبَّطُ في خياراتي ، أتضاربُ معي ، أناقضني ، وأسعى في معارضتي ، أمحو حرفي ، أكسر قلمي ، وأقلبُ طاولتي .
متعبٌ ، ولا شيءَ ينقذني مني ، تتساقط بعض أجزائي ، تمشي خلفي ، تصوبُ سهماً الى ظهري ، أحملها على رأسي ، تثقب جمجمتي وذاكرتي ، أضعها في جيبي ، تقلقني ، تفتشني ، تعبث في ثوبي .
متعبٌ ، أصرخُ ولا أسمعني ، أمامي تتقافز لغتي ، تهرب مني ، تقفُ في وجهي ، تشتمني ، ترسمني مقلوباً ، أو مشنوقاً الى ظلي .
لغتي تأباني ، آهٍ من لغةٍ تتجاهلني ، تأبى أن تكتب حزني .
متعبٌ أنا ، متعبٌ لأكتمل
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 20:23
(33)

مدائنٌ هاربة أو متهربة أو مهرَّبة ، تلك المدائنُ الصامتة أو المتصنتة ، تلك التي تتمدد أو تنكمش ، مدن الصقيع ، مالها باب ، سوى باب الهروب الوحيد المغلق . مدنٌ ، الداخل فيها مفقود ، والخارجُ منها مولود . مدائنُ الموت المعلّب ، والسحق المنمق ، والأسر الجميل المهذّبْ .
مدن العقول المشنوقة بشوارعها وأرصفتها ، والمخنوقة بأبوابها ونوافذها ، مدن الأجساد الضائعة ، والقلوب الخاضعة ، مدن الشرفات المهزومة ، والجدران المكلومة ، مدنٌ ، لا رأسية ولا أفقية ، بل تحتية أو سفلية .
مدنٌ مثقوبة ، كل ما فيها أجوفٌ فارغ ، من أول شارع ، حتى البر ، حتى البحر ، حتى الهواء الفاسد القاتل .
مدنٌ لا وجه لها ، مفتوحة ٌمغلقة ، مقبلة ٌمدبرة ، من أين أتيتها لا تجدها ، القادم اليها راحل ، والمهاجر منها زائل ، والساكن فيها مختلٌّ أو مجنون . مدنٌ كانت ولا تكون ، كلا ، أبداً ، ولن تكون .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 20:26
(34)

قلقٌ ممتدٌ على طول الطريق ، من القلب الى القلب ، من العقل الى العقل ، من الجسد المجهد ، حتى الجسد الخائر المقعد .
قلقٌ ، قلق ، نمشي يمشي ، نجري يجري ، نصعدُ يصعد ، نهبط يهبط ، حتى حين ننام ، يتدثرُ في مآقينا ، في أفواهنا ، في عيون أطفالنا ، ولا ينام ، يظلُّ عابثاً في أحلامنا ، أضغاثنا ، رؤانا وهواجسنا ، وحين نفيق ، نجده أمامنا ، في كل مكان ،
يلهو على وجه الساعة ، يتدلى من عقاربها ، يصرخُ ، يضحك ، يعبث بالوقت ، يقدمهُ دقيقتين ، ويؤخره ثلاث ، ننظرُ في المرآة ، نراه ، يحدق فينا ، يقفز على الفرشاة ، ينغرسُ بين أسنانا ، أسوداً كالسوس ، باهتاً كالبؤس .
تتعثر فيه الأقدام ، وهي تخطو مرتبكة ، يصبح لونه أحمراً ، بلون الإشارةِ البلهاء ، ثقيلة الظل والدم ، يتمدد كالمسافة العجفاء ، مزعجاً ، كأبواق السيارات ، متصاعداً كالعدادات ، متجمهراً كالأوراق والملفات ، وفصول الطلاب والطالبات .
في كل مكان ، يحاصرنا ، كالهواء ، كالسماء ، كالإسفلت وأعمدة الإنارة ، كالمارة ، كالأبواب والأسوار ، كالأسرار ، كالجرائد المتكدسة ، وعناوين الأخبار .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 20:28
(35)

هانحن نعود اليك ، وتعود الينا ، كنا ننتظرك ، نترقب عودتك المنيرة ، نقف على حافة الدنيا ، وهامش الحياة ، نلوح لك بأيدينا ، وجوانحنا ، ونسألك الرجوع .
هاأنت الليلة أمامنا ، بقامتك الشامخة ، وروحانيتك المهللة ، بصلاتك ، وتراويحك
وتسبيحاتك ، بأجرك ، وكرمك ، وفضلك ، تهل علينا بنورك الوضاء ، وشمسك الساطعة ، وقمرك البديع المتلألئ ، وقد غطى بضوئه كل السماء .
إيهٍ يا رمضان ، طالت غيبتك ، وتأخرت إطلالتك ، أهاكذا تقوى على هجرنا ، واحتمال بعدك عنا ، إيهٍ يا رمضان ، هل ستعرفنا الآن ، تغيرنا كثيراً من بعدك ، وجوهنا ، ملامحنا ، قلوبنا ، عقولنا ، لم تبق الا أسمائنا ، تذكرنا بنا ، ونستدل بها علينا .
أهلاً بك ، ملايين الأفئدة تنتظرك ، هيا تعال ، اسكن هنا ، بيننا ، في منازلنا ، في عيوننا ، في مدننا وقرانا ، هيا املأنا ، املأ هوائنا ، سماءنا ، فضاءنا ، برنا وبحرنا ، هيا اعتمرنا ، احتلنا ، استولي على كل أشيائنا ، التحم بنا ، ادخل في ثنايا أجسادنا ، دهاليز أرواحنا .
هيا يا رمضان ، تعال الآن ، إنا نحتاجك أكثر ، أكثر من كل عام .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 20:30
(36)

تذوبُ في داخلي لوعتي المشرعة لعصف الهجير ، تتمددُ شيئاً فشيئاً ، حتى تندلقَ من فمي ، كلسان حرباء ، أو أفعى جائعة ، أتحسسُ به همسَ أحزاني ، وصدى تعبي ، ومهجتي الحائرة .
أبدو كدميةٍ بليدة ، في ظل روحي المتربة ، بآلامي ، والمتشكلة ، بهواجس أحلامي ، والملونة ، بفاقع أوهامي . دمية ٌحمقاء ، تتطفلُ على غربتي ، تعبثُ في ظلالها الموشومة ، برجيع آهاتي ، وملامح حريتي .
وحيداً هناك ، أقفُ كالنسر المجروح على جمجمتي ، أنقر سنبلة جبيني ، أتساقطُ حَباً وثماراً على كاهلي ، أنبتُ في جسدي من جسدي ، أنغرسُ في وجهي كنخلة ، أتفرع في روحي كوردة ، أنهمر من عيني كنهر ، أروي عطش حزني ، وجفاف مدامعي .
كالنسر المجروح ، مللتُ جثثَ أحلامي من حولي ، وروائحها العفنة ، سأنقر رأسي ، سأثقب ضعفي ، قررتُ أخيراً أن أجرح جرحي ، وأحيا على دمي .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 20:32
(37)

