المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عودة رمضانيات


belamriabdelaziz
2014-06-18, 06:16
أرجو من السادة المشرفين اعتماد فقرة رمضانيات مثل ما كانت عليه السنة
الماضية
حديث شريف/حكمة/تفسير آية/...........

belamriabdelaziz
2014-06-20, 08:40
شهر نرجو من الله تعالى أن ينفعنا ببركاته:
من الآن يجب تحديد بعض الأهداف:
1- تغييير سلوك ما
2- التوقف عن عادة سيئة
3- اكتساب عادة حسنة
تجديد بعض الأدعية
.........
أرجو من الإخوة التفاعل

belamriabdelaziz
2014-06-23, 19:38
لايكن يوم صومك كيوم فطرك
أعط لرمضان مكانته
قال تعالى : ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب.

belamriabdelaziz
2014-06-26, 19:57
اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام ربي وربك الله

belamriabdelaziz
2014-06-28, 07:27
قال صلى الله عليه وسلم : لقد أظلكم شهر عظيم مبارك
شهر أوله رحمة/أوسطه مغفرة/آخره عتق من النار.

الاجتهاد /الاجتهاد أيها الأفاضل

الأستاذة حياة
2014-06-28, 08:28
اسأل الله تعالى لكم في شهر رمضان حسنات تتكاثر وذنوب تتناثر
وهموم تتطاير
وأن يجعل بسمتكم سعادة
وصمتكم عبادة وخاتمتكم شهادة
ورزقكم زيادة وبكل زخة مطر وبعدد من من حج او اعتمر
ادعو الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال

belamriabdelaziz
2014-06-29, 10:28
احرص أخي المسلم على أداء الصلوات في أوقاتها
لا تفرط في صلاة التراويح
اجعل لك وردا من القرآن الكريم

belamriabdelaziz
2014-07-01, 08:41
قال صلى الله عليه وسلم:
من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في ترك طعامه وشرابه
قل خيرا واعمل خيرا تجز خيرا إن شاء الله

ابراهيم حميدي
2014-07-01, 20:55
http://img.maas1.net/imgcache/2013/07/14310.jpg

ابراهيم حميدي
2014-07-01, 21:03
لماذا الإفطار بحبات التمر

فلقد كان رسول اللـه صلى الله عليه وسلم يفطر على رطب فإن لم يجد فتمرات فإن لم يجد حسا حسوات من ماء، وهذا الـهدي هو خير هدي لمن صام عن الطعام والشراب ساعات طوال، فالسكر المـوجود في التمر يشعر الإنسان بالشبع لأنه يمتص بسرعة ويصل إلى الدم في دقائق معدودة، ويعطى الجسم الطاقة اللازمة لمزاولة نشاطه المعتاد.

أما لو أفطر الإنسان بأكل اللحوم والخضراوات والخبز فإن هذه المواد تأخذ وقتا طويلا كي يتم هضمها وتحويل جزء منها إلى سكر فلا يشعر الإنسان بالشبـع، ويستمر في ملء معدته فوق طاقتها توهما منه أنه مازال جائعا، ويفقد الصيام هنا خاصيته المدهشة في جلب الصحة والعافية والرشاقة.

إن هذا التشريع المحكم الذي يتضمن أسراراً لأدق الاكتشافات الطبية والذي نزل به القرآن في زمنٍ يستحيل على البشر فيه معرفتها يدل على مصدره الإلهي، كما قال تعالى: (قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً) (الفرقان:6). كما يشهد لمحمد صلى الله عليه وسلم أنه رسول من عند الله، وصدق الله القائل :(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (فصلت:53)

belamriabdelaziz
2014-07-02, 07:22
جزاك الله خيرا على مساهمتك القيمة
اللهم ثقل بها ميزان أخي ابراهيم حميدي

belamriabdelaziz
2014-07-02, 07:23
جزاك الله خيرا على مساهمتك القيمة
اللهم ثقل بها ميزان أخي ابراهيم حميدي

belamriabdelaziz
2014-07-04, 09:58
كتب علينا الصيام لنحقق تقوى الله عز وجل
تحقق التقوي يؤدي إلى قبول العمل
إنما يتقبل الله من المتقين
عبادة +تقوى+منهج = قبول العمل
قال ياقومي اعبدوا الله واتقوه وأطيعون

belamriabdelaziz
2014-07-05, 08:24
العنوان: « هدي السلف في رمضان »
لشيخ الدكتور
محمد بن هادي المدخلي
http://safeshare.tv/w/mQoamQsDAN

belamriabdelaziz
2014-07-05, 08:25
العنوان: « هدي السلف في رمضان »
لشيخ الدكتور
محمد بن هادي المدخلي
http://safeshare.tv/w/mQoamQsDAN

