حكيم عياض
2009-08-03, 11:48
نسب مولاي ابي الشتاء
دخول التصوف إلى المغرب:
لقد كان لوفود الحجاج المغاربة الفضل في نقل التصوف إلى المغرب وذلك في القرن الحادي عشر الميلادي وكان ممن رحل إلى الشرق ودرس التصوف هناك أبو يعزى المكنى بابن العريف وكان فقيها محدثا بالأندلس وعلي ابن حرازهم وأبو شعيب الصنهاجي وكان هؤلاء على مذهب الغزالي فكان تصوفهم شرقيا قلبا وقالبا شديد الالتزام بالقرآن والسنة وفي الفترة الأخيرة من عهد الموحدين ظهر قطبي التصوف المغربي الذي على يديهما تغير طابع التصوف المغربي وأخذ مجرى مغايرا لما كان عليه بالشرق الإسلامي هذين الرجلين هما أبو مدين شعيب الملقب بالغوث الإشبيلي(1). درس بسبتة ومراكش وطنجة وفاس أخذ علوم الغزالي عن أبي الحسن حرازهم وجمع ما أمكنه جمعه من علوم الأندلس بالمغرب ثم ذهب إلى الشرق حيث التقى بالقطب عبد القادر الجيلالي فأخذ عنه علومه وطريقته ورجع إلى المغرب حيث استوطن ببجاية وتوفي وهو في طريقه إلى يعقوب المنصور الموحدي ملك مراكش. توفي بتلمسان ودفن بها برابطة العباد سنة 594 هـ.
أما القطب الثاني في التصوف المغربي فهو الشيخ عبد السلام بن امشيش بن أبي بكر بن علي بن ادريس الثاني باني فاس. درس على الشيخ علي بن حرازهم وعلى أبي مدين الغوث(2). وعن عبد الرحمان العطار الزياتي الحسني(3) المدني. واعتكف المولى عبد السلام بجبل العلم من شمال المغرب وإلى زهده كان يتعاطى الفلاحة. ولما اشتهر أمره اغتاله ابن أبي الطواجين سنة 625هـ وقبره مزارة بالجبل ومن نصائح الولي عبد السلام لبعض أتباعه:
1- المغرب عبرالتاريخ. ج 1- ص: 309
2- نفس المرجع: ج 1ص: 309.323
3- المفاخر العلمية في مآثر الشاذلية ص: 8 مناهل الصفا في مآثر موالينا الشرفاء ص: 278
" احفظ نفسك من إرادة الدنيا وحب النساء وحب الجاه وإيثار الشهوات. واقنع من ذلك بما قسم الله لك.
إذا خرج لك مخرج الرضى فكن لله شاكرا. وإذا خرج لك مخرج السخط فكن عليه صابرا. ورفض الدنيا قطب تدور عليه الخيرات. وأصل جامع لأنواع الكرامات وحصون ذلك كله أربعة: الورع. وحسن النية. وإخلاص العمل. وصحبة العلم. ولا تتم له هذه الجملة إلا بصحبة أخ صالح أو شيخ ناصح".
ومن خلال هذه القولة يتبين لنا أن الشيخ ابن امشيش كان شيخا للتصوف وصاحب طريقة منظمة أركانها الورع وحسن النية...إلخ. والشيخ ابن بشيش هو الذي أعطى للتصوف المغربي صبغته الاستقلالية عن التصوف الشرقي، بالرغم من كونه درس على يد أئمة التصوف التابعين كأبي مدين وغيره فإنه لم يسلك مسلكهم(1). بل خالفهم وحاول التمييز عنهم.
واستكمل تلميذه أبو الحسن علي بن عبد الجبار الحسني الإدريسي الزريولي الملقب بالشاذلي(2) الذي تلقى دراسته بفاس عن ابي حرازهم ورحل إلى الشرق للبحث عن قطب الصوفية فالتقى بأحدهم في بغداد وهو أبو الفتح الواسطي الذي قال له: " القطب في بلادك فارجع إليه تجده". وعاد إلى بلاد غمارت حيث سأل عنه فدلوه على الشيخ بن بشيش برباطه بجبل العلم. فصحبه ولزمه مدة طويلة أخذ عنه فيها علوم التصوف ولبس الخرقة من يديه(1). وأشار عليه شيخه بعدها بالرحيل إلى شاذلة(2). فارتحل إليها الشاذلي والتقى هناك ببعض الشيوخ كأبي سعيد الباجي(3). وأبو علي النفطي(4). وأبو يوسف الدهماني(5).
1- صور من التاريخ الديني بالمغرب: الطوائف والزوايا ص: 242.مجلة تاريخ المغرب ص: 22.
2- الاعلام: جزء 5ص: 120ورقة مغربية عن الحضارة المغربية في عصر بني مرين ص: 236.
1- المفاخر العلمية في مآثر الشاذلية ص: 8.
2- كتاب أبو الحسن الشاذلي ص: ابن سبعين سلسلة أعلام التصوف ص: 87.
3- أبو الحسن الشاذلي ص:
4- أبو الحسن الشاذلي ص:
5- أبو الحسن الشاذلي ص:
وكلهم تلامذة لأبي مدين الغوث وبعدها رحل إلى مصر حيث استقر بها إلى أن توفي في طريقه إلى الحج سنة 656هـ. ودفن بصحراء عيذاب بقرية حميراء ببلاد الصعيد. وأوصى بالولاية من بعده لتلميذه أبي العباس المرسي.
وتتلخص أفكار الشاذلي في أقواله، ومنها: " لن يصل العبد إلى الله تعالى ومعه شهوة من شهواته. أو مشيئة من مشيئاته. ولن يقصد هوى نفسه حتى يأخذها بالقوة شدة المجاهدة. إلى أن يدللها تدليلا. ويروضها على نسيان ذاتها فيقف عند حد الذل إلى الله تعالى(6) ويقول: " ليس هذا الطريق بالرهبانية ولا بأكل الشعير والنخالة ولا ببقبقة الصناعة. وإنما هو بالصبر على الأوامر. واليقين في الهداية. وجعلناهم أمة يهدون لأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون." (7)
وكان الشاذلي مع زهده يلبس من الثياب أحسنها فدخل عليه يوم فقير وعليه ملابش شعر فلما فرغ الشاذلي من كلامه دنا منه ذلك الفقير وقال له بعد أن أمسك بملابسه: " يا سيدي ما عبد الله بهذا اللباس الذي عليك ؟ " (8) فأمسك الشاذلي للفقير بملابسه فوجد فيها خشونة فقال له: " ولا عبد الله بهذا اللباس الذي عليك! لباسي يقول للناس أنا غني عنكم فلا تعطوني ولباسكم يقول: أنا فقير إليكم اعطوني."
وأقوال الشاذلي كثيرة في هذا المعنى وتدل على اعتداله في التصوف ومزاوجته بين العمل للدنيا والعمل للآخرة. واعتداله هو الذي جعل طريقته تحظى بالقبول من طرف أغلب الأمم الإسلامية من مشارق الأرض إلى مغاربها وانتشرت على حساب الطريقة القادرية التي أصبحت عبارة عن طوائف خرجت عن ظاهر الشرع. وأحسن دليل على ما حضيت به طريقة الشاذلي هو وصولها إلى أندونيسيا وجزر سيلان والملايو.
6- أبو الحسن الشاذلي ص:
7- أبو الحسن الشاذلي ص:
8- لطائف المنن ص: 114
وقد شهد بالفضل والتفوق بطريق القوم مع التزامه بالكتاب والسنة حتى أن بعضهم رفعه إلى مقام الشيخ عبد القادر الجيلالي كقول محمد المغربي:
الشاذلية قادرية وقتهم قد خصصوا بالعلم والعرفان نهموا ما قد علاهم منه من نور معرفة وعلم وبيان(1).
بل هناك من رفعه على مقام الجيلاني كما روى عن شمس الدين الحنفي أنه قال: " أطلعني الله على مقام سيدي عبد القادر وعلى مقام سيدي أبي الحسن الشاذلي فوجدت مقام أبي الحسن الشاذلي أعلى من مقام سيدي عبد القادر. وذلك لأن سيدي عبد القادر لما سئل عن شيخه قال: أما فيما مضى فسيدي حماد الدباس وأما الآن فأنا أستقي من بحرين: بحر النبوة وبحر الفتوة. يعني بالأولى نبوة محمد(صلعم). وفي الثانية علي بن أبي طالب (ض) ولأن سيدي أبي الحسن لما سئل عن شيخه قال: أما فيما مضى فسيدي عبد السلام بن بشيش وأما الآن فأنا أستقي من عشرة أبحر خمسة أرضية: النبي[img]style_images/1/p1.gif'>أبو بكر، عمر، عثمان وعلي. أما السماوية فجبريل وميكائيل وعزرائيل وإسرافيل والروح "(1).
وقد ألف الشاذلي 22 حزبا في التسول والتلطف والاستغفار والتجلي وما إغلى ذلك. وهذه الأحزاب هي عمدة الطريقة الشاذلية واجب تلاوتها على كل شاذلي وقد حافظت عليها كل الطرق التي تفرعت عن الشاذلية كالجزولية والزروقية.
وقد نشر الطريقة الشاذلية تلامذة الشاذلي وهم: أبو العباس المرسي وأبو عبد الله المغربي وغيرهم. وقد بلغت تعاليم الشاذلي أوجا على يد الجزولي الذي رسخها في المغرب حتى أصبحت الطريقة المعمولة بها في هذه البلاد بعد المذهب المالكي في الفقه والعقائد والأشعري في التوحيد مع العلم بأن طريقة الشاذلية تابعة لأبي القاسم الجنيد. وقد قال عبد الواحد بن عاشي:
1- المفاخر العلمية في مآثر الشاذلية ص: 6
" وفي عقد الأشعري وفقه مالك **** وفي طريقة الجنيد السالك"(2)
والجزولي هو محمد بن عبد الرحمان بن أبي بكر بن سليمان بن سعيد بن يعلى بن يخلف بن موسى بن علي بن يوسف بن عيسى بن عبد الله بن جندوز بن عبد الرحمان بن أحمد بن حسان بن اسماعيل بن جعفر بن عبد الله بن الحسن المثلث بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي(ض)(3). ومن خلال هذه السلسلة يتضح أن الجزولي كان شريف النسب ونسب إلى جزولة وهي قبيلة من سملالة وهي قبيلة عبد الله بن ياسين أيضا.
وقد درس الجزولي بمراكش وفاس على شيوخ عصره وأخذ الطريقة الشاذلية عن الشيخ عبد الله أمغار صاحب رباط قرب أزمور(1). ثم قصد مصر حيث التقى بشيوخ الشاذلية هناك واستكمل عندهم ما نقصه من مبادئ الطريقة ثم رجع إلى المغرب واستقر بأفوغال حيث بنى زاوية هناك وبدأ في نشر طريقته التي أصبحت طريقة مغربية بالمفهوم الحالي للكلمة، فقد نظم الطريقة الشاذلية تنظيما عمليا ومحكما.
وترتكز الطريقة عند الجزولي على: المناداة بالرجوع إلى الكتاب والسنة، توحيد المغاربة تحت طريقة واحدة متجاوزا الخلافات القبلية. التوبة من الذنوب والإكثار من البر والأعمال الصالحة والاقتداء بشيخ عالم بالظاهر والباطن. والتوبة عند الجزولي تسعة علامات: الحسرة. الندامة. الإنابة. الخشوع. التواضع. الابتهال. المداومة على الذكر. الرضى بالقضاء. وحسن الظن بالله(2) وتوفي الجزولي مسموما سنة 869هـ (3) ودفن بآفوغال ثم نقل جثمانه فيما بعد إلى مراكش.
2- اختصار الدر الثمين والمورد المعين في شرح المرشد المعين المقدمة. وكان يدرس في المعاهد
الدينية في كل أنحاء المغرب.
3- الدرر البهية والجواهر النبوية ص: 44.
1-المغرب عبر التاريخ: ج 2 ص: 89.
2- نفس المرجع: ج 2 ص: 190.
3- المغرب عبر التاريخ: ج 2 ص: 89.
وقد ترك الجزولي كتابه دلائل الخيرات في الصلاة على النبي(صلعم) وهو مدة كل مريد جزولي شاذلي، وأصبح يردد أذكاره وأوراده ملايين المسلمين من أتباع الجزولي على مر السنين وقد حمل عبء الإصلاح ونشر الطريقة تلامذة الجزولي العديدون الذين تخرجوا من زواياه المنتشرة بسلا وتلمسان وفاس وزرهون ومكناس وأنماي ومراكش وماسة وأنشأوا الزوايا وكانت لهم طرق تفرعت عن الطريقة الأم - الجزولية الشاذلية- وكان من أهم تلاميذ الجزولي الشيخ عبد العزيز التباع الذي لقن الطريقة بدوره للشيخ عبد الكريم الفلاح الذي من تلامذته الشيخ أبو القاسم الزعري وأبو محمد عبد الله الغزواني وعمر الخطاب وكان من تلاميذ: الفلاح الشيخ القطلي ومن تلاميذ الزعري الشيخ أبو عبيد الشرقي ومن تلاميذ عمر الخطاب عبد الرحمان المدوب.
وكان الشيخ الغزواني أكثر هؤلاء الشيوخ اتباعا. وأغلب الطرق الجزولية بالمغرب متصلة به ومنها طريقة الشيخ مولاي أبي الشتاء الخمار دفين فشتالة.
وقبل أن ندخل في الكلام على هذه الطريقة وصاحبها يجذر بنا أن نشير أن التصوف المغربي انقسم إلى فرعين أصلهما الطريقة الشاذلية الجنيدية. وهذين الفرعين هما الجزولية والزروقية المنسوبة لسيدي احمد زروق البرنصي الفاسي دفين طرابلس بليبيا.
الفـصـل الأول
1 – الألقاب التي اشتهر بها الشيخ أبو الشتاء الخمار:
لقد اشتهر الشيخ مولاي أبو الشتاء الخمار بهذا الاسم والذي ما هو في الحقيقة إلا لب أطلق عليه فغلب على اسمه حتى اشتهر به، وجعل أغلب الناس يعتقدون أنه اسمه. وهذا اللقب تميز به الشيخ أبو الشتاء عن باقي الأعلام الربية، لأنه أول من حمله من العرب القدماء والمحدثين. وقد أطلق عليه إثر كرامة حدثت له عندما كان ضيفا على صاحبه الشريف سيدي عبد الرحمان بن ريسون بزاويته بتازروت من جبل العلم بقبيلة بني عروس. فقد جاء في المناقب(1) أن الشيخ أبا الشتاء كان عند صاحبه الشريف سيدي عبد الرحمان بن ريسون لما أصاب الناس الجفاف فأتوا الشريف سيدي عبد الرحمان(2) يستمطرونه بدعائه لهم وكان فيهم مجاب الدعوة، فقال له: " اذهبوا ألى محمد ابن موسى وكان ذلك هو اسم الشيخ أبي الشتاء وأمسكوا(3) بتلابيبه ولا تطلقوا منه حتى يستمطر لكم " ففعلوا ما أمرهم به ذلك الشريف واستمطر الشيخ سيدي محمد له فسقاهم الله غيثا نافعا من حينهم، فأطلقوا عليه لقب أبو الشتاء أي صاحب الشتاء، وكانت تلك عادة المغاربة يكنون كل واحد بما اشتهر به من علامة أو فعل أو غيره.
وهناك خبر آخر يقول بأن البلاد أصابها جفاف مفرط فقصد سكان الجبل سيدي عبد الله بن حسون الخالدي السلاسي ولي قبيلة سلاس وسيدها. وسألوه أن يستسقي لهم الله فدلهم على سيدي محمد بن موسى، وكان لا يزال حديث عهده بجبل آمركو من قبيلة فشتالة. فذهبوا إليه، وسقاهم الله على يديه.
1- سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بمدينة فاس ج1 ص:145.
2- المناقب ص: 159.
3- مرآة المحاسن بأخبار الشيخ أبي المحاسن ص: 232.
وهناك خبر آخر شبيه بهذا يقول بأن سيدي عبد الله بن حسون الخالدي أخبر السلطان الأكحل ملك فاس بكون الشيخ محمد بن موسى نزيل آمركو بفشتالة مجاب الدعوة فلعل الله يمطر عباده على يديه. فأرسل السلطان في طلب الشيخ محمد ابن موسى، فلم يجب دعوة السلطان معبر عن ذلك بانشغاله بعبادة ربه، فرحل السلطان بنفسه نحو قبيلة فشتالة فالتقى به الشيخ محمد بن موسى على ضفة نهر سبو وطلب منه السلطان أن يصلي بهم صلاة الاستسقاء، ويطلب الله ليرحم عباده، ففعل الشيخ ما أمر به، ورفع يديه إلى السماء قائلا: " اللهم إن السلطان الأصغر يسألك أنت السلطان الأكبر المطر لعبادك".
فما أكمل دعاءه حتى تلبدت السماء بالغيوم ونزلت مطرا منهمرا والسلطان لم يكد يدخل فاس.
ولا يزال إلى اىن المكان الذي التقى فيه الشيخ سيدي أبو الشتاء بالسلطان الأكحل يحمل اسم" الحجرة الشريفة" وهو على ضفة نهر سبو بين اشراكة واولاد جامع. وهو شاهد على وقوع هذه الكرامة بذلك المكان. وقد عم خبر الكرامة المغرب حتى عرف الشيخ سيدي محمد بن موسى بلقب أبو الشتاء.
وتقول الأخبار أن الشيخ أبا الشتاء لما رجع إلى فشتالة أرسل إلى الشيخ عبد الله بن حسون أنه لم يكن عليه أن يفضح سر ولايته إلى السلطان، والجفاف كان عقابا من الله لأمته التي حادت عن النهج المستقيم. وقال له أن " إن عصفورين لا يسعهما عش واحد ولا بد لأحدهما أن يغادر". فأجابه الشيخ عبد الله بن حسون: " إنك ضيف علينا ونحن أصحاب البلاد فنحن نغادر وأنتم تبقون". وخرج الشيخ بن حسون من بلاده متتبعا ورغة إلى أن توقف على شاطئ البحر بالمكان المدفون به الآن بمدينة سلا حيث بنى هناك زاوية له واجتمع عليه الاتباع والمريدون من تلك البلاد. وعاش بقية حياته هناك...
إن الخبر الأخير الذي يفيد بأن الشيخ أبا الشتاء اتصل بالسلطان الأكحل عند سبو خبر قريب جدا من الصحة، لأنه ثيت في تاريخ الدولة السعدية أنه كان هناك سلطان يلقب بالسلطان الأكحل وهو السلطان أبو عبد الله محمد المتوكل على الله بن أبي محمد عبد الله الغالب بالله السعدي. وفترة حكمه كانت بين 981 هـ و 983 هـ، وكان ملكا بفاس بينما كان آباؤه ملوكا بمراكش، مما يجعل قولة الشيخ بن حسون لأبي الشتاء: " أنت ضيف علينا" تكون شاهدة على حداثة نزول الشيخ أبي الشتاء بفشتالة.
وقد يقول قائل لماذا لم يدون المؤرخون لقاء الشيخ أبي الشتاء الخمار للسلطان المتوكل كما فعلوا عندما دونوا خبر لقاء والده بالشيخ أحمد بن موسى السملالي(2). أو بالشريف سيدي علال الحاج البقال الأغصاوي الحسني(3). نقول لأن فترة امتوكل كانت مليئة بالفتن، ولم يكن قد أحرز في حكمه على المصداقية الكاملة، لأن العلماء والعامة كانوا مع عميه الذين كانا يطالبانه بالملك الذي كان من حقهما. فكيف يدونان أخباره وهم لا يعترفون بملكه ولا بايعوه عن طيب خاطر كما يجب أن تكون البيعة الشرعية. ثم إن فترة حكم هذا السلطان كانت فترة قصيرة لم تتعدى ثلاثة سنوات، وهي فترة لم تعرف من الأحداث إلا الفتن والقلاقل.
أما عن الشطر الثاني من لقب الشيخ سيد أبي الشتاء وهو كلمة " الخمار" فإن له علاقة باللقب الأول وأطلق عليه لنفس السبب الأول أي كونه كان سببا في حصول المطر وكونه بلل الناس بالمطر بعد أن كاد يهلكهك الله بالجفاف، وسكان الجزء الشمالي من المغرب يقولون: " مخمر للرجل المبلل بالماء، والخمار للمبلل والفعل هو بلل". وهناك مثل جبلي من المنطقة يقول: " للي يدخل للواد يخمر رجليه(1)".
2- الاستقصا لأخبار دول المغرب الإقصى ج 5 ص: 58.
3- دوحة الناشر لمحاسن من كان بالمغرب من مشايخ القرن 10ص: 40.
1- الأرشيف الربربري ج 2 ص: 252.
أي من دخل الواد فسوف يبلل رجليه. ويقولون لمن بلله المطر " خمرته الشتاء".
وهذه اللهجة قريبة جدا من لغة العرب القدماء، والذين جاء على لسان أحدهم في التلبية:
" لبيك يا معطي الامر **** لبيك عن بني النمر
جئناك في العام الزمر **** نأمل غيثا ينهمر
يطرق بالسيل المر"(2).
والسيل الخمر هو المطر المنبت للشجر الكثيف.
وهناك خبر آخر يجعل سبب هذا اللقب هو أن الشيخ سيدي أبي الشتاء كان مرة بزيارة ضريح الشيخ مولاي عبد السلام بن بشيش وبينما هو نائم يوما في الضريح إذ رأى وكأنه يتوضأ عند العين التي هناك، إذ جاءه مولاي عبد السلام من الوراء وألقى به في العين، فقال له سيدي أبي الشتاء: " ماذا فعلت بي يا شيخ لقد خمرت ثيابي؟!" فقال له الولي: " اذهب فأنت الخمار المخمر العامر المعمر." (3 ) ولما أفاق الشيخ سيدي أبو الشتاء وجد نفسه في حالة جذب فترك جبل العلم وخرج يصيح أنا الخمار أنا الخمار، فاشتهر لذلك بهذا اللقب أيضا. ومن ثم أصبح الشيخ سيد أبو الشتاء الخمار ولي المطر بالمغرب يقصده الناسمن كل حدب وصوب أيام الجفاف للاستقصاء، وفي الخريف من كل عام تتبعه وفود تضم من مائتين إلى ثلاثمائة شخص نحو زاوية الشيخ مولاي أبي الشتاء من كل أنحاء المنطقة الشمالية وحتى من الغرب والشرق والداخل كذلك وقبائل من الأطلس جادة في الوصول إلى ضريح الشيخ التماسا وطلبا لبركته وحتى يكون العام الفلاحي المقبل عاما جيدا بسقوط الأمطار في وقتها.
2- الحياة العربية من الشعر الجاهلي: ص: 402-401.
3- رواية الشرفاء الصافيين. الأرشيف البربري ج 2 ص: 252.
ومن أشهر القبائل التي لا تزال تحافظ على هذه العادة على سبيل المثال لا الحصر قبائل عرب أنكاد وبني يزناسن وبني كيل ومرنيسة وتسول وغياثة وصنهاجة وبني مطير وبني سادن وآيت يوسي وأيت سغروشتن وزيان وزمور وكروان وحياينة ومهاية وشراكة وزرهون وقبائل الغرب وشراردة وبني مزكلدة ومصمودة وبني ورياكل وبني مستارة ومن أقصى الشمال قبيلة بني حسان وغيرهم من القبائل المغربية.
وقد وصف مولييراس كيف تتجه وفود القبائل إلى زاوية مولاي أبي الشتاء في كلامه على قبيلة بني زروال وفي كلامه على زيارة الأولياء بالمغرب. فقال في حديثه عن القبيلة الأولى: " محمد بن الطيب استقبل استقبالا حسنا من طرف هؤلاء الشباب ولم يبق إلا ثلاثة أيام بالقليعة، وعلم أن وعدة ستساق لضريح مولاي أبي الشتاء الخمار، فذهب مع جملة من الطلبة." (1 ).
وقال في حديثه عن زيارة الأولياء: " أن في فصل الخريف تتجه وفود مكونة من مائتين إلى ثلاثمائة شخص إلى أهم أضرحة الأولياء بالمغرب. منهم من يتجه إلى ضريح المولى عبد السلام بجبل العالم ومنهم من يتخذ ضريح الشيخ المولى أبي الشتاء الخمار بفشتالة... ومنهم من يقصد ضريح سيدي علي بن داود بمرنيسة(1)" ومن خلال هذه الفقرة بأكملها يتضح أن الكلام كان على قبيلة صنهاجة الواقعة قرب مرنيسة بناحية تازة.
