أبو هاجر القحطاني
2014-08-16, 23:10
أول ظهور القومية
إن أول ما ظهرت دعوى القومية في أوروبا في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، ثم صارت لا يؤبه بها هناك، لأنها ترمز إلى التخلف والرجعية عندهم، ولكن ابتلي بها العالم العربي والأمة الإسلامية.
ولكن من الذي دعى للقومية العربية؟ ولماذا؟
كما ذكرنا أن القومية العربية فكرة أوروبية المنشأ. أما الذين قاموا على نقلها ونشرها في المنطقة العربية فهم النصارى، فالفكرة أوروبية والتنفيذ صليبي.
أما الأهداف التي من أجلها ظهرت دعوى القومية فهي: طرد تركيا دولة الخلافة من المنطقة، وتفريغ المنطقة والعالم الإسلامي من دينه بإحلال العروبة مكان الدين، وبالتالي يمكن أن يدخل مكانه أي دين أو فكر جديد في المنطقة، وهذا ما حدث.
أما كون النصارى هم الذين بدأوا بالدعوة لهذه الفكرة، وكانوا هم زعماء القوميين في المنطقة، فهذا واضح جداً كما أشار إليه معرّب كتاب " لعبة الأمم). من أن أكثر من تسعين بالمائة من قادة حركة القومية العربية هم خريجو الجامعة الأمريكية في بيروت، ويشير كذلك إلى أسماء زعماء القومية العربية وكلهم من النصارى ومن هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر:
ميشيل عفلق؛ زعيم حزب البعث العربي الاشتراكي.
وأنطون سعادة؛ زعيم القوميين السوريين.
وجورج حبش؛ زعيم القوميين العرب.
وقسطنطين زريق وغيرهم.
دين جديد
أما أنها دين جديد يريد القوميون أن يحلوه محل الإسلام، فذلك واضح جداً في كتاباتهم، ومن أقوالهم، ومن ومنهم من يصرح بذلك دون مواربة.
فيقول عمر فاخوري في كتابة "كيف ينهض العرب": (لا ينهض العرب إلا إذا أصبحت العروبة مبدأ يغار عليه العربي كما يغار المسلم على قرآنه).
وفي هذا الشأن يقول لورنس أيضاً: (وأخذت أفكر طوال الطريق في سوريا وفي الحج وأتساءل: هل تتغلب القومية ذات يوم على الاعتقاد الديني؟ وبمعنى أصح هل تحل المثل العليا السياسية محل الوحي والإلهام؟ وتستبدل سوريا بمثلها الأعلى الديني مثلها الأعلى الوطني؟ هذا ما كان يجول في خاطري طول الطريق).
ويقول جُبّ المستشرق المعروف وبصراحة تامة: (وقد كان من أهم مظاهر فَرْنَجَة العالم الإسلامي تنمية الاهتمام ببعث الحضارات القديمة التي ازدهرت في البلاد المختلفة والتي يشغلها المسلمون الآن، فمثل هذا الاهتمام موجود في تركيا ومصر واندونيسيا والعراق وفارس، وقد تكون أهميته محصورة الآن في تقوية شعور العداء لأوربا، ولكن من الممكن أن يلعب في المستقبل دوراً مهماً في تقوية الوطنية الشعوبية وتدعيم مقوماتها).
ومن هنا نرى أن مساعدة حكومات الاحتلال الغربية الحكومات الوطنية في الشرق الإسلامي والعربي خاصة في كل المشاريع التي من شأنها تقوية الشعوبية فيها، وعمل الحدود بين البلاد، وإبراز تاريخ هذه البلاد ما قبل الإسلام، وتدريسه للطلاب والتفاخر بالحضارات القديمة المصرية والأشورية وغيرها، وجعل الاختلاف حتى في الأشياء البسيطة كغطاء الرأس والزي القومي وكل ذلك يعمق فكرة القومية في نفوس الناس.
