lalib40
2014-07-09, 02:52
رجل غامض.. كسر قواعد التجارة وتلاعب بالآلاف
"إمبراطورية" الوعد الصادق.. هكذا بدأت وهكذا انهارت
http://static.echoroukonline.com/ara/dzstatic/thumbnails/article/2014/Salah_Moulay_Essori_196227204.jpg
تعيش مدينة سور الغزلان أكبر عملية احتيال في الجزائر، حيّرت المختصين وأربكت المسؤولين، وحصدت الآلاف من الضحايا من 48 ولاية، تحولت أحلامهم في ربح الملايير إلى كابوس يطاردهم في النوم واليقظة، بعدما تبددت أموالهم وأراضيهم وعقاراتهم وسياراتهم وكل شيئ يملكونه، وتحوّل "الوعد الصادق" إلى وعد كاذب، أين اختفى الرجل "اللغز" الذي كسب ثقة واحترام الآلاف، واختفت معه أكثر من 3000 مليار، لتخطف الموت الكثير من ضحاياه بسبب أزمات قلبية نتيجة هول الخسارة، في حين أصيب الكثيرون بأمراض مزمنة وخطيرة، بعدما تأكدوا أن أموالهم وأراضيهم ذهبت ولن تعود، واستقبلتهم المحاكم بشعار "القانون لا يحمي المغفلين".
أطلق سكان مدينة سور الغزلان لقب "الرجل المنقذ" على مولاي صالح، الذي تحوّل في لمح البصر من تاجر بسيط إلى شخصية شهيرة تتلاعب بالملايير، أثارت الكثير من الجدل، والتف حولها جمع من المحبين والراغبين في الثراء السريع، حيث تمكن في وقت قصير من إحياء مدينة بكاملها، وأغنى سكانها، وأنقذ شبابها من البطالة وتجارها من الكساد، وساعد الفقراء والمحتاجين وأغدق على المسؤولين، لتتحول سور الغزلان إلى قبلة وطنية للراغبين في الثراء السريع.
وزراء وولاة وأميار ومسؤولين في أعلى مستوى، حجوا إلى صاحب سوق "الوعد الصادق" أو "سوق الريح"، وأبدوا إعجابا كبيرا بنشاطه وأثنوا عليه، حيث أسالت الملايير التي يتلاعب بها والعقارات التي يملكها لعابهم، وقدموا له تسهيلات كبيرة ودعما منقطع النظير وحماية فاقت حماية الدبلوماسيين، حيث بات مولاي الصالح يتنقل في مواكب شبه رسمية مستعملا "الجيلوفار" وشعاره في ذلك "بدراهمي نشري كل شيء".
وبدورها أبدت وسائل الإعلام اهتماما كبيرا بهذه الشخصية المثيرة للجدل، التي تصدّرت الصفحات الأولى للجرائد وعناوين النشرات الرئيسية في الإذاعة والتلفزيون، وتوافدت كبرى الجرائد والقنوات التلفزيونية والمواقع الإلكترونية إلى سوق "الوعد الصادق"، الذي تحوّل في ظرف وجيز إلى قبلة للمواطنين من مختلف ولايات الوطن، وعرضت فيه سيارات الأحلام التي بات يتلاعب بها شباب بمدينة سور الغزلان بعد بيعها بأثمان بخسة.
مولاي الصالح من تاجر للدقيق إلى أكبر بارون
مولاي الصالح 47 سنة، ابن حي شعبي بمدينة سور الغزلان، صاحب مخبزة ومستودع لبيع الدقيق والعجائن، رجل متواضع محبوب، سهل المعاملة ودائم الابتسامة، أخلاقه العالية يشهد بها الكبير والصغير، إذا وعد أوفى وإذا تكلم صدق، فصيح اللسان، معروف بمساعدته للفقراء والمحتاجين رغم تجارته البسيطة، معروف باسم "الصالح"، علاقته بأبناء مدينته كانت قوية ووطيدة، لم يكن يفوّت جنازة ولا فرحا ولا عزومة إلا وحضرها وكّرم أهلها، تجارته كانت تعتمد على الثقة، حيث تعامل بـ"الكريدي" مع العائلات المحتاجة وحتى التجار الشباب، وكانت تربطه علاقة حسنة مع أقاربه وجيرانه وأبناء حيه، وهو ما جعله ينجح في مشروعه الاستثماري الذي بدأ بسيارة وانتهى بآلاف المليارات كلها في العقارات والسيارات والمشاريع التجارية.
