ايفانوف
2009-07-28, 11:27
http://69.59.144.138/icon.aspx?m=blank
ان الحمد لله ، نحمده و نستعينه ، و نستغفره ، و نعوذ بالله</STRONG></STRONG>
من شرور انفسنا و من سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له</STRONG></STRONG>
و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أن محمدا </STRONG></STRONG>
عبده و رسوله صلى الله عليه و على آله و أصحابه و من تبعهم</STRONG></STRONG>
بإحسان الى يوم الديـــن و سلم تسليما كثيرا ، أما بعد ...
أهلا بكم زوار وأعضاء ومشرفي ومراقبي وإدارة منتدياتنا
كل ما يتعلق بشهر شعبان تجده هنا إن شاء الله</STRONG>
شهر شعبان
المبحث الأول : بعض الآثار الواردة فيه .
المبحث الثاني : بدعة الاحتفال بليلة النصف من شعبان .
المبحث الثالث : بدعة الصلاة الألفية .
المبحث الأول
بعض الآثار الواردة فيه
1. عن عائشة -رضي الله عنها- قالت : (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم ، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان ، وما رايته أكثر صياماً منه في شعبان )) متفق عليه829.
2. عن أبي سلمة أن عائشة -رضي الله عنها-حدثته قالت:((لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهراً أكثر من شعبان، وكان يصوم شعبان كله )) ، وكان يقول : (( خذوا من العمل ما تطيقون ، فإن الله لا يمل حتى تملوا ، وأحب الصلاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما دوام عليه وإن قلت ، وكان إذا صلى صلاة دوام عليها )) متفق عليه830 .
3. عن عمران بن حصين- رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأله – أو سأل رجلاً وعمران يسمع -فقال : (( يا فلان أما صمت من سرر831 هذا الشهر ؟)) . قال : أظنه يعني رمضان ، قال الرجال: لا يا رسول الله . قال : (( فإذا أفطرت فصم يومين )) متفق عليه832 .
4. عن أبي سلمة قال : سمعت عائشة – رضي الله عنها – تقول : (( كان يكون علي الصوم من رمضان ، فما استطيع أن أقضيه إلا في شعبان )) متفق عليه833 .
5. عن عبد الله بن أبي قيس أنه سمع عائشة تقول : كان أحب الشهور إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يصومه شعبان ثم يصله برمضان ))834.
6. عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ))835 .
7. عن أبي هريرة – رضي الله عنه –عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((لا يتقدمنَّ أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم )) متفق عليه836 .
8. عن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت:((ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان))837
9. عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- قال : قلت يا رسول الله لم أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم من شعبان ؟ قال صلى الله عليه وسلم: (( ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان ، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين ، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم ))838.
10. عن أنس-رضي الله عنه- قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الصوم أفضل بعد رمضان ؟ قال : (( شعبان لتعظيم رمضان ، قال فأي الصدقة أفضل ؟ قال : الصدقة في رمضان ))839 .
11. عن عائشة -رضي الله عنها- قالت فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فخرجت فإذا هو بالبقيع ، فقال صلى الله عليه وسلم: (( أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله ؟ )) قلت : يا رسول الله ظننت أنك أتيت بعض نسائك ، فقال : (( إن الله تبارك وتعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب840 ))841 .
12. عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان ، فيغفر لجميع خلقه ، إلا لمشرك أو مشاحن ))842.
13. عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إذ كانت ليلة النصف من شعبان، فقوموا نهارها، فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا ، فيقول: ألا من مستغفر فأغفر له! ألا مسترزق فأرزقه !ألا مبتلى فأعافيه! ألا كذا ألا كذا،حتى يطلع الفجر))843
وقد ورد في فضل شهر شعبان والصلاة فيه أحاديث حكم عليها الحفاظ بأنها موضوعة منها :
قوله صلى الله عليه وسلم : (( رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي.......)).
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ((يا علي من صلى مائة ركعة في ليلة النصف من شعبان، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب و ((قل هو الله أحد )) عشر مرات . قال النبي صلى الله عليه وسلم : يا علي ما من عبد يصلي هذه الصلوات إلا قضى عز وجل له كل حاجة طلبها تلك الليلة .......)) الحديث844. وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم:((من صلى ليلة النصف من شعبان ثنتي عشرة ركعة، يقرأ في كل ركعة((قل هو الله أحد)) ثلاثين مرة ، لم يخرج حتى يرى مقعده من الجنة....))845 - والله أعلم .
بدعة الاحتفال بليلة النصف من شعبان
روي عن عكرمة -رحمه الله- أنه قال في تفسير قوله تعالى : { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}846 : أن هذه الليلة هي ليلة النصف من شعبان ، يبرم فيها أمر السنة ، وينسخ الأحياء من الأموات ، ويكتب الحاج فلا يزاد فيهم أحد ، ولا ينقص منهم أحد847 .
قال ابن كثير-رحمه الله- في تفسير قوله تعالى :{ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}848: يقول تعالى مخبراً عن القرآن العظيم أنه أنزله في ليلة مباركة ، وهي ليلة القدر كما قال عز وجل :{ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر}849 ، وكان ذلك في شهر رمضان كما قال تبارك وتعالى :{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ }850.
وقد ذكرنا الأحاديث الواردة في ذلك في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته851.
ومن قال إنها ليلة النصف من شعبان كما روي عن عكرمة فقد أبعد النجعة852 ، فإن نص القرآن في رمضان853 ا.هـ .
فللعلماء في قوله تعالى :{ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} قولان :
أحدهما : أنها ليلة القدر وهو قول الجمهور .
الثاني : أنها ليلة النصف من شعبان ، قاله عكرمة .
والراجح -والله أعلم- ما ذهب إليه جمهور العلماء من أن هذه الليلة المبارك هي ليلة القدر ، لا ليلة النصف من شعبان ، لأن الله سبحانه وتعالى أجملها في قوله :{ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ}. وبينها في سورة البقرة بقوله:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } وبقوله تعالى:{ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر}854 .
فدعوى أنها ليلة النصف من شعبان لاشك أنها دعوى باطلة ، لمخالفتها النص القرآني الصريح ، ولاشك أن كل ما خالف الحق فهو باطل، والأحاديث التي يوردها بعضهم في أنها من شعبان المخالفة لصريح القرآن لا أساس لها، ولا يصح سند شيء منها كما جزم به العربي وغير واحد من المحققين، فالعجب كل العجب من مسلم يخالف نص القرآن الصريح بلا مستند من كتاب ولا سنة صحيحة855.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ( في معرض كلامه عن الأوقات الفاضلة التي قد يحدث فيها ما يعتقد أنه له فضيلة وتوابع ذلك، ما يصير منكراً ينهى عنه : ومن هذا الباب ليلة النصف من شعبان فقد روي في فضلها من الأحاديث المرفوعة والآثار ما يقتضي أنها ليلة مفضلة ، وأن من السلف من كان يخصها بالصلاة ، وصوم شهر شعبان قد جاءت فيه أحاديث صحيحة .
ومن العلماء من السلف من أهل المدينة وغيرهم من الخلف من أنكر فضلها ، وطعن في الأحاديث الواردة فيها كحديث إن الله يغفر لأكثر من عدد غنم كلب ))، وقال لا فرق بينها وبين غيرها .
لكن الذي عليه أكثر أهل العلم ، أو أكثرهم من أصحابنا وغيرهم على تفضيلها ، وعليه يدل نص أحمد، لتعدد الأحاديث الواردة فيها ، وما يصدق ذلك من الآثار السلفية، وقد روي بعض فضائلها في المسانيد والسنن856وإن كان قد وضع فيها أشياء أخر)857ا.هـ
وقال الحافظ ابن رجب : (وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام كخالد بن معدان ومكحول ولقمان بن عامر وغيرهم يعظمونها ويجتهدون فيها في العبادات ، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها ، وقد قيل إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية ، فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان اختلف الناس في ذلك، فمنهم من قبله ووافقهم على تعظيمها، منهم طائفة من عبّاد أهل البصرة وغيرهم ، وأنكر ذلك أكثر علماء الحجاز منهم عطاء وابن أبي مليكة ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة 858، وهو قول أصحاب مالك وغيرهم ، وقالوا ذلك كله بدعة .
واختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولين :
أحدهما : أنه يستحب إحياؤها جماعة في المساجد ، كان خالد بن معدان ، ولقمان بن عامر ، وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم ويتبخرون ويكتمون ويقومون في المسجد ليلتهم تلك ، ووافقهم إسحاق بن راهويه على ذلك ، وقال في قيامها في المساجد : ليس ذلك ببدعة . نقله عنه حرب الكرماني في مسائله .
والثاني : أنه قول الأوزاعي إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم ، وهذا هو الأقرب إن شاء الله تعالى859 .ا.هـ .
فالحاصل أن جمهور العلماء اتفقوا على كراهة الاجتماع في المساجد ليلة النصف من شعبان للصلاة والدعاء ، فإحياء ليلة النصف من شعبان في المساجد على سبيل المداومة كل سنة ، أو كل فترة بدعة محدثة في الدين.
وأما صلاة الإنسان فيها لخاصة نفسه في بيته ، أو في جماعة خاصة فللعلماء فيه قولان :
الأول :أن ذلك بدعة وهو قول أكثر علماء الحجاز ومنهم عطاء وابن أبي مليكة، ونقل عن فقهاء أهل المدينة، وهو قول أصحاب مالك وغيرهم860.
الثاني : أنه لا يكره صلاة الإنسان لنفسه في بيته ، أو في جماعة خاصة ،- في ليلة النصف من شعبان - .
وهو قول الأوزاعي ، واختيار الحافظ ابن رجب ، وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية .
والذي يترجح عندي – والله أعلم – ما ذهب إليه أصحاب القول الأول – أن ذلك بدعة - .
ويمكن الجواب عن قول أصحاب الثاني – القول بعدم الكراهة – بعدة وجوه منها :
الوجه الأول : أنه ليس هناك دليل على فضل هذه الليلة ، ولم يثبت- حسب اطلاعي المحدود- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أحياها ،ولا عن أحد من أصحابه- رضوان الله عليهم -،ولا عن التابعين- رحمة الله عليهم- عدا من اشتهر عنهم تفضيلها وأحياؤها وهم الثلاثة الذين ذكرهم ابن رجب – ولو فعلوه لاستشهد بفعلهم من فضلها وأحياها ، وإنما هو أمر محدث بعدهم ، فهو أمر مبتدع ، وليس له أصل من الكتاب أو السنة أو الإجماع .
قال أبو شامة : ( وقال الحافظ أبو الخطاب بن دحية – في كتاب ما جاء في شهر شعبان : قال أهل التعديل والتجريح : ليس في فضل ليلة النصف من شعبان حديث صحيح )861.ا.هـ .
وذكر ابن رجب ( أن قيام ليلة النصف من شعبان لم يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ، وثبت فيها عن طائفة من التابعين من أعيان فقهاء أهل الشام )862.
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز : ( وقد ورد في فضلها -ليلة النصف من شعبان- أحاديث ضعيفة لا يجوز الاعتماد عليها، وأما ما ورد في فضل الصلاة فيها فكله موضوع كما نبه على ذلك كثير من أهل العلم)863.ا.هـ.
الوجه الثاني : أن الحافظ ابن رجب وهو الذي نقل تفضيل بعض التابعين لهذه الليلة864 وإحياءهم لها في المساجد ذكر أن مستندهم في ذلك ما بلغهم من آثار إسرائيلية ، ومتى كانت الآثار الإسرائيلية مستنداً ؟!.
وذكر أيضاً أن الناس أخذوا عنهم فضلها وتعظيمها فمتى كان عمل التابعي حجة ؟! .
الوجه الثالث : أن العلماء المعاصرين للقائلين بفضل ليلة النصف من شعبان قد أنكروا عليهم ذلك ، ولو كان للمفضلين دليل لاحتجوا به على المنكرين عليهم ، ولكن لم ينقل عنهم ذلك ، لاسيما وأن من المنكرين عليهم عطاء بن أبي رباح الذي كانت إليه الفتيا في زمانه865 . والذي قال فيه ابن عمر -رضي الله عنهما - : تجمعون لي المسائل وفيكم ابن أبي رباح .
الوجه الرابع : أن قوله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان ، فيغفر لجميع خلقه ، إلا لمشرك أو مشاحن))866.
ليس فيه دليل على تخصيص ليلة النصف من شعبان بفضل من دون الليالي الأخرى، لأنه ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول : من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له))867 . فاطلاعه سبحانه وتعالى على خلقه ، وغفرانه لهم ، ليس متوقف على ليلة معينة في السنة ، أو ليالي معدودة .
الوجه الخامس : أن من اختار القول بأنه لا يكره صلاة الإنسان فيها لخاصة نفسه ، لم يدعم اختياره بالدليل ، ولو كان هناك دليل لذكره ، ومن أنكر ذلك استدل بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )) وعموم الأحاديث والآثار الدالة على النهي عن البدع والتحذير منها .
