moussaab30
2014-06-28, 23:54
قصة: عثمان التائب: إعداد عبد الله موسى
الإنسان العاقل يعرف دائما ضالّة الحكمة وعاقبة الظلم، فهذا عثمان رجل سيء الطباع، قبيح الفعال، تزوج منذ سنتين، وشاءت قدرة الله سبحانه وتعالى أن لا يكون له ذرية إلا فيما بعد، فعثمان رجل لا طالما بدت على نفسه السخرية من الغير، وعدم إعطاء الأمور حقها، فلم يزل يعمل الفسق ويفعل القمار حتى خاض مع الخائضين، بينما زوجته حليمة فنعم الزوجة هي، كانت تقية نقية، عابدة زاهدة ذكية، عارفة بأمور الدين، لكنّ الحظ لم يسعفها لأنها عاشت مع زوجها عيشة ضنكى، لكنها .احتسبت بليّتها لله عز وجل .
كانت صابرة، لم يكن زوجها الفاشل في الحياة ليوقف عبادتها أو ينفذ صبرها، بل احتسبت بليّتها لله تعالى، ولم يسعها إلا أن تستمرّ جاهدة في نصح زوجها لعلّه يتوب، وأكثرت له من الدعاء وصابرت واصطبرت، هذا ما سنراه في هذه القصة البسيطة عبر مشاهد.
المشهد الأول: عثمان والعجوز
كان عثمان كعادته يسهر دائما إلى أواخر الليل، إلا أن هذه السهرة كانت مذمومة في غير طاعة، حيث كانت في الملاهي والمقاهي، وكانت الخمور له أحلى الطيبات، وكان يأخذها بدون مقابل، فبئس المتكرَم، وبئس الجواد الذي يجود بالحرام ، فلو جادها في الخير لكان أحسن.
وفي إحدى الأيام خرج سعيد من بيته ليتفقّد صديقه عثمان الذي لم يره بعد مدّة طويلة خرج فيها مسافرا، فقد كانت هناك حسابات كان على سعيد أن يصفّيها مع بعض الخونة لأنّه كان يمارس معهم الربا، فاشتغل بذلك في تلك الحقبة الزمنية ليعود إلى الفسق والخمور، وصديقه المغرور ليزاولا مع بعضهما البعض المنكرات ويعيشا في المتاهات.
ولمّا ذهب سعيد إلى صديقه عثمان تعانقا وتصافحا، فقد مرّ زمن طويل كما قلنا ولم يلتقيا، فبئس اللقيا، فالشرّ لا يجني أبدا الصلاح، وقرّر عثمان أن يأخذ صديقه كعادته إلى مقهى السي عبد اللطيف ليقضيا أوقاتهما ساهرين حتى أواخر الليل. وبينما هما ذاهبان إذ التقى بهما عجوز مسنّ قد ضلّ الطريق، ولم يعرف كيف يقصد طريق صاحبه فسألهما ابنيّ العزيزين من فضلكما بيت محمّد يسكن بجوار علي المؤذن بالمسجد هل تعرفون منزله.فسخرا منه سعيد وقال له، يا عجوز أنت رجل فاتك الأوان وضيّعت حياتك لتأتي في هذه الليلة الظلماء تبحث عن فلان، أرجع من حيث أتيت يا أبله، ابتعد عنّا، فن
حن لا نبالي بك أبدا.غضب العجوز ودعا الله لهما بالهداية، لكن الصديقان الشريران لم يتوقفا عن هذا الحدّ بل أخذ أحدهما عصا العجوز ودفعها به إلى الأمام فسقط على الأرض، ولسوء الحظ جرحته زجاجة خمر عفانا الله وإياكم كانت على حافّة الطريق، فتألّم العجوز كثيرا، وتقنّف وعنّفهما على فعلها الشنيع، بينما الصديقان أخذا يتضاحكان ويسخران منه.