الإمبراطورية بدأت بسيارة وقطعة أرض وأثاث قديم
حسب معارف وجيران مولاي الصالح، فإن هذا الأخير قرر الاستثمار في بيع السيارات والعقارات والأثاث مع أفراد من عائلته، أين كان يبيع لهم بعض ما يملكونه من سيارات قديمة وأثاث مستعمل وأراض فلاحية، وبعد أشهر من هذه التجارة التي مكنته من تحقيق أرباح معتبرة، قرر توسيع استثماره بفتح أول سوق للسيارات المستعملة شهر سبتمبر الماضي، والذي بدأ بثلاثة سيارات وعاملين، وانتعشت هذه السوق في لمح البصر لاعتماده على قاعدة تجارية غريبة، أثارت الكثير من التساؤلات، غير أنها استقطبت الآلاف من الزبائن من مختلف أنحاء الوطن، وتحوّلت سوق "الوعد الصادق" إلى أهم سوق وطني للسيارات المستعملة.
وتعتمد هذه السوق على شراء السيارات المستعملة بمبالغ تزيد عن قيمتها الحقيقية، حيث ينتظر البائع مدة 55 يوما لأخذ أمواله مقابل عدم حصوله على أي وثيقة، وكان السوق أيضا يبيع السيارات بأقل من قيمتها بنسبة تتراوح بين 20 و30 بالمائة، أين يدفع "الشاري" مبلغ السيارة مقابل حصوله على الوثائق بعد 55 يوما.
ورغم حدوث عملية البيع والشراء دون وثائق رسمية، غير أن سوق الوعد الصادق استقطبت الآلاف من الجزائريين من جميع ولايات الوطن، وعلى مدى أربعة أشهر من فتح السوق تمكن سكان مدينة سور الغزلان من ربح الملايير، باعتبارهم أكثر المستفدين من هذه السوق، حيث تحصل أغلب شباب المدينة على سيارات جديدة وفارهة بأثمان زهيدة، وهذا ما جعل مولاي الصالح يتحول إلى أشهر شخصية في المنطقة، خاصة وأنه أنقذ شبابها من البطالة وسكانها من الفقر، وكانت جميع تعاملات السوق تتم بطريقة عادية وشفافة، وكل الزبائن كانوا راضين عن عمليات البيع والشراء، التي كانت تتم بطريقة سريعة ومربحة، ما جعل السكان المحليين يطلقون على السوق اسم "سوق الريح".
تمكن مولاي الصالح من خلال سوق الوعد الصادق من كسب ثقة وحب واحترام جميع سكان مدينة سور الغزلان وعدد كبير من المواطنين من جميع ولايات الوطن، وهو ما ساعده في توسيع استثماراته لمجال العقارات أين بات يتلاعب بالملايير.
من السيارات إلى بيع الأراضي والعقارات
بعد نجاح سوق الوعد الصادق لبيع وشراء السيارات الجديدة والمستعملة، والذي ذاع صيته في جميع مناطق الوطن، وبات حديث العام والخاص، قرر مولاي صالح فتح مكتب جديد متخصص في بيع العقارات في قلب مدينة سور الغزلان المشهورة بأراضيها الفلاحية، واعتمد على نفس قاعدة السيارات، أين كان يشتري الأراضي والعقارات بأسعار تتجاوز قيمتها الحقيقية، ويبيعها بأسعار أقل من قيمتها، ما جعل مكتب العقارات يعرف نشاطا كبيرا باستقطاب نسبة لا بأس بها من سكان مدينة سور الغزلان الذين أبدوا استعدادا لبيع أراضيهم وعقاراتهم لمولاي صالح، أين كانت تتم التعاملات العقارية في البداية بشكل سريع ومربح للكثيرين، وكان صاحب الوعد الصادق يتعامل في البداية مع العقارات الصغيرة، حيث يشتريها من أصحابها بعقود تمضى عند الموثق وكان يدفع قيمتها على شكل أقساط.