وتظل قبيلتي اولاد عيسى بناحية فاس وقبيلة بني حسان بناحية تطوان أهم القبائل التي لا تزال تحافظ أكثر على هذه العادة القديمة، والتي تشهد على حدوث كرامات الشيخ سيدي أبي الشتاء وتشهد على علاقة لقبه بهاته الكرامات.
أصل الشيخ سيدي أبي الشتاء :
إن المؤلفين الذين تعرضوا لذكر الشيخ مولاي أبي الشتاء في مؤلفاتهم أو ترجموا له، يجعلونه على سبيل الظن " شاويا" " يقال أن اسمه محمد بن موسى وأنه شاوي النسب(2)" إلا أن الكاتب الفرنسي ليفس بروفونصال والذي أخذ معلوماته عن ممتع الأسماع وعن بعض الروايات المحلية. قال بعد أن جاء بتعريف ابن الفاسي بأن القبيلة التي ينتمي إليها الشيخ أبو الشتاء هي " قبيلة بني يعلى بالشاوية" (3) دون أن يذكر موقعها ولا من أي فرع هو في القبيلة.
ونسب الشيخ سيدي أبي الشتاء في إحدى المخطوطات بزاويته إلى بني هلال هكذا: " محمد بن موسى الهلالي شهر بشتواني"(4) وفي هذا التعريف نسبتين الأولى كونه منسوب لبني هلال- وهذا التعريف يتفق التعريف الأول لأن قبائل الشاوية كما ذكره ابن خلدون عرب من ولد حسان بن أبي سعيد الصبيحي من سويد إحدى قبائل بني مالك بن زغبة الهلاليين، دخلوا إلى المغرب على عهد السلطان يعقوب بن عبد الحق المريني.
والتعريف الآخر كونه شهر " بالشتواني " أيضا فيه نسبة فإما أن يكون نسب إلى كراماته والتي منها لقبه أبو الشتاء، وهذا هو القول الغالب والراجح. وإما أن يكون نسب إلى مكان يدعى إلى شتوان، وقد وقفت على قرية خارج تلمسان بستة كلمترات تدعى بشتوان. كما أنه يوجد بالمغرب بناحية مدينة تطوان ضريح سيدي احمد شتوان ويحمل المنتسب إليه لقب شتواني وهو منتسب إلى البيت الإدريسي. ولا أعلم بوجود علاقة بين أبي الشتاء وهذا. إلا أن يكون الشيخ مولاي أبي الشتاء ينتسب إلى شتوان التي خارج تلمسان جاء جده منها برفقة عرب الشاوية على العهد المريني.
2- المناقب ص: 159ممتع الأسماع في أخبار الجزولي والتباع وما لهما من الأتباع ص: 117.
سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بمدينة فاس ج 1 ص: 145.
3- الأرشيف البربري: ج 2 ص: 251.
4- مخطوطة لزاوية مولاي بوشتى بيد شريف سيدي احمد بن ادريس الصافي.
والتابث هو أن اسم الشيخ مولاي أبي الشتاء الحقيقي هو محمد بن موسى، ولقب بالشاوي قيل أن والده سيدي موسى استوطن هذه القبيلة بعد أن كان راجعا من فاس حيث كان يدرس بجامعها القرويين. فمر على قبيلة الشاوية في طريقه إلى بلاده، وطلب منه السكان أن يبقى معهم ليعلمهم أمور دينه وليحكم بينهم في النزاعات ويتبركوا به، ففضل البقاء معهم وتزوج منهم، واستقر بفخدة العلاليش من قبيلة اولاد سعيد التي بناحية سطات ولا يزال ضريحه إلى الآن محل زيارة واحترام وتقدير، ورزق سيدي موسى بأولاده الثلاث: عمرو ومحمد والقاسم.
وذهب ابنه محمد إلى فاس ليدرس بها، والتقى بالشيوخ وكان إذا سئل عن قبيلته ونسبه يجيب بأنه شاوي، فصار له لقبا. ويرقى نسب الشيخ مولاي أبي الشتاء الخمار سيدي محمد ابن موسى من خلال هذه الزاوية وهو قول ضعيف الولي الشهير والقطب الكبير الشريف العلمي سيدي احمد الركائبي صاحب بلاد الساقية الحمراء، والمدفون بالقرب من سمارة، وهو جد الشرفاء من الرقيبات. وأغلب المؤرخين متفقون على أن سيدي احمد الركائبي من ذرية المولى عبد السلام بن بشيش أهمهم: العلامة محمد بن القاسم بن زاكور صاحب الاستشفا من الألم في التلذذ بمآثر صاحب العلم(1 )، وعلي بن احمد بن قاسم مصباح صاحب أرجوزة من نسب مولاي عبد السلام وأشراف العلم(2)، والأستاذ عبد العزيز بن عبد في مقاله" مغربية الصحراء في أطوار التاريخ" (3)، فصاحب كتاب " الساقية الحمراء ووادي الذهب" (4)، كما جاء هذا النسب في الموسوعة المغربية(5).
1- الاستشفا من الآلام بالتلذذ بمآثر صاحب العلم . مخطوطة.
2- أرجوزة في نسب مولاي عبد السلام بن بشيش. مخطوطة.
3- مجلة الصحراء المغرب عدد 56ص: 5.
4- الساقية الحمراء ووادي الذهب الجزء الأول ص: 115.
5- الموسوعة المغربية- معلمة الصحراء ملحق واحد. ص: .144
ومعلوم بأن الشرفاء تفرقوا في البقاء على عهد الفتان موسى بن أبي العافية المكناسي الصنهاجي. فمنهم من ذهب إلى الصحراء ومنهم من ذهب إلى أعالي الجبال ومنهم من فضل العبور للأندلس وغير ذلك وقد ذكر السيوطي: " أنه خرج من فاس سبع مائة رجل من الشرفاء الفارين إلى جبال غمارة، وإثني عشر رحيل إلى جبال تادلة وسبعة رحال إلى فيكيك وأربعة إلى سجلماسة( تافلالت) وعشرة إلى سوس الأقصى، وأربعة رجل إلى دكالة وأربعة إلى تامسنا ( بين الرباط وسطات) وسبعة إلى وطاط وسبعة إلى واد عزة وثمانية إلى الساقية الحمراء، وعشر رحال إلى الأندلس(6).القول الثابت والراجح في نسب الشيخ أبي الشتاء هو كونه ينتسب إلى جد قبيلة اولاد سعيد أحفاد سيدي اسعيد جد شرفاء تامسنة(1) " الشاوية" وسيدي اسعيد هذا هو ابن محمد بن داود بن عمر ابن محمد بن عبد الرحمان الشريف بن علي الملقب بيعلى والذي منه أخذوا لقبهم بني يعلى. وهو دفين حومة الطالعة بفاس ابن إسحاق دفين حومة مصمودة بفاس أيضا ابن مولاي احمد دفين روضة الأشراف الأدارسة بجراوة بفاس أيضا ابن الإمام محمد ابن الإمام المولى ادريس الثاني مؤسس فاس ابن الإمام ادريس الأول قطب زرهون. وكان سيدي عبد الرحمان الشريف على عهد الثائر موسى بن أبي العافية فارا بالأندلس ثم استقر بفجيج ثم انتقل إلى فاس. وخلف سبعة أولاد وهم عيسى وعبد الله منصور، محمد احمد عبد الرحيم وكثير ومن هؤلاء الفروع انحدر الشرفاء الودغيريون بكل فروعهم بما فيهم الحموميون والجماليون البدراويون والخليفيون وأولاد الفشوش وشرفاء اولاد سعيد وغيرهم ومن سيدي محمد ابن عبد الرحمان انحدر سيدي اسعيد جد سيدي موسى والد الشيخ مولاي أبي الشتاء الخمار. وسيدي موسى مدفون بقبيلة اولاد سعيد فخدة العلاليش بالقرب من سوق الجمعة فوكو.
6- سلسلة الأصول في شجرة أبناء الرسول ص: 36.
1- المصابيح البشرية في أبناء خير البرية ص: 147-146.
وقبره عليه ضريح يقصده الزوار من المنطقة وقد ذكر ليفي بروفنصال(2) نقلا عن ابن الفاسي أن سيدي أبا الشتاء ينتمي إلى الشاوية وإلى عائلة بني يعلى وبني يعلى هؤلاء هم الشرفاء بقبيلة اولاد سعيد والمنحدرين من سيدي يعلى والي سيدي عبد الرحمان الشريف جد الشرفاء الودغيريين الحسنيين وقد أشار إلى شرف الشيخ أبي الشتاء من المؤلفين الجدد الفرنسي ليفي بروفنصال(1). والإسباني أورياطي(2) الذين قالا بأنه شريف علمي ينتسب إلى مولاي عبد السلام بن بشيش كما ذكر نسب الشيخ أبي الشتاء وشرفه العلامة أبو عبد الله محمد بن عبد القادر بن سودة في إحدى مؤلفاته.
وهناك أقوال أخرى في نسب مولاي أبي الشتاء أهمها كونه من عائلة سيدي احمد بن موسى السملالي، مع العلم بأنه ليس هناك قول فاصل في نسب سيدي احمد بن موسى السملالي فهناك من يقول أنه من أبناء الحسن المثلث بن الحسن المثنى بن الحسن الصبط، كالحضيكي(3) والمختار السوسي(4) وهناك من يقول بأن سملالة من أبناء المولى أبي القاسم ادريس حفيد المولى عبد الله بن ادريس الثاني باني فاس وهو قول البكري(5)، وهناك قول آخر يجعلهم من الشرفاء السليمانيين التلمسانيين أهل عين الحوت.
وجعل الكاتب بول باسكون سيدي احمد بن موسى السوسي من أصل علمي قدمت أسرته من جبل العلم ببني عروس إلى السوس(6).
2- الأرشيف البربري ج 2 ص: 251.
1- الأرشيف البربري ج 2 ص: 256.
2محاضرات حول الطرق الدينية بجبالة وطوائف الشرفاء والزاوية والأضرحة ص: 10.
3- المناقب ص: 4.
4- م إلى قديما وحديثا ص:
5- تاريخ البكري ص: .163
6- بيتيي تانييغ ص: 58.
وهناك من يجعل الشيخ مولاي أبي الشتاء من عائلة سيدي احمد بن موسى دون ذكر نسبته، وقد يثبت هذا القول إلا أنني وجدت أن من يحمل أحمد بن موسى من الأولياء والذين هم أدارسة الكثير أهمهم سيدي احمد بن موسى الإدريسي صاحب زاوية كرزاز بتوات والذي عاش في نفس الفترة التي عاشها الشيخ سيدي أبو الشتاء، فقد أخبرني الشيخ الفقيه سيدي محمد حسوني بن شيخ الزاوية الكرزازية بواد الساورة أن دهم سيدي احمد بن موسى قدم من الجنوب المغربي وأنه علمي ادريسي النسب.
وقوله هذا جعلني أشك بوجود علاقة نسب بين ولي كرزاز بالجزائر وولي المغرب صاحب فشتالة، مع العلم بأن هناك خبر إلا أنه ضعيف يقول بأن الشيخ أبا الشتاء قدم من توات وبالضبط من زاوية كرزاز(1).
زيادة على هذا فإنه كان بتلمسان بجبل بن ورنيد في مدشر بني ادريس ولي فقيه وعالم، وكان تلميذا للعلامة سيدي احمد بن الحاج وهو الشريف سيدي احمد بن موسى الادريسي " تبعد الخمسين وتسع مائة للهجرة" (2) أي في نفس التاريخ أبي الشتاء وقد يكون هذا هو المقصود به مع العلم أن سيدي احمد الصافي الادريسي بمنطقة بني صاف التي كانت تابعة بولاية تلمسان، وكذا وجود بعض أحفاده بقرية العلوية القريبة من تلمسان هذه قرائن توحي بوجود رابطة بين هذا الفرع الشريف والله أعلم.
إن سبب الاختلاف الحاصل في نسب مولاي أبي الشتاء راجع إلى كون أهم شيوخ تصوف القدماء لم يكونوا يعيرون أي اهتمام لشرف النسب، فلا المولى عبد السلام ولا الشاذلي ولا الجزولي ركزوا في أحوالهم على الشرف والاهتمام به.
1- رواه لي الشريف سيدي عبد الوهاب بلغزواني القاسمي الصافي.
2- البستان في ذكر أولياء تلمسان ص:
زيادة على أن الشرف كان في تلك العصور قليل الأهمية نظرا لأن الأسرة المالكة كانت من أصول بربرية فلم تكن تعبر شرفاء عناية ولم تكن تعين لهم ظهائر التوقير والاحترام.فقضية الشرف لم تظهر إلا في عهد الوطاسي وزادت على عهد السعديين يعدون من الشرفاء. ثم إن سلسلات أصول الشرفاء في المغرب دخل عليها التغييروأصابها الغموض والاختلاط نظرا للفتن التي كانت تحيط به من مرة لأخرى، ثم الجهل الذي كان ينتشر في المناطق التي كان يوجد بها هؤلاء الشرفاء مما يحول بينهم وبين حفظ أنسابهم وتقييدها، لذلك لم تسلم أية أسرة شريفة بالمغرب من الذم والتشكيك في صحة نسبتها إلى الرسول[img]style_images/1/p1.gif'>. حتى الأسر الشهيرة منها بل لم يفلت من ذلك التشكيك حتى مولاي ادريس الثاني نفسه الذي حاول العباسيون التشكيك في صحة نسبه بإيعازهم إلى ابن الأغلب(1) خليفتهم على تونس في أن يزرع خبر عدم صحة انتسابه إلى النبي[img]style_images/1/p1.gif'>. كما تعرض لذلك التشكيك الإمام الشاذلي(2).
دراسة الشيخ أبي الشتاء وشيوخه:
عند دخول الشيخ مولاي أبي الشتاء إلى فاس اتصل بالشيخ الحافظ علي احماموش(3 ) فبقي معه خمسة سنوات حفظ عليه فيهما القرآن بقراءاته السبع الشهيرة وأجاز له فيها ثم دله على الفقيه أبي البقاء عبد الوارث الياصولتي(4)، وكان ساكنا بفاس إذ ذاك، فصحبه وأخذ عنه رسالة ابن أبي زيد في الفقه والمباحث الأصلية ورائية الشريشي في التصوف، والمعاملات، وكان أبو البقاء الياصولتي قد أخذ عن أبي النجا سالم الروداني الشاوي والشيخ أبي عبد الله السهلي الصغير، والشيخ عبد الله الغزواني وعليه كان اعتماده في التصوف.
1- مجلة صحراء المغرب ص: 72-71.
2- شكك الإمام شمس الدين الذهبي في نسب الإمام الشاذلي في كتابه.
3- ممتع الأسماع في أخبار الجزولي والتباع وما لهما من الأتباع ص:
4- مرآة المحاسن بأخبار الشيخ أبي المحاسن ص:
ثم اتصل الشيخ سيدي أبو الشتاء بالشريف العلامة سيدي علي الحاج البقال الحسني ثم الافماوي ببلاده الحرايق، فبقي عنده أكثر من ثلاث سنوات أخذ عنه فيها الحديث وعلومه وكان لسيدي علي سند في الحديث(5)، كما أخذ عنه أيضا الطريقة الزروقية. وبعد إجازة سيدي علال الحاج بأبي الشتاء في الحديث ورجع الشيخ أبو الشتاء إلى فاس فاستقر بخلوته المعروفة الآن بجارة قيس قبالة الدرب الطويل(1). ومن أخذ عنه أيضا في هذه الفترة الشيخ أبو محمد عبد الله الغزواني صاحب القصور دفين مراكش. وبعد ذلك ذهب الشيخ أبو الشتاء لأداء مناسك الحج وبقي هناك عدة سنوات التقى فيها بشيوخ عصره هناك. ثم رجع إلى فاس ومنها اتجه إلى الشمال حيث استقر.
وفاة الشيخ أبي الشتاء وعقبه وأمور الزاوية من بعده:
توفي الشيخ مولاي أبي الشتاء الخمار سيدي محمد بن موسى الشاوي الإدريسي ضحى يوم الأربعاء حادي عشر شوال عام سبعة وتسعين وتسع مائة للهجرة(2) الموافق عشرون من نونبر 1588م أو العاشر من نونبر 1589م(3). وقد قام بغسله صاحبه الفقيه سيدي محمد الحاج البقال وقام بالصلاة على جنازته الفقيه أبو سالم ابراهيم الجناتي، ودفن بزاويته المعروفة بفشتالة(4). وتاريخ وفاته ومكان دفنه متفق عليه.
5- درة الحجال في أسماء مشاهير الرجال ج 3ص: 256.
1- سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس ممن أقبر من العلماء والصلحاء بمدينة فاس ج 1 ص: 146.
2- نفس المرجع السابق ج 1 ص: 146.
3- مدن وقبائل المغرب ج VII ص: 334 طنجة ونواحيها الأرشيف البربري ج 2 ص: 258.
4- سلوة الأنفاس في من أقبر من العلماء... ج 1 ص: 146. ج 2 ص: 42.
وتنسب للشيخ أبي الشتاء كرامة تتعلق بدفنه وهي أنه بعد وفاته، دفنه أصحاب قبيلته الفشتاليون بزاويته هناك وكانت للشيخ أبي الشيخ زاوية أخرى بزغيرة في قبيلة بني مزكلدة والتي كان سكانها يعظمونه ويحترمونه، فلما لغهم خبر وفاته ودفنه بفشتالة، أعدوا العدة من الرجال والسلاح ليلا وفاجؤوا الفشاتلة ونبشوا قبر الولي وأخذوا جثته وقيل وجدوها كما هي لم تتغير بعد وذهبوا بها إلى زغيرة حيث دفنوها بزاويته هناك، ولما علم الفشتاليون بالخبر استعدوا لمهاجمةالمزكلديين وباغثوهم وأخرجوا جثة الولي وكان كأنه نائم، وأرجعوها إلى مكانها بزاوية فشتالة، ولما علم المزكلديون بذلك أرادوا جمع العدة واسترداد الجثة، فرأى كبارهم وشيوخهم مناما الشيخ أبا الشتاء يقول لهم: أنه بزغيرة كما هو بفشتالة، ومن أراد الزيارة تبركا به فعليه بزيارته بفشتالة، ومن أراد الزيارة للنزهة فعليه بزاويته بزغيرة(1). ولما حكى المزكلديون ما رأوه وجدوا بأن شيوخ الفشاتلة نفسهم رأوا مثل ذلك المنام.(2). ومن ذلك الحين والزاويتين تحضيان باحترام واسع من طرف السكان المحليين وجيرانهم إلا أن العداوة بين الفشاتلة والمزكلديين لم يمحها ذلك المنام ولا الزمان.
وهناك أضرحة وقبور أخرى بالمغرب تنسب للشيخ مولاي أبي الشتاء أهمها ضريحين بقبيلة بني زروال الجبلية، واحد شمالها بمدشر بني يدر قرب وادي تاسرافت(3). من فرقة بومعان. والضريح الثاني بمدشر تازغدرة(4). ويقول سكان القبيلة بأن الأول قبر سيدي موسى بن محمد الشاوي المكنى بأبي الشتاء، وأنه مدفون به.
1- فرقة من بني مزكلدة سها سكنى للشيخ أبي الشتاء وزاويته وعدة أراضي فلاحية وحدائق أشجار
البرتقال والذي يعتبر أحسن أنواع البرتقال بالمغرب على الإطلاق وكلها كانت ملكا للشيخ أبي الشتاء
ورثها عنه أحفاده الشرفاء الصافيون ولهم ظهائر سلطانية تقر تصرفهم بهذه الأملاك.
2- الأرشيف البربري ج 2ص: 255. المغرب المجهول ج 2ص: 12.
3- الأرشيف البربري ج 2ص: 255.
4- قبيلة بني زروال ص: .76
والثاني ضريح سيدي محمد بن موسى الذي يعد عند أهل المنطقة ولدا للشيخ أبي الشتاء وقد احتفظ الصافيون بخبر زواج الشيخ سيدي أبي الشتاء بابنه الزرقي ويذكرون أنها كانت حاملا لما قال لها الشيخ ألا تطل من نافذة بيتها مهما كان الأمر بالغا وكان غائبا عندما كانت حفلة عرس بالمدشر وموكب العروس مار من أمام الدار فأطلت زوجة الشيخ من النافذة، فاجتمع عليها الحائط وعصرها حتى سقط منها الجنين وتوفيت على إثر الحادث وكان الحمل ذكرا ميتا إلا أن سكان المنطقة أصروا أن يسموا ذلك المسقوط موسى على جده وكنوه بأبي الشتاء تيمنا بوالده وبنوا على قبره ضريحا. أما القبر الذي بتزغدرة فهو زاوية فقط لمولاي أبي الشتاء كان يمر بها بعض المرات وقد اعتاد المغاربة أن يسموا أماكن الأولياء ويجعلونها في مرتبة قبورهم ويتبركون بها وهكذا اشتهر من هؤلاء الأولياء الذين لهم قبرين أو أكثر زيادة على الشيخ أبي الشتاء " الشيخ أبو جدين الذي ينسب له قبر بتازة، وهو مدفون بالريف عند قبيلة بني توزين. وكذلك الشيخ عبد الله بن حسون السلاسي الذي له قبر في سلا، كما ينسب له قبر بقبيلته سلاس بجبالة".
لم يترك مولاي أبي الشتاء الخمار ولدا ذكرا ولم يخلف إلا بنتا تدعى لالا عائشة والملقبة بالغزوانية نسبة إلى شيخ والدها أبي محمد عبد الله محمد الغزواني وقد تركها والدها لم تبلغ الزواج بعد وبعذ ذلك عقد عليها عمها الشريف سيدي أبو القاسم بابن عمها وابن أخيه الشريف سيدي أبو حفص احمد الملقب بالصافي ابن أبي العباس الحاج عمرو الحسني. ولا يزال بيد الشرفاء الصافيين أحفاد أبي الشتاء عقد نكاح جدهم سيدي احمد الصافي بابنة عمه لالا عائشة الغزوانية ويرجع تاريخه إلى سنة 1011هـ وقد حضر العقد وأمضاه قاضي فشتالة في ذلك الوقت الفقيه العلمة الشريف أبو القاسم بن احمد الغول الفشتالي. ومما جاء في العقد أن سيدي أبي القاسم يشترط على ابن أخيه أن يسكن زوجته وابنة عمه في دار والدها وأن يتولى أمور الزاوية مكان الشيخ أبي الشتاء والدها وفي ذلك شهادة منه لابن أخيه بكفائته وانتقال أمور الزاوية إلى فرع الضافي وذريته.
وقد أعقبت لالا عائشة من ابن عمها الصافي على ما يتضح خمسة ذكور وذلك هو القول الراجح وهم الخضر والخطيب وعلال والغزواني الفرع الخامس من الشرفاء الصافيين وهو فرع سيدي أبي القاسم وترك ولدا اسمه الطاهر.
وقد أثبت انتساب الشرفاء الصافيين بفشتالة لسيدي الصافي ولأبي الشتاء هذا العقد(عقد الزواج) (1).وهناك ظهير للسلطان المولى اسماعيل(2) ينسبهم للصافي ويعطيهم حق التصرف في زاوية جدهم بفشتالة وزواياها وأوقافه بباقي مناطق المغرب أينما كانت وتعينت وأقدم نقيب لشرفاء الصافيين الشريف سيدي الطيب العليوي الصافي عينه المولى اسماعيل ثم ابنه سيدي محمد بن الطيب، وقد صار باقي السلاطين على نهج مولاي اسماعيل إلى أن كان عهد المغفور له محمد الخامس الذي عين الشريف المرحوم سيدي الخمار بن عبد الوهاب الخضيري الصافي نقيبا على شرفاء الصافيين وعلى عهد السلطان الإمام مولانا الحسن الثاني نصره الله الذي عين على الصافيين ابن عمهم الشريف مولاي محمد بن محمد بن عبد الوهاب الخضري الصافي بظهير يعتبر أحدث ظهير يقر ويثبت الشرف للصافيين ويعترف لهم بالنسبة لأبي الشتاء.
