rachaklo
2014-08-02, 10:03
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، ومن تبعهم واقتفى، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله -عباد الله- وسارعوا إلى مغفرته ورضاه، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل حلول الآجال، وانقطاع الأعمار -جعلني الله وإياكم من عباده المتقين، وأوليائه الصالحين، الذي لا خوف عليهم ولا هم يحزنون-.
أيها الإخوة في الله: ها هي مأساة وأخبار إخواننا في بلاد الشام، في سوريا المجد والإباء، وفي غزة الجريحة غزة المحاصرة والشموخ، ها هي أخبارهم تصب أذاننا صباحا ومساءً، أخبار مفجعة، وأهوال مفزعة، تتفطر لهولها الأكباد، وتعتصر بالهم منها الأفئدة، كيف تحلو الحياة، ويطيب العيش، وإخواننا في سوريا الجريحة، يمارس معهم الباطنيون والمجرمون، ومن شايعهم من الكافرين والظالمين أبشع صور الإبادة، وأنكى مظاهر الإجلال في حرب انعدمت فيها أيسر فرص التكافل المادي.
كيف يهنأ الشرفاء بطعام وشراب وشيوخ وأطفال في بلاد الشام، وخارج بلاد الشام الشيوخ والأطفال واليتامى والثكالى محاصرون في بيوتهم ومنازلهم، ومشردون في مخيمات الإيواء واللجوء، يتعرضون في الداخل للقصف والتدمير كل لحظة، بلا غذاء ولا دواء ولا شراب.
ويتعرضون في مخيمات اللجوء لشدة البرد، وشدة الثلوج، وغيرها من أنواع البلاء الذي نزل بهم، كيف يرتاح المسلم كذلك وإخواننا في غزة المحاصرة بلا كهرباء ولا دواء ولا طعام ولا كساء وتزداد معاناة هؤلاء تزداد معاناة إخواننا في سوريا وفي غزة على وجه الخصوص، في فلسطين تزداد معاناتهم هذه الأيام، مع اشتداد البرد، ودخول موسم الشتاء، وتساقط الثلوج والأمطار الغزيرة عليهم.
تزداد معاناتهم يوم لا يجدون مأوى يتدفئون ويستدفئون فيه، تزداد معاناتهم يوم تقطع عنهم الكهرباء وتقطع عنهم مواد تشغيل محطات الكهرباء في غزة، تزداد معاناتهم يوم تداهم السيول والثلوج مخيمات اللاجئين في تركيا وفي الأردن وفي لبنان.
إننا -أيها الإخوة المسلمون-: أمام ابتلاء حقيقي، أمام اختبار عملي، إن ما يحصل على أرض سوريا وغزة المحاصرة ابتلاء للأمة كلها، ابتلاء للضمير الإسلامي، بل للضمير الإنساني العامة، فهل تقف الأمة كلها بكافة شرائحها، ومختلف أصعدتها، وعامة أجهزتها، هل تقف وقفة صادقة، وقفة جادة مثمرة في التفاعل الحقيقي مع قضية إخواننا في بلاد الشام، وفي غزة المباركة، تتجلى في الدعم غير المحدود في الدعم المتواصل الدعم المادي والمعنوي؟!.
إنه –والله- أعظم اختبار تواجهه الأمة في هذه المرحلة العصيبة من تاريخها: (هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)[محمد: 38].
أيها الإخوة في الله: إن ما يعاني منه إخواننا في سوريا وغزة اليوم وقبل اليوم ليس مرده تجبر الظالمين، وعدوان المعتدين، وبطش النصيرين المجرمين، واليهود الغاصبين، ومن شايعهم من الكافرين فحسب، بل إن وراء ذلك أسباب عديدة، ومنها وفي مقدمتها: تقاعس المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها عن نصرة إخوانهم، وضعفهم وخلودهم إلى الأرض، وعدم اكتراثهم بما يجري هناك في بلاد الشام، وفي فلسطين المباركة.