قال الشيخ ابن باز-رحمه الله-:( وأما ما اختاره الأوزاعي -رحمه الله- من استحباب قيامها للأفراد ، واختيار الحافظ ابن رجب لهذا القول فهو غريب وضعيف،لأن كل شيء لم يثبت بالأدلة الشرعية كونه مشروعاً لم يجز للمسلم أن يحدثه في دين الله، سواء فعله مفرداً أو في جماعة ، وسواء أسره أو أعلنه لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) . وغيره من الأدلة الدالة على إنكار البدع والتحذير منها )868 .ا.هـ .
وقال أيضاً بعد أن ذكر جملة من الآيات والأحاديث وكلام أهل العلم حول ما ورد في ليلة النصف من شعبان:
ومما تقدم من الآيات والأحاديث وكلام أهل العلم، يتضح لطالب الحق أن الاحتفال بليلة النصف من شعبان بالصلاة أو غيرها، وتخصيص يومها بالصيام بدعة منكرة عند أكثر أهل العلم ، وليس له أصل في الشرع المطهر ، بل هو مما حدث في الإسلام بعد عصر الصحابة – رضي الله عنهم - ، ويكفي طالب الحق في هذا الباب وغيره قول الله عز وجل:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}869 .وما جاء في معناها من الآيات ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) وما جاء في معناه من الأحاديث ، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(( لا تختصموا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تختصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن تكون في صوم يصومه أحدكم ))870 فلو كان تخصيص شيء من الليالي بشيء من العبادة جائزا ، لكانت ليلة الجمعة أولى من غيرها ، لأن يومها هو خير يوم طلعت عليه الشمس871 بنص الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فلما حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من تخصيصها بقيام من بين الليالي ، دل ذلك على أن غيرها من الليالي من باب أولى لا يجوز تخصيص شيء منها بشيء من العبادة ، إلا بدليل صحيح يدل على التخصيص ، ولما كانت ليلة القدر وليالي رمضان يشرع قيامها والاجتهاد فيها ، نبه صلى الله عليه وسلم على ذلك وحث الأمة على قيامها ، وفعل ذلك بنفسه ،كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه))872فلو كانت ليلة النصف من شعبان، أو ليلة أول جمعة من رجب، أو ليلة الإسراء والمعراج يشرع تخصيصها باحتفال أو شيء من العبادة لأرشد النبي صلى الله عليه وسلم الأمة ولم يكتموه عنهم ، وهم خير الناس، وأنصح الناس بعد الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- ، ورضي الله عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم-وأرضاهم ، وقد عرفت آنفاً من كلام العلماء أنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه – رضي الله عنهم – شيء في فضل ليلة أول جمعة من رجب ، ولا في فضل ليلة النصف من شعبان ، فعلم أن الاحتفال بهما بدعة محدثة في الإسلام ، وهكذا تخصيصها بشيء من العبادة بدعة منكرة .... ا.هـ873 .- والله أعلم – وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبيناً محمد وآله وصحبه أجمعين .
الصلاة الألفية المبتدعة في شعبان
أول من أحدثها :
أول من أحدث الصلاة الألفية في ليلة النصف من شعبان رجل يعرف بابن أبي الحمراء من أهل نابلس874، قدم على بيت المقدس سنة 448هـ وكان حسن التلاوة ، فقام فصلى في المسجد الأقصى ليلة النصف من شعبان فأحرم خلفه رجل ، ثم انضاف إليهما ثالث ورابع ، فما ختمها إلا وهم في جماعة كثيرة .
ثم جاء في العام القابل فصلى معه خلق كثير، وشاعت في المسجد وانتشرت الصلاة في المسجد الأقصى، وبيوت الناس ومنازلهم، ثم استقرت كأنها سنة875.
صفتها :
هذه الصلاة المبتدعة تسمى بالألفية لقراءة سورة الإخلاص فيها ألف مرة، لأنها مائة ركعة، يقرأ في كل ركعة سورة الإخلاص عشر مرات .
وقد رويت صفة هذه الصلاة ، والأجر المترتب على أدائها ، من طرق عدة ذكرها ابن الجوزي في الموضوعات ثم قال : ( هذا حديث لا نشك أنه موضوع ، وجمهور رواته في الطرق الثلاثة مجاهيل وفيهم ضعفاء بمرة ، والحديث محال قطعاً )876 .ا.هـ .
وقال الغزالي في الإحياء : ( وأما صلاة شعبان : فليلة الخامس عشر منه يصلى مائة ركعة ، كل ركعتين بتسليمه ، ويقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة (( قل هو الله أحد)) )877 .ا.هـ .
حكمها :
اتفق جمهور العلماء على أن الصلاة الألفية ليلة النصف من شعبان بدعة .
فألفية النصف من شعبان لم يسنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من خلفائه ، ولا استحبها أحد من أئمة الدين الأعلام كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والثوري والأوزاعي والليث وغيرهم – رحمة الله عليهم جميعاً –
وكذلك فإن الحديث الوارد فيها موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث878.وأعلم أخي المسلم أن مثل هذه الاحتفالات كالاحتفال بليلة النصف من شعبان ، وليلة الإسراء والمعراج المزعومة ، وليلة الرغائب، يكون فيها من الأمور المبتدعة والمحرمة الشيء الكثير ، والتي تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة ، وقد فصل العلامة ابن الحاج هذه البدع والمحرمات في هذه الاحتفالات فنلخص من كلامه ما يأتي :
1. تكلف النفقات الباهظة ، وهو إسراف يعملونه باسم الدين وهو بريء منه .
2. الحلاوات المحتوية على الصور المحرمة شرعاً .
3. زيادة وقود القناديل وغيرها ، وفي زيادة وقودها إضاعة المال ، لاسيما إذا كان الزيت من الوقف فيكون ذلك جرحاً في حق الناظر، لاسيما إذا كان الواقف لا يذكره ، وإن ذكره لم يعتبر شرعاً، وزيادة الوقود مع ما فيه من إضاعة المال كما تقدم سبب لاجتماع من لا خير فيه، ومن حضر من أرباب المناصب الدينية عالماً بذلك فهو جرحة في حقه إلا أن يتوب ، وأما إن حضر ليغير وهو قادر بشرط فيا حبذا .
4. حضور النساء وما فيه من المفاسد .
5. إتيانهم الجامع واجتماعهم فيه ، وذلك عبادة غير مشروعة .
6. ما يفرشونه من البسط والسجادات وغيرها .
7. أطباق النحاس فيها الكيزان والأباريق وغيرهما ، كأن بيت الله تعالى بيتهم ، والجامع إنما جعل للعبادة ، لا للفراش والرقاد والأكل والشرب .
8. ومن هذه البدع والمحرمات السقاؤون ، وفي ذلك من المفاسد جملة منها :البيع والشراء لأنهم يأخذون الدراهم ، وضرب الطاسات بما يشبه صوت النواقيس ، ورفع الصوت في المسجد وتلويثه ، وتخطي رقاب الناس ، وكلها منكرات .
9. اجتماعهم حلقات ، كل حلقة لها كبير، يقتدون به في الذكر والقراءة وليت ذلك لو كان ذكراً أو قراءة، لكنهم يلعبون في دين الله تعالى فالذاكر منهم في الغالب لا يقول : (لا إله إلا الله ) بل يقول : (لا يلاه يلله ) فيجعلون عوض الهمزة ياء وهي ألف قطع جعلوها وصلاً وإذا قالوا :( سبحان الله ) يمططونها ويرجعونها حتى لا تكاد تفهم ، والقارئ يقرأ القرآن فيزيد فيه ما ليس منه ، وينقص منه ما هو فيه ، بحسب تلك النغمات والترجيعات التي تشبه الغناء والأصوات التي اصطلحوا عليها، على ما قد علم من أحوالهم الذميمة ، وهذا منكر يحف به عدة منكرات .
10. ومن الأمور العظيمة فيها أن القارئ يبتدئ بقراءة القرآن والآخر ينشد الشعر ، أو يريد أن ينشده ، فيسكتون القارئ أو يهمون بذلك ، أو يتركون هذا في شعره وهذا في قراءته ، لأجل تشوف بعضهم لسماع الشعر وتلك النغمات الموضوعة أكثر ، فهذه الأحوال من اللعب في الدين أن لو كانت خارج المسجد منعت ، فكيف بها في المسجد ؟ .
11. حضور الوالدان الصغار وما يتبع من لغطهم وتنجيسهم المسجد .
12. خروج النساء في هذه الليلة-ليلة النصف من شعبان- إلى القبور-مع أن زيارة النساء للقبور محرمة شرعاً- ومع بعضهن الدف يضربن به ، وبعضهن يغنين بحضرة الرجال ورؤيتهم لهن متجاهرين بذلك، لقلة حيائهن ، وقلة من ينكر عليهن .
13. اختلاط النساء بالرجال عند القبور ، وقد رفع النساء جلبان الحياء والوقار عنهن ، فهن كاشفات الوجوه والأطراف .
14. أنهم أعظموا تلك المعاصي بفعلها عند القبور التي هي موضع الخشية والفزع والاعتبار ، والحث على العمل الصالح ، لهذا المصرع العظيم المهول أمره ، فردوا ذلك للنقيض ، وجعلوه موضع فرح ومعاصي كحال المستهزئين .
15. إهانة الأموات من المسلمين وأذيتهم بفعل المنكرات بجانب قبورهم .
16. أن بعضهم يقيمون خشبة عند رأس الميتة أو الميت ، ويكسون ذلك العمود من الثياب ما يليق به عندهم .
فإن كان الميت عالماً أو صالحاً صاروا يشكون له ما نزل بهم ويتوسلون به ، وإن كان من الأهل أو الأقارب صاروا يتحدثون معه ويذكرون له ما حدث لهم بعده ، وإن كان عروساً أو عروسة كسوا كل واحد منهما ما كان يلبسه في حال فرحة ، ويجلسون يتباكون ويبكون ويتأسفون . وكسوتهم لهذه الخشبة تشبه في الظاهر بالنصارى في كسوتهم لأصنامهم ، والصور التي يعظمونها في مواسمهم ، ومن تشبه بقوم فهو منهم .
17. أنهم اتصفوا بسبب ما ذكره بصفة النفاق ، لأن الفارق صفته قصد المعصية وإظهارها في الصورة أنها طاعة .
18. اللغو في المسجد وكثرة الكلام بالباطل وهو منكر شديد .
19. جعل المسجد كأنه دار شرطة لمجيء الوالي والمقدمين والأعوان ، وفرش البسط ، ونصب الكرسي للوالي ليجلس عليه في مكان معلوم ، وتوقد بين يديه المشاعل الكثيرة في صحن الجامع ، ويقع منها بعض الرماد ، وربما وقع الضرب بالعصا والبطح لمن يشتكي في الجامع ، أو تأتيه – الوالي – الخصوم من خارج الجامع وهو فيه ، هذا كله في ليلة النصف من شعبان ، وإذا وقعت هذه الأشياء في الجامع فلابد من رفع الأصوات من الخصوم والجند وغيرهم ، بل اللغط واقع لكثرة الخلق فيه ، فكيف به إذا انضم إلى الشكاوي وأحكام الوالي ؟! .
20. اعتقادهم أن فعل هذه المنكرات والبدع المحرمات إقامة حرمة لتلك الليلة ، ولبيت الله عز وجل ، وأنهم أتوه ليعظموه ، وبعضهم يرى أن ذلك من القرب وهذا أشد879 . وسبق وذكرت أن هذه البدع والمنكرات تختلف باختلاف الزمان والمكان ، فالاحتفالات في الوقت الحاضر تكاد لا تخلو من كثير من هذه المنكرات وإن اختلف الشكل والهيئة .
21. ويضاف إلى هذه البدع أيضا :الدعاء المعروف الذي يطلب فيه من الله تعالى أن يمحو من أم الكتاب شقاوة من كتبه شقياً ...... الخ . ونصه ما يلي : اللهم يا ذا المن ولا يمن عليه ، يا ذا الجلال والإكرام ، يا ذا الطول والإنعام ، لا إله إلا أنت ، ظهر اللاجئين ، وجار المستجيرين ، وأمان الخائفين ، اللهم أن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب شقياً أو محروماً ، أو مطروداً أو مقتراً عليَّ في الرزق ، فامح اللهم بفضلك شقاوتي وحرماني ، وطردي وإقتار رزقي ، وأثبتني عندك في أم الكتاب سعيداً مرزوقاً موفقاً للخيرات ، فإنك قلت وقولك الحق في كتابك المنزل ، على لسان نبيك المرسل : {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ }880 . إلهي بالتجلي الأعظم في ليلة النصف من شهر شعبان المكرم ، التي يفرق فيها كل أمر حكيم ويبرم أسألك أن تكشف عنا البلاء ما نعلم وما لا نعلم ، وما أنت به أعلم إنك أنت الأعز الأكرم ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم ))881.