أما عن سيدي احمد الصافي فإنه كان عالما فقيها أخذ طريقة عمه أبي الشتاء عن سيدي محمد الحاج البقال وعن سيدي ابراهيم الجناتي، ودرس في القرويين بفاس وكان محل سكناه على ما يظهر بالطالعة الصغرى في المكان المسمى سويقة بن صافي، ولا تزال هناك دار تسمى " دار سيدي الصافي" وكانت ملكيتها بيد الشيخ المقدم التازي سعود .
1- مخطوطة عقد الزواج على رق الغزالي موجودة بضريح الشيخ أبي الشتاء بفشتالة.
2- ملحق رقم 2 ظهير احمد الذهبي بن السلطان مولاي اسماعيل.
وكان سيدي احمد الصافي إلى جانب علمه وتصوفه مجاهدا ومكانه بسلا على شاطئ البحر لا يزال يدل على مشاركته في الجهاد في تلك الناحية.
والمعروف أن قبر سيدي الصافي لا يوجد مع عمه أبي الشتاء وزوجته لالا عائشة وقد وقفت بالجزائر من قرب من مدينة بني صاف على ضريح سيدي احمد الصافي الإدريسي الذي يقال أنه قدم من المغرب وأصله من شرفاء الساقيهالحمراء ومن ذرية المولاي ادريس الثاني، صاحب فاس. وله بالجزائر ذرية كثيرة في مدينة بني صاف ويحملون لقب بني صافي، وقد تزوج سيدي احمد الصافي بالجزائر من ابنة أحد ولاة الترك على المنطقة وهو القائد احمد بن خليفة ومن زواجه هذا خلف أولاده ابراهيم المدفون بتيغنيف ومحمد المدفون بها أيضا والصافي. فأما ابراهيم فلم يعقب أما محمد فهو جد الشرفاء اولاد سيدي محمد الصافي المدعوون بالصوافي والموجودون بولاية معسكر وعمدتهم الإمام الفقيه الشيخ الصوافي الحاج بن عامر إمام مسجد الحشم. وقد قال لي نظما في مدح سيدي احمد الصافي صاحب بني صاف تناقله أجدادهم ويوضح علاقة الصوافيين أصحاب معسكر بالشرفاء بني صاف:
يا صافي الارياش عول يانا لنيلي يهديك الله روح خاطر بالعنوان
تدي ذا القرطاس للشرفا ولي لي عيد سلامي ليهم جميع الاخوان
معنايا لترايتاه ما جبت تالــي غي لليتباع للجود والاحسـان
معنايا لترايتاه ما جبت تالي عمر وطن بني صاف غير لفلان وفلان
أما الشرفاء أولاد الصافي بابن صاف فأغلبهم بقرية سيدي الصافي بالقرب من ضريح جده سيدي احمد والذي يوجد معه في ضريحه قبر ولده سيدي الصافي، وعمدتهم الشريف سيدي الحاج حمو بن صافي الساكن بني صاف، وقد تفرع عن عائلة بني صاف يوجد بالعلوية قرب سيدي العبد اللي بولاية تلمسان، ووقع ذلك التفرع على عهد الترك ويقام لأجداد الصافيين الثلاثة:
سيدي ابراهيم وسيدي محمد وسيدي الصافي وأبيهم سيدي احمد الصافي مواسم كل سنة فيأتونهم الزوار بالهدايا زيارة وتبركا لشرف انتسابهم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من كل أنحاء الجزائر خاصة من ولاية عين تموشنت وولاية تلمسان وولاية معسكر. بل أن هناك العديد ممن يسمى " بالصافي" تيمنا بهذا الفرع الشريف.
الفصل الثاني
1- طريقة الشيخ مولاي أبي الشتاء الخمار:
تعتبر طريقة الشيخ أبي الشتاء الخمار جزولية شاذلية تلقاها عن الغزواني بالعهد والصحبة في مراكش وقيل بقبيلتهما الشاوية(1).
وكان الشيخ أبو الشتاء قد حصل على علم الظاهر وحصل له الجذب وأراد الحصول على العلم الباطني فكان لزاما عليه أن يصحب شيخا عارفا بالمسالك الموصلة إلى الله وكان ذلك شرطا على كل مريد سالك، حتى قيل " من لم يكن له شيخ فالشيطان شيخه" (2). وقال أبو علي الثقفي " لو أن رجلا جمع العلوم كلها وصاحب طوائف الناس لا يبلغ مبلغ الرجال إلا بالرياضة من شيخ أو إمام أو مؤدب ناصح" (3).
وجاء في النظم:
يصحب شيخا عارفا بالمسالك يقيه في طريقه المهالــك
يــذكــــره الله إذا رآه ويوصل العبد إلى مولاه(4)
وكان شيخ التربية وقطب الصوفية على ذلك العهد الشيخ أبو محمد عبد الله الغزواني فاتصل به الشيخ أبو الشتاء وأخذ عنه سند طريقة الجازولية" فعينه ومكنه" (5) وأدرك أبا الشتاء الجذب فهام علىوجهه إلى أن استقر بفاس".
وقد ذكر المؤرخون " أن صحبة أبي الشتاء للغزواني لم تطل" (6). مع إثباتهم اتصاله به
1- الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى ج 8 ص: 192.
2- مختصر الدر الثمين والمورد المعين على منظومة المرشد المعين ص: 272.
3- نفس المرجع السابق ونفس الصفحة.
4- نفس المرجع السابق ونفس الصفحة.
5- مرآة المحاسن بأخبار الشيخ أبي المحاسن ص:
6- سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس لمن أقبر من العلماء والصلحاء بمدينة فاس. ج 1ص: 145. ممتع
الأسماع لأخبار الجزولي والأتباع وما لهما من الأتباع ص: 73.
وأخذه عنه وذلك " أن الشيخ أبا الشتاء سئلمرة عن شيخه فقال عندي الغزواني" (1).
وإذا ما درسنا مراحل تلقي الشيخ أبي الشتاء للطريقة نجد أنه بدأ مجذوبا ثم سالكا مع الجذب ثم غلب عليه حال الجذب حتى قيل أنه كان " ساقط التكليف" " ومن كبار أهل الأحوال الربانية والجذب ودوام الغيبة" (2) . والجذب مكرمة من الله لنخبه من كبار أوليائه يخصهم بها ويميزهم بها عن غيرهم من أوليائه الذين تقربوا غليه بالسلوك أي بالتدريب والتهذيب. وقد قال في ذلك أبو العباس المرسي مسن شيوخ الشاذلية: الناس على قسمين: قوم وصلوا بكرامة الله إلى طاعة الله . وقوم وصلوا بطاعة الله إلى كرامة الله. فالحال الأول حال المجاذيب. والحال الثاني حال السالكين.(3).
والشيخ أبو الشتاء تقدم لديه الجذب على السلوك ثم غلبت عليه حال الجذب حتى أصبح من كبار أهل أحوال الربانية والجذب، وهذه أسمى مراتب التصوف إذ فضل السلوك بعد الجذب كما قال صاحب بداية الخوارق وصاحب بداية السلوك في قوله:
وأفصل الرجال دون ريب من سلك الطريق بعد الجذب(4)
وكان الشيخ أبو الشتاء يفهم في العلوم كلها من ظاهر وباطن وحصوله على علم الباطن يدل على إحاطته بعلم الظاهر لأنه لا يتأتى لأحد علم الباطن دون أن يعرف علم الظاهر وذلك ما قاله الإمام مالك عندما سئل عن علم الباطن فقال: " علم الباطن لا يعرف إلا من عرف علم الظاهر وعمل به" (5).
1- ممتع الأسماع في أخبار الجزولي والتباع وما لهما من الأتباع ص: 73.
2- سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس لمن أقبر من العلماء والصلحاء بمدينة فاس. ج 1ص: 145.
3- النسق الالي والنفس العالي شرح ونصيحة أبي العباس الهلالي ص: 30.
4- نفس المرجع ص: 30.
5- تحرير المناط والمسالك في أن التصوف بالمعنى المصطلح عليه الآن كان زمن الإمام مالك ص: 29
سند الشيخ أبي الشتاء في الطريقة الجزولية الشاذلية:
إن سند الشيخ أبي الشتاء في هذه الطريقة يعتبر من أصح الأسانيد وأثبتها للالتقائه بشيخها أبي محمد الغزواني، وأخذه عنه مباشرة. وقد جاء السند بعدة طرق أهمها هذه: " الشيخ محمد بن موسى الهلالي الشهير بالشتواني شيخه ومولاه ووسيلته إلى الله القطب الجامع البحرين بحر السلوك وبحر الجذب الرباني سيدي عبد الله الغزواني عن شيخه ومولاه ووسيلته إلى الله عبد العزيز التباع عن سيدي محمد الجزولي عن سيدي عبد الله أمغار عن أبي عثمان الصرتاني عن عبد الرحمان الرجراجي عن أبي الفضل الهندي عن عنوس البدوي عن الإمام القرافي عن المغربي عن أبي الحسن الشاذلي عن مولاي عبد السلام بن بشيش عن عبد الرحمان المدني عن الشامي عن الشبلي عن الجنيد عن عبد الله القطان عن أبي الوفاء عن حبيب العجمي عن أبي الحسن البصري عن الحسن السبط عن الإمام علي عن الرسول صلى الله عليه وسلم(1).
وقد نقل المؤلف لفي بروفنصال سند الشيخ أبي الشتاء في الطريقة الجزولية عن مخطوطة في زاوية فشتالة، وقال بأن هذه السلسلة كانت منقوشة على رخامة بالزاوية، وتحطمت عند ضرب المدفع لضريح الشيخ أبي الشتاء، وهذه السلسلة كالأولى إلا أنها عند عبد الرحمان المدني تجعل شيخه ثقيل الفكر عن الشيخ فخر الدين عن نور الدين عن تاج الدين عن شمس الدين عن زين الدين الاترويني عن ابراهيم البصري عن أبو القاسم المرواني عن سعيد عن سعد عن فتح السعود عن جابر عن الحسن عن علي كرم الله عن الرسول(صلعم)(2).
وقد زاد بروفنصال بأن هذا السند يتفق تماما وسند الطريقة الوزانية الطيبة وشيخها سيدي عبد الله بن ابراهيم الوزاني ( ت سنة 1296هـ- 1879م).
1- مخطوطة بخزانة الزاوية. انظر الملحق.
2- الأرشيف البربري الجزء الثاني ص: 257.
وكذلك ذكر الكتاني والحضيكي والشيخ العربي الفاسي والمهدي الفاسي والافراني وصاحب التحفة... أن الشيخ أبا الشتاء قد اتصل بالغزواني وأخذ عنه وذكروا سنده إلى التباع تلميذ الجازولي.
كما أخذ الشيخ أبي الشتاء الطريقة الزروقية عن سيدي علال الحاج البقال الحسني إلا أن اعتماده كان على الغزواني. وفي رواية الشرفاء البقاليين لسند طريقتهم ذكروا أخذ الشيخ أبي الشتاء عن سيدي علال الحاج، وقد ذكر العلامة أبو عبد الله محمد بن العباس بنيس هذا السند فقال:" أما الطريقة البقالية المعروفة لساداتنا أولاد البقال وهي الاستغفار... (إلخ) (أورادها )" فقال:" فقد أخذت هذه الأوراد تلقينا وإجازة عن سيدي عثمان القادري عن سيدي عبد السلام الحاج البقال عن والده عن سيدي الحاج المفضل عن والده عن جده عن سيدي أبي الشتاء عن سيدي علي الحاج البقال الحسني دفين الحرائق عن الهبطي عن الغزواني عن التباع إلى الخ أشياخه(1). وهذا السند صحيح إلا أنه لم يكن سند طريقة سيدي علال الحاج، التي لم تكن جزولية، وإنما كانت زروقية، أخذها سيديعلال الحاج عن الإمام أبو عبد الله محمد الخروبي السفاقسي الجزائري الذي كان شيخ الطريقة الزروقية على ذلك العهد(2).
3- تأسيس الشيخ أبي الشتاء لطريقته:
بعد أن استقر الشيخ مولاي أبي الشتاء الخمار بقبيلة فشتالة وبنى بها زاويته الكبرى(1). أسس طريقته في التصوف خاصة به وبأتباعه. وفي هذه الفترة كان قد سئل عن شيخه فأجاب:" كان عندي الغزواني" (2) . يعني أنه كان شيخه فيما مضى، أما في زمن السؤال فلا يعني أنه صار عن التقيد به بغية في الحق واستغراقا وجمعا عليه وحده.
1- كتاب الدرر الآلي في ثبوت الشرف البقالي ص: .132
2- جواهر الكمال في ذكر مناقب شرفاء أولاد البقال ص:
جاء في دوحة الناشر ص: 40 أن الشيخ سيدي علال الحاج التقى بالهبطي وأخذ عنه إلا أن اعتماده في
الطريقة كان على الإمام الخروبي الزروقي الطريقة ونفس ذلك القول أي أن طريقة سيدي علال الحاج
الزروقية رواه لي الشريف المختار محمد البقالي عن إمام زاوية فيفي السيد حسن البقالي القاسمي.
وقد قال الشيخ أبي الشتاء عن طريقته: " طريقتنا هذه مبنية على خمس، هي امثتال الأوامر واجتناب النواهي وصحبة أهل الخير، واجتناب أهل الشر والإكثار من الصلاة على النبي[img]style_images/1/p1.gif'> (3).
وورد الشيخ أبي الشتاء عبارة عن: " مائة من بسم الله الرحمان الرحيم، ومائة من استغفر الله العظيم ومائة من صلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما ومائة من سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ومائة من سبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وخمسة وعشرون من كلمة الموت".
وكلمة الموت التي جاء ذكرها في هذا الورد إنما تدل على تعمق الشيخ أبي الشتاء في التصوف، ومعرفته القوية بطريقة الجنيد خاصة وبطرق وقواعد الصوفية عامة، بل إنما تدل على اطلاعه على الفكر الفلسفي والصوفي اليوناني: فأفلاطون هو القائل: " مت بالإرادة تحيا بالطبيعة" (4).والموت لدى أبي الشتاء تعني قمع النفس عن الهوى والشهوات لينصرف القلب إلى المحبة وإلى عالم القداسة والنور وهذا هو تفسير الإمام جعفر السابق أيضا للموت في قوله: " الموت هو التوبة قال تعالى: " فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم" (1 ). فمن تاب كمن قتل نفسه، لذلك صنفت الصوفية الموت أصنافا فكان الموت الأحمر هو مخالفة النفس(2). ويروى أن الرسول[img]style_images/1/p1.gif'> لما رجع من إحدى غزواته قال: " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر قالوا يارسول الله وما الجهاد الأكبر؟ قال: " مخالفة النفس" وروي في حديث آخر: " المجاهد من جاهد نفسه فمن مات عن هواه فقد حي بهدايته عن الضلالة وبمعرفته عن الجهالة" (3).
3- مخطوطة بزاوية الشيخ أبي الشتاء.
4- اصطلاحات الصوفية ص: 91.
1- سورة البقرة آية 54.
2- اصطلاحات الصوفية ص: 91.
3- رواه البيهقي.
وهذا يتفق وقوله تعالى: " أو من كان ميتا فأحييناه" (4) يعني ميتا وجهله وضلاله فأحياه الله بالعلم والهداية.
وزيادة على ورد الشيخ كان هناك أوراد الشاذلية الكبرى وهي أحزاب الشاذلي والصلاة المشيشية وتلاوة دليل الخيرات للجزولي، وكان وقت قراءة الورد مقيد بعد صلاة الصبح وبين صلاة المغرب والعشاء.
وكان الشيخ سيد أبي الشتاء محافظا على صلاة التسبيح يحث مريديه عليها، ويجعلها من بين التعبدات في طريقته وهي هكذا: " يصلي أربعة ركعات يقرأ في الركعة الأولى الفاتحة والسورة. ثم يقرأ بعدها سبحان الله والحمد لله والله أكبر عدد خمسة عشر مرة، ثم يركع ويقرأ أثناء ذلك سبحان الله والحمد لله والله أكبر عدد عشرة مرات ثم يرفع رأسه ويقرأ سبحان الله والحمد لله والله أكبر مسة عشرة مرة ثم يسجد ويقرأ أثناء ذلك سبحان الله والحمد لله والله أكبر عدد عشرة مرات، ثم يرفع رأسه من السجود ويقرؤها عشرة مرات كما في الأول ثم يسجد ويعاود قراءتها نفس العدد وبعد ذلك يقوم قائما ويقرأ الفاتحة والسورة ثم يقرأ بالتسبيح الأول إلى نهاية الصلاة.
وكان الشيخ سيدي أبي الشتاء يكثر من ذكر الله في السر والعلن أوقات فراغه وأوقات انشغاله وكان أكثر كلامه ذكر وتسبيح، زيادة على أنه كان يخصص له وقتا معينا غالبا ما يكون ليلا، فكان يتوضأ ويتنفل ثم يجلس للذكر مختليا بربه إذا كان يريد الذكر منفردا ومع الجماعة بعد صلاة الفرد إذا كان يريد ذلك، وكان أكثر ذكره منفردا ويختار له من الأماكن الموحشة والمقفرة ورؤوس الجبال، لذلك كانت خلواته تعلو رؤوس الجبال وتتوسط الغابات، فهو أول ما نزل فشتالة اختار مكانا مناسبا لخلوته بربه بقمة جبل آمركو(1).
4- سورة الأنعام آية 122.
1- هو جبل آمركو الذي يعلو مدشر زاوية أبي الشتاء وفسر الأستاذ لفظة آمركو بأنها جمع لكلمة أمركة
البربرية وتعني ذلك الطائر الأبيض وبه قليل من الرمادي من فصيلة الشحرور ويسمى بالعربية السمان.
الأرشيف البربري ج 2 ص: 250.
هذا الجبل الذي لا يزال شاهدا على تقواه وزهده واعتزاله للخلوة مما زاد في صلاحه وولايته. وله خلوات بقبيلة بني حسان تتوسط التلال والغابات، بعيدة عن البشر وقريبة من الله، كما كانت له خلوة لا تزال إلى الآن بهضبة الشرف قرب رباطه هناك خارج طنجة(2). وله خلوة بجبل قنوفة قرب مدينة زرهون(3). وخلوة أخرى بناحية بولمان بأيت إيلمان. وكثرة اختلاء الشيخ أبي الشتاء بربه وشدة زهده جعل أحد المستشرقين يقول عنه: " أن مولاي أبي الشتاء انتزع إعجاب واحترام أصحابه بجدية وأصالة حياته، وساعاته الطوال في عبادته وفي أحلام اليقظة الذهولية والفنائية اللدونية..." (4).
وكان الشيخ مولاي أبي الشتاء إذا ذكر الله يغشى عليه ويغيب وتعتريه حالة جذب تطول به حتى يحسبه المرء ميتا أو أصابه الصرع " كان دائم الجذب والغيبة عن الخلق" (1) " ولا يتحدث مع الناس حديثا متصلا" (2) ويفيض لسان حاله بكلمات " بعضها يحمل على ظاهره وبعضها على الإشارة" (3). ومما قاله في إحدى جذباته: " أواه أواه حتى مشى كل شيء في أواه ولي يبقى دابا يتبعو" أو قال دابا يلحقو" صلي صلاتك ويكون قلبك مع الله والعيب لا تفعلو ( أو قال لتعملو).
ولفظة- أواه- تعد من الذكر، بل هي تحصل من شدة الذكر والخشوع والوجل والفناء في الله، فالتأوه في الذكر وارد في السنة النبوية، فقد أخرج البيهقي عن زيد بن أسلم قال: قال بن الأورع انطلقت مع النبي[img]style_images/1/p1.gif'> ليلة فمر في المسجد على رجل يرفع صوته بالذكر فقلت يا رسول الله عسى أن يكون هذا مرائيا؟ قال صلى الله عليه وسلم: لا ولكنه أواه" (4).
2- رباط الشيخ أبي الشتاء بهضبة الشرف حوله بعض المستعمرين إلى محل سكناه ولا يزال محافظا
على طابعه الإسلامي العتيق. المدن والقبائل المغربية طنجة وأحوازها ج 7ص:
3- الأرشيف البربري ج 2 ص: 256 حاشية رقم 1. خريطة فاس بدرجة 1/100000.
4- الأرشيف البربري ج 2 ص: 251.
1- ممتع الأسماع بأخبار الجزولي والتباع وما لهما من الأتباع ص: 73.
سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس لمن أقبر من العلماء والصلحاء بمدينة فاس. ج 1ص: 145.
2- نفس المرجعين السابقين ص: 145. مرآة المحاسن بأخبار شيخ أبي المحاسن ص:
3- نفس المراجع السابقة. 4- اللفظة الشاذلية ص: 541 فصل 17.
ولشدة حال الشيخ أبي الشتاء جعله الناس (ساقط التكليف)(5) ولا يسقط التكليف إلا عن المجنون أو من لم يبلغ سن التكليف وما كان سيدي أبي الشتاء مجنونا ولا غير بالغ، بل كان سليم اعقل يحسن التصرف في أمور دينه كما يحسن التصرف في أمور دنياه. أو أنما انطبق عليه قوله [img]style_images/1/p1.gif'>: " اكثروا من ذكر الله حتى يقولوا مجنون" (6).
وفي هذه الفئة من الذاكرين يقول الله تعالى: " إنما المومنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم" (1).
وبعد ذكر الله كان الشيخ مولاي أبي الشتاء يكثر من الصلاة على الرسول[img]style_images/1/p1.gif'> والصلاة على الرسول كانت من أسس الطريقة الشاذلية، ومن أركان الطريقة الجزولية التي جعل شيخها الجزولي كتابه: " دلائل الخيرات ومشارق الأنوار في الصلاة على النبي [img]style_images/1/p1.gif'> المختار أساس طريقته. واقتداء بشيوخه بل وحبا للرسول [img]style_images/1/p1.gif'> جعل الشيخ أبي الشتاء الصلاة على النبي[img]style_images/1/p1.gif'> بعد ذكر الله من أركان طريقته معتمدا على قولة الشيخ أحمد زروق: " من لم يجد شيخ التربية، فليلازم الصلاة على النبي[img]style_images/1/p1.gif'>، فإنها تقوم مقامه".
وثبت أن الشيخ أبو الشتاء حبب الرسول[img]style_images/1/p1.gif'> في قلوب تلامذته وأتباعه حتى اشتهروا بذلك وتميزوا به عن غيرهم فكان لذلك فناؤهم في الرسول لا ينقطع، ومن أشهر أولئك الأتباع الذين اشتهروا بفنائهم في الرسول: الشيخ أبو سرحان مسعود الشراط، فقد جاء أنه" لما قطعت رجله وأصابها دود، كان كلما سقطت دودة من رجله يردها إلى مكانها ويقول إنني تصدقت بجسمي على رسول الله[img]style_images/1/p1.gif'>، وكان إذا غلب عليه الوجد يقول أنا مسعود رسول[img]style_images/1/p1.gif'> ويكررها"(2).
5- سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بمدينة فاس ج 1ص: 145.
6- رسالة القول المعروف في الرد على من أنكر التصوف ص: 58.
1- سورة: آية :
2- قوة من انتشر من صلحاء القرن 11ص: 48.
وجاء في أول النظم الذي يمدح فيه الشيخ ابن كدار شيخه أبا الشتاء مدح للرسول[img]style_images/1/p1.gif'> فقد قال بن كدار:"
بسم الله نشكر الله ونعظم رسول الله مفتاح الحق محمد رسوله ربي أنا
كالشمس يضوي علينا في السماء العالي
سبحان من أسرى به والاملاك شهدت به
والاشجار سجدت له شرقا وغربيا
قوموا للذكر يا جلاس عظموا سيد الناس
شفيعنا يوم القصاص..."
وهذا النظم كذلك يوضح لنا أن الشيخ أبا الشتاء كان يقر أصحابه على الذكر الجماعي وبالجسر، كما ثبت أن الرسول[img]style_images/1/p1.gif'> جهر بالذكر بعد الصلاة مع الجماعة من أصحابه: وقد قال[img]style_images/1/p1.gif'>: " ما من قوم اجتمعوا في مجلس يذكرون الله إلا حفت به الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده."(1 ).
