تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : نظرية الفيض عند فلاسفة الإسلام-الفارابي نموذجاً


فارس الجزائري
2009-07-24, 14:16
:dj_17:
السلام عليكم
أحببت أن أشارككم هاته المعلومات القيمة عن نظرية الفيض
وهي في الواقع مذكرة تخرج في الفلسفة
لطلبة من جامعة الجزائر
أتمنى أن تستفيدوا منها وأن تدعوا للطلبة المعدين لها ولي في صلاتكم

فارس الجزائري
2009-07-24, 14:30
الفصل الأول: ماهية الفيض ومدلوله.


المبحث الأول: المدلول اللغوي و الفلسفي للفيض

تعتبر نظرية الفيض من بين النظريات التي كان لها الأثر الكبير في الفلسفة على العموم وفي الفلسفة الإسلامية خاصة وهذا من خلال نخبة من الفلاسفة المسلمين كالفارابي وابن سينا وإخوان الصفا الذين أولوا لها أهمية كبيرة، وقبل التطرق لهذه النظرية وحيثياتها، كان لابد من تقديم بعض المدلولات لها.
1.المدلول اللغوي للفيض.
(الفيض)لفظة لها الكثير من المشتقات وعلى سعة انتشارها لها مدلول واحد وهو الكثرة حتى السيلان ومن مصادرها (الفيض) و(الفيوض) و(الفيضوضة) و(الفيوضة) و(الفيضان) وتقال:(فاض) الماء أي كثر حتى سال وكذلك (فاض) النهر أي امتلأ حتى طفح و(فاضت) عينه أي سال الدمع منها وقد يستعمل للدلالة على الإشارة مثل (فاض) الخبر أي ذاع وكذلك على السخاء فيقال رجل (فياض) أي جواد وكريم، و(الفيض) يرد كذلك بمعنى الخروج كالقول (فاضت) نفسه أي خرجت روحه ومات ولتدعيم تعريفنا نأخذ للمثال وليس للحصر تعريف ابن منظور في كتابه لمادة الفيض .
فقال(فيض): فاض الماء والدمع ونحوهما، يفيض فيضا وفيوضة وفيضانا وفيضوضة أي كثر حتى سال على ضفاف الوادي، وفاضت عينه تفيض فيضاً إذا سالت ويقال: أفاضت العين الدمع تُفيضه (إفاضة)، وأفاض فلان دمعه، وفاض الماء والمطر والخير إذا كثر... (أفاض) الماء على نفسه أي أفرغه، وفاض صدره بسره إذا امتلأ وباح به ... وفرس (فياض): جواد كثير العدو...(أفاض) الشيء دفع به ورمى،... (فاض)، (يفيض)، (فيضا) و(فيوضا): مات، و(فاضت) نفسه, تفيض فيضا, خرجت...(1)
2.الفيض في القرآن الكريم.
(تفيض), (أفاض), (تفيضون), هذه اشتقاقات للفظة (الفيض) نزلت في القرآن الكريم وقد وردت كما يلي:
1. تفيض:) تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ(.(2)
وقد ورد تفسيرها بفيض دمع القسيسين النصارى لما سمعوا قراءة القرآن الكريم لما يحدثه في نفوسهم من التأثير ومما تحققوه فيه من الحق.( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn2)3)
)تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ(.( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn3)4)
وتم تفسيرها بفيض أعين الذين يطلبون الجهاد بالدموع حزنا لعدم إعطائهم مطايا توصلهم لميدان الجهاد.( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn4)5)
2. أفاض:)وَنَادَىٰ أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ(.( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn5)6)
بمعنى صبوا علينا قليلا من الماء أو النعم التي غمركم الله فيها.( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn6)7)
)ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ(.( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn7)8)
أي ثم أنزلوا من عرفة حيث ينزل الناس.( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn8)9)
)وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ(.( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn9)10)
أي لمسكم فيما خضتم عذاب عظيم.( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn10)11)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بن منظور, لسان العرب, ج10, دار إحياء التراث العربي, بيروت لبنان, ط3, ص366
(2)سورة المائدة ,الآية 83.
( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref2)3) محمد فريد وجدي, المصحف المفسر, القسم الأول, ديوان المطبوعات الجامعية, الجزائر,ص.153
( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref3)4)سورة التوبة الآية 92.
( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref4)5)محمد فريد وجدي, مرجع سبق ذكره, ص.257.
( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref5)6)سورة الأعراف الآية 50.
( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref6)7)محمد فريد وجدي, مرجع سبق ذكره, ص200.
( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref7)8)سورة البقرة, الآية 199.
( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref8)9)محمد فريد وجدي, مرجع سبق ذكره, ص39.
( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref9)10) سورة النور, الآية 14.
( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref10)11) محمد فريد وجدي، مرجع سبق ذكره, ص458.

فارس الجزائري
2009-07-24, 14:36
3. تفيضون: )وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ(.( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn1)1)
أي وما تتلوا من شيء من القرآن وتعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تخوضون فيه.( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn2)2)
)هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ ۖ كَفَىٰ بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ(.( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn3)3)
بمعنى أنه أعلم بما تندفعون فيه من القدح في آياته كفى به شهيدً بيني وبينكم.( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn4)4)
إذا فمدلول كلمة الفيض الذي ورد في بعض آيات القرآن الكريم لم يختلف في معناه عما ذكرناه سابقا في المعنى اللغوي عند أغلب المفسرين .
هكذا و على أساس المدلول اللغوي قام المدلول الفلسفي للفيض.
3.المدلول الفلسفي للفيض:
نظرية الفيض( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn5)5) محل اهتمام وبحث الكثير من الفلاسفة والمفكرين المسلمين وغير المسلمين وهذا ما جعل مدلولاتها الفلسفية تكثر وتتغير حسب نظرة كل فيلسوف لها, ومحتوى نظرية الفيض يكمن في تفسير كيفية نشأة الموجودات المتنوعة من الواحد الثابت فالوجود يصدر عنه كما يصدر النور عن الشمس تلقائيا، وهذا الفعل ضروري لأنه ناجم عن طبيعة المبدأ الأول و هكذا الفيض لا يكون عشوائيا بل بطريقة منتظمة فهي تنتقل من الواحد إلى الكثرة ومن الأول إلى العقول أي من الوجود الأبدي المطلق إلى الوجود الزماني المتغير ويكون بطريقة تسلسلية بحيث تتوالد عن بعضها البعض و يكون أول هاته الموجودات العقل الأول( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn6)6) وأخرها العالم المادي.
والعقل الأول هو الذي يحرك الفلك الأكبر( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn1)7) وبعده تأتي عقول الأفلاك الثمانية تباعا وبعضها عن بعض والعقول التسعة مجتمعة تمثل مرتبة الوجود الثانية وفي المرتبة الثالثة يوجد (العقل الفعال)­( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn2)8) في الإنسان وهو الذي يصل العالم العلوي بالمادي وتأتي النفس في المرحلة الرابعة وكل من العقل والنفس لا يضل على حال الوحدة الخالصة بل يتكثر بتكثر أفراد الإنسان, وفي المرتبة الخامسة توجد الصورة, وتأتي (المادة)( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn3)9) في المرتبة السادسة وبها تنتهي سلسلة الموجودات التي ليست ذواتها أجساما ... أما الأجسام بمنشئها القوة المتخيلة في العقل, وهي أجناس ستة مقابلة لمراتب الموجودات العقلية وهي الأجسام السماوية الحيوان الناطق, الحيوان الغير ناطق, أجسام النباتات والمعادن والأسطقسات( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn4)10) الأربعة وهي الماء والهواء والتراب والنار.( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn5)11)
كما أن هناك بعض التفسيرات أو المدلولات الأخرى لنظرية الفيض لا تختلف كثيرا على ما ذكرناه سابقا .
و يطلق الفيض في اصطلاح الفلاسفة على فعل فاعل يفعل دائما لا لعوض و لا لغرض وذلك الفاعل لا يكون إلا دائم الوجود لأن دوام صدور الفعل عنه تابع لدوام وجوده وهو المبدأ الفياض والواجب الوجود الذي يفيض عنه كل شيء فيضا ضروريا معقولا, وهو كما قال ابن سينا : (فاعل الكل: بمعنى أنه الموجود الذي يفيض عنه كل وجود فيضا والمقصود بالفيض أن جميع الموجودات التي يتألف منها العالم تفيض عن مبدأ واحد أو

جوهر( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=updatepost&postid=1343797#_ftn1)12) واحد من دون أن يكون في فعل هذا المبدأ أو الجوهر تراخ أو انقطاع, ولذلك كان القول بخلقه من العدم, والفيض بهذا المعنى يتضمن معنى الصيرورة (Devenir) كما يتضمن الحدوث في الزمان حدوثا متعاقبا مستمرا .( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=updatepost&postid=1343797#_ftn2)13)
وعلى ضوء هذه التعريفات الفيضية يمكننا إعطاء مفهوم شامل .
وهو أن نظرية الفيض في مفهومها الفلسفي نظرية فلسفية تاريخية وضعها أصحاب الأفلاطونية المحدثة( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=updatepost&postid=1343797#_ftn3)14), لتفسير كيفية خلق العالم وكيف صدرت الكثرة عن الواحد وصاغوها بأسلوب شعري خيالي مليء بالتشبيهات والتخيلات , ثم انتقلت إلى العالم الإسلامي فصاغها فلاسفته صياغة جديدة عقلانية دينية مع المحافظة على جوهرها وأطرها السابقة, وقد جوبهت من العالم الإسلامي بالرفض الشديد من الكثرة الغالبة وان كنا لا نعدم لها أنصارا متعصبين, وهكذا في النهاية أصبحت نظرية تاريخية عالمية كثر اللغط حولها, تصور الفكر الديني في لحظة تاريخية معينة متسلقا على نظرية أفلوطين plotin (205- 270م) عن تطور التفكير البشري في لحظة من لحظاته أكثر مما تعبر عن تفسير مقبول للعالم.( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=updatepost&postid=1343797#_ftn4)15)




ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref1)1) سورة يونس الآية 61.
( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref2)2)محمد فريد وجدي, مرجع سبق ذكره, ص276.
( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref3)3) سورة الأحقاف الآية 8.
( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref4)4) محمد فريد وجدي، مرجع سبق ذكره، ص666.
( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref5)5) الفيض = الصدور.
( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref6)6)العقل الأول: وهو جوهر غير متجسم أصلا ولا هو في مادة و هو عند الفارابي الأول الذي يفيض عن الله.
( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref1)7)الفلك الأكبر: يقصد به الأفلاك الثمانية و العقول التسعة التي تتحرك بفعل العقل الأول.
­(8) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref2)العقل الفعال: هو العلة الفاعلة للإدراك و مبدأ الكمال أي هو الذي يخرج المعقولات من الماديات وهو عند الفارابي الروح القدس.
( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref3)9) المادة (Matter): حدد أرسطو المادة بأنها جوهر له امتداد وقابل للتجزئة, و له وزن ويمكنه أن يتخذ كل الأشكال, و أنها واقع موجود (بالقوة). أما في المعنى الفلسفي فالمادة تعني الواقع الموضوعي الذي يوجد مستقلا عن الوعي, وقد أدى العجز عن كشف العلاقة بين الوعي و المادة إلى المذاهب المثالية و الثنائية المختلفة.
( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref4)10)الأسطقس: لفظة يونانية معناها العنصر، (element)، وهي عند قدماء اليونان العناصر الأربعة: الماء والأرض والهواء والنار.
( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref5)11) محمود إسماعيل: سوسيوليجيا الفكر الإسلامي, طور الازدهار, ج3, سينا للنشر, ط1, 2000, بيروت لبنان, ص137.
( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=updatepost&postid=1343797#_ftnref1)12) الجوهر: هناك عدة تعريفات للجوهر, ولكن سنعطي تعريفا يكون محصلة لأكبر عدد من التعريفات, وهو كالتالي: انه كائن يوجد بذاته, فهو ليس بحاجة إلى ذات أخرى يلازمها فقد تميز منذ البداية من جميع الأعراض التي تتطلب ذاتاً تلازمها.
( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=updatepost&postid=1343797#_ftnref2)13)جميل صليبيا, المعجم الفلسفي, دار الكتاب اللبناني, (ب.س.ط),ص172.
( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=updatepost&postid=1343797#_ftnref3)14) الافلاطونية المحدثة : بعد أن تم فتحها من قبل لاسكندر المقدوني, وتحولت الإسكندرية إلى أهم مركز للعلوم والآداب وملتقى التقاليد الشرقية القديمة وأسرار الاورفية والفيثاغورية ونظريات الفكر اليوناني, فجاءت الأفلاطونية الجديدة مزيجا من الفكر اليوناني المبكر(أرسطو, الرواقيين, الفياغوريين, أفلاطون),مع شيء من الفكر الهندوسي واليهودي وكان أبرز ممثليها أفلوطين, فعدت كآخر مجهود خلاق بذلته العصور الوثنية القديمة لإنتاج مذهب فلسفي شامل.
( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=updatepost&postid=1343797#_ftnref4)15)محمد عبد الرحيم الزيني، مشكلة الفيض عند فلاسفة الإسلام, ديوان المطبوعات الجامعية,الجزائر,1993, ص14

فارس الجزائري
2009-07-24, 14:51
المبحث الثاني:الفيض قبل فلاسفة الإسلام.

1.نظرية الفيض عند أفلوطين.
يعتبر أفلوطين (أحد أشهر مجددي الأفلاطونية وباعثها وأصبح منهجه الفلسفي طراز ذلك العصر والعرب لا يعرفون الكثير عنه ولكنهم يعرفون منهجه ويسمونه (مذهب الاسكندرانيين)(1) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn1) نسبة إلى مدينة الإسكندرية وتعتبر فلسفته مزيجا بين آراء أفلاطون platon (427-347ق.م)(2) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn2) والرواقيون stoiciens(3) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn3)وفيلون philon(4) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn4) (25ق.م-4م) وبين الأفكار الهندية والفكر الشرقي والديانات الشعبية المنتشرة آنذاك, ويمكن تقسيم فلسفته ثلاثة أقسام: الأول, نظرية الفيض, النفس الإنسانية, الاتحاد, العالم المحسوس, وقد ذهب في دراسته للأول على أنه هو الكائن الذي لا صفة له من صفات الحوادث, فهو لا يمكن نعته ولا يمكن إدراكه ولا تحيط به الإفهام والعقول فهو الغني بذاته, المكتفي بذاته, القائم بذاته, البسيط المطلق, الذي لا أول إلا هو ولا سابق عليه, ولا واحد إلا وقد استفاد وحدته منه.(5) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn5)
وقد جاءت نظرية الفيض عنده لتفسير كيفية صدور الموجودات عن (الأول) وهو مبدأ الوجود وعلة له.
فالواحد البسيط من كل وجه والمبدأ الأول الذي لا انقسام فيه ولا تركيب وليست فيه كثرة بأي اعتبار, هو في أن واحد لا شيء وكل شيء, هو لاشيء لأنه فوق كل شيء ولأنه ليس من الممكن أن يميز فيه شيء عن شيء و لا أن يتبين فيه وجود معين, وهو كل شيء لأنه مبدأ جميع الأشياء و منه ينبثق كل شيء, فهو الأشياء جميعا لأنه يحولها بالقوة, إذا صح التعبير ـ دون أن يكون واحدا منها ـ.
يقول أفلوطين في نص عربي هو عبارة عن ترجمة موسعة لبعض فصول (التاسوعات).
كل ما كان بعد الأول فهو من الأول اضطرارا, إلا أنه إما أن يكون منه سواء بلا توسط و إما أن يكون منه بتوسط أشياء أخرى, هي بينه و بين الأول, فيكون إذن للأشياء نظام و شرح, وذلك أن منها ما هو ثان بعد الأول ومنها ثالث, أما الثاني فيضاف إلى الأول وأما الثالث فيضاف إلى الثاني وينبغي أن يكون قبل الأشياء كلها شيء مبسوط وأن يكون غير الأشياء التي بعده, وأن يكون مكتفيا غنيا بنفسه وأن لا يكون مختلطا بالأشياء التي بعده وأن يكون حاضرا للأشياء بنوع ما, وأن يكون واحدا, و أن لا يكون شيئا ما ثم يكون بعد ذلك واحدا, فإن الشيء إذا كان واحدا على هذا النوع كان الواحد فيه كذبا وليس واحدا حقا, وأن لا يكون له صفة ولا يناله علم البتة, وأن يكون فوق كل جوهر حسي وعقلي, وذلك أنه إن لم يكن الأول مبسوطا واحدا حقا خارجا عن كل صفة وعن كل تركيب لم يكن أول البتة(6) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn1)
وهنا يتبين أن أفلوطين قد رد كل ما في الوجود إلى الأول بشكل غير خياري وهكذا فإن الأول هو منبع الكائنات والأشياء كلها وقد صدرت عنه في نظام تنازلي متدرج .
وتعود أصول هذا الفيض إلى الغنوصية( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn2)7) الشرقية لكن الغنوصيين اتجهوا إلى الأسطورية و التصورات الغامضة في تفسيرهم لكيفية الصدور وهنا النقطة التي تفوق فيها أفلوطين عنهم فقد جعله منتظما بطريقة تنازلية وبأسلوب دقيق ومحكم ويمكن تعقله, ولقد استنجد أفلوطين بالتشبيه في محاولة منه لتقريب المفهوم فنجده يشبه الفيض عن الأول كما يصدر



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
(1) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref1) أشتق هذا اللفظ من (الاسكندرانية) وهي الحضارة اليونانية التي انتشرت في الإسكندرية بين القرن الثالث قبل الميلاد و القرن الثالث بعد الميلاد وهي تشمل الفلسفة والعلوم والآداب والفنون ولاسيما الفلسفة الأفلاطونية الحديثة, وهذا اللفظ أطلق على مجموعة من الفلاسفة المسيحيين أمثال كلمنت وأوريجين.
(2) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref2) أفلاطون: فيلسوف يوناني انحدر من أسرة أثينية أرستقراطية, تتلمذ على يد سقراط الفيلسوف الكبير, من ابرز مؤلفاته: (كتاب الجمهورية).
(3) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref3) الرواقيون: أشتق هذا اللفظ من (الرواقية) وهي مذهب تكون مع الزمن, وضع أسسه زينون السيتي, يعتمد على الآراء المنطقية الماورائية, ولكن الأخلاق هدفه الأسمى.
(4) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref4)فيلون: من أشهر فلاسفة اليهود في القرن الأول للميلاد ,من أسرة نبيلة في الإسكندرية وضع مذهبه باللغة اليونانية وأشرب في قلبه حب الفلسفة خاصة فلسفة أفلاطون, حتى لقب بأفلاطون اليهود.
(5) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref5) عبد الرحمان مرحبا، من الفلسفة اليونانية إلى الفلسفة الإسلامية, ديوان المطبوعات الجامعية, بيروت, ص232.
(6) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref1) محمد عبد الرحمان مرحبا، مرجع سبق ذكره, ص234..
( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref2)7)الغنوصية: هي كلمة يونانية معناها (المعرفة) ومعناها الاصطلاحي هو التوصل بنوع من الكشف إلى المعارف العليا, وقد اعتبر الغنوصيون عقائدهم أقدم عقيدة في الوجود وأن الغنوصية أقدم وحي أوحى به الله فانتقل من طبقة غنوصية إلى أخرى و دائرة العقيدة الغنوصية لا تتوقف أبدا و قد احتفظ به الكهنة و السحار معلنين أن بيدهم (مفاتيح الأسرار الإلهية) وقد قيل أنه أتى من فارس و من الهند.