ونحن نعلم يا إخواني أن الشرّ مفسدة للقلب والرّوح معا، فما بال هذا العجوز المسكين وما ذنبه يبحث عن فلان يسأل عنه، فيأتي هذين المتنكريّن ليتصرفا سلوكا مذموما ولكنّك ( لن تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء).
ولكنّ الهداية ليست هدية من السّماء وإنما هي تاج ربّاني لا يهبه الله إلا لمن يرى فيه الصلاح والخير.
المشهد الثاني: الجلسة الفاسقة
ذات يوم كان هناك عرس في المدينة، وكان عثمان وصديقه من المدعوين لهذا الحفل، لكن هذا الأخير كان سيئا للغاية، حيث كان مليئا بالمفاسد والمنكرات، فقد زيّنت فيه كلّ أنواع الأضواء والزخارف ومورست فيه كل أنواع الرّذائل، لذلك كان من الضروري على زوجة عثمان أن تتنبّه ولو قليلا، وتطّلع على ما يصبو إليها زوجها، لكنّ الأمر كان سرّيا، بحيث لم يكن لها واسطة لتكشف فيها أمر زوجها، وهذا ما أعاق عليها معرفة كلّ الحقيقة، مع أنها تعلم بعضها أو جزءا منها. لذلك كانت تفكّر في حيلة لتكشف أمر زوجها الذي يسهر ليلا ولا يبالي ولا يعرف حقوق زوجته عليه..
ولقد أثير هذا العرس بنوع من الرقصات الخليعة و والنّغمات الفاسقة، إلى غير ذلك، ولقد كان عثمان وسعيد ممّن يتداولون على الرقص وشرب الخمر والمجون والضحكات الاستهزائية المتعجّبة بالنفس.
لكن جاء سي عبد الحميد إلى هذا العرس جار أهل العريس وهو رجل صلاح وخير وقال كلماته المنشودة، ولقد أثّر وتأثّر إلاّ من كان في غفلة عن دين الله. دخل والغضب بادي على وجهه:
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
- إخواني هداكم الله وأصلح بالكم، ألا تعلمون أنّ هذا منكر ولا بدّ له من رادع وزاجر، ألا تخافون من الله الحيّ القيّوم، إنّ هذا لابتلاء من ربّكم وشر البلية ما يضحك، تقيمون الأفراح وأنتم لا تبالون إن كان لكم جيران من بهم مريض أو نائم أو مرهق.
والله لعجيب أمركم، تسخرون وتصرخون وتُسمِعون بالغناء الدوار والديار وتعلنون المعصية بلا رادع ولا زاجر ولا خوف من الله.
- لا حول ولا قوة إلا بالله.
لكن بالرغم من ذلك هناك من أخذ هذه النصائح الثمينة الغالية على القلب بروح الإيمان واليقين وتأثّر بما قاله الشيخ وخرج من الحفل والعرس مهتديا، وكأنما غرس في قلبه بذرة إيمان تعلّق بها.
أمّا الآخرون فما ازدادوا إلا نكرانا وطغيانا وفسقا وبهتانا وكبرا وكبرياء.
وذهب الشيخ وهو يدعوا الله أن ينصره عليهم.
أما الشّباب المائع المنحلّ في الشهوات فما ازداد إلاّ فسقا ومجونا ومارسوا الرّذائل بكل أنواعها، حتى وصل الأمر إلى سبّ الله وسبّ الإسلام بكل ا تصف الألسن من قبح وشناعة. وخسارة كبيرة لمن يأمن على نفسه الفسق وهو لا يدري إلى أيّ مصير سيكون حتفه.
المشهد الثالث: بشرى بالمولود الجديد
دخل عثمان إلى بيت زوجته حليمة يتلّفظ بألفاظ نابية قبيحة، وما رأته زوجته في هذه الحالة حتى صرخت واستعاذت من الله وقالت: لا حول ولا قوة إلا بالله،ما هذا يا عثمان أوصلك الأمر إلى هذا الحدّ، ألا تخاف من الله، ألا تتّقي الله، هداك الله، هداك الله.