وكان الشيخ أبو الشتاء من أهل السماع والوجد، فمتى سمع حلقة ذكر التحق بها وشارك القوم ذكرهم والسماع من مميزات الطريقة الجندية على الخصوص قال الجنيد: " الرحمة تنزل على الفقير في ثلاثة مواضع عند الأكل، فإنه لا يأكل إلا عند الحاجة، وعند الكلام فإنه لا يتكلم إلا للضرورة وعند السماع فإنه لا يسمع إلا عند الوجد"(2). وربما كان لشهرة الشيخ أبي الشتاء عند العامة بشيخ المغنين والموسيقيين علاقة بالسماع عنده، فقد روى محمد بن الطيب مخبر مولييراش الفرنسي أن:
1- تحرير المناط والمسالك في أن التصوف في معنى المصطلح عليه الآن كان زمن الإمام مالك
ص: 29.
2- التعرف لمذهب أهل التصوف ص: 161-60.
" مولاي أبي الشتاء يعد أيضا شيخ المغنين والموسيقيين وهؤلاء لا يتأخرون عن زيارة ضريحه والشباب الذين ليس لهم تكوين مهم بالموسيقى يأتون إلى زاويته لأخذ دروس في نوعين من الغناء ، مشهورين في البادية المغربية وهما العيطة والكباحي" (3 ).
ومع تصوف الشيخ أبي الشتاء وحبه للعزلة والزهد، فإنه لم يكن يحرم ما أحل الله من طيبات المأكل والملبس، فقد كان يلبس من الثياب أحسنها وأفخرها، وكان كثرة ركوبه على الخيل، يختار لنفسه أجودها ويفاخر في ذلك شيوخ القبائل التي كانت تأتيه. ولا زالت الآن العامة في زاويته بفشتالة يشيرون لحفرة بقمة جبل آمركو منقوش في صخرة بطريق صغير يصعد إلى الجبل يقولون بأنها نقشت لكثرة مرور الشيخ أبي الشتاء منها على جواده، كما يحافظ أحفاد الشيخ أبي الشتاء بفشتالة وإلى الآن على قربوص سرجه وعلى حدأة فرسه والمثبتة بأعلى جامور قبة الضريح.
- الشيخ أبو الشتاء مصلح اجتماعي:
عرف الشيخ أبو الشتاء بتشدده في نشر الإسلام وتطهيره من البدع في المناطق التي مر بها، خصوصا بفشتالة ومناطق جبالة السفلى، ومما يروى في ذلك أنه كان أنشأ لهم مسجدا جامعا بفشتالة بزاويته، وكان يحتم عليهم حضور صلاة الجمعة به من بعيد، فكانوا يأتونه من كل مداشر القبيلة، وصادف أن كان مرة فصل الشتاء واليوم جمعة فلم يحضر للصلاة إلا وفد الجهة الشرقية من القبيلة المدعوون بحداوة فتغير باقي الفشتاليون فسأل عنهم الشيخ، فقيل له إنهم اعتذروا عن الحضور لسبب المطر، فقال لهم إنهم: " فشتالا" أي في الصيف يصلون وفي الشتاء لا، فطلق لقبه لهم.(1).
3- المغرب المجهول ج 2 ص: 13.
1- فشتالة هي إيفشتلين بالبربرية ثم سميت ببنو فشتال ثم فشتالة وهي من قبيلة هنجافة البربرية
الصنهاجية كانت على عهد بنو خلدون تسكن من الريف إلى الأطلس المتوسط وذكر دوكاسرو
أنها تسكن من تطوان إلى سبو، وقال ابن خلدون أن منازلهم كانت من الطين والحجر وبنو عمومتهم
هم سطة وبنو ورياغل وبنو حميد وبنو مزكلدة وبنو عمران وبني درقون وكلهم بورغة ويحترفون
الحياكة والحرث ولذلك يعرفون بصنهاجة البز ولغتهم عربية وهم مجاورون لجبال غمارة.
ومن المحاسن التي اشتهر بها الشيخ أبو الشتاء محارته وقضاؤه على عادة صنع الخمر المدعو بالصامت وشربه وكان يصنع من التين والعنب، وكان هذا النوع من الخمر مشهور عند كل جبليين.
كما أن الشيخ أبا الشتاء قضى على عادة الوشم لذا نساء فشتالة، وكانوا قبل ذلك يتعاطونها على عادة الجبليين والذين يعتبرون من البرابرة الصنهاجيين والمصامدة.
كما فرض الحجاب على المرأة الفشتالية ومنعها من الاختلاط بالرجال فكن لا تخرجن إلا ملتحفات بالجنحة ولا تزال هذه العادة في نساء القبيلة، ولا تزال النساء من أحفاد الشيخ أبي الشتاء تلتحفن بالحائك على عادة الحضريات من سكان المغرب خصوصا أهل فاس وتطوان، وكن في ذلك العهد ينتقبن، وقد ذكر مخبر ملييراس أن النساء الفشتاليات كن تنتقبن مستعملات الخمار التلمساني(1). وهي عادة لم تكن بين باقي النساء الجبليات، والويل لمن خاطب امرأة في الطريق.
وكانت الزانية والزاني في فشتالة وبني زروال يقع عليهما الحد وسط سكان القبيلة وأمام أعين الجميع.
كما ذكر مولييراس: " أن عقاب السارق في زاوية مولاي أبي الشتاء كان هو التكحال" ويحكي عن ذلك قائلا: " بدوار مولاي بوشتى رأى محمد شيئا مفزعا، البارحة حمسة لصوص من صنهاجة وهي قبيلة معادية حاولوا السرقة، فاجتمع مجلس الكبار وحكموا على اللصوص بالتكحال، ويعني سمل عيونهم وشدت أيديهم بحبال إلى ظهورهم وأعطي الأمر بمقدم التكحال أن يضع المنجل على النار ليحمى فوضع على جمر أحمر ملتهب، وانتظر، ثم صاح إني مستعد عندها طرح كل مجرم على الأرض، وشد هذه المرة إلى وتد من حديد...
1- عبد العزيز بن عبد الله ج 2 ص: 22 نقلا عم مولييراس الذي جمع معلومات الدرويش الذي زار
منطقة جبالة حوالي 1800م.
وبيد خبيرة وثابتة أدخل المقدم المنجل الأحمر المحمى في عيني المجرم وغرزه بقوة فيهما، وهكذا من عين إلى عين إلى أن انتهت العملية"(2).
وهذه العادة كانت منتشرة لدى كل القبائل الجبلية خاصة ببلاد الهبط والتي قبيلة فشتالة، وظلت سارية في القبائل الجبلية إلى عهد الحماية الفرنسية، وقيل لي أنه لا يزال بقبيلة بني مستارة الواقعة خارج وزان وبني مزكلدة جنوبها أنه لا يزال هناك، بعض ممن أقيم عليهم الحد والتكحال وهم كبار مسنون.
- تلقين الشيخ أبي الشتاء بطريقته:
لم يكن الشيخ أبي الشتاء صوفيا وعابدا فحسب، بل كان عالما ومدرسا لما حمله من علوم، فكانت زواياه المنتشرة في كل البلاد لما يحل بها تتحول من أماكن صلاة وذكر إلى مدارس ومعاهد لتلقي العلوم، وأصبحت زاويته بفشتالة مدرسة حقيقية اجتمع الطلبة والمريدون من كل أنحاء المغرب ولاخل عن شيخ الزاوية وصاحب الطريقة، علومه الظاهرية والباطنية، وكانت أهم العلوم التي يدرسها الشيخ إلى جانب التصوف الحديث وفقه المعاملات وأصول الفقه، وكان صاحبه أبو سالم ابراهيم الجناتي- أستاذا يجيز ألواح الطلبة(1)- ويحفظ القرآن.
وقال عنه الكتاني: " أنه كان كثير التلاميذ، وخرج منه من البهاليل وأهل الأحوال، وكان وقته كثير البهاليل فكان يقال أن أكثرهم ممتدون منه لقوة حاله(2).
وقال عنه مؤلف حديث: أن الشيخ أبا الشتاء كان مدرسة حقيقية تخرج منها كثير من البهاليل.(3).
2- المغرب المجهول ج 2ض: 336.
1- ممتع الأسماع بأخبار الجزولي والتباع وما لهما من الأتباع ص: 188.
2- سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بفاس ج 1ص: 145.
3- دكالة والاستعمار البرتغالي إلى سنة إخلاء آسفي وأزمور قبل 28 غشت 1481. أكتوبر 1541.
وكان لهؤلاء الذين درسوا على الشيخ أبي الشتاء الفضل في حمل طريقته ونشرها، ويتجلى تأثرهم بالشيخ أبي الشتاء في قوة حالهم وجذبهم وحبهم الشديد للرسول[img]style_images/1/p1.gif'> وحبهم للجهاد.
- تلاميذ الشيخ أبي الشتاء الخمار:
من أشهر من درس على الشيخ أبي الشتاء وأخذ عنه من الشيوخ:
- الشيخ أبو سالم ابراهيم الجاناتي(1)وهو حفيد العلامة الحافظ أبو بكر عبد الودود الجاناتي مدرس المدونة بالقرويين (746هـ).وكان الشيخ أبو سالم يجيز ألواح الطلبة ويحفظ القرآن بزاوية شيخه،"وكان يجتمع عليه هناك بمدشر شيخه خلق كثير يأخذون عنه ويهتدون بهديه"(2). وعنه حفظت القرآن ابنة الشيخ أبي الشتاء لالا عائشة الملقبة بالغزوانية، وكذلك أخذ عنه ابن أخي الشيخ أبي الشتاء الشريف الفقيه الوالي سيدي احمد الصافي.
وكان للجاناتي وقت وسط النهار ينقل فيه الماء لدار شيخه، يتولى ذلك بنفسه ويتردد فيه، وكان متقشفا، زاهدا عاري الرأس يقصده الناس بالصدقات فلا يمسها ولا يقربها بل يطرحونها بموضع هناك عن اذنه، فإذا زاد وقت الاحتياج إلى الكسوة اجتمع من ذلك مال جليل أمر بعضهم فاشترى به الكسي وكسى هو بها الفقراء والمساكين صغارا وكبارا من الطلبة وغيرهم.
الشيخ الولي المجاهد الشريف سيدي محمد الحاج بن علي الحاج البقال الأغصاوي(3) وصحب الشيخ أبا الشتاء منذ سن مبكرة، بوصية من والده الشيخ أبي الشتاء وقد انتقل سيدي محمد الحاج عند الشيخ أبي الشتاء بفشتالة مباشرة بعد وفاة والده(4).
1- ممتع الأسماع بأخبار الجزولي والتباع وما لهما من الأتباع صفحة: 118.
2-
3- ممتع الأسماع بأخبار الجزولي والتباع وما لهما من الأتباع صفحة: 118.
4- الطرق الدينية بجبالة وأنواع طوائف الشرفاء والزوايا والأضرحة ص: 10 مترجم.
وكان الشيخ أبو الشتاء يعده ويكرمه ويعتمد عليه في أموره وينيبه عنه في غيابه حتى قال عنه الشيخ مسعود الشراط" سيدي محمد باشة سيدي أبي الشتاء" والباشة عنهم كالوزير ونحوه من الملك" (1). وكان في بداية أمره مريدا مربوطا في سلسلة(2) وكانت تعتريهفي بعض الأوقات أحوال تخرجه عن حسه وكان له تلاميذ تلقوا عنه. أشهرهم الشيخ العارف بالله أبو عبد الله سيدي محمد بن المجول القصري دفين القصر الكبير(3). وتوفي سيدي محمد الحاج البقال المشهور أيضا بسيدي محمد الكبير سنة ألف وسبعة عشر للهجرة، قتله السلطان محمد الشيخ بن احمد المنصور السعدي فمات شهيدا ودفن بالطالعة الصغرى من فاس وبني على قبره زاوية.
- الشيخ الولي أبو الحسن علي بن داوود المرنيسي:(4 ).
يقال أن أصله من الشاوية، وقيل من سوس وصحب الشيخ أبا الشتاء عند دخوله إغلى طنجة وسكن معه بها، ولا تزال زاويته هناك بدار البارود بالمدينة القديمة، وبها مسجد ويقصدها الزوار تبركا ويقام لها موسم(5). ولما استقر الشيخ أبي الشتاء بفشتالة استقر معه سيدي علي أيضا وكان كثيؤ الخلوة بالغابة المسماة باسمه إلى الآن قرب ضريحة شيخه، وبعد وفاة شيخه انتقل إلى قبيلة مرنيسة وبنى زاويته هناك واشتغل بتدريس القرآن، وكان ورعا ظهرت عليه شوارع الصديقية وقصده الناس من الآفاق، وكان ممن قصده وأخذ عنه سيدي قاسم شيخ سيدي احمد بن عبد الله من الأندلس.
1- سلوة الانفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بمدينة فاس ج 1ص: 266.
2- نفس المرجع: ج 1ص: 266.
3- نفس المرجع: ج 1ص: 266.
4- ممتع الأسماع... صفوة من انتشر من علماء وصلحاء ق 11ص: والاستقصا من أخبار دول
المغرب الأقصى ج 6 قسم 22 حاشية نشر المتاني ج 1ص: 101. نزهة الحادي في أخبار ملوك
القرن الحادي ص:185-184 وقد جاءت وفاة سيدي محمد الحاج في نشر المتاني سنة 1056هـ
بينما في باقي المراجع كانت سنة 1017هـ.
5- مدن وقبائل الغرب ج 7 طنجة وأحوازها. ص: .331
ويتصل سند الشيخ علي بن داود بسيدي عبد الله الغزواني الجزولي الشاذلي الطريقية وبسيدي علال الحاج البقال الزروقي الشاذلي الطريقة بواسطة الشيخ أبي الشتاء الخمار .
وتوفي سيدي علي بن داود عن خمسة وعشرين وألف ودفن بزاويته بمرنيسة(1) .
- سيدي عيسى بن سيدي علال الحاج البقال(2) : وهو أخ الولي المجاهد سيدي محمد الحاج الكبير السابق الذكر، أخذ عن سيدي أبي الشتاء زمن وجوده بقبيلة بني حسان بناحية مدينة تطوان، وتوفي سيدي عيسى ببني صابر ودفن بها، وضريحه مشهور هناك في بلاد بني حسان.
- الشيخ أبو سرحان مسعود بن محمد الشراط الزناتي التلمساني(3 ): لقب بالشراط لأنها كانت صنعته، وكان أسود اللون، أخذ عن سيدي أبي الشتاء وعليه كان اعتماده، وكان عنده في سلسلة وبعد وفاة شيخه غلب عليه الحال فبقي في العسال قرب وادي سبو أياما فنزل عليه الثلج فقطع رجله، وجيء به إلى موضع ضريحه خارج باب العجيسة فكان هناك ليل نهار وكان شديد المحبة للرسول[img]style_images/1/p1.gif'>.
وكان لسيدي مسعود الشراط تلاميذ وأتباع كثيرون، أخذوا منه طريقة شيخه، أهمهم الشيخ قاسم الخصاصي(1).
والشيخ الصالح القدوة أبو الفضل سيدي قاسم السلاسي الذي كان له أتباع ومريدون، وكان مداوما على السنة والجماعة حتى توفي عام 1049هـ(2).
1- ممتع الأسمال لأخبار الجزولي والتباع وما لهما من الأتباع ص: 117 صفوة من انتشر من
صلحاء ق 11. ص: 47.
2- جواهر الكمال في ذكر شرفاء أولاد البقال ص: 59.
3- صفوة من انتشر من صلحاء ق 11ص: 49-48. سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر
من العلماء والصلحاء في مدينة فاس. ج 3 ص: 121.
1- سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر
من العلماء والصلحاء في مدينة فاس. ج 3 ص: 121.
2- نفس المرجع السابق ص: 121.
ومن تلامذة الشراط كذلك الشيخ المجاهد أبو عبد الله محمد بن محمد بن طاهر بن عيشون والد الفقيه أبي عبد الله محمد بن عيشون المنسوب إليه التأليف في صلحاء فاس أخذ عن الشراط وتوفي شهيدا في قتال النصارى بحلق سبو رمضان عام 1040هـ ودفن بروضة شيخه.
ومن تلامذة الشراط كذلك الولي أبو عزة بن رياب، وكان صاحب أحوال دائم الغيبة ظهرت له كرامات، توفي عام 1076هـ ودفن قرب ضريح شيخه(3).
ومنهم كذلك السيدة فاطمة بنت عمر الفشتالي، خديمة سيدي عبد الله بن حسون الخالدي السلاسي دفين سلا، توفيت يوم الأربعاء 15 ربيع النبوي 1045هـ ودفنت بروضة شيخها وإليها يشير المرزغ بمنظومته:
ومنهم المجدوب ذو الافراط مسعود المعروف بالشراط
معه في روضته جبور المرتضى صلاحه مذكور
بقربه بنت الرضى الفشتالي فاطمة مرضية الفعال(4)
ومن تلامذة الشراط الولي المجذوب أبو العباس سيدي احمد المدعو حمدون بن عبد الرحمان الملاحفي الكناني، وكان ذو حال وديانة، له ذكر يواضب عليه ويقوم من الليل ما تيسر وكان يعمل الحضرة لأبي السماع. وزاويته بدرب الحرة عن يمين الخارج منه تقابله زاوية سيدي محمد بن علي الوزاني.
3- سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء في مدينة فاس. ج 3 ص: 121.
4- نفس المرجع السابق ص .121
وله أصحاب وأتباع يجتمعون عليه بها، ويواضبون على قراءة الأحزاب وما تيسر من الأوراد صباحا ومساء(1). وهو أحد أشياخ الفقيه المراد أبي عبد الله محمد بن محمد بن عيشون الشراط الذي ينسب إليه كتاب الروض العاطر الأنفاس(2) وكانت وفاته يوم الأربعاء 23 من ذي القعدة عام 1079هـ.
ولسيدي مسعود الشراط كرامات كثيرة ذكرها كل من ترجم له وتدل على قوة حاله، أشهرها أن عبد الله بن الشيخ السعدي عزم على التنفيذ بأهل فاس في بعذ غلباته عليهم إثر خروجهم عليه، فاستشفعوا عليه بالصالحين المجذوبين، سيدي جلون بن الحاج وسيدي مسعود الشراط فلما وقف بين يديه قال: "أما وبعد أهل فاس شفيعا غير هؤلاء الخرائين في ثيابهما" (3) فغضب عليه فدعيا عليه وانصرفا فانقلبت معدته حتى خرج غائطه من فمه أياما إلى أن أتي بالشيخين فاسترضاهما. وتوفي الشيخ الشراط 1013هـ ودفن بزاويته خارج باب العجيسة بفاس.
- الشيخ العارف بالله الفقيه أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي البقاء عبد الوارث الياصلتي دفين بني زروال شمال المغرب:
كان سيدي عبد الوارث أوصى بحفيده هذا الشيخ أبا الشتاء عندما أنهى دراسته فأعطاه أثاثا ومقصا وإبرة وحلقة خياطة وقال هذه أمانة تؤديها لصاحبها(4) يعني إلى حفيده المذكور. وكان سيدي احمد عند الشيخ أبي الشتاء بفشتالة في سلسلة في بيت سنين، ثم أطلقه فانكب الناس عليه، وظهرت بركته على كثير من أصحابه، وكان غائبا في شيخه يرى كل خير منه، ولا يجلس في بلاده ببني زروال إلا مستقبلا جهة شيخه بفشتالة مرددا قوله:
1- سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء في مدينة فاس. ج 1 ص: 256.
2- نفس المرجع السابق
3- الاستقصا بأخبار دول المغرب الأقصى ج 2 قسم 2 ص: 58.
4- ممتع الأسماع بأخبار الجزولي وبالتباع وما لهما من الأتباع ص: 119.
سيدي بوشتى يا مولى عيني لولا أنت أش كان يكون أنا مني(1)
وقد ذكر لفي بروفنصال أن سكان منطقة بني زروال وورغة المقابلين لبلاد الشيخ أبي الشتاء ولجبل آمركو يبنون في بلادهم مصاطب من الحجر تدعى" المقابل" يجلسون عليها مقابلين بلاد مولاي أبي الشتاء(2).
وتوفي سيدي احمد الياصولتي مسموما عام 1021هـ ودفن بزاوية جده سيدي عبد الوارث بتازغدرة بقبيلة بني زروال في بلاد الشمال.
- الولي العارف الشيخ محمد بن موسى السريفي: من قبيلة أهل سريف قرب الكبير شمال المغرب، والمعروف بالقجاح(3). أخذ عن أبي الشتاء كما أخذ عن أبي عبد الله الصباغ القصري وعن أبي المحاسن الفاس، كان من أهل البال في أمور الدنيا والفطنة في أمور الآخرة حاله كحال الساهي، كأنه في عالم آخر فإذا نبه انتبه. توفي سنة 1022هـ على المشهور. ودفن بالطالعة الصغرى قرب درب أهل تادلة تحت الفرن الذي هناك بمسجده عن يسار المحراب وبني عليه ضروز صغير وإليه أشار الشيخ المرزغ في نظمه:(4)
وسيدي قجاج عند دربه بمسجد ضريحه يدعى به
- الولي العارف الفقيه عبد الكريم الفشتالي:(5)
وكان خديما للشيخ مولاي أبي الشتاء، وتوفي بفاس فدفن بروضة سيدي مغيث يسار الحار بملعب الكرة عند رأس القليعة، وبني على ضريحه بها قوس بقرب ضريح سيدي محمد صالح قرب زاوية بني مرين المسماة" تاحضريت".
1- مرآة المحاسن بأخبار الشيخ أبي المحاسن ص: 238.
2- قبيلة بني زروال ص: 56.
3- سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء في مدينة فاس. ج 1 ص: 252.
4- نفس المرجع السابق 252.
5- سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء ج 2 ص: 2.
وهذا الشيخ هو جد العارف الإمام العدل سيدي محمد بن العربي بن عبد الكريم الفشتالي وحفيده هو صاحب سيدي عبد العزيز الدباغ، وكان أستاذا في التجويد والأداء وأحكام الرسم، أخذ عن أبي زيد بلقاضي وسيدي عبد الادر الفاسي والعلمة اليوسي، وكان اعتماده في التصوف على سيد محمد بن ناصر الدرهي وسيدي محمد بن مبارك، توفي 1049هـ
زيارة شيخ الطريقة الفقيه الشريف مولاي العربي الدرقاوي لضريح مولاي أبي الشتاء.
لقد جاء في رسائل الدرقاوي أن سيدي أبي عبد الله محمد العربي بن سيدي احمد الحسني الدرقاوي شيخ الطريقة الدرقاوية كان يدوم على زيارة ضريح الشيخ مولاي أبي الشتاء مع ضريح مولاي عبد السليم بن بشيش وسيدي علي بن داود وسيدي عبد الوارث الياصولتي شيخ أبي الشتاء. وقبل أن يمشي سيدي العربي في طريقه ويفتح الله عليه أبوابه رأى في المنام الإمام علي بن أبي طالب وأخبر شيخه الملقب بالجمل الشريف العمراني فقال له أبشر بخير كبير فإنك من أهل التصوف لأن الإمام علي هو إمام الصوفية وقطبهم. وبعد ذلك يقول الدرقاوي جار علي حال القبض بعض الأيام غاية الجور حتى كاد أن يسلبني من الإسلام، وأما الخصوصية فقد سلبني منها، وبعدني عنها والله على ما نقول وكيل فاضطررت إلى ربي ثم قصدت ضريح ولي الله الأشهر سيدي أبي الشتاء الخمار نفعنا الله به، فبت به أتلو كتاب الله عز وجل بلا قلب بل باللسان فقط أما القلب فما كان لي منه إلا اسمه إذ ختمت القرآن من أوله إلى آخره فسألت الله تعالى إثر ذلك باضطرار كبير وافتقار كبير وأن يعافيني بما أصابني ثم أخذني النوم بعد الفراغ من ذلك فرأيت أني أتلو سورة القصص مع رجل أمي لا أعرف اسمه في اللوح بترتيل كبير وبصوت عال فما استيقظت وأنا بالضريح نظرت ابن منظور فوجدت به ما أسرني غاية السرور إذ قال لي رضي الله عنه ناقلا عن الكرماني رضي الله عنه، قراءة سورة القصص في النوم إصابة علم وفهم وصواب في الناس ثم تحقق لي ذلك بفضل الله".