belamriabdelaziz
2014-07-06, 09:48
ندوات تلفزيونية – قناة سوريا الفضائية – الايمان هو الخلق – الدرس (36-95) - مقومات التكليف : الشهوة - شهوة المال
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2006-09-04
بسم الله الرحمن الرحيم
ترحيب :
أيها السادة المشاهدون ، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، وأهلاً ومرحباً بكم في هذه الحلقة الجديدة ، من برنامجكم الإيمان هو الخلق ، مع أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين بدمشق .
أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم سيدي .
مقدمة تذكيرية :
في حلقات سابقة توقفنا عند الشهوة ، وعند تعريفها ، وعند إفرزاتها ، وعند ما جاء به الشارع ، وجعلها في المجال الصحيح ، وعند ما أتى الشارع ، ونبهنا من خلال البيان النصي والعقلي لنتجنب مزالق هذه الشهوة ، ولنتجنب استخدام الشهوة في مجالات التي لا يريدها الله ، لأنها تضر بالإنسان .
وتبينا من خلال الحلقة الماضية بأن العلاقة واضحة بين ما نهى عنه القرآن والسنة النبوية بين المنهيات ، وبين نتائجها بعلاقة علمية بين سبب ونتيجة ، وأن كل معصية لها نتائج في الحياة الدنيا قبل الآخرة .
وتحدثنا في الحلقة الماضية عن شهوة الجنس ، وأغلقنا الستار إن صح التعبير لنبتدئ في مسألة هامة جداً ، هي شهوة المال ، كيف نظر إليها الشرع ، وكيف أطّرها ، وكيف جعل لها حدوداً ونقاط ، إذا خرج الإنسان مركبته في هذا المنحى دمر نفسه ، ودمر مجتمعه ، ونستذكر قول الله تعالى :
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ ﴾
( سورة آل عمران الآية : 14 )
إذاً : هناك زينة ، كما تفضلت في حلقات سابقة :
﴿ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
( سورة آل عمران الآية : 14 )
المال قوام الحياة :
أستاذ علاء ، في أول هذا اللقاء الطيب نقول : إن المال قوام الحياة ، فالنفس في قضية المال بين تطرفين : إما أن الناس يعبدونه من دون الله ، فيرتكبون كل المعاصي والآثام من أجل الحصول عليه ، وعلى حساب دينهم وقيمهم ومبادئهم ، وإما أن ينبذوه نبذاً غبياً فيفتقرون إليه بعد حين .
إن الإسلام وسطي ، المال قوام الحياة ، والمال قوة كبيرة في الإنسان ، والمال حيادي ، وبإمكان الإنسان أن يرتقي بالمال إلى أعلى مراتب الجنة ، وبإمكانه أن يصل بالمال إلى أدنى دركات المال ، المال حيادي ، وكل الحديث السابق أن الإنسان مخير ، ولأنه مخير كل حظوظه من الدنيا حيادي ، وكل إمكاناته حيادية ، يمكن أن توظف في الخير ، أو في الشر ، وكل خصائصه حيادية، فالمال قوام الحياة ، يقول الله تعالى في كتابه الكريم :
﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً ﴾
( سورة النساء الآية : 5 )
قيام البشر بالمال .
تصور شابًا حصل على عمل بدخل محدود ، فتزوج ، ارتاحت نفسه ، سكن بيتًا ، الله عز وجل جعل في المال قياماً للحياة ، والذين يعبدونه من دون الله أخطؤوا ، والذين يهملونه أخطئوا ، فالإسلام وسطي ، كأن المال خط عمودي عليه نقطتان وعلامتان واضحتان ، فوق هذا الخط تطرف ، وتحت هذا الخط تطرف ، إن أهملته فقد تضيع كرامتك من أجله ، وإن بالغت بتعظيمه ضاعت مبادئك من أجله .
(( من جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه ))
[ ورد في الأثر ]
المال قوة ، لذلك النبي الكريم يقول :
(( المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف ))
[ أخرجه مسلم عن أبي هريرة ]
الذي معه المال متاح له أن يفعل من الأعمال الصالحة ما لم يتح للملايين من الناس ، المال قوة ، فقد يكون المال سبب شقاء الإنسان .
(( بادِرُوا بالأعمال الصالحة : ماذا ينتظر أحدكم من الدنيا ، هل تُنْظَرون إلا فَقْرا مُنْسيا ، أو غِني مُطغيا ))
[ أخرجه الترمذي والنسائي عن أبي هريرة ]
حينما أهمله ، وأهمل كسبه ، أتضعضع ، وأُذل أحياناً ، وحينما عبده من دون الله شقي به في الدنيا والآخرة .
دائماً الإسلام وسطي ، والفضيلة دائماً وسط بين طرفين ، فالله عز وجل في قرآنه الكريم بيّن أن المال قوام الحياة ، ينبغي أن نكسبه من طريق مشروع ، وأن ننفقه في مصارف مشروعة .
الأستاذ علاء :
سيدي ، يخطر في بالي سؤال : نسمع بين الناس كثيراً أن هنالك مَن افتقر ، فعف ، وترك أمره إلى الله ، واحتسب أمره عند الله ، والتزم ، ولم يحقد على مَن يملك ، ولم يمد يده إلى الحرام ، وهنالك من اغتنى ، ولكنه جعل هذا الغنى مجالاً للخير ، وصرف غناه في أوجُهِ الخير ، مَن هو الأفضل مكانة عند الله ؟
الدكتور راتب :
ليس الفقير الصابر بأعظم أجراً من الغني الشاكر :
ليس الفقير الصابر بأعظم أجراً من الغني الشاكر ، هذا هو الجواب ، المال قوة ، وبإمكانك أن تمسح دموع الفقراء ، بإمكانك أن تزوج الشباب ، بإمكانك أن تقيم المياتم والمصحات ، بإمكانك أن تنشئ المدارس ، بإمكانك أن تصل بالمال إلى أعلى درجات الجنة ، يؤكد هذا قول النبي الكريم :
(( لا حَسَدَ إلا على اثْنَتيْنِ : رجلٌ آتَاهُ اللَّهُ القرآنَ ، فقام به آناء اللَّيل وَآنَاءَ النَّهارِ ، ورجلٌ أعْطاهُ اللَّهُ مالا ، فَهوَ يُنْفِقِهُ آنَاءَ اللَّيلِ وآناءَ النَّهارِ ))
[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن عبد الله بن عمر ]
فقد رفع النبيُّ الغنيَّ المؤمنَ المحسن إلى مستوى أكبر الدعاة والعلماء ، فالمال قوة ، ويجب أن نبحث عن المال .
الغنى بالطرق المشروعة ممدوحٌ :
ولكن هناك تعليق دقيق جداً : لأنك بالمال متاح لك أن تفعل من الأعمال الصالحة ما لا يوصف ، فينبغي أن تكون غنياً ، ولكن إذا كان طريق الغنى سالكاً وفق منهج الله ينبغي أن تكون غنياً ، أما إذا كان طريق الغنى على أساس أن تتخلى عن دينك ، وعن مبادئك ، وعن قيمك ، أو أن تخون أمتك ، فالفقر وسام شرف لك ، فأنا أكون غنياً إذا كان الطريق إلى الغنى سالكاً وفق منهج الله ، دون أن أبني مجدي على أنقاض الآخرين ، ودون أن أبني غناي على فقرهم ، وحياتي على موتهم ، وعزي على ذلهم .
أتمنى من كل شاب أن يكون غنياً ، لأن الغني متاح له من الأعمال الصالحة ما لم يتح لغيره ، هذه نقطة دقيقة جداً .