فارس الجزائري
2009-07-24, 14:56
النور عن الشمس و ذلك دون أن يتغير جوهر الشمس وهنا إشارة إلى أن هذا الفيض لا يمس الجوهر الأول ولا يحدث فيه أي تغيير وقد حاول كذلك تقريب نظريته إلى الأذهان عن طريق أمثلة أخرى, ويرى بأن الكائن عندما يبلغ كماله يبدع كائنا آخر فهو لا يطيق أن يبقى في ذاته فكيف يمكن للكائن الكامل أن يحبس خيره في ذاته.
و هكذا فكل موجود يرتبط في وجوده بالأول دون أن ينقص من هذا الأخير شيء. وأول شيء ينبثق عن (الأول) هو العقل ويقال له (الأقنوم)( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn1)1) الثاني وهذا العقل دون الأول وأقل منه كمالا والوحدة من كل وجه التي كانت للأول تدب فيها الإثنينية, والأثنينية أدنى مرتبة من الوحدة في منطق القدماء, والسبب في ولوج الإثنينية فيه أن مقتضى كونه عقلا يستلزم معقولا, أي موضوعا للعقل, وهذا بعينه ما جعلنا ننفي عن الأول أن يكون عقلا أو أن يتصف بالعقل, فهنا إذن أثنينية في التصور حدثت بعد وحدة مطلقة وهذه الإثنينية هي ـ أو هذا العقل هو(المعنى واحد) ـ الأصل في الوجود وما فيه من تعدد و تكثر أو قل ـ والمعنى واحد أيضا ـ أن الوجود والعقل عند أفلوطين شيء واحد فهو إذا كان يعقل الأول ويتأمله كان عقلا وإذا كان يتقوم به ويستفيد منه في الوجود كان موجودا. وهكذا يكون الأقنوم الثاني عقلا و وجودا في آن واحد فها هنا إثنينية واضحة تسربت إلى أصل الوجود هو مبدأ التكثر و التعدد في العالم, فما الإثنينية إلا تكثر وتعدد في أول درجاتها ويضع أفلوطين هذا العقل في منزلة صانع العالم ديميورج démiurge( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn2)2)... والأقنوم الثاني أو العقل الذي هو فيض الأقنوم الأول أو (الواحد) و صورة له وانعكاس لنوره, يجتهد قدر الإمكان أن يضل بالقرب من مصدره الذي استفاد منه الوجود, ولذلك فإنه فور صدوره عنه يلتفت إليه ليتأمله ومن هذا الالتفات أو التأمل يتولد الأقنوم الثاني أبدية لا في زمان، فتأمل بالبتة إليه وإلى سائر الكائنات العقلية في العالم الأعلى هو في وقت واحد عمل عقلي مجرد وضرب من النشاط الخلاف المحسوس وهكذا يفيض عن العقل جوهر أو كينونة هي الأقنوم الثالث أو النفس الكلية, هي أيضا صورة للأقنوم الثاني و انعكاس لنوره وهي آخر المجودات في عالم العقل خاتمة المطاف وهي تنتمي إلى العالم الإلهي و لكنها دونه درجة( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn1)3)
ويعتبر عالم النفس هو العالم الذي تبدأ فيه الحركة على عكس العالم العقلي الخالي من الحركة والتعدد وعن حركة النفس السفلي ينبثق عالم الطبيعة, الذي يبدأ بالنبات المتصف بالحياة فقط, ثم يرقى إلى الحيوان المتصف بالحس أيضا, فالإنسان المتصف بالإضافة إلى ذلك بالنطق, وهذه هي التحليلات الثلاثة للنفس, أي الحياة, فالإحساس, فالنطق.( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn2)4)
وهكذا تمثل فلسفة أفلوطين دربا ميتافيزيقيا هابطا يصف الوجود من الأول إلى العقل ومن العقل إلى النفس إلى الأجسام المحسوسة أي تتدرج تدرجا تنازليا و تصاعديا من العلة إلى المعلول ومن المعلول إلى العلة من الكامل إلى الناقص ومن الناقص إلى الكامل ... إذن هذا هو أفلوطين شيخ الإسكندرانيين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref1)1) الأقنوم: هو الجوهر, والأقانيم الثلاثة عند المسيحيين, هي الأب,ا لابن, الروح القدس, وقد أدخل أفلوطين هذه اللفظة في اللغة الفسلفية, ثم تداولها الفلاسفة المسيحيون فيما بعد و أطلقوها على الأب و الابن و الروح القدس باعتبارها جواهر مستقلة و متميزة عن بعضها البعض .

( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref2)2) وقد أطلق أفلاطون هذا اللفظ على (صانع العالم) أي الله.
( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref1)3) عبد الرحمان مرحبا: مرجع سبق ذكره, ص.236 -238.

( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref2)4) ماجد فخري، تاريخ الفلسفة اليونانية، دار العلم للملايين، ط1، 1991م، بيروت، ص194، 195.

فارس الجزائري
2009-07-24, 15:05
الشكل رقم 01: يوضح فيض الموجودات عند أفلوطين( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn1)1)
http://www.up1up2.com/upfiles1/lHi44217.bmp
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref1)1) محمد عبد الرحيم الزيني، مرجع سبق ذكره، ص 191.

فارس الجزائري
2009-07-24, 15:10
2.نظرية الفيض عند أوغسطين.
نظرية الفيض أو الصدور هي بدورها قد شكلت نقطة بحث في العصور الوسطى وكان الفلاسفة في ذلك العصر آراءهم مختلفة حول هذه النظرية ومن بين هؤلاء الفلاسفة أوغسطين(1) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn1) الذي بحث في نظرية الفيض والعلم وكيفية الخلق, فهو يرى أن العالم ليس صادرا عن ذات الله صدورا أزليا الذي ذهب إليه أفلوطين والمانويين,(2) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn2) هذا يعني أن الذات الإلهية تتجزأ, فيصير الجزء محدوداً ومتغيراً والله بسيط لا متناهي ثابت كامل فهذا يدل أن العالم ليس أزليا, و أن إرادة الله أزلية و فعله أزلي بلا منازع ولا يوجد قبل وبعد إلا في مفعولاته.
لكن نسأل كيف كان الخلق؟ هل أوجد الله الأشياء على التوالي في ستة أيام ؟ إن في هذا التصور تشبيها لله بالصانع الإنساني ... فلقد خلق الله بعض الأشياء بالفعل وهي الدائمة الثابتة على صورتها البعض الآخر بالقوة وهي الكائنة الفاسدة, الطائفة الأولى تشمل الملائكة والنور والعناصر الأربعة والكوكب ونفس الإنسان الأول, والطائفة الثانية تشمل النبات والحيوان خلقها الله في أصول بذرية غير محسوسة أودعها طين الأرض ليتعهدها بعناية ويبلغها النضج والظهور.
إن أوغسطين قد وجد نظرية الأصول البذرية عند الرواقيين الذين جعلوها في العقل الإلهي الحال في مادة العالم, وعند أفلوطين وضعها في النفس الكلية فجعلها جزءا من العالم السفلي فإن الأصول البذرية ليست متجانسة بحيث يخرج أي نوع من أي أصل, وقد بين أوغسطين رأيه بكل صراحة (عناصر هذا العالم المادي حاصلة على قوة معينة وكيفية خاصة يرجع إليها ما يستطيعه أو لا يستطيع كل منها, و نوع الموجودات التي يمكن أن تخرج كل منها ... وهذا هو السبب في أنه لا يوجد فول من قمح ولا قمح من فول, ولا إنسان من الحيوان الأعجم و لا الحيوان الأعجم من الإنسان).(3) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn1)
وفي تكلم أوغسطين عن خلق العالم فيؤكد أنه لا توجد المخلوقات إلا بواسطة الله, إلا أنها ليست منه, فلو كانت منه لصارت تشبهه ومماثلة معه (هي تتغير وهو أبدي أزلي) أي لما كانت المخلوقات فإن العالم هو مفعول عرضي ومن الإرادة الإلهية.
و هو ليس ضروريا أزليا ولا أبديا كما زعم المانويون والرواقيون, وليس هناك من سبب إلا مشيئة الله بواسطة الكلام الإلهي أي الكلمة, وطبقا تم ذلك بفعل حر ومن العدم كذلك فإنه يخلق العالم خلق الزمان, وذلك بإرادة أزلية وفعل أزلي, وعندما يخلق الله فهو لا يفعل كالفنان الذي يفرض شكلا ما يكون في فكرة, على المادة الموجودة أمامه, لأنه يخلقها من العدم وليس الخلق صدورا أزليا كما اعتقد أفلوطين(لذلك فإن أوغسطين خالف أفلوطين) وكذلك المانويين, فلو كان صدورها كذلك لكان يعني أن الذات الإلهية ممكنة التجزؤ, وأن جزءا ما منها يصير متغيرا.(4) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn2)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref1) أوغسطين(354م - 430م) فيلسوف مسيحي ذو أصول جزائرية ولد في تاجست (سوق أهراس حاليا) يعد من الفلاسفة الأوائل الذين أثروا في الفكر الفلسفي في العصر الوسيط من أهم آثاره (مدينة الله، الاعترافات).

(2) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref2) المانويين: هم أتباع ماني Mani ولد في القرن الثالث قبل الميلاد, وهم الذين يقولون بالإلهين(النور والظلمة) والخير والشر ومن ثم أصبحت تسمية المانوية Manichaeisniتطلق على كل مذهب فلسفي يعتمد على مبدأين فاعلين خالدين في الكون هما مبدأ الخير و مبدأ الشر.
(3) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref1) يوسف كرم: تاريخ الفلسفة الأوربية في العصر الوسيط, دار المعارف, 1958, ص.39.
(4) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref2) علي زيعور، أوغسطينوس ـ مقدمات في العقيدة المسيحية و الفلسفة الوسيطية, دار اقرأ, ط1, 1983م , بيروت, ص.162.

فارس الجزائري
2009-07-24, 15:16
المبحث الثالث: الفيض عند فلاسفة الإسلام.

1.الفيض عند ابن سينا.
كان للمبدأ الأفلاطوني القائل بأن (عن الواحد لا يصدر إلا واحد) الأثر الكبير في الفلاسفة المسلمين فكلما اعتمد الفارابي(1) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn1)على هذا المبدأ في تفسيره لحدوث نظرية الصدور ـ التي سنتطرق لها في الفصل الثاني ـ اعتمد ابن سينا(2) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn2) على الفارابي تبيان كيفية حدوث الفيض, وهذا كله كان بطريقة مختلفة تماما و بانتشار أوسع.
وعملية الصدور هذه مرتبطة بفعل الإدراك الذاتي ... فالموجود الأسمى بحكم إدراكه لذاته, من حيث هو عقل محض من جهة واصل لجميع الذوات الممكنة في العالم من جهة أخرى يولد من دون وسيط ما الخليقة بجملتها والنظام الذي يسري فيها ولا يرافق عملية التوليد هذه أي فعل من أفعال الإرادة أو القصد أو الفعل أو الانفعال ما عدا إدراكه لذاته حيث هو سبب لجميع الأشياء.(3) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn3)
ويصف ابن سينا صدور العالم عن الله كما وصفه الفارابي, فيقول (إن الله يعقل بذاته فيفيض عنه عقل واحد بالعدد هو ممكن بذاته واجب الوجود بغيره وعندما يعقل هذا العقل مبدأه يفيض عنه عقل ثاني هو العقل الكلي, وعندما يعقل ذاته بأنه واجب الوجود بغيره يفيض عنه نفس الفلك الأقصى, وعندما يعقل ذاته بأنه ممكن يكون عنه جرم ذلك الفلك.( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn4)4)

ويستمر الصدور على هذا النحو, فعن كل عقل تصدر ثلاثة أشياء عقل ونفس وجسم ولما كان العقل لا يمكن له تحريك الجسم بغير واسطة فلا بد له من نفس يؤثر بتوسطها وأخيرا يأتي العقل الفعال وعنه تصدر مادة الأشياء الأرضية والصور الجسمية والنفوس الإنسانية وهو يدبر هذه كلها وهذا الصدور أزلي ولا يجوز تصوره على غير ذلك ومحله الهيولى,( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn1)5) والهيولى مجرد إمكان أزلي لجميع الموجودات, والعقل لا يؤثر في الهيولى فهي الحد الذي يقف عنده فعل العقل, وهي مبدأ التكثر في الجزئيات كلها.( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn2)6)
وعلى هذا النحو نتصور الكيفية في نشأة كل عقل مفارق لفلك ونشأة نفسه وجرمه من عقل مفارق سابق عليه وصدور الموجودات بهذه الكيفية وعلى الترتيب السابق دون أن يكون هناك فجوة بين العالمين الأعلى والأسفل, لا يخرج الموجود الأول عن كونه موجدا للكل ومؤثرا في الكل.
لقد أخذ ابن سينا نظرية الفيض عن الفارابي فحافظ على المبادئ والطريقة وعدد العقول والأفلاك وطبيعتها ... ولكنه وضح بعض النقاط وعمقها فجاءت أكثر انسجاما وتماسكا فقد جعل الفارابي الفيض يصدر مثنى مثنى وأما بن سينا فقد جعله يصدر أثلاثا أثلاثا, إذا مادام التعقل والإحداث شيئا واحدا فينبغي أن يصدر عن كل عقل ثلاث فيوضات متدرجة في الشرف و الرتبة,لا اثنان فقط كما كان الحال عند الفارابي.( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn3)7)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref1) االفارابي: أبو نصر بن أزلغ بن طرخان اشتهر باسم الفارابي ولد بمدينة فاراب وتسمى أيضا أتراز بتركستان, وذلك في(259هـ/873م ـ 339هـ, 950م).

(2) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref2) ابن سينا ibn sina: فيلسوف مسلم(980-1037م)و طبيب, عربي اللغة, إيراني المنشأ, حاول أن يقيم مذهب فلسفيا يجمع بين مبادئ الإسلام و تعاليم أفلاطون وأرسطو من آثاره (الشفاء, القانون) يتمحور تفكيره حول عدة مواضيع أهمها:المنطق, الله، النفس, الكون، الأخلاق, السياسة.
(3) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref3) ماجد فخري، تاريخ الفلسفة الإسلامية, دار المشرق، ط2, 2000م, بيروت, ص246.
( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref4)4) حنا الفاخوري وخليل الجر: تاريخ الفكر الفلسفي عند العرب, الشركة المصرية العالمية للنشر, لونجمان, ط1، 2002م, بيروت, ص 605.
( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref1)5) الهيولى: لفظ يوناني بمعنى الأصل و المادة, وفي الاصطلاح بمعنى جوهر في الجسم, والهيولى عند القدماء على أربعة أقسام الهيولى الأولى جزء الجسم, الثانية نفس الجسم والثالثة والرابعة الجسم جزء لهما. والهيولى مرادفة للمادة والفرق بينهما أن المادة تقال لكل موضوع يقبل الكمال باجتماعه إلى غيره في حين أن الهيولى على الإطلاق هي المادة الأولى .
( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref2)6) محمد جلال شرف: الله والعالم والإنسان في الفكر الإسلامي, دار النهضة العربية, بيروت, لبنان,1980, ص.9.
( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref3)7) محمد جلال شرف، مرجع سبق ذكره, ص9.

فارس الجزائري
2009-07-24, 15:35
الشكل رقم 02: يوضح الفيض الثنائي للموجودات عند ابن سينا( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn1)1).
http://www.up1up2.com/upfiles1/Ezs46102.bmp

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ
( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref1)1) محمد عبد الرحيم الزيني، مرجع سبق ذكره، ص 209.