- شهادة بعض الشيوخ بعلم وفضل وتفوق الشيخ مولاي أبي الشتاء:
لقد شهد الشيخ أبي الشتاء بالولاية والفضل شيوخ عص
منقول للفائدة
دخول التصوف إلى المغرب:
لقد كان لوفود الحجاج المغاربة الفضل في نقل التصوف إلى المغرب وذلك في القرن الحادي عشر الميلادي وكان ممن رحل إلى الشرق ودرس التصوف هناك أبو يعزى المكنى بابن العريف وكان فقيها محدثا بالأندلس وعلي ابن حرازهم وأبو شعيب الصنهاجي وكان هؤلاء على مذهب الغزالي فكان تصوفهم شرقيا قلبا وقالبا شديد الالتزام بالقرآن والسنة وفي الفترة الأخيرة من عهد الموحدين ظهر قطبي التصوف المغربي الذي على يديهما تغير طابع التصوف المغربي وأخذ مجرى مغايرا لما كان عليه بالشرق الإسلامي هذين الرجلين هما أبو مدين شعيب الملقب بالغوث الإشبيلي(1). درس بسبتة ومراكش وطنجة وفاس أخذ علوم الغزالي عن أبي الحسن حرازهم وجمع ما أمكنه جمعه من علوم الأندلس بالمغرب ثم ذهب إلى الشرق حيث التقى بالقطب عبد القادر الجيلالي فأخذ عنه علومه وطريقته ورجع إلى المغرب حيث استوطن ببجاية وتوفي وهو في طريقه إلى يعقوب المنصور الموحدي ملك مراكش. توفي بتلمسان ودفن بها برابطة العباد سنة 594 هـ.
أما القطب الثاني في التصوف المغربي فهو الشيخ عبد السلام بن امشيش بن أبي بكر بن علي بن ادريس الثاني باني فاس. درس على الشيخ علي بن حرازهم وعلى أبي مدين الغوث(2). وعن عبد الرحمان العطار الزياتي الحسني(3) المدني. واعتكف المولى عبد السلام بجبل العلم من شمال المغرب وإلى زهده كان يتعاطى الفلاحة. ولما اشتهر أمره اغتاله ابن أبي الطواجين سنة 625هـ وقبره مزارة بالجبل ومن نصائح الولي عبد السلام لبعض أتباعه:
1- المغرب عبرالتاريخ. ج 1- ص: 309
2- نفس المرجع: ج 1ص: 309.323
3- المفاخر العلمية في مآثر الشاذلية ص: 8 مناهل الصفا في مآثر موالينا الشرفاء ص: 278
" احفظ نفسك من إرادة الدنيا وحب النساء وحب الجاه وإيثار الشهوات. واقنع من ذلك بما قسم الله لك.
إذا خرج لك مخرج الرضى فكن لله شاكرا. وإذا خرج لك مخرج السخط فكن عليه صابرا. ورفض الدنيا قطب تدور عليه الخيرات. وأصل جامع لأنواع الكرامات وحصون ذلك كله أربعة: الورع. وحسن النية. وإخلاص العمل. وصحبة العلم. ولا تتم له هذه الجملة إلا بصحبة أخ صالح أو شيخ ناصح".
ومن خلال هذه القولة يتبين لنا أن الشيخ ابن امشيش كان شيخا للتصوف وصاحب طريقة منظمة أركانها الورع وحسن النية...إلخ. والشيخ ابن بشيش هو الذي أعطى للتصوف المغربي صبغته الاستقلالية عن التصوف الشرقي، بالرغم من كونه درس على يد أئمة التصوف التابعين كأبي مدين وغيره فإنه لم يسلك مسلكهم(1). بل خالفهم وحاول التمييز عنهم.
واستكمل تلميذه أبو الحسن علي بن عبد الجبار الحسني الإدريسي الزريولي الملقب بالشاذلي(2) الذي تلقى دراسته بفاس عن ابي حرازهم ورحل إلى الشرق للبحث عن قطب الصوفية فالتقى بأحدهم في بغداد وهو أبو الفتح الواسطي الذي قال له: " القطب في بلادك فارجع إليه تجده". وعاد إلى بلاد غمارت حيث سأل عنه فدلوه على الشيخ بن بشيش برباطه بجبل العلم. فصحبه ولزمه مدة طويلة أخذ عنه فيها علوم التصوف ولبس الخرقة من يديه(1). وأشار عليه شيخه بعدها بالرحيل إلى شاذلة(2). فارتحل إليها الشاذلي والتقى هناك ببعض الشيوخ كأبي سعيد الباجي(3). وأبو علي النفطي(4). وأبو يوسف الدهماني(5).
1- صور من التاريخ الديني بالمغرب: الطوائف والزوايا ص: 242.مجلة تاريخ المغرب ص: 22.
2- الاعلام: جزء 5ص: 120ورقة مغربية عن الحضارة المغربية في عصر بني مرين ص: 236.
1- المفاخر العلمية في مآثر الشاذلية ص: 8.
2- كتاب أبو الحسن الشاذلي ص: ابن سبعين سلسلة أعلام التصوف ص: 87.
3- أبو الحسن الشاذلي ص:
4- أبو الحسن الشاذلي ص:
5- أبو الحسن الشاذلي ص:
وكلهم تلامذة لأبي مدين الغوث وبعدها رحل إلى مصر حيث استقر بها إلى أن توفي في طريقه إلى الحج سنة 656هـ. ودفن بصحراء عيذاب بقرية حميراء ببلاد الصعيد. وأوصى بالولاية من بعده لتلميذه أبي العباس المرسي.
وتتلخص أفكار الشاذلي في أقواله، ومنها: " لن يصل العبد إلى الله تعالى ومعه شهوة من شهواته. أو مشيئة من مشيئاته. ولن يقصد هوى نفسه حتى يأخذها بالقوة شدة المجاهدة. إلى أن يدللها تدليلا. ويروضها على نسيان ذاتها فيقف عند حد الذل إلى الله تعالى(6) ويقول: " ليس هذا الطريق بالرهبانية ولا بأكل الشعير والنخالة ولا ببقبقة الصناعة. وإنما هو بالصبر على الأوامر. واليقين في الهداية. وجعلناهم أمة يهدون لأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون." (7)
وكان الشاذلي مع زهده يلبس من الثياب أحسنها فدخل عليه يوم فقير وعليه ملابش شعر فلما فرغ الشاذلي من كلامه دنا منه ذلك الفقير وقال له بعد أن أمسك بملابسه: " يا سيدي ما عبد الله بهذا اللباس الذي عليك ؟ " (8) فأمسك الشاذلي للفقير بملابسه فوجد فيها خشونة فقال له: " ولا عبد الله بهذا اللباس الذي عليك! لباسي يقول للناس أنا غني عنكم فلا تعطوني ولباسكم يقول: أنا فقير إليكم اعطوني."
وأقوال الشاذلي كثيرة في هذا المعنى وتدل على اعتداله في التصوف ومزاوجته بين العمل للدنيا والعمل للآخرة. واعتداله هو الذي جعل طريقته تحظى بالقبول من طرف أغلب الأمم الإسلامية من مشارق الأرض إلى مغاربها وانتشرت على حساب الطريقة القادرية التي أصبحت عبارة عن طوائف خرجت عن ظاهر الشرع. وأحسن دليل على ما حضيت به طريقة الشاذلي هو وصولها إلى أندونيسيا وجزر سيلان والملايو.
6- أبو الحسن الشاذلي ص:
7- أبو الحسن الشاذلي ص:
8- لطائف المنن ص: 114
وقد شهد بالفضل والتفوق بطريق القوم مع التزامه بالكتاب والسنة حتى أن بعضهم رفعه إلى مقام الشيخ عبد القادر الجيلالي كقول محمد المغربي:
الشاذلية قادرية وقتهم قد خصصوا بالعلم والعرفان نهموا ما قد علاهم منه من نور معرفة وعلم وبيان(1).
بل هناك من رفعه على مقام الجيلاني كما روى عن شمس الدين الحنفي أنه قال: " أطلعني الله على مقام سيدي عبد القادر وعلى مقام سيدي أبي الحسن الشاذلي فوجدت مقام أبي الحسن الشاذلي أعلى من مقام سيدي عبد القادر. وذلك لأن سيدي عبد القادر لما سئل عن شيخه قال: أما فيما مضى فسيدي حماد الدباس وأما الآن فأنا أستقي من بحرين: بحر النبوة وبحر الفتوة. يعني بالأولى نبوة محمد(صلعم). وفي الثانية علي بن أبي طالب (ض) ولأن سيدي أبي الحسن لما سئل عن شيخه قال: أما فيما مضى فسيدي عبد السلام بن بشيش وأما الآن فأنا أستقي من عشرة أبحر خمسة أرضية: النبي[img]style_images/1/p1.gif'>أبو بكر، عمر، عثمان وعلي. أما السماوية فجبريل وميكائيل وعزرائيل وإسرافيل والروح "(1).
وقد ألف الشاذلي 22 حزبا في التسول والتلطف والاستغفار والتجلي وما إغلى ذلك. وهذه الأحزاب هي عمدة الطريقة الشاذلية واجب تلاوتها على كل شاذلي وقد حافظت عليها كل الطرق التي تفرعت عن الشاذلية كالجزولية والزروقية.
وقد نشر الطريقة الشاذلية تلامذة الشاذلي وهم: أبو العباس المرسي وأبو عبد الله المغربي وغيرهم. وقد بلغت تعاليم الشاذلي أوجا على يد الجزولي الذي رسخها في المغرب حتى أصبحت الطريقة المعمولة بها في هذه البلاد بعد المذهب المالكي في الفقه والعقائد والأشعري في التوحيد مع العلم بأن طريقة الشاذلية تابعة لأبي القاسم الجنيد. وقد قال عبد الواحد بن عاشي:
1- المفاخر العلمية في مآثر الشاذلية ص: 6
" وفي عقد الأشعري وفقه مالك **** وفي طريقة الجنيد السالك"(2)
والجزولي هو محمد بن عبد الرحمان بن أبي بكر بن سليمان بن سعيد بن يعلى بن يخلف بن موسى بن علي بن يوسف بن عيسى بن عبد الله بن جندوز بن عبد الرحمان بن أحمد بن حسان بن اسماعيل بن جعفر بن عبد الله بن الحسن المثلث بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي(ض)(3). ومن خلال هذه السلسلة يتضح أن الجزولي كان شريف النسب ونسب إلى جزولة وهي قبيلة من سملالة وهي قبيلة عبد الله بن ياسين أيضا.
وقد درس الجزولي بمراكش وفاس على شيوخ عصره وأخذ الطريقة الشاذلية عن الشيخ عبد الله أمغار صاحب رباط قرب أزمور(1). ثم قصد مصر حيث التقى بشيوخ الشاذلية هناك واستكمل عندهم ما نقصه من مبادئ الطريقة ثم رجع إلى المغرب واستقر بأفوغال حيث بنى زاوية هناك وبدأ في نشر طريقته التي أصبحت طريقة مغربية بالمفهوم الحالي للكلمة، فقد نظم الطريقة الشاذلية تنظيما عمليا ومحكما.
وترتكز الطريقة عند الجزولي على: المناداة بالرجوع إلى الكتاب والسنة، توحيد المغاربة تحت طريقة واحدة متجاوزا الخلافات القبلية. التوبة من الذنوب والإكثار من البر والأعمال الصالحة والاقتداء بشيخ عالم بالظاهر والباطن. والتوبة عند الجزولي تسعة علامات: الحسرة. الندامة. الإنابة. الخشوع. التواضع. الابتهال. المداومة على الذكر. الرضى بالقضاء. وحسن الظن بالله(2) وتوفي الجزولي مسموما سنة 869هـ (3) ودفن بآفوغال ثم نقل جثمانه فيما بعد إلى مراكش.
2- اختصار الدر الثمين والمورد المعين في شرح المرشد المعين المقدمة. وكان يدرس في المعاهد
الدينية في كل أنحاء المغرب.
3- الدرر البهية والجواهر النبوية ص: 44.
1-المغرب عبر التاريخ: ج 2 ص: 89.
2- نفس المرجع: ج 2 ص: 190.
3- المغرب عبر التاريخ: ج 2 ص: 89.
وقد ترك الجزولي كتابه دلائل الخيرات في الصلاة على النبي(صلعم) وهو مدة كل مريد جزولي شاذلي، وأصبح يردد أذكاره وأوراده ملايين المسلمين من أتباع الجزولي على مر السنين وقد حمل عبء الإصلاح ونشر الطريقة تلامذة الجزولي العديدون الذين تخرجوا من زواياه المنتشرة بسلا وتلمسان وفاس وزرهون ومكناس وأنماي ومراكش وماسة وأنشأوا الزوايا وكانت لهم طرق تفرعت عن الطريقة الأم - الجزولية الشاذلية- وكان من أهم تلاميذ الجزولي الشيخ عبد العزيز التباع الذي لقن الطريقة بدوره للشيخ عبد الكريم الفلاح الذي من تلامذته الشيخ أبو القاسم الزعري وأبو محمد عبد الله الغزواني وعمر الخطاب وكان من تلاميذ: الفلاح الشيخ القطلي ومن تلاميذ الزعري الشيخ أبو عبيد الشرقي ومن تلاميذ عمر الخطاب عبد الرحمان المدوب.
وكان الشيخ الغزواني أكثر هؤلاء الشيوخ اتباعا. وأغلب الطرق الجزولية بالمغرب متصلة به ومنها طريقة الشيخ مولاي أبي الشتاء الخمار دفين فشتالة.
وقبل أن ندخل في الكلام على هذه الطريقة وصاحبها يجذر بنا أن نشير أن التصوف المغربي انقسم إلى فرعين أصلهما الطريقة الشاذلية الجنيدية. وهذين الفرعين هما الجزولية والزروقية المنسوبة لسيدي احمد زروق البرنصي الفاسي دفين طرابلس بليبيا.
الفـصـل الأول
1 – الألقاب التي اشتهر بها الشيخ أبو الشتاء الخمار:
لقد اشتهر الشيخ مولاي أبو الشتاء الخمار بهذا الاسم والذي ما هو في الحقيقة إلا لب أطلق عليه فغلب على اسمه حتى اشتهر به، وجعل أغلب الناس يعتقدون أنه اسمه. وهذا اللقب تميز به الشيخ أبو الشتاء عن باقي الأعلام الربية، لأنه أول من حمله من العرب القدماء والمحدثين. وقد أطلق عليه إثر كرامة حدثت له عندما كان ضيفا على صاحبه الشريف سيدي عبد الرحمان بن ريسون بزاويته بتازروت من جبل العلم بقبيلة بني عروس. فقد جاء في المناقب(1) أن الشيخ أبا الشتاء كان عند صاحبه الشريف سيدي عبد الرحمان بن ريسون لما أصاب الناس الجفاف فأتوا الشريف سيدي عبد الرحمان(2) يستمطرونه بدعائه لهم وكان فيهم مجاب الدعوة، فقال له: " اذهبوا ألى محمد ابن موسى وكان ذلك هو اسم الشيخ أبي الشتاء وأمسكوا(3) بتلابيبه ولا تطلقوا منه حتى يستمطر لكم " ففعلوا ما أمرهم به ذلك الشريف واستمطر الشيخ سيدي محمد له فسقاهم الله غيثا نافعا من حينهم، فأطلقوا عليه لقب أبو الشتاء أي صاحب الشتاء، وكانت تلك عادة المغاربة يكنون كل واحد بما اشتهر به من علامة أو فعل أو غيره.
وهناك خبر آخر يقول بأن البلاد أصابها جفاف مفرط فقصد سكان الجبل سيدي عبد الله بن حسون الخالدي السلاسي ولي قبيلة سلاس وسيدها. وسألوه أن يستسقي لهم الله فدلهم على سيدي محمد بن موسى، وكان لا يزال حديث عهده بجبل آمركو من قبيلة فشتالة. فذهبوا إليه، وسقاهم الله على يديه.
1- سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بمدينة فاس ج1 ص:145.
2- المناقب ص: 159.
3- مرآة المحاسن بأخبار الشيخ أبي المحاسن ص: 232.
وهناك خبر آخر شبيه بهذا يقول بأن سيدي عبد الله بن حسون الخالدي أخبر السلطان الأكحل ملك فاس بكون الشيخ محمد بن موسى نزيل آمركو بفشتالة مجاب الدعوة فلعل الله يمطر عباده على يديه. فأرسل السلطان في طلب الشيخ محمد ابن موسى، فلم يجب دعوة السلطان معبر عن ذلك بانشغاله بعبادة ربه، فرحل السلطان بنفسه نحو قبيلة فشتالة فالتقى به الشيخ محمد بن موسى على ضفة نهر سبو وطلب منه السلطان أن يصلي بهم صلاة الاستسقاء، ويطلب الله ليرحم عباده، ففعل الشيخ ما أمر به، ورفع يديه إلى السماء قائلا: " اللهم إن السلطان الأصغر يسألك أنت السلطان الأكبر المطر لعبادك".
فما أكمل دعاءه حتى تلبدت السماء بالغيوم ونزلت مطرا منهمرا والسلطان لم يكد يدخل فاس.
ولا يزال إلى اىن المكان الذي التقى فيه الشيخ سيدي أبو الشتاء بالسلطان الأكحل يحمل اسم" الحجرة الشريفة" وهو على ضفة نهر سبو بين اشراكة واولاد جامع. وهو شاهد على وقوع هذه الكرامة بذلك المكان. وقد عم خبر الكرامة المغرب حتى عرف الشيخ سيدي محمد بن موسى بلقب أبو الشتاء.
وتقول الأخبار أن الشيخ أبا الشتاء لما رجع إلى فشتالة أرسل إلى الشيخ عبد الله بن حسون أنه لم يكن عليه أن يفضح سر ولايته إلى السلطان، والجفاف كان عقابا من الله لأمته التي حادت عن النهج المستقيم. وقال له أن " إن عصفورين لا يسعهما عش واحد ولا بد لأحدهما أن يغادر". فأجابه الشيخ عبد الله بن حسون: " إنك ضيف علينا ونحن أصحاب البلاد فنحن نغادر وأنتم تبقون". وخرج الشيخ بن حسون من بلاده متتبعا ورغة إلى أن توقف على شاطئ البحر بالمكان المدفون به الآن بمدينة سلا حيث بنى هناك زاوية له واجتمع عليه الاتباع والمريدون من تلك البلاد. وعاش بقية حياته هناك...
إن الخبر الأخير الذي يفيد بأن الشيخ أبا الشتاء اتصل بالسلطان الأكحل عند سبو خبر قريب جدا من الصحة، لأنه ثيت في تاريخ الدولة السعدية أنه كان هناك سلطان يلقب بالسلطان الأكحل وهو السلطان أبو عبد الله محمد المتوكل على الله بن أبي محمد عبد الله الغالب بالله السعدي. وفترة حكمه كانت بين 981 هـ و 983 هـ، وكان ملكا بفاس بينما كان آباؤه ملوكا بمراكش، مما يجعل قولة الشيخ بن حسون لأبي الشتاء: " أنت ضيف علينا" تكون شاهدة على حداثة نزول الشيخ أبي الشتاء بفشتالة.
وقد يقول قائل لماذا لم يدون المؤرخون لقاء الشيخ أبي الشتاء الخمار للسلطان المتوكل كما فعلوا عندما دونوا خبر لقاء والده بالشيخ أحمد بن موسى السملالي(2). أو بالشريف سيدي علال الحاج البقال الأغصاوي الحسني(3). نقول لأن فترة امتوكل كانت مليئة بالفتن، ولم يكن قد أحرز في حكمه على المصداقية الكاملة، لأن العلماء والعامة كانوا مع عميه الذين كانا يطالبانه بالملك الذي كان من حقهما. فكيف يدونان أخباره وهم لا يعترفون بملكه ولا بايعوه عن طيب خاطر كما يجب أن تكون البيعة الشرعية. ثم إن فترة حكم هذا السلطان كانت فترة قصيرة لم تتعدى ثلاثة سنوات، وهي فترة لم تعرف من الأحداث إلا الفتن والقلاقل.
أما عن الشطر الثاني من لقب الشيخ سيد أبي الشتاء وهو كلمة " الخمار" فإن له علاقة باللقب الأول وأطلق عليه لنفس السبب الأول أي كونه كان سببا في حصول المطر وكونه بلل الناس بالمطر بعد أن كاد يهلكهك الله بالجفاف، وسكان الجزء الشمالي من المغرب يقولون: " مخمر للرجل المبلل بالماء، والخمار للمبلل والفعل هو بلل". وهناك مثل جبلي من المنطقة يقول: " للي يدخل للواد يخمر رجليه(1)".
2- الاستقصا لأخبار دول المغرب الإقصى ج 5 ص: 58.
3- دوحة الناشر لمحاسن من كان بالمغرب من مشايخ القرن 10ص: 40.
1- الأرشيف الربربري ج 2 ص: 252.
أي من دخل الواد فسوف يبلل رجليه. ويقولون لمن بلله المطر " خمرته الشتاء".
وهذه اللهجة قريبة جدا من لغة العرب القدماء، والذين جاء على لسان أحدهم في التلبية:
" لبيك يا معطي الامر **** لبيك عن بني النمر
جئناك في العام الزمر **** نأمل غيثا ينهمر
يطرق بالسيل المر"(2).
والسيل الخمر هو المطر المنبت للشجر الكثيف.
وهناك خبر آخر يجعل سبب هذا اللقب هو أن الشيخ سيدي أبي الشتاء كان مرة بزيارة ضريح الشيخ مولاي عبد السلام بن بشيش وبينما هو نائم يوما في الضريح إذ رأى وكأنه يتوضأ عند العين التي هناك، إذ جاءه مولاي عبد السلام من الوراء وألقى به في العين، فقال له سيدي أبي الشتاء: " ماذا فعلت بي يا شيخ لقد خمرت ثيابي؟!" فقال له الولي: " اذهب فأنت الخمار المخمر العامر المعمر." (3 ) ولما أفاق الشيخ سيدي أبو الشتاء وجد نفسه في حالة جذب فترك جبل العلم وخرج يصيح أنا الخمار أنا الخمار، فاشتهر لذلك بهذا اللقب أيضا. ومن ثم أصبح الشيخ سيد أبو الشتاء الخمار ولي المطر بالمغرب يقصده الناسمن كل حدب وصوب أيام الجفاف للاستقصاء، وفي الخريف من كل عام تتبعه وفود تضم من مائتين إلى ثلاثمائة شخص نحو زاوية الشيخ مولاي أبي الشتاء من كل أنحاء المنطقة الشمالية وحتى من الغرب والشرق والداخل كذلك وقبائل من الأطلس جادة في الوصول إلى ضريح الشيخ التماسا وطلبا لبركته وحتى يكون العام الفلاحي المقبل عاما جيدا بسقوط الأمطار في وقتها.
2- الحياة العربية من الشعر الجاهلي: ص: 402-401.
3- رواية الشرفاء الصافيين. الأرشيف البربري ج 2 ص: 252.
ومن أشهر القبائل التي لا تزال تحافظ على هذه العادة على سبيل المثال لا الحصر قبائل عرب أنكاد وبني يزناسن وبني كيل ومرنيسة وتسول وغياثة وصنهاجة وبني مطير وبني سادن وآيت يوسي وأيت سغروشتن وزيان وزمور وكروان وحياينة ومهاية وشراكة وزرهون وقبائل الغرب وشراردة وبني مزكلدة ومصمودة وبني ورياكل وبني مستارة ومن أقصى الشمال قبيلة بني حسان وغيرهم من القبائل المغربية.
وقد وصف مولييراس كيف تتجه وفود القبائل إلى زاوية مولاي أبي الشتاء في كلامه على قبيلة بني زروال وفي كلامه على زيارة الأولياء بالمغرب. فقال في حديثه عن القبيلة الأولى: " محمد بن الطيب استقبل استقبالا حسنا من طرف هؤلاء الشباب ولم يبق إلا ثلاثة أيام بالقليعة، وعلم أن وعدة ستساق لضريح مولاي أبي الشتاء الخمار، فذهب مع جملة من الطلبة." (1 ).
وقال في حديثه عن زيارة الأولياء: " أن في فصل الخريف تتجه وفود مكونة من مائتين إلى ثلاثمائة شخص إلى أهم أضرحة الأولياء بالمغرب. منهم من يتجه إلى ضريح المولى عبد السلام بجبل العالم ومنهم من يتخذ ضريح الشيخ المولى أبي الشتاء الخمار بفشتالة... ومنهم من يقصد ضريح سيدي علي بن داود بمرنيسة(1)" ومن خلال هذه الفقرة بأكملها يتضح أن الكلام كان على قبيلة صنهاجة الواقعة قرب مرنيسة بناحية تازة.