ووالله لو وقف المسلمون كلهم وقفة جادة في مشارق الأرض ومغاربها، وفي هذه البلاد على وجه الخصوص، وفي بلاد الخليج لو وقفوا وقفة جادة مع إخوانهم في سوريا وفي فلسطين وغزة وغيرهم من بلاد المسلمين، وسارت قضايا المسلمين تعيش معنا وتحيا، وتأكل وتشرب، نصبح ونمسي على ذكرها، ونعد الإعداد الحقيقي المناسب لها.
لو حصل ذلك مع قضايا المسلمين، وبخاصة قضية سوريا وقضية فلسطين لتغيرت الأحوال، وتبدلت الأوضاع: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد: 11].
فهل نري الله من أنفسنا خيرا؟ هل تكون هذه المصائب والأحزان والجراح والأحزان التي يمر بها إخواننا هناك بداية انطلاقة جادة جديدة وبداية تفاعل جاد مثمر مع قضايا المسلمين العامة وبخاصة قضية سوريا وفلسطين؟.
أفيتداعى لنصرة الباطل أهل الباطل يتداعون لنصرة باطلهم، ويتقاعس المسلمون أهل الحق والعدل، أهل السنة والجماعة عن نصرة الحق الذي معهم، وعن دعم إخوانهم في الدنيا والعقيدة، في وقت يتعرضون فيه لأشبع صور الإبادة والتصفية؟.
والله ليسألنا ربنا عز- وجل- عن هذه المحنة، عن هذه المصيبة، وعن هذه النازلة ماذا فعلنا تجاهها؟ وماذا عملنا لنصرتها؟ وما المواقف الحقيقية التي وقفناها معها؟ ماذا فعلنا لليتامى والأرامل؟ ماذا قدمنا للأطفال والمساكين والمعوزين؟ ماذا قدمنا للمجاهدين الذين يحملون أرواحهم على أكفهم دفاعا عن الإسلام وحرمات الإسلام؟
ليعد كل واحد منا لهذا السؤال جوابا عند من يعلم السر وأخفى: (وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ)[الأنفال: 73].
أيها الإخوة المسلمون: إن ما يقدمه العبد لنصرة إخوانه المسلمين المضطهدين المشردين إنما يقدمه في الحقيقة لنفسه، فالرابح أولا وأخيرا هو أنت أيها المتصدق المنفق، أنت الرابح يوم تكون يوم العرض الأكبر في ظل صدقتك وبرك وإحسانك، يوم تجد ما أنفقته ابتغاء وجه الله موفى مدخر لك عند ربك أوفى ما يكون، وأكثر ما يكون: (وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)[البقرة: 110].
واستمع -رحمك الله- إلى هذه الآيات الكريمات التي توضح شيء من ثمار الإنفاق في سبيل الله، وما يجنيه المنفق في دنياه وآخراه جراء بذله وإحسانه، يقول ربكم -عز وجل- في كتابه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)[الصف: 10-11].
هذه هي التجارة كما أخبر الله -عز وجل- فاستمع إلى أرباحها وفوائدها: (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[الصف: 12].
هذه فوائد الآخرة وثمارها، فما ثمار الدنيا؟ (وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)[الصف: 13].
واستمع إلى ما أعد من أجل المنفق وحسناته: (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[البقرة: 261].
لقد أثبتت الوقائع ودلت الشواهد والأحوال أن أكثر الناس أمنا في الدنيا وعزا فيها وسعادة أولئك الذين سخرهم الله لنصرة إخوانهم، ودعم قضاياهم، أولئك الساعون على الأرامل واليتامى والمعوذين، أولئك الذين لا يبخلون بجهد ولا يدخرون وسعا في تفريج كربة مكروب، وإغاثة حزين ملهوف.
ها هي أم المؤمنين خديجة -رضي الله عنها- تدرك هذه الحقيقة، فتبشر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم عاد إليها فزعا بعد نزول الوحي عليه أول مرة، فقالت له: "كَلا وَاللَّهِ لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، وَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ".
إن من مقتضيات الإخوة الإسلامية بين المسلمين التي جعلها الله أوثق عرى الإيمان: أن يقف الأخ مع أخيه، دعما ونصرة وتأييدا وإعانة: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة".
