تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : أساس بدعة الخوارج


didou90
2014-10-09, 14:29
أساس بدعة الخوارج :
جاء في الأحاديث السابقة - وغيرها - الإشارة إلى اجتهاد الخوارج في العبادة من صلاة ، وصيام ، وتلاوة قرآن وما إلى ذلك من إظهار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وكذلك جاء التحذير الشديد منهم في الأحاديث وعلى لسان الصحابة - كما سبق من وصف ابن عمر لهم بأنهم شرار الخلق ، وذلك أن أساس بدعتهم كما يقول الآجري - أنهم " قوم يتأولون القرآن على ما يهون ، ويموهون على المسلمين " . فمذهبهم قام على الغلو والتشدد في فهم الدين .
فهم كانوا جهالاً فارقوا السنة والجماعة يتأولون القرآن على غير المراد منه ، ويستبدون برأيهم ، ويتنطعون في الزهد والخشوع ، ووصفهم ابن عباس عند ذهابه لمناظرتهم فقال : " فأتيت فدخلت
(الجزء رقم : 83، الصفحة رقم: 153)
على قوم لم أر أشد اجتهادًا منهم ، أيديهم كأنها ثفن الإبل ، ووجوههم معلمة من آثار السجود ) .
وكان لعسكرهم مثل دوي النحل من قراءة القرآن ، وفيهم أصحاب البرانس الذين كانوا معروفين بالزهد والعبادة .
فالخوارج كان فيهم غلو في الديانة وتشديد في غير موضع التشديد ، وتنطع في العبادة بحمل النفس على ما لم يأذن فيه الشرع مع وصف الشارع الشريعة بأنها سهلة سمحة ، ومع أنه ندب إلى الشدة مع الكفار وإلى الرأفة بالمؤمنين فعكس ذلك الخوارج .
ولما ذكر لابن عباس الخوارج وما يلقون عند قراءة القرآن ، قال : يؤمنون بمحكمه ويهلكون عند متشابهه .
وكان علي يقول وهو يمشي بين القتلى منهم : بؤسًا لكم ، لقد ضركم من غركم . فقال أصحابه : يا أمير المؤمنين : ومن غرهم ؟ قال : الشيطان والنفس الأمارة بالسوء ، غرتهم بالأماني ، وزينت لهم المعاصي ، ونبأتهم أنهم ظاهرون .
(الجزء رقم : 83، الصفحة رقم: 154)
وكان عبد الله بن وهب الراسبي - أحد أمراء الخوارج - قد قحلت مواضع السجود منه من شدة اجتهاده وكثرة السجود .
فلا يُنازع في أن الخوارج كان لهم من الصلاة والصيام والقراءة والعبادة والزهادة ما لم يكن لعموم الصحابة ، ولكن ضلالهم كان في اعتقادهم في أئمة الهدى وجماعة المسلمين أنهم خارجون عن العدل ، وأنهم ضالون ، وأنهم هم - أي الخوارج - أعلم من علي بن أبي طالب وسائر الصحابة الذين عاصروا التنزيل فهم أعلى بالتأويل منهم ، وهذا ما ذكره ابن عباس لهم عندما ذهب لمناظرتهم فقال : أتيتكم من عند المهاجرين والأنصار ، ومن عند صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعليهم نزل القرآن ، وهم أعلم بتأويله منكم .
فالخوارج لم يتحملوا ما فعله أميرا المؤمنين عثمان وعلي رضي الله عنهما من أنواع التأويل فجعلوا - كما يقول ابن تيمية : " موارد الاجتهاد بل الحسنات ذنوبًا ، وجعلوا الذنوب كفرًا ، ولهذا لم يخرجوا في زمن أبي بكر وعمر لانتفاء تلك التأويلات وضعفهم " .
ولا غرو في أن ينكر الخوارج على الصحابة رضوان الله عليهم
(الجزء رقم : 83، الصفحة رقم: 155)
وعلى علي رضي الله عنه ما فعله من قصد المصلحة من التحكيم ومحو اسمه وما تركه من سبي نساء المؤمنين وصبيانهم ، فقد أنكر أولهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم إعطاء المؤلفة قلوبهم مع ما فيه من المصلحة ، وهذا إنما ينكره ذوو الدين الفاسد الذي لا يصلح به دنيا ولا آخرة ، فلهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم وقال : لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد أي قتلاً عامًا مستأصلاً ، وأخبر أنهم شر الخلق والخليقة .
قال الآجري : " فلا ينبغي لمن رأى اجتهاد خارجي قد خرج على إمام عدلاً كان الإمام أو جائرًا ، فخرج وجمع جماعة ، وسل سيفه ، واستحل قتال المسلمين ، فلا ينبغي له أن يغتر بقراءته للقرآن ، ولا بطول قيامه في الصلاة ، ولا بدوام صيامه ، ولا بحسن ألفاظه في العلم ، إذا كان مذهبه مذهب الخوارج " .
ويجدر هنا التأكيد على أن حسن النية ، وسلامة القصد بمجردها لا تكفي ، فالخوارج ضلوا من حيث أرادوا الخير . وهذا يذكرنا بقول ابن مسعود - رضي الله عنه - لما رأى قومًا في المسجد ينتظرون الصلاة معهم حصى وفيهم رجل يقول : كبروا مائة ، فيكبرون مائة ، ثم يقول :
(الجزء رقم : 83، الصفحة رقم: 156)
هللوا مائة ، فيهللون مائة ، ثم يقول : سبحوا مائة ، فيسبحون مائة ، فعاتبهم فاعتذروا بأنهم إنما أرادوا الخير ، فقال لهم : وكم من مريد للخير لن يصيبه ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن قومًا يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، وايم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم ، ثم تولى عنهم .
فقال عمرو بن سلمة : رأينا عامة أولئك الحِلَقِ يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج

من مجلة البحوث الاسلامية لهيئة كبار العلماء