نجاح التعاملات العقارية في بدايتها مع أغلب الزبائن، عزز ثقة السكان بمولاي الصالح، وهذا ما جعل هذا الأخير يشتري أغلب الأراضي والعقارات في المدينة، وامتد نشاطه لولايات أخرى، حيث اشترى عقارات هامة في كل من العاصمة وقسنطينة ووهران ومختلف المدن الكبرى، والغريب في الأمر أن أغلب العقارات اشتراها بالوثائق فقط دون أن يدفع ثمنها، وهذا ما سيتسبب فيما بعد في كوارث ويمهد لأكبر عملية احتيال في الجزائر.
مولاي صالح يشتري البقر والشجر والحجر..
بعد نجاح سوق الوعد الصادق في الاستثمار في السيارات والعقارات، لجأ مولاي الصالح إلى فتح مكتب جديد متخصص في جميع أنواع التعاملات التجارية، على غرار المواد الغذائية والأغنام ومختلف أنواع السلع والبضائع ومواد البناء والأثاث وكل شيء، واحتفظ مولاي الصالح بنفس قاعدته الذهبية بالشراء بالخسارة والبيع بالخسارة، وهو ما أثار استغراب المواطنين والمختصين وحتى المقربين منه، فالسيولة الكبيرة من الملايير التي كان يربحها يوميا من معاملاته التجارية، جعلت الناس يلتفون حوله، ولجأ إلى تعيين مساعديه في جميع النشاطات، والذين كانوا يتعاملون مع الناس باسمه، ويستغلون ختمه وشهرته، وهو ما تسبب في حدوث الكثير من المشاكل، أين كان مولاي الصالح يتبرأ من العديد من التعاملات التي كانت تحدث باسمه، وهو ما أثار غضب الكثيرين، وبدأ الشك يدخل في نفوس السكان، وبدأت شعبية مولاي الصالح تتراجع.
الوعد الصادق يتحوّل إلى الوعد الكاذب!!
بعد ستة أشهر من فتح سوق الوعد الصادق المتخصصة في بيع وشراء كل شيئ، بدأت السيولة المالية لمولاي صالح تنقص، وبدأت الشكاوى تتزايد والاحتجاجات تتصاعد، والمدة المخصصة لدفع مستحقات الزبائن تتصاعد لتتحول من أيام إلى أشهر، وهذا ما دفع الإعلام إلى إثارة الكثير من الإشاعات منها من تحدثت عن هروب مولاي الصالح إلى تركيا، ومنها من أكدت اعتقال الرجل من طرف مصالح الأمن، وذهبت بعض الجرائد إلى توريط صاحب الوعد الصادق في تبييض الأموال والتواطؤ مع إرهابيين من ليبيا، وغيرها من الإشاعات والأخبار التي أدخلت الشك في نفوس زبائن الوعد الصادق.
وبدأ مولاي الصالح يتوارى عن الأنظار، ويتفادى لقاء زبائنه وحتى أصدقائه، وكلف مجموعة من مساعديه بتسيير أموره وتجارته، ولجأ إلى الظهور في بعض القنوات التلفزيونية لتبرير الاحتجاجات اليومية للمواطنين الذين لم يتحصلوا على مستحقاتهم المالية، ووعد بحل هذا المشكل خلال أيام، مبررا نقص السيولة المالية بشرائه عقارات واسعة، في المدن الكبرى . وأكد مولاي صالح أن مشكل السيولة سيحل قبل النصف الثاني من شهر جوان الماضي، ضاربا لزبائنه موعدا أمام سوق الوعد الصادق يوم 10 جوان صباحا.