وأي كربة وأي شدة يتعرض لها إخواننا في سوريا في الداخل، وفي مخيمات اللجوء، كما يتعرض لها إخواننا في غزة فلسطين كما يتعرض لها على وجه الخصوص هذه الأيام.
تأمل -أيها المسلم- هذا التوجيه النبوي الكريم: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه" أي لا يتركه ولا يسلمه لأعدائه، بل يقف بجانبه ولو كلفة ذلك نفسه وماله.
تأمل في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة" أي كربة يعيشها إخواننا في أرض الشام وفي غزة! أي شدة يعيشها إخواننا في الأرض المباركة لا غذاء ولا دواء ولا أمان ولا كساء ولا سلاح ولا كهرباء؛ فرحم الله امرءا سعي في تفريج كربتهم وتخفيف معاناتهم.
إن العجب ما يكاد ينتهي من هذا الصمت العجيب والتخاذل المشين عن دعم إخواننا في بلاد الشام وفي غزة الجريحة.
إن من المتأكد في ظل هذه الأزمة المتجددة والحصار الظالم الذي يتعرض له إخواننا في غزة اليوم أن يهب المسلمون جميعا في مشارق الأرض ومغاربها للوقوف مع إخوانهم، وأن تسير الحملات لدعم صمودهم وثباتهم، حتى يكتب الله النصر المبين لهم.
ولن يعجز المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها عن وسيلة للوصول إلى إخوانهم المحاصرين في غزة اليوم، كما لن يعجزوا عن وسيلة -بحمد الله- عن مد دعمهم ومعونتهم وبذل ما تجود به نفوسهم لتصل إلى إخوانهم في داخل سوريا وخارجها.
نسأل الله -عز وجل- أن يعيننا على أنفسنا حتى نقف وقفة إيجابية صادقة، وقفة شرف، وقفة عز وإيباء، مع إخواننا في مصابهم ومحنتهم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)[البقرة: 262].
بارك الله لي ولكن في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، ومن تبعهم واقتفى، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله -عباد الله- وسارعوا إلى مغفرته ورضاه، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل حلول الآجال، وانقطاع الأعمار -جعلني الله وإياكم من عباده المتقين، وأوليائه الصالحين، الذي لا خوف عليهم ولا هم يحزنون-.
أيها الإخوة في الله: ها هي مأساة وأخبار إخواننا في بلاد الشام، في سوريا المجد والإباء، وفي غزة الجريحة غزة المحاصرة والشموخ، ها هي أخبارهم تصب أذاننا صباحا ومساءً، أخبار مفجعة، وأهوال مفزعة، تتفطر لهولها الأكباد، وتعتصر بالهم منها الأفئدة، كيف تحلو الحياة، ويطيب العيش، وإخواننا في سوريا الجريحة، يمارس معهم الباطنيون والمجرمون، ومن شايعهم من الكافرين والظالمين أبشع صور الإبادة، وأنكى مظاهر الإجلال في حرب انعدمت فيها أيسر فرص التكافل المادي.
كيف يهنأ الشرفاء بطعام وشراب وشيوخ وأطفال في بلاد الشام، وخارج بلاد الشام الشيوخ والأطفال واليتامى والثكالى محاصرون في بيوتهم ومنازلهم، ومشردون في مخيمات الإيواء واللجوء، يتعرضون في الداخل للقصف والتدمير كل لحظة، بلا غذاء ولا دواء ولا شراب.
ويتعرضون في مخيمات اللجوء لشدة البرد، وشدة الثلوج، وغيرها من أنواع البلاء الذي نزل بهم، كيف يرتاح المسلم كذلك وإخواننا في غزة المحاصرة بلا كهرباء ولا دواء ولا طعام ولا كساء وتزداد معاناة هؤلاء تزداد معاناة إخواننا في سوريا وفي غزة على وجه الخصوص، في فلسطين تزداد معاناتهم هذه الأيام، مع اشتداد البرد، ودخول موسم الشتاء، وتساقط الثلوج والأمطار الغزيرة عليهم.