وهذا الدعاء ليس له أصل صحيح في السنة، كما هو الحال في صلاة النصف من شعبان ، فلم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ، ولا عن السلف-رضوان الله عليهم أجمعين- أنهم اجتمعوا في المساجد من أجل هذا
الدعاء في تلك الليلة ، ولا تصح نسبة هذا الدعاء إلى بعض الصحابة.882
وربما شرطوا لقبول هذا الدعاء قراءة سورة(يس)،وصلاة ركعتين قبله،يفعلون القراءة والصلاة والدعاء ثلاث مرات ، يصلون المرة الأولى بنية طول العمر ، والثانية بنية دفع البلايا ، والثالثة بنية الاستغناء عن الناس ، واعتقدوا أن هذا العمل من الشعائر الدينية، ومن مزايا ليلة النصف من شعبان وما تختص به، حتى اهتموا به أكثر من اهتمامهم بالواجبات والسنن فتراهم يسارعون إلى المساجد قبيل الغروب من هذه الليلة، وفيهم تاركوا الصلاة ، معتقدين أنه يجبر كل تقصير سابق عليه، وأنه يطيل العمر ويتشاءمون من فوته883 .
فالاجتماع لقراءة هذا الدعاء بالطريقة المتبعة والمعروف عندهم ، وجعل ذلك شعيره من شعائر الدين ، من البدع التي تحدث في ليلة النصف من شعبان .
صحيح أن الدعاء والتضرع إلى الله تعالى مطلوب في كل وقت ومكان ، لكن لا على هذا الوجه المخترع ، فلا يتقرب إلى الله بالبدع ، وإنما يتقرب إليه تعالى بما شرع .
22. ومن البدع المنكرة في الاحتفالات بليلة النصف من شعبان كثيرة الوقيد فالمحدث لهذه البدعة راغب في دين المجوسية ، لأن النار معبودة وأول ما حدث ذلك في زمن البرامكة884، فأدخلوا في دين الإسلام ما يموهون به على الطغام ، وهو جعلهم الإيقاد في شعبان كأنه من سنن الإيمان ، ومقصودهم عبادة النيران ، وإقامة دينهم وهو أخسر الأديان ، حتى إذا صلى المسلمون وركعوا وسجدوا كان ذلك إلى النار التي أوقدوها885 .
فزيادة الوقود فيه تشبه بعبدة النار في الظاهر – وإن لم يعتقدوا ذلك – لأنَّ عبدة النار يوقدونها حتى إذا كانت في قوتها وشعشعتها اجتمعوا إليها بنية عبادتها،ولا شك أن التشبه بأهل الأديان الباطلة منهي عنه886. والله أعلم .
كتاب البدع الحولية لعبدالله التويجري
البيان بما جاء في شهر شعبان الحَمْدَ للهِ؛ نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعوذُ باللهِ مِنْشُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ؛ مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَه وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ -وَحْدَهُ لاشَرِيْكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُوْلُهُ:
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ مِنَ المقرّر عند أَهلِ السنَّةوالجماعةِ أَنَّ العملَ الصالح لا يتقبَّلهُ اللهُ -جلَّ وعلا- إِلاَّ بشرطينِ اثنينِ:
أَوَّلُهُمَا: أَنْ تكونَ النِّيَّةُ خالِصَةً لوجههِ الكريمِ ؛ لقولِه -تعالى-: (( وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعبُدوا اللهَ مُخلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ)).
ثَانِيهمَا: أَن تَكون العبَادةُ وَفْقَ مَا شَرَعَ اللهُ -سبحانه- في كتابه ، أو بيّنَهُ نبيُّهُ -صلى الله عليه وسلم- في سنَّتِهِ؛ لقَولِهِ -تعالى-: (( فَمَن كانَ يرجُو لِقَاء رَبِّه فليعْمَلْ عمَلاً صَالِحًا ولايُشْرِك بِعِبَادَةِ ربِّهِ أَحدًا )).
قالَ الحافِظُ ابنُ كثيرٍ: (( وهذانِ ركنا العملِ المتقَبَّلِ، لا بُدَّ أن يكون خالصًا للهِ، صوابًا على شريعةِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، ورُوي مثل هذا عن الفُضيل بن عِيَاض -رحمه الله- وغيره)).
وقال سماحةُ الشيخِ العلاَّمَةِ: عبد العزيزِ بن بازٍ -رحمه الله- فيرسالتهِ: [التحذير مِن البدع]:
((... أكملَ اللهُ لهذه الأمة دينَها، وأتمَّ عليها نعمتَه، ولم يتوفَّ نبيَّه -عليه الصلاة والسلام- إلاَّ بعدما بلّغَ البلاغَ المبينَ، وبيَّنَ للأمة كلَّ ما شرَعَهُ اللهُ لها مِنْ أَقوالٍ وأعمالٍ، وأوضحَ -صلى الله عليه وسلم- أنَّ كلَّ ما يُحدِثُهُ النَّاس بعدَهُ وينسِبونَهُ إلى دين الإسلامِ مِن أقوالٍ وأعمالٍ؛ فكلُّهُ بدعة مردودةٌ على مَن أَحدثَه، ولو حَسُنَ قصدُهُ.
وقد عَرَفَ أصحابُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا الأمرَ، وهكذا علماءُ الإسلامِ بعدهم؛ فأَنكروا البدَعَ وحذَّروا منْها؛ كما ذكرَ ذلكَ كلُّ مَنصنَّفَ في تعظيمِ السنَّةِ، وإِنكارِ البدعَةِ -كابنِ وضَّاحٍ والطَّرطوشِيِّ وأبي شامة وغيرِهمِ-))[ ص 13 – 14 ].
ولمَّا كان هذا الزَّمانُ عينَ ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم-، من أَنَّه زمان الغربة، القابض فيه على دينه كالقابض على جمرٍ: ظهرتْ فيه البدعُ؛ في العبادات والعقائد والمعاملات والسلوكيّات؛ حتى مارس كثيرٌ مِن الناس الشركَ ظانِّينَ أنَّه توحيدٌ، وتعبَّدوا بعباداتٍ مخترعةٍ لم تُشرع لا في كتابٍ ولا سنَّة صحيحة، ولا أُثِرَتْ عن السلف الصالح، وما ذلكَ إلاَّ بسببِ التَّقليدِ الأعمى لبعض المتقوِّلين والمتعالمينَ.
قالَ سفيَانُ الثوريُّ: ((كانوا يتعَوَّذونَ بالله مِن شرِّ فتنةِ العالِمِ، ومِن شَرِّ فتنةِ العابدِالجاهلِ؛ فإِنَّ فتنتَهُما فتنَةٌ لكلِّ مفتونٍ)).[ الحوادث والبدع ص 49 – مختصرة للطرطوشي رحمه الله].
ولذا؛ وجب على أهلِ العلم أَن يُجَرِّدوا صارمَ العزمِ، وأن يمتشِقوا حُسَامَ العلمِ؛ مخلصين للهِ القولَ،وصادقي النُّصحِ للمسلمين: للذّبِ عن حِيَاض الإسلامِ؛ إِنكارًا للحوادثِ القبيحة،وإِحياءً لما اندرسَ من السنن الصحيحة؛ لِعِظَمِ الميثَاقِ الذي أَخذهُ اللهُ -سبحانَه وتعالى- عليهم في النصح والبيان، والتعريفِ والإصلاح؛ قال -تعالى-: {وإِذْ أَخذَ الله ميثاقَ الَّذينَ أُوتُوا الكتابَ لتُبَيِّنُنَّهُ للنَّاسِ ولا تَكتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِه ثَمَنًا قليلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ }. [ آل عمران:187].
ومِن هَذه البدعِ -وهي كثيرةٌ -وللأسف!-؛ البدعُ المتعلِّقةُ بشهري رجبٍ وشعبانَ، وما يتّصل بهما مِن أُمورٍمُحْدَثةٍ مبتدعةٍ -ما أنزل الله بها من سُلطان.
وما اختيارُنَا لهذينِ الشهرينِ -في هذا المقام-إِلاَّ من بابِ بيان واجبِ الوقتِ وفرضهِ.
وقد تقرّرعند أَهلِ الأُصولِ تقعيدُهم المشهور: ( لا يجوز تأخِيرُ البيانِ عن وقت الحاجةِ)[ مقدمة التحذير والبيان لبعض بدع شهري رجب وشعبان].
وقد تكلمنا فيما مضى عن بدع شهر رجب وها نحن اليوم نكمل الحديث عن شهر شعبان وما جاء فيه من مخالفات لهدي النبي صلى الله عليه وسلم.
وسنقتصر في هذه الصفحات على نقاط رئيسية هي:
1- فتاوى العلماء الأكابر فيما يخص شهر شعبان.
2- بعض البدع التي تقع في شهر شعبان.
3- ذكر الأحاديث الصحيحة والضعيفة والموضوعة التي تتعلق بشهر شعبان.
أولا: فتاوى العلماء الأكابر فيما يخص شهر شعبان
العلامة ابن باز رحمه الله:
حكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان
الحمد لله الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة, والصلاة والسلام على نبيه ورسوله محمد نبي التوبة والرحمة.
أما بعد: فقد قال الله تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا }[المائدة:3], وقال تعالى: { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ }[ الشورى:21]. وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد »وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه, أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبة الجمعة: « أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة » والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة, وهي تدل دلالة صريحة على أن الله سبحانه وتعالى قد أكمل لهذه الأمة دينها, وأتم عليها نعمته, ولم يتوف نبيه عليه الصلاة والسلام إلا بعد ما بلغ البلاغ المبين, وبين للأمة كل ما شرعه الله لها من أقوال وأعمال, وأوضح صلى الله عليه وسلم أن كل ما يحدثه الناس بعده وينسبونه إلى دين الإسلام من أقوال أو أعمال, فكله بدعة مردود على من أحدثه, ولو حسن قصده, وقد عرف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر, وهكذا علماء الإسلام بعدهم, فأنكروا البدع وحذروا منها, كما ذكر ذلك كل من صنف في تعظيم السنة وإنكار البدعة ، كابن وضاح , والطرطوشي , وأبي شامة وغيرهم.
ومن البدع التي أحدثها بعض الناس: بدعة الاحتفال بليلة النصف من شعبان, وتخصيص يومها بالصيام , وليس على ذلك دليل يجوز الاعتماد عليه, وقد ورد في فضلها أحاديث ضعيفة لا يجوز الاعتماد عليها, أما ما ورد في فضل الصلاة فيها, فكله موضوع, كما نبه على ذلك كثير من أهل العلم, وسيأتي ذكر بعض كلامهم إن شاء الله . وورد فيها أيضا آثار عن بعض السلف من أهل الشام وغيرهم, والذي أجمع عليه جمهور العلماء أن الاحتفال بها بدعة, وأن الأحاديث الواردة في فضلها كلها ضعيفة, وبعضها موضوع, وممن نبه على ذلك الحافظ ابن رجب , في كتابه: (لطائف المعارف) وغيره, والأحاديث الضعيفة إنما يعمل بها في العبادات التي قد ثبت أصلها بأدلة صحيحة, أما الاحتفال بليلة النصف من شعبان, فليس له أصل صحيح حتى يستأنس له بالأحاديث الضعيفة.
وقد ذكر هذه القاعدة الجليلة الإمام: أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. وأنا أنقل لك: أيها القارئ, ما قاله بعض أهل العلم في هذه المسألة , حتى تكون على بينة في ذلك, وقد أجمع العلماء رحمهم الله على أن الواجب: رد ما تنازع فيه الناس من المسائل إلى كتاب الله عز وجل, وإلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم , فما حكما به أو أحدهما فهو الشرع الواجب الإتباع, وما خالفهما وجب اطراحه, وما لم يرد فيهما من العبادات فهو بدعة لا يجوز فعله, فضلا عن الدعوة إليه وتحبيذه, كما قال سبحانه في سورة النساء { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا }[ النساء:59]. وقال تعالى: { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ }[ الشورى:10], وقال تعالى: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ }[ آل عمران: 31] , وقال عز وجل: { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }[ النساء:65]. والآيات في هذا المعنى كثيرة, وهي نص في وجوب رد مسائل الخلاف إلى الكتاب والسنة, ووجوب الرضى بحكمهما, وأن ذلك هو مقتضى الإيمان, وخير للعباد في العاجل والآجل, وأحسن تأويلا: أي عاقبة.
قال الحافط ابن رجب - رحمه الله - في كتابه: (لطائف المعارف) في هذه المسألة - بعد كلام سبق- ما نصه:
( وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام ; كخالد بن معدان , ومكحول , ولقمان بن عامر وغيرهم, يعظمونها ويجتهدون فيها في العبادة, وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها, وقد قيل: إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية, فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان, اختلف الناس في ذلك فمنهم من قبله منهم, ووافقهم على تعظيمها, منهم طائفة من عباد أهل البصرة وغيرهم, وأنكر ذلك أكثر علماء الحجاز , منهم: عطاء , وابن أبي مليكة , ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم , عن فقهاء أهل المدينة , وهو قول أصحاب مالك وغيرهم, وقالوا: ذلك كله بدعة .
واختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولين:
أحدهما: أنه يستحب إحياؤها جماعة في المساجد. كان خالد بن معدان ولقمان بن عامر وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم, ويتبخرون ويتكحلون, ويقومون في المسجد ليلتهم تلك, ووافقهم إسحاق بن راهويه على ذلك, وقال في قيامها في المساجد جماعة: ليس ذلك ببدعة, نقله حرب الكرماني في مسائله.