ويستمر القوميون في الدعوة لأن تحل العروبة محل الإسلام، فيكتب بعض القوميون الذين يتسمون بأسماء المسلمين، فيقول محمود تيمور في مجلة "العالم العربي" عدد [171]: (وأن كُتّاب العرب في أعناقهم أمانة بأن يكونوا حواريين لتلك النبوة الصادقة القومية العربية يزكونها بأقلامهم).
ويقول في هذا الصدد أيضاً علي ناصر الدين في كتابه "قضية العرب": (العروبة نفسها دين لنا نحن القوميين العرب المؤمنين العريقين من المسيحيين والمسلمين، ولئن كان لكل عهد نبوته المقدسة فإن القومية العربية هي نبوة هذا العصر). ويقول في مجلة العربي عدد [2/يناير/1959]: (القومية العربية يجب أن تنزل من قلوب العرب أينما كانوا منزلة وحدة الله من قلوب المسلمين).
ويزداد التبجح والكفر في قول إبراهيم خلاص البعثي السوري في مجلة الجيش السوري في [25/4/1967]، أي قبل الهزيمة أو النكسة بشهر ونصف تقريباً فيقول: (والطريق الوحيد لتشييد حضارة العرب وبناء المجتمع العربي هو خلق الإنسان الاشتراكي العربي، الذي يؤمن أن الله والأديان والإقطاع ورأس المال والمتخمين وكل القيم ليست إلا دمى محنطة في متاحف التاريخ) - تعالى الله عما يقول علواً كبيرا -
فها هي أقوال وكتابات القوميين ومن أوحي لهم واضحة في أنهم يريدون أن تحل القومية محل الإسلام، ومن هنا قامت كل الانقلابات العسكرية في المنطقة العربية منذ أول انقلاب، تم فيها وكان في سوريا على يد حسني الزعيم، ثم انقلاب مصر عام [1952م]، ولقد كانت الشعارات التي ترفعها هذه الانقلابات هي القومية العربية.
وأشار مايلز كوبلاند في كتابه "لعبة الأمم" إلى أنهم قرروا أن يرفع جمال عبد الناصر في مصر شعار القومية العربية على الرغم على حد قولة من أن الشعار الإسلامي إذا رفعه جمال سيعطيه مساحة جماهيرية أكبر، ولكنهم خافوا من انتشاره، ولكبح التيار الإسلامي المتنامي أملوا عليه أن يرفع شعار القومية الذي ضرب به الإسلام ضربة كبيرة.
وها هي الايكونمست البريطانية تقول في مقال عام [1962م] عنوانه "الإسلام ضد القومية": (لقد وضع العرب منذ الحرب العالمية الأولى القومية في المقام الأول عندما حاربوا الأتراك إلى جانب الانجليز من أجل التحرر، باستثناء القلة الهزيلة من الإخوان المسلمين، فليس هناك في العالم العربي اليوم أناس ذوي تفكير سياسي يضعون مجتمع الدولة الإسلامية فوق قوميتهم).
وحتى الأحزاب التي تمخضت في أرض الواقع، كل مؤسسيها وزعمائها من النصارى، فظهرت أحزاب البعث العربي الأشتراكي، وحزب القوميين العرب وحزب القوميين السوريين.
أما حزب القوميين العرب فخرج من الجامعة الأمريكية، فلقد كان رئيس الجامعة دودج وقسطنطين زريق يشجعون الآراء القومية وسط الطلاب ويدفعون الطلاب دفعاً للقيام بمظاهرات ضد فرنسا باسم العروبة.
ورّبى قسطنطين زريق تلميذاً قاد القوميون العرب ومازال؛ هو جورج حبش.
أما القوميون السوريون؛ فزعيمهم أنطون سعادة الذي قُتل ثم تولت أرملته القيادة، وبعدها جاء أسد أشقر ثم جورج عبد المسيح.
وحزب البعث بشقيه، صاحب الخيانات الكبيرة، فزعيمه هو ميشيل عفلق الذي نال من البابا وساماً رفيعاً، وقال له البابا: (لقد فعلت ما لم تفعله جميع الجمعيات التبشيرية طيلة ثلاثة قرون).