وتظل قبيلتي اولاد عيسى بناحية فاس وقبيلة بني حسان بناحية تطوان أهم القبائل التي لا تزال تحافظ أكثر على هذه العادة القديمة، والتي تشهد على حدوث كرامات الشيخ سيدي أبي الشتاء وتشهد على علاقة لقبه بهاته الكرامات.
أصل الشيخ سيدي أبي الشتاء :
إن المؤلفين الذين تعرضوا لذكر الشيخ مولاي أبي الشتاء في مؤلفاتهم أو ترجموا له، يجعلونه على سبيل الظن " شاويا" " يقال أن اسمه محمد بن موسى وأنه شاوي النسب(2)" إلا أن الكاتب الفرنسي ليفس بروفونصال والذي أخذ معلوماته عن ممتع الأسماع وعن بعض الروايات المحلية. قال بعد أن جاء بتعريف ابن الفاسي بأن القبيلة التي ينتمي إليها الشيخ أبو الشتاء هي " قبيلة بني يعلى بالشاوية" (3) دون أن يذكر موقعها ولا من أي فرع هو في القبيلة.
ونسب الشيخ سيدي أبي الشتاء في إحدى المخطوطات بزاويته إلى بني هلال هكذا: " محمد بن موسى الهلالي شهر بشتواني"(4) وفي هذا التعريف نسبتين الأولى كونه منسوب لبني هلال- وهذا التعريف يتفق التعريف الأول لأن قبائل الشاوية كما ذكره ابن خلدون عرب من ولد حسان بن أبي سعيد الصبيحي من سويد إحدى قبائل بني مالك بن زغبة الهلاليين، دخلوا إلى المغرب على عهد السلطان يعقوب بن عبد الحق المريني.
والتعريف الآخر كونه شهر " بالشتواني " أيضا فيه نسبة فإما أن يكون نسب إلى كراماته والتي منها لقبه أبو الشتاء، وهذا هو القول الغالب والراجح. وإما أن يكون نسب إلى مكان يدعى إلى شتوان، وقد وقفت على قرية خارج تلمسان بستة كلمترات تدعى بشتوان. كما أنه يوجد بالمغرب بناحية مدينة تطوان ضريح سيدي احمد شتوان ويحمل المنتسب إليه لقب شتواني وهو منتسب إلى البيت الإدريسي. ولا أعلم بوجود علاقة بين أبي الشتاء وهذا. إلا أن يكون الشيخ مولاي أبي الشتاء ينتسب إلى شتوان التي خارج تلمسان جاء جده منها برفقة عرب الشاوية على العهد المريني.
2- المناقب ص: 159ممتع الأسماع في أخبار الجزولي والتباع وما لهما من الأتباع ص: 117.
سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بمدينة فاس ج 1 ص: 145.
3- الأرشيف البربري: ج 2 ص: 251.
4- مخطوطة لزاوية مولاي بوشتى بيد شريف سيدي احمد بن ادريس الصافي.
والتابث هو أن اسم الشيخ مولاي أبي الشتاء الحقيقي هو محمد بن موسى، ولقب بالشاوي قيل أن والده سيدي موسى استوطن هذه القبيلة بعد أن كان راجعا من فاس حيث كان يدرس بجامعها القرويين. فمر على قبيلة الشاوية في طريقه إلى بلاده، وطلب منه السكان أن يبقى معهم ليعلمهم أمور دينه وليحكم بينهم في النزاعات ويتبركوا به، ففضل البقاء معهم وتزوج منهم، واستقر بفخدة العلاليش من قبيلة اولاد سعيد التي بناحية سطات ولا يزال ضريحه إلى الآن محل زيارة واحترام وتقدير، ورزق سيدي موسى بأولاده الثلاث: عمرو ومحمد والقاسم.
وذهب ابنه محمد إلى فاس ليدرس بها، والتقى بالشيوخ وكان إذا سئل عن قبيلته ونسبه يجيب بأنه شاوي، فصار له لقبا. ويرقى نسب الشيخ مولاي أبي الشتاء الخمار سيدي محمد ابن موسى من خلال هذه الزاوية وهو قول ضعيف الولي الشهير والقطب الكبير الشريف العلمي سيدي احمد الركائبي صاحب بلاد الساقية الحمراء، والمدفون بالقرب من سمارة، وهو جد الشرفاء من الرقيبات. وأغلب المؤرخين متفقون على أن سيدي احمد الركائبي من ذرية المولى عبد السلام بن بشيش أهمهم: العلامة محمد بن القاسم بن زاكور صاحب الاستشفا من الألم في التلذذ بمآثر صاحب العلم(1 )، وعلي بن احمد بن قاسم مصباح صاحب أرجوزة من نسب مولاي عبد السلام وأشراف العلم(2)، والأستاذ عبد العزيز بن عبد في مقاله" مغربية الصحراء في أطوار التاريخ" (3)، فصاحب كتاب " الساقية الحمراء ووادي الذهب" (4)، كما جاء هذا النسب في الموسوعة المغربية(5).
1- الاستشفا من الآلام بالتلذذ بمآثر صاحب العلم . مخطوطة.
2- أرجوزة في نسب مولاي عبد السلام بن بشيش. مخطوطة.
3- مجلة الصحراء المغرب عدد 56ص: 5.
4- الساقية الحمراء ووادي الذهب الجزء الأول ص: 115.
5- الموسوعة المغربية- معلمة الصحراء ملحق واحد. ص: .144
ومعلوم بأن الشرفاء تفرقوا في البقاء على عهد الفتان موسى بن أبي العافية المكناسي الصنهاجي. فمنهم من ذهب إلى الصحراء ومنهم من ذهب إلى أعالي الجبال ومنهم من فضل العبور للأندلس وغير ذلك وقد ذكر السيوطي: " أنه خرج من فاس سبع مائة رجل من الشرفاء الفارين إلى جبال غمارة، وإثني عشر رحيل إلى جبال تادلة وسبعة رحال إلى فيكيك وأربعة إلى سجلماسة( تافلالت) وعشرة إلى سوس الأقصى، وأربعة رجل إلى دكالة وأربعة إلى تامسنا ( بين الرباط وسطات) وسبعة إلى وطاط وسبعة إلى واد عزة وثمانية إلى الساقية الحمراء، وعشر رحال إلى الأندلس(6).القول الثابت والراجح في نسب الشيخ أبي الشتاء هو كونه ينتسب إلى جد قبيلة اولاد سعيد أحفاد سيدي اسعيد جد شرفاء تامسنة(1) " الشاوية" وسيدي اسعيد هذا هو ابن محمد بن داود بن عمر ابن محمد بن عبد الرحمان الشريف بن علي الملقب بيعلى والذي منه أخذوا لقبهم بني يعلى. وهو دفين حومة الطالعة بفاس ابن إسحاق دفين حومة مصمودة بفاس أيضا ابن مولاي احمد دفين روضة الأشراف الأدارسة بجراوة بفاس أيضا ابن الإمام محمد ابن الإمام المولى ادريس الثاني مؤسس فاس ابن الإمام ادريس الأول قطب زرهون. وكان سيدي عبد الرحمان الشريف على عهد الثائر موسى بن أبي العافية فارا بالأندلس ثم استقر بفجيج ثم انتقل إلى فاس. وخلف سبعة أولاد وهم عيسى وعبد الله منصور، محمد احمد عبد الرحيم وكثير ومن هؤلاء الفروع انحدر الشرفاء الودغيريون بكل فروعهم بما فيهم الحموميون والجماليون البدراويون والخليفيون وأولاد الفشوش وشرفاء اولاد سعيد وغيرهم ومن سيدي محمد ابن عبد الرحمان انحدر سيدي اسعيد جد سيدي موسى والد الشيخ مولاي أبي الشتاء الخمار. وسيدي موسى مدفون بقبيلة اولاد سعيد فخدة العلاليش بالقرب من سوق الجمعة فوكو.
6- سلسلة الأصول في شجرة أبناء الرسول ص: 36.
1- المصابيح البشرية في أبناء خير البرية ص: 147-146.
وقبره عليه ضريح يقصده الزوار من المنطقة وقد ذكر ليفي بروفنصال(2) نقلا عن ابن الفاسي أن سيدي أبا الشتاء ينتمي إلى الشاوية وإلى عائلة بني يعلى وبني يعلى هؤلاء هم الشرفاء بقبيلة اولاد سعيد والمنحدرين من سيدي يعلى والي سيدي عبد الرحمان الشريف جد الشرفاء الودغيريين الحسنيين وقد أشار إلى شرف الشيخ أبي الشتاء من المؤلفين الجدد الفرنسي ليفي بروفنصال(1). والإسباني أورياطي(2) الذين قالا بأنه شريف علمي ينتسب إلى مولاي عبد السلام بن بشيش كما ذكر نسب الشيخ أبي الشتاء وشرفه العلامة أبو عبد الله محمد بن عبد القادر بن سودة في إحدى مؤلفاته.
وهناك أقوال أخرى في نسب مولاي أبي الشتاء أهمها كونه من عائلة سيدي احمد بن موسى السملالي، مع العلم بأنه ليس هناك قول فاصل في نسب سيدي احمد بن موسى السملالي فهناك من يقول أنه من أبناء الحسن المثلث بن الحسن المثنى بن الحسن الصبط، كالحضيكي(3) والمختار السوسي(4) وهناك من يقول بأن سملالة من أبناء المولى أبي القاسم ادريس حفيد المولى عبد الله بن ادريس الثاني باني فاس وهو قول البكري(5)، وهناك قول آخر يجعلهم من الشرفاء السليمانيين التلمسانيين أهل عين الحوت.
وجعل الكاتب بول باسكون سيدي احمد بن موسى السوسي من أصل علمي قدمت أسرته من جبل العلم ببني عروس إلى السوس(6).
2- الأرشيف البربري ج 2 ص: 251.
1- الأرشيف البربري ج 2 ص: 256.
2محاضرات حول الطرق الدينية بجبالة وطوائف الشرفاء والزاوية والأضرحة ص: 10.
3- المناقب ص: 4.
4- م إلى قديما وحديثا ص:
5- تاريخ البكري ص: .163
6- بيتيي تانييغ ص: 58.
وهناك من يجعل الشيخ مولاي أبي الشتاء من عائلة سيدي احمد بن موسى دون ذكر نسبته، وقد يثبت هذا القول إلا أنني وجدت أن من يحمل أحمد بن موسى من الأولياء والذين هم أدارسة الكثير أهمهم سيدي احمد بن موسى الإدريسي صاحب زاوية كرزاز بتوات والذي عاش في نفس الفترة التي عاشها الشيخ سيدي أبو الشتاء، فقد أخبرني الشيخ الفقيه سيدي محمد حسوني بن شيخ الزاوية الكرزازية بواد الساورة أن دهم سيدي احمد بن موسى قدم من الجنوب المغربي وأنه علمي ادريسي النسب.
وقوله هذا جعلني أشك بوجود علاقة نسب بين ولي كرزاز بالجزائر وولي المغرب صاحب فشتالة، مع العلم بأن هناك خبر إلا أنه ضعيف يقول بأن الشيخ أبا الشتاء قدم من توات وبالضبط من زاوية كرزاز(1).
زيادة على هذا فإنه كان بتلمسان بجبل بن ورنيد في مدشر بني ادريس ولي فقيه وعالم، وكان تلميذا للعلامة سيدي احمد بن الحاج وهو الشريف سيدي احمد بن موسى الادريسي " تبعد الخمسين وتسع مائة للهجرة" (2) أي في نفس التاريخ أبي الشتاء وقد يكون هذا هو المقصود به مع العلم أن سيدي احمد الصافي الادريسي بمنطقة بني صاف التي كانت تابعة بولاية تلمسان، وكذا وجود بعض أحفاده بقرية العلوية القريبة من تلمسان هذه قرائن توحي بوجود رابطة بين هذا الفرع الشريف والله أعلم.
إن سبب الاختلاف الحاصل في نسب مولاي أبي الشتاء راجع إلى كون أهم شيوخ تصوف القدماء لم يكونوا يعيرون أي اهتمام لشرف النسب، فلا المولى عبد السلام ولا الشاذلي ولا الجزولي ركزوا في أحوالهم على الشرف والاهتمام به.
1- رواه لي الشريف سيدي عبد الوهاب بلغزواني القاسمي الصافي.
2- البستان في ذكر أولياء تلمسان ص:
زيادة على أن الشرف كان في تلك العصور قليل الأهمية نظرا لأن الأسرة المالكة كانت من أصول بربرية فلم تكن تعبر شرفاء عناية ولم تكن تعين لهم ظهائر التوقير والاحترام.فقضية الشرف لم تظهر إلا في عهد الوطاسي وزادت على عهد السعديين يعدون من الشرفاء. ثم إن سلسلات أصول الشرفاء في المغرب دخل عليها التغييروأصابها الغموض والاختلاط نظرا للفتن التي كانت تحيط به من مرة لأخرى، ثم الجهل الذي كان ينتشر في المناطق التي كان يوجد بها هؤلاء الشرفاء مما يحول بينهم وبين حفظ أنسابهم وتقييدها، لذلك لم تسلم أية أسرة شريفة بالمغرب من الذم والتشكيك في صحة نسبتها إلى الرسول[img]style_images/1/p1.gif'>. حتى الأسر الشهيرة منها بل لم يفلت من ذلك التشكيك حتى مولاي ادريس الثاني نفسه الذي حاول العباسيون التشكيك في صحة نسبه بإيعازهم إلى ابن الأغلب(1) خليفتهم على تونس في أن يزرع خبر عدم صحة انتسابه إلى النبي[img]style_images/1/p1.gif'>. كما تعرض لذلك التشكيك الإمام الشاذلي(2).
دراسة الشيخ أبي الشتاء وشيوخه:
عند دخول الشيخ مولاي أبي الشتاء إلى فاس اتصل بالشيخ الحافظ علي احماموش(3 ) فبقي معه خمسة سنوات حفظ عليه فيهما القرآن بقراءاته السبع الشهيرة وأجاز له فيها ثم دله على الفقيه أبي البقاء عبد الوارث الياصولتي(4)، وكان ساكنا بفاس إذ ذاك، فصحبه وأخذ عنه رسالة ابن أبي زيد في الفقه والمباحث الأصلية ورائية الشريشي في التصوف، والمعاملات، وكان أبو البقاء الياصولتي قد أخذ عن أبي النجا سالم الروداني الشاوي والشيخ أبي عبد الله السهلي الصغير، والشيخ عبد الله الغزواني وعليه كان اعتماده في التصوف.
1- مجلة صحراء المغرب ص: 72-71.
2- شكك الإمام شمس الدين الذهبي في نسب الإمام الشاذلي في كتابه.
3- ممتع الأسماع في أخبار الجزولي والتباع وما لهما من الأتباع ص:
4- مرآة المحاسن بأخبار الشيخ أبي المحاسن ص:
ثم اتصل الشيخ سيدي أبو الشتاء بالشريف العلامة سيدي علي الحاج البقال الحسني ثم الافماوي ببلاده الحرايق، فبقي عنده أكثر من ثلاث سنوات أخذ عنه فيها الحديث وعلومه وكان لسيدي علي سند في الحديث(5)، كما أخذ عنه أيضا الطريقة الزروقية. وبعد إجازة سيدي علال الحاج بأبي الشتاء في الحديث ورجع الشيخ أبو الشتاء إلى فاس فاستقر بخلوته المعروفة الآن بجارة قيس قبالة الدرب الطويل(1). ومن أخذ عنه أيضا في هذه الفترة الشيخ أبو محمد عبد الله الغزواني صاحب القصور دفين مراكش. وبعد ذلك ذهب الشيخ أبو الشتاء لأداء مناسك الحج وبقي هناك عدة سنوات التقى فيها بشيوخ عصره هناك. ثم رجع إلى فاس ومنها اتجه إلى الشمال حيث استقر.
وفاة الشيخ أبي الشتاء وعقبه وأمور الزاوية من بعده:
توفي الشيخ مولاي أبي الشتاء الخمار سيدي محمد بن موسى الشاوي الإدريسي ضحى يوم الأربعاء حادي عشر شوال عام سبعة وتسعين وتسع مائة للهجرة(2) الموافق عشرون من نونبر 1588م أو العاشر من نونبر 1589م(3). وقد قام بغسله صاحبه الفقيه سيدي محمد الحاج البقال وقام بالصلاة على جنازته الفقيه أبو سالم ابراهيم الجناتي، ودفن بزاويته المعروفة بفشتالة(4). وتاريخ وفاته ومكان دفنه متفق عليه.
5- درة الحجال في أسماء مشاهير الرجال ج 3ص: 256.
1- سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس ممن أقبر من العلماء والصلحاء بمدينة فاس ج 1 ص: 146.
2- نفس المرجع السابق ج 1 ص: 146.
3- مدن وقبائل المغرب ج VII ص: 334 طنجة ونواحيها الأرشيف البربري ج 2 ص: 258.
4- سلوة الأنفاس في من أقبر من العلماء... ج 1 ص: 146. ج 2 ص: 42.
وتنسب للشيخ أبي الشتاء كرامة تتعلق بدفنه وهي أنه بعد وفاته، دفنه أصحاب قبيلته الفشتاليون بزاويته هناك وكانت للشيخ أبي الشيخ زاوية أخرى بزغيرة في قبيلة بني مزكلدة والتي كان سكانها يعظمونه ويحترمونه، فلما لغهم خبر وفاته ودفنه بفشتالة، أعدوا العدة من الرجال والسلاح ليلا وفاجؤوا الفشاتلة ونبشوا قبر الولي وأخذوا جثته وقيل وجدوها كما هي لم تتغير بعد وذهبوا بها إلى زغيرة حيث دفنوها بزاويته هناك، ولما علم الفشتاليون بالخبر استعدوا لمهاجمةالمزكلديين وباغثوهم وأخرجوا جثة الولي وكان كأنه نائم، وأرجعوها إلى مكانها بزاوية فشتالة، ولما علم المزكلديون بذلك أرادوا جمع العدة واسترداد الجثة، فرأى كبارهم وشيوخهم مناما الشيخ أبا الشتاء يقول لهم: أنه بزغيرة كما هو بفشتالة، ومن أراد الزيارة تبركا به فعليه بزيارته بفشتالة، ومن أراد الزيارة للنزهة فعليه بزاويته بزغيرة(1). ولما حكى المزكلديون ما رأوه وجدوا بأن شيوخ الفشاتلة نفسهم رأوا مثل ذلك المنام.(2). ومن ذلك الحين والزاويتين تحضيان باحترام واسع من طرف السكان المحليين وجيرانهم إلا أن العداوة بين الفشاتلة والمزكلديين لم يمحها ذلك المنام ولا الزمان.
وهناك أضرحة وقبور أخرى بالمغرب تنسب للشيخ مولاي أبي الشتاء أهمها ضريحين بقبيلة بني زروال الجبلية، واحد شمالها بمدشر بني يدر قرب وادي تاسرافت(3). من فرقة بومعان. والضريح الثاني بمدشر تازغدرة(4). ويقول سكان القبيلة بأن الأول قبر سيدي موسى بن محمد الشاوي المكنى بأبي الشتاء، وأنه مدفون به.
1- فرقة من بني مزكلدة سها سكنى للشيخ أبي الشتاء وزاويته وعدة أراضي فلاحية وحدائق أشجار
البرتقال والذي يعتبر أحسن أنواع البرتقال بالمغرب على الإطلاق وكلها كانت ملكا للشيخ أبي الشتاء
ورثها عنه أحفاده الشرفاء الصافيون ولهم ظهائر سلطانية تقر تصرفهم بهذه الأملاك.
2- الأرشيف البربري ج 2ص: 255. المغرب المجهول ج 2ص: 12.
3- الأرشيف البربري ج 2ص: 255.
4- قبيلة بني زروال ص: .76
والثاني ضريح سيدي محمد بن موسى الذي يعد عند أهل المنطقة ولدا للشيخ أبي الشتاء وقد احتفظ الصافيون بخبر زواج الشيخ سيدي أبي الشتاء بابنه الزرقي ويذكرون أنها كانت حاملا لما قال لها الشيخ ألا تطل من نافذة بيتها مهما كان الأمر بالغا وكان غائبا عندما كانت حفلة عرس بالمدشر وموكب العروس مار من أمام الدار فأطلت زوجة الشيخ من النافذة، فاجتمع عليها الحائط وعصرها حتى سقط منها الجنين وتوفيت على إثر الحادث وكان الحمل ذكرا ميتا إلا أن سكان المنطقة أصروا أن يسموا ذلك المسقوط موسى على جده وكنوه بأبي الشتاء تيمنا بوالده وبنوا على قبره ضريحا. أما القبر الذي بتزغدرة فهو زاوية فقط لمولاي أبي الشتاء كان يمر بها بعض المرات وقد اعتاد المغاربة أن يسموا أماكن الأولياء ويجعلونها في مرتبة قبورهم ويتبركون بها وهكذا اشتهر من هؤلاء الأولياء الذين لهم قبرين أو أكثر زيادة على الشيخ أبي الشتاء " الشيخ أبو جدين الذي ينسب له قبر بتازة، وهو مدفون بالريف عند قبيلة بني توزين. وكذلك الشيخ عبد الله بن حسون السلاسي الذي له قبر في سلا، كما ينسب له قبر بقبيلته سلاس بجبالة".
لم يترك مولاي أبي الشتاء الخمار ولدا ذكرا ولم يخلف إلا بنتا تدعى لالا عائشة والملقبة بالغزوانية نسبة إلى شيخ والدها أبي محمد عبد الله محمد الغزواني وقد تركها والدها لم تبلغ الزواج بعد وبعذ ذلك عقد عليها عمها الشريف سيدي أبو القاسم بابن عمها وابن أخيه الشريف سيدي أبو حفص احمد الملقب بالصافي ابن أبي العباس الحاج عمرو الحسني. ولا يزال بيد الشرفاء الصافيين أحفاد أبي الشتاء عقد نكاح جدهم سيدي احمد الصافي بابنة عمه لالا عائشة الغزوانية ويرجع تاريخه إلى سنة 1011هـ وقد حضر العقد وأمضاه قاضي فشتالة في ذلك الوقت الفقيه العلمة الشريف أبو القاسم بن احمد الغول الفشتالي. ومما جاء في العقد أن سيدي أبي القاسم يشترط على ابن أخيه أن يسكن زوجته وابنة عمه في دار والدها وأن يتولى أمور الزاوية مكان الشيخ أبي الشتاء والدها وفي ذلك شهادة منه لابن أخيه بكفائته وانتقال أمور الزاوية إلى فرع الضافي وذريته.
وقد أعقبت لالا عائشة من ابن عمها الصافي على ما يتضح خمسة ذكور وذلك هو القول الراجح وهم الخضر والخطيب وعلال والغزواني الفرع الخامس من الشرفاء الصافيين وهو فرع سيدي أبي القاسم وترك ولدا اسمه الطاهر.
وقد أثبت انتساب الشرفاء الصافيين بفشتالة لسيدي الصافي ولأبي الشتاء هذا العقد(عقد الزواج) (1).وهناك ظهير للسلطان المولى اسماعيل(2) ينسبهم للصافي ويعطيهم حق التصرف في زاوية جدهم بفشتالة وزواياها وأوقافه بباقي مناطق المغرب أينما كانت وتعينت وأقدم نقيب لشرفاء الصافيين الشريف سيدي الطيب العليوي الصافي عينه المولى اسماعيل ثم ابنه سيدي محمد بن الطيب، وقد صار باقي السلاطين على نهج مولاي اسماعيل إلى أن كان عهد المغفور له محمد الخامس الذي عين الشريف المرحوم سيدي الخمار بن عبد الوهاب الخضيري الصافي نقيبا على شرفاء الصافيين وعلى عهد السلطان الإمام مولانا الحسن الثاني نصره الله الذي عين على الصافيين ابن عمهم الشريف مولاي محمد بن محمد بن عبد الوهاب الخضري الصافي بظهير يعتبر أحدث ظهير يقر ويثبت الشرف للصافيين ويعترف لهم بالنسبة لأبي الشتاء.
