ابراهيم داود
2015-01-07, 18:21
السلام عليكم هذا أول موضوع لي في قسم المواضيع العامة رغم أني كنت اشارك فيه بشكل دوري... أردت منه تذكير الاعضاء الأفاضل بقصة لا يعرفها الكثيرون و هي قصة انشاء النقود الجزائرية و بالضبط لأتحدث عن مبدع ورقة ال 200 د ج التي سحبت...معظم الجزائريين لا يعرفون أن الفنان الجزائري محمد اسياخم هو الذي رسم هذه الورقة النقدية و أيضا العديد من الاوراق النقدية الاخرى منها ورقة ال 100 د ج كبيرة الحجم و أيضا صمم بدلة الدرك الوطني الكلاسيكية التي يرتديها الدرك الى اليوم.... لكن الجزائريين الذين يرفضون هذا العمل الفني الفذ الذي انجزه اسياخم اضافة الى رسمه نقود دولة غينيا الاستوائية التي ستنظم دورة كأس افريقيا للأمم كان معوقا و مبتور الذراع الايسر الى حد الكتف بسبب حادث أليم وقع له و هو طفل صغير..
-
ففي عام 1943م، عندما كان يعالج قنبلة سرقها من معسكر فرنسي، انفجرت القنبلة، فقتلت شقيقتين له وأحد أقربائه، وجرحت ثلاثة آخرين بينما بقي هوسنتين في المستشفى، خضع لثلاث عمليات جراحية، أدت إلى بتر ذراعه اليسرى. درس الرسم صغيرا، وتتلمذ على يد محمد (http://www.forums.albarod.com/t113387.html)راسم، ثم أتيح له أن يعرض لوحاته في باريس عام 1951م بقاعة "أندريه موريس"، لينضم بعدها إلى طلبة المدرسة العليا للفنون الجميلة بباريس. في عام 1963م، أصبح أستاذا بالمدرسة الوطنية للفنون الجميلة بالجزائر وعضوا مؤسسا للاتحاد الوطني للفنون التشكيلية، وتجول بمعارضه في الكثير من الحواضر والعواصم، وحاز الكثير من الجوائز والميداليات التقديرية، لعل أهمها جائزة الأسد الذهبي في روما عام 1980م.
اشتغل "إسياخم" أيضا بالكتابة والصحافة وله إسهاماته الكثيرة في ذلك، كما ألف كتابه "35 سنة في جهنم رسام" عرض لملامح من تجربته الفنية والإنسانية، إلى أن توفي في فاتح ديسمبر 1985م بعد صراع مع مرض السرطان.
إن كل لوحات "محمد إسياخم" تحيلنا مباشرة إلى تجربته المريرة مع القهر والدمار، ولاشك أن لوحته "ماسح الأحذية" كانت تجسيدا لطموح الجزائر المقهورة في الانعتاق، وممارسة حقها في الحياة والفرح، فيما كانت لوحتاه "الأرملة" و"الصبية" إلماحا إلى حرمانه من هناءة الطفولة، ودفء العائلة، ليعيش أقصى درجات اليتم والعزلة، لذلك فقد كان تشديده كبيرا على موضوعات: الأمومة، الطفولة،والمرأة بألمها وجمالها.
وعلى مدار تجربته الفنية، كان "إسياخم" يستمد جماليته من المرعب، ويتغنى بالموت لأنه يحمل في أعماقه سر الحياة، ويحتفل أيما احتفال باللونين: الأزرق والبني بوصفهما لونين يؤكدان على انشغال متعب للحس والأخيلة، وللذاكرة التي شكلت المعين الأول لمضامين هذا الفنان.
من آرائه في السخط والرسم:
قال في مجلة الجيل 1987م "الحقد مقدس، إنه التعبير عن رفض القلوب القوية والقادرة، الكره يعني الحب، إنه الإحساس بحرارة الروح وكرمها، إنه يخفف القلق ويصنع العدالة إنه يجعل الإنسان أكبر من الأشياء التافهة والحقيرة.
