احمد الطيباوي
2014-09-24, 18:15
ترجمة عن مجدد القرن السابع الهجري الامام العلامة شيخ الاسلام ابن دقيق العيد (625 - 702 هـ)
عده الامام الذهبي مجدد الاسلام عل رأس المئة السابعة للهجرة .
فقال في كتابه سير اعلام النبلاء 14/203 :
وقد كان على رأس الاربع مئة الشيخ أبو حامد الاسفراييني، وعلى رأس الخمس مئة أبو حامد الغزالي، وعلى رأس الست مئة الحافظ عبد الغني، وعلى رأس السبع مئة شيخنا أبو الفتح ابن دقيق العيد. ]
مولده ونشأته
هو الامام محمد بن علي بن وهب بن مطيع بن أبي الطاعة القشيري القوصي، أبو الفتح تقي الدين، ابن دقيق العيد
ولد يوم السبت 15 شعبان سنة خمس وعشرين وستمائة، في البحر الأحمر عند ساحل ينبع، حيث كان والده مجد الدين القشيري القوصي متوجهاً إلى الحج. قال ابن حجر : ولد بطريق مكة فِي المحرم سنة خمس وعشرين وستمائة، ويقال إن والده طاف بِهِ عَلَى يديه ودعا لَهُ بالعِلم والعمل.[1] قال عنه أبو الفتح بن سيد الناس اليعمري الحافظ: »لم أرَ مثله فيمن رأيت، ولا حملت عن أجلّ منه فيما رأيتُ ورويتُ، وكان للعلوم جامعاً، وفي فنونها بارعاً، مقدماً في معرفة علل الحديث على أقرانه، منفرداً بهذا الفن النفيس في زمانه، بصيراً بذلك شديد النظر في تلك المسالك.. وكان حسن الاستنباط للأحكام والمعاني من السنة والكتاب، مبرزاً في العلوم النقلية والعقلية.[2] نشأ في صمت وانشغال بالعلم. ذكر الأدفوي في الطالع السعيد: ((حكت زوجة أبيه، بنت التيفاشي، قالت: بنى عليّ والده، والشيخ تقي الدين ابن عشر سنين، فرأيته ومعه هاون وهو يغسله مرات زمناً طويلاً، فقلت لأبيه: ماهذا الصغير يفعل؟ فقتل له: يا محمد أي شيء تعمل؟ فقال: أريد أن أركّب حبراً، وأنا أغسل هذا الهاون)).
حفظ القرآن، وسمع الحديث من والده الشيخ مجد الدين القشيري، وأبي الحسن بن هبة الله الشافعي، والحافظ المنذري، وأبي الحسن النعال البغدادي، وأبي العباس بن نعمة المقدسي، وقاضي القضاة أبي الفضل يحيى بن محمد القرشي، وأبي المعالي أحمد بن المطهر، والحافظ أبي الحسين العطار وخلائق غيرهم.
و أخذ مذهبي مالك والشافعي، وأخذ العربية على ابن أبي الفضل المرسي.
تلاميذ ه :
تتلمذ عليه خلق كثير، على رأسهم قاضي القضاة شمس الدين ابن جميل التونسي، وقاضي القضاة شمس الدين بن حيدرة، والعلامة أثير الدين أبو حيان الغرناطي، وعلاء لدين القونوي، وشمس الدين بن عدلان، وفتح الدين اليعمري، شرف الدين الإخميمي وغيرهم الكثير.
درّس بالمدرسة الفاضلية، والمدرسة المجاورة لضريح الشافعي، والمدرسة الكاملية، والصالحية، ودرس بدار الحديث بقوص. بينما كان العالِم الفقيه علي بن وهب المعروف بمجد الدين القشيري يأخذ طريقه لأداء فريضة الحج في يوم السبت الخامس والعشرين من شهر شعبان سنة 625 هـ على ظهر إحدى السفن وبصحبته زوجته كريمة الشيخ الزاهد الورع مفرح الدماميني أحد كبار متعبدة الصعيد في القرن السابع الهجري، وذلك عن طريق البحر الأحمر الذي كانوا يسمونه في العصر الإسلامي ببحر القلزم، وما أن قاربت السفينة ساحل الينبع حتى حمل البشير إليه نبأ أدخل السرور والبشر على قلبه، وهو أن زوجته قد وضعت غلاماً، فرفع العالِم الفقيه مجد الدين القشيري يده إلى السماء شاكراً حامداً نعمة الله عليه سبحانه وتعالى على هذه المنة العظيمة. ولما قدم مكة حمل رضيعه المبارك بين يديه وطاف به البيت وهو يدعو الله سائلاً أن يجعله عالماً، وقد استجاب الله لدعائه، ووصل الفتى بجدّه وذكائه ومثابرته في الدرس وتحصيل العلوم إلى مرتبة قاضي قضاة المسلمين في العصر المملوكي.