محتاجٌ جداً لأن أقرأ وجهي كل مساء ، أن أتتبع أثر تقاسيمه وتعرجاته ، أن أتذوق ملح أديم أحلامه وآلامه .
محتاجٌ أن أتصفح صفحة عيني ، أن أتطفل بين سوادها وبياضها ، أن أتعلق في أهدابها ، وأتدثر بجفنها ، وأغوص عميقاً في بحر صمتها .
أحتاج كثيراً أن ألون وجهي بخضاب أسئلتي ، أن أمرق في تفاصيله الرمادية ، وحكاياته العفوية ، ونبوءاته الوهمية . محتاجٌ أن أعبث فوقه كالأطفال ، وأرسم لوحاتٍ مجنونة ، وخربشاتٍ عبثية .
محتاجٌ أن أتملى فيه وأتأمل ، أن أتملقه وأحدق فيه ، أن أعلن غضبي ورضاي منه وعليه ، أن أحشر في مسامه دهشتي ، وأخبئ في خلاياه ثورتي ، وأدس في تجاعيده انفعالاتي وهدأتي .
محتاجٌ أن أفتح أبوابه ، وأشرع نوافذه للهواء ، حتى لا يبدو كالحجرة الخانقة ، والمكان المختنق بأنفاسه الملوثة والفاسدة .
محتاجٌ أن أقرأه كل مساء ، حتى لا تتمدد بعض ثوراته الخامدة ، وتعلو سحنته كالبركان الهائج ، والحمم المتمردة.
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 20:34
(38)

لا تتعدى كونها مجرد طلاسم ، تلك الأشياء التي لا تخبرك عن نفسها ، الا بقدر
ما تخفيه عنك أو أكثر . هي دوماً في نفور من حقيقة وجودها ، ووجود حقيقتها ، تأبى أن تعلن نفسها ، أو يعلنها أحد ، تفضل أن تبقى مجرد طلاسم ، لا كينونة لها الا في عالمها الخفي ، والسري جداً جداً .
هي أمامك ، ولا تملك أن تراها ، خلفك ، وتعجز أن تستدير اليها ، وهي أعلاك ، وتحجبها عنك قوةٌ خفية ، وعندما تحاول رؤيتها أسفل منك ، تسحر بصرك بتموهاتها العجيبة .
هي في كل مكانٍ من حولك ، يتساوى فيها القرب والبعد ، الحقيقة والوهم ، الظل والخيال ، الواقع والمحال . ليستْ لغزاً نبحث له عن حل ، أو سؤالاً نحاول الإجابة عليه ، هي مجرد طلاسم ، تعيش بقدر ما تموت ، وتظهر بقدر ما تختفي .
هناك ، ولا مكان لها ، وفي لحظتك ، ولا زمان لها ، حاضرةً غائبة ، وثابتة ًمنفية ، تملكها وأنت فاقدٌ لها ، تشعر باحتوائها ، وأنت جدُّ عنها بعيدٌ بعيد .

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 20:36
(39)

حافية ، كلماتٌ حافية ، تقدم حرفاً ، وتؤخر حرف ، تكادُ تهلك من رمضاء المعاني وصحاري الجمل المتهالكة . عباراتٌ ذائبة ، في هجير الكلام ، الضارب في أتون اللغة المسلوقة ، وحَر القول في صيف الحديث الطويل المرهق .
كلماتٌ تجفف عرقها ، بمناديل الهروب والعزلة . تنزل عارية ًالى الأفواه ، تتسلق الألسنة الملتهبة ، وتعرض مفاتنَ حرفها ، على اشتعال الورق .
ليلة ٌحمراء ، في ليل الكتابة ، ترقص فيه اللغة ، على طبول الأحرف المنتشية ، ودفوف الكلمات الغجرية . مسرحٌ كبير ، تصعد فوقه العبارات ، لتؤدي أدوارها الكئيبة ، ونصوصها الممسوخة .
كلماتٌ متآكلة ، جسدها رخوٌ هش ، تتساقط منه أعضاؤها ، حرفاً حرف ، ومعنىً معنى ، كلماتٌ بلا ظل ، يسفُّهُ رمل السقوط ، وثرى الهروب ، وتعبث في ثقوبه ريح اللغة المهزومة ، وعواصف الكلم الجريح .
حروفٌ بها شبقٌ للنهاية المظلمة ، والموت على يد الكلمة الموبوءة بالحمى .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 20:39
(40)

عصفتْ بخيل خيالي بوارقٌ ورعود ، وتثنت صفائح قولي طائعة ًومرغمة ، وغدوتُ في مهامه فعلي ، أحنفٌ وكسير ، يجرني رجف مطيتي لرافع ٍوخافض .
ما بالي ، أهجنُ قامتي بعزيزٍ وذليل ، وأشرعُ في غياهب مدلجات الأمور ، وأرتق رقاع جسدي ليكتمل ، وتهالك بوحي ليثور .
ماضٍ أنا في خطابي وخطبي ، لا مبالٍ بسفاسفٍ وخطوب ، تعتريني كبوة ظلي ، ونفرة الوقت الرهين ، فأعود ، مراهناً بحُرّ دمائي ، وصافنات المعاني والوعود .
يمرح الوجع في مرمدات العيون ، تستشف البرءَ من حدقاتها ، وتستلهم النظر الحديد ، حتى ترى ما لا يُرى ، وتثقب الخافيَ من غيبها ، بهاجسها الرقيب .
هكذا كنت وأكون ، كلما توارت في المدى مهجتي ، وبهجة الحلم المسجى على أوردتي ، وكلما غالتْ في بعدها مهاجع الأمل الوحيد . هكذا أنزو بهمي عن براثن السقطة الفاجعة ، والنزلة الموجعة ، وأظفر من ظلال لوعتي ، لو بالأقل القليل .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 20:42
(41)