بين فقر الكسل وفقر القدر وفقر الإنفاق :

1 – فقر الكسل :
هناك فقر الكسل ، هذا فقر مذموم ، وهناك فقر القدر ، في عاهة ، العاهة تمنعه أن يكسب المال، صاحب فقر القدر معذور ، والمجتمع ينبغي أن ينهض لمساعدته ، لكن صاحب فقر الكسل مذموم ، هذه مشكلة كبيرة جداً ، الفقير فقر الكسل ليس محترماً عند الله ولا عند الناس .
دخل النبي على رجل يعبد الله في أقوات العمل ، قال له : من يطعمك ؟ قال : أخي قال :
(( أخوك أعبد منك ))
[ ورد في الأثر ]
أمسك النبي الكريم يد عبد الله بن مسعود ، وكانت خشنة من العمل ، فرفع يده أمام أصحابه وقال :
(( إن هذه اليد يحبها الله ورسوله ))
[ ورد في الأثر ]
التقى سيدنا عمر بأناس فقراء ، قال : << من أنتم ؟ قالوا : نحن المتوكلون ، قال : كذبتم ، المتوكل من ألقى حبة في الأرض ، ثم توكل على الله >> .
سيدنا عمر له ملمح لا يصدق ، مرّ ببلدة كل الفعاليات الاقتصادية فيها من غير المسلمين ، فلما عاتبهم أشد العتاب على تقصيرهم في كسب الأموال ، قالوا : إن الله سخرهم لنا ، كما يقول بعض الأغنياء الكسالى الآن : لقد سخرهم الله لنا ، فاشتد غضبه ، وقال : << كيف بكم إذا أصبحتم عبيداً عندهم ؟ >> .
أستاذ علاء ، الغني قوي ، والغني يتحكم في الفقير أحياناً ، وأنت لا تصدق أن تعمير محرك طائرة يكلِّف 5 ملايين دولار ، أربع محركات 20 مليون دولار ، مليار ليرة ، كم طنًّا قطن ؟ أصحاب التقنيات العالية يتحكمون ففي العام الآن .
الأستاذ علاء :
وقالوا : مَن يملك الاقتصاد يملك القرار .
الدكتور راتب :
مَن يملك الاقتصاد يملك القرار :
أنت قوي بقدر ما أنت غني ، وأنت تفتقر إلى حرية الحركة بقدر ما أنت فقير ، فلذلك المال قوام الحياة ، الذي أريد أن أؤكد : إذا كان طريق الغنى سالكاً وفق منهج الله ، ضمن مبادئك ، ضمن قيمك ، ضمن الطرق المشروعة ، ضمن القنوات النظيفة ، ضمن ما أُقِرّ من قِبل قيم السماء والأرض ، ينبغي أن تكون غنياً ، أما إذا كان طريق الغنى على حساب مبادئك ، وعلى حساب دينك ، وعلى حساب قناعاتك ، فلا مرحباً بهذا المال ، أو على حساب وفائك لأمتك ، لا مرحباً بهذا المال ، أقول لمثل هذا الذي ترفع عن هذا المال الذي تدفع ثمنه باهظاً جداً : فقرك وسام شرف لك .
2 – فقر القدر :
أما فقر القدر فصاحبه ليس مذموم ، بل هو معذور .
3 – فقر الإنفاق :
عندما فقر ثالث ، هذا فقر الإنفاق لأنه أنفق ، هذا موضوع ثانٍ ، أبو بكر أنفق كل ماله ، قال له النبي : يا أبا بكر ، ماذا أبقيت لك ؟ قال : الله ورسوله ، سيدنا الصديق افتقر ، لأنه أنفق ، وكل إنسان عنده مروءة لا يحتمل أن يتمتع هو بالحياة وحده ، وأن يرى حوله المعوزين البائسين الفقراء المرضى ، لذلك كلما ارتقت مشاعر الإنسان كان ماله في خدمة المجموع .
الله عز وجل قال :
﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾
( سورة البقرة الآية : 188 )
استنباطات من قوله تعالى : وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ
والله أستاذ علاء ، هذه آية فيها ملمح خطير جداً : مال أخيك هو مالك ، لا بمعنى أنه ملك لك ، بمعنى أنك مكلف أن تحافظ عليه كما لو أنه مالك ، هذه واحدة .
المعنى الثاني : أخوك ماله مالك ، بمعنى أن المال ليس ملكك حصراً ، بل ملك جميع المسلمين، بمعنى أنه ينبغي أن تنفقه في الصالح العام ، أمّا أن تنشئ مثلاً لنفسك رفاهًا وبذخًا غير معقول فهذا شيء مذموم .
أنا أقول كلمة طريفة : مرة سألني تاجر : إذا اقتنيت الأشياء الغالية جداً إلى درجة غير معقولة هل أنا مؤاخذ ؟ أردت ألا أقنعه بالنصوص ، بل أردت أن أقنعه بالمثل ، قلت له : هناك رجل معه مئة مليون ، اشترى بيتا بـ75 مليونا ، وسيارة بـ 25 مليونًا ، وما عنده دخل آخر ، يكون أحمق ، اشترِ بيتا بعشرة ملايين ، واشترِ وسائل أخرى ، مركبة بمليونين ، وشغل الباقي ، ابحث عن هذا المال الضخم بدخل كبير .
هذا المال قوام الحياة ، وهو شيء أساسي يملكه الإنسان .
الأستاذ علاء :
سؤال : ماذا عن افتقار المال ؟
الدكتور راتب :
فقر كسل ، فقر قدر ، وفقر إنفاق .
الأستاذ علاء :
فقر الإنفاق هل هو في الذين ينفقون ، ويتملكون هذه المادة ، ويصرفونها ويشتتونها في أوجه خير الناس ؟
الدكتور راتب :
لستَ مكلَّفًا بإنفاق جميع مالك :
والله هذه بطولة كبيرة ، لكن الإسلام ما كلف الإنسان فوق طاقته ، فلذلك قال تعالى :
﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾
( سورة البقرة الآية : 195 )
العلماء حاروا في هذه الآية ، ما معنى التهلكة ؟ لكن النتيجة استقرت على أنك تهلك إن لم تنفق مالاً في سبيل الله ، تأتي يوم القيامة مفلساً ، وتهلك مرة ثانية إن أنفقت كل مالك .
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً ﴾
( سورة الفرقان )
فيهلك الإنسان إن أنفق كل ماله ، عنده أولاد ، عنده أساسيات الحياة ، ويهلك أيضاً إذا لم ينفق ماله ، أما سيدنا الصديق فحالة استثنائية ، هذا يسميه العلماء موقفا شخصيا ، وليس حكماً شرعياً، هي مرتبة له اختص بها ، لكن ليست حكماً شرعياً .
النبي الكريم لما هاجر انتقل سراً وخفية ، وفي الليل ، واتجه مُساحلاً ، وقبع بغار ثور ، ثم هيأ راحلة ، وهيأ خبيراً ، وهيأ من يمحو الآثار ، أخذ بكل الأسباب ، أما سيدنا عمر فهاجر جهاراً نهاراً متحدياً ، الإنسان الساذج يقول : والله سيدنا عمر أشجع من النبي ، نقول له : عمر ليس مشرِّعاً ، لكن النبي مشرِّع ، لو أن النبي هاجر جهاراً نهاراً متحدياً فقد هلكت أمته مِن بعده ، ولأصبح أخذ الحيطة حراماً ، وأخذ الأسباب حراماً ، ولهلكت أمته من بعده ، لكن هو مشرِّع .
النبي مشرِّعًا لم يقبل من أحد ماله كله إلا الصدِّيق ، لم يقبل من أحد ماله كله ، لكن قبل نصف المال من عمر .