فارس الجزائري
2009-07-24, 15:41
2.الفيض عند إخوان الصفا.
إن إخوان الصفا( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn1)1) جماعة فلسفية توفيقية تلفيقية لأنها أخذت من كل فلسفة, ومن كل دين وحاولت التوفيق بين الأديان كلها وبين المذاهب الفلسفية القائمة آنذاك من فارسية ويونانية وإسلامية ثم بين الأديان والفلسفة ولقد تطرق إخوان الصفا في فلسفتهم كغيرهم من التيارات المعاصرة لها لمشكلة الفيض وخصصوا لها الخير الكبير من اهتماماتهم ومعالجاتهم الفلسفية.
إن الحديث عن مشكلة الفيض يقودنا بكل تأكيد إلى الحديث عن جماعة إخوان الصفا التي بدورها حاولت أن تجد لها حلاً، لكن وفقا لما يتطلب ويتطابق ومصالحها وأهدافها فهي كما يعرف عنها أنها جماعة توفيقية تلفيقية عمدت إلى التوفيق بين الأديان كلها وبين المذاهب الفلسفية القائمة آنذاك ثم بين الأديان والفلسفة.
وقد كانت نظرتهم إلى الفيض نظرة أفلاطونية أفلوطينية. وهي أن الله هو الصلاح والجود والصلاح من طبعه جود وفيض فكما أن الأنوار تنبعث من طبيعة الشمس كذلك تصدر الخلائق عن الله فيضاً وإشراقاً فالله هو علة الأشياء، وخالقها وظاهرها وأولها وأخرها وقد اخترع الله الأشياء في العقل وأوجدها في النفس وصورها في الهيولة. وقبل التوغل في هذا الموضوع نشير إلى أن الإخوان يميزون بين الخلق والإبداع فيفهمون بالخلق إيجاد شيء من شيء آخر كما قال الله تعالى: )خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ(.( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn2)2)
وأما الإبداع فهو إيجاد شيء من لا شيء ثم إنهم يثبتون المبدأ الأفلاطوني في شأن الفيض ويقلون: (ثم اعلم أن كل موجود تام فإنه يفيض منه على ما دونه فيض ما وأن ذلك الفيض هو من جوهره أغنى صورته المقومة التي هي ذاته والمثال في ذلك حرارة النار فإنها تفيض منها على ما حولها من الأجسام والتسخين والحرارة وهي جوهرية النار
التي هي صورتها المقاومة لها ... وهكذا أيضا يفيض من الشمس النور و الضياء وعلى الأفلاك والهواء لأن النور جوهري في النفس وهي صورته المقومة لذاته ... ثم يوضح الإخوان أمرين آخرين هما أن المخلوق ليس جزاءاً من الخالق وأن الله مختار في فعله ... العالم ليس بجزء منه بل فضل تفضل به و جود أفاضه وفعل فعله بعد أن لم يكن فعل ولا تقدر أيضا ولا ينبغي أن تضن أن وجود العالم عن الله تعالى طبعاً بلا اختيار منه مثل وجود نور الشمس في الجو طبعاً للاختيار منها ... فأما الباري تعالى فمختار في فعله إن شاء فعل. وليس في الخالق من واجب لأن الله حكيم وخلقه للعالم حكمة وفعل الحكمة عن الحكيم واجب، زد على ذلك أن الإخوان يقولون بحدوث العالم ويتنكرون القدم وبرهانهم على ذلك أن العلم متحرك في كلياته وجزئياته. والإخوان يقسمون العالم إلى قسمين عالم جسماني وعالم روحاني أما الجسماني فهو الفلك المحيط وما يجوبه من سائر الأفلاك والكواكب والأركان والمولدات الثلاثة، وأما الروحاني فهو عالم العقل الفعال والنفس الكلية والهيولة والصور المجردة التي ليست بأجسام ذوات الأبعاد الثلاثة).( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn1)3)
فالعقل الفعال هو أول موجود فاض عن الله تعالى وهو جوهر بسيط روحاني، فيه جميع صور الموجود غير متراكمة ولا متزاحمة، كما تكون صور الموضوعات في نفس الصانع قبل إخراجها وصنعها وهو جهة الله عز وجل الذي لا يحول ولا يزول وهو الخلقة التامة والإبداع الأول ولما كان ذلك وجب أن يكون موضع كلمة الله التي بها خلق الأشياء كلها كما شاء لا معقب لحكمه. وفاض من العقل الفعال فيض آخر دونه في الرتبة يسمى العقل المنفعل وهو النفس الكلية والنفس الكلية جوهرة روحانية بسيطة قابلة للصور والفضائل من العقل على الترتيب والنظام وهي وجه العقل الفعال وتحركت بالانفعال فأشرقت وجهها بما اتصل بها من نور الجبروت وبدا وجهها الكلي وهو الشمس فأشرق وترتب في موضعه اللائق به بموجب الحكمة الإلهية والعناية الربانية، وأفاض من النفس أيضا فيض آخر دونها في الرتبة يسمى الهيولى الأولى وهي جوهرة بسيطة روحانية قابلة من النفس والصور والأشكال بالزمان شيئاً بعد شيء وهكذا تظهر صور الموجودات كلها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref1)1) إن إخوان الصفا: هم جماعة سرية ظهرت في البصرة في النصف الثاني من القرن العاشر وقد أرادوا أن يظهروا الشريعة بواسطة الفلسفة وقد ألف الإخوان إحدى وخمسون رسالة بالإضافة إلى الرسالة الجامعة تبدأ رسالتهم بالرياضيات ثم تنتقل إلى المنطق والطبيعيات وتنتهي آخر الأمر إلى صوفية تحاول الاقتراب من معرفة الله.

( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref2)2) سورة غافر، الآية 67.
( (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref1)3) حنا الفخوري وخليل الجُّر، تاريخ الفلسفة العربية، دار الجليل، ط3، 1982م، بيروت، ص 262 - ص265.

فارس الجزائري
2009-07-24, 15:49
يتلو بعضها بعضاً في الحدوث والبقاء عن العلة الأولى كما يتلو العدد أزواجه أفراده بعضها بعض في الحدوث والنظام عن الواحد الذي قبل الاثنين وأول صورة قبلتها الهيولى الأولى هي الطول والعرض والعمق وبذلك كان الجسم المطلق أغنى الهيولة الثانية وقد وفق الفيض عند وجود الجسم مطلق ولم يفض منه جوهر آخر لنقصان رتبته عن الجواهر الروحانية وغلاظ جوهره وبعده عن العلة الأولى ولما دام الفيض من الله تعالى عن العقل ومن العقل على النفس عطفت النفس عن الجسم المطلق فصورت فيه الصور والأشكال والأصباغ لتتمه بالفضائل والمحاسن وأول صورة عملتها النفس في الجسم هي الشكل الكروي الذي هو أفضل الأشكال وحركته بالحركة الدورية التي هي أفضل الحركات ورتبت بعضها في جوف بعض من لون الفلك المحيط إلى منتهى مركز الأرض وهي إحدى عشرة كرة فصار الكل عالماً واحداً منتظماً نظاماً كليا واحداً وصارت الأرض أغلظ الأجسام كلها وأشدها ظلمة لبعدها من الفلك المحيط الذي هو ألطف الأجسام وأشدها روحانية أشفها نوراً لقربها من الهيولة الأولى التي هي جوهر بسيط معقول وهكذا حركت النفس الكلية بتوسط العقل الفعال الهيولة الأولى طولاً وعرضاً وعمقاً فكان الجسم المطلق ثم ركبت من الجسم عالم الأفلاك والكواكب والأركان الأربعة جميعاً ثم أدارت الأفلاك حول الأركان واختلطت بعضها ببعض وكان منها المولدات الكائنات من المعدان والنبات والحيوان وكان منها ظهور المولودات من الأدون إلى الأعلى بعكس كائنات العالم الروحاني فظهر المعدن أولاً ثم النبات ثم الحيوان وذلك لأن الأدون آلة مستخدمة لمن يأتي بعده وموهوب له فالمعدن مادة لتكون النبات والحيوان والنبات غذاء للحيوان ولهذا تقدم وجود المعدن على النبات وجود النبات عن الحيوان.(1) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn1)
هكذا عالج الإخوان قضية الله والمخلوقات وكانت خطتهم خطة فيثاغورية ممزوجة بالأفلاطونية الحديثة، وهكذا كان الباري سبحانه متقدم الوجود عن العقل، وهو خالقه ومبدعه، كتقدم الواحد عن الاثنين والعقل متقدم الوجود عن النفس ومنه كانت وعنه بدت كتقدم الثلاثة على الأربعة وكلها منبسطة عن الباري سبحانه دفعة واحدة بلا زمان ومكان
وشرف بعضها على بعض بقرب النسبة إليه والقرب منه فالباري سبحانه علة العقل والعقل علة النفس والنفس علة الهيولة والهيولة فيها تركب الصور المجردة والطبيعة قوة منفعلة عن النفس.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref1) حنا الفاخوري وخليل الجُّر، تاريخ الفلسفة العربية، مرجع سبق ذكره، ص ص. 269 – 270.

فارس الجزائري
2009-07-24, 16:07
http://www.up1up2.com/upfiles1/EiD47981.bmp

فارس الجزائري
2009-07-24, 16:15
الفصل الثاني: مشكلة الفيض عند الفارابي.


المبحث الأول: الفارابي واتجاهه الفلسفي.

1. حياته وآثاره.
أبو نصر محمد بن أوزلغ، ولد في فاراب ( إقليم خرسان التركي) من أب فارسي وأم تركية حوالي سنة 259هـ/870م، وتوفي في دمشق حوالي 339هـ/950م عاصر الأشعري وعاش مع الشاعر العباسي الكبير المتنبي في كنف سيف الدولة بحلب، وضع مؤلفات عديدة منها شروحات وتعليقات على كتب أفلاطون وأرسطو وجالينوس في موضوعات المنطق والطبيعيات والإلهيات والأخلاق والسياسة.(1) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn1)
وقد لقب الفارابي بـ: (فيلسوف العرب)، وبـ: (المعلم الثاني) بعد أرسطو وهذا حقيقة يدل على المكانة التي حظي بها الفيلسوف في حقل الفكر العربي الإسلامي.
يحكي المؤرخون عن الفارابي أنه كان زكي النفس متجنبا للدنايا مقتنعاً من الدنيا بما يملك عليه حياته، يسيرة سيرة الحكماء، وكان هادئ الطبع، عاكفاً على التأمل والنظر في ملكوت الله، عاش في دولة العقل ملكاً، وفي العالم المادي مملوكاً، وبما أن الفارابي نشأ في أسرة مسلمة فقد كانت ثقافته لغوية ودينية وأقبل على العلوم الإسلامية من فقه وحديث وتفسير وتعلم اللغة العربية والتركية والفارسية.(2) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn2)
أكثر الفارابي من التأليف وعالج موضوعات مختلفة، إلا أنه لم يتح لكتبه أن تنال من الانتشار الواسع ما نالته كتب ابن سينا، ولعل السبب في ذلك يعود إلى ما ذكره ابن خلكان من أن أكثر مؤلفاته يقع في رقاع منثورة وكراريس متفرقة، ومن أن الرجل لم يترك من الكتب الطويلة والرسائل المفصلة إلا القليل الذي لا يلفت النظر، ومن دواعي الأسف أن أكثر هذه المؤلفات قد فقد ولم يبق منها سوى ثلاثين رسالة تقريباً باللغة العربية وقد أحرز
الفارابي في القرون الوسطى شهرة واسعة جعلت اليهود ينكبون على آثاره وينقلونها إلى العبرية، وقد حفظت تلك الترجمات العبرية في مخطوطات تنازعتها مكتبات أوربا، كما حفظ عدد من الترجمات اللاتينية التي نقلت عنها أو عن الأصل العربي مباشرة.(3) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn1)
ويمكن تقسيم مؤلفات الفارابي إلى قسمين:
1- تصانيف شخصية مبتكرة.
2- شروح وتعليقات.
ومن مؤلفاته الشخصية غير الشروح ما يلي:
1- كتاب الجمع بين رأي الحكمين: أفلاطون وأرسطو.
2- كتاب عيون المسائل.
3- كتاب فصوص الحكم.
4- كتاب آراء أهل المدينة الفاضلة.
5- كتاب إحصاء العلوم.
6- كتاب ما ينبغي أن يعلم قبل تعلم الفلسفة.
7- كتاب السياسة المدنية.
8- المسائل والأجوبة.
9- كتاب الموسيقى الكبير.
أما شروحه لكتب أرسطو وأفلاطون فمنها ما يلي:
1- كتاب المقولات في المنطق.
2- كتاب العبارة.
3- التحليلات الأولى والثانية.
4- كتاب الشعر والخطابة والسفسطية.
وشرح أيضا المقدمة التي كتبها فورفوريوس الصوري(4) (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn1) وجعلها مقدمة لكتاب أرسطو المنطقية وهذه المقدمة هي المسماة (إيساغوجي) أو الكليات الخمس(5) (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn2)، وشرح كذلك كتاب الأخلاق إلى نيقاماخوس لأرسطو، وشرح كتاب النواميس لأفلاطون، لذلك لم يكن عجباً أن يحتل الفارابي المقام الأول بين المفكرين والفلاسفة مما حدا بالمترجمين إلى وصفه بأنه أكبر فلاسفة الإسلام وبأنه فيلسوف المسلمين على الحقيقة وسموه بالمعلم الثاني ليكون أرسطو الفكر الإسلامي.(6) (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn3)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref1) محمد العربي، المناهج والمذاهب الفكرية والعلوم عند العرب، دار الفكر اللبناني للطباعة والنشر، بيروت، ص 103.
(2) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref2) محمد الحاج حسن الكمالي، محاضرات في الفلسفة الإسلامية، مؤسسة الفاو للنشر والتوزيع والإعلان، ط1، 1993م، اليمن، ص63.
(3) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref1)حنا الفاخوري وخليل الجّر، تاريخ الفكر الفلسفي عند العرب، مرجع سبق ذكره، ص471.
(4) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref1) فورفوريوس الصوري ( ولد في صور حوالي 233م وتوفي 305م) تعرف إلى أفلوطين في روما سنة 263 ولزمه وتتلمذ عليه، جمع رسائل أفلوطين وكانت أربعاً وخمسين، وقدم لها بسيرة لحياة أفلوطين وسميت ( بالتاسوعات)، الأولى تتعلق بالإنسان والثانية والثالثة تتعلق بالعالم المحسوس، والرابعة بالنفس، والخامسة بالعقل، والسادسة بالعالم العلوي والوجود الدائم، ومن مؤلفاته أيضاً (ضد المسيحيين).
(5) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref2) الكليات الخمس: الجنس، النوع، الفصل، العرض الخاص، العرض العام.
(6) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref3) محمد حسن الكمالي، محاضرات في الفلسفة الإسلامية، مرجع سبق ذكره، ص 65.

فارس الجزائري
2009-07-24, 16:26
1. فلسفته.
إن فلسفة الفارابي مبنية على تعاليم أفلاطون وأرسطو كما كانت قد فسرت في مدرسة بغداد في القرن العاشر، ومثل باقي المفكرين العرب آنذاك لم يفترض الفارابي فرقا رئيسيا بين الفيلسوفين، غير أنه اعتبر أن أفلاطون فيلسوف أعظم من أرسطو وكتب تعليقا على محاورات الجمهورية والقوانين، واعتبر ميتافيزيقاه ترى أن الله واحد وأنه ألواحد الذي منه يأتي كل الوجود، خالق العالم وموجوداته.(1) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn1)
ففلسفة الفارابي مزيج من أرسطو طاليسية وأفلاطونية حديثة مع صبغة إسلامية واضحة ونزعة شيعية إماميه لاشك فيها، هو أرسطو طاليسي في المنطق والطبيعيات أفلاطوني في الأخلاق والسياسة، أفلوطيني في فلسفة ما بعد الطبيعة، وهو قبل كل شيء فيلسوف الانتقاء والتوفيق، والمؤمن بوحدة الفلسفة المدافع عنها في كل حال(2) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn2).

وقد كان دفاعه عنها لرد دعوى المعترضين على الفلسفة بسبب تناقض مذاهب أعلامها وبخاصة بين مبدعيها، أفلاطون وأرسطو، وسعى من خلال الجمع بين آراء الحكمين اليونانيين تأكيد اللحمة ووحدة العقل والحقيقة.
وفكرة معرفة واجب الوجود هدف أساسي في فلسفة الفارابي فهي فكرة يدور حولها كل تفكير الفارابي وترتكز على منظومته الفكرية، وفهمه لحقيقة الوجود، ومعرفة الخالق جل شأنه العلة الفاعلة لجميع ألأشياء والمرتب لهذا العالم.
وقد اهتم الفارابي بالمنطق وبما بعد الطبيعة وبعلم الطبيعة، والفلسفة عنده هي العلم بالموجودات بما هي موجودة، وهي العلم الوحيد الجامع الذي يضع أمام العقل صورة شاملة للعالم.
ولا يقتصر المنطق عند الفارابي على تحليل التفكير العلمي، بل يشتمل على كثير من الملاحظات النحوية وعلى مباحث من نظرية المعرفة، والفرق بين المنطق والنَّحو هو أنَّ النَّحو يختص بلغة شعب واحد، أمَّا المنطق فقانون للتَّعبير بلغة العقل الإنساني عند جميع الأمم، وهو يسير من أبسط عناصر الكلام إلى أعقدها: من الكلمة إلى القضية إلى القياس.(3) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftn1).
والفارابي له رأي فيما يخص بالمعاني الكلية والتي دار حولها جدل في العصور الوسطى فالفارابي يرى أن العقل الإنساني يستخرج الكلي من الجزئيات عن طريق التجريد، وأن لهذا الأخير وجوداً خاصاً به متقدما على وجود الجزئيات والنتيجة.
إن فلسفة الفارابي تتضمن المذاهب الثلاثة المتعلقة بالمعاني الكلّية، وهي: المذهب القائل بأن الكلي سابق على الجزئي، والمذهب القائل بأنه قائم به، والمذهب القائل بأنه يحصل بعده، وللفارابي رأي في الوجود، وهو لا يعد في جملة المعاني الكلية؟ أعني هل هو صفة تحمل على موضوع؟ وجواب الفارابي عن ذلك هو أنَّ الوجود علاقة نحوية أو علاقة منطقية، وليس هو بالمقولة التي تصدق على شيء في قضية، إذ ما وجود الشيء
إلاَّ الشيء نفسه.(4) (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn1) والله عند الفارابي هو واجب الوجود من ناحية كونه الفاعل والغاية
فواجب الوجود ضروري للموجودات جميعاً، ولا يمكن أن تكون تلك الموجودات إلاَّ به(5) (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn2).
ويذهب الفارابي إلى أن كل موجود، هو إما واجب الوجود وإما ممكن الوجود، ولا ثالث لهذين النوعين من الوجود ولمّا كان الممكن لابد أن تتقدم عليه علة تخرجه إلى الوجود، ثم لما كانت العلل لا يمكن أن تتسلسل إلى غير نهابة، كان لابد من الانتهاء إلى موجود واجب الوجود لا علة الوجود، وهو أزلّي، وهو موجود بالفعل من جميع جهاته ولا يعتريه، التغير، وهو عقل محض، وهو البرهان على جميع الأشياء، وهو العلة الأولى لسائر الموجودات، ومعنى الموجود الواجب يحمل في ذاته البرهان على أنَّه يجب أن يكون واحداً لا شريك له، فلو كان ثَم موجودات، كل منهما واجب الوجود، لكانا متفقين من وجه ومتباينين من وجه، وما به الاتفاق غير ما به التَّباين، فلا يكون كل منهما واحداً بالذَّات، وإذن، فالموجود الذّي له غاية الكمال يجب أن يكون واحداً وهو الله.(6) (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn3)
إذا الفكرة الجوهرية التي تدور حولها فلسفة الفارابي هي فكرة واجب الوجود حيث أن هناك ترابط، لأن كل موجود إنما يستمد وجوده من هذا الأخير لذا كان لزاماً معرفة واجب الوجود معرفة تامة.
أما فيما يخص فلسفة الفارابي السياسية والأخلاقية يظهر ذلك في (أراء أهل المدينة الفاضلة) لأنها خير المدن على الأرض بالنسبة للبشر عامة، والشيء الأساسي والمهم هي التطلع إلى السعادة ألحقه التي يتمناها ويطلبها جميع الناس فقد بحث الفارابي في كتابه (نظرية الوجود) التي فحواها التمييز بين الممكن والواجب، وبين المدن الفاضلة ومضاداتها حيث أن الفارابي يبني المدينة من منطلق التمييز بين الصالح والفاسد من المدن في كتابه السابق الذكر، فهو يقصد من ذلك كله الإبانة عن الجماعة التي تطلب السعادة والمدن أو الجماعة التي يطلب أهلها أشياء مضادة، والسعادة في تصوره مرتبطة
بالتركيبة الإنسانية والنفس الإنسانية على حد سواء فالسعادة بنظره عند ما تسيطر النفس العاقلة (فضيلتها الحكمة) على النفس الغضبة (فضيلتها الشجاعة) والنفس الشهوانية (فضيلتها العفة) يصل الإنسان في الأخير للسعادة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref1) نوال الصايغ الصراف، المرجع في الفكر الفسلفي نحو توازن بين التفكير الميتافيزيقي والتفكير العلمي، دار الفكر العربي، بيروت، 1982م، ص139.
(2) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref2) حنا الفاخوري، خليل الجٌّر، تاريخ الفكر الفسلفي عند العرب، ص 471.
(3) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref1) كميل الحاج، الموسوعة الميسرة في الفكر الفلسفي والاجتماعي ( عربي، إنجليزي) مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، 2000، ص390.
(4) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref1) كميل الحاج، مرجع سبق ذكره، ص 390، 391.
(5) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref2) منذر الكوثر، فلسفة الفارابي الله ... الوجود ... الإنسان، دار الحكمة، لندن، ط1، 2002، ص9.
(6) (http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=161457#_ftnref3) كميل الحاج، مرجع سبق ذكره، ص390،391.