لقد جعلت الحقد والعنفوان رفيقين لي، أحببت العزلة، وأحببت في العزلة كيف أكره كل ما يجرح الحق والصواب.
إذا كنت أساوي شيئا اليوم، فإن ذلك تحقق لأنني وحيد.. ولأنني أكره".
وقال في حوار مع مجلة الثورة الإفريقية في مايو 1985:
"ماذا يمثل الرسم في حياتك؟..
سؤالك غاية في الحساسية، بالنسبة لي الرسم لا يعني شيئا، سأحاول أن أوضح لك لماذا؟
البعض من الفنانين يدّعون أنهم يرسمون لأن ذلك يستهويهم، بينما أنا لا أرسم لأنني أرغب في ذلك.. الرسم يؤلمني، إنني أتعذب فيما أرسم، قد يكون ذلك نوعا من "المازوخية".. أنا رسام أو على الأقل هناك من يعتبرني رساماً، وإن كان ذلك محل شك، لأنني لا أعرف معنى أن أكون رساما، الرسم في نظري كلمة فضفاضة وواسعة. لنفرض أنني أرسم، لماذا أفعل ذلك! إن هذا يستدعي التساؤل حقا، أنا لم أجيء إلى الرسم مثل الفنانين الفرنسيين، الإسبان والإيطاليين، أولئك يذهبون إلى الرسم بكل عفوية وبساطة، فلهم معالمهم وتقاليدهم الفنية، ومعظمهم نشأوا في بيئات مثقفة، وترعرعوا في الموسيقى والمسرح والفن.. هل تفهم ذلك؟.. أما فيما يتعلق بي، فأنا أعتبر الرسم أكبر صدمة في حياتي، قد تكون أفظع من الصدمة التي أدت إلى بتر ذراعي.
أباؤنا لم يتركوا لنا حرية الإبداع، ولم يضعوا في متناولنا أقلام التلوين والفراشي وألوان "القواش"، وعندما كنا نقوم بالرسم في البيت العائلي كان الأب يصرخ فينا "ما هذا!" ويعاقبنا بالضرب، لأن الرسم لم يكن يعني له سوى تبديد الوقت، لقد حرمنا الرسم منذ نعومة طفولتنا، لذلك لا أستطيع أن أجيبك إن كنت أحب الرسم أم لا. ثم إنني لا أعلم إن كان الرسم شيئا يستحق الحب، الرسم في ظني غريزة وقدر".
http://s2.e-monsite.com/2010/02/23/08/100_DZ_1981_F.jpg
معلومة طريفة تتعلق بورقة المئة دينار كبيرة الحجم عندما رسمها محمد اسياخم لم تكن تضم صورة الطائر الملون بالأزرق لأنه كان قد انقرض و لم يعد يظهر في منطقة القبائل ( منطقة أزفون بتيزي وزو ) لكن عندما عاد الطائر للظهور اتصل اسياخم بدار سكة النقود و أعادت طبع الاوراق مع صورة الطائر. و قد كان موضوع الورقة النقدية هو الثورة الزراعية و دور شباب الخدمة الوطنية
أما ورقة المئتي دينار فاختار لها بعض المعالم الاثرية من الجزائر و بعض الرموز المعمارية مثل مقام الشهيد
http://www.algerlablanche.com/public/economie/200dzd.jpg
http://www.vincenzo.altervista.org/catalog/algeria/alg130_f.jpg
و بالنسبة للخطاط الذي كتب كلمة البنك المركزي الجزائري على ورقتي المئة و المئتي دينار فهو الخطاط الجزائري محمد بن سعيد شريفي و قد كان استاذي في المدرسة العليا للفنون الجميلة اذ درسني وحدة الخط العربي و الذي كتب ايضا اربع نسخ للمصحف الشريف.
الأمر المحزن في سحب ورقة المئتي دينار هو اختفاء عمل فني جميل و بقاء اوراق نقدية تافهة عديمة المعنى و الرموز .اذ تحمل كل النقود الحالية صورا سخيفة لحيوانات غير موجودة اصلا في الجزائر و كأن المسؤول عن اصدارها يريد أن يقول لنا أن عظماؤكم هم حيوانات فقط مثل الغزال و الفيل و الاسد و الحصان.. و هو عمل مقصود من بعض الساعين لتحطيم قيم الجزائر و هويتها الثقافية....
-
ففي عام 1943م، عندما كان يعالج قنبلة سرقها من معسكر فرنسي، انفجرت القنبلة، فقتلت شقيقتين له وأحد أقربائه، وجرحت ثلاثة آخرين بينما بقي هوسنتين في المستشفى، خضع لثلاث عمليات جراحية، أدت إلى بتر ذراعه اليسرى. درس الرسم صغيرا، وتتلمذ على يد محمد (http://www.forums.albarod.com/t113387.html)راسم، ثم أتيح له أن يعرض لوحاته في باريس عام 1951م بقاعة "أندريه موريس"، لينضم بعدها إلى طلبة المدرسة العليا للفنون الجميلة بباريس. في عام 1963م، أصبح أستاذا بالمدرسة الوطنية للفنون الجميلة بالجزائر وعضوا مؤسسا للاتحاد الوطني للفنون التشكيلية، وتجول بمعارضه في الكثير من الحواضر والعواصم، وحاز الكثير من الجوائز والميداليات التقديرية، لعل أهمها جائزة الأسد الذهبي في روما عام 1980م.
اشتغل "إسياخم" أيضا بالكتابة والصحافة وله إسهاماته الكثيرة في ذلك، كما ألف كتابه "35 سنة في جهنم رسام" عرض لملامح من تجربته الفنية والإنسانية، إلى أن توفي في فاتح ديسمبر 1985م بعد صراع مع مرض السرطان.
إن كل لوحات "محمد إسياخم" تحيلنا مباشرة إلى تجربته المريرة مع القهر والدمار، ولاشك أن لوحته "ماسح الأحذية" كانت تجسيدا لطموح الجزائر المقهورة في الانعتاق، وممارسة حقها في الحياة والفرح، فيما كانت لوحتاه "الأرملة" و"الصبية" إلماحا إلى حرمانه من هناءة الطفولة، ودفء العائلة، ليعيش أقصى درجات اليتم والعزلة، لذلك فقد كان تشديده كبيرا على موضوعات: الأمومة، الطفولة،والمرأة بألمها وجمالها.
وعلى مدار تجربته الفنية، كان "إسياخم" يستمد جماليته من المرعب، ويتغنى بالموت لأنه يحمل في أعماقه سر الحياة، ويحتفل أيما احتفال باللونين: الأزرق والبني بوصفهما لونين يؤكدان على انشغال متعب للحس والأخيلة، وللذاكرة التي شكلت المعين الأول لمضامين هذا الفنان.
من آرائه في السخط والرسم:
قال في مجلة الجيل 1987م "الحقد مقدس، إنه التعبير عن رفض القلوب القوية والقادرة، الكره يعني الحب، إنه الإحساس بحرارة الروح وكرمها، إنه يخفف القلق ويصنع العدالة إنه يجعل الإنسان أكبر من الأشياء التافهة والحقيرة.
لقد جعلت الحقد والعنفوان رفيقين لي، أحببت العزلة، وأحببت في العزلة كيف أكره كل ما يجرح الحق والصواب.
إذا كنت أساوي شيئا اليوم، فإن ذلك تحقق لأنني وحيد.. ولأنني أكره".
وقال في حوار مع مجلة الثورة الإفريقية في مايو 1985:
"ماذا يمثل الرسم في حياتك؟..
سؤالك غاية في الحساسية، بالنسبة لي الرسم لا يعني شيئا، سأحاول أن أوضح لك لماذا؟
البعض من الفنانين يدّعون أنهم يرسمون لأن ذلك يستهويهم، بينما أنا لا أرسم لأنني أرغب في ذلك.. الرسم يؤلمني، إنني أتعذب فيما أرسم، قد يكون ذلك نوعا من "المازوخية".. أنا رسام أو على الأقل هناك من يعتبرني رساماً، وإن كان ذلك محل شك، لأنني لا أعرف معنى أن أكون رساما، الرسم في نظري كلمة فضفاضة وواسعة. لنفرض أنني أرسم، لماذا أفعل ذلك! إن هذا يستدعي التساؤل حقا، أنا لم أجيء إلى الرسم مثل الفنانين الفرنسيين، الإسبان والإيطاليين، أولئك يذهبون إلى الرسم بكل عفوية وبساطة، فلهم معالمهم وتقاليدهم الفنية، ومعظمهم نشأوا في بيئات مثقفة، وترعرعوا في الموسيقى والمسرح والفن.. هل تفهم ذلك؟.. أما فيما يتعلق بي، فأنا أعتبر الرسم أكبر صدمة في حياتي، قد تكون أفظع من الصدمة التي أدت إلى بتر ذراعي.
أباؤنا لم يتركوا لنا حرية الإبداع، ولم يضعوا في متناولنا أقلام التلوين والفراشي وألوان "القواش"، وعندما كنا نقوم بالرسم في البيت العائلي كان الأب يصرخ فينا "ما هذا!" ويعاقبنا بالضرب، لأن الرسم لم يكن يعني له سوى تبديد الوقت، لقد حرمنا الرسم منذ نعومة طفولتنا، لذلك لا أستطيع أن أجيبك إن كنت أحب الرسم أم لا. ثم إنني لا أعلم إن كان الرسم شيئا يستحق الحب، الرسم في ظني غريزة وقدر".
http://s2.e-monsite.com/2010/02/23/08/100_DZ_1981_F.jpg
معلومة طريفة تتعلق بورقة المئة دينار كبيرة الحجم عندما رسمها محمد اسياخم لم تكن تضم صورة الطائر الملون بالأزرق لأنه كان قد انقرض و لم يعد يظهر في منطقة القبائل ( منطقة أزفون بتيزي وزو ) لكن عندما عاد الطائر للظهور اتصل اسياخم بدار سكة النقود و أعادت طبع الاوراق مع صورة الطائر. و قد كان موضوع الورقة النقدية هو الثورة الزراعية و دور شباب الخدمة الوطنية
أما ورقة المئتي دينار فاختار لها بعض المعالم الاثرية من الجزائر و بعض الرموز المعمارية مثل مقام الشهيد
http://www.algerlablanche.com/public/economie/200dzd.jpg
http://www.vincenzo.altervista.org/catalog/algeria/alg130_f.jpg
و بالنسبة للخطاط الذي كتب كلمة البنك المركزي الجزائري على ورقتي المئة و المئتي دينار فهو الخطاط الجزائري محمد بن سعيد شريفي و قد كان استاذي في المدرسة العليا للفنون الجميلة اذ درسني وحدة الخط العربي و الذي كتب ايضا اربع نسخ للمصحف الشريف.
الأمر المحزن في سحب ورقة المئتي دينار هو اختفاء عمل فني جميل و بقاء اوراق نقدية تافهة عديمة المعنى و الرموز .اذ تحمل كل النقود الحالية صورا سخيفة لحيوانات غير موجودة اصلا في الجزائر و كأن المسؤول عن اصدارها يريد أن يقول لنا أن عظماؤكم هم حيوانات فقط مثل الغزال و الفيل و الاسد و الحصان.. و هو عمل مقصود من بعض الساعين لتحطيم قيم الجزائر و هويتها الثقافية....