تيسر القول وتياسر ، وتيامنتُ بهمِّي وهمسي ، أنقِّلُ مهجتي في أصدافها ولآلئها ، لا متحيّزٍ أو متصابي .
أشغلتني لوعة ٌخافية ، تتهادى في ثنايا فؤادي وعقلي ، لم أبحْ يوماً بها ، ظلت هنا ، رسماً بباطن كفي ، ووشماً أخضراً بظاهر ساعدي ، وعيناً بعيني .
تزلزلتْ قامتي ، وانهدَّ ظلي ، وتثقَّبتْ مساحاتُ حلمي ، ولم تزل لوعتي ، حصناً حصين ، بابه من نهارٍ سرمدي ، شاهقٌ حتى السماء ، حتى مقلة الشمس .
متعبٌ ، لكنني ، واقفٌ كالزوبعة ، كوجه إعصارٍ ، وجبين عاصفة . أخرجُ من ثقب ذاكرتي ، ريحاً تفترش الأرصفة ، وأغدو في حوانيت أحلامي ، أعلقُ وجهي على رفوفها ونوافذها المشرعة ، آزفٌ وقتي ، ولحظتي آزفة .
من مهد صبابتي ، أشعلني هاجسٌ في دمي ، وبارقٌ في ثنايا قامتي ، وعزفَتْ على نياط قلبي ، رغبة ٌساحرة ، استوطنَتْ مهجتي ، وتخلَّقَتْ بسماء روحي ، فكنتُ من هيجائها أتوهَّجُ ، أتوهجُ .
كم رامني في بوحها ، ألمٌ تربَّعَ في الزوايا ، وجعٌ تعلقَ كالردى ، على وجوه المرايا ، حتى غدوتُ بداخلي ، خصماً خصيمْ .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 20:45
(42)
أستحضرُ ماضيات الصور ، وأستقرئ عذبها وعذابها ، أبيضها وأسودها ، وأنهجُ في عمق عالمها ، مستحثاً خافي خلجاتها وبعيده ، فهناك رتلٌ من ملامحها يأبى الحضور ، متمنعاً في دهاليزه وكواليسه .
هكذا أجدني متحللاً وذائباً في أصغر تفاصيلها وأدقها ، فأعمرُ فراغها بزيف حضوري ، لتنهض من سباتها ، على صوت أنفاسي ، وهي تتحسس وتشتمُّ غبارها المتصاعد من تراكم أجسادها ، وضباب ظلالها ، فنتبادلُ قشعريرة اللقاء ودهشة اللحظة وفجاءتها .
أحياناً يطيبُ لي ، أن أتبادل معها المراكز ، فأتقمص بعض صورها ، لأنظر نحوي من خلالها ، فلا أراني الا كظلٍ أو خيال ، يحاول مراقبتي كجاسوسٍ غريب ، فهل كنت أنا وليس غيري ، ذاك الذي حاورته في المرايا من سنينٍ وسنين .
كنتُ أسأله ولا يجيب ، ربما لأنه كان يشبهني في حينها ، أما الآن فلا ، قد اختلفنا كثيراً ، الا أنه ما عاد يسألني ، واكتفى بالسبات الطويل .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 20:47
(43)

عنوة ً، افترشَتْ الوحدةُ أرضي وسمائي ، جردتني من أنفاسٍ حميمة ، كانت تحومُ حولي ومعي ، أدخلتني في فراغٍ قاهرٍ ، مطبقٍ بالصمت الرهيب .
جعلَتني كشارعٍ وحيد ، في مدينةٍ خالية ، شارعٍ دون أرصفة ، دون مارَّة ، بلا نقاط عبور ، شارعٍ مظلمٍ مهجور .
أفرغَتْ ذاكرتي ، مسحَتْ أسماء الرفاق ، واحداً واحداً ، بممحاة الغياب ، تركتني كنخلةٍ جرداء ، بصحراءَ بعيدةٍ مترامية ، أو كخيمةٍ مهجورة ، تنعق الغربان على عمدانها ، في كل مساء .
مواتٌ في مَوات ، تنهجُ فيه روحي ، تعالج سقم ظلالها ، ورفات ظلها ، وتستبدُّ بها غربة ٌظالمة ، وحزنٌ عارمٌ ، جارفٌ كالطوفان .
( عثتُ في رعشة جسدي ، وطفقتُ أعلو وأعلو ، حتى امتزجتُ بالغيم ، فأيقظتني السماء ، فسقطتُ قطرة ًقطرة ، قطرة ًقطرة ) .
هكذا قلتُ يوماً ، وهكذا الآن أقول .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 20:49
(44)

وسيلة ٌعرجاء ، لغايةٍ ضريرة ، وطموحٌ أعمى ، بقامةٍ كسيحة ، يتبدَّى الغيمُ ، فأنشدُ مطراً ، وتصعدُ الشمس ، فأبحثُ عن نهارٍ جديدْ .
تبرقُ الأماني في ظل غفلةٍ من الألم ، فأحثُّ اليها الخطى ، مستعيناً بذياك البريق ، وأحمل الأحلام على راحتيَّ ، كالطفل الوليد ، وكلما ناب بي الشوق المستبد ، تضرعتُ بطول ذاك الطريق .
فتنة ٌأوغلَتْ في داخل ذاتي ، تعمقَتْ أوصالها في دهاليز العروق ، لها أرغمتُ عصيَّات القوافل ، وهصرتُ عنيدات الخطوم ، وتلحَّفتُ بظلي ، وتفيَّئتُ بهاجسٍ يجري في الوريد ، فتنة ٌلها ما أرادتْ ، وليس لي ما أريد .
تلك جوقة أحلامي ، ترتل غربتها ، على صُمِّ المدائن ، وتمجُّها لدائن الهزائم ، وتخرسها مواويلُ السلاسل والقيودْ .
عبثاً يحلِّقُ خافقي ، طرباً بأسرٍ محكمٍ ، لا يكلُّ ولا يملُّ ولا يلينْ .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 20:52
(45)

قد تزيَّنتُ بدرعٍ من ذهبْ ، وحملتُ الرمح عوداً من قصبْ ، وتطاولتُ بوجهي هامة ًمجروحة ً، وتفانيتُ لأعلو قامة ًمن سراب ، إنما الحرب دوماً ، هكذا ، كرٌّ وفرُّ ، واندفاعٌ هائجٌ في حمّى الوغى ، وانسحابٌ وجرُّ .
مَن لعيني ، من لدمعي ، مَن لحزنٍ جائرٍ في الجوى ، مَن لمكلوم الفؤادْ ، ظل دهراً يكتبُ الخافي مدادْ ، يكتبُ السطر بجرحٍ ثم يمحو ، ثم يكتبْ ، ثم يمحو ، انقضى العمرُ محواً في كتابْ .
أنزعُ الآن حدودَ البوصلة ، والجهاتَ الأربعة ، أجعلُ الشرقَ غربُ ، والشمالَ جنوب ، هل تذوبُ البوصلة ، أو تتوبْ ، أو تماري في نفاق المقصلة .
عدتُ من علياء نفسي ، مجهَداً ، شاحبَ الوجهِ كليم ، أنشدُ العمر ثوانٍ ، من نسيمٍ عليل ، من رحيلٍ ، أو هروبٍ ، عن دجى الليل الطويل ، هكذا أفنيتُ عمري ، هكذا تفنى الخطوب ، هكذا شأن الحياة الراحلة ، ليلٌ وظلُّ
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 20:55
(46)