وحينما عاد إلى العراق [كتبوا عنه]؛ "الإله العائد"، ومن المضحكات المبكيات ما حدث عندما هلك، فقد أقيمت عليه صلاة الجنازة في كل أرجاء العراق، وصلى أبناؤه عليه مع المصلين، ومن الجدير بالذكر أن صدام حسين الرئيس العراقي وهو تلميذ وفيّ للهالك عفلق يقول: (إن جلسة واحدة مع الاستاذ كما كان يطلق عليه استلهم منها مدداً لمدة ستة شهور آتية).
وجدير بالذكر كذلك أن عفلق هو الذي أوعز للانجليز بتدبير الانقلاب الذي قام به أحمد حسن البكر، وعين صداماً نائباً له، ثم ها هو الآن ومنذ سنوات رئيساً للعراق يطحن أهلها طحناً، وتعدىّ الأمر هذا الحد فاتجه إلى دول الخليج ليبتر منها الأموال تحت تهديد عضلاته، ثم تدخله السافر في الكويت وتهديده المنطقة كلها بتدخل أجنبي، خاصة وأن جيوش هذه الدول جيوش لم تعد لقتال.
عقيدة القوميين
ولكن لماذا كانت العقيدة الشيوعية هي عقيدة كل الأحزاب؟
كل الأحزاب القومية العربية ذات فكر اشتراكي، وذلك لأن القومية كما ذكرنا أنفاً جاءت لتقوض الإسلام وتخرجه من نفوس وقلوب المسلمين، فكان لا بد من وجود فكرة عقائدية يعتنقها الناس والمجتمعات، وذلك لأن المجتمعات لا تقبل الفراغ، ولما كانت الرأسمالية ليس لها توجه عقائدي، كانت الاشتراكية هي الفكرة البديلة، ومن ثم كانت كل الأحزاب القومية أحزاباً ذات توجه شيوعي، فطالما تغنت إذاعة البعث في سوريا ليلاً ونهاراً:
آمنت بالبعث ربا لا شريك له وبالعروبة دينا ما له ثاني
فكانت الشيوعية كعقيدة هي عقيدة كل القوميين قال شاعرهم:
سلام على كفر يوحد بيننا وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم
وكان شباب المقاومة الفلسطينية أيام العمل الفدائي، الذين يتبعون جورج حبش ونايف حواتمة وغيرهم من القوميين يرددون:
إن تسأل عني فهذي قيمي أنا ماركسي لينيني أممي
وهكذا كان ديدن الشباب الذين فتنوا بالقومية العربية في الخمسينات والستينات، يتفاخرون بأنهم قوميون عرب اشتراكيون تقدميون، وكانت الأسماء المفضلة لهم هي: كاسترو، وجيفارا، وهوشي منّه، وماو، وغيرها من أسماء زعماء الاشتراكية، بل أن بعضهم لم يكن يسمي نفسه إلا بأبي جهل وأبي لهب، ولعل قصة وزير الصحة الأردني الذي كنى نفسه: بـ "أبي لهب" معروفة.
جرائم القوميين
أما عمليات الإبادة والقتل التي قام بها القوميون ضد القوميون فلا يمكن سردها كاملة، وسنكتفي بطرف منها.
قبل نكبة يونيو [1967م] كان النشاط الفدائي قد بدأ ولما كان أول بيان للمنظمة قد استهل بالقول: (إتكالاً على الله وإيماناً منا بواجب الجهاد المقدس). فإن ذلك كان كفيلاً بأن تضيق أنظمة دول المواجهة مع إسرائيل على الفدائيين، وراحت تطاردهم وتعتقلهم، لأنهم "إخوان مسلمون" كما زعم بعض الحكام القوميون، ولأن هذه العمليات ستكفلهم مواجهة مع العدو الإسرائيلي وهم ليسوا مستعدين لها ولا يريدونها، أما بعد النكسة فقد اضطرت هذه الدول أن تسمح للفدائيين بعمل قواعد لهم في بعض هذه البلدان، ومن أجل ألا يتجاوز العمل الفدائي الهدف المطلوب، سارعوا إلى تأسيس ودعم منظمات مشبوهة.