تزداد معاناتهم يوم لا يجدون مأوى يتدفئون ويستدفئون فيه، تزداد معاناتهم يوم تقطع عنهم الكهرباء وتقطع عنهم مواد تشغيل محطات الكهرباء في غزة، تزداد معاناتهم يوم تداهم السيول والثلوج مخيمات اللاجئين في تركيا وفي الأردن وفي لبنان.
إننا -أيها الإخوة المسلمون-: أمام ابتلاء حقيقي، أمام اختبار عملي، إن ما يحصل على أرض سوريا وغزة المحاصرة ابتلاء للأمة كلها، ابتلاء للضمير الإسلامي، بل للضمير الإنساني العامة، فهل تقف الأمة كلها بكافة شرائحها، ومختلف أصعدتها، وعامة أجهزتها، هل تقف وقفة صادقة، وقفة جادة مثمرة في التفاعل الحقيقي مع قضية إخواننا في بلاد الشام، وفي غزة المباركة، تتجلى في الدعم غير المحدود في الدعم المتواصل الدعم المادي والمعنوي؟!.
إنه –والله- أعظم اختبار تواجهه الأمة في هذه المرحلة العصيبة من تاريخها: (هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)[محمد: 38].
أيها الإخوة في الله: إن ما يعاني منه إخواننا في سوريا وغزة اليوم وقبل اليوم ليس مرده تجبر الظالمين، وعدوان المعتدين، وبطش النصيرين المجرمين، واليهود الغاصبين، ومن شايعهم من الكافرين فحسب، بل إن وراء ذلك أسباب عديدة، ومنها وفي مقدمتها: تقاعس المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها عن نصرة إخوانهم، وضعفهم وخلودهم إلى الأرض، وعدم اكتراثهم بما يجري هناك في بلاد الشام، وفي فلسطين المباركة.
ووالله لو وقف المسلمون كلهم وقفة جادة في مشارق الأرض ومغاربها، وفي هذه البلاد على وجه الخصوص، وفي بلاد الخليج لو وقفوا وقفة جادة مع إخوانهم في سوريا وفي فلسطين وغزة وغيرهم من بلاد المسلمين، وسارت قضايا المسلمين تعيش معنا وتحيا، وتأكل وتشرب، نصبح ونمسي على ذكرها، ونعد الإعداد الحقيقي المناسب لها.
لو حصل ذلك مع قضايا المسلمين، وبخاصة قضية سوريا وقضية فلسطين لتغيرت الأحوال، وتبدلت الأوضاع: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد: 11].
فهل نري الله من أنفسنا خيرا؟ هل تكون هذه المصائب والأحزان والجراح والأحزان التي يمر بها إخواننا هناك بداية انطلاقة جادة جديدة وبداية تفاعل جاد مثمر مع قضايا المسلمين العامة وبخاصة قضية سوريا وفلسطين؟.
أفيتداعى لنصرة الباطل أهل الباطل يتداعون لنصرة باطلهم، ويتقاعس المسلمون أهل الحق والعدل، أهل السنة والجماعة عن نصرة الحق الذي معهم، وعن دعم إخوانهم في الدنيا والعقيدة، في وقت يتعرضون فيه لأشبع صور الإبادة والتصفية؟.
والله ليسألنا ربنا عز- وجل- عن هذه المحنة، عن هذه المصيبة، وعن هذه النازلة ماذا فعلنا تجاهها؟ وماذا عملنا لنصرتها؟ وما المواقف الحقيقية التي وقفناها معها؟ ماذا فعلنا لليتامى والأرامل؟ ماذا قدمنا للأطفال والمساكين والمعوزين؟ ماذا قدمنا للمجاهدين الذين يحملون أرواحهم على أكفهم دفاعا عن الإسلام وحرمات الإسلام؟
ليعد كل واحد منا لهذا السؤال جوابا عند من يعلم السر وأخفى: (وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ)[الأنفال: 73].