وفي الليلة الموالية حدث شجار كبير حتى ظُنّ أنه سيصل بهم إلى الطلاق لكن في الأخير صمدت حليمة المؤمنة وتضرّعت إلى الله قائلة:
يا ربّ إن عظمت ذنوب زوجي
كثرة علمت أنّ عفوك أعظم
وجلس عثمان على الفراش وأمر زوجته بأن تتركه وحيدا.
في هذه اللحظة جاء وجع شديد لحليمة، وكانت العائلة تنتظر مولودا وقد ازداد الألم ، ما كان على زوجها عثمان إلا أن يأخذها إلى المستشفى.
وتلد حليمة طفلا وسيما لكنه أعمى، وفرح الزوجان بهذا المولود الذي طالما انتظراه بفارغ الصبر لكن تأسّف عثمان كثيرا لعمى ابنه، لكن زوجته طلبت منه أن يحمد الله.
وجاءت الأيام وكبر الابن الصغير الذي سمّوه على بركة الله: معاذ وأصبح له ثمان سنين، وقد ربّته أمه أحسن التربية، وعلّمته الأخلاق والإحسان والمعاملة الطّيبة للناس.
عثمان هذا الرجل القبيح الفعال يرقّ قلبه من حين لآخر، ماذا يفعل؟ يستغفر الله بين الفينة والأخرى، وتركته زوجته على هذا الحال داعية له من الله الهداية والمعونة.
المشهد الرابع: الله أكبر، أعمى يقود بصيرا
دخل معاذ في السن العاشرة من عمره، وقد حفظ بعض المتون والحديث والقرآن، وقد كان هذا الطفل الأعمى يتحسّس من جهة أبيه ويبدوا له عدم محبّة الأب له محبّة كباقي الأطفال الذين يحبّهم والديهم أشدّ الحبّ ويمتنّون لهم أشد الامتنان، فاعلموا أن السبب الرئيسي في عدم محبه الأب لابنه هو لعماه، فهذا رآه في نفسه نقصا وعيبا، كلّا لقد أوهبه الله مولودا لا طالما تمنى الزوجان مجيئه.
وقد طلب الابن من الأب أن يأخذه إلى المسجد، تردّد عثمان وبدى له أمرا غريبا ومستحيلا، فقد تعوّد على الفسق والمنكرات، قال لابنه: دعك يا ابني، دعك من، اذهب وحدك…
لكن معاذ أخذ يبكي ويصرخ واشتدّ بكاؤه، وقد حاول عثمان وتشجّع في الأخير وأخذ ابنه إلى المسجد وتوضّأ وصلّى ركعتين، دخل الإيمان في قلبه وأحسّ بنشوة وحيوية ونشاط في جسمه، وتعجّب وهو يُناول ابنه سورة الكهف، وسورة كذا وكذا، فتأسّف عثمان كثيرا على ما فات وقال بخشوع: أنا العبد الذليل، أنا العبد المغرور، ضيّعت حياتي في متاهات الدنيا ، لو لجأت إلى الله سبحانه وحده لأعانني ونصرني، ابني الأعمى الصغير يحفظ سورة الكهف على طول آياتها وأنا لم أحفظ سوى سورة كذا وكذا.
أنا العبد الذي كسب الذنوبا وغرّته الأماني أن يتوبا
ويسجد عثمان سجدة طويلة ويبكي وينتحب ويستغفر الله، ويعانق ابنه: ويقول له أبنه : أبي يحبّني، أبي يحبّني …
وقد اندهش معاذ لهذه الكلمات، وهو يكاد لا يصدّق، فهو لأول مرّة ينطق هذه العبارة، ولأول مرّة يشعر بالحنان، الله أكبر، كم تمنى الابن أن يكون أباه كالذي كان الآن.
كانت هذه التوبة صادقة، فلنعلم يا إخواني أنّ من كان به مثل هذه العجاجة من الشرّ وتاب فقد، يمنحه الله لذّة لا تدانيها لذّة الدنيا بكلّ ما تحمله من زخارف ومتاع، والله لا يضيع عبده أبدا، وقد قال سبحانه وتعالى: " إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكنّ الناس أنفسهم يظلمون."