فأسس حزب البعث النصيري السوري بعد النكسة "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، فزعيمها "جورج حبش".
وأسس حزب البعث العراقي سنة [1969م] منظمة "الصاعقة".
وأسس الشيوعيون منظمة "قوات الأنصار".
و "منظمة فلسطين" التي أسسها الناصريون.
ثم بعد ذلك توترت العلاقة بين هذه المنظمات فبعد أن قام القوميون أنصار جورج حبش وغيره برفع شعارات مثل "عمان هانوي العرب" و "كل السلطة للمقاومة" و "تحرير فلسطين يبدأ بإسقاط الحكم الرجعي في عمان"، وتحرش شباب المنظمات الفلسطينية الرهيبة فيما سمّي "بمذابح أيلول الأسود"، فارتكبت أبشع أنواع القتل والإبادة للفلسطينيين - وأولهم القوميون - على يد الجيش الأردني في مخيمات عمان وجرش وإربد، حتى فاق عدد القتلى من الجانبين عدد قتلى حرب [1967م]، وقال حبش كلمته المشهورة: (لقد حاربت النظام الأردني بمنظمة التحرير).
ولا تكاد تنتهي المأساة حتى يكتشف أن عبد الناصر هو الذي أعطى الضوء الأخضر للسلطات الأردنية للقيام بما قامت به، ولعل أحد أسباب ذلك أن المنظمات الفلسطينية كانت قد خرجت في مظاهرات عارمة تندد بجمال عبد الناصر وسياساته بعد قبوله مبادرة "روجرز" في [يوليو/1970م].
وبعد أن انتقلت المقاومة إلى لبنان وبدأت الحرب الأهلية في لبنان بحادث الأتوبيس في "عين الرمانة" في [3/7/1975م]، ووجد الفلسطينيون أنفسهم طرفاً في الحرب، وبعد أن دحرت القوات الفلسطينية والقوات اللبنانية الوطنية الكتائبيين وحلفاءهم الموارنة تدخل الجيش السوري بقوات قوامها [30,000] ألف جندي في [5/6/1976م] ودحر القوات المشتركة الفلسطينية واللبنانية بعد أن تخلى كمال جنبلاط عن الفلسطينيين ووقف الشيعة إلى جانب القوات النصيرية، وكانت بعد ذلك مذبحة تل الزعتر [14/8/1976م]. وانطلق الموارنة كالوحوش الكاسرة يذبحون النساء والشيوخ يبقرون الحوامل، وينتهكون أعراض الحرائر، وظهرت صورهم على شاشة التلفاز في معظم بلدان العالم وهم يشربون كؤوس الخمر احتفالاً بالنصر على الفلسطينيين، كل ذلك تحت مظلة الحماية السورية وقادتها القوميين.
ناهيك عن تدمير المباني والمنشآت الحيوية فدمر الجيش السوري مصفاة البترول التي كانت تمد سوريا نفسها بالمواد البترولية.
وإذا انتقلنا إلى اليمن فسوف نجد الرفاق الخمر في عدن ينقلب بعضهم على بعض، ويقاتل بعضهم بعضا حتى بلغ عدد القتلى [12] ألف قتيل وأكثر من [30,000] جريح، مع أنهم جميعاً ينتمون لفكر واحد هو الفكر الشيوعي الممزوج بالقومية والتي أرسى دعائمها جورج حبش من قبل.
وعلى صعيد المغرب العربي، لا تزال مشكلة الصحراء قائمة بين المغرب والجزائرالتي تدعم جبهة البوليساريو التي تقاتل من أجل استقلال الصحراء، وكم من الضحايا قتل من أجل ذلك.
ولو ذهبنا نسرد المخازي والمساوئ لطال المقام ونحسب أن في هذا كفاية للتدليل على فساد فكرة القومية من ناحية الواقع التي يعيشه القوميون.