أيها الإخوة المسلمون: إن ما يقدمه العبد لنصرة إخوانه المسلمين المضطهدين المشردين إنما يقدمه في الحقيقة لنفسه، فالرابح أولا وأخيرا هو أنت أيها المتصدق المنفق، أنت الرابح يوم تكون يوم العرض الأكبر في ظل صدقتك وبرك وإحسانك، يوم تجد ما أنفقته ابتغاء وجه الله موفى مدخر لك عند ربك أوفى ما يكون، وأكثر ما يكون: (وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)[البقرة: 110].
واستمع -رحمك الله- إلى هذه الآيات الكريمات التي توضح شيء من ثمار الإنفاق في سبيل الله، وما يجنيه المنفق في دنياه وآخراه جراء بذله وإحسانه، يقول ربكم -عز وجل- في كتابه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)[الصف: 10-11].
هذه هي التجارة كما أخبر الله -عز وجل- فاستمع إلى أرباحها وفوائدها: (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[الصف: 12].
هذه فوائد الآخرة وثمارها، فما ثمار الدنيا؟ (وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)[الصف: 13].
واستمع إلى ما أعد من أجل المنفق وحسناته: (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[البقرة: 261].
لقد أثبتت الوقائع ودلت الشواهد والأحوال أن أكثر الناس أمنا في الدنيا وعزا فيها وسعادة أولئك الذين سخرهم الله لنصرة إخوانهم، ودعم قضاياهم، أولئك الساعون على الأرامل واليتامى والمعوذين، أولئك الذين لا يبخلون بجهد ولا يدخرون وسعا في تفريج كربة مكروب، وإغاثة حزين ملهوف.
ها هي أم المؤمنين خديجة -رضي الله عنها- تدرك هذه الحقيقة، فتبشر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم عاد إليها فزعا بعد نزول الوحي عليه أول مرة، فقالت له: "كَلا وَاللَّهِ لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، وَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ".
إن من مقتضيات الإخوة الإسلامية بين المسلمين التي جعلها الله أوثق عرى الإيمان: أن يقف الأخ مع أخيه، دعما ونصرة وتأييدا وإعانة: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة".
وأي كربة وأي شدة يتعرض لها إخواننا في سوريا في الداخل، وفي مخيمات اللجوء، كما يتعرض لها إخواننا في غزة فلسطين كما يتعرض لها على وجه الخصوص هذه الأيام.
تأمل -أيها المسلم- هذا التوجيه النبوي الكريم: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه" أي لا يتركه ولا يسلمه لأعدائه، بل يقف بجانبه ولو كلفة ذلك نفسه وماله.
تأمل في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة" أي كربة يعيشها إخواننا في أرض الشام وفي غزة! أي شدة يعيشها إخواننا في الأرض المباركة لا غذاء ولا دواء ولا أمان ولا كساء ولا سلاح ولا كهرباء؛ فرحم الله امرءا سعي في تفريج كربتهم وتخفيف معاناتهم.
إن العجب ما يكاد ينتهي من هذا الصمت العجيب والتخاذل المشين عن دعم إخواننا في بلاد الشام وفي غزة الجريحة.
إن من المتأكد في ظل هذه الأزمة المتجددة والحصار الظالم الذي يتعرض له إخواننا في غزة اليوم أن يهب المسلمون جميعا في مشارق الأرض ومغاربها للوقوف مع إخوانهم، وأن تسير الحملات لدعم صمودهم وثباتهم، حتى يكتب الله النصر المبين لهم.
ولن يعجز المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها عن وسيلة للوصول إلى إخوانهم المحاصرين في غزة اليوم، كما لن يعجزوا عن وسيلة -بحمد الله- عن مد دعمهم ومعونتهم وبذل ما تجود به نفوسهم لتصل إلى إخوانهم في داخل سوريا وخارجها.
نسأل الله -عز وجل- أن يعيننا على أنفسنا حتى نقف وقفة إيجابية صادقة، وقفة شرف، وقفة عز وإيباء، مع إخواننا في مصابهم ومحنتهم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)[البقرة: 262].
بارك الله لي ولكن في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم