ابو اكرام فتحون
2014-08-13, 23:03
بسم الله الرحمن الرحيم
مَاذا أنْتَجَ لنَا التَّصوفّ ؟ مِنْ حَديثِ الإِمَامِ الإبْــرَاهِيــمي – رحمه الله
مبحث مستل من الكِتاب الفذّ :
مَواقِفُ المُصْلِحِينَ الجَزَائِريِّينَ مِنْ رُسُومِ المتُصَوّفِينَ وَأَوْضَاعِ الطُّرقيِّينَ
ويقول الإمام الشَّيخ البشير الإبراهيمي - رحمه الله : " فقد أصبحت هذه الكلمة التي غفلوا عنها أُمًّا ولودًا تَلِدُ البَرِّ والفاجر ثم تمادى بها الزمن فأصبحت قلعة محصنة تُؤْوي كلّ فاسق وكلّ زنديق وكلّ مُـمَخْرِق وكلّ داعر وكلّ ساحر ، وكلّ لصّ وكلّ أفَّاكٍ آثيم ، وانظر طبقات الشعراني الكبرى وما طبع على غرارها من الكتب تجد أصناف بهذه القلعة – وهم ببركة حمايتها – طلقاء من قيود الشريعة " (1) ، ولا تزال هذه الكتب الصوفية – للأسف – يُروَّج لها ، وتُعَاد طباعتها ، ويُتمدَّح بها ، على أنها تراثٌ أصيل ، تركه الأجداد للأحفاد ، " أَفَيَجْمُلُ بجنود الإصلاح أن يدَعوا هذه القلعة تحمي الضلال وتؤويه أم يجب عليهم أن يحملوا حملة صادقة شعارهم : " لا صوفية في الإسلام " حتى يدُكُّوها دكًّا وينسفونها نَسْفًا ويَذَرُوها على عروشها ؟ " (2) .
ونقول [الشَّيخ سمير سمراد – حفظه الله ] : بل يجب عليهم أن يحملوا حملةً صادقةً على قلعة الباطل ، غَيْرَةً على الدين ، ونصحًا للمسلمين ، وكفى تغريرًا بهم ، وغشًّا لهم .
ونقول للذين لا يزالون يحسنون الظنَّ بهذه المذاهب ، أو لا يزالون يُصَوِّرُونَها في صورة جميلة ! ويعملون على إظهار محاسنها ! :
إنَّ مصطلح "التَّصوفّ" لا يخلو من أمرين :
إمَّا أن يدل على معان مخالفةٍ لما جاء به الشرع ، فيكفي هذا دليلاً على بطلانه [ وهذا هو موضعُهُ ] .
وإمَّا أن يكون دالاًّ على معان مشروعةٍ ، ففي هذه الحال يجب تسميةُ هذه المعاني المشروعة بالأسماء التي سمَّاها بها الشرع ، فإنه لما ابتُدِعَ هذا المصطلح انفتح بابٌ للشرِّ عظيمٌ ، وتسبّب في أضرار بالغة على المسلمين ، فقد أدخل عليهم الكثير من العقائد المنحرفة والتصوّرات الفاسدة " (3) .