"جيش شعب معاك يا الصالح"
ضرب مولاي صالح لزبائنه موعدا يوم 10 جوان الماضي، ليرد لهم مستحقاتهم المالية، ويبدد الإشاعات التي تحدثت عن هروبه إلى تركيا، ومع فجر اليوم الموعود تجمع المئات من زبائن "الوعد الصادق" ولكل منهم ملايين وملايير يطمع أن يتحصل عليها.
وما هي إلا ساعات قليلة حتى ظهرت سيارة رباعية الدفع بيضاء من نوع "أودي" كانت تقل مولاي الصالح رفقة مساعديه، فتجمع الناس حول السيارة وهم غاضبون ويطالبون بأموالهم، ومنهم من شرع في التهديد بالقتل وأطلق وابلا من السب والشتائم على مولاي صالح الذي كان هادئا، يحدث الناس من داخل السيارة بهدوء ويطمئنهم، وأمام حصار الغاضبين للسيارة، لجأ مجموعة من الشباب إلى الدفاع عن مولاي الصالح وتحريره من حصار الغاضبين وهم يرددون شعار"جيش شعب معاك يا صالح"، خوفا من أن يصيبه مكروه وتضيع مستحقاتهم وأراضيهم.
وبشجاعة كبيرة واجه مولاي الصالح الجماهير الغاضبة، وأكد لهم أن المسألة مسألة وقت، وكل زبون ستصله أمواله إلى حسابه الجاري دون نقصان، وهذا ما هدّأ من روع الغاضبين، الذين كانوا يأملون في استرجاع أموالهم وعقاراتهم المختفية، حيث أمهلوا صاحب سوق الوعد الصادق شهرا إضافيا لدفع مستحقاتهم.
عصابات للدفاع عن صالح مولاي
تصاعدت الاحتجاجات، وبدأت الشكوك تحوم حول نشاط سوق الوعد الصادق التي أغلقت أبوابها نهاية شهر ماي الماضي، بعدما عجز مولاي الصالح عن دفع مستحقات زبائنه وحتى عماله، ولجأ إلى الاختفاء في مكان مجهول، وهو ما دفع الناس في مدينة سور الغزلان إلى تنظيم اعتصامات للمطالبة بأموالهم وتدخل السلطات للتحقيق مع مولاي صالح، غير أن الاعتصامات كانت تقابل دائما بتدخل قوات الأمن التي كانت تفرق وتعتقل المحتجين.
وظهرت في مدينة سور الغزلان عصابات تهدد كل من يتحدث أو يحتج على مولاي الصالح، وهذا ما أدخل الخوف إلى نفوس آلاف زبائن مولاي الصالح، الذي لجأ إلى تهريب عائلته من مدينة سور الغزلان إلى وجهة مجهولة، وتحوّلت قصة "الوعد الصادق" إلى الشغل الشاغل لجميع سكان المدينة، الذين تورط أغلبهم في تعاملات تجارية مع سوق الوعد الصادق، التي أعلنت إفلاسها، وبدأ الناس يشمون رائحة الاحتيال والخداع، وهم لا يصدقون أن أموالهم ضاعت وعقاراتهم سلبت منهم، غير أنهم يأملون في استرجاع ولو البعض من أموالهم التي قدرت عند البعض بأزيد من 200 مليار.
الثقة العمياء والرّغبة في الربح السريع وراء ما حدث
لا يوجد حي في مدينة سور الغزلان إلا وتأثر بإفلاس سوق الوعد الصادق، فازدهار السوق في أيامه الأولى، جعل أغلب السكان "يقامرون" ببيع سياراتهم وبيوتهم وأراضيهم وكل ما يملكون لمولاي صالح، الذي قدم للسكان إغراءات وعروض جعلتهم يعيشون في الأحلام، غير أن الأحلام تحوّلت إلى كابوس، وتوالت الأيام والشهور، ولم يتحصل الناس على أموالهم بعدما خسروا سياراتهم وبيوتهم وأراضيهم، ومنهم من تحول من ملياردير إلى فقير يقتات على الخبز والماء.
وتحول صاحب الوعد الصادق إلى أكبر محتال في المنطقة، أكل أموال الآلاف، واختفى مجددا على الأنظار إلى وجهة مجهولة، تاركا وراءه ألاف الضحايا الذين أصيب الكثير منهم بأمراض خطيرة.