غنى الكفاف والعفاف :
المال قوام الحياة ، وهناك فقر الكسل ، وفقر القدر ، وفقر الإنفاق ، وهناك كفاية ، هناك غنى البذخ ، وهناك غنى الكفاية ، فإذا كان دخلك يغطي نفقاتك فأنت غني ، لذلك النبي في بعض أدعيته يقول :
(( اللهم من أحبني فاجعل رزقه كفافاً ))
[ ورد في الأثر ]
ليس فقيراً ، عنده كل حاجاته ، لكن من دون بذخ ، من دون سجادة ثمنها مليونان ، هناك سجادة جيد جداً وجميل وثمنها خمسة آلاف ، من دون بذخ غير معقول ، والبذخ يولد أحقادا في المجتمع، الفقير إنسان له مشاعر ، يرى الآخرين غارقين في النعيم ، غارقين في البذخ .
حدثني إنسان قال لي : والله في بيته حنفية بثمن بيت ، من الذهب الخالص صنبور ماء بثمن بيت بأكمله ! الناس يموتون من الجوع ، فلذلك الغني المؤمن يأخذ الحاجات الأساسية ، ويعود بماله على بقية الناس .
الأستاذ علاء :
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ :
(( جَاءَ عُثْمَانُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَلْفِ دِينَارٍ حِينَ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ ، فَيَنْثُرُهَا فِي حِجْرِهِ ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَلِّبُهَا فِي حِجْرِهِ ، وَيَقُولُ مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ ، مَرَّتَيْنِ ))
وبعدها لما قال : سمعت رسول الله يقول صلى الله عليه وسلم :
(( قد رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبواً ))
[ أخرجه الطبراني ، والبزار ، والإمام أحمد عن عائشة أم المؤمنين ]
فتبرع بكل القافلة .
الدكتور راتب :
إتلاف المال سفهٌ ، وأشد سفهًا منه إتلاف الوقت :
أريد أن أنوه إلى شيء ، الحقيقة ليس له علاقة متينة بالموضوع ، لكنه مهم جداً ، الآن إذا أصيب رجلٌ ـ لا سمح الله ولا قدر ـ بمرض عضال ، وهذا المرض تحتاج عمليته الجراحية خارج القطر مثلاً إلى مليوني ليرة ، ولا يملك إلا بيتا ثمنه مليونان ، ماذا يفعل ؟ أنا أقول لك : إنني متأكد أنه لا يتردد ثانية واحدة في بيع بيته ، وإجراء العملية ، لماذا ؟ لأنه مركوز في أعماق أعماقه أن الوقت أثمن من المال ، لأنه بهذه العملية يتوهم أنه سيعيش بضع سنوات أخرى، أليس كذلك ؟ إذاً ضحى ببيته الوحيد ، وأجرى عملية متوهماً من خلال إجراء العملية أنه سيعيش بعض السنوات الأخرى ، هذه مقدمة .
إذا أمسك الرجل بمئة ألف ليرة أمام أشخاص عديدين وأحرقها ، كم يحكم عليه من الحاضرين السفه ؟ الكل من دون استثناء .
إذاً إتلاف المال سفه ، وإذا كان الوقت أثمن من المال ، فالذي يتلف وقته أشد سفهاً من الذي يتلف ماله .
الإيمان مرتبة علمية ، ومرتبة أخلاقية ، ومرتبة جمالية ، فإذا أردت أن تكون إنساناً بالمعنى الدقيق فتعرف إلى الله .
" ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء " .
﴿ أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ ﴾
( سورة يس )
الأستاذ علاء :
خاتمة وتوديع :
نرجو الله عز وجل أن نفيد جميعاً بكل ما تقدم ، ومن كل هذا العلم الفياض ، ولا يسعنا إلا أن نشكر الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين بدمشق .
شكراً أستاذي الكريم ، وإلى اللقاء إن شاء الله في محطات قادمة لنكمل ما بدأناه في هذه الحلقة .
والحمد لله رب العالمين