أما عن سيدي احمد الصافي فإنه كان عالما فقيها أخذ طريقة عمه أبي الشتاء عن سيدي محمد الحاج البقال وعن سيدي ابراهيم الجناتي، ودرس في القرويين بفاس وكان محل سكناه على ما يظهر بالطالعة الصغرى في المكان المسمى سويقة بن صافي، ولا تزال هناك دار تسمى " دار سيدي الصافي" وكانت ملكيتها بيد الشيخ المقدم التازي سعود .
1- مخطوطة عقد الزواج على رق الغزالي موجودة بضريح الشيخ أبي الشتاء بفشتالة.
2- ملحق رقم 2 ظهير احمد الذهبي بن السلطان مولاي اسماعيل.
وكان سيدي احمد الصافي إلى جانب علمه وتصوفه مجاهدا ومكانه بسلا على شاطئ البحر لا يزال يدل على مشاركته في الجهاد في تلك الناحية.
والمعروف أن قبر سيدي الصافي لا يوجد مع عمه أبي الشتاء وزوجته لالا عائشة وقد وقفت بالجزائر من قرب من مدينة بني صاف على ضريح سيدي احمد الصافي الإدريسي الذي يقال أنه قدم من المغرب وأصله من شرفاء الساقيهالحمراء ومن ذرية المولاي ادريس الثاني، صاحب فاس. وله بالجزائر ذرية كثيرة في مدينة بني صاف ويحملون لقب بني صافي، وقد تزوج سيدي احمد الصافي بالجزائر من ابنة أحد ولاة الترك على المنطقة وهو القائد احمد بن خليفة ومن زواجه هذا خلف أولاده ابراهيم المدفون بتيغنيف ومحمد المدفون بها أيضا والصافي. فأما ابراهيم فلم يعقب أما محمد فهو جد الشرفاء اولاد سيدي محمد الصافي المدعوون بالصوافي والموجودون بولاية معسكر وعمدتهم الإمام الفقيه الشيخ الصوافي الحاج بن عامر إمام مسجد الحشم. وقد قال لي نظما في مدح سيدي احمد الصافي صاحب بني صاف تناقله أجدادهم ويوضح علاقة الصوافيين أصحاب معسكر بالشرفاء بني صاف:
يا صافي الارياش عول يانا لنيلي يهديك الله روح خاطر بالعنوان
تدي ذا القرطاس للشرفا ولي لي عيد سلامي ليهم جميع الاخوان
معنايا لترايتاه ما جبت تالــي غي لليتباع للجود والاحسـان
معنايا لترايتاه ما جبت تالي عمر وطن بني صاف غير لفلان وفلان
أما الشرفاء أولاد الصافي بابن صاف فأغلبهم بقرية سيدي الصافي بالقرب من ضريح جده سيدي احمد والذي يوجد معه في ضريحه قبر ولده سيدي الصافي، وعمدتهم الشريف سيدي الحاج حمو بن صافي الساكن بني صاف، وقد تفرع عن عائلة بني صاف يوجد بالعلوية قرب سيدي العبد اللي بولاية تلمسان، ووقع ذلك التفرع على عهد الترك ويقام لأجداد الصافيين الثلاثة:
سيدي ابراهيم وسيدي محمد وسيدي الصافي وأبيهم سيدي احمد الصافي مواسم كل سنة فيأتونهم الزوار بالهدايا زيارة وتبركا لشرف انتسابهم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من كل أنحاء الجزائر خاصة من ولاية عين تموشنت وولاية تلمسان وولاية معسكر. بل أن هناك العديد ممن يسمى " بالصافي" تيمنا بهذا الفرع الشريف.
الفصل الثاني
1- طريقة الشيخ مولاي أبي الشتاء الخمار:
تعتبر طريقة الشيخ أبي الشتاء الخمار جزولية شاذلية تلقاها عن الغزواني بالعهد والصحبة في مراكش وقيل بقبيلتهما الشاوية(1).
وكان الشيخ أبو الشتاء قد حصل على علم الظاهر وحصل له الجذب وأراد الحصول على العلم الباطني فكان لزاما عليه أن يصحب شيخا عارفا بالمسالك الموصلة إلى الله وكان ذلك شرطا على كل مريد سالك، حتى قيل " من لم يكن له شيخ فالشيطان شيخه" (2). وقال أبو علي الثقفي " لو أن رجلا جمع العلوم كلها وصاحب طوائف الناس لا يبلغ مبلغ الرجال إلا بالرياضة من شيخ أو إمام أو مؤدب ناصح" (3).
وجاء في النظم:
يصحب شيخا عارفا بالمسالك يقيه في طريقه المهالــك
يــذكــــره الله إذا رآه ويوصل العبد إلى مولاه(4)
وكان شيخ التربية وقطب الصوفية على ذلك العهد الشيخ أبو محمد عبد الله الغزواني فاتصل به الشيخ أبو الشتاء وأخذ عنه سند طريقة الجازولية" فعينه ومكنه" (5) وأدرك أبا الشتاء الجذب فهام علىوجهه إلى أن استقر بفاس".
وقد ذكر المؤرخون " أن صحبة أبي الشتاء للغزواني لم تطل" (6). مع إثباتهم اتصاله به
1- الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى ج 8 ص: 192.
2- مختصر الدر الثمين والمورد المعين على منظومة المرشد المعين ص: 272.
3- نفس المرجع السابق ونفس الصفحة.
4- نفس المرجع السابق ونفس الصفحة.
5- مرآة المحاسن بأخبار الشيخ أبي المحاسن ص:
6- سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس لمن أقبر من العلماء والصلحاء بمدينة فاس. ج 1ص: 145. ممتع
الأسماع لأخبار الجزولي والأتباع وما لهما من الأتباع ص: 73.
وأخذه عنه وذلك " أن الشيخ أبا الشتاء سئلمرة عن شيخه فقال عندي الغزواني" (1).
وإذا ما درسنا مراحل تلقي الشيخ أبي الشتاء للطريقة نجد أنه بدأ مجذوبا ثم سالكا مع الجذب ثم غلب عليه حال الجذب حتى قيل أنه كان " ساقط التكليف" " ومن كبار أهل الأحوال الربانية والجذب ودوام الغيبة" (2) . والجذب مكرمة من الله لنخبه من كبار أوليائه يخصهم بها ويميزهم بها عن غيرهم من أوليائه الذين تقربوا غليه بالسلوك أي بالتدريب والتهذيب. وقد قال في ذلك أبو العباس المرسي مسن شيوخ الشاذلية: الناس على قسمين: قوم وصلوا بكرامة الله إلى طاعة الله . وقوم وصلوا بطاعة الله إلى كرامة الله. فالحال الأول حال المجاذيب. والحال الثاني حال السالكين.(3).
والشيخ أبو الشتاء تقدم لديه الجذب على السلوك ثم غلبت عليه حال الجذب حتى أصبح من كبار أهل أحوال الربانية والجذب، وهذه أسمى مراتب التصوف إذ فضل السلوك بعد الجذب كما قال صاحب بداية الخوارق وصاحب بداية السلوك في قوله:
وأفصل الرجال دون ريب من سلك الطريق بعد الجذب(4)
وكان الشيخ أبو الشتاء يفهم في العلوم كلها من ظاهر وباطن وحصوله على علم الباطن يدل على إحاطته بعلم الظاهر لأنه لا يتأتى لأحد علم الباطن دون أن يعرف علم الظاهر وذلك ما قاله الإمام مالك عندما سئل عن علم الباطن فقال: " علم الباطن لا يعرف إلا من عرف علم الظاهر وعمل به" (5).
1- ممتع الأسماع في أخبار الجزولي والتباع وما لهما من الأتباع ص: 73.
2- سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس لمن أقبر من العلماء والصلحاء بمدينة فاس. ج 1ص: 145.
3- النسق الالي والنفس العالي شرح ونصيحة أبي العباس الهلالي ص: 30.
4- نفس المرجع ص: 30.
5- تحرير المناط والمسالك في أن التصوف بالمعنى المصطلح عليه الآن كان زمن الإمام مالك ص: 29
سند الشيخ أبي الشتاء في الطريقة الجزولية الشاذلية:
إن سند الشيخ أبي الشتاء في هذه الطريقة يعتبر من أصح الأسانيد وأثبتها للالتقائه بشيخها أبي محمد الغزواني، وأخذه عنه مباشرة. وقد جاء السند بعدة طرق أهمها هذه: " الشيخ محمد بن موسى الهلالي الشهير بالشتواني شيخه ومولاه ووسيلته إلى الله القطب الجامع البحرين بحر السلوك وبحر الجذب الرباني سيدي عبد الله الغزواني عن شيخه ومولاه ووسيلته إلى الله عبد العزيز التباع عن سيدي محمد الجزولي عن سيدي عبد الله أمغار عن أبي عثمان الصرتاني عن عبد الرحمان الرجراجي عن أبي الفضل الهندي عن عنوس البدوي عن الإمام القرافي عن المغربي عن أبي الحسن الشاذلي عن مولاي عبد السلام بن بشيش عن عبد الرحمان المدني عن الشامي عن الشبلي عن الجنيد عن عبد الله القطان عن أبي الوفاء عن حبيب العجمي عن أبي الحسن البصري عن الحسن السبط عن الإمام علي عن الرسول صلى الله عليه وسلم(1).
وقد نقل المؤلف لفي بروفنصال سند الشيخ أبي الشتاء في الطريقة الجزولية عن مخطوطة في زاوية فشتالة، وقال بأن هذه السلسلة كانت منقوشة على رخامة بالزاوية، وتحطمت عند ضرب المدفع لضريح الشيخ أبي الشتاء، وهذه السلسلة كالأولى إلا أنها عند عبد الرحمان المدني تجعل شيخه ثقيل الفكر عن الشيخ فخر الدين عن نور الدين عن تاج الدين عن شمس الدين عن زين الدين الاترويني عن ابراهيم البصري عن أبو القاسم المرواني عن سعيد عن سعد عن فتح السعود عن جابر عن الحسن عن علي كرم الله عن الرسول(صلعم)(2).
وقد زاد بروفنصال بأن هذا السند يتفق تماما وسند الطريقة الوزانية الطيبة وشيخها سيدي عبد الله بن ابراهيم الوزاني ( ت سنة 1296هـ- 1879م).
1- مخطوطة بخزانة الزاوية. انظر الملحق.
2- الأرشيف البربري الجزء الثاني ص: 257.
وكذلك ذكر الكتاني والحضيكي والشيخ العربي الفاسي والمهدي الفاسي والافراني وصاحب التحفة... أن الشيخ أبا الشتاء قد اتصل بالغزواني وأخذ عنه وذكروا سنده إلى التباع تلميذ الجازولي.
كما أخذ الشيخ أبي الشتاء الطريقة الزروقية عن سيدي علال الحاج البقال الحسني إلا أن اعتماده كان على الغزواني. وفي رواية الشرفاء البقاليين لسند طريقتهم ذكروا أخذ الشيخ أبي الشتاء عن سيدي علال الحاج، وقد ذكر العلامة أبو عبد الله محمد بن العباس بنيس هذا السند فقال:" أما الطريقة البقالية المعروفة لساداتنا أولاد البقال وهي الاستغفار... (إلخ) (أورادها )" فقال:" فقد أخذت هذه الأوراد تلقينا وإجازة عن سيدي عثمان القادري عن سيدي عبد السلام الحاج البقال عن والده عن سيدي الحاج المفضل عن والده عن جده عن سيدي أبي الشتاء عن سيدي علي الحاج البقال الحسني دفين الحرائق عن الهبطي عن الغزواني عن التباع إلى الخ أشياخه(1). وهذا السند صحيح إلا أنه لم يكن سند طريقة سيدي علال الحاج، التي لم تكن جزولية، وإنما كانت زروقية، أخذها سيديعلال الحاج عن الإمام أبو عبد الله محمد الخروبي السفاقسي الجزائري الذي كان شيخ الطريقة الزروقية على ذلك العهد(2).
3- تأسيس الشيخ أبي الشتاء لطريقته:
بعد أن استقر الشيخ مولاي أبي الشتاء الخمار بقبيلة فشتالة وبنى بها زاويته الكبرى(1). أسس طريقته في التصوف خاصة به وبأتباعه. وفي هذه الفترة كان قد سئل عن شيخه فأجاب:" كان عندي الغزواني" (2) . يعني أنه كان شيخه فيما مضى، أما في زمن السؤال فلا يعني أنه صار عن التقيد به بغية في الحق واستغراقا وجمعا عليه وحده.
1- كتاب الدرر الآلي في ثبوت الشرف البقالي ص: .132
2- جواهر الكمال في ذكر مناقب شرفاء أولاد البقال ص:
جاء في دوحة الناشر ص: 40 أن الشيخ سيدي علال الحاج التقى بالهبطي وأخذ عنه إلا أن اعتماده في
الطريقة كان على الإمام الخروبي الزروقي الطريقة ونفس ذلك القول أي أن طريقة سيدي علال الحاج
الزروقية رواه لي الشريف المختار محمد البقالي عن إمام زاوية فيفي السيد حسن البقالي القاسمي.
وقد قال الشيخ أبي الشتاء عن طريقته: " طريقتنا هذه مبنية على خمس، هي امثتال الأوامر واجتناب النواهي وصحبة أهل الخير، واجتناب أهل الشر والإكثار من الصلاة على النبي[img]style_images/1/p1.gif'> (3).
وورد الشيخ أبي الشتاء عبارة عن: " مائة من بسم الله الرحمان الرحيم، ومائة من استغفر الله العظيم ومائة من صلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما ومائة من سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ومائة من سبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وخمسة وعشرون من كلمة الموت".
وكلمة الموت التي جاء ذكرها في هذا الورد إنما تدل على تعمق الشيخ أبي الشتاء في التصوف، ومعرفته القوية بطريقة الجنيد خاصة وبطرق وقواعد الصوفية عامة، بل إنما تدل على اطلاعه على الفكر الفلسفي والصوفي اليوناني: فأفلاطون هو القائل: " مت بالإرادة تحيا بالطبيعة" (4).والموت لدى أبي الشتاء تعني قمع النفس عن الهوى والشهوات لينصرف القلب إلى المحبة وإلى عالم القداسة والنور وهذا هو تفسير الإمام جعفر السابق أيضا للموت في قوله: " الموت هو التوبة قال تعالى: " فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم" (1 ). فمن تاب كمن قتل نفسه، لذلك صنفت الصوفية الموت أصنافا فكان الموت الأحمر هو مخالفة النفس(2). ويروى أن الرسول[img]style_images/1/p1.gif'> لما رجع من إحدى غزواته قال: " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر قالوا يارسول الله وما الجهاد الأكبر؟ قال: " مخالفة النفس" وروي في حديث آخر: " المجاهد من جاهد نفسه فمن مات عن هواه فقد حي بهدايته عن الضلالة وبمعرفته عن الجهالة" (3).
3- مخطوطة بزاوية الشيخ أبي الشتاء.
4- اصطلاحات الصوفية ص: 91.
1- سورة البقرة آية 54.
2- اصطلاحات الصوفية ص: 91.
3- رواه البيهقي.
وهذا يتفق وقوله تعالى: " أو من كان ميتا فأحييناه" (4) يعني ميتا وجهله وضلاله فأحياه الله بالعلم والهداية.
وزيادة على ورد الشيخ كان هناك أوراد الشاذلية الكبرى وهي أحزاب الشاذلي والصلاة المشيشية وتلاوة دليل الخيرات للجزولي، وكان وقت قراءة الورد مقيد بعد صلاة الصبح وبين صلاة المغرب والعشاء.
وكان الشيخ سيد أبي الشتاء محافظا على صلاة التسبيح يحث مريديه عليها، ويجعلها من بين التعبدات في طريقته وهي هكذا: " يصلي أربعة ركعات يقرأ في الركعة الأولى الفاتحة والسورة. ثم يقرأ بعدها سبحان الله والحمد لله والله أكبر عدد خمسة عشر مرة، ثم يركع ويقرأ أثناء ذلك سبحان الله والحمد لله والله أكبر عدد عشرة مرات ثم يرفع رأسه ويقرأ سبحان الله والحمد لله والله أكبر مسة عشرة مرة ثم يسجد ويقرأ أثناء ذلك سبحان الله والحمد لله والله أكبر عدد عشرة مرات، ثم يرفع رأسه من السجود ويقرؤها عشرة مرات كما في الأول ثم يسجد ويعاود قراءتها نفس العدد وبعد ذلك يقوم قائما ويقرأ الفاتحة والسورة ثم يقرأ بالتسبيح الأول إلى نهاية الصلاة.
وكان الشيخ سيدي أبي الشتاء يكثر من ذكر الله في السر والعلن أوقات فراغه وأوقات انشغاله وكان أكثر كلامه ذكر وتسبيح، زيادة على أنه كان يخصص له وقتا معينا غالبا ما يكون ليلا، فكان يتوضأ ويتنفل ثم يجلس للذكر مختليا بربه إذا كان يريد الذكر منفردا ومع الجماعة بعد صلاة الفرد إذا كان يريد ذلك، وكان أكثر ذكره منفردا ويختار له من الأماكن الموحشة والمقفرة ورؤوس الجبال، لذلك كانت خلواته تعلو رؤوس الجبال وتتوسط الغابات، فهو أول ما نزل فشتالة اختار مكانا مناسبا لخلوته بربه بقمة جبل آمركو(1).
4- سورة الأنعام آية 122.
1- هو جبل آمركو الذي يعلو مدشر زاوية أبي الشتاء وفسر الأستاذ لفظة آمركو بأنها جمع لكلمة أمركة
البربرية وتعني ذلك الطائر الأبيض وبه قليل من الرمادي من فصيلة الشحرور ويسمى بالعربية السمان.
الأرشيف البربري ج 2 ص: 250.
هذا الجبل الذي لا يزال شاهدا على تقواه وزهده واعتزاله للخلوة مما زاد في صلاحه وولايته. وله خلوات بقبيلة بني حسان تتوسط التلال والغابات، بعيدة عن البشر وقريبة من الله، كما كانت له خلوة لا تزال إلى الآن بهضبة الشرف قرب رباطه هناك خارج طنجة(2). وله خلوة بجبل قنوفة قرب مدينة زرهون(3). وخلوة أخرى بناحية بولمان بأيت إيلمان. وكثرة اختلاء الشيخ أبي الشتاء بربه وشدة زهده جعل أحد المستشرقين يقول عنه: " أن مولاي أبي الشتاء انتزع إعجاب واحترام أصحابه بجدية وأصالة حياته، وساعاته الطوال في عبادته وفي أحلام اليقظة الذهولية والفنائية اللدونية..." (4).
وكان الشيخ مولاي أبي الشتاء إذا ذكر الله يغشى عليه ويغيب وتعتريه حالة جذب تطول به حتى يحسبه المرء ميتا أو أصابه الصرع " كان دائم الجذب والغيبة عن الخلق" (1) " ولا يتحدث مع الناس حديثا متصلا" (2) ويفيض لسان حاله بكلمات " بعضها يحمل على ظاهره وبعضها على الإشارة" (3). ومما قاله في إحدى جذباته: " أواه أواه حتى مشى كل شيء في أواه ولي يبقى دابا يتبعو" أو قال دابا يلحقو" صلي صلاتك ويكون قلبك مع الله والعيب لا تفعلو ( أو قال لتعملو).
ولفظة- أواه- تعد من الذكر، بل هي تحصل من شدة الذكر والخشوع والوجل والفناء في الله، فالتأوه في الذكر وارد في السنة النبوية، فقد أخرج البيهقي عن زيد بن أسلم قال: قال بن الأورع انطلقت مع النبي[img]style_images/1/p1.gif'> ليلة فمر في المسجد على رجل يرفع صوته بالذكر فقلت يا رسول الله عسى أن يكون هذا مرائيا؟ قال صلى الله عليه وسلم: لا ولكنه أواه" (4).
2- رباط الشيخ أبي الشتاء بهضبة الشرف حوله بعض المستعمرين إلى محل سكناه ولا يزال محافظا
على طابعه الإسلامي العتيق. المدن والقبائل المغربية طنجة وأحوازها ج 7ص:
3- الأرشيف البربري ج 2 ص: 256 حاشية رقم 1. خريطة فاس بدرجة 1/100000.
4- الأرشيف البربري ج 2 ص: 251.
1- ممتع الأسماع بأخبار الجزولي والتباع وما لهما من الأتباع ص: 73.
سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس لمن أقبر من العلماء والصلحاء بمدينة فاس. ج 1ص: 145.
2- نفس المرجعين السابقين ص: 145. مرآة المحاسن بأخبار شيخ أبي المحاسن ص:
3- نفس المراجع السابقة. 4- اللفظة الشاذلية ص: 541 فصل 17.
ولشدة حال الشيخ أبي الشتاء جعله الناس (ساقط التكليف)(5) ولا يسقط التكليف إلا عن المجنون أو من لم يبلغ سن التكليف وما كان سيدي أبي الشتاء مجنونا ولا غير بالغ، بل كان سليم اعقل يحسن التصرف في أمور دينه كما يحسن التصرف في أمور دنياه. أو أنما انطبق عليه قوله [img]style_images/1/p1.gif'>: " اكثروا من ذكر الله حتى يقولوا مجنون" (6).
وفي هذه الفئة من الذاكرين يقول الله تعالى: " إنما المومنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم" (1).
وبعد ذكر الله كان الشيخ مولاي أبي الشتاء يكثر من الصلاة على الرسول[img]style_images/1/p1.gif'> والصلاة على الرسول كانت من أسس الطريقة الشاذلية، ومن أركان الطريقة الجزولية التي جعل شيخها الجزولي كتابه: " دلائل الخيرات ومشارق الأنوار في الصلاة على النبي [img]style_images/1/p1.gif'> المختار أساس طريقته. واقتداء بشيوخه بل وحبا للرسول [img]style_images/1/p1.gif'> جعل الشيخ أبي الشتاء الصلاة على النبي[img]style_images/1/p1.gif'> بعد ذكر الله من أركان طريقته معتمدا على قولة الشيخ أحمد زروق: " من لم يجد شيخ التربية، فليلازم الصلاة على النبي[img]style_images/1/p1.gif'>، فإنها تقوم مقامه".
وثبت أن الشيخ أبو الشتاء حبب الرسول[img]style_images/1/p1.gif'> في قلوب تلامذته وأتباعه حتى اشتهروا بذلك وتميزوا به عن غيرهم فكان لذلك فناؤهم في الرسول لا ينقطع، ومن أشهر أولئك الأتباع الذين اشتهروا بفنائهم في الرسول: الشيخ أبو سرحان مسعود الشراط، فقد جاء أنه" لما قطعت رجله وأصابها دود، كان كلما سقطت دودة من رجله يردها إلى مكانها ويقول إنني تصدقت بجسمي على رسول الله[img]style_images/1/p1.gif'>، وكان إذا غلب عليه الوجد يقول أنا مسعود رسول[img]style_images/1/p1.gif'> ويكررها"(2).
5- سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بمدينة فاس ج 1ص: 145.
6- رسالة القول المعروف في الرد على من أنكر التصوف ص: 58.
1- سورة: آية :
2- قوة من انتشر من صلحاء القرن 11ص: 48.
وجاء في أول النظم الذي يمدح فيه الشيخ ابن كدار شيخه أبا الشتاء مدح للرسول[img]style_images/1/p1.gif'> فقد قال بن كدار:"
بسم الله نشكر الله ونعظم رسول الله مفتاح الحق محمد رسوله ربي أنا
كالشمس يضوي علينا في السماء العالي
سبحان من أسرى به والاملاك شهدت به
والاشجار سجدت له شرقا وغربيا
قوموا للذكر يا جلاس عظموا سيد الناس
شفيعنا يوم القصاص..."
وهذا النظم كذلك يوضح لنا أن الشيخ أبا الشتاء كان يقر أصحابه على الذكر الجماعي وبالجسر، كما ثبت أن الرسول[img]style_images/1/p1.gif'> جهر بالذكر بعد الصلاة مع الجماعة من أصحابه: وقد قال[img]style_images/1/p1.gif'>: " ما من قوم اجتمعوا في مجلس يذكرون الله إلا حفت به الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده."(1 ).