"إمبراطورية" الوعد الصادق.. هكذا بدأت وهكذا انهارت
http://static.echoroukonline.com/ara/dzstatic/thumbnails/article/2014/Salah_Moulay_Essori_196227204.jpg
تعيش مدينة سور الغزلان أكبر عملية احتيال في الجزائر، حيّرت المختصين وأربكت المسؤولين، وحصدت الآلاف من الضحايا من 48 ولاية، تحولت أحلامهم في ربح الملايير إلى كابوس يطاردهم في النوم واليقظة، بعدما تبددت أموالهم وأراضيهم وعقاراتهم وسياراتهم وكل شيئ يملكونه، وتحوّل "الوعد الصادق" إلى وعد كاذب، أين اختفى الرجل "اللغز" الذي كسب ثقة واحترام الآلاف، واختفت معه أكثر من 3000 مليار، لتخطف الموت الكثير من ضحاياه بسبب أزمات قلبية نتيجة هول الخسارة، في حين أصيب الكثيرون بأمراض مزمنة وخطيرة، بعدما تأكدوا أن أموالهم وأراضيهم ذهبت ولن تعود، واستقبلتهم المحاكم بشعار "القانون لا يحمي المغفلين".
أطلق سكان مدينة سور الغزلان لقب "الرجل المنقذ" على مولاي صالح، الذي تحوّل في لمح البصر من تاجر بسيط إلى شخصية شهيرة تتلاعب بالملايير، أثارت الكثير من الجدل، والتف حولها جمع من المحبين والراغبين في الثراء السريع، حيث تمكن في وقت قصير من إحياء مدينة بكاملها، وأغنى سكانها، وأنقذ شبابها من البطالة وتجارها من الكساد، وساعد الفقراء والمحتاجين وأغدق على المسؤولين، لتتحول سور الغزلان إلى قبلة وطنية للراغبين في الثراء السريع.
وزراء وولاة وأميار ومسؤولين في أعلى مستوى، حجوا إلى صاحب سوق "الوعد الصادق" أو "سوق الريح"، وأبدوا إعجابا كبيرا بنشاطه وأثنوا عليه، حيث أسالت الملايير التي يتلاعب بها والعقارات التي يملكها لعابهم، وقدموا له تسهيلات كبيرة ودعما منقطع النظير وحماية فاقت حماية الدبلوماسيين، حيث بات مولاي الصالح يتنقل في مواكب شبه رسمية مستعملا "الجيلوفار" وشعاره في ذلك "بدراهمي نشري كل شيء".
وبدورها أبدت وسائل الإعلام اهتماما كبيرا بهذه الشخصية المثيرة للجدل، التي تصدّرت الصفحات الأولى للجرائد وعناوين النشرات الرئيسية في الإذاعة والتلفزيون، وتوافدت كبرى الجرائد والقنوات التلفزيونية والمواقع الإلكترونية إلى سوق "الوعد الصادق"، الذي تحوّل في ظرف وجيز إلى قبلة للمواطنين من مختلف ولايات الوطن، وعرضت فيه سيارات الأحلام التي بات يتلاعب بها شباب بمدينة سور الغزلان بعد بيعها بأثمان بخسة.
مولاي الصالح من تاجر للدقيق إلى أكبر بارون
مولاي الصالح 47 سنة، ابن حي شعبي بمدينة سور الغزلان، صاحب مخبزة ومستودع لبيع الدقيق والعجائن، رجل متواضع محبوب، سهل المعاملة ودائم الابتسامة، أخلاقه العالية يشهد بها الكبير والصغير، إذا وعد أوفى وإذا تكلم صدق، فصيح اللسان، معروف بمساعدته للفقراء والمحتاجين رغم تجارته البسيطة، معروف باسم "الصالح"، علاقته بأبناء مدينته كانت قوية ووطيدة، لم يكن يفوّت جنازة ولا فرحا ولا عزومة إلا وحضرها وكّرم أهلها، تجارته كانت تعتمد على الثقة، حيث تعامل بـ"الكريدي" مع العائلات المحتاجة وحتى التجار الشباب، وكانت تربطه علاقة حسنة مع أقاربه وجيرانه وأبناء حيه، وهو ما جعله ينجح في مشروعه الاستثماري الذي بدأ بسيارة وانتهى بآلاف المليارات كلها في العقارات والسيارات والمشاريع التجارية.