الإنسان العاقل يعرف دائما ضالّة الحكمة وعاقبة الظلم، فهذا عثمان رجل سيء الطباع، قبيح الفعال، تزوج منذ سنتين، وشاءت قدرة الله سبحانه وتعالى أن لا يكون له ذرية إلا فيما بعد، فعثمان رجل لا طالما بدت على نفسه السخرية من الغير، وعدم إعطاء الأمور حقها، فلم يزل يعمل الفسق ويفعل القمار حتى خاض مع الخائضين، بينما زوجته حليمة فنعم الزوجة هي، كانت تقية نقية، عابدة زاهدة ذكية، عارفة بأمور الدين، لكنّ الحظ لم يسعفها لأنها عاشت مع زوجها عيشة ضنكى، لكنها .احتسبت بليّتها لله عز وجل .
كانت صابرة، لم يكن زوجها الفاشل في الحياة ليوقف عبادتها أو ينفذ صبرها، بل احتسبت بليّتها لله تعالى، ولم يسعها إلا أن تستمرّ جاهدة في نصح زوجها لعلّه يتوب، وأكثرت له من الدعاء وصابرت واصطبرت، هذا ما سنراه في هذه القصة البسيطة عبر مشاهد.
المشهد الأول: عثمان والعجوز
كان عثمان كعادته يسهر دائما إلى أواخر الليل، إلا أن هذه السهرة كانت مذمومة في غير طاعة، حيث كانت في الملاهي والمقاهي، وكانت الخمور له أحلى الطيبات، وكان يأخذها بدون مقابل، فبئس المتكرَم، وبئس الجواد الذي يجود بالحرام ، فلو جادها في الخير لكان أحسن.
وفي إحدى الأيام خرج سعيد من بيته ليتفقّد صديقه عثمان الذي لم يره بعد مدّة طويلة خرج فيها مسافرا، فقد كانت هناك حسابات كان على سعيد أن يصفّيها مع بعض الخونة لأنّه كان يمارس معهم الربا، فاشتغل بذلك في تلك الحقبة الزمنية ليعود إلى الفسق والخمور، وصديقه المغرور ليزاولا مع بعضهما البعض المنكرات ويعيشا في المتاهات.
ولمّا ذهب سعيد إلى صديقه عثمان تعانقا وتصافحا، فقد مرّ زمن طويل كما قلنا ولم يلتقيا، فبئس اللقيا، فالشرّ لا يجني أبدا الصلاح، وقرّر عثمان أن يأخذ صديقه كعادته إلى مقهى السي عبد اللطيف ليقضيا أوقاتهما ساهرين حتى أواخر الليل. وبينما هما ذاهبان إذ التقى بهما عجوز مسنّ قد ضلّ الطريق، ولم يعرف كيف يقصد طريق صاحبه فسألهما ابنيّ العزيزين من فضلكما بيت محمّد يسكن بجوار علي المؤذن بالمسجد هل تعرفون منزله.فسخرا منه سعيد وقال له، يا عجوز أنت رجل فاتك الأوان وضيّعت حياتك لتأتي في هذه الليلة الظلماء تبحث عن فلان، أرجع من حيث أتيت يا أبله، ابتعد عنّا، فن
حن لا نبالي بك أبدا.غضب العجوز ودعا الله لهما بالهداية، لكن الصديقان الشريران لم يتوقفا عن هذا الحدّ بل أخذ أحدهما عصا العجوز ودفعها به إلى الأمام فسقط على الأرض، ولسوء الحظ جرحته زجاجة خمر عفانا الله وإياكم كانت على حافّة الطريق، فتألّم العجوز كثيرا، وتقنّف وعنّفهما على فعلها الشنيع، بينما الصديقان أخذا يتضاحكان ويسخران منه.
ونحن نعلم يا إخواني أن الشرّ مفسدة للقلب والرّوح معا، فما بال هذا العجوز المسكين وما ذنبه يبحث عن فلان يسأل عنه، فيأتي هذين المتنكريّن ليتصرفا سلوكا مذموما ولكنّك ( لن تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء).
