السيدة الأخرى
2009-07-29, 23:06
لا مكان لا وطن
من مدة غير بعيدة ، أيقنت من دون شك أن الكاتب وحده لا يستطيع إيصال فكرته الرئيسية التي بنى عليها مشروعه الأدبي من رواية أو قصة أو مسرح أو حتى شعر ؛ و لو كان أسلوبه بسيطا إلى أبعد الحدود ؛ ولو أيضا إختار من الطبقات من هم يكدحون ؛ و من البشر من هم يبكون لأن الحياة رسمت على وجوههم بسمة حزينة إلى الأبد ؛
إنه بعد كل محاولاته النبيلة في أن يتقاسم مع السواد الأعظم همومه و ألامه في الكد من أجل العيش ، ؛ يظل هدا الكاتب في احتياج دائم لقارئ جيد ، قارئ يحمل في أعماقه روح فنان ؛ يستطيع أن يفك بحساسيته الجميلة أسرارالنص فيتفاعل معه و يغوص في مكنوناته ؛ و يفك طلاسمه ؛ و حتى يمكنه أن يتوحد مع شخصيات ، يجدها شبيهة له إلى حد ما مع اختلاف المكان والزمان ؛ وكما يحتاج النص لمن يفهمه ؛ الشخصيات التي يصنعها الكاتب أيضا تحتاج لمن يستوعبها و يدرك جمالها ليزداد شغفا و متعة ؛ متعة لا يمكن أن تشتريها بالمال متى أردت ؛ شيء شبيه بالإكتشاف ؛ لا يمكن لأحد أن يدركه إن لم يكن يشبهك في حب الفن للفن ؛ و قد كانت لي تجربة ممتعة مع نص من نوادر ما كتب في فيما يخص الأعمال التلفزيونية ؛ حتى لو كان من الأعمال التي لا تجلب لها الأنظار لأنها ببساطة ؛ تخلو من رفاهية الغنى الكادب ، من كل بدخ لا يمد للواقع بصلة ؛ كانت أحداثه تدور في بيئة ريفية متواضعة ، حيث عانت فتاة من قضية شرف ؛ أدت بها إلى رميها في النهر من قبل العشيرة دون أن تدري أن أباها سينقدها فيما بعد لأنه يحبها حبا كبيرا باعتبارها البنت الوحيدة إلى جانب ابن أخر ؛ كانت منى شابة جميلة و رقيقة كنسمة هواء ؛ لم تدخل المدرسة قط لأن البنات كن يحرمن من ذلك بينما الذكور يسمح لهم بالتعلم و اكتساب المعارف ؛ كانت عفويتها المنكسرة التي تبدو فيها الفتاة واعية بكل ما يدور حولها تزيد من جاذبيتها ؛ لأنها كانت تتوق للخوض في معركة الحياة ؛ بعيدا عن الرتابة التي ألفتها أمها و جدتها من قبل ؛ إلى أن جاء اليوم الدي خرجت فيه العصفورة من قفصها ؛ فتعرفت على الجنس الأخر ؛ رجل يقول لها كلمات لا تفهمها ؛ لم تسمع بها من قبل و لا حتى من أبوها؛ كائن أخر يقحمها في أحلام جديدة و يقرأ لها الروايات ؛ بينما كانت هي تحتقر نفسها في حضرته و تندب حظ الليالي الفارطة من دون أن تتعلم ؛ كلاهما كان يبحث عن جزئه الأخر ؛ بعيدا عن عجرفة فتيات المدينة و ضياعهن في التشبه بصلابة الرجال و خشونتهم .؛ كانت هي البلسم و كان هو المرفأ .