وكان الشيخ أبو الشتاء من أهل السماع والوجد، فمتى سمع حلقة ذكر التحق بها وشارك القوم ذكرهم والسماع من مميزات الطريقة الجندية على الخصوص قال الجنيد: " الرحمة تنزل على الفقير في ثلاثة مواضع عند الأكل، فإنه لا يأكل إلا عند الحاجة، وعند الكلام فإنه لا يتكلم إلا للضرورة وعند السماع فإنه لا يسمع إلا عند الوجد"(2). وربما كان لشهرة الشيخ أبي الشتاء عند العامة بشيخ المغنين والموسيقيين علاقة بالسماع عنده، فقد روى محمد بن الطيب مخبر مولييراش الفرنسي أن:
1- تحرير المناط والمسالك في أن التصوف في معنى المصطلح عليه الآن كان زمن الإمام مالك
ص: 29.
2- التعرف لمذهب أهل التصوف ص: 161-60.
" مولاي أبي الشتاء يعد أيضا شيخ المغنين والموسيقيين وهؤلاء لا يتأخرون عن زيارة ضريحه والشباب الذين ليس لهم تكوين مهم بالموسيقى يأتون إلى زاويته لأخذ دروس في نوعين من الغناء ، مشهورين في البادية المغربية وهما العيطة والكباحي" (3 ).
ومع تصوف الشيخ أبي الشتاء وحبه للعزلة والزهد، فإنه لم يكن يحرم ما أحل الله من طيبات المأكل والملبس، فقد كان يلبس من الثياب أحسنها وأفخرها، وكان كثرة ركوبه على الخيل، يختار لنفسه أجودها ويفاخر في ذلك شيوخ القبائل التي كانت تأتيه. ولا زالت الآن العامة في زاويته بفشتالة يشيرون لحفرة بقمة جبل آمركو منقوش في صخرة بطريق صغير يصعد إلى الجبل يقولون بأنها نقشت لكثرة مرور الشيخ أبي الشتاء منها على جواده، كما يحافظ أحفاد الشيخ أبي الشتاء بفشتالة وإلى الآن على قربوص سرجه وعلى حدأة فرسه والمثبتة بأعلى جامور قبة الضريح.
- الشيخ أبو الشتاء مصلح اجتماعي:
عرف الشيخ أبو الشتاء بتشدده في نشر الإسلام وتطهيره من البدع في المناطق التي مر بها، خصوصا بفشتالة ومناطق جبالة السفلى، ومما يروى في ذلك أنه كان أنشأ لهم مسجدا جامعا بفشتالة بزاويته، وكان يحتم عليهم حضور صلاة الجمعة به من بعيد، فكانوا يأتونه من كل مداشر القبيلة، وصادف أن كان مرة فصل الشتاء واليوم جمعة فلم يحضر للصلاة إلا وفد الجهة الشرقية من القبيلة المدعوون بحداوة فتغير باقي الفشتاليون فسأل عنهم الشيخ، فقيل له إنهم اعتذروا عن الحضور لسبب المطر، فقال لهم إنهم: " فشتالا" أي في الصيف يصلون وفي الشتاء لا، فطلق لقبه لهم.(1).
3- المغرب المجهول ج 2 ص: 13.
1- فشتالة هي إيفشتلين بالبربرية ثم سميت ببنو فشتال ثم فشتالة وهي من قبيلة هنجافة البربرية
الصنهاجية كانت على عهد بنو خلدون تسكن من الريف إلى الأطلس المتوسط وذكر دوكاسرو
أنها تسكن من تطوان إلى سبو، وقال ابن خلدون أن منازلهم كانت من الطين والحجر وبنو عمومتهم
هم سطة وبنو ورياغل وبنو حميد وبنو مزكلدة وبنو عمران وبني درقون وكلهم بورغة ويحترفون
الحياكة والحرث ولذلك يعرفون بصنهاجة البز ولغتهم عربية وهم مجاورون لجبال غمارة.
ومن المحاسن التي اشتهر بها الشيخ أبو الشتاء محارته وقضاؤه على عادة صنع الخمر المدعو بالصامت وشربه وكان يصنع من التين والعنب، وكان هذا النوع من الخمر مشهور عند كل جبليين.
كما أن الشيخ أبا الشتاء قضى على عادة الوشم لذا نساء فشتالة، وكانوا قبل ذلك يتعاطونها على عادة الجبليين والذين يعتبرون من البرابرة الصنهاجيين والمصامدة.
كما فرض الحجاب على المرأة الفشتالية ومنعها من الاختلاط بالرجال فكن لا تخرجن إلا ملتحفات بالجنحة ولا تزال هذه العادة في نساء القبيلة، ولا تزال النساء من أحفاد الشيخ أبي الشتاء تلتحفن بالحائك على عادة الحضريات من سكان المغرب خصوصا أهل فاس وتطوان، وكن في ذلك العهد ينتقبن، وقد ذكر مخبر ملييراس أن النساء الفشتاليات كن تنتقبن مستعملات الخمار التلمساني(1). وهي عادة لم تكن بين باقي النساء الجبليات، والويل لمن خاطب امرأة في الطريق.
وكانت الزانية والزاني في فشتالة وبني زروال يقع عليهما الحد وسط سكان القبيلة وأمام أعين الجميع.
كما ذكر مولييراس: " أن عقاب السارق في زاوية مولاي أبي الشتاء كان هو التكحال" ويحكي عن ذلك قائلا: " بدوار مولاي بوشتى رأى محمد شيئا مفزعا، البارحة حمسة لصوص من صنهاجة وهي قبيلة معادية حاولوا السرقة، فاجتمع مجلس الكبار وحكموا على اللصوص بالتكحال، ويعني سمل عيونهم وشدت أيديهم بحبال إلى ظهورهم وأعطي الأمر بمقدم التكحال أن يضع المنجل على النار ليحمى فوضع على جمر أحمر ملتهب، وانتظر، ثم صاح إني مستعد عندها طرح كل مجرم على الأرض، وشد هذه المرة إلى وتد من حديد...
1- عبد العزيز بن عبد الله ج 2 ص: 22 نقلا عم مولييراس الذي جمع معلومات الدرويش الذي زار
منطقة جبالة حوالي 1800م.
وبيد خبيرة وثابتة أدخل المقدم المنجل الأحمر المحمى في عيني المجرم وغرزه بقوة فيهما، وهكذا من عين إلى عين إلى أن انتهت العملية"(2).
وهذه العادة كانت منتشرة لدى كل القبائل الجبلية خاصة ببلاد الهبط والتي قبيلة فشتالة، وظلت سارية في القبائل الجبلية إلى عهد الحماية الفرنسية، وقيل لي أنه لا يزال بقبيلة بني مستارة الواقعة خارج وزان وبني مزكلدة جنوبها أنه لا يزال هناك، بعض ممن أقيم عليهم الحد والتكحال وهم كبار مسنون.
- تلقين الشيخ أبي الشتاء بطريقته:
لم يكن الشيخ أبي الشتاء صوفيا وعابدا فحسب، بل كان عالما ومدرسا لما حمله من علوم، فكانت زواياه المنتشرة في كل البلاد لما يحل بها تتحول من أماكن صلاة وذكر إلى مدارس ومعاهد لتلقي العلوم، وأصبحت زاويته بفشتالة مدرسة حقيقية اجتمع الطلبة والمريدون من كل أنحاء المغرب ولاخل عن شيخ الزاوية وصاحب الطريقة، علومه الظاهرية والباطنية، وكانت أهم العلوم التي يدرسها الشيخ إلى جانب التصوف الحديث وفقه المعاملات وأصول الفقه، وكان صاحبه أبو سالم ابراهيم الجناتي- أستاذا يجيز ألواح الطلبة(1)- ويحفظ القرآن.
وقال عنه الكتاني: " أنه كان كثير التلاميذ، وخرج منه من البهاليل وأهل الأحوال، وكان وقته كثير البهاليل فكان يقال أن أكثرهم ممتدون منه لقوة حاله(2).
وقال عنه مؤلف حديث: أن الشيخ أبا الشتاء كان مدرسة حقيقية تخرج منها كثير من البهاليل.(3).
2- المغرب المجهول ج 2ض: 336.
1- ممتع الأسماع بأخبار الجزولي والتباع وما لهما من الأتباع ص: 188.
2- سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بفاس ج 1ص: 145.
3- دكالة والاستعمار البرتغالي إلى سنة إخلاء آسفي وأزمور قبل 28 غشت 1481. أكتوبر 1541.
وكان لهؤلاء الذين درسوا على الشيخ أبي الشتاء الفضل في حمل طريقته ونشرها، ويتجلى تأثرهم بالشيخ أبي الشتاء في قوة حالهم وجذبهم وحبهم الشديد للرسول[img]style_images/1/p1.gif'> وحبهم للجهاد.
- تلاميذ الشيخ أبي الشتاء الخمار:
من أشهر من درس على الشيخ أبي الشتاء وأخذ عنه من الشيوخ:
- الشيخ أبو سالم ابراهيم الجاناتي(1)وهو حفيد العلامة الحافظ أبو بكر عبد الودود الجاناتي مدرس المدونة بالقرويين (746هـ).وكان الشيخ أبو سالم يجيز ألواح الطلبة ويحفظ القرآن بزاوية شيخه،"وكان يجتمع عليه هناك بمدشر شيخه خلق كثير يأخذون عنه ويهتدون بهديه"(2). وعنه حفظت القرآن ابنة الشيخ أبي الشتاء لالا عائشة الملقبة بالغزوانية، وكذلك أخذ عنه ابن أخي الشيخ أبي الشتاء الشريف الفقيه الوالي سيدي احمد الصافي.
وكان للجاناتي وقت وسط النهار ينقل فيه الماء لدار شيخه، يتولى ذلك بنفسه ويتردد فيه، وكان متقشفا، زاهدا عاري الرأس يقصده الناس بالصدقات فلا يمسها ولا يقربها بل يطرحونها بموضع هناك عن اذنه، فإذا زاد وقت الاحتياج إلى الكسوة اجتمع من ذلك مال جليل أمر بعضهم فاشترى به الكسي وكسى هو بها الفقراء والمساكين صغارا وكبارا من الطلبة وغيرهم.
الشيخ الولي المجاهد الشريف سيدي محمد الحاج بن علي الحاج البقال الأغصاوي(3) وصحب الشيخ أبا الشتاء منذ سن مبكرة، بوصية من والده الشيخ أبي الشتاء وقد انتقل سيدي محمد الحاج عند الشيخ أبي الشتاء بفشتالة مباشرة بعد وفاة والده(4).
1- ممتع الأسماع بأخبار الجزولي والتباع وما لهما من الأتباع صفحة: 118.
2-
3- ممتع الأسماع بأخبار الجزولي والتباع وما لهما من الأتباع صفحة: 118.
4- الطرق الدينية بجبالة وأنواع طوائف الشرفاء والزوايا والأضرحة ص: 10 مترجم.
وكان الشيخ أبو الشتاء يعده ويكرمه ويعتمد عليه في أموره وينيبه عنه في غيابه حتى قال عنه الشيخ مسعود الشراط" سيدي محمد باشة سيدي أبي الشتاء" والباشة عنهم كالوزير ونحوه من الملك" (1). وكان في بداية أمره مريدا مربوطا في سلسلة(2) وكانت تعتريهفي بعض الأوقات أحوال تخرجه عن حسه وكان له تلاميذ تلقوا عنه. أشهرهم الشيخ العارف بالله أبو عبد الله سيدي محمد بن المجول القصري دفين القصر الكبير(3). وتوفي سيدي محمد الحاج البقال المشهور أيضا بسيدي محمد الكبير سنة ألف وسبعة عشر للهجرة، قتله السلطان محمد الشيخ بن احمد المنصور السعدي فمات شهيدا ودفن بالطالعة الصغرى من فاس وبني على قبره زاوية.
- الشيخ الولي أبو الحسن علي بن داوود المرنيسي:(4 ).
يقال أن أصله من الشاوية، وقيل من سوس وصحب الشيخ أبا الشتاء عند دخوله إغلى طنجة وسكن معه بها، ولا تزال زاويته هناك بدار البارود بالمدينة القديمة، وبها مسجد ويقصدها الزوار تبركا ويقام لها موسم(5). ولما استقر الشيخ أبي الشتاء بفشتالة استقر معه سيدي علي أيضا وكان كثيؤ الخلوة بالغابة المسماة باسمه إلى الآن قرب ضريحة شيخه، وبعد وفاة شيخه انتقل إلى قبيلة مرنيسة وبنى زاويته هناك واشتغل بتدريس القرآن، وكان ورعا ظهرت عليه شوارع الصديقية وقصده الناس من الآفاق، وكان ممن قصده وأخذ عنه سيدي قاسم شيخ سيدي احمد بن عبد الله من الأندلس.
1- سلوة الانفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بمدينة فاس ج 1ص: 266.
2- نفس المرجع: ج 1ص: 266.
3- نفس المرجع: ج 1ص: 266.
4- ممتع الأسماع... صفوة من انتشر من علماء وصلحاء ق 11ص: والاستقصا من أخبار دول
المغرب الأقصى ج 6 قسم 22 حاشية نشر المتاني ج 1ص: 101. نزهة الحادي في أخبار ملوك
القرن الحادي ص:185-184 وقد جاءت وفاة سيدي محمد الحاج في نشر المتاني سنة 1056هـ
بينما في باقي المراجع كانت سنة 1017هـ.
5- مدن وقبائل الغرب ج 7 طنجة وأحوازها. ص: .331
ويتصل سند الشيخ علي بن داود بسيدي عبد الله الغزواني الجزولي الشاذلي الطريقية وبسيدي علال الحاج البقال الزروقي الشاذلي الطريقة بواسطة الشيخ أبي الشتاء الخمار .
وتوفي سيدي علي بن داود عن خمسة وعشرين وألف ودفن بزاويته بمرنيسة(1) .
- سيدي عيسى بن سيدي علال الحاج البقال(2) : وهو أخ الولي المجاهد سيدي محمد الحاج الكبير السابق الذكر، أخذ عن سيدي أبي الشتاء زمن وجوده بقبيلة بني حسان بناحية مدينة تطوان، وتوفي سيدي عيسى ببني صابر ودفن بها، وضريحه مشهور هناك في بلاد بني حسان.
- الشيخ أبو سرحان مسعود بن محمد الشراط الزناتي التلمساني(3 ): لقب بالشراط لأنها كانت صنعته، وكان أسود اللون، أخذ عن سيدي أبي الشتاء وعليه كان اعتماده، وكان عنده في سلسلة وبعد وفاة شيخه غلب عليه الحال فبقي في العسال قرب وادي سبو أياما فنزل عليه الثلج فقطع رجله، وجيء به إلى موضع ضريحه خارج باب العجيسة فكان هناك ليل نهار وكان شديد المحبة للرسول[img]style_images/1/p1.gif'>.
وكان لسيدي مسعود الشراط تلاميذ وأتباع كثيرون، أخذوا منه طريقة شيخه، أهمهم الشيخ قاسم الخصاصي(1).
والشيخ الصالح القدوة أبو الفضل سيدي قاسم السلاسي الذي كان له أتباع ومريدون، وكان مداوما على السنة والجماعة حتى توفي عام 1049هـ(2).
1- ممتع الأسمال لأخبار الجزولي والتباع وما لهما من الأتباع ص: 117 صفوة من انتشر من
صلحاء ق 11. ص: 47.
2- جواهر الكمال في ذكر شرفاء أولاد البقال ص: 59.
3- صفوة من انتشر من صلحاء ق 11ص: 49-48. سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر
من العلماء والصلحاء في مدينة فاس. ج 3 ص: 121.
1- سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر
من العلماء والصلحاء في مدينة فاس. ج 3 ص: 121.
2- نفس المرجع السابق ص: 121.
ومن تلامذة الشراط كذلك الشيخ المجاهد أبو عبد الله محمد بن محمد بن طاهر بن عيشون والد الفقيه أبي عبد الله محمد بن عيشون المنسوب إليه التأليف في صلحاء فاس أخذ عن الشراط وتوفي شهيدا في قتال النصارى بحلق سبو رمضان عام 1040هـ ودفن بروضة شيخه.
ومن تلامذة الشراط كذلك الولي أبو عزة بن رياب، وكان صاحب أحوال دائم الغيبة ظهرت له كرامات، توفي عام 1076هـ ودفن قرب ضريح شيخه(3).
ومنهم كذلك السيدة فاطمة بنت عمر الفشتالي، خديمة سيدي عبد الله بن حسون الخالدي السلاسي دفين سلا، توفيت يوم الأربعاء 15 ربيع النبوي 1045هـ ودفنت بروضة شيخها وإليها يشير المرزغ بمنظومته:
ومنهم المجدوب ذو الافراط مسعود المعروف بالشراط
معه في روضته جبور المرتضى صلاحه مذكور
بقربه بنت الرضى الفشتالي فاطمة مرضية الفعال(4)
ومن تلامذة الشراط الولي المجذوب أبو العباس سيدي احمد المدعو حمدون بن عبد الرحمان الملاحفي الكناني، وكان ذو حال وديانة، له ذكر يواضب عليه ويقوم من الليل ما تيسر وكان يعمل الحضرة لأبي السماع. وزاويته بدرب الحرة عن يمين الخارج منه تقابله زاوية سيدي محمد بن علي الوزاني.
3- سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء في مدينة فاس. ج 3 ص: 121.
4- نفس المرجع السابق ص .121
وله أصحاب وأتباع يجتمعون عليه بها، ويواضبون على قراءة الأحزاب وما تيسر من الأوراد صباحا ومساء(1). وهو أحد أشياخ الفقيه المراد أبي عبد الله محمد بن محمد بن عيشون الشراط الذي ينسب إليه كتاب الروض العاطر الأنفاس(2) وكانت وفاته يوم الأربعاء 23 من ذي القعدة عام 1079هـ.
ولسيدي مسعود الشراط كرامات كثيرة ذكرها كل من ترجم له وتدل على قوة حاله، أشهرها أن عبد الله بن الشيخ السعدي عزم على التنفيذ بأهل فاس في بعذ غلباته عليهم إثر خروجهم عليه، فاستشفعوا عليه بالصالحين المجذوبين، سيدي جلون بن الحاج وسيدي مسعود الشراط فلما وقف بين يديه قال: "أما وبعد أهل فاس شفيعا غير هؤلاء الخرائين في ثيابهما" (3) فغضب عليه فدعيا عليه وانصرفا فانقلبت معدته حتى خرج غائطه من فمه أياما إلى أن أتي بالشيخين فاسترضاهما. وتوفي الشيخ الشراط 1013هـ ودفن بزاويته خارج باب العجيسة بفاس.
- الشيخ العارف بالله الفقيه أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي البقاء عبد الوارث الياصلتي دفين بني زروال شمال المغرب:
كان سيدي عبد الوارث أوصى بحفيده هذا الشيخ أبا الشتاء عندما أنهى دراسته فأعطاه أثاثا ومقصا وإبرة وحلقة خياطة وقال هذه أمانة تؤديها لصاحبها(4) يعني إلى حفيده المذكور. وكان سيدي احمد عند الشيخ أبي الشتاء بفشتالة في سلسلة في بيت سنين، ثم أطلقه فانكب الناس عليه، وظهرت بركته على كثير من أصحابه، وكان غائبا في شيخه يرى كل خير منه، ولا يجلس في بلاده ببني زروال إلا مستقبلا جهة شيخه بفشتالة مرددا قوله:
1- سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء في مدينة فاس. ج 1 ص: 256.
2- نفس المرجع السابق
3- الاستقصا بأخبار دول المغرب الأقصى ج 2 قسم 2 ص: 58.
4- ممتع الأسماع بأخبار الجزولي وبالتباع وما لهما من الأتباع ص: 119.
سيدي بوشتى يا مولى عيني لولا أنت أش كان يكون أنا مني(1)
وقد ذكر لفي بروفنصال أن سكان منطقة بني زروال وورغة المقابلين لبلاد الشيخ أبي الشتاء ولجبل آمركو يبنون في بلادهم مصاطب من الحجر تدعى" المقابل" يجلسون عليها مقابلين بلاد مولاي أبي الشتاء(2).
وتوفي سيدي احمد الياصولتي مسموما عام 1021هـ ودفن بزاوية جده سيدي عبد الوارث بتازغدرة بقبيلة بني زروال في بلاد الشمال.
- الولي العارف الشيخ محمد بن موسى السريفي: من قبيلة أهل سريف قرب الكبير شمال المغرب، والمعروف بالقجاح(3). أخذ عن أبي الشتاء كما أخذ عن أبي عبد الله الصباغ القصري وعن أبي المحاسن الفاس، كان من أهل البال في أمور الدنيا والفطنة في أمور الآخرة حاله كحال الساهي، كأنه في عالم آخر فإذا نبه انتبه. توفي سنة 1022هـ على المشهور. ودفن بالطالعة الصغرى قرب درب أهل تادلة تحت الفرن الذي هناك بمسجده عن يسار المحراب وبني عليه ضروز صغير وإليه أشار الشيخ المرزغ في نظمه:(4)
وسيدي قجاج عند دربه بمسجد ضريحه يدعى به
- الولي العارف الفقيه عبد الكريم الفشتالي:(5)
وكان خديما للشيخ مولاي أبي الشتاء، وتوفي بفاس فدفن بروضة سيدي مغيث يسار الحار بملعب الكرة عند رأس القليعة، وبني على ضريحه بها قوس بقرب ضريح سيدي محمد صالح قرب زاوية بني مرين المسماة" تاحضريت".
1- مرآة المحاسن بأخبار الشيخ أبي المحاسن ص: 238.
2- قبيلة بني زروال ص: 56.
3- سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء في مدينة فاس. ج 1 ص: 252.
4- نفس المرجع السابق 252.
5- سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء ج 2 ص: 2.
وهذا الشيخ هو جد العارف الإمام العدل سيدي محمد بن العربي بن عبد الكريم الفشتالي وحفيده هو صاحب سيدي عبد العزيز الدباغ، وكان أستاذا في التجويد والأداء وأحكام الرسم، أخذ عن أبي زيد بلقاضي وسيدي عبد الادر الفاسي والعلمة اليوسي، وكان اعتماده في التصوف على سيد محمد بن ناصر الدرهي وسيدي محمد بن مبارك، توفي 1049هـ
زيارة شيخ الطريقة الفقيه الشريف مولاي العربي الدرقاوي لضريح مولاي أبي الشتاء.
لقد جاء في رسائل الدرقاوي أن سيدي أبي عبد الله محمد العربي بن سيدي احمد الحسني الدرقاوي شيخ الطريقة الدرقاوية كان يدوم على زيارة ضريح الشيخ مولاي أبي الشتاء مع ضريح مولاي عبد السليم بن بشيش وسيدي علي بن داود وسيدي عبد الوارث الياصولتي شيخ أبي الشتاء. وقبل أن يمشي سيدي العربي في طريقه ويفتح الله عليه أبوابه رأى في المنام الإمام علي بن أبي طالب وأخبر شيخه الملقب بالجمل الشريف العمراني فقال له أبشر بخير كبير فإنك من أهل التصوف لأن الإمام علي هو إمام الصوفية وقطبهم. وبعد ذلك يقول الدرقاوي جار علي حال القبض بعض الأيام غاية الجور حتى كاد أن يسلبني من الإسلام، وأما الخصوصية فقد سلبني منها، وبعدني عنها والله على ما نقول وكيل فاضطررت إلى ربي ثم قصدت ضريح ولي الله الأشهر سيدي أبي الشتاء الخمار نفعنا الله به، فبت به أتلو كتاب الله عز وجل بلا قلب بل باللسان فقط أما القلب فما كان لي منه إلا اسمه إذ ختمت القرآن من أوله إلى آخره فسألت الله تعالى إثر ذلك باضطرار كبير وافتقار كبير وأن يعافيني بما أصابني ثم أخذني النوم بعد الفراغ من ذلك فرأيت أني أتلو سورة القصص مع رجل أمي لا أعرف اسمه في اللوح بترتيل كبير وبصوت عال فما استيقظت وأنا بالضريح نظرت ابن منظور فوجدت به ما أسرني غاية السرور إذ قال لي رضي الله عنه ناقلا عن الكرماني رضي الله عنه، قراءة سورة القصص في النوم إصابة علم وفهم وصواب في الناس ثم تحقق لي ذلك بفضل الله".
- شهادة بعض الشيوخ بعلم وفضل وتفوق الشيخ مولاي أبي الشتاء:
لقد شهد الشيخ أبي الشتاء بالولاية والفضل شيوخ عص
منقول للفائدة