قيلَ لي ما أهلككْ ، قلتُ الحياة ، الدروبُ الشائكة ، كلَّ صوبٍ واتجاه ، والمسافة ، بين عيني والسؤالْ ، والمحالْ ، والتعبْ ، والهروبُ الطويلْ ، والزمانُ الضريرْ ، والوقوفُ المُمِلْ ، فوق ساقٍ واحدة .
قلتُ الرحيل ، والمقيل ، والتثاؤبْ ، عند بابِ القصيدة ، والحبيبة ، والولعْ ، والغناءُ الرتيبْ ، والوجوهُ البليدة ، والسهرْ ، في عيون الصمتْ ، والدموعْ ، في خدود الصباح ، والرياح ، والوجع ، من نشيد العاصفة .
والسباحة ، ضدَّ تيارٍ عنيدْ ، والوعيد ، والقلق ، وازديادُ الأرق ، وافتقادُ الرفيق ، والغرق ، في بحور الهزيمة ، والجريمة ، والسقوطُ الذليلْ
مذ أفاقَ الدربُ ينعي ، غائباً لم يعود ، صرتُ مكسور الجناح ، أمنحُ الأيامَ بعضي ، مثلَ عصفورٍ وحيد ، لا يجيدُ الغناء ، فاستقامَ البكاء ، ينتشي بالعويلْ .
إنه ويلُ الجراح ، قد أذاقَ العمرَ طعْناتِ الرماحْ ، واختفى في السواد البعيد .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 21:00
انثنى كاهلي ، وانزوى في ركنهِ القاصي البعيدْ ، مَن يعيدُ الآنَ بعضاً مِن هواه ، أفلتَتْ سُبحةُ الحلم الجميل ، وارتمَتْ حباتُها في كلِّ صوبْ ، خيطها أضحى وحيداً ، خالياً ، فارغاً من محتواه ، قد كساهُ الحزنُ ثوباً من سوادْ .
يا لمكلوم الفؤاد ، انبرتْ أيامهُ ، تنبش الجرحَ القديم ، أعملَتْ أظفارُها في دماه ، لوَّثَتْ هدأةَ القلبِ الشقي ، حرَّكتْ في جوفهِ صمتَ الحنينْ ، أضرمَتْ نارهُ ، أشعلتْ ساكناً قد غدا من رمادْ .
مَن يعيد الآن وجهاً من ظِلالٍ غائبة ، قد كوتها معاليقُ العطش ، عربدتْ أوجاعُها في الثرى ، ترسمُ الظلَّ العنيدْ ، تنشرُ الرملَ المسجى بالسرابْ .
لو يُبينُ الحزنُ عن آلامهِ ، أو يُروِّي الدمعُ جرياً بالوجنْ ، لو يذوبُ الشجَنْ ، أو يعادي لوعة ًبالجوى ، آهِ لو يسقطُ الوهمُ المعلَّقْ ، في تلابيبِ الجسدْ ، ربما حينها يجلو النهار ، ناشراً في المدى ، صرخة الحلْم القديمْ .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 21:02
(48)

خطوةٌ خلفَ خطوة ، بعدها الأقدامُ تدمى ، ثم تأتي النهاية ، كالبداية ، تحملُ الوهمَ نشوى ، بالغواية ، بالمنى المستحيلة ، والرجاءِ المحالْ .
شارعٌ بعد شارعْ ، هكذا تبدو المنازل ، هالَها زيفُ المدينة ، لا مخابئْ ، للقلوب السقيمة ، لا موانئْ ، للعيون الضريرة ، لا شواطئْ ، للأماني الذبيحة .
هكذا زيفُ المدينة ، الرصيفُ المعاديْ للإنارة ، والإشارة ، فوقَ كلِّ الرؤوس ، والجدار ، يختفي في جدار ، لا نوافذ ، لا منافذ ، لا منافي للجراح المقيمة .
خطوةٌ للأمام ، بعدها ألفُ خطوة ، للوراءِ السحيق ، ثم يأتي التقاطع ، والتنازع ، نظرةٌ نحو اليمين ، ثم أخرى لليسار ، والمسارُ المغلَقُ ، مغلقٌ بالقرار ، والقرارُ الحصار ، لا خَيار ، هكذا وهمُ المدينة .
ثم تأتي النهاية ، كالبداية ، تحمل الوهم نشوى ، بالغواية ، والرجاءِ المحالْ .
يتبع...

aminehadli
2015-01-08, 21:02
uioyhiouyyuyh

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 21:04
(49)

مَن جنى ما جنى ، إن غنياً أو فقير ، ما يضير ، رجعة ٌنحو الإله القدير ، عُد إليهِ الآن واسجدْ ، سلْهُ ما شئتَ واسجدْ ، اذرفِ الدمع الغزير ، تبْ إليه الآنَ واسجدْ ، اسأل الربَّ الغفور .
اغتنمْ حبلَ النجاة ، استعنْ بالإله ، أكرمِ الأكرمين ، سلهُ أنْ يرحمَكْ ، رحمة ًمن عندهِ ، فهْوَ رحمنٌ رحيم ، سلهُ واسجدْ ، خاشعاً ، خاضعاً ، باكياً ، واذرفِ الدمع الغزير ، تب إليه الآن واسجد ، اسأل الرب الغفور .
يا الهي ، يا مجيبَ الدعاء ، قد أحاطتْ بي ذنوبي ، والمعاصي الكثيرة ، أسألُكْ ،
يا كريم ، يا قريب الرجاء ، يا الهي المغفرة ، يا محبَّ العفو ، اعفُ عني ، اعفُ عني ، يا رحيماً بالعباد ، يا رؤوفاً ، يا الهي يا مجيب الدعاء .
ربِّ ما لي مطلبٌ إلا رضاك ، فارضَ يا رب عني ، إنك اللهُ الرحيم ، إنك الباري اللطيف ، يا سميع ، يا عليم ، ربِّ فاقبل دعاء .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 21:05
(50)

التَّشظي ، موغلٌ في دمي حتى التهالك ، عابثٌ في داخلي ، كالعطش ، كالسُّموم القاتلة ، كالرياح العاصفة ، كالتعب ، كالليالي الحالكة ، بالسواد الرهيب .
اتجاهٌ ، ثم لا اتجاه ، نظرةٌ في المرايا بعينٍ واحدة ، نظرةٌ أخرى بأخرى لا ترى ، لي يدٌ جاهلة ، واليدُ الأخرى أسيرة ، لي فمٌ للصراخ ، دونما أيِّ صوت ، لي مدادٌ يختبئ في سطور الورق ، لي فؤادٌ يحترق ، لي بقايا من جبينٍ مهترئ ، لي صباحٌ نافرٌ من شمسهِ ، لي نهارٌ غائبٌ لا يقترب ، لي رفيقٌ محتجبْ ، لي عيونٌ من رماد ، لي أمانٍ رابضة ، في مناخات الحداد .
ما إذنْ هذا التشظي ، هائمٌ في غيهِ حدَّ الهلاك ، سابرٌ لا يرعوي ، سائرٌ في كل درب ، هائجٌ في المكان ، جامحٌ في الزمان ، طامعٌ في كل شيء .
ما إذن سوف يرضي ، ذا التشظي يا رفيق ، لستُ أدري ، لستُ أدري .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 21:08
(51)