belamriabdelaziz
2014-07-06, 09:49
ندوات تلفزيونية – قناة سوريا الفضائية – الايمان هو الخلق – الدرس (36-95) - مقومات التكليف : الشهوة - شهوة المال
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2006-09-04
بسم الله الرحمن الرحيم
ترحيب :
أيها السادة المشاهدون ، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، وأهلاً ومرحباً بكم في هذه الحلقة الجديدة ، من برنامجكم الإيمان هو الخلق ، مع أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين بدمشق .
أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم سيدي .
مقدمة تذكيرية :
في حلقات سابقة توقفنا عند الشهوة ، وعند تعريفها ، وعند إفرزاتها ، وعند ما جاء به الشارع ، وجعلها في المجال الصحيح ، وعند ما أتى الشارع ، ونبهنا من خلال البيان النصي والعقلي لنتجنب مزالق هذه الشهوة ، ولنتجنب استخدام الشهوة في مجالات التي لا يريدها الله ، لأنها تضر بالإنسان .
وتبينا من خلال الحلقة الماضية بأن العلاقة واضحة بين ما نهى عنه القرآن والسنة النبوية بين المنهيات ، وبين نتائجها بعلاقة علمية بين سبب ونتيجة ، وأن كل معصية لها نتائج في الحياة الدنيا قبل الآخرة .
وتحدثنا في الحلقة الماضية عن شهوة الجنس ، وأغلقنا الستار إن صح التعبير لنبتدئ في مسألة هامة جداً ، هي شهوة المال ، كيف نظر إليها الشرع ، وكيف أطّرها ، وكيف جعل لها حدوداً ونقاط ، إذا خرج الإنسان مركبته في هذا المنحى دمر نفسه ، ودمر مجتمعه ، ونستذكر قول الله تعالى :
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ ﴾
( سورة آل عمران الآية : 14 )
إذاً : هناك زينة ، كما تفضلت في حلقات سابقة :
﴿ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
( سورة آل عمران الآية : 14 )
المال قوام الحياة :
أستاذ علاء ، في أول هذا اللقاء الطيب نقول : إن المال قوام الحياة ، فالنفس في قضية المال بين تطرفين : إما أن الناس يعبدونه من دون الله ، فيرتكبون كل المعاصي والآثام من أجل الحصول عليه ، وعلى حساب دينهم وقيمهم ومبادئهم ، وإما أن ينبذوه نبذاً غبياً فيفتقرون إليه بعد حين .
إن الإسلام وسطي ، المال قوام الحياة ، والمال قوة كبيرة في الإنسان ، والمال حيادي ، وبإمكان الإنسان أن يرتقي بالمال إلى أعلى مراتب الجنة ، وبإمكانه أن يصل بالمال إلى أدنى دركات المال ، المال حيادي ، وكل الحديث السابق أن الإنسان مخير ، ولأنه مخير كل حظوظه من الدنيا حيادي ، وكل إمكاناته حيادية ، يمكن أن توظف في الخير ، أو في الشر ، وكل خصائصه حيادية، فالمال قوام الحياة ، يقول الله تعالى في كتابه الكريم :
﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً ﴾
( سورة النساء الآية : 5 )
قيام البشر بالمال .
تصور شابًا حصل على عمل بدخل محدود ، فتزوج ، ارتاحت نفسه ، سكن بيتًا ، الله عز وجل جعل في المال قياماً للحياة ، والذين يعبدونه من دون الله أخطؤوا ، والذين يهملونه أخطئوا ، فالإسلام وسطي ، كأن المال خط عمودي عليه نقطتان وعلامتان واضحتان ، فوق هذا الخط تطرف ، وتحت هذا الخط تطرف ، إن أهملته فقد تضيع كرامتك من أجله ، وإن بالغت بتعظيمه ضاعت مبادئك من أجله .
(( من جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه ))
[ ورد في الأثر ]
المال قوة ، لذلك النبي الكريم يقول :
(( المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف ))
[ أخرجه مسلم عن أبي هريرة ]
الذي معه المال متاح له أن يفعل من الأعمال الصالحة ما لم يتح للملايين من الناس ، المال قوة ، فقد يكون المال سبب شقاء الإنسان .
(( بادِرُوا بالأعمال الصالحة : ماذا ينتظر أحدكم من الدنيا ، هل تُنْظَرون إلا فَقْرا مُنْسيا ، أو غِني مُطغيا ))
[ أخرجه الترمذي والنسائي عن أبي هريرة ]
حينما أهمله ، وأهمل كسبه ، أتضعضع ، وأُذل أحياناً ، وحينما عبده من دون الله شقي به في الدنيا والآخرة .
دائماً الإسلام وسطي ، والفضيلة دائماً وسط بين طرفين ، فالله عز وجل في قرآنه الكريم بيّن أن المال قوام الحياة ، ينبغي أن نكسبه من طريق مشروع ، وأن ننفقه في مصارف مشروعة .
الأستاذ علاء :
سيدي ، يخطر في بالي سؤال : نسمع بين الناس كثيراً أن هنالك مَن افتقر ، فعف ، وترك أمره إلى الله ، واحتسب أمره عند الله ، والتزم ، ولم يحقد على مَن يملك ، ولم يمد يده إلى الحرام ، وهنالك من اغتنى ، ولكنه جعل هذا الغنى مجالاً للخير ، وصرف غناه في أوجُهِ الخير ، مَن هو الأفضل مكانة عند الله ؟
الدكتور راتب :
ليس الفقير الصابر بأعظم أجراً من الغني الشاكر :
ليس الفقير الصابر بأعظم أجراً من الغني الشاكر ، هذا هو الجواب ، المال قوة ، وبإمكانك أن تمسح دموع الفقراء ، بإمكانك أن تزوج الشباب ، بإمكانك أن تقيم المياتم والمصحات ، بإمكانك أن تنشئ المدارس ، بإمكانك أن تصل بالمال إلى أعلى درجات الجنة ، يؤكد هذا قول النبي الكريم :
(( لا حَسَدَ إلا على اثْنَتيْنِ : رجلٌ آتَاهُ اللَّهُ القرآنَ ، فقام به آناء اللَّيل وَآنَاءَ النَّهارِ ، ورجلٌ أعْطاهُ اللَّهُ مالا ، فَهوَ يُنْفِقِهُ آنَاءَ اللَّيلِ وآناءَ النَّهارِ ))
[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن عبد الله بن عمر ]
فقد رفع النبيُّ الغنيَّ المؤمنَ المحسن إلى مستوى أكبر الدعاة والعلماء ، فالمال قوة ، ويجب أن نبحث عن المال .
الغنى بالطرق المشروعة ممدوحٌ :
ولكن هناك تعليق دقيق جداً : لأنك بالمال متاح لك أن تفعل من الأعمال الصالحة ما لا يوصف ، فينبغي أن تكون غنياً ، ولكن إذا كان طريق الغنى سالكاً وفق منهج الله ينبغي أن تكون غنياً ، أما إذا كان طريق الغنى على أساس أن تتخلى عن دينك ، وعن مبادئك ، وعن قيمك ، أو أن تخون أمتك ، فالفقر وسام شرف لك ، فأنا أكون غنياً إذا كان الطريق إلى الغنى سالكاً وفق منهج الله ، دون أن أبني مجدي على أنقاض الآخرين ، ودون أن أبني غناي على فقرهم ، وحياتي على موتهم ، وعزي على ذلهم .
أتمنى من كل شاب أن يكون غنياً ، لأن الغني متاح له من الأعمال الصالحة ما لم يتح لغيره ، هذه نقطة دقيقة جداً .