الإمبراطورية بدأت بسيارة وقطعة أرض وأثاث قديم
حسب معارف وجيران مولاي الصالح، فإن هذا الأخير قرر الاستثمار في بيع السيارات والعقارات والأثاث مع أفراد من عائلته، أين كان يبيع لهم بعض ما يملكونه من سيارات قديمة وأثاث مستعمل وأراض فلاحية، وبعد أشهر من هذه التجارة التي مكنته من تحقيق أرباح معتبرة، قرر توسيع استثماره بفتح أول سوق للسيارات المستعملة شهر سبتمبر الماضي، والذي بدأ بثلاثة سيارات وعاملين، وانتعشت هذه السوق في لمح البصر لاعتماده على قاعدة تجارية غريبة، أثارت الكثير من التساؤلات، غير أنها استقطبت الآلاف من الزبائن من مختلف أنحاء الوطن، وتحوّلت سوق "الوعد الصادق" إلى أهم سوق وطني للسيارات المستعملة.
وتعتمد هذه السوق على شراء السيارات المستعملة بمبالغ تزيد عن قيمتها الحقيقية، حيث ينتظر البائع مدة 55 يوما لأخذ أمواله مقابل عدم حصوله على أي وثيقة، وكان السوق أيضا يبيع السيارات بأقل من قيمتها بنسبة تتراوح بين 20 و30 بالمائة، أين يدفع "الشاري" مبلغ السيارة مقابل حصوله على الوثائق بعد 55 يوما.
ورغم حدوث عملية البيع والشراء دون وثائق رسمية، غير أن سوق الوعد الصادق استقطبت الآلاف من الجزائريين من جميع ولايات الوطن، وعلى مدى أربعة أشهر من فتح السوق تمكن سكان مدينة سور الغزلان من ربح الملايير، باعتبارهم أكثر المستفدين من هذه السوق، حيث تحصل أغلب شباب المدينة على سيارات جديدة وفارهة بأثمان زهيدة، وهذا ما جعل مولاي الصالح يتحول إلى أشهر شخصية في المنطقة، خاصة وأنه أنقذ شبابها من البطالة وسكانها من الفقر، وكانت جميع تعاملات السوق تتم بطريقة عادية وشفافة، وكل الزبائن كانوا راضين عن عمليات البيع والشراء، التي كانت تتم بطريقة سريعة ومربحة، ما جعل السكان المحليين يطلقون على السوق اسم "سوق الريح".
تمكن مولاي الصالح من خلال سوق الوعد الصادق من كسب ثقة وحب واحترام جميع سكان مدينة سور الغزلان وعدد كبير من المواطنين من جميع ولايات الوطن، وهو ما ساعده في توسيع استثماراته لمجال العقارات أين بات يتلاعب بالملايير.
من السيارات إلى بيع الأراضي والعقارات
بعد نجاح سوق الوعد الصادق لبيع وشراء السيارات الجديدة والمستعملة، والذي ذاع صيته في جميع مناطق الوطن، وبات حديث العام والخاص، قرر مولاي صالح فتح مكتب جديد متخصص في بيع العقارات في قلب مدينة سور الغزلان المشهورة بأراضيها الفلاحية، واعتمد على نفس قاعدة السيارات، أين كان يشتري الأراضي والعقارات بأسعار تتجاوز قيمتها الحقيقية، ويبيعها بأسعار أقل من قيمتها، ما جعل مكتب العقارات يعرف نشاطا كبيرا باستقطاب نسبة لا بأس بها من سكان مدينة سور الغزلان الذين أبدوا استعدادا لبيع أراضيهم وعقاراتهم لمولاي صالح، أين كانت تتم التعاملات العقارية في البداية بشكل سريع ومربح للكثيرين، وكان صاحب الوعد الصادق يتعامل في البداية مع العقارات الصغيرة، حيث يشتريها من أصحابها بعقود تمضى عند الموثق وكان يدفع قيمتها على شكل أقساط.