أقفلُ الآن مساحةً جوفاء ، يرتعُ فيها العدم ، وأحمل ظلي هارباً كالمجنون ، لا أنظر خلفي ولا أمامي ، فأنا وحدي ، سأغمض عيني ، وأنطلق .
لن أتعثر ، فكل المكان أحمله الآن على رأسي ، ولن أتأخر ، فقد أفنيتُ أزمنتي ، ما عاد هناك أو هنا ، ثمة شيءٍ يقلقني ، سأغمض عيني ، و...... .
** ** **
قال أحدهم ( ستموتُ النسور التي وشمتْ دمك الطفل يوماً ) ، وكنتُ أقول :
( سأتركُ العمرَ طفلاً لتفطمهُ ، أيدي الجهالى ، وأفواه المساكينِ ) ، هل كنا نجيبُ على بعضنا دون أن ندري ، أم كنا نصرخ بملء أفواهنا ، وكلٌ في اتجاه .
أحدٌ ما كان مولَعاً بزرع الريبة والخوف في داخلنا ، وشيءٌ ما لا نعلمه ، كان يدفعنا للسير على الأشواك بأقدامٍ حافية ، كنا نتجاهل أشياءاً كثيرة ، ليس آخرها ذلك الألم المهول ، والذي قد يوصلنا في أشد حالاته الى حافة الجنون .
** ** **
معك أقول يا صاحبي الذي لا يعرفني ( ستموتُ النسور التي وشمتْ دمك الطفل يوماً ) ، وأقول ( ونحن أيضاً سنموت ) .
تابع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 21:09
(52)

كنخلةٍ بالقلب ، تنبتُ صورتها ، عالية ًحتى سقف الروح ، تتدلى منها عناقيد الذكرى ، بلسماً وجروح ، وعلى سعفها يمتد بريقُ خيالها ، مائلاً كمهجتي ، أخضراً كبقايا حنيني ولوعتي .
كل عامٍ وذكراك في خير ، سأسأل الطير ، سأتحايل عليه بحفنة قمح ٍمن أحلامي ، سأتودد اليه بقطعة سكر ، من رحيق أوهامي ، من أجلك يا سيدتي ، سأتعلم لغة الطير ، كل عام ٍ وذكراك في ألف خير .
** ** ** **
للفؤاد ذاكرةٌ أخرى ، مفعمة ٌبعبير الصور ونشوة الخيال وهمس الأمل ، فيها تتحد كل الجهات ، وتذهب الى القلب ، كإكليلٍ مزدانٍ بالروعة والحب والجمال ، تغرق فيها اللحظة حتى الذوبان ، وحتى التلاشي والتماهي ، وحتى التهالك العذب الشهي
، يصبح الوقت كالشمعدان ، مفتونٌ بنوارس المهجة الحالمة ، ومشتغلٌ بشموع الصبابة والوله ، ومنحازٌ الى تلك اللحظة المجنونة .
** ** ** **
سأسأل الطير ، كل عامٍ وذكراكِ في خير ، تشغل ذاكرة الفؤاد الشقي ، ما بقي .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 21:10
(53)

أحملُ الآن ما تناثر من زهو خطابي ، بصيص ضوءٍ منفلتٍ عن يميني ، وردةٌ تستحمُّ بالندى ، غير آبهةٍ بفتنة الجاذبية ، حلمٌ يراقصُ خياله في الظل ، دمعةٌ تشعر بالقشعريرة ، همسةٌ مضطربةٌ تهزُّ سعف القلب ، آهةٌ تتثاءبُ في خجل ، يدٌ تراود أصابعها المنهكة ، عينٌ مستبدةٌ تفقأ الأخرى المتعبة ، نجمةٌ حزينةٌ ترقع ضوئها المثقوب ، هاجسٌ يطفحُ عشباً وسنابل .
** ** ** **
أعلكُ رمضاء أيامي ، وألعق مزن جوانحي ، وأنشر في سماء مهجتي غيابات جنوني ، وأحلق في فضاء روحي كنورسٍ بليد ، وأتكئ على عصاة خيالي كالمآتا.
** ** ** **
أنفضُ عن كاهلي غبار ذاكرتي ، وأفتتح مواسماً للرفض الأبله ، وأتشبثُ كالمحارب بعنق شجرةٍ مائلة ، وأصعد ظلي لأخترق الحظر الأحمق .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 21:10
(54)

أعتلي خافقي ، ناشراً أشرعة مهجتي ، ميمّماً بوحي لمرفأٍ بالفؤاد ، وقد أضمرتُ اشتغالاً بهاجسٍ يبرق في ثنايا الروح ، ونجمةٍ تسطع على أفق جبيني .
لوعتي الحافية ، ترقبُ واقفة ، وقتاً منفلتاً يثقبُ سقف الذاكرة ، وبها شجنٌ مفعمٌ بالحزن ، وثورةٌ طاغية ، حدَّ التهالك المرير .
( إني أهذي / فدعني / أسقطُ في رذاذ الكلمات / حتى تتبعثرَ أجزائي / حرفاً حرفاً / فأنا المهووس من زمنٍ / بجرحٍ يشرق في ثنايا القلب ) .
** ** ** **
هاأنذا اللحظةَ عابرٌ في وهج الظن ، أقفلَتْ راجعةً فلولُ أحلامٍ غابرة ، تعثَّرَتْ في ويلات صخبها ، وانثنتْ راجفةً متعبة ، تلملمُ سِقطَ ثورتها ، وتلمُّ شارد بريقها ،
( ألا أبدو / أنني لا أريد شيئاً / لا أفعلُ شيئاً / فلماذا يسبقني الظنُّ الى ظلي ؟ ) .
** ** ** **
( مالي إذا انتكأ الجريح ، أتألمُ / أينالني من جرحهِ ، في جرحهِ ، وبجرحهِ / ماذا إذاً لو أنثني / حتى أنامَ وأستريح ؟ ) .
***************************
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 21:11
(55)