بين فقر الكسل وفقر القدر وفقر الإنفاق :

1 – فقر الكسل :
هناك فقر الكسل ، هذا فقر مذموم ، وهناك فقر القدر ، في عاهة ، العاهة تمنعه أن يكسب المال، صاحب فقر القدر معذور ، والمجتمع ينبغي أن ينهض لمساعدته ، لكن صاحب فقر الكسل مذموم ، هذه مشكلة كبيرة جداً ، الفقير فقر الكسل ليس محترماً عند الله ولا عند الناس .
دخل النبي على رجل يعبد الله في أقوات العمل ، قال له : من يطعمك ؟ قال : أخي قال :
(( أخوك أعبد منك ))
[ ورد في الأثر ]
أمسك النبي الكريم يد عبد الله بن مسعود ، وكانت خشنة من العمل ، فرفع يده أمام أصحابه وقال :
(( إن هذه اليد يحبها الله ورسوله ))
[ ورد في الأثر ]
التقى سيدنا عمر بأناس فقراء ، قال : << من أنتم ؟ قالوا : نحن المتوكلون ، قال : كذبتم ، المتوكل من ألقى حبة في الأرض ، ثم توكل على الله >> .
سيدنا عمر له ملمح لا يصدق ، مرّ ببلدة كل الفعاليات الاقتصادية فيها من غير المسلمين ، فلما عاتبهم أشد العتاب على تقصيرهم في كسب الأموال ، قالوا : إن الله سخرهم لنا ، كما يقول بعض الأغنياء الكسالى الآن : لقد سخرهم الله لنا ، فاشتد غضبه ، وقال : << كيف بكم إذا أصبحتم عبيداً عندهم ؟ >> .
أستاذ علاء ، الغني قوي ، والغني يتحكم في الفقير أحياناً ، وأنت لا تصدق أن تعمير محرك طائرة يكلِّف 5 ملايين دولار ، أربع محركات 20 مليون دولار ، مليار ليرة ، كم طنًّا قطن ؟ أصحاب التقنيات العالية يتحكمون ففي العام الآن .
الأستاذ علاء :
وقالوا : مَن يملك الاقتصاد يملك القرار .
الدكتور راتب :
مَن يملك الاقتصاد يملك القرار :
أنت قوي بقدر ما أنت غني ، وأنت تفتقر إلى حرية الحركة بقدر ما أنت فقير ، فلذلك المال قوام الحياة ، الذي أريد أن أؤكد : إذا كان طريق الغنى سالكاً وفق منهج الله ، ضمن مبادئك ، ضمن قيمك ، ضمن الطرق المشروعة ، ضمن القنوات النظيفة ، ضمن ما أُقِرّ من قِبل قيم السماء والأرض ، ينبغي أن تكون غنياً ، أما إذا كان طريق الغنى على حساب مبادئك ، وعلى حساب دينك ، وعلى حساب قناعاتك ، فلا مرحباً بهذا المال ، أو على حساب وفائك لأمتك ، لا مرحباً بهذا المال ، أقول لمثل هذا الذي ترفع عن هذا المال الذي تدفع ثمنه باهظاً جداً : فقرك وسام شرف لك .
2 – فقر القدر :
أما فقر القدر فصاحبه ليس مذموم ، بل هو معذور .
3 – فقر الإنفاق :
عندما فقر ثالث ، هذا فقر الإنفاق لأنه أنفق ، هذا موضوع ثانٍ ، أبو بكر أنفق كل ماله ، قال له النبي : يا أبا بكر ، ماذا أبقيت لك ؟ قال : الله ورسوله ، سيدنا الصديق افتقر ، لأنه أنفق ، وكل إنسان عنده مروءة لا يحتمل أن يتمتع هو بالحياة وحده ، وأن يرى حوله المعوزين البائسين الفقراء المرضى ، لذلك كلما ارتقت مشاعر الإنسان كان ماله في خدمة المجموع .
الله عز وجل قال :
﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾
( سورة البقرة الآية : 188 )
استنباطات من قوله تعالى : وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ
والله أستاذ علاء ، هذه آية فيها ملمح خطير جداً : مال أخيك هو مالك ، لا بمعنى أنه ملك لك ، بمعنى أنك مكلف أن تحافظ عليه كما لو أنه مالك ، هذه واحدة .
المعنى الثاني : أخوك ماله مالك ، بمعنى أن المال ليس ملكك حصراً ، بل ملك جميع المسلمين، بمعنى أنه ينبغي أن تنفقه في الصالح العام ، أمّا أن تنشئ مثلاً لنفسك رفاهًا وبذخًا غير معقول فهذا شيء مذموم .
أنا أقول كلمة طريفة : مرة سألني تاجر : إذا اقتنيت الأشياء الغالية جداً إلى درجة غير معقولة هل أنا مؤاخذ ؟ أردت ألا أقنعه بالنصوص ، بل أردت أن أقنعه بالمثل ، قلت له : هناك رجل معه مئة مليون ، اشترى بيتا بـ75 مليونا ، وسيارة بـ 25 مليونًا ، وما عنده دخل آخر ، يكون أحمق ، اشترِ بيتا بعشرة ملايين ، واشترِ وسائل أخرى ، مركبة بمليونين ، وشغل الباقي ، ابحث عن هذا المال الضخم بدخل كبير .
هذا المال قوام الحياة ، وهو شيء أساسي يملكه الإنسان .
الأستاذ علاء :
سؤال : ماذا عن افتقار المال ؟
الدكتور راتب :
فقر كسل ، فقر قدر ، وفقر إنفاق .
الأستاذ علاء :
فقر الإنفاق هل هو في الذين ينفقون ، ويتملكون هذه المادة ، ويصرفونها ويشتتونها في أوجه خير الناس ؟
الدكتور راتب :
لستَ مكلَّفًا بإنفاق جميع مالك :
والله هذه بطولة كبيرة ، لكن الإسلام ما كلف الإنسان فوق طاقته ، فلذلك قال تعالى :
﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾
( سورة البقرة الآية : 195 )
العلماء حاروا في هذه الآية ، ما معنى التهلكة ؟ لكن النتيجة استقرت على أنك تهلك إن لم تنفق مالاً في سبيل الله ، تأتي يوم القيامة مفلساً ، وتهلك مرة ثانية إن أنفقت كل مالك .
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً ﴾
( سورة الفرقان )
فيهلك الإنسان إن أنفق كل ماله ، عنده أولاد ، عنده أساسيات الحياة ، ويهلك أيضاً إذا لم ينفق ماله ، أما سيدنا الصديق فحالة استثنائية ، هذا يسميه العلماء موقفا شخصيا ، وليس حكماً شرعياً، هي مرتبة له اختص بها ، لكن ليست حكماً شرعياً .
النبي الكريم لما هاجر انتقل سراً وخفية ، وفي الليل ، واتجه مُساحلاً ، وقبع بغار ثور ، ثم هيأ راحلة ، وهيأ خبيراً ، وهيأ من يمحو الآثار ، أخذ بكل الأسباب ، أما سيدنا عمر فهاجر جهاراً نهاراً متحدياً ، الإنسان الساذج يقول : والله سيدنا عمر أشجع من النبي ، نقول له : عمر ليس مشرِّعاً ، لكن النبي مشرِّع ، لو أن النبي هاجر جهاراً نهاراً متحدياً فقد هلكت أمته مِن بعده ، ولأصبح أخذ الحيطة حراماً ، وأخذ الأسباب حراماً ، ولهلكت أمته من بعده ، لكن هو مشرِّع .
النبي مشرِّعًا لم يقبل من أحد ماله كله إلا الصدِّيق ، لم يقبل من أحد ماله كله ، لكن قبل نصف المال من عمر .