والثاني: أنه يكره الاجتماع فيها في المساجد للصلاة والقصص والدعاء, ولا يكره أن يصلي الرجل فيها لخاصة نفسه, وهذا قول الأوزاعي إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم, وهذا هو الأقرب إن شاء الله تعالى, إلى أن قال: ولا يعرف للإمام أحمد كلام في ليلة نصف شعبان, ويتخرج في استحباب قيامها عنه روايتان: من الروايتين عنه في قيام ليلتي العيد, فإنه (في رواية) لم يستحب قيامها جماعة ؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه, واستحبها (في رواية), لفعل عبد الرحمن بن يزيد بن الأسود لذلك وهو من التابعين , فكذلك قيام ليلة النصف, لم يثبت فيها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه, وثبت فيها عن طائفة من التابعين من أعيان فقهاء أهل الشام ).
انتهى المقصود من كلام الحافظ ابن رجب رحمه الله, وفيه التصريح منه بأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم شيء في ليلة النصف من شعبان, وأما ما اختاره الأوزاعي رحمه الله من استحباب قيامها للأفراد, واختيار الحافظ ابن رجب لهذا القول, فهو غريب وضعيف ؛ لأن كل شيء لم يثبت بالأدلة الشرعية كونه مشروعا, لم يجز للمسلم أن يحدثه في دين الله, سواء فعله مفردا أو في جماعة, وسواء أسره أو أعلنه؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : « من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد » وغيره من الأدلة الدالة على إنكار البدع والتحذير منها.
وقال الإمام أبو بكر الطرطوشي رحمه الله في كتابه: (الحوادث والبدع) ما نصه:
( وروى ابن وضاح عن زيد بن أسلم , قال: ما أدركنا أحدا من مشيختنا ولا فقهائنا يلتفتون إلى النصف من شعبان, ولا يلتفتون إلى حديث مكحول , ولا يرون لها فضلا على ما سواها). وقيل لابن أبي مليكة : إن زيادا النميري يقول: (إن أجر ليلة النصف من شعبان كأجر ليلة القدر), فقال: (لو سمعته وبيدي عصا لضربته) وكان زياد قاصا , انتهى المقصود
وقال العلامة: الشوكاني رحمه الله في: (الفوائد المجموعة) ما نصه:
( حديث: « يا علي من صلى مائة ركعة ليلة النصف من شعبان يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد عشر مرات قضى الله له كل حاجة » إلخ . هو موضوع, وفي ألفاظه المصرحة بما يناله فاعلها من الثواب ما لا يمتري إنسان له تمييز في وضعه, ورجاله مجهولون, وقد روي من طريق ثانية وثالثة كلها موضوعة ورواتها مجاهيل, وقال في: (المختصر): حديث صلاة نصف شعبان باطل, ولابن حبان من حديث علي : ( « إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها, وصوموا نهارها » , ضعيف وقال في: (اللآلئ): « مائة ركعة في نصف شعبان بالإخلاص عشر مرات » مع طول فضله, للديلمي وغيره موضوع, وجمهور رواته في الطرق الثلاث مجاهيل ضعفاء ، قال: « واثنتا عشرة ركعة بالإخلاص ثلاثين مرة » موضوع « وأربع عشرة ركعة » موضوع.
وقد اغتر بهذا الحديث جماعة من الفقهاء كصاحب (الإحياء) وغيره وكذا من المفسرين, وقد رويت صلاة هذه الليلة - أعني: ليلة النصف من شعبان - على أنحاء مختلفة كلها باطلة موضوعة, ولا ينافي هذا رواية الترمذي من حديث عائشة لذهابه صلى الله عليه وسلم إلى البقيع , ونزول الرب ليلة النصف إلى سماء الدنيا, وأنه يغفر لأكثر من عدة شعر غنم بني كلب , فإن الكلام إنما هو في هذه الصلاة الموضوعة في هذه الليلة, على أن حديث عائشة هذا فيه ضعف وانقطاع, كما أن حديث علي الذي تقدم ذكره في قيام ليلها, لا ينافي كون هذه الصلاة موضوعة, على ما فيه من الضعف حسبما ذكرناه ) انتهى المقصود.
وقال الحافظ العراقي : ( حديث صلاة ليلة النصف موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذب عليه , وقال الإمام النووي في كتاب: (المجموع): ( الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب, وهي اثنتا عشرة ركعة بين المغرب والعشاء, ليلة أول جمعة من رجب, وصلاة ليلة النصف من شعبان مائة ركعة, هاتان الصلاتان بدعتان منكرتان, ولا يغتر بذكرهما في كتاب: (قوت القلوب), و(إحياء علوم الدين), ولا بالحديث المذكور فيهما, فإن كل ذلك باطل, ولا يغتر ببعض من اشتبه عليه حكمهما من الأئمة فصنف ورقات في استحبابهما, فإنه غالط في ذلك ) .
وقد صنف الشيخ الإمام: أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي كتابا نفيسا في إبطالهما, فأحسن فيه وأجاد, وكلام أهل العلم في هذه المسألة كثير جدا, ولو ذهبنا ننقل كل ما اطلعنا عليه من كلام في هذه المسألة, لطال بنا الكلام, ولعل فيما ذكرنا كفاية ومقنعا لطالب الحق.
ومما تقدم من الآيات والأحاديث وكلام أهل العلم, يتضح لطالب الحق أن الاحتفال بليلة النصف من شعبان بالصلاة أو غيرها, وتخصيص يومها بالصيام بدعة منكرة عند أكثر أهل العلم, وليس له أصل في الشرع المطهر, بل هو مما حدث في الإسلام بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم, ويكفي طالب الحق في هذا الباب وغيره قول الله عز وجل: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } وما جاء في معناها من الآيات, وقول النبي صلى الله عليه وسلم: « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد » وما جاء في معناه من الأحاديث, وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصوا يومها بالصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم » فلو كان تخصيص شيء من الليالي, بشيء من العبادة جائزا, لكانت ليلة الجمعة أولى من غيرها؛ لأن يومها هو خير يوم طلعت عليه الشمس, بنص الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , فلما حذر النبي صلى الله عليه وسلم من تخصيصها بقيام من بين الليالي, دل ذلك على أن غيرها من الليالي من باب أولى, لا يجوز تخصيص شيء منها بشيء من العبادة, إلا بدليل صحيح يدل على التخصيص.
ولما كانت ليلة القدر وليالي رمضان يشرع قيامها والاجتهاد فيها, نبه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك, وحث الأمة على قيامها, وفعل ذلك بنفسه, كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه » فلو كانت ليلة النصف من شعبان, أو ليلة أول جمعة من رجب أو ليلة الإسراء والمعراج يشرع تخصيصها باحتفال أو شيء من العبادة, لأرشد النبي صلى الله عليه وسلم الأمة إليه, أو فعله بنفسه, ولو وقع شيء من ذلك لنقله الصحابة رضي الله عنهم إلى الأمة, ولم يكتموه عنهم, وهم خير الناس, وأنصح الناس بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام, ورضي الله عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرضاهم, وقد عرفت آنفا من كلام العلماء أنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولا عن أصحابه رضي الله عنهم شيء في فضل ليلة أول جمعة من رجب, ولا في ليلة النصف من شعبان, فعلم أن الاحتفال بهما بدعة محدثة في الإسلام, وهكذا تخصيصها بشيء من العبادة, بدعة منكرة, وهكذا ليلة سبع وعشرين من رجب, التي يعتقد بعض الناس أنها ليلة الإسراء والمعراج, لا يجوز تخصيصها بشيء من العبادة, كما لا يجوز الاحتفال بها, للأدلة السابقة, هذا لو علمت, فكيف والصحيح من أقوال العلماء أنها لا تعرف, وقول من قال: أنها ليلة سبع وعشرين من رجب, قول باطل لا أساس له في الأحاديث الصحيحة, ولقد أحسن من قال:
وخير الأمور السالفات على الهدى ... وشر الأمور المحدثات البدائع
والله المسؤل أن يوفقنا وسائر المسلمين للتمسك بالسنة والثبات عليها, والحذر مما خالفها, إنه جواد كريم, وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.[ جموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله ج 1 ص 186].
فقيه الزمان محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
السؤال:
سمعت بعض أهل العلم يُرغِّب في صيام النصف من شهر شعبان ويذكر أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر ومن ضمن هذه الأيام النصف من شعبان ولذا فهو سنة وليس ببدعة وأيضاً الاحتفال بأيام شعبان لأنها الأيام التي تحولت فيها القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام أجيبونا أجابة مفصلة حول هذا الموضوع؟
فأجاب رحمه الله تعالى:
أما صيام النصف من شعبان بناءً على أنه أحد أيام البيض التي أمرنا بصيامها وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر فإذا صام الإنسان أيام البيض في شعبان فإنه كصيامها في رجب وفي جمادى وفي ربيع وفي صفر وفي محرم وفي ذي القعدة ولكن كونه يخصص يوم النصف فقط هذا لا يدل على أنه صامه من أيام البيض بل يدل على أنه صامه لأنه يوم النصف من شعبان وهذا يحتاج إلى دليل والحديث الوارد في هذا ضعيف وعلى هذا فلا يسن للإنسان أن يخصص يوم النصف من شعبان بالصيام وأما ما ذكره من الاحتفال بأيام شعبان لأن القبلة حولت فيه هذا يحتاج أولاً إلى صحة النقل لأن القبلة تحولت في شعبان وعلى تقدير صحة ذلك فإنه لا يجوز اتخاذ هذه الأيام عيداً يحتفل فيه فإن هذه الأيام التي حولت فيها الكعبة قد مرت على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه ومع هذا لم يكونوا يحتفلون بها والواجب على المسلمين أن يتبعوا آثار من سلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وألا يغتروا بما يعمله الناس اليوم فإن كثيراً منها خارج عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محدث وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة).[ فتاوى نور على الدرب].
السؤال
هل هناك سنة مشروعة في ليلة النصف من شعبان, فقد رأينا نشرة مضمنة ببعض الأحاديث في فضل هذه الليلة, قد صحح بعض هذه الأحاديث بعض المحدثين؟
الجواب
الصحيح أن جميع ما ورد فضل ليلة النصف من شعبان ضعيف لا تقوم به حجة, ومنها أشياء موضوعة, ولم يعرف عن الصحابة أنهم كانوا يعظمونها, ولا أنهم كانوا يخصونها بعمل, ولا يخصون يوم النصف بصيام, وأكثر من كانوا يعظمونها أهل الشام -التابعون ليس الصحابة- والتابعون في الحجاز أنكروا عليهم أيضاً, قالوا: لا يمكن أن نعظم شيئاً بدون دليل صحيح.
فالصواب: أن ليلة النصف من شعبان كغيرها من الليالي، لا تخص بقيام, ولا يوم النصف بصيام, لكن من كان يقوم كل ليلة, فلا نقول: لا تقم ليلة النصف, ومن كان يصوم أيام البيض لا نقول: لا تصم أيام النصف, إنما نقول: لا تخص ليلها بقيام ولا نهارها بصيام.[ لقاءات الباب المفتوح].
السؤال
فضيلة الشيخ: هل هناك أحاديث صحيحة ثابتة في فضل كل من شهر رجب وشعبان وفضل الصوم فيهما؟
الجواب
لا.
لم يرد في فضل رجب حديثٌ صحيح، وأجود ما فيه كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية أجود ما فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا دخل رجب: ( اللهم بارك لنا في رجب وشعبان، وبلغنا رمضان ) على أن الحديث هذا أيضاً متكلم فيه، وعلى هذا فلا يمتاز شهر رجب عن جمادى الآخرة الذي قبله إلا بأنه من الأشهر الحرم فقط، وإلا ليس فيه صيام مشروع، ولا صلاة مشروعة، ولا عمرة مشروعة ولا شيء، هو كغيره من الشهور.
أما شعبان فنعم يمتاز عن غيره بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر صومه، بل كان يصومه كله إلا قليلاً، فينبغي الإكثار من الصيام في شعبان.[ لقاءات الباب المفتوح].
السؤال
بعض النساء في ليلة النصف من شعبان كل عام تقوم بصنع طعام وتتصدق به، وتعتقد في ذلك اعتقاد أن له مزية وأن له فضلاً؟
الجواب
بعض الناس في النصف من شعبان يعمل الطعام ويتصدق به على الفقراء، يظن أن لهذا اليوم مزية في الصدقة وليس كذلك، الواقع أن هذه من البدع، وأن نصف شعبان ما له مزية هو كغيره من أنصاف الشهور، ليس فيه شيء إلا أنه إذا كان يصوم البيض صام النصف فقط، وأما تخصيص ليلة النصف بقيام أو يوم النصف بصيام فلا أصل له، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في ذلك شيء.
والمرأة يجب عليها أن تمتثل وألا تتصدق بعد أن علمت أن هذا من البدع وليس وارداً.
السائل: وإذا لم تمتنع؟ الشيخ: سبحان الله! إذا لم يمتنع المبتدع الآخر من بدعته ماذا نعمل؟ إذا بينا للناس فما علينا إلا البلاغ.[ المرجع السابق].
ان الحمد لله ، نحمده و نستعينه ، و نستغفره ، و نعوذ بالله</STRONG></STRONG>
من شرور انفسنا و من سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له</STRONG></STRONG>
و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أن محمدا </STRONG></STRONG>
عبده و رسوله صلى الله عليه و على آله و أصحابه و من تبعهم</STRONG></STRONG>
بإحسان الى يوم الديـــن و سلم تسليما كثيرا ، أما بعد ...
أهلا بكم زوار وأعضاء ومشرفي ومراقبي وإدارة منتدياتنا
كل ما يتعلق بشهر شعبان تجده هنا إن شاء الله</STRONG>
شهر شعبان
المبحث الأول : بعض الآثار الواردة فيه .
المبحث الثاني : بدعة الاحتفال بليلة النصف من شعبان .
المبحث الثالث : بدعة الصلاة الألفية .
المبحث الأول
بعض الآثار الواردة فيه
1. عن عائشة -رضي الله عنها- قالت : (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم ، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان ، وما رايته أكثر صياماً منه في شعبان )) متفق عليه829.
2. عن أبي سلمة أن عائشة -رضي الله عنها-حدثته قالت:((لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهراً أكثر من شعبان، وكان يصوم شعبان كله )) ، وكان يقول : (( خذوا من العمل ما تطيقون ، فإن الله لا يمل حتى تملوا ، وأحب الصلاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما دوام عليه وإن قلت ، وكان إذا صلى صلاة دوام عليها )) متفق عليه830 .
3. عن عمران بن حصين- رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأله – أو سأل رجلاً وعمران يسمع -فقال : (( يا فلان أما صمت من سرر831 هذا الشهر ؟)) . قال : أظنه يعني رمضان ، قال الرجال: لا يا رسول الله . قال : (( فإذا أفطرت فصم يومين )) متفق عليه832 .
4. عن أبي سلمة قال : سمعت عائشة – رضي الله عنها – تقول : (( كان يكون علي الصوم من رمضان ، فما استطيع أن أقضيه إلا في شعبان )) متفق عليه833 .
5. عن عبد الله بن أبي قيس أنه سمع عائشة تقول : كان أحب الشهور إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يصومه شعبان ثم يصله برمضان ))834.
6. عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ))835 .
7. عن أبي هريرة – رضي الله عنه –عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((لا يتقدمنَّ أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم )) متفق عليه836 .
8. عن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت:((ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان))837
9. عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- قال : قلت يا رسول الله لم أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم من شعبان ؟ قال صلى الله عليه وسلم: (( ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان ، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين ، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم ))838.
10. عن أنس-رضي الله عنه- قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الصوم أفضل بعد رمضان ؟ قال : (( شعبان لتعظيم رمضان ، قال فأي الصدقة أفضل ؟ قال : الصدقة في رمضان ))839 .
11. عن عائشة -رضي الله عنها- قالت فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فخرجت فإذا هو بالبقيع ، فقال صلى الله عليه وسلم: (( أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله ؟ )) قلت : يا رسول الله ظننت أنك أتيت بعض نسائك ، فقال : (( إن الله تبارك وتعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب840 ))841 .
12. عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان ، فيغفر لجميع خلقه ، إلا لمشرك أو مشاحن ))842.
13. عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إذ كانت ليلة النصف من شعبان، فقوموا نهارها، فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا ، فيقول: ألا من مستغفر فأغفر له! ألا مسترزق فأرزقه !ألا مبتلى فأعافيه! ألا كذا ألا كذا،حتى يطلع الفجر))843
وقد ورد في فضل شهر شعبان والصلاة فيه أحاديث حكم عليها الحفاظ بأنها موضوعة منها :
قوله صلى الله عليه وسلم : (( رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي.......)).
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ((يا علي من صلى مائة ركعة في ليلة النصف من شعبان، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب و ((قل هو الله أحد )) عشر مرات . قال النبي صلى الله عليه وسلم : يا علي ما من عبد يصلي هذه الصلوات إلا قضى عز وجل له كل حاجة طلبها تلك الليلة .......)) الحديث844. وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم:((من صلى ليلة النصف من شعبان ثنتي عشرة ركعة، يقرأ في كل ركعة((قل هو الله أحد)) ثلاثين مرة ، لم يخرج حتى يرى مقعده من الجنة....))845 - والله أعلم .
بدعة الاحتفال بليلة النصف من شعبان
روي عن عكرمة -رحمه الله- أنه قال في تفسير قوله تعالى : { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}846 : أن هذه الليلة هي ليلة النصف من شعبان ، يبرم فيها أمر السنة ، وينسخ الأحياء من الأموات ، ويكتب الحاج فلا يزاد فيهم أحد ، ولا ينقص منهم أحد847 .
قال ابن كثير-رحمه الله- في تفسير قوله تعالى :{ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}848: يقول تعالى مخبراً عن القرآن العظيم أنه أنزله في ليلة مباركة ، وهي ليلة القدر كما قال عز وجل :{ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر}849 ، وكان ذلك في شهر رمضان كما قال تبارك وتعالى :{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ }850.
وقد ذكرنا الأحاديث الواردة في ذلك في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته851.
ومن قال إنها ليلة النصف من شعبان كما روي عن عكرمة فقد أبعد النجعة852 ، فإن نص القرآن في رمضان853 ا.هـ .
فللعلماء في قوله تعالى :{ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} قولان :
أحدهما : أنها ليلة القدر وهو قول الجمهور .
الثاني : أنها ليلة النصف من شعبان ، قاله عكرمة .
والراجح -والله أعلم- ما ذهب إليه جمهور العلماء من أن هذه الليلة المبارك هي ليلة القدر ، لا ليلة النصف من شعبان ، لأن الله سبحانه وتعالى أجملها في قوله :{ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ}. وبينها في سورة البقرة بقوله:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } وبقوله تعالى:{ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر}854 .
فدعوى أنها ليلة النصف من شعبان لاشك أنها دعوى باطلة ، لمخالفتها النص القرآني الصريح ، ولاشك أن كل ما خالف الحق فهو باطل، والأحاديث التي يوردها بعضهم في أنها من شعبان المخالفة لصريح القرآن لا أساس لها، ولا يصح سند شيء منها كما جزم به العربي وغير واحد من المحققين، فالعجب كل العجب من مسلم يخالف نص القرآن الصريح بلا مستند من كتاب ولا سنة صحيحة855.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ( في معرض كلامه عن الأوقات الفاضلة التي قد يحدث فيها ما يعتقد أنه له فضيلة وتوابع ذلك، ما يصير منكراً ينهى عنه : ومن هذا الباب ليلة النصف من شعبان فقد روي في فضلها من الأحاديث المرفوعة والآثار ما يقتضي أنها ليلة مفضلة ، وأن من السلف من كان يخصها بالصلاة ، وصوم شهر شعبان قد جاءت فيه أحاديث صحيحة .
ومن العلماء من السلف من أهل المدينة وغيرهم من الخلف من أنكر فضلها ، وطعن في الأحاديث الواردة فيها كحديث إن الله يغفر لأكثر من عدد غنم كلب ))، وقال لا فرق بينها وبين غيرها .
لكن الذي عليه أكثر أهل العلم ، أو أكثرهم من أصحابنا وغيرهم على تفضيلها ، وعليه يدل نص أحمد، لتعدد الأحاديث الواردة فيها ، وما يصدق ذلك من الآثار السلفية، وقد روي بعض فضائلها في المسانيد والسنن856وإن كان قد وضع فيها أشياء أخر)857ا.هـ
وقال الحافظ ابن رجب : (وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام كخالد بن معدان ومكحول ولقمان بن عامر وغيرهم يعظمونها ويجتهدون فيها في العبادات ، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها ، وقد قيل إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية ، فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان اختلف الناس في ذلك، فمنهم من قبله ووافقهم على تعظيمها، منهم طائفة من عبّاد أهل البصرة وغيرهم ، وأنكر ذلك أكثر علماء الحجاز منهم عطاء وابن أبي مليكة ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة 858، وهو قول أصحاب مالك وغيرهم ، وقالوا ذلك كله بدعة .
واختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولين :
أحدهما : أنه يستحب إحياؤها جماعة في المساجد ، كان خالد بن معدان ، ولقمان بن عامر ، وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم ويتبخرون ويكتمون ويقومون في المسجد ليلتهم تلك ، ووافقهم إسحاق بن راهويه على ذلك ، وقال في قيامها في المساجد : ليس ذلك ببدعة . نقله عنه حرب الكرماني في مسائله .
والثاني : أنه قول الأوزاعي إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم ، وهذا هو الأقرب إن شاء الله تعالى859 .ا.هـ .
فالحاصل أن جمهور العلماء اتفقوا على كراهة الاجتماع في المساجد ليلة النصف من شعبان للصلاة والدعاء ، فإحياء ليلة النصف من شعبان في المساجد على سبيل المداومة كل سنة ، أو كل فترة بدعة محدثة في الدين.
وأما صلاة الإنسان فيها لخاصة نفسه في بيته ، أو في جماعة خاصة فللعلماء فيه قولان :
الأول :أن ذلك بدعة وهو قول أكثر علماء الحجاز ومنهم عطاء وابن أبي مليكة، ونقل عن فقهاء أهل المدينة، وهو قول أصحاب مالك وغيرهم860.
الثاني : أنه لا يكره صلاة الإنسان لنفسه في بيته ، أو في جماعة خاصة ،- في ليلة النصف من شعبان - .
وهو قول الأوزاعي ، واختيار الحافظ ابن رجب ، وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية .
والذي يترجح عندي – والله أعلم – ما ذهب إليه أصحاب القول الأول – أن ذلك بدعة - .
ويمكن الجواب عن قول أصحاب الثاني – القول بعدم الكراهة – بعدة وجوه منها :
الوجه الأول : أنه ليس هناك دليل على فضل هذه الليلة ، ولم يثبت- حسب اطلاعي المحدود- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أحياها ،ولا عن أحد من أصحابه- رضوان الله عليهم -،ولا عن التابعين- رحمة الله عليهم- عدا من اشتهر عنهم تفضيلها وأحياؤها وهم الثلاثة الذين ذكرهم ابن رجب – ولو فعلوه لاستشهد بفعلهم من فضلها وأحياها ، وإنما هو أمر محدث بعدهم ، فهو أمر مبتدع ، وليس له أصل من الكتاب أو السنة أو الإجماع .
قال أبو شامة : ( وقال الحافظ أبو الخطاب بن دحية – في كتاب ما جاء في شهر شعبان : قال أهل التعديل والتجريح : ليس في فضل ليلة النصف من شعبان حديث صحيح )861.ا.هـ .
وذكر ابن رجب ( أن قيام ليلة النصف من شعبان لم يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ، وثبت فيها عن طائفة من التابعين من أعيان فقهاء أهل الشام )862.
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز : ( وقد ورد في فضلها -ليلة النصف من شعبان- أحاديث ضعيفة لا يجوز الاعتماد عليها، وأما ما ورد في فضل الصلاة فيها فكله موضوع كما نبه على ذلك كثير من أهل العلم)863.ا.هـ.
الوجه الثاني : أن الحافظ ابن رجب وهو الذي نقل تفضيل بعض التابعين لهذه الليلة864 وإحياءهم لها في المساجد ذكر أن مستندهم في ذلك ما بلغهم من آثار إسرائيلية ، ومتى كانت الآثار الإسرائيلية مستنداً ؟!.
وذكر أيضاً أن الناس أخذوا عنهم فضلها وتعظيمها فمتى كان عمل التابعي حجة ؟! .
الوجه الثالث : أن العلماء المعاصرين للقائلين بفضل ليلة النصف من شعبان قد أنكروا عليهم ذلك ، ولو كان للمفضلين دليل لاحتجوا به على المنكرين عليهم ، ولكن لم ينقل عنهم ذلك ، لاسيما وأن من المنكرين عليهم عطاء بن أبي رباح الذي كانت إليه الفتيا في زمانه865 . والذي قال فيه ابن عمر -رضي الله عنهما - : تجمعون لي المسائل وفيكم ابن أبي رباح .
الوجه الرابع : أن قوله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان ، فيغفر لجميع خلقه ، إلا لمشرك أو مشاحن))866.
ليس فيه دليل على تخصيص ليلة النصف من شعبان بفضل من دون الليالي الأخرى، لأنه ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول : من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له))867 . فاطلاعه سبحانه وتعالى على خلقه ، وغفرانه لهم ، ليس متوقف على ليلة معينة في السنة ، أو ليالي معدودة .
الوجه الخامس : أن من اختار القول بأنه لا يكره صلاة الإنسان فيها لخاصة نفسه ، لم يدعم اختياره بالدليل ، ولو كان هناك دليل لذكره ، ومن أنكر ذلك استدل بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )) وعموم الأحاديث والآثار الدالة على النهي عن البدع والتحذير منها .