كادت منى أن تغرق لأنها لا تجيد السباحة ، كما أنها قيدت بالحبال من رأسها إلى أخمص قدميها لولا إنقادها من قبل غطاس ماهر بفارق دقائق و هي على وشك موت أكيد ؛ لقد كادت أن تدفع حياتها ثمنا للجهل الذي بات يتخبط فيه أهل العشيرة ؛ موروثات بالية لا تمد للرحمة بصلة و لا للعقل ؛ لكن الحب ظل موجودا في قلب أبيها لأنه كان رجلا طيبا ؛ عانى الكثير من وراء ابنته ، فقد العمل و الأهل ثم اضطر إلى الرحيل هربا من الفضيحة ، و انطلقت منى لوحدها تسلك طريق النور ؛ تبحث عن نفسها ؛ تستجيب لنداء المنطق المتراكم في أعماقها ؛ تعلمت كيف تكتب اسمها و استخرجت بطاقة هوية و عرفت أنها فرد من أفراد هدا الوطن الدي يسع الجميع ؛ رفضت الارتباط بالرجل الدي جرها معه نحو الخطيئة رغم أنه عاد ليقترن بها ؛ لكنه تأخر في العودة و تركها تواجه لوحدها العاصفة التي هبت فيها من دون رحمة ؛ و كم هو صعب الوقوف في وجه الكل بكبرياء أمي ؟ ؛ لم يفقه من الدنيا غير حدود بيت فقير شبيها بالسجن ؛ و لكن القدر اختارها دونا عن بنات أعمامها الاثنين اللذان كانا يقيمان مع زوجتيهما و الأبناء ، إلى جانب أبيها ؛ الأخ الأكبر و لكنه الصادق الصدوق ؛ لقد فضلت المعاناة النفسية الرهيبة على أن تقبل زواجا مهينا ؛ كانت تدري أن كرامتها قبل كل شيء ؛ فلمادا تراه استغل ضعف نظرتها للحياة ؛ لمادا لم يكفها شر نفسه ؟ إن التغيير المباشر قد يهزنا حتى من دون أن نشعر ؛ خاصة أن منى لم تحي كما يجب ؛ لم تدق طعم الحرية قط ؛ لذا لم تكن مسؤولة يوما ؛ لم تحمل على عاتقها هم الخطأ فكانت إنسانة بلا هموم ؛ إنه أمر عجيب ؟ فمتى أخطأ ابن أدم تقرب إلى الله لأنه المنزه عن الخطأ ؛ و متى لم يخطأ تشبه بالملائكة و لا مكان له على الأرض ؛ و لن يدري ساعة اكتشافه لأنسنته أي ثمن سيدفع ؟ .
لقد دفعت منى شرفها ثمن لذلك و لكنها رضيت بتضحيتها مقابل خروج أناها إلى أرض الواقع ؛ مع نزار دلك الغطاس الدي رافقها خطوة بخطوة ؛ لقنها دروسا في الخط وعلمها كيف تقرأ جريدة ؛ حماها من نفسه و ترك لها حرية الإختيار و يدري أنه قد يخسر المعركة ؛ كانت المقارنة واضحة بين رجل أرادها جاهلة كي تبقى تحت رحمته و بين أخر ؛ تفانى في احترام عقلها رغم أنها لا تحسن القراءة و الكتابة ؛ كانت ترى في وجه الأول سعادتها البدائية التي حظيت بها صدفة و هي مارة على الطريق و لكنها لم تكن صدفة ؟ كان ترددها مبهم بالنسبة لها ؛ بين اختيار العقل أو القلب ؛ و بقي نزار ينتظرها ؛ ظل رفيقا لها في محنها و ظلت هي تؤسس لدات أخرى ؛ دات حرة ، غير مكبلة ، منطلقة نحو الحقيقة التي لا يمكنها أن تكون مطلقة مهما سلكنا في هده الحياة من سبل .
لمادا نربي أبناءنا إدا كأنهم شوكة في صدورنا ؛ لا لأنهم حدث جميل في حياتنا ؛ منحونا السعادة لحظة انجابهم ؛ جعلونا أباءا و أمهات ؛ و ساعدونا في مواصلة الحياة دون الشعور بالملل أو الفراغ القاتل ؛ لقد ملئوا قلوبنا غبطة و فرح بعدما كنا نشعر بالوحدة و الخوف ؛ لكننا لا ندري أنهم ليسوا بحاجة إلى العتاب أو العقوبة بقدر حاجتهم لمن يستوعب نمط الأفكار التي تدور في رؤوسهم مهما كانت ؛ إنهم بحاجة لمن يقف إلى جانبهم دون أن يسلبهم حريتهم التي هي أصلا جزء من حرية الله وهو جل و علا من نفخ روحهم من روحه ؛ ليجدوا المكان و الوطن.