على جسدي / وقف البوم / والبومُ صورٍ يتدلى على عنقه . انثنيتُ أقبِّلُ رأس الفتى / خلف ظهره / لمحتُ الحجر . هالني شبحُ الموت / وأنا أغرس وردة / في آخر الحديقة . على طيف الضوء / رسمتُ وجهها / فاخترق جدارَ القلب .
** ** **
نمتُ عميقاً / وعيني تفغرُ جفنها / كالحلم الجائع . أبيتُ الكتابة / كان القلمُ منشغلاً / بقطرة دم / تراودُ الحبر . على سرير خيالي / تمددَ ظلي / ينتظر ولوج النهار . أفقتُ على صوت الفجر / وهو ينزفُ بالظلام .
** ** **
على بعض حروفي / تسلقتْ امرأةٌ غريبة / مازلتُ أجهلُ عطرها . كانت ترتدي قناعاً / خالياً من علامات الإعراب . وقفتْ على باب القصيدة / تشدُّ إزار القلم .
صرخَتْ ظلالها / اهتز سقفُ الذاكرة / وتدلَّتْ منه رؤوسُ الحروف .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 21:12
(56)

أرهفُ السمع لجرح ٍغائر ٍفي ثنايا الفؤاد ، امتشق صوته المكلومَ وأصعد ، افترش نبضه الدامي كالبساط وأعلو ، عابراً آفاق مهجتي ، وغيابات ظلي ، وتحثني فتنة الحلم لأمضي ، لسدرةٍ بعيدة ، تضع العصافير عليها أجنحتها وتنام .
** ** ** **
تعتليني سحنة العاشق الصريع ، وأبدو للملا مغرماً ، صباً هائماً ، أشتكي من لوعة الحب الفظيع ، لكنني ما انفككتُ مسائلاً نفسي ، ولوعة ٌ تعصرُ القلب ؛
( لماذا أحملُ ثقباً في ذاكرتي ، يتمددُ في ذهولٍ الى خارج رأسي ، يتصببُ على وجهي كالعرق ، له شكلُ الماء ، ورائحة الطين ، وطعم الألم ) .
** ** ** **
صورتها / تلك التي سقطتْ بجوار النهر / فاحتضنها الشجر / مازالت تغني / والنهر يشربُ من جسدها / الغض النحيل / قطرة ماء / قطرة ماء .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 21:13
(57)

اتكئ ياهذا على قلبي ، ولنمض معاً في منزلق الوقت ، نعمرُ لحظاتنا بهمس ٍيتدلى من أفواهنا كوردة ٍجبلية . بي لوعة ٌ ياهذا لأحلم بك ، وتصدني ريحٌ مجنونة ، تقفُ على بابي ، بها شبقٌ لمحو ظلي ، أو كسر قامته المتعبة .
** ** ** **
دعنا نمرق كالهواء ، على سطح هذا الماء ، ونعبر الضفة الأخرى ، ونلمس اللحظة النائمة ، على شاطئ الغد الأجمل ، هيا نمدُّ الأشرعة ، ونصعدُ لو قيد أنملة ، عن جرحنا العابث فينا ، عن قيدنا المأسور في ظلالنا ، عن عنفنا المتبلد ، وثورتنا القبيحة ، دعنا نصعد كالعاصفة ، بعيداً عن غوغائية هزائمنا ، وهمجية انكساراتنا ، وخيبات أحلامنا المعتوهة .
** ** ** **
هيا نبدأ من البدء ، من فاتحة الحلم ، نرسمُ وجهاً للظل ، وقامة ًأخرى ، لا تنكسر أو تفنى ، هيا اقترب مني أكثر ، إني أهواك الآن أكثر وأكثر .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 21:13
(58)

مساحاتٌ تفرقُ ما بيننا ، فهل أتقدمُ الآن نحوك ، هل أعبر اليك هذا المهرجان الصاخب حدّ الضجر ، هل امضي صوبك كسهمٍ يخترقُ القلب والرأس واليدين ،
هل أتقافزُ نحوك كالعصافير ، لأنشدَ لك بصوتٍ غريبٍ لا يشبه صوتي ؟ !! .
** ** ** **
مسافاتٌ نشوى تغمر قاع القصيدة ، تقف كالنص المائل ، الآيل للسقوط ، ونحوك تصعد الكلمات ، تقرأ وجهك وتعود ، تحملُ وهجَ السنابل من ناظريك ، تخفيه تحت أجنحتها ، ورعشة أحلامها تزفها للجنون .
** ** ** **
( أقعدُ خلف صورته الشاحبة / خلف آخر المراثي / في جوار النهار / حيثُ تبدو طاولة ٌوحيدة / بين الموت والاختيار / ودون ما انتظار / امتدت الأيادي / من زوايا الطاولة / محاولة / أن تخطف الأصابع / الأرجل الراقصة / رقصتْ صورته الشاحبة / في فضاء الذاكرة / تمايلتْ حتى هوتْ / في خيوط الأيادي / قتيلة ً حائرة / ما علمتهُ الحياةُ رقصاً / فأجبرته الأيادي / الرقصَ موتاً / في زوايا الطاولة )*.
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 21:14
(59)

هاأنذا كالمختل بالحلم ، أعتنقُ اللحظة الهاربة ، وأرتعُ في سوداويةٍ عجيبة ، أصحو على وقع خطايَ ، تنسلُّ مني ، وتغادرني ، قلقة ً ، خائفة ، تهمي على وجهها في ظلال الشوارع المشنوقة ، وتقفُ هناك ، حيث لا مكان ، وحيدة ً ، حائرة ، يلجمها صوتها المخنوق ، بدخان الأوردة ، ورماد العروق .
** ** ** **
حيثُ لا مكان ولا زمان ، فراغٌ في فراغ ، المسافةُ تقتل المسافة ، والوقتُ يثقبُ الوقت ، وما سواه ، الحلمُ المسجى في دمي ، تجرهُ الريح ، غادية ً رائحة .
من يفطنُ للوعتي المضنية ، تسري بليل الظمأ ، يرومها العطش الرهيب ؟ .
** ** ** **
( شمسٌ وظلْ / وأنا المعلقُ بالمحالْ / أمشي على وجع الوريدْ / كالمستجير من اللظى / وبما مضى / بحِمَى اللهيبْ ) .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 21:15
(60)