وقد كان يدعى محمد بن عبد الله بن وهب، إلا أن اللقب الذي غلب عليه هو ابن دقيق العيد، وهو لقب جده الأعلى الذي كان ذا صيت بعيد، ومكانة مرموقة بين أهل الصعيد، وقد لقب كذلك لأن هذا الجد كان يضع على رأسه يوم العيد طيلساناً أبيضاً شديد البياض، فشبهه العامة من أبناء الصعيد لبياضه الشديد هذا بدقيق العيد
نشأ ابن دقيق العيد في مدينة قوص التي كانت تشتهر في ذلك الوقت بمدارسها العديدة ونهضتها الثقافية الواسعة، تحت رعاية والده مجد الدين القشيري الذي تخرج على يديه الآلاف من أبناء الصعيد، كما يشير إلى ذلك الأدفوي في »طالعه السعيد« في تراجم متفرقة.
وقد عاش شبابه تقياً نقياً ورعاً طاهر الظاهر والباطن، يتحرى الطهارة في كل أمر من أمور دينه ودنياه، فحفظ القرآن الكريم حفظاً تاماً، وتفقه على مذهب الإمام مالك على يد أبيه، ثم رجع وتفقه على مذهب الإمام الشافعي على يد تلميذ أبيه البهاء القفطي، كما درس النحو وعلوم اللغة على يد الشيخ محمد أبي الفضل المرسي، وشمس الدين محمود الأصفهاني، ثم ارتحل إلى القاهرة التي كانت في ذلك الوقت مركز إشعاع فكري وثقافي يفوق كل وصف، تكتظ بالعلماء والفقهاء في كل علم وفن، فانتهز ابن دقيق العيد هذه النهضة العلمية الواسعة التي شهدتها القاهرة في ذلك الوقت، والتف حول العديد من العلماء، وأخذ على أيديهم في كل علم وفن في نهم بالغ، ولازم سلطان العلماء الشيخ عز الدين بن عبد السلام حتى وفاته، وأخذ على يديه الأصول وفقه الإمام الشافعي، وسمع الحافظ عبد العظيم المنذري، وعبد الرحمن البغدادي البقال، ثم سافر بعد ذلك إلى دمشق وسمع بها من الشيخ أحمد عبد الدايم وغيره، ثم اتجه إلى الحجاز ومنه إلى الإسكندرية فحضر مجالس الشيوخ فيهما، وتفقه.. وبلغ غايته في شتى أنواع العلوم والمعرفة الإسلامية، وقد جمع بين فقهي الإمامين مالك والشافعي، ومكث بالقاهرة فترة يسيرة، اتجه على أثرها إلى مسقط رأسه قوص، حيث تقلد منصب التدريس بالمدرسة النجيبية، وهي إحدى المدارس الشهيرة في قوص، وهو لم يتجاوز السابعة والثلاثين من عمره، فالتف حوله المريدون يأخذون على يديه في مختلف الفنون والمعرفة الإسلامية. وقد عرف بغزارة علمه وسعة أفقه، فذاع صيته بين الناس حتى إن والي قوص أسند إليه منصب القضاء على مذهب الإمام مالك. ثم اتجه بعد ذلك إلى القاهرة، وقام فيها بالتدريس بالمدرسة الفاضلية، والكاملية، والصالحية، والناصرية، وكان ثقة في كل ما يقول أو يشرح حتى بلغ في النفوس مكانة سامية مرموقة.
وقد وصفه كثير من المؤرخين وكتّاب التراجم والطبقات كالسبكي وابن فضل الله العمري والأدفوي وغيرهم: بأنه لم يزل حافظاً للسانه، مقبلاً على شأنه.. وقف نفسه على العلوم وقصدها، فأوقاته كلها معمورة بالدرس والمطالعة أو التحصيل والإملاء.
مؤلفاته
من أشهر مؤلفاته :
الإلمام الجامع أحاديث الأحكام، في عشرين مجلداً، وهو من أعظم ما صُنف في مجاله.
شرح كتاب التبريزي في الفقه.
شرح مقدمة المطرزي في أصول الفقه.
الاقتراح في علوم الاصطلاح.
اقتناص السوانح.
شرح مختصر ابن الحاجب.
ديوان شعر.
و قد كان ذا عزيمة عظيمة في التأليف.
ذكر الأدفوي في الطالع: ((أخبرنا قاضي القضاة نجم الدين أحمد القمولي، أنه أعطاه دراهم وأمره أن يشتري بها ورقاً ويجلده أبيض، قال: فاشتريت خمسة وعشرين كراساً، وجلدتها وأحضرتها إليه، وصنف تصنيفاً وقال إنه لا يظهر في حياته)).
قالوا عنه :
قال ابن سيد الناس: ((لم أر مثله في من رأيت، ولا حملت عن أجل منه فيمن رأيت ورويت، وكان للعلوم جامعاً، وفي فنونها بارعا مقدماً في معرفة علل الحديث على أقرانه، منفرداً بهذا الفنن النفيس في زمانه)).
وقال الأدفوي: ((التقي ذاتاً ونعتا، والسالك الطريق التي لا عوج فيها ولا أمتا، والمحرز من صفات الفضل فنوناً مختلفة وأنواعاً شتى، والمتحلي بالحالتين الحسنيين صمتا وسمتا، إن عرضت الشبهات أذهب جوهر ذهنه ما عرض، أو اعترضت المشكلات أصاب شاكلتها بسهم فهمه فأصاب الغرض)).
من عزة نفسه[عدل]
لما عزل نفسه من القضاء، ثم طُلب ليولى، قام له السلطان المنصور لاجين لما أقبل، فأبطأ المشي، فجعلوا يقولون له: السلطان واقف، فيقول: أديني أمشي، وجلس معه على الجوخ حتى لا يجلس دونه، وقبل السلطانُ يده فقال له: تنتفع بهذا.
من نظمه رحمه الله :
قد جرحتنا يد أيامنا.:. وليس غير الله من آسي
فلا تُرجّ الخلق في حاجة.:. ليسوا بأهل لسوى الياس
ولا تزد شكوى إليهم فلا.:. معنى لشكواك إلى قاسي
فإن تخالط منهمُ معشراً.:. هويت في الدين على الراس
يأكل بعضٌ لحم بعض ولا.:. يحسب في الغيبة من باس
لا ورعٌ في الدين يحميهمُ.:. عنها ولا حشمة جلاس
لا يعدم الآتي إلى بابهم.:. من ذلة الكلب سوى الخاسي
فاهرب من الناس إلى ربهم.:. لا خير في الخلطة بالناس
وله:
يهيم قلبي طرباً عندما.:. أستلمح البرق الحجازيا
و يستخف الوجد قلبي وقد.:. أصبح لي حسن الحجى زيا
يا هل أقضّي حاجتى من مِنى.:. وأنحر البزل المهاريا
و أرتوي من زمزمٍ فهو لي.:. ألذ من ريق المها ريا.
وفاته :
توفي يوم الجمعة حادي عشر صفر سنة 702 هـ، ودفن السبت بسفح المقطم شرق القاهرة، وكان يوماً مشهوداً. لقد ترك ابن دقيق العيد الكثير من المؤلفات في الحديث وعلوم الفقه، ما زالت تعتز بها المكتبة العربية حتى يومنا هذا. من هذه المؤلفات: كتاب الإلمام الجامع لأحاديث الأحكام، الإلمام في الأحكام في عشرين مجلداً، وشرح لكتاب التبريزي في الفقه، وفقه التبريزي في أصوله. كما شرح مختصر ابن الحاجب في الفقه، ووضع في علوم الحديث كتاب الاقتراح في معرفة الاصطلاح. وله تصانيف في أصول الدين. كما كان ابن دقيق العيد، بجانب امتيازه في التدريس والفقه والتأليف، خطيباً بارعاً، وله ديوان شعر ونثر لا يخرج عن طريقة أهل عصره الذين عرفوا بالسجع والمحسنات البديعة.
عده الامام الذهبي مجدد الاسلام عل رأس المئة السابعة للهجرة .
فقال في كتابه سير اعلام النبلاء 14/203 :
وقد كان على رأس الاربع مئة الشيخ أبو حامد الاسفراييني، وعلى رأس الخمس مئة أبو حامد الغزالي، وعلى رأس الست مئة الحافظ عبد الغني، وعلى رأس السبع مئة شيخنا أبو الفتح ابن دقيق العيد. ]
مولده ونشأته
هو الامام محمد بن علي بن وهب بن مطيع بن أبي الطاعة القشيري القوصي، أبو الفتح تقي الدين، ابن دقيق العيد
ولد يوم السبت 15 شعبان سنة خمس وعشرين وستمائة، في البحر الأحمر عند ساحل ينبع، حيث كان والده مجد الدين القشيري القوصي متوجهاً إلى الحج. قال ابن حجر : ولد بطريق مكة فِي المحرم سنة خمس وعشرين وستمائة، ويقال إن والده طاف بِهِ عَلَى يديه ودعا لَهُ بالعِلم والعمل.[1] قال عنه أبو الفتح بن سيد الناس اليعمري الحافظ: »لم أرَ مثله فيمن رأيت، ولا حملت عن أجلّ منه فيما رأيتُ ورويتُ، وكان للعلوم جامعاً، وفي فنونها بارعاً، مقدماً في معرفة علل الحديث على أقرانه، منفرداً بهذا الفن النفيس في زمانه، بصيراً بذلك شديد النظر في تلك المسالك.. وكان حسن الاستنباط للأحكام والمعاني من السنة والكتاب، مبرزاً في العلوم النقلية والعقلية.[2] نشأ في صمت وانشغال بالعلم. ذكر الأدفوي في الطالع السعيد: ((حكت زوجة أبيه، بنت التيفاشي، قالت: بنى عليّ والده، والشيخ تقي الدين ابن عشر سنين، فرأيته ومعه هاون وهو يغسله مرات زمناً طويلاً، فقلت لأبيه: ماهذا الصغير يفعل؟ فقتل له: يا محمد أي شيء تعمل؟ فقال: أريد أن أركّب حبراً، وأنا أغسل هذا الهاون)).
حفظ القرآن، وسمع الحديث من والده الشيخ مجد الدين القشيري، وأبي الحسن بن هبة الله الشافعي، والحافظ المنذري، وأبي الحسن النعال البغدادي، وأبي العباس بن نعمة المقدسي، وقاضي القضاة أبي الفضل يحيى بن محمد القرشي، وأبي المعالي أحمد بن المطهر، والحافظ أبي الحسين العطار وخلائق غيرهم.
و أخذ مذهبي مالك والشافعي، وأخذ العربية على ابن أبي الفضل المرسي.
تلاميذ ه :
تتلمذ عليه خلق كثير، على رأسهم قاضي القضاة شمس الدين ابن جميل التونسي، وقاضي القضاة شمس الدين بن حيدرة، والعلامة أثير الدين أبو حيان الغرناطي، وعلاء لدين القونوي، وشمس الدين بن عدلان، وفتح الدين اليعمري، شرف الدين الإخميمي وغيرهم الكثير.
درّس بالمدرسة الفاضلية، والمدرسة المجاورة لضريح الشافعي، والمدرسة الكاملية، والصالحية، ودرس بدار الحديث بقوص. بينما كان العالِم الفقيه علي بن وهب المعروف بمجد الدين القشيري يأخذ طريقه لأداء فريضة الحج في يوم السبت الخامس والعشرين من شهر شعبان سنة 625 هـ على ظهر إحدى السفن وبصحبته زوجته كريمة الشيخ الزاهد الورع مفرح الدماميني أحد كبار متعبدة الصعيد في القرن السابع الهجري، وذلك عن طريق البحر الأحمر الذي كانوا يسمونه في العصر الإسلامي ببحر القلزم، وما أن قاربت السفينة ساحل الينبع حتى حمل البشير إليه نبأ أدخل السرور والبشر على قلبه، وهو أن زوجته قد وضعت غلاماً، فرفع العالِم الفقيه مجد الدين القشيري يده إلى السماء شاكراً حامداً نعمة الله عليه سبحانه وتعالى على هذه المنة العظيمة. ولما قدم مكة حمل رضيعه المبارك بين يديه وطاف به البيت وهو يدعو الله سائلاً أن يجعله عالماً، وقد استجاب الله لدعائه، ووصل الفتى بجدّه وذكائه ومثابرته في الدرس وتحصيل العلوم إلى مرتبة قاضي قضاة المسلمين في العصر المملوكي.
وقد كان يدعى محمد بن عبد الله بن وهب، إلا أن اللقب الذي غلب عليه هو ابن دقيق العيد، وهو لقب جده الأعلى الذي كان ذا صيت بعيد، ومكانة مرموقة بين أهل الصعيد، وقد لقب كذلك لأن هذا الجد كان يضع على رأسه يوم العيد طيلساناً أبيضاً شديد البياض، فشبهه العامة من أبناء الصعيد لبياضه الشديد هذا بدقيق العيد
نشأ ابن دقيق العيد في مدينة قوص التي كانت تشتهر في ذلك الوقت بمدارسها العديدة ونهضتها الثقافية الواسعة، تحت رعاية والده مجد الدين القشيري الذي تخرج على يديه الآلاف من أبناء الصعيد، كما يشير إلى ذلك الأدفوي في »طالعه السعيد« في تراجم متفرقة.
وقد عاش شبابه تقياً نقياً ورعاً طاهر الظاهر والباطن، يتحرى الطهارة في كل أمر من أمور دينه ودنياه، فحفظ القرآن الكريم حفظاً تاماً، وتفقه على مذهب الإمام مالك على يد أبيه، ثم رجع وتفقه على مذهب الإمام الشافعي على يد تلميذ أبيه البهاء القفطي، كما درس النحو وعلوم اللغة على يد الشيخ محمد أبي الفضل المرسي، وشمس الدين محمود الأصفهاني، ثم ارتحل إلى القاهرة التي كانت في ذلك الوقت مركز إشعاع فكري وثقافي يفوق كل وصف، تكتظ بالعلماء والفقهاء في كل علم وفن، فانتهز ابن دقيق العيد هذه النهضة العلمية الواسعة التي شهدتها القاهرة في ذلك الوقت، والتف حول العديد من العلماء، وأخذ على أيديهم في كل علم وفن في نهم بالغ، ولازم سلطان العلماء الشيخ عز الدين بن عبد السلام حتى وفاته، وأخذ على يديه الأصول وفقه الإمام الشافعي، وسمع الحافظ عبد العظيم المنذري، وعبد الرحمن البغدادي البقال، ثم سافر بعد ذلك إلى دمشق وسمع بها من الشيخ أحمد عبد الدايم وغيره، ثم اتجه إلى الحجاز ومنه إلى الإسكندرية فحضر مجالس الشيوخ فيهما، وتفقه.. وبلغ غايته في شتى أنواع العلوم والمعرفة الإسلامية، وقد جمع بين فقهي الإمامين مالك والشافعي، ومكث بالقاهرة فترة يسيرة، اتجه على أثرها إلى مسقط رأسه قوص، حيث تقلد منصب التدريس بالمدرسة النجيبية، وهي إحدى المدارس الشهيرة في قوص، وهو لم يتجاوز السابعة والثلاثين من عمره، فالتف حوله المريدون يأخذون على يديه في مختلف الفنون والمعرفة الإسلامية. وقد عرف بغزارة علمه وسعة أفقه، فذاع صيته بين الناس حتى إن والي قوص أسند إليه منصب القضاء على مذهب الإمام مالك. ثم اتجه بعد ذلك إلى القاهرة، وقام فيها بالتدريس بالمدرسة الفاضلية، والكاملية، والصالحية، والناصرية، وكان ثقة في كل ما يقول أو يشرح حتى بلغ في النفوس مكانة سامية مرموقة.
وقد وصفه كثير من المؤرخين وكتّاب التراجم والطبقات كالسبكي وابن فضل الله العمري والأدفوي وغيرهم: بأنه لم يزل حافظاً للسانه، مقبلاً على شأنه.. وقف نفسه على العلوم وقصدها، فأوقاته كلها معمورة بالدرس والمطالعة أو التحصيل والإملاء.
مؤلفاته
من أشهر مؤلفاته :
الإلمام الجامع أحاديث الأحكام، في عشرين مجلداً، وهو من أعظم ما صُنف في مجاله.
شرح كتاب التبريزي في الفقه.
شرح مقدمة المطرزي في أصول الفقه.
الاقتراح في علوم الاصطلاح.
اقتناص السوانح.
شرح مختصر ابن الحاجب.
ديوان شعر.
و قد كان ذا عزيمة عظيمة في التأليف.
ذكر الأدفوي في الطالع: ((أخبرنا قاضي القضاة نجم الدين أحمد القمولي، أنه أعطاه دراهم وأمره أن يشتري بها ورقاً ويجلده أبيض، قال: فاشتريت خمسة وعشرين كراساً، وجلدتها وأحضرتها إليه، وصنف تصنيفاً وقال إنه لا يظهر في حياته)).
قالوا عنه :
قال ابن سيد الناس: ((لم أر مثله في من رأيت، ولا حملت عن أجل منه فيمن رأيت ورويت، وكان للعلوم جامعاً، وفي فنونها بارعا مقدماً في معرفة علل الحديث على أقرانه، منفرداً بهذا الفنن النفيس في زمانه)).
وقال الأدفوي: ((التقي ذاتاً ونعتا، والسالك الطريق التي لا عوج فيها ولا أمتا، والمحرز من صفات الفضل فنوناً مختلفة وأنواعاً شتى، والمتحلي بالحالتين الحسنيين صمتا وسمتا، إن عرضت الشبهات أذهب جوهر ذهنه ما عرض، أو اعترضت المشكلات أصاب شاكلتها بسهم فهمه فأصاب الغرض)).
من عزة نفسه[عدل]
لما عزل نفسه من القضاء، ثم طُلب ليولى، قام له السلطان المنصور لاجين لما أقبل، فأبطأ المشي، فجعلوا يقولون له: السلطان واقف، فيقول: أديني أمشي، وجلس معه على الجوخ حتى لا يجلس دونه، وقبل السلطانُ يده فقال له: تنتفع بهذا.
من نظمه رحمه الله :
قد جرحتنا يد أيامنا.:. وليس غير الله من آسي
فلا تُرجّ الخلق في حاجة.:. ليسوا بأهل لسوى الياس
ولا تزد شكوى إليهم فلا.:. معنى لشكواك إلى قاسي
فإن تخالط منهمُ معشراً.:. هويت في الدين على الراس
يأكل بعضٌ لحم بعض ولا.:. يحسب في الغيبة من باس
لا ورعٌ في الدين يحميهمُ.:. عنها ولا حشمة جلاس
لا يعدم الآتي إلى بابهم.:. من ذلة الكلب سوى الخاسي
فاهرب من الناس إلى ربهم.:. لا خير في الخلطة بالناس
وله:
يهيم قلبي طرباً عندما.:. أستلمح البرق الحجازيا
و يستخف الوجد قلبي وقد.:. أصبح لي حسن الحجى زيا
يا هل أقضّي حاجتى من مِنى.:. وأنحر البزل المهاريا
و أرتوي من زمزمٍ فهو لي.:. ألذ من ريق المها ريا.
وفاته :
توفي يوم الجمعة حادي عشر صفر سنة 702 هـ، ودفن السبت بسفح المقطم شرق القاهرة، وكان يوماً مشهوداً. لقد ترك ابن دقيق العيد الكثير من المؤلفات في الحديث وعلوم الفقه، ما زالت تعتز بها المكتبة العربية حتى يومنا هذا. من هذه المؤلفات: كتاب الإلمام الجامع لأحاديث الأحكام، الإلمام في الأحكام في عشرين مجلداً، وشرح لكتاب التبريزي في الفقه، وفقه التبريزي في أصوله. كما شرح مختصر ابن الحاجب في الفقه، ووضع في علوم الحديث كتاب الاقتراح في معرفة الاصطلاح. وله تصانيف في أصول الدين. كما كان ابن دقيق العيد، بجانب امتيازه في التدريس والفقه والتأليف، خطيباً بارعاً، وله ديوان شعر ونثر لا يخرج عن طريقة أهل عصره الذين عرفوا بالسجع والمحسنات البديعة.