فارس الجزائري
2009-07-24, 16:32
المبحث الثاني: الفيض عند الفارابي.
1.نظرية الفيض.
عندما تسلم فلاسفة المسلمين نظرية الفيض أو الصدور الأفلوطينية أخذوا يوفقون بينها وبين ما يقابلها في الدين الإسلامي ويظهر ذلك عند الفارابي (المعلم الثاني)، الذي يشير إلى أن المبادئ التي تعتبر قوام الأجسام والأعراض يكون على رأسها السبب الأول وآخرها المادة، والسبب الأول يكون عنده في المرتبة الأولى من الوجود، وهو واحد فالفارابي إذا يثير نفس المشكلة التي آثارها غيره من فلاسفة اليونان السابقين عليه، حيث يحاول إيجاد حل لها.
- ما هو الفيض: اضطربت أقوال الفلاسفة في إيضاح ماهية الفيض، وقد عبر عنها أصحاب الأفلاطونية الحديثة باستعارات تشبيهيه لم تجل حقيقتها. أما الفارابي فقد استطاع أن يجرد الفيض بطريقة عقلية، وذلك بقوله إن الله يعقل ذاته وأن العالم صدر عن علمه بذاته، قال: (وإن ظهر الأشياء عنه كونه عالماً بذاته، وبأنه مبدأ النظام الخيَّر في الوجود على ما يجب أن يكون عليه. فإذا علمه علة الوجود الشيء الذي يعلمه). فيكفي إذا أن يعلم الله شيئاً حتى بوجود هذا الشيء، لأن علم الله هو علم بالفعل ويكفي أن يعلم الله ذاته التي هي علة الكون لكي يكون الكون، فليس، إذن في صدور الموجودات عن الله حركة أو آلة لأن الفيض عملية عقلية وهذا الوجود لا يفيد الله كمالاً، لأن الله ليس بحاجة إليه(1) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&postid=1344457#_ftn1).
يجمع المؤرخون أن هذه النظرية ظهرت إلى الفكر الإنساني على يد أفلوطين رغم أنها ظهرت في الفلسفة اليونانية كإشارات إليها لكن ليس كما ظهرت على يد أفلوطين. فأفلاطون في نظرية المثل بين قضية الخلق على أنها خيالية شعرية أي عندما أراد الصانع إيجاد العالم وتشكيل المادة استعان على ذلك بالنفس الكلية (أي نفس العالم) وهذه إشارة إلى وجود الوساطة تماماً كما في نظرية الفيض.
... كما فهم المتكلمون مسألة وجود العالم، كما جاءت به الحقيقة الدينية، على أنه (العالم) نابع عن عملية خلق من العدم، أي أن حدوثه في الوجود جديد.
... وكان السبب الرئيسي في ظهور هذه النظرية هو الوقوف أمام هذه الموجودات في العالم وطرح السؤال المشهور هل هذه الموجودات المتكثرة صدرت عن الله الواحد مباشرة ودفعة واحدة أم أن هناك وسائط لابد منها حتى تنزه وحدانية الخالق، فصدرت نظريتهم إلى القول: إن الواحد لا يصدر عنه إلا شيء واحد لأن العالم مركب من مختلفات لذلك فلا يتصور أن يكون فعلاً لله المتصف بالأحادية.
وكحوصلة لأسباب ظهور نظرية الفيض، ومما قيل سالفاً إجابة عن سؤال واحد يقول: كيف وجد العالم عن الله؟.
2. كيفية فيض الموجودات عن الأول.
أما كيف توجد الموجودات عن الأول، فالفارابي يفسره تفسيراً أفلطوينياً، على أساس فكرة الصدور أي صدور الموجودات عن الأول على جهة الفيض.
يقول الفارابي في كتاب: آراء أهل المدينة الفاضلة:
(والأول هو الذي عنه وُجد، ومتى وجد للأول الوجود الذي حوله، لزم ضرورة أن يوجد عنه سائر الموجودات التي وجودها لا بإرادة الإنسان واختياره، على ما هي عليه من الوجود، الذي بعضه مشاهد بالحس، وبعضه معلوم بالبرهان، ووجود ما يوجد عنه إنما هو على جهة فيض وجوده لوجود شيء آخر، وعلى أن وجود غيره فائض عن وجوده هو، فعلى هذه الجهة لا يكون وجود ما يوجد عنه سبباً له بوجه من الوجوه، ولا على أنه غاية لوجود الأول، كما يكون وجود الابن من جهة ما هو ابن غاية لوجود الأبوين، من جهة ما هما أبوان، يعني أن الوجود الذي يوجد عنه لا يفيده كمالاً ما، كما يكون لنا ذلك عن جل الأشياء التي تكون منا، مثل أنَّا بإعطائنا المال لغيرنا نستفيد من غيرنا كرامة أو لذة أو غير ذلك من الخيارات، حتى تكون تلك فاعلة فيه كمالاً ما، فالأول ليس وجوده لأجل غيره، ولا يوجد به غيره حتى يكون الغرض من وجوده أن يوجَد سائر الأشياء، فيكون لوجوده سبب خارج عنه فلا يكون أولاً ولا أيضاً بإعطائه ما سواه الوجود ينال كمالاً لم يكن له قبل ذلك، خارجاً عما هو عليه من الكمال، كما ينال من يجود بماله
أو بشيء آخر فيستفيد بما يبذل من ذلك لذة أو كرامة أو رئاسة أو شيئاً غير ذلك من الخيرات، فهذه الأشياء كلها محال أن تكون في الأول، لأنه يسقط أوليته وتقدمه، ويجعل غيره أقدم منه وسبباً لوجوده، بل وجوده لأجل ذاته، ويلحق جوهره ووجوده ويتبعه أن يوجد عنه غيره، فلذلك وجوده الذي به فاض الوجود إلى غيره هو في جوهره، ووجوده الذي يه تَجوهُره في ذاته هو بعينه وجوده الذي به يحصل وجود غيره عنه وليس ينقسم إلى شيئين يكون بأحدهما تجوهر ذاته وبالآخر حصول شيء آخر عنه. كما أن لنا شيئين فتجوهر بأحدهما وهو النطق، ونكتب بالآخر وهو صناعة الكتابة، بل هو ذات واحدة وجوهر واحد، به يكون تجوهره، وبه بعينيه يحصل عنه شيء آخر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&postid=1344457#_ftnref1) حنا الفخوري، خليل الجُّر، مرجع سبق ذكره، ص 478.
(2) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&postid=1344457#_ftnref1) محمد الحاد حسن الكمالي، مرجع سبق ذكره، ص 72.

فارس الجزائري
2009-07-24, 16:34
ولا أيضاً يحتاج في أن يفيض عن وجوده شيء آخر إلى شيء غير ذاته يكون فيه ولا غَرض يكون فيه، ولا حركة يستفيد بها حالاً لم تكن له، ولا آلة خارجة عن ذاته مثلما تحتاج النار في أن يكون عنها وعن الماء بخار إلى حرارة تبخر بها الماء، وكما تحتاج الشمس في أن تسخن ما لدينا إلى أن تتحرك هي ليحصل لها بالحركة ما لم يكن لها من الحال، فيحصل عنها وبالحال التي استفادتها بالحركة حرارة فيما لدينا، أو كما يحتاج النجار إلى الفأس وإلى المنشار حتى يحصل عنه في الخشب انفصال وانقطاع وانشقاق، وليس وجوده، بما يفيض عنه وجوده غيره، أكمل من وجوده الذي هو بجوهره ولا وجوده الذي بجوهره أكمل من الذي يفيض عنه وجود غيره، بل هما جميعاً ذات واحدة.
ولا يمكن أيضاً أن يكون له عائق من أن يفيض عنه وجود غيره، لا من نفسه ولا من خارج أصلاً).(1) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=updatepost&postid=1344468#_ftn1)
فالموجودات إذا تفيض عن الأول ليس عن قصد منه يشبه قصدنا، ولا عن طبع بحيث لا تكون له معرفة ورضا بصدورها وإنما ظهرت الأشياء عنه لكونه بذاته، وبأنه مبدأ النظام الخير في الوجود على ما يجب أن يكون عليه، وإنما علمه هو العلة لوجود
الأشياء، وعلمه الأشياء ليس علماً زمانياً، ووجوده هو وجوده بعينه الذي به يحصل عنه وجود غيره، وإذا صدرت أو فاضت الموجودات عنه، كانت بترتيب مراتبها.
يتبين إذا أن فيض أو صدور الوجود عن الواحد يكون تلقائيا وبسبب خصوبته وجوده وغناه اللامحدودين.
وقول الفارابي بالفيض أو الصدور يجعلنا نتساءل عما إذا كان من الممكن اعتبار الفارابي من القائلين بحدوث أو إيجاد العالم من عدم محض كما ينص عليه أو يقرره الدين الإسلامي.
فبحسب نظرية الفيض، عند الفارابي، تستفيد الموجودات جميعاً وجودها، جواهراً وأعراضاً، عن الأول واجب الوجود بذاته، كما أن ترابط الموجودات مع بعضها معتمد على وجود واجب الوجود بذاته الذي لا يفيدها الوجود وحسب، وإنما يفيدها ترابطها وعلاقاتها مع بعضها أيضاً.( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=updatepost&postid=1344468#_ftn2)2)
ولقد رتب الفارابي سلسلة الموجودات، وأكد أن السبب الأول أعلى مراتب الوجود ويليه البرء من المادة، ثم بعد ذلك الأجسام السماوية، وبعدها الأجسام الهيولانية.
أما فيما يتعلق في الموجودات الثواني وكيفية صدور الكثير يقول الفارابي: (يفيض من الأول وجود ثاني، فهذا الثاني هو أيضا جوهر غير متجسم أصلاً، ولا هو في مادة فهو يعقل ذاته ويعقل الأول، وليس ما يعقل من ذاته هو شيء غير ذاته، فيما يعقل من
الأول يلزم عنه وجود ثالث، وبما هو متجوهر بذاته التي تخصه يلزم عنه وجود السماء الأولى، والثالث أيضاً وجوده لا في مادة، وهو بجوهر عقل، وهو يعقل ذاته ويعقل الأول والثالث أيضاً وجوده لا في مادة، وهو بجوهر عقل، وهو يعقل ذاته ويعقل الأول، فيما يتجوهر به من ذاته التي تخصه يلزم عنه وجود كرة الكواكب الثابتة، وبما يعقله من الأول يلزم عنه وجود رابع، وهذا أيضاً لا في مادة، فهو يعقل ذاته ويعقل الأول، فيما يتجوهر به من ذاته التي تخصه يلزم عنه وجود كرة زُحل، وبما يعقله من الأول يلزم عنه وجود خامس، وهذا الخامس أيضاً وجوده لا في مادة، فهو يعقل ذاته ويعقل الأول فيما يتجوهر به من ذاته يلزم عنه وجود كرة المريخ، وبما يعقله من الأول يلزم عنه
وجود سابع، وهذا أيضاً وجوده لا في مادة، وهو يعقل ذاته ويعقل الأول، فيما يتجوهر به من ذاته يلزم عنه وجود كرة الجسم، وبما يعقل من الأول يلزم عنه وجود ثامن، وهو أيضاً وجوده لا في مادة، ويعقل ذاته ويعقل الأول. فيما يتجوهر به من ذاته التي تخصه يلزم عنه وجود كرة الزهرة وبما يعقل من الأول يلزم عنه وجود تاسع، وهذا أيضاً وجوده لا في مادة فهو يعقل ذاته ويعقل الأول، فيما يتجوهر به من ذاته يلزم عنه وجود كرة عُطارد، وبما يعقل من الأول يلزم عنه وجود عاشر، وهذا أيضاً وجوده لا في مادة وهو يعقل ذاته ويعقل الأول، فيما يتجوهر به من ذاته يلزم عنه وجود كرة القمر، وبما يعقل من الأول يلزم من الأول يلزم عنه وجود حادي عشر، وهذا الحادي عشر هو أيضاً وجوده لا في مادة، وهو يعقل ذاته ويعقل الأول، ولكن عنده ينتهي الوجود الذي لا يحتاج ما يوجد ذلك الوجود إلى مادة وموضع أصلاً، وهي الأشياء المفارقة التي هي في جوهرها عقول ومعقولات، وعند كرة القمر ينتهي وجود الأجسام السماوية، وهي التي بطبيعتها تتحرك دوراً).(3) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=updatepost&postid=1344468#_ftn1)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=updatepost&postid=1344468#_ftnref1) أبو نصر الفارابي، المدينة الفاضلة ومختارات من كتاب الملة، المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، الجزائر، 1990م، ص 23،24،25.

( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=updatepost&postid=1344468#_ftnref2)2) منذر الكوثر، مرجع سبق ذكره، ص109.
(3) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=updatepost&postid=1344468#_ftnref1) الفارابي، مصدر سبق ذكره، ص31، 32.

فارس الجزائري
2009-07-24, 16:35
والفارابي يرى أن الثواني يلزم عنها بدورها وبالضرورة لا بالاختيار الأجسام السماوية، والثواني عنده هي الملائكة، بحيث يعتبرها المحركين الثواني أو العقول المفارقة، وهو هنا يوفق بين الدين و الفلسفة ليرضي الدين الإسلامي وليرضي الفلسفة خاصة فلسفة أرسطو طاليس.
إن المبادئ الفلسفية التي تقدم عليها نظرية الفيض هذه ثلاثة:
أولها: عن الواحد لا يصدر إلا واحداً، فالله واحد ولا يصدر عنه إلا موجود واحد.
ثانيها: لا يصدر عن الشبيه إلاَّ الشبيه به، فالله عقل والذي يصدر عنه من طبيعته وهو عقل.
وثالثها: إن التعقل إبداع فمن تعقل الله لذاته يصدر عنه عقل ثانٍ وهذا أيضاً يعقل ذاته ويعقل الأول فيصدر عنه موجودين: موجود سماوي وعقل.
ومن خلال نظرية الفيض يبين الفارابي كيفية صدور العقول المفارقة للمادة والتي تشكل عالم ما بعد الطبيعة.
والأجرام السماوية السبعة المعروفة حتى أيامه وقد أضاف إليها كرة السماء الأولى وكرة الثوابت فأضحت تسعة، وهي محاولة لتوضيح صدور الكثير عن الواحد دون الإخلال بالمبادئ الفلسفية المشار إليها سابقا، إذ أن صدور الموجودات المحتاجة إلى مادة تحت فلك القمر، ليست مباشرةً من الله بل بوسائط العقول وآخرها العقل الفعَّال أو واهب الصور.(1) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&postid=1344473#_ftn1)
نخلص من ذلك كله إلى أن الفارابي حسب رأيه في خلق الموجودات يكون قريب الشبه بأرسطو ممزوجاً بالأفلاطونية الحديثة فمسألة أن العالم نشأ عن الله بطريق التعليل رأي أفلوطيني، ورأيه في أن العالم الأعلى عالم عقلي يرجع إلى أفلطوين وأرسطو وخاصة قوله بتأثير عقل القمر في بقية الكون رأي أرسطو طاليسي، ذلك أن أرسطو من الذين كانوا يقولون بأن كل مؤثر عقل، أما عدد العقول وكونها عشرة، فقد يكون الفارابي متأثراً فيها بمذهب بطليموس في الأفلاك فقد قال بطليموس: إن الأفلاك تسعة، فأوجد الفارابي لكل فلك عقلاً يوازيه ويؤثر فيه.( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&postid=1344473#_ftn2)2)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ

(1) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&postid=1344473#_ftnref1) محمد العريبي، مرجع سبق ذكره، ص108، 109.
( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&postid=1344473#_ftnref2)2) محمد السيد النعيم، عوض الله حجازي، في الفلسفة الإسلامية وصلتها بالفلسفة اليونانية، دار الطباعة المحمدية بالأزهر الشريف، القاهرة مصر، ط2، ص 226.