وختامًا :
يقول الإمام [الشَّيخ البشير الإبراهيمي –رحمه الله ] في فصلٍ آخر ، يجمعُ ما تقدَّمَ بيانُهُ ، ويخلُصُ فيه إلى الموقف الحقِّ مِنْ هذه النِّحْلة :
" والصوفية ، أو الطرقية – كما نسميِّها نحن في مواقفنا معها – هي نزعة مستحدثةٌ في الإسلام لا تخلو من بذور فارسية قديمة ، بما أنَّ نشأة هذه النزعة كانت ببغداد في النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة ، واصطباغ بغداد بالألوان الفارسية في الدين والدنيا معروف ، وتدسّس بعض المتنطعين من الفرس إلى مكامن العقائد الإسلامية لإفسادها ، لا يقلُّ عن تدسّس بعضهم إلى مجامع السياسة ، وبعضهم إلى فضائل المجتمع وآدابها لإفسادها ، ومبنى هذه النِّحْلَة في ظاهر أمرها التبتّل والانقطاع للعبادات التي جاء بها الإسلام ، ومجاهدة النفس من طريق الرياضة بِفَطْمِهَا عن الشهوات حتى تصفو الروح وترقّ وتتأهل لمشارفة الـملاءِ الأعلى ، وتكون بمقربة من أفق النبوّة ، وتتذوّق لذة العبادة الروحية ، وقد افترق النازعون إلى هذه النزعة من أول خطوةٍ فِرَقًا ، وذهبوا فيها مذاهب ، من القصد الذي يمثّله أبو القاسم الجُنَيْد ، إلى الغلوّ الذي يمثله أبو منصور الحلاج ، إلى ما بين هذين الطرفين .
وكانت لأئمة السنّة وحمايتها – الواقفين عند حدودها ومقاصدها ومأثوراتها – مواقف مع الحاملين لهذه النزعة ، وموازين يزنون بها أعمالهم وآراءهم وما يبدر على ألسنتهم من القول فيها ، ولسان هذه الموازين هو صريح الكتاب وصحيح السنّة ، وكانت في أول ظهورها بسيطة تنحصر في الخلوة للعبادة أو الجلوس لإرشاد وتربـية من يشهد مجالسهم ، ثم استفحل أمرها فاستحالت علمًا ومستقلاًّ يشكّل معجمًا كاملاً للاصطلاحات ، ودوّنت فيها الدواوين التي تحلّل وتشرح ، وتصف الألوان الباطنية للنفس ، وتبيّن الطريق الموصل إلى الله والوسيلة المؤدية للسعادة وكيفية الخلاص من مضائق هذه الطريق وأوْعارها ، ثم انتقلت في القرون الوسطى من تلك الأعمال التي تستر أصحابها ، إلى الأقوال التي تفضحهم ، فخاضوا في شرح مغيَّبات ، وأفاضوا في جدال مكشوف بينهم وبين خصومهم ، وكانوا سببًا من الأسباب الأصلية في شقّ الأمة شقّين : أنصارًا ومنكرين ، وضاعت في هذا الضجيج ثمرة هذه النِّحْلَة وهي رياضة النفس اللَّجوج على العبادة وقمع نزواتها البدنية ، وأصبحت هذه النَّحْلة أقوالاً تدافع ، يقولها من لا يفقه لها معنى ، فضلاً عن أن تصطبغ بها نفسه ، والحقُّ في هذه النزعة أنها صبغة روحية مرجوحة في ميزان الشرع وأحكامه ، وإنما يُقبل منها ما يُساير المأثور ، ولا يُجافي المعروف من هَدْيِ محمد صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه ، فإنَّ الدين قد تكامل بختام الوحي ، والزيادة فيه بعد ذلك كالنقص منه كلاهما منكرٌ ، وكلاهما مرفوضٌ ، وما لم يكن يومئذٍ دينًا فليس بدين بعد ذلك " (4)
[الشَّيخ سمير سمراد – حفظه الله ] : وخُلاصةُ الخُلاصة ، ما قاله الشَّيخ أبو بكر جابر الجزائري في رسالته : " إلى التصوف ... يا عباد الله " ! : " إنَّ التَّصوُّف إمَّا أن يكون هو الإسلام أو غيره ، فَإِنْ كان هو الإسلام فَحَسْبُنَا الإسلامُ ، وإِنْ كان غيره فلا حاجةَ لنا به " إ.هــ
الحواشي :
(1) : "آثار الإمام الإبراهيمي" (1/175) .
(2) : المصدر نفسُهُ .
(3) : انظر : مقدمة الدكتور محمد الخميس على رسالة "الحماسة السنية في الرد على بعض الصوفية" للشَّيخ حسن البحيري – رحمه الله (ص:4-9) .
(4) : "آثار الإمام الإبراهيمي" (5 /141-142) .