عامٌ يتلوهُ عام ، جرحٌ يلدُ آخر ، عينٌ تنامُ نومتها الأبدية ، لتفتح أخرى عمياء ، وجهٌ يندسُّ في الرمل ، ليصعد وجهٌ بلا ملامح . هاهي الأيدي معلقة ٌبالفراغ ، وأجسادٌ تقف على سطح الماء ، وأخرى تركض الى السماء ، عاصفة ٌ عارية ، تجثو على الثرى ، منهكة ًخاوية ، وتظهر أخرى من بعيد ، تلتحف الفضاء ، والأرض والهواء ، وبعضَ وجوهٍ تشبه البشر .
** ** ** **
عامٌ يسقطُ من تقويم الحياة ، يتدثر بالغياب ، يرتدي ملاءة الموت ، من أسفله الى أعلاه ، يرحلُ في غياهب الردى والفناء . وعامٌ ينبتُ كالنبات ، روحهُ الوقت ، وجسده الأيام ، سيعبرُ شوارع الدنيا ، ويتقمصُ الأماني ، ويلبس الأوهام .
** ** ** **
هكذا نسقطُ ثم نعلو ، ونعلو ثم نسقط ، خارج كل الجاذبية ، بلا قيود ، ودون حدود ، مهدنا الثرى ، وسقفنا السماء ، وكل وجهٍ سيذوي ، شاء هذا أم أبى ،
( ويبقى وجهُ ربك ذو الجلال والإكرام ) .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 21:16
(61)

إنها فوضى المشاعر ، بها نجازف ، وبها نقامر ، وبها نجلو ، وبها نخبو ، وبها نذري في عيون الظلام من ملح أحلامنا ، وبها نذرعُ آفاقاً للبوح المستهلَك ،
لا نسألُ ، نهلكُ أم لا نهلك ، نقذف شبكاً مثقوباً ، لنصطاد حلماً مرتبكاً ، مشتبكاً في مآقينا ، يتقوسُ فينا ، يتمدد ، يتكسَّر فينا ، يتبدد .
** ** ** **
نعلمُ أو لا نعلم ، لا نهتم ، إنها فوضى الإحساس ، فوضى تعصرُ الدم ، تشلُّ عقول الناس ، تغدو صوتاً أبكم ، لا شيء هناك ، لا شيء هنا ، لا شيء في أي مكان .
فوضى ، فوضى ، نرضى أو لا نرضى ، نمضي كالجسد المعتوه ، ونتوه ، في أرضٍ لا تقرأ ُ أبداً ، قدماً حافٍ ، أو أثراً يتلوه .
** ** ** **
إنها فوضى الفوضى ، كيماوي العصر المجنون ، تتسربُ في جماجمنا ، كالغاز المحرَّم ، حتى نتآكلُ أو نتهالك ، لا تهتم ، تعلم أو لا تعلم ، فوضى ، فوضى ، ترضى أو لا ترضى ، لا تهتم .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 21:17
(62)

ألوذ بركني ، بوسادتي وسريري ، أُقبلُ مشتعلة ًجوانحي ، بلهيب عواصفي ، طازجاً كالرغيف ، متساقطاً كالخريف ، لا أكاد أحملني ، أخلدُ برهة ًتحت فيء ظلالي ، لأرسم ظلي ، وأستقرئ صفحة عيني ، أقعدُ كالمتبتل أستشفُ فيض نهاري ، وغيض قراري ، وأقلِّبُ جرحاً يتنزى على كاهلي ، يصعد حتى جبيني ، ويهبط حتى قاع فؤادي ، أتربعُ فوقه فأهوي فيه ، أحفرُ آخره ، فيتدلى أوله ، ألمُّهُ فينتشر ، أربتُ عليه فينفجر ، أتناساهُ وأهرب منه ، يحرقُ ذاكرتي ، ولا يحترق ، أتجاهلهُ رغماً عنه ، يهوي نحوي كالسهم ، يثقبُ الروح والجسد .
** ** ** **
ألوذ بركني كالمُقعد ، كالهارب من ويل الريح ، ظلي مشلولٌ وكسيح ، وجسدي أعمى أبكم ، أسمع صكصكة عظامي ، تتهامسُ كالتسبيح ، وأنا مفتونٌ بالمَقعد ، بيني مشتبكٌ في بيني ، يتعالى صوتي تلميحاً ، يعقبهُ صراخُ التصريح ، معركة ٌ أنا أولها ، آخرها ظلي المنفي ، ذاك المهزومُ المُبعد .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 21:18
(63)

أتوجسُ من كل غدٍ حتى يأتي ، أبقى منه في ريبةٍ حتى يحل ، أنتظره بفارغ الوجل ، أرقبهُ من طرفٍ خفي ، أتحايل على قلقي منه بحفنة حروف ، ويفضحني الأرق. في كل حين ، أرتّبُ له قامتي ، أهبه بعضاً من دقات النبض ، استلطفه ، وأحسن إليه ، وهو هناك في غيبه ، قاعدٌ صامت ، مطرقٌ ينتظر ، بزوغ فجرهِ وميلاده .
..........................
عني يلوحُ بوجهه ، وفيه وجهي ، يقفُ بعيداً وهو مني ، أسأله فلا يجيب ، وهو قولي وفعلي ، هناك أمامي ، أحيا فيه أو أموت ، ولا أراه ولا أراني ، أدنو منه فينكرني ، ويدنو مني ولا أعرفه ، غائبٌ عني وأنا عنه غائبْ .
............................
هو الغد ، أقربُ بعيد ، وأبعدُ قريب ، أنا وهو كالشيء الواحد ولا نلتقي ، ونحن اثنان ولا نفترق ، أهرولُ خلفهُ فيهربُ أمامي ، وكلما تجاوزتهُ يسبقني ، ذاك هو الغد ، لن ألحق به سوى مرةً واحدة ، أكون فيها غائباً ، وهو مثليَ غائبْ .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 21:19
(64)

تغلبني الأسئلة ، أسقطُ صريعاً عند أقدامها ، ألعق ثرى ظلالها ، وظل قامتها ، ورعشة ٌتهز كياني ، كارتعاش المحتضر ، حتى كأن الموتَ يأسرني ، يحضن جسدي المتهالك .
أخلد في فيء الصمت الخانق ، أتحسسُ روحي ، عقلي ، ذاكرتي المثقوبة ، هامتي المشروخة ، أقبض بيديَّ على جرح ٍيخترق القلب ، أتفقد النبض ، أرقبُ دماً تائهاً في ليل العروق ، وجسدي الموبوء بالرعشة القاتلة ، رعشة الأسئلة .
..........................
إنها الحمّى ، حمى الموت المهذب ، حمى السكون ، والهدأة الضالة ، تلوثُ الوقت ، وتعبث في المكان ، تسحبُ بريق العيون ، وتلجمُ الجبين المناضل . إنها الحمّى ، حمى السكوت ، حمى الصمم ، حمى الأفواه البليدة ، والأفئدة الرخيصة ، حمى الموت بلا مقابل ، ولا مقاتل ، ولا مُنازل . إنها حمّى القبور ، والنهاية المفتوحة .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 21:20
(65)
على مهلٍ يا سيدتي ، يدنو وجهكِ مني ، يصعدُ حتى شغاف القلب ، يعلو حتى ضفاف الجبين ، يرقى في شعاب الروح ، يحملني في دفء جناحيه ، يهربُ بي يهرب ، يتجاوز حزن ذاكرتي ، بمسافاتٍ ضوئية ، بلون حلمنا الصاخبْ .
.................................
تأتين كالمزن ، وأنا كالأرض المحروقة ، بلهيب الظمأ القاسي ، بويلات العطش المحموم ، فتنبتُ وردة ، تتسلق قامة المكان ، تعلو سماء الوقت ، تُشغِلُ سقف الدمع بالأزهار ، بالأحلام الوردية .
................................
اقتربي يا سيدتي مني أكثر ، لنقرأ معاً ، لون الجرح القاني ، نخضبُ ثوبه الأحمر ، بالهمس الأبيض الناصع ، بذوقه الأخضر المعشِبْ ، تعالي ، نتلو في صباح البوح ، شمسَ حلمنا الغائب ، ولا نتعبْ ، ولا نغضبْ ، ولا نهربْ .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 21:21
(66)