من مدة غير بعيدة ، أيقنت من دون شك أن الكاتب وحده لا يستطيع إيصال فكرته الرئيسية التي بنى عليها مشروعه الأدبي من رواية أو قصة أو مسرح أو حتى شعر ؛ و لو كان أسلوبه بسيطا إلى أبعد الحدود ؛ ولو أيضا إختار من الطبقات من هم يكدحون ؛ و من البشر من هم يبكون لأن الحياة رسمت على وجوههم بسمة حزينة إلى الأبد ؛
إنه بعد كل محاولاته النبيلة في أن يتقاسم مع السواد الأعظم همومه و ألامه في الكد من أجل العيش ، ؛ يظل هدا الكاتب في احتياج دائم لقارئ جيد ، قارئ يحمل في أعماقه روح فنان ؛ يستطيع أن يفك بحساسيته الجميلة أسرارالنص فيتفاعل معه و يغوص في مكنوناته ؛ و يفك طلاسمه ؛ و حتى يمكنه أن يتوحد مع شخصيات ، يجدها شبيهة له إلى حد ما مع اختلاف المكان والزمان ؛ وكما يحتاج النص لمن يفهمه ؛ الشخصيات التي يصنعها الكاتب أيضا تحتاج لمن يستوعبها و يدرك جمالها ليزداد شغفا و متعة ؛ متعة لا يمكن أن تشتريها بالمال متى أردت ؛ شيء شبيه بالإكتشاف ؛ لا يمكن لأحد أن يدركه إن لم يكن يشبهك في حب الفن للفن ؛ و قد كانت لي تجربة ممتعة مع نص من نوادر ما كتب في فيما يخص الأعمال التلفزيونية ؛ حتى لو كان من الأعمال التي لا تجلب لها الأنظار لأنها ببساطة ؛ تخلو من رفاهية الغنى الكادب ، من كل بدخ لا يمد للواقع بصلة ؛ كانت أحداثه تدور في بيئة ريفية متواضعة ، حيث عانت فتاة من قضية شرف ؛ أدت بها إلى رميها في النهر من قبل العشيرة دون أن تدري أن أباها سينقدها فيما بعد لأنه يحبها حبا كبيرا باعتبارها البنت الوحيدة إلى جانب ابن أخر ؛ كانت منى شابة جميلة و رقيقة كنسمة هواء ؛ لم تدخل المدرسة قط لأن البنات كن يحرمن من ذلك بينما الذكور يسمح لهم بالتعلم و اكتساب المعارف ؛ كانت عفويتها المنكسرة التي تبدو فيها الفتاة واعية بكل ما يدور حولها تزيد من جاذبيتها ؛ لأنها كانت تتوق للخوض في معركة الحياة ؛ بعيدا عن الرتابة التي ألفتها أمها و جدتها من قبل ؛ إلى أن جاء اليوم الدي خرجت فيه العصفورة من قفصها ؛ فتعرفت على الجنس الأخر ؛ رجل يقول لها كلمات لا تفهمها ؛ لم تسمع بها من قبل و لا حتى من أبوها؛ كائن أخر يقحمها في أحلام جديدة و يقرأ لها الروايات ؛ بينما كانت هي تحتقر نفسها في حضرته و تندب حظ الليالي الفارطة من دون أن تتعلم ؛ كلاهما كان يبحث عن جزئه الأخر ؛ بعيدا عن عجرفة فتيات المدينة و ضياعهن في التشبه بصلابة الرجال و خشونتهم .؛ كانت هي البلسم و كان هو المرفأ .