نجاح التعاملات العقارية في بدايتها مع أغلب الزبائن، عزز ثقة السكان بمولاي الصالح، وهذا ما جعل هذا الأخير يشتري أغلب الأراضي والعقارات في المدينة، وامتد نشاطه لولايات أخرى، حيث اشترى عقارات هامة في كل من العاصمة وقسنطينة ووهران ومختلف المدن الكبرى، والغريب في الأمر أن أغلب العقارات اشتراها بالوثائق فقط دون أن يدفع ثمنها، وهذا ما سيتسبب فيما بعد في كوارث ويمهد لأكبر عملية احتيال في الجزائر.
مولاي صالح يشتري البقر والشجر والحجر..
بعد نجاح سوق الوعد الصادق في الاستثمار في السيارات والعقارات، لجأ مولاي الصالح إلى فتح مكتب جديد متخصص في جميع أنواع التعاملات التجارية، على غرار المواد الغذائية والأغنام ومختلف أنواع السلع والبضائع ومواد البناء والأثاث وكل شيء، واحتفظ مولاي الصالح بنفس قاعدته الذهبية بالشراء بالخسارة والبيع بالخسارة، وهو ما أثار استغراب المواطنين والمختصين وحتى المقربين منه، فالسيولة الكبيرة من الملايير التي كان يربحها يوميا من معاملاته التجارية، جعلت الناس يلتفون حوله، ولجأ إلى تعيين مساعديه في جميع النشاطات، والذين كانوا يتعاملون مع الناس باسمه، ويستغلون ختمه وشهرته، وهو ما تسبب في حدوث الكثير من المشاكل، أين كان مولاي الصالح يتبرأ من العديد من التعاملات التي كانت تحدث باسمه، وهو ما أثار غضب الكثيرين، وبدأ الشك يدخل في نفوس السكان، وبدأت شعبية مولاي الصالح تتراجع.
الوعد الصادق يتحوّل إلى الوعد الكاذب!!
بعد ستة أشهر من فتح سوق الوعد الصادق المتخصصة في بيع وشراء كل شيئ، بدأت السيولة المالية لمولاي صالح تنقص، وبدأت الشكاوى تتزايد والاحتجاجات تتصاعد، والمدة المخصصة لدفع مستحقات الزبائن تتصاعد لتتحول من أيام إلى أشهر، وهذا ما دفع الإعلام إلى إثارة الكثير من الإشاعات منها من تحدثت عن هروب مولاي الصالح إلى تركيا، ومنها من أكدت اعتقال الرجل من طرف مصالح الأمن، وذهبت بعض الجرائد إلى توريط صاحب الوعد الصادق في تبييض الأموال والتواطؤ مع إرهابيين من ليبيا، وغيرها من الإشاعات والأخبار التي أدخلت الشك في نفوس زبائن الوعد الصادق.
وبدأ مولاي الصالح يتوارى عن الأنظار، ويتفادى لقاء زبائنه وحتى أصدقائه، وكلف مجموعة من مساعديه بتسيير أموره وتجارته، ولجأ إلى الظهور في بعض القنوات التلفزيونية لتبرير الاحتجاجات اليومية للمواطنين الذين لم يتحصلوا على مستحقاتهم المالية، ووعد بحل هذا المشكل خلال أيام، مبررا نقص السيولة المالية بشرائه عقارات واسعة، في المدن الكبرى . وأكد مولاي صالح أن مشكل السيولة سيحل قبل النصف الثاني من شهر جوان الماضي، ضاربا لزبائنه موعدا أمام سوق الوعد الصادق يوم 10 جوان صباحا.
"جيش شعب معاك يا الصالح"
ضرب مولاي صالح لزبائنه موعدا يوم 10 جوان الماضي، ليرد لهم مستحقاتهم المالية، ويبدد الإشاعات التي تحدثت عن هروبه إلى تركيا، ومع فجر اليوم الموعود تجمع المئات من زبائن "الوعد الصادق" ولكل منهم ملايين وملايير يطمع أن يتحصل عليها.
وما هي إلا ساعات قليلة حتى ظهرت سيارة رباعية الدفع بيضاء من نوع "أودي" كانت تقل مولاي الصالح رفقة مساعديه، فتجمع الناس حول السيارة وهم غاضبون ويطالبون بأموالهم، ومنهم من شرع في التهديد بالقتل وأطلق وابلا من السب والشتائم على مولاي صالح الذي كان هادئا، يحدث الناس من داخل السيارة بهدوء ويطمئنهم، وأمام حصار الغاضبين للسيارة، لجأ مجموعة من الشباب إلى الدفاع عن مولاي الصالح وتحريره من حصار الغاضبين وهم يرددون شعار"جيش شعب معاك يا صالح"، خوفا من أن يصيبه مكروه وتضيع مستحقاتهم وأراضيهم.
وبشجاعة كبيرة واجه مولاي الصالح الجماهير الغاضبة، وأكد لهم أن المسألة مسألة وقت، وكل زبون ستصله أمواله إلى حسابه الجاري دون نقصان، وهذا ما هدّأ من روع الغاضبين، الذين كانوا يأملون في استرجاع أموالهم وعقاراتهم المختفية، حيث أمهلوا صاحب سوق الوعد الصادق شهرا إضافيا لدفع مستحقاتهم.
عصابات للدفاع عن صالح مولاي
تصاعدت الاحتجاجات، وبدأت الشكوك تحوم حول نشاط سوق الوعد الصادق التي أغلقت أبوابها نهاية شهر ماي الماضي، بعدما عجز مولاي الصالح عن دفع مستحقات زبائنه وحتى عماله، ولجأ إلى الاختفاء في مكان مجهول، وهو ما دفع الناس في مدينة سور الغزلان إلى تنظيم اعتصامات للمطالبة بأموالهم وتدخل السلطات للتحقيق مع مولاي صالح، غير أن الاعتصامات كانت تقابل دائما بتدخل قوات الأمن التي كانت تفرق وتعتقل المحتجين.
وظهرت في مدينة سور الغزلان عصابات تهدد كل من يتحدث أو يحتج على مولاي الصالح، وهذا ما أدخل الخوف إلى نفوس آلاف زبائن مولاي الصالح، الذي لجأ إلى تهريب عائلته من مدينة سور الغزلان إلى وجهة مجهولة، وتحوّلت قصة "الوعد الصادق" إلى الشغل الشاغل لجميع سكان المدينة، الذين تورط أغلبهم في تعاملات تجارية مع سوق الوعد الصادق، التي أعلنت إفلاسها، وبدأ الناس يشمون رائحة الاحتيال والخداع، وهم لا يصدقون أن أموالهم ضاعت وعقاراتهم سلبت منهم، غير أنهم يأملون في استرجاع ولو البعض من أموالهم التي قدرت عند البعض بأزيد من 200 مليار.
الثقة العمياء والرّغبة في الربح السريع وراء ما حدث
لا يوجد حي في مدينة سور الغزلان إلا وتأثر بإفلاس سوق الوعد الصادق، فازدهار السوق في أيامه الأولى، جعل أغلب السكان "يقامرون" ببيع سياراتهم وبيوتهم وأراضيهم وكل ما يملكون لمولاي صالح، الذي قدم للسكان إغراءات وعروض جعلتهم يعيشون في الأحلام، غير أن الأحلام تحوّلت إلى كابوس، وتوالت الأيام والشهور، ولم يتحصل الناس على أموالهم بعدما خسروا سياراتهم وبيوتهم وأراضيهم، ومنهم من تحول من ملياردير إلى فقير يقتات على الخبز والماء.
وتحول صاحب الوعد الصادق إلى أكبر محتال في المنطقة، أكل أموال الآلاف، واختفى مجددا على الأنظار إلى وجهة مجهولة، تاركا وراءه ألاف الضحايا الذين أصيب الكثير منهم بأمراض خطيرة.