امرأةٌ من الريحان ، من العود والعنبر ، من الطهر المبخر بالصلاة ، من التهليل والتسبيح ، والله أكبر . أعود اليها ، الى حنان يديها ، الى رحمةٍ تبرقُ في عينيها ، أحتاج اليها لتسألني ، ما حالك ، وحال بنيك ، وكيف اليوم في عملك ، وهل أديتَ كل الفرض ، وهل أرضيتَ عنك الرب ، وما بالك ، أشيءٌ فيك معتلٌّ ، أمهمومٌ ، أمجروحٌ ، أمحمومٌ ، أمُتعبٌ أنت يا ولدي ؟؟ .
..........................
إنها أمي ، ولو نسيَتْ أن تسائلني ، لأفضتْ نفسيَ القول ، وبوح الهم والشكوى ،
وشرح ما يخفى ولا يخفى ، وما في السر من قلقٍ ، ومن غضبٍ ، ومن أملٍ ، ومن رجوى .
.........................
أعود اليها كالأطفال ، أريد الحب والشفقة ، وبعضاً من هوى التحنان ، فما تبخل ، وتهديني من الرحمة ، بلا كيلٍ ولا ميزان ، سلام الله يا أمي ، سلام الله .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 21:22
(67)

سأعبرُ من نفق هذا الليل ، متشبثاً بغيمةٍ من نور ، ووردةٍ تنبت في ثنايا الروح ، أقسمتُ أن لا أعود ، الا كما الريح ، أمحو بقايا الظلال النائمة ، منتهزاً غفوة الهجير ، سأدقُ عنق الظل بظلي ، وأخزُ الوقت بعصا حلمي ، وأنهضُ من سبات أوردتي ، مخترقاً جسد الذاكرة .
.........................
سأنزعُ بعضي من قاع الردى ، وأقبع كالصدى ، مستظلاً بفيء قامتي ، وزهو هامتي . سأزينُ الشمس بأقراط أحلامي ، وألفُّ جيد القمر ، بشال هذا الهمس .
أقسمتُ أن لا أعود ، الا كالخيال ، أنشدُ وجهاً يستحمُّ بدم القلب ، ألقي عليه التحية ، وأرحل .
........................
سأخلد برهة ًالى ظلي ، معتصماً بماء البوح ، وعلى كتفي ، وقفتْ يمامة الوقت ، تقرأ وجهي ، وتغني ، وتغني .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 21:23
(69)

أركضُ ، فتركضُ المسافة ، ويقف الغبار أمامي ، كاللحظة البائرة ، يتلوى كالأفعى حول قامتي المتهالكة ، ينسج فوق وجهي خيوطهُ كالعنكبوت ، فلا أرى الا الرمل ، يتهدلُ من جفوني ، مشكلاً كالأرضة مسارباً من طين .
....................
أقفُ كالتمثال المشيد من رخام ، ثم أبلتهُ ويلات السنين ، فذهب عنه لونه ، وتآكلت أطرافه ، وتثقّبَ جسده البلوري ، من صخب الريح ، وعبث العواصف المجنونة .
....................
عدتُ كالثرى ، أشبهه حد التمازج ، يتوحد معي ، في جسدي ، نشبهُ إنساناً قديم .
مصلوبٌ في خشب الوقت ، في تلك اللحظة البائرة ، مني يجفلُ الطير ، كلما اهتزتْ يدي ، لتقبض بعضي المتساقط ، أو تسند قامتي المتهالكة .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 21:23
(70)

سأركبُ موجاً من رفات الملامح ، وأتعقبُ لجَّات البحر ، أبهرجها بسنا الغضب ، وويلات الثبور ، سأجنَح بمركبي الى شاطئٍ يشربُ الرمل ، أذوِّبُ فيه مرارتي ، ونزق أوردتي ، وأهصرُ فوقه خاصرة الحلم الغريق .
.........................
سأقرأ ثورة الدم ، وطفرة الرغبة المتمردة ، وأفقأ عين الأمس الذابلة . هناك ، سأعلو حزني ، كنجمةٍ وحيدة ، وألهبُ ظهر تعبي ، بسياط جنوني ، ولهفة اللحظة الفاتنة ، هناك ، سأرسم ظلالي ، ببارق ٍمن مهجتي المتلألئة .
........................
لن تخذلني الشمس ، وقد تقربتُ اليها بدفاتر عشقي ، وحكايات اليوم والأمس ، وعلقتُ على صدرها قلادة بوحي ، ولففتُ على عنقها ، مناديل هذا الهمس .
يتبع...

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 21:24
(71)

مفتونٌ برغوة القول ، توشكُ أن تتناسل منك أطرافك ، وتصبح واحداً ، وربما أكثر وجميعها لا تشبهك ، تذهب أنت ، ويبقى غيرك ، لا نعرفه ولا يعرفك ، ونعود نسأل ، من أنت ، وأين أنت ؟ .
.........................
لن تميتنا الأسئلة ، فقد اعتدنا فواجعها المريرة ، وكم استقرتْ رصاصاتها القاتلة ، في ثنايا القلب والعقل ، ما عاد شيءٌ يفاجأ اللحظة المستكنة ، وقد ثقبتها سهام الوجع والتعب ، وعبثتْ بها رياح الهزيمة والانكسار .
.........................
آه يا صاح ، من ذاكرةٍ معفرةٍ بالحزن والألم ، نتمدد فيها كالأجساد المحنطة ، تحيط بنا زوابع الخوف والقلق ، ونستعصمُ بحلم ٍينسلُّ من أيدينا ، كمن يقبض براحتيه الماء ، آه يا صاح ، كم تعجزنا أحلامنا الهاربة .

ڪَآتِبةْ إآلَيْڪَِ
2015-01-08, 21:25
النِهاايَة
شُكرًااْ
إلى اللِقَاأءْ