ولكنّ الهداية ليست هدية من السّماء وإنما هي تاج ربّاني لا يهبه الله إلا لمن يرى فيه الصلاح والخير.
المشهد الثاني: الجلسة الفاسقة
ذات يوم كان هناك عرس في المدينة، وكان عثمان وصديقه من المدعوين لهذا الحفل، لكن هذا الأخير كان سيئا للغاية، حيث كان مليئا بالمفاسد والمنكرات، فقد زيّنت فيه كلّ أنواع الأضواء والزخارف ومورست فيه كل أنواع الرّذائل، لذلك كان من الضروري على زوجة عثمان أن تتنبّه ولو قليلا، وتطّلع على ما يصبو إليها زوجها، لكنّ الأمر كان سرّيا، بحيث لم يكن لها واسطة لتكشف فيها أمر زوجها، وهذا ما أعاق عليها معرفة كلّ الحقيقة، مع أنها تعلم بعضها أو جزءا منها. لذلك كانت تفكّر في حيلة لتكشف أمر زوجها الذي يسهر ليلا ولا يبالي ولا يعرف حقوق زوجته عليه..
ولقد أثير هذا العرس بنوع من الرقصات الخليعة و والنّغمات الفاسقة، إلى غير ذلك، ولقد كان عثمان وسعيد ممّن يتداولون على الرقص وشرب الخمر والمجون والضحكات الاستهزائية المتعجّبة بالنفس.
لكن جاء سي عبد الحميد إلى هذا العرس جار أهل العريس وهو رجل صلاح وخير وقال كلماته المنشودة، ولقد أثّر وتأثّر إلاّ من كان في غفلة عن دين الله. دخل والغضب بادي على وجهه:
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
- إخواني هداكم الله وأصلح بالكم، ألا تعلمون أنّ هذا منكر ولا بدّ له من رادع وزاجر، ألا تخافون من الله الحيّ القيّوم، إنّ هذا لابتلاء من ربّكم وشر البلية ما يضحك، تقيمون الأفراح وأنتم لا تبالون إن كان لكم جيران من بهم مريض أو نائم أو مرهق.
والله لعجيب أمركم، تسخرون وتصرخون وتُسمِعون بالغناء الدوار والديار وتعلنون المعصية بلا رادع ولا زاجر ولا خوف من الله.
- لا حول ولا قوة إلا بالله.
لكن بالرغم من ذلك هناك من أخذ هذه النصائح الثمينة الغالية على القلب بروح الإيمان واليقين وتأثّر بما قاله الشيخ وخرج من الحفل والعرس مهتديا، وكأنما غرس في قلبه بذرة إيمان تعلّق بها.
أمّا الآخرون فما ازدادوا إلا نكرانا وطغيانا وفسقا وبهتانا وكبرا وكبرياء.
وذهب الشيخ وهو يدعوا الله أن ينصره عليهم.
أما الشّباب المائع المنحلّ في الشهوات فما ازداد إلاّ فسقا ومجونا ومارسوا الرّذائل بكل أنواعها، حتى وصل الأمر إلى سبّ الله وسبّ الإسلام بكل ا تصف الألسن من قبح وشناعة. وخسارة كبيرة لمن يأمن على نفسه الفسق وهو لا يدري إلى أيّ مصير سيكون حتفه.
المشهد الثالث: بشرى بالمولود الجديد
دخل عثمان إلى بيت زوجته حليمة يتلّفظ بألفاظ نابية قبيحة، وما رأته زوجته في هذه الحالة حتى صرخت واستعاذت من الله وقالت: لا حول ولا قوة إلا بالله،ما هذا يا عثمان أوصلك الأمر إلى هذا الحدّ، ألا تخاف من الله، ألا تتّقي الله، هداك الله، هداك الله.