قال الشيخ ابن باز-رحمه الله-:( وأما ما اختاره الأوزاعي -رحمه الله- من استحباب قيامها للأفراد ، واختيار الحافظ ابن رجب لهذا القول فهو غريب وضعيف،لأن كل شيء لم يثبت بالأدلة الشرعية كونه مشروعاً لم يجز للمسلم أن يحدثه في دين الله، سواء فعله مفرداً أو في جماعة ، وسواء أسره أو أعلنه لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) . وغيره من الأدلة الدالة على إنكار البدع والتحذير منها )868 .ا.هـ .
وقال أيضاً بعد أن ذكر جملة من الآيات والأحاديث وكلام أهل العلم حول ما ورد في ليلة النصف من شعبان:
ومما تقدم من الآيات والأحاديث وكلام أهل العلم، يتضح لطالب الحق أن الاحتفال بليلة النصف من شعبان بالصلاة أو غيرها، وتخصيص يومها بالصيام بدعة منكرة عند أكثر أهل العلم ، وليس له أصل في الشرع المطهر ، بل هو مما حدث في الإسلام بعد عصر الصحابة – رضي الله عنهم - ، ويكفي طالب الحق في هذا الباب وغيره قول الله عز وجل:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}869 .وما جاء في معناها من الآيات ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) وما جاء في معناه من الأحاديث ، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(( لا تختصموا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تختصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن تكون في صوم يصومه أحدكم ))870 فلو كان تخصيص شيء من الليالي بشيء من العبادة جائزا ، لكانت ليلة الجمعة أولى من غيرها ، لأن يومها هو خير يوم طلعت عليه الشمس871 بنص الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فلما حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من تخصيصها بقيام من بين الليالي ، دل ذلك على أن غيرها من الليالي من باب أولى لا يجوز تخصيص شيء منها بشيء من العبادة ، إلا بدليل صحيح يدل على التخصيص ، ولما كانت ليلة القدر وليالي رمضان يشرع قيامها والاجتهاد فيها ، نبه صلى الله عليه وسلم على ذلك وحث الأمة على قيامها ، وفعل ذلك بنفسه ،كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه))872فلو كانت ليلة النصف من شعبان، أو ليلة أول جمعة من رجب، أو ليلة الإسراء والمعراج يشرع تخصيصها باحتفال أو شيء من العبادة لأرشد النبي صلى الله عليه وسلم الأمة ولم يكتموه عنهم ، وهم خير الناس، وأنصح الناس بعد الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- ، ورضي الله عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم-وأرضاهم ، وقد عرفت آنفاً من كلام العلماء أنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه – رضي الله عنهم – شيء في فضل ليلة أول جمعة من رجب ، ولا في فضل ليلة النصف من شعبان ، فعلم أن الاحتفال بهما بدعة محدثة في الإسلام ، وهكذا تخصيصها بشيء من العبادة بدعة منكرة .... ا.هـ873 .- والله أعلم – وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبيناً محمد وآله وصحبه أجمعين .
الصلاة الألفية المبتدعة في شعبان
أول من أحدثها :
أول من أحدث الصلاة الألفية في ليلة النصف من شعبان رجل يعرف بابن أبي الحمراء من أهل نابلس874، قدم على بيت المقدس سنة 448هـ وكان حسن التلاوة ، فقام فصلى في المسجد الأقصى ليلة النصف من شعبان فأحرم خلفه رجل ، ثم انضاف إليهما ثالث ورابع ، فما ختمها إلا وهم في جماعة كثيرة .
ثم جاء في العام القابل فصلى معه خلق كثير، وشاعت في المسجد وانتشرت الصلاة في المسجد الأقصى، وبيوت الناس ومنازلهم، ثم استقرت كأنها سنة875.
صفتها :
هذه الصلاة المبتدعة تسمى بالألفية لقراءة سورة الإخلاص فيها ألف مرة، لأنها مائة ركعة، يقرأ في كل ركعة سورة الإخلاص عشر مرات .
وقد رويت صفة هذه الصلاة ، والأجر المترتب على أدائها ، من طرق عدة ذكرها ابن الجوزي في الموضوعات ثم قال : ( هذا حديث لا نشك أنه موضوع ، وجمهور رواته في الطرق الثلاثة مجاهيل وفيهم ضعفاء بمرة ، والحديث محال قطعاً )876 .ا.هـ .
وقال الغزالي في الإحياء : ( وأما صلاة شعبان : فليلة الخامس عشر منه يصلى مائة ركعة ، كل ركعتين بتسليمه ، ويقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة (( قل هو الله أحد)) )877 .ا.هـ .
حكمها :
اتفق جمهور العلماء على أن الصلاة الألفية ليلة النصف من شعبان بدعة .
فألفية النصف من شعبان لم يسنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من خلفائه ، ولا استحبها أحد من أئمة الدين الأعلام كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والثوري والأوزاعي والليث وغيرهم – رحمة الله عليهم جميعاً –
وكذلك فإن الحديث الوارد فيها موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث878.وأعلم أخي المسلم أن مثل هذه الاحتفالات كالاحتفال بليلة النصف من شعبان ، وليلة الإسراء والمعراج المزعومة ، وليلة الرغائب، يكون فيها من الأمور المبتدعة والمحرمة الشيء الكثير ، والتي تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة ، وقد فصل العلامة ابن الحاج هذه البدع والمحرمات في هذه الاحتفالات فنلخص من كلامه ما يأتي :
1. تكلف النفقات الباهظة ، وهو إسراف يعملونه باسم الدين وهو بريء منه .
2. الحلاوات المحتوية على الصور المحرمة شرعاً .
3. زيادة وقود القناديل وغيرها ، وفي زيادة وقودها إضاعة المال ، لاسيما إذا كان الزيت من الوقف فيكون ذلك جرحاً في حق الناظر، لاسيما إذا كان الواقف لا يذكره ، وإن ذكره لم يعتبر شرعاً، وزيادة الوقود مع ما فيه من إضاعة المال كما تقدم سبب لاجتماع من لا خير فيه، ومن حضر من أرباب المناصب الدينية عالماً بذلك فهو جرحة في حقه إلا أن يتوب ، وأما إن حضر ليغير وهو قادر بشرط فيا حبذا .
4. حضور النساء وما فيه من المفاسد .
5. إتيانهم الجامع واجتماعهم فيه ، وذلك عبادة غير مشروعة .
6. ما يفرشونه من البسط والسجادات وغيرها .
7. أطباق النحاس فيها الكيزان والأباريق وغيرهما ، كأن بيت الله تعالى بيتهم ، والجامع إنما جعل للعبادة ، لا للفراش والرقاد والأكل والشرب .
8. ومن هذه البدع والمحرمات السقاؤون ، وفي ذلك من المفاسد جملة منها :البيع والشراء لأنهم يأخذون الدراهم ، وضرب الطاسات بما يشبه صوت النواقيس ، ورفع الصوت في المسجد وتلويثه ، وتخطي رقاب الناس ، وكلها منكرات .
9. اجتماعهم حلقات ، كل حلقة لها كبير، يقتدون به في الذكر والقراءة وليت ذلك لو كان ذكراً أو قراءة، لكنهم يلعبون في دين الله تعالى فالذاكر منهم في الغالب لا يقول : (لا إله إلا الله ) بل يقول : (لا يلاه يلله ) فيجعلون عوض الهمزة ياء وهي ألف قطع جعلوها وصلاً وإذا قالوا :( سبحان الله ) يمططونها ويرجعونها حتى لا تكاد تفهم ، والقارئ يقرأ القرآن فيزيد فيه ما ليس منه ، وينقص منه ما هو فيه ، بحسب تلك النغمات والترجيعات التي تشبه الغناء والأصوات التي اصطلحوا عليها، على ما قد علم من أحوالهم الذميمة ، وهذا منكر يحف به عدة منكرات .
10. ومن الأمور العظيمة فيها أن القارئ يبتدئ بقراءة القرآن والآخر ينشد الشعر ، أو يريد أن ينشده ، فيسكتون القارئ أو يهمون بذلك ، أو يتركون هذا في شعره وهذا في قراءته ، لأجل تشوف بعضهم لسماع الشعر وتلك النغمات الموضوعة أكثر ، فهذه الأحوال من اللعب في الدين أن لو كانت خارج المسجد منعت ، فكيف بها في المسجد ؟ .
11. حضور الوالدان الصغار وما يتبع من لغطهم وتنجيسهم المسجد .
12. خروج النساء في هذه الليلة-ليلة النصف من شعبان- إلى القبور-مع أن زيارة النساء للقبور محرمة شرعاً- ومع بعضهن الدف يضربن به ، وبعضهن يغنين بحضرة الرجال ورؤيتهم لهن متجاهرين بذلك، لقلة حيائهن ، وقلة من ينكر عليهن .
13. اختلاط النساء بالرجال عند القبور ، وقد رفع النساء جلبان الحياء والوقار عنهن ، فهن كاشفات الوجوه والأطراف .
14. أنهم أعظموا تلك المعاصي بفعلها عند القبور التي هي موضع الخشية والفزع والاعتبار ، والحث على العمل الصالح ، لهذا المصرع العظيم المهول أمره ، فردوا ذلك للنقيض ، وجعلوه موضع فرح ومعاصي كحال المستهزئين .
15. إهانة الأموات من المسلمين وأذيتهم بفعل المنكرات بجانب قبورهم .
16. أن بعضهم يقيمون خشبة عند رأس الميتة أو الميت ، ويكسون ذلك العمود من الثياب ما يليق به عندهم .
فإن كان الميت عالماً أو صالحاً صاروا يشكون له ما نزل بهم ويتوسلون به ، وإن كان من الأهل أو الأقارب صاروا يتحدثون معه ويذكرون له ما حدث لهم بعده ، وإن كان عروساً أو عروسة كسوا كل واحد منهما ما كان يلبسه في حال فرحة ، ويجلسون يتباكون ويبكون ويتأسفون . وكسوتهم لهذه الخشبة تشبه في الظاهر بالنصارى في كسوتهم لأصنامهم ، والصور التي يعظمونها في مواسمهم ، ومن تشبه بقوم فهو منهم .
17. أنهم اتصفوا بسبب ما ذكره بصفة النفاق ، لأن الفارق صفته قصد المعصية وإظهارها في الصورة أنها طاعة .
18. اللغو في المسجد وكثرة الكلام بالباطل وهو منكر شديد .
19. جعل المسجد كأنه دار شرطة لمجيء الوالي والمقدمين والأعوان ، وفرش البسط ، ونصب الكرسي للوالي ليجلس عليه في مكان معلوم ، وتوقد بين يديه المشاعل الكثيرة في صحن الجامع ، ويقع منها بعض الرماد ، وربما وقع الضرب بالعصا والبطح لمن يشتكي في الجامع ، أو تأتيه – الوالي – الخصوم من خارج الجامع وهو فيه ، هذا كله في ليلة النصف من شعبان ، وإذا وقعت هذه الأشياء في الجامع فلابد من رفع الأصوات من الخصوم والجند وغيرهم ، بل اللغط واقع لكثرة الخلق فيه ، فكيف به إذا انضم إلى الشكاوي وأحكام الوالي ؟! .
20. اعتقادهم أن فعل هذه المنكرات والبدع المحرمات إقامة حرمة لتلك الليلة ، ولبيت الله عز وجل ، وأنهم أتوه ليعظموه ، وبعضهم يرى أن ذلك من القرب وهذا أشد879 . وسبق وذكرت أن هذه البدع والمنكرات تختلف باختلاف الزمان والمكان ، فالاحتفالات في الوقت الحاضر تكاد لا تخلو من كثير من هذه المنكرات وإن اختلف الشكل والهيئة .
21. ويضاف إلى هذه البدع أيضا :الدعاء المعروف الذي يطلب فيه من الله تعالى أن يمحو من أم الكتاب شقاوة من كتبه شقياً ...... الخ . ونصه ما يلي : اللهم يا ذا المن ولا يمن عليه ، يا ذا الجلال والإكرام ، يا ذا الطول والإنعام ، لا إله إلا أنت ، ظهر اللاجئين ، وجار المستجيرين ، وأمان الخائفين ، اللهم أن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب شقياً أو محروماً ، أو مطروداً أو مقتراً عليَّ في الرزق ، فامح اللهم بفضلك شقاوتي وحرماني ، وطردي وإقتار رزقي ، وأثبتني عندك في أم الكتاب سعيداً مرزوقاً موفقاً للخيرات ، فإنك قلت وقولك الحق في كتابك المنزل ، على لسان نبيك المرسل : {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ }880 . إلهي بالتجلي الأعظم في ليلة النصف من شهر شعبان المكرم ، التي يفرق فيها كل أمر حكيم ويبرم أسألك أن تكشف عنا البلاء ما نعلم وما لا نعلم ، وما أنت به أعلم إنك أنت الأعز الأكرم ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم ))881.