إن أول ما ظهرت دعوى القومية في أوروبا في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، ثم صارت لا يؤبه بها هناك، لأنها ترمز إلى التخلف والرجعية عندهم، ولكن ابتلي بها العالم العربي والأمة الإسلامية.
ولكن من الذي دعى للقومية العربية؟ ولماذا؟
كما ذكرنا أن القومية العربية فكرة أوروبية المنشأ. أما الذين قاموا على نقلها ونشرها في المنطقة العربية فهم النصارى، فالفكرة أوروبية والتنفيذ صليبي.
أما الأهداف التي من أجلها ظهرت دعوى القومية فهي: طرد تركيا دولة الخلافة من المنطقة، وتفريغ المنطقة والعالم الإسلامي من دينه بإحلال العروبة مكان الدين، وبالتالي يمكن أن يدخل مكانه أي دين أو فكر جديد في المنطقة، وهذا ما حدث.
أما كون النصارى هم الذين بدأوا بالدعوة لهذه الفكرة، وكانوا هم زعماء القوميين في المنطقة، فهذا واضح جداً كما أشار إليه معرّب كتاب " لعبة الأمم). من أن أكثر من تسعين بالمائة من قادة حركة القومية العربية هم خريجو الجامعة الأمريكية في بيروت، ويشير كذلك إلى أسماء زعماء القومية العربية وكلهم من النصارى ومن هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر:
ميشيل عفلق؛ زعيم حزب البعث العربي الاشتراكي.
وأنطون سعادة؛ زعيم القوميين السوريين.
وجورج حبش؛ زعيم القوميين العرب.
وقسطنطين زريق وغيرهم.
دين جديد
أما أنها دين جديد يريد القوميون أن يحلوه محل الإسلام، فذلك واضح جداً في كتاباتهم، ومن أقوالهم، ومن ومنهم من يصرح بذلك دون مواربة.
فيقول عمر فاخوري في كتابة "كيف ينهض العرب": (لا ينهض العرب إلا إذا أصبحت العروبة مبدأ يغار عليه العربي كما يغار المسلم على قرآنه).
وفي هذا الشأن يقول لورنس أيضاً: (وأخذت أفكر طوال الطريق في سوريا وفي الحج وأتساءل: هل تتغلب القومية ذات يوم على الاعتقاد الديني؟ وبمعنى أصح هل تحل المثل العليا السياسية محل الوحي والإلهام؟ وتستبدل سوريا بمثلها الأعلى الديني مثلها الأعلى الوطني؟ هذا ما كان يجول في خاطري طول الطريق).
ويقول جُبّ المستشرق المعروف وبصراحة تامة: (وقد كان من أهم مظاهر فَرْنَجَة العالم الإسلامي تنمية الاهتمام ببعث الحضارات القديمة التي ازدهرت في البلاد المختلفة والتي يشغلها المسلمون الآن، فمثل هذا الاهتمام موجود في تركيا ومصر واندونيسيا والعراق وفارس، وقد تكون أهميته محصورة الآن في تقوية شعور العداء لأوربا، ولكن من الممكن أن يلعب في المستقبل دوراً مهماً في تقوية الوطنية الشعوبية وتدعيم مقوماتها).
ومن هنا نرى أن مساعدة حكومات الاحتلال الغربية الحكومات الوطنية في الشرق الإسلامي والعربي خاصة في كل المشاريع التي من شأنها تقوية الشعوبية فيها، وعمل الحدود بين البلاد، وإبراز تاريخ هذه البلاد ما قبل الإسلام، وتدريسه للطلاب والتفاخر بالحضارات القديمة المصرية والأشورية وغيرها، وجعل الاختلاف حتى في الأشياء البسيطة كغطاء الرأس والزي القومي وكل ذلك يعمق فكرة القومية في نفوس الناس.