فارس الجزائري
2009-07-24, 16:36
http://www.up1up2.com/upfiles1/3hf63273.bmp

فارس الجزائري
2009-07-24, 16:38
نحن هنا أمام قضية محيرة ألاَّ وهي هذا الفيض جبر أم اختيار؟ أو ماذا يقصد الفارابي بفيض العالم عن الله؟
أراد الفارابي أن يقول أن العالم صدر عن إرادة إلهية مطلقة لإله عالم، قادر، صانع ... الخ، أخرجه من العدم؟
أم يريد القول أن العالم صدر عن الله دون أية إرادة إلهية، دون قصد أصلاً، وأنه تعالى لم تكن رغبة اختيار في خلقه؟
هذا الاحتمال الأخير، وربما قيل أنه يجلي عنه قدر أي فيلسوف مسلم، بل الفارابي .. كيف وهو يخلع على الله تعالى بكل الوضوح كل صفات الكمال الايجابية فهو عنده: حي، عالم حكيم، مريد، قادر، وإنما الذي يثير مثل هذا الاحتمال نصوص للفارابي يساء فهمها: مثل قوله: (من وجد للأول، الوجود الذي هو له، لزم ضرورة أن يوجد عنه سائر الموجودات الطبيعية ... ووجود ما يوجد عنه على جهة فيض)، ـ وهو كثير ما يكرر هذا المعنى ـ فإنه بظاهره يفيد أن الفيض ضروري، وإنه لا انفكاك بين وجود الذات الإلهية، ووجود سائر الموجودات، وهذا هو معنى الجبرية المحالة عليه تعالى، وقد تؤديه عبارة أخرى له وجيزة: (واجب الوجود، مبدأ كل فيض) إذا الفيض في العرف، هو الفعل الصادر عن الفاعل الذي يفعل دائماً بلا غرض ولا عوض ... (و) الفيض، أن يستعمل في الباري والعقول لا غير، لأنه لما كان صدور الموجودات عنه، على سبيل اللزوم، لا لإرادة تابعة لغرض، بل لذاته، وكان صدورها عنه دائماً بلا منح ولا كلفة تلحقه في ذلك كان الأولى أن يسمى فيضاً، وليس هذا فقط، بل أن المعنى اللغوي لكلمة (الفيض) يقتضي حدوث الفعل عن مصدره بلا إرادة، أو خروج الشيء من مكمنه بلا إرادة: كصدور النور عن الشمس، وفيضان الماء عند امتلاء أو سقوط الإناء.(1) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344491#_ftn1)
إن ضرورة صدور الموجودات عن الأول، ومسألة الخلق وبداية التكوين وواجب الوجود، هي أمور متلازمة تحكم حتمية فعله فقد تورط من تورط بالأخذ بهذا الاحتمال واعتبرت حتمية مطلقة غير محدودة ما يضع حد لفعل السبب الأول.
ولكن هل هذا حقا يعتبر تورط؟ وهل ما قد يراه البعض شيئاً يجل عنه قدر الفارابي؟
إن للرجل غور بعيداً ربما شق على كثيرين الغوص إليه، ومحاولات تأويل الجبرية في ظاهر كلامه ربما باءت جميعها بالفشل.
حين ينفي الفارابي الإدارة عن الله، أو بالأحرى يقول ما يفيد ذلك، فهو لا يقصد أن الفعل حتمية مطلقة مفروضة عليه، حاشا لله ... ولكنه يرمي إلى الفرار من توهم البعض النقص في حقه تعالى لأن المريد للشيء في الشاهد، متأثر بالعلل والأغراض، ومنقاد لها وواجب الوجود، لا يؤثر فيه شيء، ولا ينقاد شيء، فليس لفعله لمية، ولا يفعل فعله لأجل شيء آخر غير ذاته ولكن هذا المتأول، لم يبين ما هو معنى الإرادة الإلهية حينئذٍ؛ ومتأول آخر يلون بما عليه الفارابي من توحد الذات الإلهية وصفاتها: فعلمه بذاته وبغيره هو ذاته وهو أيضا صفة لذاته، مع عدم الإخلال بالسببية بالنسبة للغير (هو يدرك الأشياء من ذاته تقدست، إذا لحظ ذاته القدرة المستعلية، فلحظ من القدرة المقدورة، فلحظ الكل، فيكون علمه بذاته سبب علمه بغيره)، وهو علم وعالم ومعلوم، وعقل وعاقل ومعقول ... وهذه الأشياء كلها فيه واحد.(2) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344491#_ftn1)
والذي يريد الفارابي أن يقوله هو : أن الإرادة الإلهية لم تكن هي العلة والسبب في خلق الأشياء، بل العلم الإلهي، الذي لا ينفصل عن الذات الإلهية فالموجودات كلها صدرت من أثر وجوده.
ولكن ما غناء هذا التأويل، والذي قبله بإزاء النص شبه الصريح للفارابي على نفي الإرادة بالمعنى المتعارف في حق الله سبحانه: (وجود الأشياء عنه، لا عن جهة قصد منه يشبه قصودنا، ولا يكون له قصد الأشياء عنه، ولا صدرت الأشياء عنه على سبيل الطبع
من دون أن يكون له معرفة) فمن الخطأ أن يقال: (هذه السلسلة من الفيوضات كانت بتغير من الله، وعن قصد منه).
والخلاصة أن الفارابي كان غامضاً هنا، فأربك الناظرين في كلامه، فبينما هو لا ينفي الإرادة عن الله، إذ به يقرر أن المعرفة الإلهية هي علة الخلق، وأن كل الصفات الإلهية من العلم والقدرة والحكمة ... شيء واحد، وكأنه أراد أن ينزه إرادة الرب فانتقص من قدرته.( (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn1)3)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ

(1) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344491#_ftnref1) محمد عبد الرحيم الزيين، مرجع سبق ذكره، ص196.
(2) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344491#_ftnref1) محمد عبد الرحيم الزيين، مرجع سبق ذكره، ص197، 198.
( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344491#_ftnref1)3) محمد عبد الرحيم الزيني، مرجع سبق ذكره، ص198.

فارس الجزائري
2009-07-24, 16:38
المبحث الثالث: قضايا متعلقة بالفيض.

1. علاقة الفيض بالمعرفة.
أخذ الفارابي عن أرسطو رأيه في أن كل معرفة إنما تكون عن طريق الحواس ونعني أن تكون هذه المعرفة تذكراً كما زعم أفلاطون؛ لأنه لا يعتقد بوجود النفس قبل الجسد، وقد قال: (وحصول المعارف للإنسان يكون من جهة الحواس، وإدراكه للكليات من جهة إحساسه بالجزئيات ونفسه عالمة بالقوة ... والحواس هي الطرق التي تستفيد منها النفس الإنسانية المعارف ...) وهذه المعرفة لا تمكننا من معرفة طبيعة الأشياء (فالوقوف على حقائق الأشياء ليس في قدرة البشر، ونحن لا نعلم من الأشياء إلا الخواص و اللوازم والأعراض ... فإنا لا نعرف حقيقة الأول ولا العقل ولا النفس ولا الفلك والنار والهواء والماء والأرض، ولا نعرف حقائق الأعراض ومثال ذلك أن لا نعرف حقيقة الجوهر، بل إنما نعرف شيئاً له هذه الخاصة وهو أنه الموجود لا في موضوع وهذا ليس حقيقته، ولا نعرف حقيقة الجسم، بل نعرف شيئاً له هذه الخواص وهي الطول والعرض والعمق، ولا نعرف حقيقة الحيوان، بل نعرف شيئاً له إدراك وفعل).(1) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344498#_ftn1)
خلاصة أن الأشياء المادية إذا ما أدركها العقل تحولت إلى معقولات، وصار لها وجودها في العقل يخالف وجودها المادي والعقل يكون في الإنسان بالقوة، فإذا ما أدرك الإنسان بحواسه صور الأجسام الخارجية، أصبح العقل عندئذٍ موجوداً بالفعل ومعنى ذلك أن حصول المعرفة الحسية هو انتقال للعقل من القوة إلى الفعل، على أن هذا الانتقال ليس يتم بفعل الإنسان، بل هو مرهون بفعل العقل الفعّال، الذي هو أعلى مرتبة من العقل الإنساني أي أن الإنسان لا يحصل المعرفة باجتهاده بل تجيء إليه المعرفة هبة من خارجه، هبة من العالم الأعلى.
قال الفارابي: (وليس في جواهرها (أي المعقولات) كفاية في أن تصير من تلقاء أنفسها معقولات بالفعل، ولا أيضاً في القوة الناطقة (أي وليس ذلك طبيعة العقل) ... بل تحتاج أن تصير عقلاً بالفعل إلى شيء آخر ينقلها من القوة إلى الفعل ... والفاعل الذي
ينقلها من القوة إلى الفعل، هو ذات ما جوهره عقل بالفعل، ومفارق للمادة ... منزلته من العقل الهيولاني منزلة الشمس من البصر وفعل هذا المفارق في العقل الهيولاني شبيه بفعل الشمس في البصر، فلذلك سمي العقل الفعّال ... وإذا حصل في القوة الناطقة عن العقل الفعّال ذلك الشيء الذي منزلته منه منزلة الضوء من البصر، حصلت المحسوسات حينئذٍ عن التي هي محفوظة في القوة المتخيلة معقولات في القوة الناطقة وتلك هي المعقولات الأولى التي هي مشتركة لجميع الناس.(2) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344498#_ftn1)
ويقول الفارابي في نص آخر: (العقل الفعّال يفيد الإنسان شيئاً يرسمه في قوته الناطقة).
والفارابي يعرض رأيه بتشبيهات مختلفة، وبأساليب متعددة، ولكن المحصلة النهائية، هي أن المعرفة تأتي من أعلى، من فوق، من العقل الفعّال، أو العقل العاشر، وتفيض على الروح الإنسانية، وهي التي تتمكن بقوة تسمى العقل النظري من تصور المعاني بحدودها وحقيقتها وهذه الروح كمرآة، وهذا العقل النظري كصاقلها وهذه المعقولات ترتسم فيها من الفيض الإلهي.
وإذا كان علم الإنسان هابطا إليه من علم على هذا النحو فهو ليس علماً متحصلاً عليه بمجهود عقلي، أو على الأقل ليس بمحض هذا المجهود فغاية جهد العقل الإنساني أن يحاول الاتصال بتلك القوة الغيبية، التي هي مصدر هذا الفيض، والمسماة بالعقل الفعال أو العقل المفارق.(3) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344498#_ftn2)
يذهب الفارابي إلى أن المعرفة الحقه هي بالحس والعقل، والتأمل والنظر، والتنصل من استيلاء كافة العلائق الحسية، وهي كذلك بالابتعاد عن المادة وشوائبها، والابتعاد أيضا عن عالم الخلق، والقرب من عالم الإلهام والأمر والنهي، فحينها برأيه يحدث الفيض الإلهي، فالمعرفة إذن، لا تحصل إلا بفيض من واهب المعرفة وواهب الصور، وهو العقل الفعال فهي إذا معرفة إشراقية، وهنا الفارابي يفتح ويفسح، المجال لنوع جديد من المعرفة لم يكن يعرفه أرسطو قبله، وقد اعتبره أفلوطين أعلى أنواع المعرفة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344498#_ftnref1) حنا الفاخور، خليل الجُّر، مرجع سبق ذكره، ص505.
(2) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344498#_ftnref1) حنا الفاخوري، خليل الجُّر، مرجع سبق ذكره، ص507، 508.
(3) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344498#_ftnref2) محمد عبد الرحيم الزيني، مرجع سبق ذكره، ص19، 20.

فارس الجزائري
2009-07-24, 16:40
2. علاقة كل من النفس والعقل والفيض.
أ.علاقة النفس بالفيض.
اتجه الفارابي، كما اتجه غيره من فلاسفة اليونان، إلى الاعتقاد بأنّ وجود النفس يتعدى عالم الإنسان إلى غيره من الكائنات، فهو يرى أن للسماء نفس، وللعالم نفس، ولكل الكواكب أيضاً نفس، وللحيوان والنبات نفس أخرى.
ومن الطبيعي أن تكون أنفس الأجسام السماوية مباينة لأنفس الإنسان والحيوان والنبات (في النوع، مفردة عنها في جوهرها، ولها تتجوهر الأجسام السماوية وعنها تتحرك دوراً، وهي أشرف وأكمل وأفضل وجوداً من أنفس أنواع الحيوان التي لدينا) وهي دائماً بالفعل، ولم تكن بالقوة أصلاً، (وليس في الأجسام السَّماوية من الأنفس الحساسة ولا المتخيلة، بل إنما لها النَّفس التي تعقل فقط، وهي مجانسة في ذلك بعض المجانسة للنفس الناطقة) عند الإنسان.(1) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344504#_ftn1)
فالنفس الإنسانية حائزة على جميع القوى التي يحوزها الحيوان والنبات، وتلك هي القوى التي تفعل النفس بها أفعالها بواسطة الأعضاء أو الآلات الجسمانية كما يسميها الفارابي، وتزيد النفس الإنسانية على ما في نفوس الحيوانات والنباتات بأن تكون فيها قوة يتمكن الإنسان من خلالها (أن يفعل لا بآلة جسمانية وتلك (قوة العقل)، وإن قوى نوع الإنسان، التي يسميها الفارابي (العقل العملي)، يستفيد منها الإنسان كوسيلة لاستنباط ما ينبغي عليه أن يفعله من الأعمال الإنسانية.(2) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344504#_ftn2)
أ.1. النفس البشرية.
-أصلها- طبيعتها – مصيرها: اتبع الفارابي أرسطو في تحديد النَّفس، فقال أنها (استكمال أول لجسم طبيعي آلي ذي حياة بالقوة)، فمن طبيعة النفس ينتج أنها تبقى بعد فناء البدن، قال الفارابي: ( ولا يجوز وجود النفس قبل البدن كما يقول أفلاطون، ولا يجوز انتقال النفس من جسد إلى جسد كما يقول التناسخيون، وللنفس بعد البدن سعادات و شقاوات، وهذه الأحوال متفاوتة للنفوس وهي أمور لها مستحقة) والنفس تفيض على العقل الفعال، واهب الصور لأنها صورة الجسد ...
... ويقول في: الدعاوي القلبية(وإن النفس الناطقة لها هذه القوة (الإدراك) جوهر واحد هو الإنسان عند التحقيق وله فروع وقوة منبثة منها في الأعضاء وإنه حادثة عن واهب الصور عند حدوث الشيء المستعد لقبوله فيه وهو البدن أو ما في قوته أن يصير بدناً ... وإنَّ النفس لا يجوز أن تكون موجودة قبل وجود البدن، إنَّها لا يجوز أن تتكور في أبدان مختلفة، وإنه لا يجوز أن يكون لبدن واحد نفسان، وإنها مفارقة باقية بعد الموت، فليس فيها قوة قبول الفساد ...).(3) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344504#_ftn1)
وقد اختلف بعض المؤرخون حول رؤية الفارابي في مصير النفس الموت، ففريق أثبت اعتقاده بخلودها، وفريق آخر نفى ذلك.
والحقيقة هي أنَّ الفارابي لم يتخذ في هذا الموضوع الخطير رأياً صريحاً، لأنه لم يتحرر تماماً من مذهب أرسطو في طبيعة النفس وخلودها ولم يستطيع أن يخالف تعاليم الإسلام ... فهو في كلامه في أهل المدينة الفاضلة، بعد أن يؤكد ضرورة المواظبة على أفعال الخير يقول(كلما زيدت منها وتكرّرت وواظب الإنسان عليها صيرت النفس التي شأنها أن تسعد أقوى وأفضل وأكمل إلى أن تصير من حدّ الكمال، إلى أن تستغني عن المادة فتحصل متبرئة منها فلا تتلف بتلف المادة).( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344504#_ftn2)4)
أ.2. قوى النفس.
يقول الفارابي(فإذا حدث الإنسان فأول ما يحدث فيه القوة التي بها يتغدى، وهي القوة الغادية، ثم بعد ذلك القوة التي بها يحس الملموس، مثل الحرارة، والبرودة، وسائدها التي بها يحس الطعوم، والتي بها يحس الروائح، والتي بها يحس الأصوات، والتي بها يحس الألوان والمبصرات كلها مثل الشعاعات، ويحدث مع الحواس بها نزوع إلى ما يحسه فيشتاقه أو يكرهه ثم يحدث فيه بعد ذلك قوى أخرى يفظ بها مرتسم في نفسه من المحسوسات بعد عيبتها عن مشاهدة الحواس لها، وهذه هي القوة المتخيلة، فهذه تركب المحسوسات بعضها إلى بعض، وتفصل بعضها عن بعض، تركيبات وتفصيلات مختلفة بعضها كاذبة وبعضها صادقة، ويقترب بها نزوع نحو ما يتخيله، ثم من بعد ذلك يحدث فيه القوة الناطقة التي بها يمكن يعقل المعقولات، وبها يميز بين الجميل والقبيح، وبها يحوز الصناعات والعلوم، ويقترن بها أيضاً نزوع نحو ما يعقله ...).( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344504#_ftn1)5)
وقد بين الفارابي كيف تصير هذه القوى والأجزاء نفساً واحدة، وقد أكد أن جميع قوى النفس مرتبة بحيث تكون الواحدة منها صورة لما دونها ومادة لما فوقها.
يقول(فالغاذية الرئيسية شبه المادة للقوة الحاسة الرئيسية، والحاسة صورة في الغاذية، والحاسة الرئيسية شبه مادة للمتخيلة، والمتخيلة صورة في الحاسة الرئيسية والمتخيلة الرئيسية للمادة للناطقة الرئيسية، والناطقة صورة في المتخيلة.
وليست مادة القوى أخرى، فهي صورة لكل صورة تقدمتها، وأما النزوعية فإنها تابعة للحاسة الرئيسية والمتخيلة والناطقة، على جهة ما توجد الحرارة في النار تابعة لما تتجوهر به النار ..).( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344504#_ftn2)6)
وهكذا ومن خلال ما تم عرضه تصبح جميع قوى النفس مظاهر مختلفة متسلسلة ومترابطة لحقيقة جوهرية واحدة.
أ – 3- النفس والجسد.
وإذا كان الفارابي يقرر أن الجوهر البسيط الذي هو النفس لابد لقواه من أن تخمدها أعضاء البدن، فلأن النفس إنما هي في البدن طالما كان الإنسان حياً فهذا الجوهر له (قوى تنبت منه في الأعضاء، وظهوره من واهب الصور يكون عند ظهور الشيء الصالح لقبوله وهو البدن، فحينئذٍ يستحق الظهور)، وهكذا فإن النفس حادثة بحدوث البدن فلا يجوز أن تكون موجودة قبل البدن، لأنها صورته.( (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn1)7)
وهذه القوى غير منفصلة عن الجسد، فهنالك علاقة وثيقة تربط النفس بالجسد فلولا القلب، لما حصلت التغذية ولما كان نزوع إلى الشيء، ولولا الحواس لما حصلت الإحسسات، حتى إن النفس ذاتها، لو لم يحصل الجسد متهيئاً لقبولها لما وجدت، والجسد في نظر الفارابي، أشبه بمدينة ذات نظام يقوم على كل قسم منه رئيس خاضع للرئيس الأعلى الذي هو القلب.( (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn2)8)
وهكذا يميل الفارابي في هذا الباب، مثل كافة الأبواب، ميلاً سياسياً، ولا يمكن فهم فلسفته ما لم ينظر إليها من الناحية السياسية.
ب.علاقة العقل بالفيض.
إن قضية العقل عند الفارابي قضية مهمة حاول معالجتها، فهي تعتبر حجر الزاوية في فلسفته الفيضية، ولئن كان أول من بحث هذه القضية هو أرسطو فإنها ظلت عنده غامضة، وقد عالجها من بعده الكثير من الفلاسفة، لكن واحداً منهم لم يستطيع توضيحها فالفارابي هو أول من جعل منها مذهبا واضح المعالم بعيد الأثر في العالمين العربي والغربي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344504#_ftnref1) حنا الفاخوري، خليل الجُّو، تاريخ الفكر الفسلفي عند العرب، ص495.
(2) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344504#_ftnref2) منذر الكوثر، مرجع سبق ذكره، ص224، 225.
(3) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344504#_ftnref1) حنا خوري، خليل الجُّر، مرجع سبق ذكره، ص.496.
( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344504#_ftnref2)4) حنا الفاخوري، خليل الجُّر، المرجع نفسه، ص496.
( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344504#_ftnref1)5) الفارابي، مصدر سبق ذكره، ص61، 62.
( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344504#_ftnref2)6) الفارابي، المصدر نفسه، ص 65.
( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344504#_ftnref1)7) منذر الكوثر، مرجع سبق ذكره، ص235.
( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344504#_ftnref2)8) حنا الفاخوري، خليل الجُّر، مرجع سبق ذكره، ص500، 501