وهذا الدعاء ليس له أصل صحيح في السنة، كما هو الحال في صلاة النصف من شعبان ، فلم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ، ولا عن السلف-رضوان الله عليهم أجمعين- أنهم اجتمعوا في المساجد من أجل هذا
الدعاء في تلك الليلة ، ولا تصح نسبة هذا الدعاء إلى بعض الصحابة.882
وربما شرطوا لقبول هذا الدعاء قراءة سورة(يس)،وصلاة ركعتين قبله،يفعلون القراءة والصلاة والدعاء ثلاث مرات ، يصلون المرة الأولى بنية طول العمر ، والثانية بنية دفع البلايا ، والثالثة بنية الاستغناء عن الناس ، واعتقدوا أن هذا العمل من الشعائر الدينية، ومن مزايا ليلة النصف من شعبان وما تختص به، حتى اهتموا به أكثر من اهتمامهم بالواجبات والسنن فتراهم يسارعون إلى المساجد قبيل الغروب من هذه الليلة، وفيهم تاركوا الصلاة ، معتقدين أنه يجبر كل تقصير سابق عليه، وأنه يطيل العمر ويتشاءمون من فوته883 .
فالاجتماع لقراءة هذا الدعاء بالطريقة المتبعة والمعروف عندهم ، وجعل ذلك شعيره من شعائر الدين ، من البدع التي تحدث في ليلة النصف من شعبان .
صحيح أن الدعاء والتضرع إلى الله تعالى مطلوب في كل وقت ومكان ، لكن لا على هذا الوجه المخترع ، فلا يتقرب إلى الله بالبدع ، وإنما يتقرب إليه تعالى بما شرع .
22. ومن البدع المنكرة في الاحتفالات بليلة النصف من شعبان كثيرة الوقيد فالمحدث لهذه البدعة راغب في دين المجوسية ، لأن النار معبودة وأول ما حدث ذلك في زمن البرامكة884، فأدخلوا في دين الإسلام ما يموهون به على الطغام ، وهو جعلهم الإيقاد في شعبان كأنه من سنن الإيمان ، ومقصودهم عبادة النيران ، وإقامة دينهم وهو أخسر الأديان ، حتى إذا صلى المسلمون وركعوا وسجدوا كان ذلك إلى النار التي أوقدوها885 .
فزيادة الوقود فيه تشبه بعبدة النار في الظاهر – وإن لم يعتقدوا ذلك – لأنَّ عبدة النار يوقدونها حتى إذا كانت في قوتها وشعشعتها اجتمعوا إليها بنية عبادتها،ولا شك أن التشبه بأهل الأديان الباطلة منهي عنه886. والله أعلم .
كتاب البدع الحولية لعبدالله التويجري
البيان بما جاء في شهر شعبان الحَمْدَ للهِ؛ نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعوذُ باللهِ مِنْشُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ؛ مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَه وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ -وَحْدَهُ لاشَرِيْكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُوْلُهُ:
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ مِنَ المقرّر عند أَهلِ السنَّةوالجماعةِ أَنَّ العملَ الصالح لا يتقبَّلهُ اللهُ -جلَّ وعلا- إِلاَّ بشرطينِ اثنينِ:
أَوَّلُهُمَا: أَنْ تكونَ النِّيَّةُ خالِصَةً لوجههِ الكريمِ ؛ لقولِه -تعالى-: (( وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعبُدوا اللهَ مُخلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ)).
ثَانِيهمَا: أَن تَكون العبَادةُ وَفْقَ مَا شَرَعَ اللهُ -سبحانه- في كتابه ، أو بيّنَهُ نبيُّهُ -صلى الله عليه وسلم- في سنَّتِهِ؛ لقَولِهِ -تعالى-: (( فَمَن كانَ يرجُو لِقَاء رَبِّه فليعْمَلْ عمَلاً صَالِحًا ولايُشْرِك بِعِبَادَةِ ربِّهِ أَحدًا )).
قالَ الحافِظُ ابنُ كثيرٍ: (( وهذانِ ركنا العملِ المتقَبَّلِ، لا بُدَّ أن يكون خالصًا للهِ، صوابًا على شريعةِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، ورُوي مثل هذا عن الفُضيل بن عِيَاض -رحمه الله- وغيره)).
وقال سماحةُ الشيخِ العلاَّمَةِ: عبد العزيزِ بن بازٍ -رحمه الله- فيرسالتهِ: [التحذير مِن البدع]:
((... أكملَ اللهُ لهذه الأمة دينَها، وأتمَّ عليها نعمتَه، ولم يتوفَّ نبيَّه -عليه الصلاة والسلام- إلاَّ بعدما بلّغَ البلاغَ المبينَ، وبيَّنَ للأمة كلَّ ما شرَعَهُ اللهُ لها مِنْ أَقوالٍ وأعمالٍ، وأوضحَ -صلى الله عليه وسلم- أنَّ كلَّ ما يُحدِثُهُ النَّاس بعدَهُ وينسِبونَهُ إلى دين الإسلامِ مِن أقوالٍ وأعمالٍ؛ فكلُّهُ بدعة مردودةٌ على مَن أَحدثَه، ولو حَسُنَ قصدُهُ.
وقد عَرَفَ أصحابُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا الأمرَ، وهكذا علماءُ الإسلامِ بعدهم؛ فأَنكروا البدَعَ وحذَّروا منْها؛ كما ذكرَ ذلكَ كلُّ مَنصنَّفَ في تعظيمِ السنَّةِ، وإِنكارِ البدعَةِ -كابنِ وضَّاحٍ والطَّرطوشِيِّ وأبي شامة وغيرِهمِ-))[ ص 13 – 14 ].
ولمَّا كان هذا الزَّمانُ عينَ ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم-، من أَنَّه زمان الغربة، القابض فيه على دينه كالقابض على جمرٍ: ظهرتْ فيه البدعُ؛ في العبادات والعقائد والمعاملات والسلوكيّات؛ حتى مارس كثيرٌ مِن الناس الشركَ ظانِّينَ أنَّه توحيدٌ، وتعبَّدوا بعباداتٍ مخترعةٍ لم تُشرع لا في كتابٍ ولا سنَّة صحيحة، ولا أُثِرَتْ عن السلف الصالح، وما ذلكَ إلاَّ بسببِ التَّقليدِ الأعمى لبعض المتقوِّلين والمتعالمينَ.
قالَ سفيَانُ الثوريُّ: ((كانوا يتعَوَّذونَ بالله مِن شرِّ فتنةِ العالِمِ، ومِن شَرِّ فتنةِ العابدِالجاهلِ؛ فإِنَّ فتنتَهُما فتنَةٌ لكلِّ مفتونٍ)).[ الحوادث والبدع ص 49 – مختصرة للطرطوشي رحمه الله].
ولذا؛ وجب على أهلِ العلم أَن يُجَرِّدوا صارمَ العزمِ، وأن يمتشِقوا حُسَامَ العلمِ؛ مخلصين للهِ القولَ،وصادقي النُّصحِ للمسلمين: للذّبِ عن حِيَاض الإسلامِ؛ إِنكارًا للحوادثِ القبيحة،وإِحياءً لما اندرسَ من السنن الصحيحة؛ لِعِظَمِ الميثَاقِ الذي أَخذهُ اللهُ -سبحانَه وتعالى- عليهم في النصح والبيان، والتعريفِ والإصلاح؛ قال -تعالى-: {وإِذْ أَخذَ الله ميثاقَ الَّذينَ أُوتُوا الكتابَ لتُبَيِّنُنَّهُ للنَّاسِ ولا تَكتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِه ثَمَنًا قليلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ }. [ آل عمران:187].
ومِن هَذه البدعِ -وهي كثيرةٌ -وللأسف!-؛ البدعُ المتعلِّقةُ بشهري رجبٍ وشعبانَ، وما يتّصل بهما مِن أُمورٍمُحْدَثةٍ مبتدعةٍ -ما أنزل الله بها من سُلطان.
وما اختيارُنَا لهذينِ الشهرينِ -في هذا المقام-إِلاَّ من بابِ بيان واجبِ الوقتِ وفرضهِ.
وقد تقرّرعند أَهلِ الأُصولِ تقعيدُهم المشهور: ( لا يجوز تأخِيرُ البيانِ عن وقت الحاجةِ)[ مقدمة التحذير والبيان لبعض بدع شهري رجب وشعبان].
وقد تكلمنا فيما مضى عن بدع شهر رجب وها نحن اليوم نكمل الحديث عن شهر شعبان وما جاء فيه من مخالفات لهدي النبي صلى الله عليه وسلم.
وسنقتصر في هذه الصفحات على نقاط رئيسية هي:
1- فتاوى العلماء الأكابر فيما يخص شهر شعبان.
2- بعض البدع التي تقع في شهر شعبان.
3- ذكر الأحاديث الصحيحة والضعيفة والموضوعة التي تتعلق بشهر شعبان.
أولا: فتاوى العلماء الأكابر فيما يخص شهر شعبان
العلامة ابن باز رحمه الله:
حكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان
الحمد لله الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة, والصلاة والسلام على نبيه ورسوله محمد نبي التوبة والرحمة.
أما بعد: فقد قال الله تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا }[المائدة:3], وقال تعالى: { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ }[ الشورى:21]. وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد »وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه, أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبة الجمعة: « أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة » والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة, وهي تدل دلالة صريحة على أن الله سبحانه وتعالى قد أكمل لهذه الأمة دينها, وأتم عليها نعمته, ولم يتوف نبيه عليه الصلاة والسلام إلا بعد ما بلغ البلاغ المبين, وبين للأمة كل ما شرعه الله لها من أقوال وأعمال, وأوضح صلى الله عليه وسلم أن كل ما يحدثه الناس بعده وينسبونه إلى دين الإسلام من أقوال أو أعمال, فكله بدعة مردود على من أحدثه, ولو حسن قصده, وقد عرف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر, وهكذا علماء الإسلام بعدهم, فأنكروا البدع وحذروا منها, كما ذكر ذلك كل من صنف في تعظيم السنة وإنكار البدعة ، كابن وضاح , والطرطوشي , وأبي شامة وغيرهم.
ومن البدع التي أحدثها بعض الناس: بدعة الاحتفال بليلة النصف من شعبان, وتخصيص يومها بالصيام , وليس على ذلك دليل يجوز الاعتماد عليه, وقد ورد في فضلها أحاديث ضعيفة لا يجوز الاعتماد عليها, أما ما ورد في فضل الصلاة فيها, فكله موضوع, كما نبه على ذلك كثير من أهل العلم, وسيأتي ذكر بعض كلامهم إن شاء الله . وورد فيها أيضا آثار عن بعض السلف من أهل الشام وغيرهم, والذي أجمع عليه جمهور العلماء أن الاحتفال بها بدعة, وأن الأحاديث الواردة في فضلها كلها ضعيفة, وبعضها موضوع, وممن نبه على ذلك الحافظ ابن رجب , في كتابه: (لطائف المعارف) وغيره, والأحاديث الضعيفة إنما يعمل بها في العبادات التي قد ثبت أصلها بأدلة صحيحة, أما الاحتفال بليلة النصف من شعبان, فليس له أصل صحيح حتى يستأنس له بالأحاديث الضعيفة.
وقد ذكر هذه القاعدة الجليلة الإمام: أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. وأنا أنقل لك: أيها القارئ, ما قاله بعض أهل العلم في هذه المسألة , حتى تكون على بينة في ذلك, وقد أجمع العلماء رحمهم الله على أن الواجب: رد ما تنازع فيه الناس من المسائل إلى كتاب الله عز وجل, وإلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم , فما حكما به أو أحدهما فهو الشرع الواجب الإتباع, وما خالفهما وجب اطراحه, وما لم يرد فيهما من العبادات فهو بدعة لا يجوز فعله, فضلا عن الدعوة إليه وتحبيذه, كما قال سبحانه في سورة النساء { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا }[ النساء:59]. وقال تعالى: { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ }[ الشورى:10], وقال تعالى: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ }[ آل عمران: 31] , وقال عز وجل: { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }[ النساء:65]. والآيات في هذا المعنى كثيرة, وهي نص في وجوب رد مسائل الخلاف إلى الكتاب والسنة, ووجوب الرضى بحكمهما, وأن ذلك هو مقتضى الإيمان, وخير للعباد في العاجل والآجل, وأحسن تأويلا: أي عاقبة.
قال الحافط ابن رجب - رحمه الله - في كتابه: (لطائف المعارف) في هذه المسألة - بعد كلام سبق- ما نصه:
( وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام ; كخالد بن معدان , ومكحول , ولقمان بن عامر وغيرهم, يعظمونها ويجتهدون فيها في العبادة, وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها, وقد قيل: إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية, فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان, اختلف الناس في ذلك فمنهم من قبله منهم, ووافقهم على تعظيمها, منهم طائفة من عباد أهل البصرة وغيرهم, وأنكر ذلك أكثر علماء الحجاز , منهم: عطاء , وابن أبي مليكة , ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم , عن فقهاء أهل المدينة , وهو قول أصحاب مالك وغيرهم, وقالوا: ذلك كله بدعة .
واختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولين:
أحدهما: أنه يستحب إحياؤها جماعة في المساجد. كان خالد بن معدان ولقمان بن عامر وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم, ويتبخرون ويتكحلون, ويقومون في المسجد ليلتهم تلك, ووافقهم إسحاق بن راهويه على ذلك, وقال في قيامها في المساجد جماعة: ليس ذلك ببدعة, نقله حرب الكرماني في مسائله.