ويستمر القوميون في الدعوة لأن تحل العروبة محل الإسلام، فيكتب بعض القوميون الذين يتسمون بأسماء المسلمين، فيقول محمود تيمور في مجلة "العالم العربي" عدد [171]: (وأن كُتّاب العرب في أعناقهم أمانة بأن يكونوا حواريين لتلك النبوة الصادقة القومية العربية يزكونها بأقلامهم).
ويقول في هذا الصدد أيضاً علي ناصر الدين في كتابه "قضية العرب": (العروبة نفسها دين لنا نحن القوميين العرب المؤمنين العريقين من المسيحيين والمسلمين، ولئن كان لكل عهد نبوته المقدسة فإن القومية العربية هي نبوة هذا العصر). ويقول في مجلة العربي عدد [2/يناير/1959]: (القومية العربية يجب أن تنزل من قلوب العرب أينما كانوا منزلة وحدة الله من قلوب المسلمين).
ويزداد التبجح والكفر في قول إبراهيم خلاص البعثي السوري في مجلة الجيش السوري في [25/4/1967]، أي قبل الهزيمة أو النكسة بشهر ونصف تقريباً فيقول: (والطريق الوحيد لتشييد حضارة العرب وبناء المجتمع العربي هو خلق الإنسان الاشتراكي العربي، الذي يؤمن أن الله والأديان والإقطاع ورأس المال والمتخمين وكل القيم ليست إلا دمى محنطة في متاحف التاريخ) - تعالى الله عما يقول علواً كبيرا -
فها هي أقوال وكتابات القوميين ومن أوحي لهم واضحة في أنهم يريدون أن تحل القومية محل الإسلام، ومن هنا قامت كل الانقلابات العسكرية في المنطقة العربية منذ أول انقلاب، تم فيها وكان في سوريا على يد حسني الزعيم، ثم انقلاب مصر عام [1952م]، ولقد كانت الشعارات التي ترفعها هذه الانقلابات هي القومية العربية.
وأشار مايلز كوبلاند في كتابه "لعبة الأمم" إلى أنهم قرروا أن يرفع جمال عبد الناصر في مصر شعار القومية العربية على الرغم على حد قولة من أن الشعار الإسلامي إذا رفعه جمال سيعطيه مساحة جماهيرية أكبر، ولكنهم خافوا من انتشاره، ولكبح التيار الإسلامي المتنامي أملوا عليه أن يرفع شعار القومية الذي ضرب به الإسلام ضربة كبيرة.
وها هي الايكونمست البريطانية تقول في مقال عام [1962م] عنوانه "الإسلام ضد القومية": (لقد وضع العرب منذ الحرب العالمية الأولى القومية في المقام الأول عندما حاربوا الأتراك إلى جانب الانجليز من أجل التحرر، باستثناء القلة الهزيلة من الإخوان المسلمين، فليس هناك في العالم العربي اليوم أناس ذوي تفكير سياسي يضعون مجتمع الدولة الإسلامية فوق قوميتهم).
وحتى الأحزاب التي تمخضت في أرض الواقع، كل مؤسسيها وزعمائها من النصارى، فظهرت أحزاب البعث العربي الأشتراكي، وحزب القوميين العرب وحزب القوميين السوريين.
أما حزب القوميين العرب فخرج من الجامعة الأمريكية، فلقد كان رئيس الجامعة دودج وقسطنطين زريق يشجعون الآراء القومية وسط الطلاب ويدفعون الطلاب دفعاً للقيام بمظاهرات ضد فرنسا باسم العروبة.
ورّبى قسطنطين زريق تلميذاً قاد القوميون العرب ومازال؛ هو جورج حبش.
أما القوميون السوريون؛ فزعيمهم أنطون سعادة الذي قُتل ثم تولت أرملته القيادة، وبعدها جاء أسد أشقر ثم جورج عبد المسيح.
وحزب البعث بشقيه، صاحب الخيانات الكبيرة، فزعيمه هو ميشيل عفلق الذي نال من البابا وساماً رفيعاً، وقال له البابا: (لقد فعلت ما لم تفعله جميع الجمعيات التبشيرية طيلة ثلاثة قرون).
وحينما عاد إلى العراق [كتبوا عنه]؛ "الإله العائد"، ومن المضحكات المبكيات ما حدث عندما هلك، فقد أقيمت عليه صلاة الجنازة في كل أرجاء العراق، وصلى أبناؤه عليه مع المصلين، ومن الجدير بالذكر أن صدام حسين الرئيس العراقي وهو تلميذ وفيّ للهالك عفلق يقول: (إن جلسة واحدة مع الاستاذ كما كان يطلق عليه استلهم منها مدداً لمدة ستة شهور آتية).
وجدير بالذكر كذلك أن عفلق هو الذي أوعز للانجليز بتدبير الانقلاب الذي قام به أحمد حسن البكر، وعين صداماً نائباً له، ثم ها هو الآن ومنذ سنوات رئيساً للعراق يطحن أهلها طحناً، وتعدىّ الأمر هذا الحد فاتجه إلى دول الخليج ليبتر منها الأموال تحت تهديد عضلاته، ثم تدخله السافر في الكويت وتهديده المنطقة كلها بتدخل أجنبي، خاصة وأن جيوش هذه الدول جيوش لم تعد لقتال.
عقيدة القوميين
ولكن لماذا كانت العقيدة الشيوعية هي عقيدة كل الأحزاب؟
كل الأحزاب القومية العربية ذات فكر اشتراكي، وذلك لأن القومية كما ذكرنا أنفاً جاءت لتقوض الإسلام وتخرجه من نفوس وقلوب المسلمين، فكان لا بد من وجود فكرة عقائدية يعتنقها الناس والمجتمعات، وذلك لأن المجتمعات لا تقبل الفراغ، ولما كانت الرأسمالية ليس لها توجه عقائدي، كانت الاشتراكية هي الفكرة البديلة، ومن ثم كانت كل الأحزاب القومية أحزاباً ذات توجه شيوعي، فطالما تغنت إذاعة البعث في سوريا ليلاً ونهاراً:
آمنت بالبعث ربا لا شريك له وبالعروبة دينا ما له ثاني
فكانت الشيوعية كعقيدة هي عقيدة كل القوميين قال شاعرهم:
سلام على كفر يوحد بيننا وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم
وكان شباب المقاومة الفلسطينية أيام العمل الفدائي، الذين يتبعون جورج حبش ونايف حواتمة وغيرهم من القوميين يرددون:
إن تسأل عني فهذي قيمي أنا ماركسي لينيني أممي
وهكذا كان ديدن الشباب الذين فتنوا بالقومية العربية في الخمسينات والستينات، يتفاخرون بأنهم قوميون عرب اشتراكيون تقدميون، وكانت الأسماء المفضلة لهم هي: كاسترو، وجيفارا، وهوشي منّه، وماو، وغيرها من أسماء زعماء الاشتراكية، بل أن بعضهم لم يكن يسمي نفسه إلا بأبي جهل وأبي لهب، ولعل قصة وزير الصحة الأردني الذي كنى نفسه: بـ "أبي لهب" معروفة.
جرائم القوميين
أما عمليات الإبادة والقتل التي قام بها القوميون ضد القوميون فلا يمكن سردها كاملة، وسنكتفي بطرف منها.
قبل نكبة يونيو [1967م] كان النشاط الفدائي قد بدأ ولما كان أول بيان للمنظمة قد استهل بالقول: (إتكالاً على الله وإيماناً منا بواجب الجهاد المقدس). فإن ذلك كان كفيلاً بأن تضيق أنظمة دول المواجهة مع إسرائيل على الفدائيين، وراحت تطاردهم وتعتقلهم، لأنهم "إخوان مسلمون" كما زعم بعض الحكام القوميون، ولأن هذه العمليات ستكفلهم مواجهة مع العدو الإسرائيلي وهم ليسوا مستعدين لها ولا يريدونها، أما بعد النكسة فقد اضطرت هذه الدول أن تسمح للفدائيين بعمل قواعد لهم في بعض هذه البلدان، ومن أجل ألا يتجاوز العمل الفدائي الهدف المطلوب، سارعوا إلى تأسيس ودعم منظمات مشبوهة.
فأسس حزب البعث النصيري السوري بعد النكسة "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، فزعيمها "جورج حبش".
وأسس حزب البعث العراقي سنة [1969م] منظمة "الصاعقة".
وأسس الشيوعيون منظمة "قوات الأنصار".
و "منظمة فلسطين" التي أسسها الناصريون.
ثم بعد ذلك توترت العلاقة بين هذه المنظمات فبعد أن قام القوميون أنصار جورج حبش وغيره برفع شعارات مثل "عمان هانوي العرب" و "كل السلطة للمقاومة" و "تحرير فلسطين يبدأ بإسقاط الحكم الرجعي في عمان"، وتحرش شباب المنظمات الفلسطينية الرهيبة فيما سمّي "بمذابح أيلول الأسود"، فارتكبت أبشع أنواع القتل والإبادة للفلسطينيين - وأولهم القوميون - على يد الجيش الأردني في مخيمات عمان وجرش وإربد، حتى فاق عدد القتلى من الجانبين عدد قتلى حرب [1967م]، وقال حبش كلمته المشهورة: (لقد حاربت النظام الأردني بمنظمة التحرير).
ولا تكاد تنتهي المأساة حتى يكتشف أن عبد الناصر هو الذي أعطى الضوء الأخضر للسلطات الأردنية للقيام بما قامت به، ولعل أحد أسباب ذلك أن المنظمات الفلسطينية كانت قد خرجت في مظاهرات عارمة تندد بجمال عبد الناصر وسياساته بعد قبوله مبادرة "روجرز" في [يوليو/1970م].
وبعد أن انتقلت المقاومة إلى لبنان وبدأت الحرب الأهلية في لبنان بحادث الأتوبيس في "عين الرمانة" في [3/7/1975م]، ووجد الفلسطينيون أنفسهم طرفاً في الحرب، وبعد أن دحرت القوات الفلسطينية والقوات اللبنانية الوطنية الكتائبيين وحلفاءهم الموارنة تدخل الجيش السوري بقوات قوامها [30,000] ألف جندي في [5/6/1976م] ودحر القوات المشتركة الفلسطينية واللبنانية بعد أن تخلى كمال جنبلاط عن الفلسطينيين ووقف الشيعة إلى جانب القوات النصيرية، وكانت بعد ذلك مذبحة تل الزعتر [14/8/1976م]. وانطلق الموارنة كالوحوش الكاسرة يذبحون النساء والشيوخ يبقرون الحوامل، وينتهكون أعراض الحرائر، وظهرت صورهم على شاشة التلفاز في معظم بلدان العالم وهم يشربون كؤوس الخمر احتفالاً بالنصر على الفلسطينيين، كل ذلك تحت مظلة الحماية السورية وقادتها القوميين.
ناهيك عن تدمير المباني والمنشآت الحيوية فدمر الجيش السوري مصفاة البترول التي كانت تمد سوريا نفسها بالمواد البترولية.
وإذا انتقلنا إلى اليمن فسوف نجد الرفاق الخمر في عدن ينقلب بعضهم على بعض، ويقاتل بعضهم بعضا حتى بلغ عدد القتلى [12] ألف قتيل وأكثر من [30,000] جريح، مع أنهم جميعاً ينتمون لفكر واحد هو الفكر الشيوعي الممزوج بالقومية والتي أرسى دعائمها جورج حبش من قبل.
وعلى صعيد المغرب العربي، لا تزال مشكلة الصحراء قائمة بين المغرب والجزائرالتي تدعم جبهة البوليساريو التي تقاتل من أجل استقلال الصحراء، وكم من الضحايا قتل من أجل ذلك.
ولو ذهبنا نسرد المخازي والمساوئ لطال المقام ونحسب أن في هذا كفاية للتدليل على فساد فكرة القومية من ناحية الواقع التي يعيشه القوميون.