فارس الجزائري
2009-07-24, 16:41
والفارابي قبل أن يتحدث عن مراتب العقل النظري، يمهد للحديث بالمعاني الشائعة التي وجد أنها تدل على العقل:
1. العقل، من وجهة نظر الأمة أو الجمهور: ويقصدون به القوة الذهنية التي يتميز بها الشخص الفاضل جيد الروية، بعيد النظر في اختيار المبادئ التي تنتج الخير.
2. العقل الذي يجري استعماله على ألسنة المتكلمين: ويعنون به في ـ المشهور عندهم ـ القوة التي تميز الخير من الشر، والحق من الباطل.
3. العقل الذي ذكره أرسطو في كتاب (البرهان): ومراد به، القوة التي يستخدمها الإنسان للحصول على اليقين بواسطة المقدمات أو القضايا المرتبة ترتيباً خاصاً ـ شأن ارتباط المسببات بأسبابها الطبيعية.
4. العقل الذي ذكره أرسطو في كتاب (النفس) وجعله على أربعة أنحاء: عقل بالقوة، وعقل بالفعل، وعقل مستفاد، وعقل فعال.(1) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344510#_ftn1)
من خلال هذا التمهيد يركز الفارابي على القسمة الرباعية، ويسير في تحليلها تبعاً لتسلسل تطور العقول، لا كتساب المعرفة وتلقي الفيض، والتفضيل بينها من حيث المفارقة، وبين أن الأقسام الثلاثة من جنس واحد، أما الرابع فهو المفارق، أي ترتيب متصاعد على عكس ترتيب الكندي النازل.
1. العقل الهيولاني.
ويسميه أيضاً عقلاً بالقوة، ويحدده بقوله: (هو نفس ما، أو جزء من نفس، أو قوة من قوى النفس، أو شيء ما ذاته معدة أو مستعدة لأن تنتزع ماهيات الأشياء كلها وصورها دون موادها فتجعلها كلها صورة لها)، ويقول في موضع آخر: (وأما العقل الإنساني الذي يحصل له بالطبع في أول أمره فإنه هيئة ما في مادة معدة لأن تقبل رسوم المعقولات فهي بالقوة عقل وعقل هيولاني) وهكذا نرى الفارابي لا يثبت على رأي في تحديد طبيعة هذا العقل، فهو تارة نفس، وتارة جزء من نفسن وتارة قوة، وتارة هيئة، وتارة جوهر بسيط ليس بجسم) ولم يصرح أرسطو برأيه في هذا العقل فترك الباب مفتوحاً للتأويل.(2) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344510#_ftn1)
2. العقل بالفعل، أو العقل بالملكة.
وهو فوق العقل الهيولاني، لأنه العقل الهيولاني لا مجرداً، بل بعد أن حصلت صور الموجودات بالفعل وتجاوزات مرحلة وجودها فيه بالقوة ـ أو بعبارة الفارابي (فإذا حصلت فيه المعقولات التي انتزعها من المواد، صارت تلك المعقولات، إذن، وجودان وجود بالقوة في الأشياء، قبل أن تعقل، ووجود آخر في العقل، فإذا عقل العقل هذه المعقولات المجردة عن موادها والتي حصلت له، لم يعقل شيئاً خارجاً عن ذاته، وانتقل بها من مرتبة العقل بالفعل إلى مرتبة العقل المستفاد.( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344510#_ftn2)3)
3. العقل المستفاد.
وهو العقل بالفعل الذي عقل المعقولات المجردة وصار قادراً على إدراك الصور المفارقة، والفرق بين المعقولات المجردة والصور المفارقة، أنَّ الأولى كانت في مواد فانتزعت منها، أما الثانية فهي دائماً مفارقة (وليست في مواد ولم تكن فيها أصلاً) كالمعقولات السماوية مثلاً، ولا يبلغ العقل بالفعل درجة العقل المستفاد إلا (بعد أن تحصل المعقولات كلها معقولة بالفعل أو جلها) وحينئذٍ (لا يكون بينه وبين العقل الفعال شيء آخر).( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344510#_ftn3)4)
هذا التدرج في ترتيب العقول من أدنى إلى أعلى من وجهة نظر الفارابي، يناظر عنده تدرج الموجودات، هي المادة إلى العقول المفارقة، وله فيه تصوير بديع: العقل المستفاد الواقع في أعلى المراتب بين العقول الإنسانية، هو صورة لكل هذه العقول، وهو في نفس الوقت، مادة للعقل المستفاد، وصورة تفيض من العقل الفعال، والعقل الذي بالفعل، مادة للعقل المستفاد، وصورة للعقل الهيولاني.( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344510#_ftn1)5)
والعقلان: الأول الثاني لا يدركان المعقولات مجردة عن موادها فيظلان بحاجة إلى مادة، فإذا ما فنيت هذه المادة فنيا معها، أما العقل المستفاد، فإنه قد بلغ مرتبة يستطيع معها أن يتلقى المعقولات مباشرة من العقل الفعال ويصبح بغنى عن المادة، فلا يفنى بفنائها، ومن ثمَّ نرى أن النفس ليست خالدة في رأي الفارابي إلا إذا بلغت مرتبة العقل المستفاد، وأصبحت بغنى عن المادة، قادرة على الاتصال بالعقل الفعال، فتصبح حينئذٍ إلهية بعد أن كانت مادية.( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344510#_ftn2)6)
4. العقل الفعال.
ويسميه الفارابي الروح الأمين، وروح القدس، وهو آخر العقول السماوية المفارقة: (ولم يكن في مادة ولا يكون أصلاً) وهو دائماً بالفعل، وقد أخذ الفارابي نظرية العقل الفعال عن أرسطو الذي لجأ إلى تلك النظرية ليعلل عملية الانتقال من القوة إلى الفعل لأن ما هو بالقوة لا يستطيع الانتقال إلى الفعل من تلقاء ذاته بل تحت تأثير كائن آخر هو دائما بالفعل، فالعقل الفعال عند أرسطو بالنسبة إلى المعقولات بالقوة التي يجعلها معقولات بالفعل وإلى العقل بالقوة الذي يجعله عقلاً بالفعل، كالشمس بالنسبة إلى المرئيات بالقوة التي تجعلها مرئيات بالفعل، وإلى البصر بالقوة الذي تجعله بصراً بالفعل.( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344510#_ftn3)7)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344510#_ftnref1) محمد عبد الرحيم الزيني، مرجع سبق ذكره، ص 96، 97.
(2) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344510#_ftnref1) حنا الفاخورين خليل الجّثو، مرجع سبق ذكره، ص 501، 502.
( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344510#_ftnref2)3) حنا الفاخوري، خليل الجُّر، المرجع نفسه، ص502.
( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344510#_ftnref3)4) محمد عبد الرحيم الزيني، مرجع سبق ذكره، ص99.
( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344510#_ftnref1)5) حنا الفاخوري، خليل الجُّر، مرجع سبق ذكره، ص503.
( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344510#_ftnref2)6) حنا الفاخوري، خليل الجُّر، المرجع نفسه، ص503.
( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344510#_ftnref3)7) حنا الفاخوري، خليل الجُّر، المرجع نفسه، ص503، 504.

فارس الجزائري
2009-07-24, 16:42
يقول الفارابي(وتصير المعقولات التي بالقوة معقولات بالفعل إذا معقولات للعقل بالفعل وهي تحتاج إلى شيء آخر ينقلها من القوة إلى أن يصيرها بالفعل، والفاعل الذي ينقلها من القوة إلى الفعل هو ذات ما، جوهره عقل ما بالفعل، ومفارق للمادة ...).( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344515#_ftn1)1)
ونسبته إلى العقل بالقوة، كما قيل من قبل هي كنبسة الشمس إلى العين.
يقول(وليس في جوهر القوة الباصرة التي في العين كفاية في أن يصير بصراً بالفعل، ولا في جوهر الألوان كفاية في أن تصير مرئية مبصرة بالفعل، فإن الشمس تعطي البصر ضوءًا يضاء به، وتعطي الألوان ضوءًا تضاء بها: فيصير البصر، بالضوء الذي استفاده من الشمس، مبصراً بالفعل وبصيراً بالفعل ... وكما أن البصر بالضوء نفسه يبصر الضوء الذي هو بسبب إبصاره، ويبصر الشمس التي هي سبب الضوء به بعينه ويبصر الأشياء التي هي بالقوة مبصرة فتصير مبصرة بالفعل ...
... بعقل ذلك الشيء نفسه، وبه يعقل العقل الهيولاني العقل بالفعل الذي هو يسبب ارتسام ذلك الشيء ... وفعل هذا العقل المفارق في العقل الهيولاني شبيه فعل الشمس في البصر، فلذلك سمي العقل الفعّال ...).( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344515#_ftn2)2)
وما يصدق على العقل الفعّال يصدق أيضاً على سلسلة العقول المحّركة للأفلاك وعلى رأسها العقل الأوّل الذي يحرك فلك السماء الأول، وهذا العقل لا يخلوا من تركيب ما دام مبدأ للعقل الثاني المفارق للمادة، من جهة، وللفلك المقابل له، من جهة ثانية، فكان يستمد وجوده من مبدأ لا يدخل عليه التركيب قطّ، (وهو واحد من كل الجهات اضطراراً وليس يمكن أن يكون موجوداً أكمل منه ولا أن يكون له مبدأ)، بل هو مبدأ المبادئ وأصل لجميع الموجودات.( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344515#_ftn3)3)

3.علاقة كل من السعادة والنبوة بالفيض.
أ.علاقة السعادة بالفيض.
يقول الفارابي(والسعادة هي الخير المطلوب لذاته، وليست تُطلب أصلاً ولا في وقت من الأوقات ليُنال بها شيء آخر، وليس وراءها شيء آخر يمكن أن يناله الإنسان أعظم منها. والأفعال الإرادية التي تنفع في لوغ السعادة هي الأفعال الجميلة ...).(4) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344515#_ftn1)
إذا فمجموع هذه الفضائل تؤدي إلى السعادة، ذلك أن الفضائل هي خيرات.
يقول أيضا) :والهيئات والملكيات التي تصدر عنها هذه الأفعال هي الفضائل، وهذه خيرات هي لا لأجل ذواتها بل إنما هي خيرات لأجل السعادة، والأفعال التي تعوق عن السعادة هي الشرور، وهي الأفعال القبيحة، والهيئات والملكات التي عنها تكون هذه الأفعال هي النقائص والرذائل والخسائس).(5) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344515#_ftn2)
فالفضائل هي وسائل للوصول إلى السعادة التي هي الغاية القصوى للأخلاق الفضائل ليست خيرات بذواتها وإنما هي خيرات لأنها توصل إلى السعادة، وفي هذه النقطة يتابع الفارابي أرسطو بعده الفضيلة وسيلة لبلوغ السعادة ولا غاية في ذاتها.(6) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344515#_ftn3)
يرى الفارابي من هذا المنطلق أن غاية الإنسان القصوى هو بلوغ السعادة التي يشتاقها ويسعى إلى الحصول عليها وكل ما يسعى إليه الانسان في نظر الفارابي هو خير وغاية الكمال، والسعادة هي أسمى الخيرات. وكلما بلغ الإنسان هذا الخير لذاته تكون سعادته كاملة.
وفي سبيل الوصول إلى السعادة تكون صناعة المنطق هي أول ما ينبغي سلوكه فنحن ننال السعادة إذا اقتنينا الأشياء الجميلة من أفعال وفضائل وهذه تكون لنا بالفلسفة حيث ننال السعادة بالفلسفة التي ننالها بجودة التمييز، التي تكون بحسب قوة الذهن على إدراك الصواب وتميزه عن الخطأ (وقوة الذهن إنما تحصل متى كانت لنا قوة بها نقف
على الحق أنه حق بتيقن فنعتقده، وبها نقف على ما هو باطل أنه باطل بتيقن فنجتنبه ... والصناعة التي نستفيد هذه القوة تسمى صناعة المنطق).(7) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344515#_ftn1)
إذا فالسعادة هي الغاية من الفضائل، والحكمة مرتبطة بدورها بالأفعال الجميلة فالحكمة تقوم على صناعة المنطق، والعقل في هذه الحال له دور أساسي في الوصول إلى السعادة والحصول عليها، فإدراك المعقولات الأولى، أمر جوهري في استكمال الإنسان غايته والحصول على السعادة، أي أن استكمال الأخير هو السعادة.
وتصير القوة الناطقة، بتأثير العقل الفعال، عقلاً بالفعل، وهذا العقل بالفعل يكون شبيهاً بالمفارقات بأن يعقل ذاته فيكون العاقل والمعقول فيه واحداً (فهذا يصير في رتبة العقل، وهذه الرتبة إذا بلغها الإنسان كملت سعادته) وهنا تتحقق، عند الفارابي فكرة سقراط وأفلاطون التي مؤداها أن الفضيلة هي المعرفة، ولكن المعرفة عند الفارابي لا تكون غاية في ذاتها وإنما تكون وسيلة لسمو الإنسان إلى مرتبة العقل الفعال والمفارقات وتلك هي الفضيلة الحقة والكمال المؤدي إلى السعادة الحقيقية، يحكم الاقتراب من واجب الوجود بذاته بالارتقاء من عالم ما تحت فلك القمر والابتعاد عن الماديات وصولاً إلى مرتبة أقرب من واجب الوجود بذاته، وهي مرتبة العقل الفعال، عاشر العقول المفارقة فالفضيلة، ومن ثم السعادة، وإنما تكون بالاقتراب من واجب الوجود بذاته، مصدر الفيض.( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344515#_ftn2)8)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344515#_ftnref1)1) الفاربي، مصدر سبق ذكره، ص76.
( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344515#_ftnref2)2) الفاربي، المصدر نفسه، ص76، 77.
( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344515#_ftnref3)3) ماجد فخري، مختصر تاريخ الفلسفة العربية، دار الشورى، بيروت، ط1، 1981م، ص56، 57
(4) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344515#_ftnref1) الفارابي، مصدر سبق ذكره، ص79.80.
(5) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344515#_ftnref2) الفارابي، المصدر نفسه، ص79.80.
(6) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344515#_ftnref3) منذر الكوثر، مرجع سبق ذكره، ص263.
(7) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344515#_ftnref1) منذر الكوثر، مرجع سبق ذكره، ص263، 264.
( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344515#_ftnref2)8) منذر الكوثر، المرجع نفسه، ص264، 265..

فارس الجزائري
2009-07-24, 16:43
ب.علاقة النبوة بالفيض.
يعتبر الفارابي أول فيلسوف من الفلاسفة المسلمين، الذي حاول أن يقدم تفسيراً فلسفياً لنظرية النبوة، وقد حاول أيضاً التوفيق كلما أمكن بين العقل والنقل، أو بين الفلسفة والدين، وتفسيره يعتمد أساسا على ركائز من علم النفس، وفي ما وراء الطبيعة أيضاً وترتبط ارتباطاً وثيقاً بالسياسة والأخلاق.
نظريته في النبوة: يعتقد الفارابي، أن الإنسان الكامل، هو الذي يستطيع أن يصل إلى رتبة الرئيس الأول، الذي لا يرأسه أحد، وأن الإمام رئيس المدينة الفاضلة ورئيس الأمة هو لذلك النبي المتوج فوق كل هذا، والذي يرأس المعمورة كلها، بعد أن تتوافر فيه كثير من الخصال، ولكي يصل الإنسان إلى هذه الرتبة، عليه أن يتم الاتصال بينه وبين العقل الفعال وذلك بع
أن يتدرج من مرحلة العقل المنفعل إلى العقل المستفاد، فإذا وصل الإنسان إلى هذه المرحلة، حصل في قوته الناطقة النظرية، التي من شأنها أن تعقل المعقولات، وتستوعب المعلومات، والعملية، التي من شأنها أن تعقل الجزئيات الحاضرة والمستقبلية، ثم قوته المتخيلة.( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344522#_ftn1)1)
فالله يفيض على العقل الفعال وهذا يفيض على العقل المنفعل بتوسط العقل المستفاد ويفيض إلى القوة المتخيلة فيه، (فيكون بما يفيض منه إلى عقله المنفعل حكيماً فيلسوفاً ومتعقلاً على التمام، ومما يفيض منه إلى قوته المتخيلة نبياً منذراً بما سيكون ومخبراً بما هو الآن (من) الجزئيات).
فالفيض هنا إنما هو فيض معارف، ونظام المدينة الفاضلة لا يشبه نظام الوجود ولا يناظره وحسب، وإنما هو مرتبط به ارتباطاً وثيقاً ومباشراً من ناحية ارتباط رئيس هذه المدينة بالعقول المفارقة، ومن ثم واجب الوجود بذاته، فرئيس المدينة الفاضلة هو أسمى من فيها، حيث يكون (إنساناً لا يكون يرأسه إنسان أصلاً، وإنما يكون ذلك الإنسان إنسانً قد استكمل، فصار عقلاً ومعقولاً بالفعل)، فيكون العقل الفعال وإنسان الفيلسوف، رئيس
المدينة الفاضلة، هما حلقتي الاتصال بين السلسلتين أو النظامين، نظام الموجودات المفارقة والنظام الاجتماعي المتمثلة بالمدينة الفاضلة، فيدخل نظام المدينة عن طريق قمته (رئيس المدينة) ضمن سلطة الموجودات المفارقة، فيتوحد النظامين عند الفارابي إذ يرتبطان بمنبع واحد هو واجب الوجود بذاته.(2) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344522#_ftn1)
واستخلاصا لفلسفة الفارابي في هذه الحال وبالنسبة لهذه المسألة نجده، فضلاً عن أهمية وضرورة أن يكون رئيس المدينة الفاضلة على تواصل بالعقل الفعال مما يؤدي ذلك إلى كون الرئيس حكيماً فيلسوفاً متعقلاً وموحى إليه، فضلاً عن ذلك، ينبغي أن تتوفر فيه اثنتا عشر خصلة.
يقول الفارابي: (فهذا هو الرئيس الذي لا يرأسه إنسان آخر أصلاً، وهو الإمام، وهو الرئيس الأول للمدينة الفاضلة، وهو رئيس الأمة الفاضة، ورئيس المعمورة من الأرض كلها، ولا يمكن أن تصير هذه الحال إلا لمن اجتمعت فيه بالطبع اثنتا عشر خصلة قد فُطر عليها.
- أحدها أن يكون تام الأعضاء، قواها مؤاتية أعضاءها على الأعمال التي شأنها أن تكون بها، ومتى هم بعضو ما من أعضائه عملاً يكون به فأتي عليه بسهولة.
- ثم أن يكون بالطبع جيد الفهم والتصور لكل ما يقال له، فيلقاه بفهمه على ما يقصده القائل، وعلى حسب الأمر في نفسه.
- ثم أن يكون جيّد الحفظ لما يفهمه ولما يراه ولما يسمعه ولما يدركه، وفي الجملة لا يكاد ينساه.
- ثم أن يكون جيد الفطنة، ذكياً، إذا رأى الشيء بأدنى دليل فطن له على الجهة التي دلّ عليها الدليل.
- ثم أن يكون حسن العبارة، يؤاتيه لسانه على إبانة كل ما يضمره إبانة تامة.
- ثم أن يكون محباً للتعليم والاستفادة، منقاداً له، سهل القبول، لا يؤلمه تَعَبُ التعليم ولا يؤذيه الكدّ الذي ينال منه.
- ثم أن يكون غير شره على المأكول والمشروب والمنكوح، متجنباًَ بالطبع للعب مبغضاً للّذات الكائنة عن هذه.
- ثم أن يكون محباً للصدق وأهله، مبغضاً للكذب وأهله.
- ثم أن يكون كبير النفس، محباً للكرامة: نكبر نفسه بالطبع عن كل ما يشين من الأمور، وتسمو نفسه بالطبع إلى الأرفع منها.
- ثم أن يكون الدرهم والدينار وسائر أعراض الدنيا هيّنة عنده.
- ثم أن يكون بالطبع محباً للعدل وأهله، ومبغضاً للجور والظلم وأهلهما، يعطي النصف من أهله ومن غيره ويحثّ عليه، ويؤتى من حل به الجور مؤاتياً لكل ما يراه حسناً وجميلاً، ثم أن يكون عدلاً غير صعب القياد، ولا جموحاً ولا لجوجاً إذا دُعي إلى العدل، بل صعب القياد إذا دعي إلى الجور وإلى القبيح.
- ثم أن يكون قوي العزيمة على الشيء الذي يرى ينبغي أن يُفعل، جسوراً عليه مقْداماً غير خائف، ولا ضعيف النفس ...).(3) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344522#_ftn1)
إن صفات رئيس المدينة الفاضلة، التي يقررها الفارابي، هي التي تؤدي إلى أن تسير المدينة سيرة فاضلة، فأغلبها صفات تقربه من واجب الوجود بذاته، أو هي، أيضاً، صفات تشبه صفات واجب الوجود بذاته، مما يؤكد كون الرئيس واجباً وجوده في مدينته الفاضلة وهذا ما يجعل هذه المدينة تشبه في تكوينها وحركتها نظام تكوين الوجود وحركته.(4) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344522#_ftn2)
إذا دققنا النظر في مذهب الفارابي، لا نجد في المعنى الحقيقي للفيلسوف أي اختلاف بينه وبين رئيس المدينة الفاضلة، وطالما أنه ليس بين المعنيين اختلاف فهما واحد، أي أن الفيلسوف هو الرئيس والرئيس هو الفيلسوف، وهو المشرع وهو الإمام أيضاً.
وتأسيساً على ذلك فإنه بحكم وحدة النظام الذي تسير المدينة الفاضلة على وفقه، يبقى المجتمع الذي يكّون هذه المدينة واحداً متوافقاً بأجزائه، باختلاف الأزمنة، وتبقى المدينة مشابهة لنفسها مهما مر الزمن وتوالى الأشخاص (رؤساء وخدم)، إذ ليس هناك أنواع
تنقسم عليها المدن الفاضلة وتختلف باختلافها، فجميعها متشابهة وصفاتها واحدة ومحدودة وأهم هذه الصفات كونها تسير على وفق نظام واجب الوجود، وهذه الصفة هي التي تحدد جميع الصفات الأخرى، وتجعل من المدينة فاضلة، ونفوس الحكام، الذين يتوالون عليها في الأزمنة كنفس واحدة.(5) (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn1)
هذه هي نظرية النبوة عند الفارابي التي بناها على أساس نفسي، والتي حاول من خلالها تحليل طبيعة الاتصال بين الإنسان والعقل الفعال.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344522#_ftnref1)1) محمد عبد الرحيم الزيني، مرجع سبق ذكره، ص279.
(2) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344522#_ftnref1) منذر الكوثر، مرجع سبق ذكره، ص278، 279.
(3) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344522#_ftnref1) الفارابي، مصدر سبق ذكره، ص103، 104، 105.
(4) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344522#_ftnref2) منذر الكوثر، مرجع سبق ذكره، ص 280.
(5) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1344522#_ftnref1) منذر الكوثر، المرجع نفسه، ص 282.

فارس الجزائري
2009-07-24, 16:44
الفصل الثالث: دراسة تقييميه لنظرية الفيض.
المبحث الأول: الفلاسفة المسلمون المؤيدون لنظرية الفيض.
1. السهروردي.(1) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&postid=1344533#_ftn1)
هو ممن تبنى نظرية الفيض ومن البين وجود صلة وثيقة، بين إشراقياته، ورأى فلاسفة الإسلام إلا أنه استعاض عن العقول المفارقة عند الفلاسفة، بالأنوار اللانهائية: أي أنه استعار، النظرية ككل، وملأها بمضامين جديدة، كلها أنوار، واستبدل بثنائية الصورة والمادة، ثنائية الظلمة والنور.(2) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&postid=1344533#_ftn2)
أقام السهروردي نظرية الفيض الصدور، أو ما يسمى عنده كيفية إبداع الواحد من جميع الوجوه على مبدأين أساسين نجدهما عند المشائين وهما:
1. أن الواجب لم يصدر عنه شيء بعد أن لم يكن.
2. الواحد لا يصدر عنه إلا واحد.
أما المبدأ الأول فهو متعلق بالإرادة الإلهية التي وجه بسببها نقده اللاذع لأبي البركات البغدادي، فواجب الوجود لا ننسخ له إرادة، فإن كل ما يتجدد أو ما من أجله تجدد يستدعي وجود مرجح حادث، وليس قبل جميع الوجود وقت يتوقف عليه الفعل، ولا يمتاز في العدم البحت حال يكون الأولى به أن يصدر عنه شيء أو بالشيء أن يحصل عنه، فلو حصل منه شيء يعد أن لم يكن لتغير ذاته، ولتسلسل الحوادث فيها إلى غير نهاية وهو محال، فينتج من ذلك إذن، أفعال واجب الوجود دائم، لا تجدد فيه كما يقول أبو البركات.
وليس كما يقول المتكلمون أيضا أنه لم يفعل مم فعل، لأن ذلك يقتضي على الكلام إليه ولا يقف ...
... أما المبدأ الآخر فهو أيضاً متعلق بالذات الإلهية حتى لا تكون محلا للتغيير ومعناه أنه إن صدر عن واجب الوجود شيئان، مثلا جـ، ب فاقتضاء الجيمية ليس نفس اقتضاء البائية فيكون هي هي، فلابد من جهتين في ذاته للإقتضائين المختلفين، فلا بد لفاعل شيئين من حيثيتين في ذاته فيتركب، وذلك لأن مبدأ الاثنين بدون واسطة منقسم وينتج من ذلك أن واجب الوجود لا يصدر عنه إلا واحد، وذلك لأن الواحد أو المبدأ الأول عند المشائين بسيط غير مركب، وتعليل هذا المبدأ أو صحته هو جانب مشائي، أما الجانب الإشراقي فيتضح في كتابه (حكمة الإشراق) في المقالة الثانية عن ترتيب الوجود حيث يؤكد فيه أن الواحد الحقيقي، وهو الواحد من جميع الوجوه لا يصدر عنه من حيث هو كذلك أكثر من معلول واحد.
والمعنى الاشراقي لذلك هو أنه لا يجوز أن يصدر عنه نور، وغير نور جوهرا كان أو عرضاً، إذ لو جاز ذلك، فيكون اقتضاء النور غير اقتضاء الظلمة لأن النور لما كان غير الظلمة فيكون اقتضاء هذا غير اقتضاء ذلك وكذا جهة هذا الاقتضاء غير جهة ذلك، وإلا فلابد من جهتين في ذاته للإقتضائين المختلفين وهو محال ولا يستحيل فقط صدور النور والظلمة، بل يمتنع صدور نورين من نور الأنوار الامتناع نفس السبب السابق.(3) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&postid=1344533#_ftn1)
هذان هما المبدأين الذين أقر بهما السهروردي في كيفية الصدور، فبرأيه أول ما صدر من نور الأنوار فهو نور مجرد واحد لأنه لا تصدر الظلمة منه كي لا تنقضي عملية الصدور والفيض.
إن المرتكز الإشراقي الذي يعني به كتاب (حكمة الإشراق) عناية خاصة، هو طبيعة النور وكيفية انتشاره، فالنور يوصف ههنا بأنه غير مادي، وغير قابل للتعريف في وقت واحد، فإذا كان المقصود بما هو (ظاهر) أنه مستغن عن التعريف فيبين أن النور، باعتبار أنه أظهر ذات في الوجود، إنما هو غني عن التعريف، وهو باعتبار أنه الحقيقية التي تتخلل جميع الأشياء، داخل في تركيب جميع الذوات كعنصر أصيل في تركيبها، مادية كانت أولا مادية، فكل شيء غير النور الخالص) يتألف أما مما لا يفتقد إلى حامل، وهو
الجوهر المظلم، أو من صورة ذلك الجوهر، وهي أيضاً الظلام بذاته، والأجسام باعتبار أنها قابلة لتلقي النور أو الظلام يجوز أن تسمى برازخ وكل برزخ باعتبار ذاته ظلام وعليه فكل ما فيه من نور، إنما هو وارد عليه من مصدر خارجي.(4 (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn1))
فواجب الوجود أو الله إذن، هو نور الأنوار، والأنوار الظاهرة، هي عقول الأفلاك والأنوار المجردة، هي النفوس المدبرة، والجوهر المظلم هو الجسم، فالموجودات عند السهروردي، مرتبة ترتيباً تنازلياً، من الروح إلى الطبيعة، من النور إلى الظلمة، تمامً كما قرر فلاسفة الإسلام، في تدرج مراتب الموجودات، من حيث قربها أو بعدها عن واجب الوجود. فالنور الأول لا يوجد أشرف منه، وهو منتهي الممكنات والنور الأقوى يسيطر على النور الأضعف ولا يمكنه من الاستقلال بالإنارة، لأن الأخير يعتمد على الأول ويعمم السهروردي هذه القاعدة، على كل الموجودات في العالم، ويقسمها تقسيماً ثنائياً قائماً على أساس الكمال والنقص: فالجواهر تنقسم إلى الأجسام وغير الأجسام، وأحد الطرفين أخص من الآخر، والجوهر المفارق للمادة ينقسم أيضاً إلى قسمين: قسم عال قاهر، قسم نازل في المرتبة .. فالنور أشرف من الظلام، وأشرف الأجسام أنوارها.( (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn2)5)
ومن خلال ما سبق ذكره يتضح أن السهروردي أقام مسألة الأنوار وصلتها بسائر الموجودات على أساس العشق: فنور الأنوار بالنسبة للكائنات الأخرى، علة غائية فهي تتجه إليه لتأخذ منه النور والبركات حركة وإشراقاً، فحركة وإشراقاً وباستمرار وهكذا يدوم حدوث الحوادث في العالم السفلي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&postid=1344533#_ftnref1) السهروردي: (Sohrawardi) – (1155 -1191) فيلسوف وشيخ من مشايخ التصوف، ولد بسهرورد بإيران، ومات مشنوقاً في حلب بتهمة الكفر، بأمر من صلاح الدين الأيوبي ويدعوه تلامذته (بالشيخ الشهيد)، وتسمى فلسفته بالفلسفة الاشراقية Philsophy Iliumination، ويشرحها في كتابه الرئيس حكمة الإشراق، من آثاره: (حكمة الإشراق، هياكل النور، التلويحات، كتاب المشارع والمطارحات)، نقلا عن كميل الحاج، الموسوعة الميسرة في الفكر الفلسفي والاجتماعي، ص297.
(2) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&postid=1344533#_ftnref2) محمد عبد الرحيم الزيني، مرجع سبق ذكره، ص244.
(3) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&postid=1344533#_ftnref1) محمد جلال شرف، الله والعالم والإنسان في الفكر الإسلامي، مرجع سبق ذكره، ص ص، 106،107،108.
(4) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&postid=1344533#_ftnref1) كمال اليازجي، تاريخ الفلسفة الإسلامية، الدار المتحدة للنشر، بيروت، 1974م، ص406.
( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&postid=1344533#_ftnref2)5) محمد عبد الرحيم الديني، مرجع سبق ذكره، ص ص246، 247.

فارس الجزائري
2009-07-24, 16:46
2. مسكويه.( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&postid=1344542#_ftn1)1)
ارتضى النظرية في مجملها، رغم بعض الاختلافات، خاصة في مراتب الفيض فمسكويه، يقسم الوجود، إلى قسمين:
العالم السفلي أو (عالم الكون والفساد) وهو عالمنا الذي نعيش فيه، والعالم العلوي أو (عالم السماء والأفلاك والكواكب) وليس فيه كون ولا فساد وعنده أن الوجود في كل الأشياء عدا الله بالعرض، وفي المبدع الأول، بالذات: فواجب الوجود أزلي، دائم الوجود فاضت الموجودات عنه، لا عن غيره، على سائر الأشياء التي دونه وهكذا كان صور الموجودات عن الله ...
... وعند مسكويه أن أول ما فاض عن واجب الوجود، هو العقل الأول، وأنه هو العقل الفعال، وأهم خصائصه أنه تام الوجود، مطلع على ما دونه، عالم بحقيقته، وهو باق أبداَ، ثابت على حالة واحدة لا يتغير، فليس فيه صيرورة، وهذا يرجع إلى أنه متصل دائماً بمصدر الفيض الأزلي، بيد أنه لا يتساوي مع الله في كل الصفات، أو يماثله في المكانة لأن تمامه إنما هو بالنسبة لما دونه، أما بالنسبة لواجب الوجود، فإنه ناقص ضرورة.
عن العقل الفعال، فاضت النفس وهي أنقص مما فوقها، ولا تحيط أو تعلم شيئاً من أحواله وأكمل مما دونها فحركتها دائماً شوق إلى الكمال، تتجه بها إلى أعلى صوب العقل، لكي تتشبه، به، وعن النفس فاض الفلك والكواكب وهو أيضاً فائض أنقص بالنسبة إلى النفس، وأكمل بالنسبة لما تحته فهو محتاج إلى الحركة الدائرية، لكي يتم له الوجود الكامل وعن الأفلاك فاضت الأجسام.( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&postid=1344542#_ftn2)2)

ومسكويه أقرب هنا إلى أخوان الصفا، منه إلى الفارابي وابن سينا فهو لا يوضح جوانب هذه النظرية توضيحاً تاماً، وإنما يتحدث عنها إجمالاً دون تعداد مراتب العقول أو الأفلاك.
ومن هذا يتبين لنا أن ثمة تفاعلاً مستمراً يبين آراء فلاسفة الإسلام والإشراقية، فهذا أيضاً يؤكد أن نظرية الفيض أو الصدور قد أعيد صياغتها من جديد وبنفس الأسلوب والمبادئ، والمضامين، مع بعض الاختلافات التي مردها إلى اختلاف الشخصيات والاتجاهات.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ

( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&postid=1344542#_ftnref1)1) أحمد بن محمد بن يعقوب بن مسكويه ولد في الرّي حوالي عام 421 هـ توفي في أصفهان عام 1030م، عاصر البيروني وابن سينا، يمثل مسكويه ذلك النوع من الفلاسفة المزدكي الأصل، الذين يتذوقون بشكل خاص دراسة العادات والحضارات، والأمثال والحكم ترك نحو عشرين مؤلفاً أهمها رسالة في الفلسفة الأخلاقية تهذيب الأخلاق، (هنري كوريان، تاريخ الفلسفة الإسلامية، ص 265، 266.
( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&postid=1344542#_ftnref2)2) عبد الرحيم الزيني، مرجع سبق ذكره، ص241، 242.

فارس الجزائري
2009-07-24, 20:56
http://www.up1up2.com/upfiles1/Udk71595.bmp

فارس الجزائري
2009-07-24, 20:57
المبحث الثاني: الفلاسفة المسلمون المعارضون لنظرية الفيض.
1. الغزالي.(1) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&postid=1345777#_ftn1)
إن الفلاسفة الذين اعتنقوا نظرية الفيض أعطوا الإمام الغزالي، فرصة لكي ينتقدهم، ويقلل من شأن الفلسفة، حيث نقد النظرية نقداً لاذعاً، حيث قام بتعداد مبادئها المختلفة، وأتبعها بنقد كل عنصر ما يظهر وطابع الموضوعية التي تتخلل موقفه.
اعتراضات الغزالي.
بدأ الغزالي بالسخرية(2) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&postid=1345777#_ftn2) من الفلاسفة فقال: ما ذكرتموه تحكمات وهي على التحقيق ظلمات فوق ظلمات، لو حكاه الإنسان عن منام رآه لا يستدل به على سوء مزاجه، أو أورد جنسه في الفقهيات التي قصارى المطلب فيها تخمينات لقيل أنها ترهات لا تفيد غلبات الظنون.(3) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&postid=1345777#_ftn3)
الاعتراض الأول: وهذا الاعتراض موجه لقول الفلاسفة.
ادعيتم أن أحد معاني الكثرة في المعلول الأول أنه ممكن الوجود، فنقول: كونه ممكن الوجود عين وجوده أو غيره، فإن كان عينه فلا ينشأ منه كثرة، وإن كانا غيره فهلا قلتم: في المبدأ الأول كثرة، لأن موجوده، وهو مع ذلك واجب الوجود، فوجب، الوجود غير نفس الوجود، فليجز صدور المختلفات منه لهذه الكثرة، وإن قيل: لا معنى لوجوب الوجود إلا الوجود، فلا معنى لا مكان الوجود إلا الوجود، فإن قلتم: يمكن أن يعرف كونه موجود
أولا يعرف كونه ممكنا فهو غيرهن فكذا واجب الوجود يمكن أن يعرف وجوده ولا يعرف وجوبه إلا بعد دليل آخر فليكن غيره، وبالجملة الوجود أمر عام ينقسم إلى واجب وإلى ممكن، فإن كان فصل أحد القسمين زائداً على العام فكذا الفصل الثاني ولا فرق.(4) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&postid=1345777#_ftn1)
الاعتراض الثاني: وهذا الاعتراض يشبه الأول، فهو موجه بشكل مطلق لفكرة عقل المعلول الأول مبدأه والسؤال كتالي: هل عقل المعلول مبدأه، عين وجوده، وعين عقله نفسه، أم غيره؟ ...
... فإن كان عينه فلا كثرة في ذاته إلا في العبارة عن ذاته، وإن كان غيره فهذه الكثرة موجودة في الأول فإنه يعقل ذاته ويعقل غيرهن فإن زعموا أن عقله ذاته عين ذاته ولا يعقل ذاته ما لم يعقل أنه مبدأ لغيره، فإن العقل يطابق المعقول فيكون راجعاً إلى ذاته فنقول: والمعلول عقله ذاته عين ذاته فإنه عقل بجوهره فيعقل نفسه، والعقل العاقل والمعقول منه أيضاً واحد، ثم إذا كان عقله ذاته عين ذاته فليعقل ذاته معلولاً لعلة فإنه كذلك، والعقل يطابق المعقول فيرجع الكل إلى ذاته فلا كثرة إذن، وإن كانت هذه الكثرة فهي موجودة في الأمل، فليصدر منه المختلفات، ولنترك دعوى وحدانيته من كل وجه وإن كانت الوحدانية تزول بهذا النوع من الكثرة.(5) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&postid=1345777#_ftn2)
الاعتراض الثالث: الاعتراض الثالث ينطبق على عقل المعلول الأول نفسه: هل عقل المعلول الأول ذات نفسه، عين ذاته أم غيره؟
فإن كان عينه فهو محال لأن العلم غير المعلوم، وإن كان غيره فليكن كذلك في المبدأ الأول فليزم منه كثرة ويلزم فيه تربيع لا تثليث بزعمهم.
الاعتراض الرابع: فيه سخرية لاذعة في القول بأن المعلول الأول، ممكن الوجود اقتضى وجود جرم الفلك الأقصى منه، وأن عقله نفسه، اقتضى وجود نفس الفلك منه وأن عقله الأول اقتضى وجود عقل آخر!
سلمنا هذه الأوضاع الباردة والتحكمات الفاسدة ولكن كيف لا تستحيون من قولكم: أن كون المعلول الأول ممكن الوجود اقتضى وجود جرم الفلك الأقصى منه، وعقله نفسه اقتضى وجود نفس الفلك منه، وعقله الأول يقتضي وجود العقل منه؟ وما الفصل بين هذا وبين قائل عرف(6) (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn1) وجود إنسان غائب وأنه ممكن الوجود وأنه يعقل نفسه وصانعه فاقل: يلزم من كونه ممكن الوجود وجود فلك؟ فيقال: وأي مناسبة بين كونه ممكن الوجود وبين وجود فلك منه؟ وكذلك يلزم من كونه عاقلاً لنفسه ولصانعه شيئان آخران، وهذا إذا قبل في إنسان صحك منه، فكذا في موجود آخر إذ إمكان الوجود قضية لا تختلف باختلاف ذات الممكن إنساناً كان أو ملكاً أو فلكاً ...(7) (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn2)
الاعتراض الخامس: قول الفلاسفة أن العالم فعل الله وصنعه وأن ذلك مجاز عندهم وليس بحقيقة، وقد فاض عنه على سبيل الضرورة.
يرد الغزالي: الفاعل عبارة عمَّن يصدر منه الفعل، ومع الإدارة للفعل على سبيل الاختيار ومع العلم بالمراد، وعندكم أن العالم من الله كالمعلول من العلة يلزم لزوماً ضرورياً، لا يتصّور من الله دفعة، لزوم الظل من الشخص والنور من الشمس، وليس هذا من الفعل في شيء.
بل من قال أن السراج يفعل الضوء والشخص يفعل الظل فقد جازف وتوسع في التجوز توسعاً خارجاً من الحدّ واستعار اللفظ اكتفاء بوقوع المشاركة بين المستعار له والمستعار عنه في وصف واحد، وهو أن الفاعل يسبب على الجملة والسراج سبب الضوء والشمس سبب النور، ولكن الفاعل لم يسم فاعلاً صانعاً بمجرد كونه سببا بل كونه سبباً على وجه مخصوص، وهو على وجه الإرادة والاختيار، حتى لو قال القائل: الجدار ليس بفاعل والحجر ليس بفاعل والجماد ليس بفاعل وإنما الفعل للحيوان، لم ينكر ذلك ولم يكن قوله كذابا، وللحجر فعل عندهم وهو الهوى والثقل والميل إلى المركز، كما أن للنار فعلا وهو التسخين، وللحائط فعل وهو الميل إلى المركز ووقوع الظل، فإن كل ذلك صادر منه وهذا محال.( (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn3)8)
ويختم الغزالي نقده بتقريره حقيقة الاعتراف بالعجز أمام الحقيقة المطلقة، فيخاطب الفلاسفة ونفسه بهذه العبارة من نص كلامه: ما المانع من أن يقال: المبدأ الأول، عالم قادر، مري، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ... فيجيب قبوله، وأما البحث عن كيفية صدور الفعل عن الله بالإرادة ففضول وطمع في غير مطمع. ليس مما تتسع له القوى البشرية.(9) (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn1)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&postid=1345777#_ftnref1) الغزالي AL GhAZALI (1059 – 1111) هو الإمام أبو حامد الغزالي ولد بقرية طوس في إقليم ضرسان، كان أبوه غزالاً يغزل الصوف ويبيعه وربما نسب اسم العائلة إلى هذه الصناعة، فسمي الغزالي، درس علم الكلام في نيسابور على إمام الحرمين (الجويني)، درس كتب الفلاسفة – ولا سيما ابن سينا – من آثاره: (إحياء علوم الدين، المنقذ من الضَّلال، الاقتصاد في الاعتقاد، مقاصد الفلاسفة، تهافت الفلاسفة)، وافته المنية في مسقط رأسه طوس- نقلا عن كميل الحاج، الموسوعة الميسرة في الفكر الفلسفي والاجتماعي، ص381، 382.
(2) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&postid=1345777#_ftnref2) السخرية منهج أخذه الغزالي من سقراط وهو يقوم على عضوي التهكم والتوليد فالتهكم يستند إلى إيقاع المحدث في التناقض أما ويقدم على طرح الأسئلة واستخراج الأجوبة منها في ترتيب منطقي محكم.

(3) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&postid=1345777#_ftnref3) أبو حامد محمد الغزالي، تهافت الفلاسفة، المطبعة الكاثوليكية، ط1، 1927م، بيروت، ص100، 101.
(4) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&postid=1345777#_ftnref1) أبو حامد محمد الغزالي، مصدر سبق ذكره، ص101.
(5) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&postid=1345777#_ftnref2) أبو حامد محمد الغزالي، المصدر نفسه، ص102.
(6) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&postid=1345777#_ftnref1) ويقصد به وجب.
(7) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&postid=1345777#_ftnref2) أبو حامد محمد الغزالي، مصدر سبق ذكره، ص108.
( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&postid=1345777#_ftnref3)8) أبو حامد محمد الغزالي، المصدر نفسه، ص90.
( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&postid=1345777#_ftnref1)9) محمد عبد الرحيم الزيني، مرجع سبق ذكره، ص259.

فارس الجزائري
2009-07-24, 20:58
2.ابن رشد.(1) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1345784#_ftn1)
يتميز ابن رشد بنقده الموضوعي المحايد، الذي ينزع نزعة واضحة، ولا يقتصر على الهدم فحسب، بل يقدم الدليل لما يهدم.
ليست نظرية الفيض كما يراها ابن رشد من كلام الفلاسفة القدماء، ولذا فإن أي نقد لها يخص القائلين بها فقط، بمعنى أن النقد الذي وجهه إليها الغزالي أو غيره لا يخص أرسطو، ويقول عنها: هذا كله تخرص على الفلاسفة من ابن سينا لأبي نصر وغيره( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1345784#_ftn2)2).
إن الناظر لفلسفة ابن رشد يكتشف أنه اعتقد خطوات في نقد النظرية والتي لخصها فيما يلي:
الخطوة الأولى: تحديد المشكلة.
يحدد ابن رشد المشكلة في العناصر التالية:
أ‌. واجب الوجود واحد، وهو مبدأ الجميع.
ب‌. الواحد لا يجب ألا يصدر عنه إلا واحد.
ج‌. رفض الفلاسفة رأي الثنوية في إثبات إلهين: الخير وإله الشر.
د‌. إتباع الفلاسفة المنهج الجدلي وهم يظنون أنه المنهج البرهاني.( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1345784#_ftn1)3)
تبنى النظرية الفيض على القضية القائلة إن (الواحد لا يصدر عنه إلا واحد)، وهذه القضية عند ابن رشد قد اتفق عليها القدماء عندما كانوا يفحصون عن المبدأ الأول للعالم بالفحص الجدلي وهم يظنونه الفحص البرهاني، وقد استقر رأيهم كلهم على أن المبدأ هو واحدُ للجميع، وأن الواحد يجب ألا يصدر عنه إلا واحد، وبعدئذٍ طلبوا من أين جاءت الكثرة.(4) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1345784#_ftn2)
الخطوة الثانية: تعرف محاولات الفلاسفة لتفسير صدور الكثرة عن الله.
يذكر ابن رشد أن الفلاسفة قدموا الكثير من الآراء لتفسير ظاهرة الكثرة المشاهدة في العالم المحسوس، بعد أن أقنعوا أن المبدأ الأول، واحد: يسوق ثلاثة منها:
أ‌. زعم البعض أن الكثرة إنما جاءت من قبل الهيولي، وعلى رأسهم أنكساغوارس.
ب‌. والبعض رأى أنها إنما جاءت من قبل الآلات.
ج‌. وبعض ثالث أنها من المتوسطات.(5) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1345784#_ftn3)
ولا تكمن المشكلة في المصدر الواحد بقدر ما تكمن في صدور الكثرة عن هذا الواحد، ويرى أن القول بعدم صدور الواحد إلا عن واحد قد قال به المتأخرة من فلاسفة الإسلام ـ ويقصد بهم الفارابي وابن سينا ـ وهو مبني على تشبيه الفاعل الذي في الغائب بالفعل الذي في الشاهد، ولا يرى شبهاً بين هذين الفاعلين مختلفان وليس الاشتراك بينهما إلا الاشتراك بالاسم فقط.
http://www.up1up2.com/upfiles1/7OV72482.bmp

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1345784#_ftnref1)1) ابن رشد: Ibn Roshd، (1126 – 1198) فيلسوف عربي، ولد في قرطبة (بإسبانيا) من أسرة اشتهرت بالعلم، وتوفي في مراكش، درس اللغة والشعر والطب والفلسفة وعلم الكلام ومختلف أنواع العلم، كان واسع الإطلاع، وقد برع في الطب والفلسفة بشكل خاص، عرف بالغرب على أنه شارح أرسطو، وقد ساعد شروحه الأرسطية على فهم أرسطو ونشرت نفوذه في الغرب بين اليهود والمسيحيين وأدت إلى قيام المدرسة الرشديه، من مؤلفاته (تهافت التهافت، فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال)، نقلا عن: كميل الحاج، الموسوعة الميسرة في الفكر الفسلفي والاجتماعي، ص6.

( (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1345784#_ftnref2)2) فيصل غازي مجهول، قضايا إسلامية معاصرة-نقد ابن رشد لإ لهيات ابن سينا، دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع، ط1 2005، بيروت، ص148.
(3) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1345784#_ftnref1) محمد عبد الرحيم الزيني، مرجع سبق ذكره، ص268.
(4) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1345784#_ftnref2) فيصل غازي مجهول، مرجع سبق ذكره، ص148.
(5) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1345784#_ftnref3) محمد عبد الرحيم الزيني، مرجع سبق ذكره، ص268.

فارس الجزائري
2009-07-24, 20:59
لقد نقد ابن رشد كما تبنى المبدأ القائل بأن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد، وقال بوسط بين الله والعالم وهو العقلُ الذي هو محرك سماء النجوم الثابتة، فالأشياء التي لا يصح وجودها إلا بارتباط بعضها مع بعض يكون وجودها تابعاً لارتباطها مثل التي لا يصح وجودها إلا بارتباط بعضها مع بعض يكون وجودها تابعا لارتباطها مثل ارتباط المادة مع الصورة، وارتباط أجزاء العالم البسيطة بعضها مع بعض، يكون معطي الرباط هو معطي الوجود. وإذا كان كل مرتبط إنما يرتبط بمعنى فيه واحد الواحد الذي به يرتبط إنما يعطي معنى واحداً بذاته وهذه الواحدة تتنوع على الموجودات بحسب طبائعها ويحصل عن تلك الوحدة المعطاة في موجود موجود وجود وذلك الموجود وتترقى كلها إلى الوحدة الأولى كما تحصل في الحرارة التي في موجود موجود من الأشياء الحارة عن الحار الأول الذي هو النار وتترقى إليها وهذه الفكرة التي يتبناها ابن رشد هي فكرة أرسطو وهنا يكون أرسطو قد جمع بين الوجود المحسوس والوجود المعقول، فالواحد الذي يصدر عنه العالم الواحد، هو سبب الكثرة من جهة، وسبب الوحدة من جهة أخرى.(1) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1345790#_ftn1)
لقد عرف ابن رشد أسباب الخطأ الذي وقع فيه فلاسفة وقام بتحليل هذا الخطأ إلى عناصره، وطرحه طرحاً جديداً، وبعد هذا التحليل، والهدم والبناء، وصل إلى مجموعة من النتائج التي اعتمدت بالدرجة الأولى على مدى عمق نظريته في التفريق بين عالمين عالم الغيب الذي نجهله، وعالم التغير الذي نحن فيه وأن قياس الغائب على الشاهد يؤدي إلى نتائج خاطئة مثل الذي تورط فيها الفلاسفة.
وأهم النتائج التي توصل إليها ابن رشد، هي:
1. أن المبدأ الأول، هو مبدأ جميع هذه المبادئ، فإنه فاعل وصورة وغاية وصارت جميع الموجودات تتطلب غايتها بالحركة نحوه، وهي الحركة التي تطلب بها غايتها التي من أجلها خلقت، وذلك بين: إما لجميع الموجودات، فالطبع، وإما للإنسان، فالإرادة.
2. المعلول إذا كان فيه كثرة، فلا بد أن كل كثرة يكون منها واحد، فواحدنيته اقتضت أن ترجع الكثرة إلى الواحد، وأن تلك الوحدانية التي صارت بها الكثرة واحداًَ، هي معنى بسيط صدر عن واحد مفرد بسيط.
3. العالم واحد، صدر عن الواحد، والواحد هو سبب الوحدة من جهة، وسبب الكثرة من جهة أخرى، وإذا استوعبنا كل ذك، تبين أن هاهنا موجوداً واحداً تفيض منه قوة واحدة، بها يوجد جميع الموجودات: ولأنها كثيرة فإذا صدر عن الواحد ما هو واحد وجب أن توجد الكثرة.
4. من كل ما سبق يمكن القول: بأن (الواحد لا يصدر عنه إلا واحد)، قضية صادقة وأن (الواحد يصدر عنه كثرة)، قضية صادقة أيضاً.(2) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1345790#_ftn1)
وهكذا يبدوا أن ابن رشد استطاع أن ينفذ إلى أعماق المشكلة ويحللها حلاً عقلياً والتي تتفق مع واجب الوجود الظاهر عن عالمنا، ويتفق أيضاً مع طبيعة العالم المحسوس وكذا مع طبيعة العقل الإنساني القاصر عن إدراك حقائق الأمور والذي لا يستطيع أن يستوعب ويستكشف أحوال عالم الغيب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1345790#_ftnref1) فيصل غازي مجهول، مرجع سبق ذكره، ص152، 153.
(2) (http://www.djelfa.info/vb/editpost.php?do=editpost&p=1345790#_ftnref1) محمد عبد الرحيم الزيني، مرجع سبق ذكره، ص271، 272.
:19: