المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بيان الردة واقسامها المجمع عليها


عجان الحديد
2014-12-31, 19:24
بسم الله الرحمن الرحيم


والردة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: أفعال وأقوال واعتقادات كما اتفق على ذلك أهل المذاهب الأربعة: ‏الشافعية والحنفية والمالكية والحنابلة.‏ا‏


ومما استدل به أهل الحق على أن الكفر ثلاثة أقسام ءايات منها قوله تعالى‎ ‎‏﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا ‏وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ‎ ‎وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ﴾ [التوبة:74] فهذه الآية يفهم منها أن‎ ‎الكفر منه قولي، وقوله تعالى ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ ءامَنُوا‏‎ ‎بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾‏ا ‏‏[الحجرات:15] فهذه الآية‎ ‎يفهم منها أن الكفر منه اعتقادي لأن الارتياب أي الشك ‏يكون بالقلب، وقوله تعالى‎ ‎‏﴿‎لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ﴾ [فصلت:37] يفهم منه ‏أن‎ ‎الكفر منه فعلي، وهذه المسألة اجماعية اتفق عليها علماء المذاهب الأربعة.‎‏ا


وكل‎ ‎من الثلاثة كفر بمفرده فالكفر القولي كفر ولو لم يقترن به اعتقاد ولا فعل، والكفر‎ ‎الفعلي كفر ‏ولو لم يقترن به اعتقاد وانشراح الصدر به ولا قول، والكفر الاعتقادي‎ ‎كفر ولو لم يقترن به قول ‏ولا فعل. وإنما يشترط للقول الكفري انشراح الصدر في‎ ‎المكره على قول الكفر بالقتل ونحوه .‏فالمكره هو الذي لا يكفر لمجرد القول بعد أن أكره إلا أن‎ ‎يشرح صدره بما يقول فعندئذ يكفر، لأن ‏المسلم المكره على قول الكفر إن قال كلمة‎ ‎الكفر لإنقاذ نفسه مما هدده به الكفار وقلبه غير منشرح ‏بما يقوله فلا يحكم بكفره‎ ‎وأما إن تغير خاطره بعد الإكراه فانشرح صدره بقول الكفر كَفرَ ‏وهذا معنى قوله‎ ‎تعالى ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ‏‎ ‎وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ ‏شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً‎ ‎فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النحل:106]‏‎ ‎‏ فألغى هذا الحكم ‏الشرعي الذي اتفق عليه علماء الإسلام وجاءت به هذه الآية أشخاص‎ ‎من أهل هذا العصر أحدهم ‏سيد سابق في كتابه فقه السنة وحسن قاطرجي وشخص من آل الهضيبي في كتاب‎ ‎سماه "دعاة لا ‏قضاة"‏ا وشخص سوري من آل الإدلبي .فليحذر هؤلاء فهؤلاء حرفوا شرع الله وخالفوا‎ ‎حكام ‏المسلمين من الخلفاء ونوابهم فإنهم لم يكونوا يقولون الشخص الذي تكلم بكلمة الكفر والردة‎ ‎عند ‏تقديمه إليهم للحكم عليه هل كنت شارحاً صدرك بما قلت من قول الكفر بل كانوا‎ ‎يجرون عليه ‏حكم الردة بمجرد اعترافه أو شهادة شاهدين عليه بأنه قال كلمة كذا من‎ ‎الكفر . وهذه كتب ‏التواريخ الإسلامية تشهد بذلك في الوقائع التي ذكرت فيها كواقعة‎ ‎قتل الحلاج فانه أُصدر عليه حكم ‏الردة لقوله أنا الحق أي أنا الله ونحو ذلك من كلمات‎ ‎الردة ، فأصدر القاضي أبو عمر المالكي في ‏بغداد أيام الخليفة المقتدر بالله حكماً‎ ‎عليه فقطعت يداه ورجلاه ثم قطعت رقبته ثم أحرقت جثته ثم ذر ‏رماده في دجلة وهذا‎ ‎التشديد عليه ليرتدع أتباعه الذين عرفوا بالحلاجية . وكان الإمام الجنيد رضي ‏الله عنه سيد‎ ‎الطائفة الصوفية تفرس فيه بما ءال إليه أمره لأنه قال للحلاج "لقد فتحت في‎ ‎الإسلام ‏ثغرة لا يسدها إلا رأسك".‏ا ‎


وجهلة المتصوفة خالفوا سيد الصوفية‎ ‎الجنيد فصاروا يهونون أمر النطق بكلمات الردة ممن ينتسب إلى ‏التصوف فلا يكفرون‎ ‎أحداً منهم لقول أنا الله أو أنا الحق، أو لقول إن الرسول صلى الله عليه وسلم ‏يعلم‎ ‎جميع ما يعلمه الله ، أو إن الله يحل في الأشخاص ، أو إن الله كان واحداً ثم صار‏‎ ‎كثيراً فيزعمون ‏أن العالم أجزاء من الله‎.‏ا


أما الصوفية الحقيقيون فهم بريئون‎ ‎منهم ، فهؤلاء في واد وأولئك في واد ءاخر .‎بل قال الإمام ‏الجنيد رضي الله عنه "لو كنت حاكمًا لضربت عنق من سمعته يقول لا موجود إلا الله". ومن شأن ‏هؤلاء أعني جهلة المتصوفة‎ ‎أن يقولوا إذا نقل عن أحدهم كلمة كفر "يؤول" ولو كانت مما لا يقبل ‏التأويل وهؤلاء من أبعد خلق الله عن علم الدين،‎ ‎فإن علماء الإسلام متفقون على أن التأويل البعيد ‏لا يقبل إنما التأويل يقبل إذا كان‎ ‎قريباً، قال ذلك الإمام الكبير حبيب بن ربيع المالكي وإمام الحرمين ‏الشافعي‎ ‎والشيخ الإمام تقي الدين السبكي، ونقل معنى هذا عن الإمام محمد بن الحسن الشيباني‎ ‎صاحب أبي حنيفة.‏ا ‏


وإننا نورد لتأييد كلامنا بعض نصوص أهل المذاهب الاربعة قال ابن حجر الهيتمي الشافعي (1) ما ‏نصه "ثم كفر المسلم أي قطعه للإسلام إما أن يكون بنية بالقلب حالا أو مآلا، وإن قصد الكفر ‏وغيره على السواء، وكذا إن تردد بأن جرى شك ينافي الجزم بالنية، ولا تأثير لما يجري في الفكر من ‏غير اختيار، أو تعمد فعل ولو بقلبه استهزاء أو جحودا، أو تعمدِ قول باعتقاد لذلك الفعل أو القول ‏أي معه أو مع عناد من الفاعل أو القائل أو مع استهزاء أي استخفاف منهما ظاهر كالتعرض لسب ‏الله أو رسوله".‏ا


وقال النووي في روضة الطالبين (2) ما نصه "الردة : وهي قطع الإسلام ، ويحصل ذلك تارة ‏بالقول الذي هو كفر وتارة بالفعل، وتحصل الردة بالقول الذي هو كفر سواء صدر عن اعتقاد أو ‏عناد أو استهزاء".‏ا


وفي كتاب مواهب الجليل للحطاب المالكي (3) ما نصه "الردة كفر المسلم بصريح لفظ يقتضيه أو ‏فعل يتضمنه".‏ا


وفي منح الجليل للشيخ محمد عليش المالكي (4) ما نصه "وسواء كفر (أي المرتد) بقول صريح في ‏الكفر كقوله: كفرت بالله أو برسول الله أو بالقرءان، أو: الإله اثنان أو ثلاثة، أو : العزير ابن الله، ‏أو بلفظه يقتضيه أي يستلزم اللفظ للكفر استلزاما بينا كجحد مشروعية شىء مجمع عليه معلوم من ‏الدين بالضرورة، فإنه يستلزم تكذيب القرءان أو الرسول،‏ا وكاعتقاد جسمية الله أو تحيزه".‏ا


وقال الفقيه ابن عابدين الحنفي في رد المحتار على الدر المختار (5) ما نصه "قوله: وركنها إجراء ‏كلمة الكفر على اللسان، هذا بالنسبة إلى الظاهر الذي يحكم به الحاكم، وإلا فقد تكون بدونه كما ‏لو عرض له اعتقاد باطل أو نوى ان يكفر بعد حين".‏ا


وقال تاج الدين السبكي في طبقاته (6) ما نصه "ولا خلاف عند الأشعري وأصحابه بل وسائر ‏المسلمين أن من تلفظ بالكفر أو فعل أفعال الكفر أنه كافر بالله العظيم مخلد في النار وإن عرف بقلبه".‏ا


وفي شرح منتهى الإرادات للبهوتي الحنبلي (7) ما نصه "باب حكم المرتد : وهو لغة الراجع قال ‏الله تعالى ﴿ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين﴾ [سورة المائدة:21]، وشرعا ‏من كفر ولو كان مميزا بنطق أو اعتقاد أو فعل أو شك طوعا ولو كان هازلا بعد إسلامه".‏ا


فيتبين لك مما ذكرنا أن المذاهب الأربعة متفقة على هذا التقسيم أي تقسيم الكفر إلى أنواعه الثلاثة : ‏الكفر القولي والكفر الفعلي والكفر الاعتقادي ، وعلى هذا التقسيم كان مفتي بيروت الأسبق الشيخ ‏عبد الباسط الفاخوري، فإنه يقول في كتابه الكفاية لذوي العناية (8) في أحكام الردة والعياذ بالله ‏تعالى ما نصه "وهي قطع مكلف مختار الإسلام ولو امرأة بنية كفر أو فعل مكفر أو قول مكفر، ‏سواء قاله استهزاء أو اعتقادا أو عنادا".‏ا


وكذلك جاء هذا التقسيم في كتب تعليم الواجبات الدينية الصادرة من مكتب التوجيه والإرشاد ‏باليمن ألّفها واطلع عليها مائة شيخ من الأزهر واليمن ففيها (9) "الردة هي الكفر بعد الإيمان ‏بقول أو فعل أو اعتقاد وقد سبق بيان ذلك في الكتاب الأول (الإيمان )". وساق أسماء المشايخ ‏الذين راجعوا الكتاب.‏‏ا


وكل نوع من هذه الأنواع الثلاثة يخرج من الإسلام بمفرده ولو لم ينضم إليه النوع الآخر. فيحصل ‏بالاعتقاد المكفر لو لم يصحبه قول أو فعل،‏ا ففي الفتاوى المهدية للشيخ محمد العباسي الحنفي (10) ما ‏نصه "سئل في رجل لم تجر على لسانه كلمة لكنه اعتقد بقلبه ما يكفّر هل يكون كافرا وإن لم ‏يتلفظ، أو يتوقف كفره على اجتماع القول والاعتقاد بالقلب.‏ا أجاب: لا يتوقف كفره على ‏اجتماع القول مع الاعتقاد في القلب بل إذا اعتقد بقلبه ما يكفر يكون كافرا كما أنه لو جرى على ‏لسانه كلمة الكفر فإنه يحكم بكفره ظاهرا، ففي الدر وحواشيه من الردة أن ركن الردة إجراء كلمة ‏الكفر على لسانه وهذا بالنسبة إلى الظاهر الذي يحكم به الحاكم، وإلا فقد تكون بدونه كما لو ‏عرض له اعتقاد باطل أو نوى أن يكفر بعد حين. والله تعالى أعلم".‏ا



ولا يشترط للوقوع في الكفر انشراح الصدر بالإجماع، فقد قال ملاّ علي القاري (11) في شرحه ‏على الفقه الأكبر للإمام أبي حنيفة ما نصه "ففي حاوي الفتاوى: من كفر باللسان وقلبه مطمئن ‏بالإيمان فهو كافر وليس بمؤمن عند الله. انتهى. وهو معلوم من مفهوم قوله تعالى ﴿من كفر بالله ‏من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله﴾ [سورة النحل:106]".‏ا


قال الحافظ ابن حجَر ما نصّه (12) "قلت: وممن جنح إلى بعض هذا البحث الطبري في تهذيبه ‏فقال بعد أن سرد أحاديث الباب (يعني أحاديث الخوارج) "فيه الرد على قول من قال لا يخرج ‏أحد من الإسلام من أهل القبلة بعد استحقاقه حكمه إلا بقصد الخروج منه عالما فإنه مبطل لقوله ‏في الحديث" يقولون الحق ويقرءون القرآن ويمرقون من الإسلام ولا يتعلقون منه بشيء "ومن ‏المعلوم أنهم لم يرتكبوا استحلال دماء المسلمين وأموالهم إلا بخطأ منهم فيما تأولوه من آي القرآن ‏على غير المراد منه، ‏ثم أخرج بسند صحيح عن ابن عباس وذكر عنده الخوارج وما يلقون عند قراءة القرآن فقال: يؤمنون ‏بمحكمه ويهلكون عند متشابهه". ثم قال ما نصّه (13) "وفيه أن من المسلمين من يخرج من الدين من غير أن يقصد الخروج منه ‏ومن غير أن يختار دينا على دين الإسلام، وأن الخوارج شر الفرق المبتدعة من الأمة المحمدية ومن ‏اليهود والنصارى، قلت: والأخير مبني على القول بتكفيرهم مطلقا، وفيه منقبة عظيمة لعمر لشدته في الدين، وفيه أنه ‏لا يكتفي في التعديل بظاهر الحال ولو بلغ المشهود بتعديله الغاية في العبادة والتقشف والورع حتى ‏يختبر باطن حاله".‏ا


وكذلك لا يشترط عدم الغضب، فمن تلفظ بلفظ الكفر غاضبا عامدا أي بغير سبق لسان، كفر. ‏قال النووي في روضة الطالبين ما نصه (14)‏ا "ولو غضب على ولده أو غلامه فضربه ضربا شديدا، ‏فقال له رجل :‏ا ألست مسلما ؟! فقال: لا، متعمدا كفر". وفي الفتاوى الهندية (15) "وإذا قيل لرجل: ألا تخشى الله ، فقال في حالة الغضب : لا، ‏يصير كافرا. كذا في فتاوى قاضيخان".‏ا

وهذا فيه الرد على ما ذكره سيد سابق في كتابه الذي سمّاه فقه السنّة (16) ونصه "إن المسلم لا يعتبر ‏خارجا عن الإسلام ولا يحكم عليه بالردة إلا إذا انشرح صدره بالكفر واطمأن قلبه به ودخل فيه ‏بالفعل لقول الله تعالى ﴿ولكن من شرح بالكفر صدرًا﴾". لأن الآية هي في المكره ليست ‏عامة له ولغيره.‏ فالله تعالى أفهمنا بهذه الآية حكمين في المكره:‏ا


أولهما: أن المكره على الكفر إن كان قلبه مطمئن ‏بالأيمان ولم ينشرح صدره بالكفر أنه معذور لا يحكم عليه بالكفر.‏ والثاني: ان المكره إذا شرح صدره بالكفر حكم عليه بالكفر،‏ا

فخالف هذا سيد سابق وتبعه حسن ‏قاطرجي اللبناني فقالا "لا يحكم على من يقول كلمات الردة بالكفر إلا ان يختار على دين الأسلام ‏دينا غيره ويشرح صدره ويعتقده"، فهما بذلك عطّلا حكم هذه الآية وخرجا عن إجماع المسلمين.‏ا‏ا
----------------------------------------‏ا
‏(1) فتح الجواد بشرح الأرشاد (2/298)‏‏ا
‏(2) روضة الطالبين : كتاب الردة ( 10/64)‏ا‏
‏(3) مواهب الجليل شرح مختصر خليل (6/279)‏ا‏
‏(4) منح الجليل شرح مختصر خليل (9/205)‏ا‏
‏(5) رد المحتار على الدر المختار ، باب المرتد (3/283)‏ا‏
‏(6) طبقات الشافعية (1/91)‏ا‏
‏(7) شرح منتهى الإرادات ، باب حكم المرتد (3/386)‏ا‏
‏(8) الكفاية لذوي العناية ، الفصل الأول في أحكام الردة.‏ا‏
‏(9) انظر باب الردة.‏ا‏
‏(10) الفتاوى المهدية ، باب التعزير والردة، وحد القذف والبغاة (2/27)‏‏ا
‏(11) شرح الفقه الأكبر (ص/165)‏ا‏
‏(12) فتح الباري(12/300)‏‏ا
‏(13) فتح الباري (12/301-302)‏ا‏
‏(14) انظر روضة الطالبين (10/68)‏ا‏
‏(15) انظر الفتاوى الهندية (2/261)‏ا‏
‏(16) انظر باب الردة من كتابه (2/453)‏ا‏