المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الجمع بين الخوف والرجاء...هام لكل مسلم


ابو الحسن المستغانمي
2014-08-21, 12:06
بسم الله الرحمن الرحيم

الخوف من عقاب الله نوع من أنواع العبادة، ورجاء ثوابه نوع آخر من أنواع العبادة، فلا بد أن يجمع المسلم بين الخوف والرجاء دائما، فلا يغلب جانب الخوف، فيكون من الخوارج الذين يكفرون بالمعاصي ويخلدون أصحابها في النار ولا يغلب جانب الرجاء فيكون من المرجئة الذين يزهدون في الأعمال ويزهدون فيها ولا يقيمون لها وزناً أو يقللون من شأنها، والاعتماد على الخوف قنوط من رحمة الله: (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ)، (إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ)، والاعتماد على الرجاء فقط أمن من مكر الله: (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)، فالله سبحانه وتعالى أمرنا بالجمع بين الخوف والرجاء، وهذه طريقة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)، (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ)، هذه طريقة الأنبياء الجمع بين الخوف والرجاء لا يعتمدون ولا يرجحون جانباً دون الآخر، فلا ييئسون من رحمة الله مهما عظمت الذنوب لا ييئسون ولا ييئسون غيرهم من رحمة الله؛ بل يتوبون إلى الله من جميع الذنوب، والله يغفر الذنوب جميعا: (قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ)، ولما قتل رجل من بني إسرائيل مئة نفس ظلما وعدوناً، سأل: هل له من توبة؟ فدلوه على عالم من علمائهم، فسأله أنه قتل مئة نفس فهل له من توبة؟ قال: نعم، ومن يحول بينك وبين التوبة ولكنك بأرض سوء، فذهب إلى أرض كذا وكذا فإن فيها أناساً صالحين يعبدون الله فعبد الله معهم فتاب الرجل، وخرج مهاجرا من أرض السوء إلى الأرض الصالحة فأدركته الوفاة في الطريق بينهما، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، ملائكة الرحمة يقولون: إنه جاء تائباً إلى الله عز وجل، وملائكة العذاب يقولون: أنه لم يعمل خيرا قط، فأرسل الله إليهما ملكًا بصورة رجل يحكم بينهما، فقال: قيسوا ما بين البلدتين، فقاسوا ما بين البلدتين فوجدوه أقرب إلى الأرض الطيبة بشبر فقبضته ملائكة الرحمة.

فالمسلم لا ييئس من رحمة الله فإنه إذا أيس من رحمة الله استمر في الذنوب والمعاصي، وإذا رجاء رحمة الله فإنه يتوب ويعمل الطاعات والخيرات، والله يقبل من تاب وأناب، كان رجل من بني إسرائيل يرى أخاه على المعصية فينهاه، ثم يراه مرة ثانية فينهاه، ثم بعد ذلك لما لم ينتهي قال هذا الرجل: والله لا يغفر الله لفلان، قال الله سبحانه: "مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَىَّ ـ أي يحلف علي ـ أَنْ لاَ أَغْفِرَ لِفُلاَنٍ فإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَه وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ" لماذا؟ لأنه يئس من رحمة الله، فقال: والله لا يغفر الله لفلان حلف أن الله لا يغفر لفلان، فهو أيس من رحمة الله فسبب ذلك له غضب الله عليه، فقال الله له: "إِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَه وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ"، فلا يقنط الإنسان من رحمة الله، كما أنه لا يأمن من عذاب الله عز وجل فيكون بين الخوف والرجاء، وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة الجمع بين الخوف والرجاء، وهذا هو الصراط المستقيم الذي يسير عليه المسلم، من أنواع الصراط المستقيم أنه يكون بين الخوف والرجاء، فيخاف من ذنوبه فيتوب، ويرجو رحمة الله فيكثر من الحسنات والطاعات، هذا هو الصراط المستقيم، الذي يسير عليه المسلم وما خالفه فهو طريق أهل الضلال إما الخوارج وإما المرجئة.

فعلى المسلم، أن يعرف هذا، وأن يسير على هذا الطريق، يرجو رحمة ربه، ويخاف من عذابه يكثر من الطاعات ويتوب من المعاصي، ويلزم الطريقة الصحيحة حتى يموت عليها ويلقى ربه عليها، فيدخل الجنة.

منقول من موقع الشيخ صالح الفوزان حفظه الله