وفي الليلة الموالية حدث شجار كبير حتى ظُنّ أنه سيصل بهم إلى الطلاق لكن في الأخير صمدت حليمة المؤمنة وتضرّعت إلى الله قائلة:
يا ربّ إن عظمت ذنوب زوجي
كثرة علمت أنّ عفوك أعظم
وجلس عثمان على الفراش وأمر زوجته بأن تتركه وحيدا.
في هذه اللحظة جاء وجع شديد لحليمة، وكانت العائلة تنتظر مولودا وقد ازداد الألم ، ما كان على زوجها عثمان إلا أن يأخذها إلى المستشفى.
وتلد حليمة طفلا وسيما لكنه أعمى، وفرح الزوجان بهذا المولود الذي طالما انتظراه بفارغ الصبر لكن تأسّف عثمان كثيرا لعمى ابنه، لكن زوجته طلبت منه أن يحمد الله.
وجاءت الأيام وكبر الابن الصغير الذي سمّوه على بركة الله: معاذ وأصبح له ثمان سنين، وقد ربّته أمه أحسن التربية، وعلّمته الأخلاق والإحسان والمعاملة الطّيبة للناس.
عثمان هذا الرجل القبيح الفعال يرقّ قلبه من حين لآخر، ماذا يفعل؟ يستغفر الله بين الفينة والأخرى، وتركته زوجته على هذا الحال داعية له من الله الهداية والمعونة.
المشهد الرابع: الله أكبر، أعمى يقود بصيرا
دخل معاذ في السن العاشرة من عمره، وقد حفظ بعض المتون والحديث والقرآن، وقد كان هذا الطفل الأعمى يتحسّس من جهة أبيه ويبدوا له عدم محبّة الأب له محبّة كباقي الأطفال الذين يحبّهم والديهم أشدّ الحبّ ويمتنّون لهم أشد الامتنان، فاعلموا أن السبب الرئيسي في عدم محبه الأب لابنه هو لعماه، فهذا رآه في نفسه نقصا وعيبا، كلّا لقد أوهبه الله مولودا لا طالما تمنى الزوجان مجيئه.
وقد طلب الابن من الأب أن يأخذه إلى المسجد، تردّد عثمان وبدى له أمرا غريبا ومستحيلا، فقد تعوّد على الفسق والمنكرات، قال لابنه: دعك يا ابني، دعك من، اذهب وحدك…
لكن معاذ أخذ يبكي ويصرخ واشتدّ بكاؤه، وقد حاول عثمان وتشجّع في الأخير وأخذ ابنه إلى المسجد وتوضّأ وصلّى ركعتين، دخل الإيمان في قلبه وأحسّ بنشوة وحيوية ونشاط في جسمه، وتعجّب وهو يُناول ابنه سورة الكهف، وسورة كذا وكذا، فتأسّف عثمان كثيرا على ما فات وقال بخشوع: أنا العبد الذليل، أنا العبد المغرور، ضيّعت حياتي في متاهات الدنيا ، لو لجأت إلى الله سبحانه وحده لأعانني ونصرني، ابني الأعمى الصغير يحفظ سورة الكهف على طول آياتها وأنا لم أحفظ سوى سورة كذا وكذا.
أنا العبد الذي كسب الذنوبا وغرّته الأماني أن يتوبا
ويسجد عثمان سجدة طويلة ويبكي وينتحب ويستغفر الله، ويعانق ابنه: ويقول له أبنه : أبي يحبّني، أبي يحبّني …
وقد اندهش معاذ لهذه الكلمات، وهو يكاد لا يصدّق، فهو لأول مرّة ينطق هذه العبارة، ولأول مرّة يشعر بالحنان، الله أكبر، كم تمنى الابن أن يكون أباه كالذي كان الآن.
كانت هذه التوبة صادقة، فلنعلم يا إخواني أنّ من كان به مثل هذه العجاجة من الشرّ وتاب فقد، يمنحه الله لذّة لا تدانيها لذّة الدنيا بكلّ ما تحمله من زخارف ومتاع، والله لا يضيع عبده أبدا، وقد قال سبحانه وتعالى: " إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكنّ الناس أنفسهم يظلمون."