تأبطَ شَيْئاً..!
2014-06-19, 13:09
نقلاً عني إلى من لم ينعموا يوماً بفك طلاسم الحرف ..!!
---------
حين ذهب والدي ليخطب أمي رسمياً حمل معه بعضاً من الحليب المجفف بطريقة تقليدية قد لا تجهل العرب قاطبة ما اسمه حين ينضج وإن اختلفوا فيما بين ذلك وخلافهم رحمة دون شك حتى لا يفسد الحليب أو يجف الضرع نفسه .. ..
غادر والدي منزل أهله وقد حمل معه أيضاً شيئاً من البن العتيق فذلك أثمن ما يملكونه في ذلك الزمن وكان يسير في معيته جدي الذي أخبروني بأنني أشبهه كثيراً رغم أني لم أره ... لم تعقد مراسم الخطبة في قاعة فرح ولا حتى في بيت من الشعر بل في قارعة الطريق في مكان يسميه القرويون المسراب وهو يربط أو يفصل بين حقلين ويحظر القانون القروي المساس به أو الإعتداء عليه فذلك المسراب له قدسيته التي لا تقبل انصاف الحلول ..
لم تدم المراسم طويلاً البتة فكل شيء تقليدي وموروث كما أن والدي لم يكن بحاجة ليؤدي طقوس النظرة الشرعية الى والدتي فهو يعرفها جيدا من مفرق رأسها وحتى أخمص القدمين فكل يوم كان يراها ( رؤية شرعية http://www.alsakher.com/vb2/images/smilies/smile.gifhttp://www.alsakher.com/vb2/images/smilies/smile.gif) فالناس في قريتنا كلهم محارم لجميعهم ويكأن الحجاب لم يفرض يوماً
قرر جدي لأمي أن يرسل الجارية ألى حيث يجب أن تكون كل الجواري مع أول مؤشرات النضج ... هكذا أنتهى كل شيء ليبدأ المشوار وكان البيعان بالخيار حتى تفرقا فأصبح البيع لازماً بقوة العرف ..
حينها لم يستشر جدي أمي في شأن الزواج فقد كان ذلك في الاعراف القبلية نوع من خوارم المرؤة على أقل تقدير وقد يرقى الى وصمة العار تبعاً لنوازع التطرف أو الجهل أو هما معاً وعلى المقيمين خارج قريتنا مراعاة حواجز الزمن وفوارق التوقيت ...
بعد أسبوع فقط كان والدي قد ساق صداق أمي ثلاثين رأساً من الغنم وحفنة قمح .. !! لن يصدق عددها أحد في هذا الزمن وأشياء بينهما قررها قانون القرية ولم يتسنى للرواة ذكرها حتى بطريق الآحاد لكنها كانت تعني الكثير على كل حال ...
تخبرني أمي أنها في يوم العرس خرجت للحقل باكراً مع الصباح كأي يوم آخر تؤدي فيه المرأة القروية وظيفتها التي لا تستثني أي شيء فهي التي تسبق الشمس بزوغاً ولا يحل لها أن تهدأ قبيل المغيب فقد كانت الأنثى حينها هي السقاء والدابة وهي الحطاب والحمال وليست إدّاً من القول إن أخبرت أنها ايضاً هي المزارع ومربية الماشية والطاهية وربة المنزل وموضع الحرث والنسل إن أسعفهما حظ من البذل ...
يوم عرس أمي لم يكن بدعاً من أيامها التي خلت الا أنها عادة مبكراً الى تلك الغرفة الصغيرة التي كانت تقوم بكل الادوار في النهار ولا بأس أن تكون مهجعاً لعدة أرواح تتشارك المكان بعد أن يستفحل الظلام .. حملت أمي معها ملابسها التي لم تتجاوز قبضتيها وبعد صلاة العصر خرجت على قدميها ماشية نحو عش الزوجية .....
كانت قريتنا تهتبل أنصاف الفرص لتأكل أي شيء في أي مكان وفي أي زمن فالجوع كافر ولا دين له ولا لون ....
من مذكرات الجياع
وحقوق النسخ غير محفوظة
ولتذهب الملكية الفكرية للجحيم
شكراً لكلكم
عنْ يسَآري أنا أكتُبْ
عُضْوِية مَجهُولَة
---------
حين ذهب والدي ليخطب أمي رسمياً حمل معه بعضاً من الحليب المجفف بطريقة تقليدية قد لا تجهل العرب قاطبة ما اسمه حين ينضج وإن اختلفوا فيما بين ذلك وخلافهم رحمة دون شك حتى لا يفسد الحليب أو يجف الضرع نفسه .. ..
غادر والدي منزل أهله وقد حمل معه أيضاً شيئاً من البن العتيق فذلك أثمن ما يملكونه في ذلك الزمن وكان يسير في معيته جدي الذي أخبروني بأنني أشبهه كثيراً رغم أني لم أره ... لم تعقد مراسم الخطبة في قاعة فرح ولا حتى في بيت من الشعر بل في قارعة الطريق في مكان يسميه القرويون المسراب وهو يربط أو يفصل بين حقلين ويحظر القانون القروي المساس به أو الإعتداء عليه فذلك المسراب له قدسيته التي لا تقبل انصاف الحلول ..
لم تدم المراسم طويلاً البتة فكل شيء تقليدي وموروث كما أن والدي لم يكن بحاجة ليؤدي طقوس النظرة الشرعية الى والدتي فهو يعرفها جيدا من مفرق رأسها وحتى أخمص القدمين فكل يوم كان يراها ( رؤية شرعية http://www.alsakher.com/vb2/images/smilies/smile.gifhttp://www.alsakher.com/vb2/images/smilies/smile.gif) فالناس في قريتنا كلهم محارم لجميعهم ويكأن الحجاب لم يفرض يوماً
قرر جدي لأمي أن يرسل الجارية ألى حيث يجب أن تكون كل الجواري مع أول مؤشرات النضج ... هكذا أنتهى كل شيء ليبدأ المشوار وكان البيعان بالخيار حتى تفرقا فأصبح البيع لازماً بقوة العرف ..
حينها لم يستشر جدي أمي في شأن الزواج فقد كان ذلك في الاعراف القبلية نوع من خوارم المرؤة على أقل تقدير وقد يرقى الى وصمة العار تبعاً لنوازع التطرف أو الجهل أو هما معاً وعلى المقيمين خارج قريتنا مراعاة حواجز الزمن وفوارق التوقيت ...
بعد أسبوع فقط كان والدي قد ساق صداق أمي ثلاثين رأساً من الغنم وحفنة قمح .. !! لن يصدق عددها أحد في هذا الزمن وأشياء بينهما قررها قانون القرية ولم يتسنى للرواة ذكرها حتى بطريق الآحاد لكنها كانت تعني الكثير على كل حال ...
تخبرني أمي أنها في يوم العرس خرجت للحقل باكراً مع الصباح كأي يوم آخر تؤدي فيه المرأة القروية وظيفتها التي لا تستثني أي شيء فهي التي تسبق الشمس بزوغاً ولا يحل لها أن تهدأ قبيل المغيب فقد كانت الأنثى حينها هي السقاء والدابة وهي الحطاب والحمال وليست إدّاً من القول إن أخبرت أنها ايضاً هي المزارع ومربية الماشية والطاهية وربة المنزل وموضع الحرث والنسل إن أسعفهما حظ من البذل ...
يوم عرس أمي لم يكن بدعاً من أيامها التي خلت الا أنها عادة مبكراً الى تلك الغرفة الصغيرة التي كانت تقوم بكل الادوار في النهار ولا بأس أن تكون مهجعاً لعدة أرواح تتشارك المكان بعد أن يستفحل الظلام .. حملت أمي معها ملابسها التي لم تتجاوز قبضتيها وبعد صلاة العصر خرجت على قدميها ماشية نحو عش الزوجية .....
كانت قريتنا تهتبل أنصاف الفرص لتأكل أي شيء في أي مكان وفي أي زمن فالجوع كافر ولا دين له ولا لون ....
من مذكرات الجياع
وحقوق النسخ غير محفوظة
ولتذهب الملكية الفكرية للجحيم
شكراً لكلكم
عنْ يسَآري أنا أكتُبْ
عُضْوِية مَجهُولَة