علي النموشي
2009-08-06, 22:35
حدثنا عباس النموشي قال : دعاني صهري ، من حيث لا أدري ، لأمر قهري ، إلى سكناه في حي بني جدري ، الماء من تحته يجري ، لأن وضعه مزري ، و استصرخني قائلا : أيا أخ زوجتي ، و ابن عمومتي ، إني قررت أن أدهن بيتي ، لأغير شكله ، و أجدد ساحته ، و أنمق مظهره ، فقد غدى مثل خم الدجاج ، و غشاه الغبار و العُجاج ، و لم يبقى فيه لا بلـّور ولا زجاج ، فقلت في نفسي ، و ضربت خمسي في سدسي ، هل ألبّي مطلبه ، و أمشي إلى مضربه ، فقد عهدته متكاسلا ، و على غيره متواكلا ، و لأمر الدنيا متساهلا ، و ناصيته منها مشاكلا ، بخيلا شحيحا ، و لا تعرف منه أمرا صحيحا ، و من كثره خبثه صار له فحيحا ، لا يحب الإنفاق ، و لا يبغي تطلع الآفاق ، و فيه من الشقاق و النفاق ، ما ينفر الأعداء و الرفاق ، لكنني راجعت حالي ، لأنني لا أبالي ، بمثل هذه الخوالي ، و مقام أختي عندي غالي ، و مكانها في قلبي عالي ، فقررت الذهاب إليه ، و الوقوف بين يديه ، و مساعدته ، بما عهدته ، من بياض قلبي ، و تجدني لمطلبه ألبّي ، حتى وصلت إلى داره ، فوجدت عنده جاره ، و بعضا من عياله ، و القليل من أقاربه ، فرحب بنا و أدخلنا إلى البيت ، و أحضر لنا الوسيلة و الهيت ، فما وجدناه كريما ، لعلمي به لئيما ، قليل الرماد ، قصير العماد ، و قلة جوده و كرمه ، كمن غـُلـّت يديه إلى عنقه ، و لم نحتسي عنده لا قهوة الدار ، و لا فطور الصباح و إشراق الأنوار ، حتى أحسست من صنيعه بالخزي والعار ، و قال قد دعوتكم لتعينوني ، و لا تهينوني ، و أمام زوجتي لا تخزوني ، أريد منكم عملا متقنا ، و نشاطا مفعما ، و ناتجا مسقـّما ، فرضخنا للأمر الواقع ، و هو على رؤوسنا قابع ، يأمر و ينهي ، و يصيح و يفري ، و يغدو و يروح ، كمن به وجع القروح ، فكانت عشر ساعات من العمل ، حتى خـِلت حالي كالجمل، يحمل الثقل و الحمل ، فلما أكملنا ، جاءنا و كلّمنا ، أنْ بارك الله فيكم ، على صنيعكم ، وحسن تدبيركم ، و أنا حينها تملكني النوى ، و أتعبني الطوى ، اللهم إلا من كسر جاف ، وخبز حاف ، أحضرته لي أختي ، خلسة عن صحبتي ، و لما نظرت إلى الساعة ، و جدت الوقت مضى كساعة ، و يلزمني حمّام ، لأنزع به الغمام ، فقد كدت أرى الحُـمام ، من هول ما لقيت من وجه النكد الدمام فجمعت أغراضي ، و ودعت أترابي ، قاصدا مرش المدينة ، ذات الأزقة المشينة ، و الوجوه الكئيبة الحزينة ، فلما دخلت ، على بابه خفت ، و جثتي وجلت ، من وجه صاحبه ، و شكله و مظهره ، و عرفت أن الأمر ليس فيه خير ، كأن على رأسه الطير ، لكنني عرفت ، و في بالي تيقنت ، أن الشاب صاحب المحل ، محشش أو أن عقله مختل ، فطلبت منه صابونا و غسولا و معجونا ، و دخلت حجرتي ، و معي منشفتي ، ففتحت الصنبور ، فخرج منه صرصور ، و انهمر بعده الماء ، بعد جهد و عناء ، فانتعش له جسمي ، و سرح عقلي ، فأحسست براحة أنستني كل القراحة ، و رحت أسترجع وقائع التعب ، جراء ما لحق بي من كرب ، بسبب صهري وجه الشؤم و الجدب ، حينها انقطع تيار الكهرباء ، و غـَشتني الظلماء ، فأصبحت الحجرة سوداء ، فاحترت من هول ما جرى ، لكنني قلت يا ترى ، هل أن الأمر يتعلق بذهاب الضوء ، أم أن في الأمر شيء ، فأكملت حمـّامي بسرعة و بلا تفاني ، من خوف حينها اعتراني ، و لما فتحت الباب ، و ناديت الشاب ، فما وجدت الجواب ، بل العتمة تخيم على المكان ، كمن سكنه الجان ، و برحت مكاني ، لأني تيقنت أنه نسيني ، و غلـّق عليّ الباب ، في غفلة منه و انساب ، دون أن يعلم أني عنده ، و أني أتواجد بمحله ، و رحت أطرق الباب الخارجي ، و أصيح يا رب يا منجي ، يا لكربتي فارج ، يا قوم قد علقت بالمرش ، إليّ بالمفتاح و خلـّصوني من النعش ، فاجتمع الجمهور أمامي ، بين ساخر و مرامي ، فريق يضحك و آخر يأفك ، و تجمهر الناس بالمئات ، و صار خروجي في حكم هيهات ، حتى تقدم مني شاب يدعى الأخضر ، فخلت أنني مع الأشتر ، و هو منقذي الفارس الأبجر ، و ناداني يا هذا لا تخف ، و البس الجورب و الخف ، و زد سروالك و ضف ، إليهم الصدرة و لشعرك نشف ، إني عارف ببناء هذا المكان ، كما أنني جاره في الدكان ، هناك مخرج خلف الباب ، لكن به كلب يهاب ، يفتك بكل لص وثـّاب ، فاحذره و اقرأ الدعاء المستجاب ، فبحثت عن المخرج ، و من الهلع كدت أشرج ، و كاد أن يصيبني التشنج ، فصرت في مشيتي أعرج ، حتى وجدت نافذة مفتوحة ، إلى فناء و بهو مطروحة ، فحملت أغراضي ، و قفزت منها و أنا ماض ، حتى اهتديت إلى باب حديدي ، و سترني المولى من الكلب الهريدي ، فلو لمحني لقطع شرياني و وريدي ، فقفزت بسرعة ، و سقطت حينها في ترعة ، فوجدت القوم مجتمعة كالسرب ، في ساعة النفير والحرب ، وقد ملئوا الساحة و الدرب ، وإذا برجال الشرطة قدموا ، و أخذوني إلى المخفر و جزموا ، أنني سارق دخلت المكان بحيلة ، بغية السرقة و الغيلة ، فقلت يا لحظي السيء ، أأسرق و أنا قانع بالفيء ، و الله إنني لمظلوم ، علقت بالمرش المشؤوم ، لخطأ من صاحبه المخزوم ، نادوه و اسمعوه ، و كلموه و ابحثوه ، فما هي إلا برهة ، حتى قدم الشاب و والده في عجلة ، فقال لهم فكوا وثاقه و أطلقوا سراحه ، إن الخطأ خطأ إبني ، الذي هو من صلبي ، فقد كرر الأمر أكثر من مرة ، و لم يسلم مني هذه المرة ، لا هـوّ و لا الجرة ، فلطمه بصفعة ، دوّت كوقع العود في القصعة و قال له عقابك عندي عسير ، إلى البيت لما نسير ، و لن يجيرك لا العماد و لا المشير ، هب أن الرجل مات ، عندها سنكون في شتات ، و لن تكفينا لا الدية و لا الزكاة ، و التفت إليّ الشيخ في استحياء ، و قال لي أطلب ما تشاء ، و سامحني على خطأ ابني المعتوه ، و هل أصبت بمكروه ، فقلت له يا أخي ، لا تبالي بالذي حدث معي ، فأنا متعود على مثل هذه الأمور ، و مرة كدت ألج القبور ، من أمر حدث معي في العبور للحدود والثغور ، فلا تأبه لهذا الحادث ، أو لإبنك العابث ، فلولا ستر الله الوارث ، لإستوى الضبع و الحارث ، فخرجت من المخفر فرحا و صدري منشرحا ، حامدا الله الرحيم ، لاعنا الشيطان الرجيم ، على نجاتي من هذا الكرب اللطيم . لان دعاء والدتي دوما معي نديم ، و لست ابن سوء أو زنيم.