والثاني: أنه يكره الاجتماع فيها في المساجد للصلاة والقصص والدعاء, ولا يكره أن يصلي الرجل فيها لخاصة نفسه, وهذا قول الأوزاعي إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم, وهذا هو الأقرب إن شاء الله تعالى, إلى أن قال: ولا يعرف للإمام أحمد كلام في ليلة نصف شعبان, ويتخرج في استحباب قيامها عنه روايتان: من الروايتين عنه في قيام ليلتي العيد, فإنه (في رواية) لم يستحب قيامها جماعة ؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه, واستحبها (في رواية), لفعل عبد الرحمن بن يزيد بن الأسود لذلك وهو من التابعين , فكذلك قيام ليلة النصف, لم يثبت فيها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه, وثبت فيها عن طائفة من التابعين من أعيان فقهاء أهل الشام ).
انتهى المقصود من كلام الحافظ ابن رجب رحمه الله, وفيه التصريح منه بأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم شيء في ليلة النصف من شعبان, وأما ما اختاره الأوزاعي رحمه الله من استحباب قيامها للأفراد, واختيار الحافظ ابن رجب لهذا القول, فهو غريب وضعيف ؛ لأن كل شيء لم يثبت بالأدلة الشرعية كونه مشروعا, لم يجز للمسلم أن يحدثه في دين الله, سواء فعله مفردا أو في جماعة, وسواء أسره أو أعلنه؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : « من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد » وغيره من الأدلة الدالة على إنكار البدع والتحذير منها.
وقال الإمام أبو بكر الطرطوشي رحمه الله في كتابه: (الحوادث والبدع) ما نصه:
( وروى ابن وضاح عن زيد بن أسلم , قال: ما أدركنا أحدا من مشيختنا ولا فقهائنا يلتفتون إلى النصف من شعبان, ولا يلتفتون إلى حديث مكحول , ولا يرون لها فضلا على ما سواها). وقيل لابن أبي مليكة : إن زيادا النميري يقول: (إن أجر ليلة النصف من شعبان كأجر ليلة القدر), فقال: (لو سمعته وبيدي عصا لضربته) وكان زياد قاصا , انتهى المقصود
وقال العلامة: الشوكاني رحمه الله في: (الفوائد المجموعة) ما نصه:
( حديث: « يا علي من صلى مائة ركعة ليلة النصف من شعبان يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد عشر مرات قضى الله له كل حاجة » إلخ . هو موضوع, وفي ألفاظه المصرحة بما يناله فاعلها من الثواب ما لا يمتري إنسان له تمييز في وضعه, ورجاله مجهولون, وقد روي من طريق ثانية وثالثة كلها موضوعة ورواتها مجاهيل, وقال في: (المختصر): حديث صلاة نصف شعبان باطل, ولابن حبان من حديث علي : ( « إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها, وصوموا نهارها » , ضعيف وقال في: (اللآلئ): « مائة ركعة في نصف شعبان بالإخلاص عشر مرات » مع طول فضله, للديلمي وغيره موضوع, وجمهور رواته في الطرق الثلاث مجاهيل ضعفاء ، قال: « واثنتا عشرة ركعة بالإخلاص ثلاثين مرة » موضوع « وأربع عشرة ركعة » موضوع.
وقد اغتر بهذا الحديث جماعة من الفقهاء كصاحب (الإحياء) وغيره وكذا من المفسرين, وقد رويت صلاة هذه الليلة - أعني: ليلة النصف من شعبان - على أنحاء مختلفة كلها باطلة موضوعة, ولا ينافي هذا رواية الترمذي من حديث عائشة لذهابه صلى الله عليه وسلم إلى البقيع , ونزول الرب ليلة النصف إلى سماء الدنيا, وأنه يغفر لأكثر من عدة شعر غنم بني كلب , فإن الكلام إنما هو في هذه الصلاة الموضوعة في هذه الليلة, على أن حديث عائشة هذا فيه ضعف وانقطاع, كما أن حديث علي الذي تقدم ذكره في قيام ليلها, لا ينافي كون هذه الصلاة موضوعة, على ما فيه من الضعف حسبما ذكرناه ) انتهى المقصود.
وقال الحافظ العراقي : ( حديث صلاة ليلة النصف موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذب عليه , وقال الإمام النووي في كتاب: (المجموع): ( الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب, وهي اثنتا عشرة ركعة بين المغرب والعشاء, ليلة أول جمعة من رجب, وصلاة ليلة النصف من شعبان مائة ركعة, هاتان الصلاتان بدعتان منكرتان, ولا يغتر بذكرهما في كتاب: (قوت القلوب), و(إحياء علوم الدين), ولا بالحديث المذكور فيهما, فإن كل ذلك باطل, ولا يغتر ببعض من اشتبه عليه حكمهما من الأئمة فصنف ورقات في استحبابهما, فإنه غالط في ذلك ) .
وقد صنف الشيخ الإمام: أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي كتابا نفيسا في إبطالهما, فأحسن فيه وأجاد, وكلام أهل العلم في هذه المسألة كثير جدا, ولو ذهبنا ننقل كل ما اطلعنا عليه من كلام في هذه المسألة, لطال بنا الكلام, ولعل فيما ذكرنا كفاية ومقنعا لطالب الحق.
ومما تقدم من الآيات والأحاديث وكلام أهل العلم, يتضح لطالب الحق أن الاحتفال بليلة النصف من شعبان بالصلاة أو غيرها, وتخصيص يومها بالصيام بدعة منكرة عند أكثر أهل العلم, وليس له أصل في الشرع المطهر, بل هو مما حدث في الإسلام بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم, ويكفي طالب الحق في هذا الباب وغيره قول الله عز وجل: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } وما جاء في معناها من الآيات, وقول النبي صلى الله عليه وسلم: « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد » وما جاء في معناه من الأحاديث, وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصوا يومها بالصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم » فلو كان تخصيص شيء من الليالي, بشيء من العبادة جائزا, لكانت ليلة الجمعة أولى من غيرها؛ لأن يومها هو خير يوم طلعت عليه الشمس, بنص الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , فلما حذر النبي صلى الله عليه وسلم من تخصيصها بقيام من بين الليالي, دل ذلك على أن غيرها من الليالي من باب أولى, لا يجوز تخصيص شيء منها بشيء من العبادة, إلا بدليل صحيح يدل على التخصيص.
ولما كانت ليلة القدر وليالي رمضان يشرع قيامها والاجتهاد فيها, نبه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك, وحث الأمة على قيامها, وفعل ذلك بنفسه, كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه » فلو كانت ليلة النصف من شعبان, أو ليلة أول جمعة من رجب أو ليلة الإسراء والمعراج يشرع تخصيصها باحتفال أو شيء من العبادة, لأرشد النبي صلى الله عليه وسلم الأمة إليه, أو فعله بنفسه, ولو وقع شيء من ذلك لنقله الصحابة رضي الله عنهم إلى الأمة, ولم يكتموه عنهم, وهم خير الناس, وأنصح الناس بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام, ورضي الله عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرضاهم, وقد عرفت آنفا من كلام العلماء أنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولا عن أصحابه رضي الله عنهم شيء في فضل ليلة أول جمعة من رجب, ولا في ليلة النصف من شعبان, فعلم أن الاحتفال بهما بدعة محدثة في الإسلام, وهكذا تخصيصها بشيء من العبادة, بدعة منكرة, وهكذا ليلة سبع وعشرين من رجب, التي يعتقد بعض الناس أنها ليلة الإسراء والمعراج, لا يجوز تخصيصها بشيء من العبادة, كما لا يجوز الاحتفال بها, للأدلة السابقة, هذا لو علمت, فكيف والصحيح من أقوال العلماء أنها لا تعرف, وقول من قال: أنها ليلة سبع وعشرين من رجب, قول باطل لا أساس له في الأحاديث الصحيحة, ولقد أحسن من قال:
وخير الأمور السالفات على الهدى ... وشر الأمور المحدثات البدائع
والله المسؤل أن يوفقنا وسائر المسلمين للتمسك بالسنة والثبات عليها, والحذر مما خالفها, إنه جواد كريم, وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.[ جموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله ج 1 ص 186].
فقيه الزمان محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
السؤال:
سمعت بعض أهل العلم يُرغِّب في صيام النصف من شهر شعبان ويذكر أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر ومن ضمن هذه الأيام النصف من شعبان ولذا فهو سنة وليس ببدعة وأيضاً الاحتفال بأيام شعبان لأنها الأيام التي تحولت فيها القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام أجيبونا أجابة مفصلة حول هذا الموضوع؟
فأجاب رحمه الله تعالى:
أما صيام النصف من شعبان بناءً على أنه أحد أيام البيض التي أمرنا بصيامها وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر فإذا صام الإنسان أيام البيض في شعبان فإنه كصيامها في رجب وفي جمادى وفي ربيع وفي صفر وفي محرم وفي ذي القعدة ولكن كونه يخصص يوم النصف فقط هذا لا يدل على أنه صامه من أيام البيض بل يدل على أنه صامه لأنه يوم النصف من شعبان وهذا يحتاج إلى دليل والحديث الوارد في هذا ضعيف وعلى هذا فلا يسن للإنسان أن يخصص يوم النصف من شعبان بالصيام وأما ما ذكره من الاحتفال بأيام شعبان لأن القبلة حولت فيه هذا يحتاج أولاً إلى صحة النقل لأن القبلة تحولت في شعبان وعلى تقدير صحة ذلك فإنه لا يجوز اتخاذ هذه الأيام عيداً يحتفل فيه فإن هذه الأيام التي حولت فيها الكعبة قد مرت على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه ومع هذا لم يكونوا يحتفلون بها والواجب على المسلمين أن يتبعوا آثار من سلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وألا يغتروا بما يعمله الناس اليوم فإن كثيراً منها خارج عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محدث وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة).[ فتاوى نور على الدرب].
السؤال
هل هناك سنة مشروعة في ليلة النصف من شعبان, فقد رأينا نشرة مضمنة ببعض الأحاديث في فضل هذه الليلة, قد صحح بعض هذه الأحاديث بعض المحدثين؟
الجواب
الصحيح أن جميع ما ورد فضل ليلة النصف من شعبان ضعيف لا تقوم به حجة, ومنها أشياء موضوعة, ولم يعرف عن الصحابة أنهم كانوا يعظمونها, ولا أنهم كانوا يخصونها بعمل, ولا يخصون يوم النصف بصيام, وأكثر من كانوا يعظمونها أهل الشام -التابعون ليس الصحابة- والتابعون في الحجاز أنكروا عليهم أيضاً, قالوا: لا يمكن أن نعظم شيئاً بدون دليل صحيح.
فالصواب: أن ليلة النصف من شعبان كغيرها من الليالي، لا تخص بقيام, ولا يوم النصف بصيام, لكن من كان يقوم كل ليلة, فلا نقول: لا تقم ليلة النصف, ومن كان يصوم أيام البيض لا نقول: لا تصم أيام النصف, إنما نقول: لا تخص ليلها بقيام ولا نهارها بصيام.[ لقاءات الباب المفتوح].
السؤال
فضيلة الشيخ: هل هناك أحاديث صحيحة ثابتة في فضل كل من شهر رجب وشعبان وفضل الصوم فيهما؟
الجواب
لا.
لم يرد في فضل رجب حديثٌ صحيح، وأجود ما فيه كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية أجود ما فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا دخل رجب: ( اللهم بارك لنا في رجب وشعبان، وبلغنا رمضان ) على أن الحديث هذا أيضاً متكلم فيه، وعلى هذا فلا يمتاز شهر رجب عن جمادى الآخرة الذي قبله إلا بأنه من الأشهر الحرم فقط، وإلا ليس فيه صيام مشروع، ولا صلاة مشروعة، ولا عمرة مشروعة ولا شيء، هو كغيره من الشهور.
أما شعبان فنعم يمتاز عن غيره بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر صومه، بل كان يصومه كله إلا قليلاً، فينبغي الإكثار من الصيام في شعبان.[ لقاءات الباب المفتوح].
السؤال
بعض النساء في ليلة النصف من شعبان كل عام تقوم بصنع طعام وتتصدق به، وتعتقد في ذلك اعتقاد أن له مزية وأن له فضلاً؟
الجواب
بعض الناس في النصف من شعبان يعمل الطعام ويتصدق به على الفقراء، يظن أن لهذا اليوم مزية في الصدقة وليس كذلك، الواقع أن هذه من البدع، وأن نصف شعبان ما له مزية هو كغيره من أنصاف الشهور، ليس فيه شيء إلا أنه إذا كان يصوم البيض صام النصف فقط، وأما تخصيص ليلة النصف بقيام أو يوم النصف بصيام فلا أصل له، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في ذلك شيء.
والمرأة يجب عليها أن تمتثل وألا تتصدق بعد أن علمت أن هذا من البدع وليس وارداً.
السائل: وإذا لم تمتنع؟ الشيخ: سبحان الله! إذا لم يمتنع المبتدع الآخر من بدعته ماذا نعمل؟ إذا بينا للناس فما علينا إلا البلاغ.[ المرجع السابق].