علي النموشي
2009-08-15, 21:18
حدثنا عباس النموشي قال : كنا نعيش في مدينة صغيرة ، قليلة الخير و حالها فقيرة بها دكاكين معدودة ، السلع منها مفقودة ، تجدها مغلقة و أبوابها مسدودة ، فيها سوق أسبوعي بالخميس ، يأتيه الجيد والخسيس ، الغالي و الرخيص . فكان الرجل منهم إذا احتاج أمرا مهما ، يسافر إلى المدينة المجاورة في مهمة ، ليتبضع منها بصعوبة و غمة ، فتارة يتعرض للسرقة ، و أخرى للنصب في ماله نقودا و ورقة حتى برمجت الحكومة طريقة جديدة معلومة ، و هي محلات كبيرة ، واسعة كالأديرة تسمى سوق الفلاح قيل أنها تلقى الرواج و النجاح ، متنوعة السلع مديدة الصلاح و كان لمدينتنا من هذا نصيب ، و شيدت لها البلدية مبنى عجيب ، به أروقة واسعة ذوات أسوار شاسعة ، فأصبحت حديث الكل ، من بطال و صاحب محل ، و حتى النساء في الحمام و كذا الصبي و الغلام ، فهرع السكان إليها ، و تكاثرت الجموع عليها ، و كنت عندها صغيرا أترقب هذا الحدث ، و أحاول الولوج إليها في عبث لكن في أحد الأيام ، حكى لي أحد الصبية من العوام ، أنه قد دخلها رفقة والده فرأى ما أعجبه من تنوع السلع ، وكثرة البضائع ، و فيها جناح للعب الأطفال و آخر للحلوى مختلفة الأشكال ، و بسرعة ذهبت إلى صديقي جمال ، و هو صبي في سني ، و من أبناء جيلي ، و كان ضخم الجثة سمينا ، كبير الرأس ثخينا ، لا يهاب الأعادي ، و لا حميـّة الأيادي ، مقداما لا تعتريه الشدائد ، و أخبرته بالقصة و ما كان من أمر الصبي و المكان ، و زينت له الفعلة بأن نسرق في غفلة ، من هذه الأروقة و ننجو من الوحلة ، فكان رده بالإيجاب ، و أيـّدني في أمري بإسهاب و اتفقنا على الذهاب وقت العصر ، لما فيه من فرص و حصر ، و دبرنا خطة الدخول ، لأن فيها حارسا يصول و يجول ، بالباب تجده بأمر الناس مشغول و اتفقنا بأن نلج مع إحدى العجائز ، على أنها جدتنا بأمر جائز ، و لمحنا إحداهن من الباب مقتربة ، وهي في حال مضطربة ، و كانت ترتدي ملاءة سوداء ، تظهر عليها علامات الدهاء ، فتقدمت منها وقلت لها : يا أمي الحبيبة ، ويا وجه البركة و الطيبة ، رجاءا أدخلينا معك لنتفرج فقط على السلع و لن نزعجك ، فقالت لي في خبث ، إني أعلم عما تبحث ، و ما دخولك إلا لغرض السرقة ، كمثل أترابك من الفرقة ، فقلت لها ضاحكا : لك نصف ما نسرق ، لكن لا يجب أن نفترق ، فرضيـَتْ بالأمر ، لأنها هي ذاتها جاءت لنفس الأمر ، فدخلنا بكل حرية ، كمن هو في سرية و رحت أتفرج على أقسام البضائع وفي فكري كيف هي الصنائع ، حتى وصلنا إلى قسم الحلويات ، و ما فيه من خيرات تسر الناظر كفعل الجنات ، فسال لها لعابي و سرح معها عقلي و لبابي ، و تركنا العجوز ، و بسرعة صرنا نجوز ، و في غفلة من القائم على القسم وكزت زميلي بساعدي و على وجهي الغمز ارتسم ، و رحنا نخزن شتى الأنواع في جيوبنا كمن يبتاع ، حتى امتلأت عن آخرها ، وبان مظهرها و رجعنا قافلين في عجل و الخوف على وجوهنا بادي و الوجل ، و إذا بنا نمر على قسم الألعاب ، فسال مني ثانية اللعاب ، و قلت لجمال : ما رأيك بالقليل منها ، هيا نأخذها في برهة ، و بسرعة خطفت مسدسا ضوئيا ، و أخذ صاحبي فيلا مطاطيا وهممنا الخروج بالمسروق ، وما إن وصلنا أمام صاحب الصندوق ، حتى سقط مني المسدس على الأرض ، فأحدث صوتا قتلني من الغيض ، و حينا أمسكني الرجل المكلف ، وفلت رفيقي خلسة بلا تكلف ، فوقعت أنا في الشرك ، و رحت أبكي و أتحرك ، و لما فتشني ، و بصفعة لطمني ، ضبط كل ما سرقت ، لأني حينها وقعت و لم أعرف ما أقول ، و تمنيت من الدنيا أن أزول ، و تجمع العمال من حولي ، بين شاتم لي و آخر يلعن عملي ، حتى جاء رجل يظهر عليه الوقار ، فقال لي : أليس من العار أن تسرق و أنت في مصف الصغار ، لما أقدمت على فعلتك ، و من هو شريكك في أمرك ، فقلت يا سيدي إني جئت بمفردي ، و دخلت مع جدتي ، التي خرجت قبلي و نسيتني ، فسألني عن لقبي ، و عن أصلي و فصلي ، و لما عرف من أكون ، خمن و قال لمن معه في سكون ، هذا من عرش شديد شرس ، أهله ذوي بأس ، أعرفه أباه ، منذ صباه ، هو نموشي ليس كسواه ، فإن نحن سلمناه للدرك وقعنا في الشرك ، وإن نحن سلمناه للشرطة وقعنا في ورطة ، و ربما لن ننجوا من عقاب أهله الجلل ، حينما نكون خارج العمل ، و إن نحن ضربناه ، لن نفلت من عقباه ، دعوا الصبي و شأنه و خلوا سبيله و أمره ، فأمسكني من أذني ، و شرع يحذرني لو تعيد الكرة مرة أخرى ، سأحبسك و أقتلك و أرتاح من أمرك ، هيا اذهب يا وجه الشؤم ، و يا ابن قبيلة اللؤم ، فخرجت مسرعا و أنا أصيح ، يا وجه القرد القبيح ، فأمر أحد الحراس بأن يطاردني أمام الناس ، فهربت مسرعا و للطريق قاطعا ، حتى فلتت منه ، و ابتعدت عنه ، و في طريقي وجدت صديقي ينتظر و قلبه على الجمر، و هو في حياء ، جراء ما حل بي من عناء ، فقال لي سامحني يا رفيقي ، ما وجدت غير الفرار ، لكي لا أقع في أيدي الشرار ، فقلت له هـوّن عليك ، و لا تأبه بما حل بصاحبك ، و اقتسمنا الغنيمة مناصفة ، و ذهبنا إلى سبيلنا مرادفة ، و أنا أحمد الله على نجاتي ، و عدم كشف أمري أمام أسرتي ، و إلا لكان عقاب والدي لي شديدا و تعزيره لي عديدا ، و ليس هذا عني جديدا .