كادت منى أن تغرق لأنها لا تجيد السباحة ، كما أنها قيدت بالحبال من رأسها إلى أخمص قدميها لولا إنقادها من قبل غطاس ماهر بفارق دقائق و هي على وشك موت أكيد ؛ لقد كادت أن تدفع حياتها ثمنا للجهل الذي بات يتخبط فيه أهل العشيرة ؛ موروثات بالية لا تمد للرحمة بصلة و لا للعقل ؛ لكن الحب ظل موجودا في قلب أبيها لأنه كان رجلا طيبا ؛ عانى الكثير من وراء ابنته ، فقد العمل و الأهل ثم اضطر إلى الرحيل هربا من الفضيحة ، و انطلقت منى لوحدها تسلك طريق النور ؛ تبحث عن نفسها ؛ تستجيب لنداء المنطق المتراكم في أعماقها ؛ تعلمت كيف تكتب اسمها و استخرجت بطاقة هوية و عرفت أنها فرد من أفراد هدا الوطن الدي يسع الجميع ؛ رفضت الارتباط بالرجل الدي جرها معه نحو الخطيئة رغم أنه عاد ليقترن بها ؛ لكنه تأخر في العودة و تركها تواجه لوحدها العاصفة التي هبت فيها من دون رحمة ؛ و كم هو صعب الوقوف في وجه الكل بكبرياء أمي ؟ ؛ لم يفقه من الدنيا غير حدود بيت فقير شبيها بالسجن ؛ و لكن القدر اختارها دونا عن بنات أعمامها الاثنين اللذان كانا يقيمان مع زوجتيهما و الأبناء ، إلى جانب أبيها ؛ الأخ الأكبر و لكنه الصادق الصدوق ؛ لقد فضلت المعاناة النفسية الرهيبة على أن تقبل زواجا مهينا ؛ كانت تدري أن كرامتها قبل كل شيء ؛ فلمادا تراه استغل ضعف نظرتها للحياة ؛ لمادا لم يكفها شر نفسه ؟ إن التغيير المباشر قد يهزنا حتى من دون أن نشعر ؛ خاصة أن منى لم تحي كما يجب ؛ لم تدق طعم الحرية قط ؛ لذا لم تكن مسؤولة يوما ؛ لم تحمل على عاتقها هم الخطأ فكانت إنسانة بلا هموم ؛ إنه أمر عجيب ؟ فمتى أخطأ ابن أدم تقرب إلى الله لأنه المنزه عن الخطأ ؛ و متى لم يخطأ تشبه بالملائكة و لا مكان له على الأرض ؛ و لن يدري ساعة اكتشافه لأنسنته أي ثمن سيدفع ؟ .
لقد دفعت منى شرفها ثمن لذلك و لكنها رضيت بتضحيتها مقابل خروج أناها إلى أرض الواقع ؛ مع نزار دلك الغطاس الدي رافقها خطوة بخطوة ؛ لقنها دروسا في الخط وعلمها كيف تقرأ جريدة ؛ حماها من نفسه و ترك لها حرية الإختيار و يدري أنه قد يخسر المعركة ؛ كانت المقارنة واضحة بين رجل أرادها جاهلة كي تبقى تحت رحمته و بين أخر ؛ تفانى في احترام عقلها رغم أنها لا تحسن القراءة و الكتابة ؛ كانت ترى في وجه الأول سعادتها البدائية التي حظيت بها صدفة و هي مارة على الطريق و لكنها لم تكن صدفة ؟ كان ترددها مبهم بالنسبة لها ؛ بين اختيار العقل أو القلب ؛ و بقي نزار ينتظرها ؛ ظل رفيقا لها في محنها و ظلت هي تؤسس لدات أخرى ؛ دات حرة ، غير مكبلة ، منطلقة نحو الحقيقة التي لا يمكنها أن تكون مطلقة مهما سلكنا في هده الحياة من سبل .
لمادا نربي أبناءنا إدا كأنهم شوكة في صدورنا ؛ لا لأنهم حدث جميل في حياتنا ؛ منحونا السعادة لحظة انجابهم ؛ جعلونا أباءا و أمهات ؛ و ساعدونا في مواصلة الحياة دون الشعور بالملل أو الفراغ القاتل ؛ لقد ملئوا قلوبنا غبطة و فرح بعدما كنا نشعر بالوحدة و الخوف ؛ لكننا لا ندري أنهم ليسوا بحاجة إلى العتاب أو العقوبة بقدر حاجتهم لمن يستوعب نمط الأفكار التي تدور في رؤوسهم مهما كانت ؛ إنهم بحاجة لمن يقف إلى جانبهم دون أن يسلبهم حريتهم التي هي أصلا جزء من حرية الله وهو جل و علا من نفخ روحهم من روحه ؛ ليجدوا المكان و الوطن.