- منقول للفائدة بإذن الله -
مَاذا أنْتَجَ لنَا التَّصوفّ ؟ مِنْ حَديثِ الإِمَامِ الإبْــرَاهِيــمي – رحمه الله
مبحث مستل من الكِتاب الفذّ :
مَواقِفُ المُصْلِحِينَ الجَزَائِريِّينَ مِنْ رُسُومِ المتُصَوّفِينَ وَأَوْضَاعِ الطُّرقيِّينَ
ويقول الإمام الشَّيخ البشير الإبراهيمي - رحمه الله : " فقد أصبحت هذه الكلمة التي غفلوا عنها أُمًّا ولودًا تَلِدُ البَرِّ والفاجر ثم تمادى بها الزمن فأصبحت قلعة محصنة تُؤْوي كلّ فاسق وكلّ زنديق وكلّ مُـمَخْرِق وكلّ داعر وكلّ ساحر ، وكلّ لصّ وكلّ أفَّاكٍ آثيم ، وانظر طبقات الشعراني الكبرى وما طبع على غرارها من الكتب تجد أصناف بهذه القلعة – وهم ببركة حمايتها – طلقاء من قيود الشريعة " (1) ، ولا تزال هذه الكتب الصوفية – للأسف – يُروَّج لها ، وتُعَاد طباعتها ، ويُتمدَّح بها ، على أنها تراثٌ أصيل ، تركه الأجداد للأحفاد ، " أَفَيَجْمُلُ بجنود الإصلاح أن يدَعوا هذه القلعة تحمي الضلال وتؤويه أم يجب عليهم أن يحملوا حملة صادقة شعارهم : " لا صوفية في الإسلام " حتى يدُكُّوها دكًّا وينسفونها نَسْفًا ويَذَرُوها على عروشها ؟ " (2) .
ونقول [الشَّيخ سمير سمراد – حفظه الله ] : بل يجب عليهم أن يحملوا حملةً صادقةً على قلعة الباطل ، غَيْرَةً على الدين ، ونصحًا للمسلمين ، وكفى تغريرًا بهم ، وغشًّا لهم .
ونقول للذين لا يزالون يحسنون الظنَّ بهذه المذاهب ، أو لا يزالون يُصَوِّرُونَها في صورة جميلة ! ويعملون على إظهار محاسنها ! :
إنَّ مصطلح "التَّصوفّ" لا يخلو من أمرين :
إمَّا أن يدل على معان مخالفةٍ لما جاء به الشرع ، فيكفي هذا دليلاً على بطلانه [ وهذا هو موضعُهُ ] .
وإمَّا أن يكون دالاًّ على معان مشروعةٍ ، ففي هذه الحال يجب تسميةُ هذه المعاني المشروعة بالأسماء التي سمَّاها بها الشرع ، فإنه لما ابتُدِعَ هذا المصطلح انفتح بابٌ للشرِّ عظيمٌ ، وتسبّب في أضرار بالغة على المسلمين ، فقد أدخل عليهم الكثير من العقائد المنحرفة والتصوّرات الفاسدة " (3) .
وختامًا :
يقول الإمام [الشَّيخ البشير الإبراهيمي –رحمه الله ] في فصلٍ آخر ، يجمعُ ما تقدَّمَ بيانُهُ ، ويخلُصُ فيه إلى الموقف الحقِّ مِنْ هذه النِّحْلة :
" والصوفية ، أو الطرقية – كما نسميِّها نحن في مواقفنا معها – هي نزعة مستحدثةٌ في الإسلام لا تخلو من بذور فارسية قديمة ، بما أنَّ نشأة هذه النزعة كانت ببغداد في النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة ، واصطباغ بغداد بالألوان الفارسية في الدين والدنيا معروف ، وتدسّس بعض المتنطعين من الفرس إلى مكامن العقائد الإسلامية لإفسادها ، لا يقلُّ عن تدسّس بعضهم إلى مجامع السياسة ، وبعضهم إلى فضائل المجتمع وآدابها لإفسادها ، ومبنى هذه النِّحْلَة في ظاهر أمرها التبتّل والانقطاع للعبادات التي جاء بها الإسلام ، ومجاهدة النفس من طريق الرياضة بِفَطْمِهَا عن الشهوات حتى تصفو الروح وترقّ وتتأهل لمشارفة الـملاءِ الأعلى ، وتكون بمقربة من أفق النبوّة ، وتتذوّق لذة العبادة الروحية ، وقد افترق النازعون إلى هذه النزعة من أول خطوةٍ فِرَقًا ، وذهبوا فيها مذاهب ، من القصد الذي يمثّله أبو القاسم الجُنَيْد ، إلى الغلوّ الذي يمثله أبو منصور الحلاج ، إلى ما بين هذين الطرفين .
وكانت لأئمة السنّة وحمايتها – الواقفين عند حدودها ومقاصدها ومأثوراتها – مواقف مع الحاملين لهذه النزعة ، وموازين يزنون بها أعمالهم وآراءهم وما يبدر على ألسنتهم من القول فيها ، ولسان هذه الموازين هو صريح الكتاب وصحيح السنّة ، وكانت في أول ظهورها بسيطة تنحصر في الخلوة للعبادة أو الجلوس لإرشاد وتربـية من يشهد مجالسهم ، ثم استفحل أمرها فاستحالت علمًا ومستقلاًّ يشكّل معجمًا كاملاً للاصطلاحات ، ودوّنت فيها الدواوين التي تحلّل وتشرح ، وتصف الألوان الباطنية للنفس ، وتبيّن الطريق الموصل إلى الله والوسيلة المؤدية للسعادة وكيفية الخلاص من مضائق هذه الطريق وأوْعارها ، ثم انتقلت في القرون الوسطى من تلك الأعمال التي تستر أصحابها ، إلى الأقوال التي تفضحهم ، فخاضوا في شرح مغيَّبات ، وأفاضوا في جدال مكشوف بينهم وبين خصومهم ، وكانوا سببًا من الأسباب الأصلية في شقّ الأمة شقّين : أنصارًا ومنكرين ، وضاعت في هذا الضجيج ثمرة هذه النِّحْلَة وهي رياضة النفس اللَّجوج على العبادة وقمع نزواتها البدنية ، وأصبحت هذه النَّحْلة أقوالاً تدافع ، يقولها من لا يفقه لها معنى ، فضلاً عن أن تصطبغ بها نفسه ، والحقُّ في هذه النزعة أنها صبغة روحية مرجوحة في ميزان الشرع وأحكامه ، وإنما يُقبل منها ما يُساير المأثور ، ولا يُجافي المعروف من هَدْيِ محمد صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه ، فإنَّ الدين قد تكامل بختام الوحي ، والزيادة فيه بعد ذلك كالنقص منه كلاهما منكرٌ ، وكلاهما مرفوضٌ ، وما لم يكن يومئذٍ دينًا فليس بدين بعد ذلك " (4)
[الشَّيخ سمير سمراد – حفظه الله ] : وخُلاصةُ الخُلاصة ، ما قاله الشَّيخ أبو بكر جابر الجزائري في رسالته : " إلى التصوف ... يا عباد الله " ! : " إنَّ التَّصوُّف إمَّا أن يكون هو الإسلام أو غيره ، فَإِنْ كان هو الإسلام فَحَسْبُنَا الإسلامُ ، وإِنْ كان غيره فلا حاجةَ لنا به " إ.هــ
الحواشي :
(1) : "آثار الإمام الإبراهيمي" (1/175) .
(2) : المصدر نفسُهُ .
(3) : انظر : مقدمة الدكتور محمد الخميس على رسالة "الحماسة السنية في الرد على بعض الصوفية" للشَّيخ حسن البحيري – رحمه الله (ص:4-9) .
(4) : "آثار الإمام الإبراهيمي" (5 /141-142) .
- منقول للفائدة بإذن الله -