غنى الكفاف والعفاف :
المال قوام الحياة ، وهناك فقر الكسل ، وفقر القدر ، وفقر الإنفاق ، وهناك كفاية ، هناك غنى البذخ ، وهناك غنى الكفاية ، فإذا كان دخلك يغطي نفقاتك فأنت غني ، لذلك النبي في بعض أدعيته يقول :
(( اللهم من أحبني فاجعل رزقه كفافاً ))
[ ورد في الأثر ]
ليس فقيراً ، عنده كل حاجاته ، لكن من دون بذخ ، من دون سجادة ثمنها مليونان ، هناك سجادة جيد جداً وجميل وثمنها خمسة آلاف ، من دون بذخ غير معقول ، والبذخ يولد أحقادا في المجتمع، الفقير إنسان له مشاعر ، يرى الآخرين غارقين في النعيم ، غارقين في البذخ .
حدثني إنسان قال لي : والله في بيته حنفية بثمن بيت ، من الذهب الخالص صنبور ماء بثمن بيت بأكمله ! الناس يموتون من الجوع ، فلذلك الغني المؤمن يأخذ الحاجات الأساسية ، ويعود بماله على بقية الناس .
الأستاذ علاء :
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ :
(( جَاءَ عُثْمَانُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَلْفِ دِينَارٍ حِينَ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ ، فَيَنْثُرُهَا فِي حِجْرِهِ ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَلِّبُهَا فِي حِجْرِهِ ، وَيَقُولُ مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ ، مَرَّتَيْنِ ))
وبعدها لما قال : سمعت رسول الله يقول صلى الله عليه وسلم :
(( قد رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبواً ))
[ أخرجه الطبراني ، والبزار ، والإمام أحمد عن عائشة أم المؤمنين ]
فتبرع بكل القافلة .
الدكتور راتب :
إتلاف المال سفهٌ ، وأشد سفهًا منه إتلاف الوقت :
أريد أن أنوه إلى شيء ، الحقيقة ليس له علاقة متينة بالموضوع ، لكنه مهم جداً ، الآن إذا أصيب رجلٌ ـ لا سمح الله ولا قدر ـ بمرض عضال ، وهذا المرض تحتاج عمليته الجراحية خارج القطر مثلاً إلى مليوني ليرة ، ولا يملك إلا بيتا ثمنه مليونان ، ماذا يفعل ؟ أنا أقول لك : إنني متأكد أنه لا يتردد ثانية واحدة في بيع بيته ، وإجراء العملية ، لماذا ؟ لأنه مركوز في أعماق أعماقه أن الوقت أثمن من المال ، لأنه بهذه العملية يتوهم أنه سيعيش بضع سنوات أخرى، أليس كذلك ؟ إذاً ضحى ببيته الوحيد ، وأجرى عملية متوهماً من خلال إجراء العملية أنه سيعيش بعض السنوات الأخرى ، هذه مقدمة .
إذا أمسك الرجل بمئة ألف ليرة أمام أشخاص عديدين وأحرقها ، كم يحكم عليه من الحاضرين السفه ؟ الكل من دون استثناء .
إذاً إتلاف المال سفه ، وإذا كان الوقت أثمن من المال ، فالذي يتلف وقته أشد سفهاً من الذي يتلف ماله .
الإيمان مرتبة علمية ، ومرتبة أخلاقية ، ومرتبة جمالية ، فإذا أردت أن تكون إنساناً بالمعنى الدقيق فتعرف إلى الله .
" ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء " .
﴿ أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ ﴾
( سورة يس )
الأستاذ علاء :
خاتمة وتوديع :
نرجو الله عز وجل أن نفيد جميعاً بكل ما تقدم ، ومن كل هذا العلم الفياض ، ولا يسعنا إلا أن نشكر الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين بدمشق .
شكراً أستاذي الكريم ، وإلى اللقاء إن شاء الله في محطات قادمة لنكمل ما بدأناه في هذه الحلقة .
والحمد لله رب العالمين

دعاء المحبوبة
2014-07-07, 00:41
http://im55.gulfup.com/4EZDtt.jpg

دعاء المحبوبة
2014-07-07, 00:42
http://im55.gulfup.com/QO2eTz.jpg

دعاء المحبوبة
2014-07-07, 00:45
http://im67.gulfup.com/VD3CVD.jpg

دعاء المحبوبة
2014-07-08, 07:15
http://im65.gulfup.com/xhSLJb.png

belamriabdelaziz
2014-07-08, 08:43
جزاك الله خيرا على مساهمتك المفيدة ونفع بها المسلمين جميعا
شكرا جزيلا

belamriabdelaziz
2014-07-08, 09:02
ندوات تلفزيونية – قناة سوريا الفضائية – الايمان هو الخلق – الدرس (22-95) - مقومات التكليف : الطبع - الطبع والتكليف – النحل
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2006-03-20
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم وترحيب :
أيها السادة المشاهدون ، سلام الله عليه ورحمته وبركاته ، وأهلاً ومرحباً بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم الإيمان هو الخلق ، نحن وإياكم في ضيافة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين بدمشق ، أهلاً وسهلاً بأستاذنا الكريم .
الدكتور راتب :
أهلا بكم أستاذ علاء ، جزاك الله خيراً .
الأستاذ علاء :
الحلقات الماضية كنا قد مررنا على مسألة هامة من مسائل مقومات التكليف ، وهي الفطرة ، وتبينا من خلال الحديث مع أستاذنا الكريم أن الفطرة هي المرجعية للإنسان أخلاقياً ، هذه المرجعية أن تحب الكمال ، ولا يعني أنه كامل ، لكن إذا قام بعمل ينافي محبة الفطرة للكمال تؤنب الفطرة النفس بالكآبة وبالأمراض النفسية والضيق ، وإذا توافق العمل والسلوك والمنهج مع الفطرة كانت الراحة النفسية تصاحب هذا الإنسان الذي كلفه الله بالرسالة ، وكلفه بالأمانة ، وتحدثنا عن الصبغة ، وقلت لنا : إن الصبغة ليست كالفطرة ، إنما هي حب الكمال ، والتوق إلى الكمال ، والمرجعية الأخلاقية عند الإنسان ، أما الصبغة فهي الاصطباغ بالكمال عند التخلق بأخلاق الله عز وجل ، وقفنا عند موضوع الطبع والتكليف ، ولم يسعفنا الوقت في إكمال هاتين المحطتين .
الإسلام نفس وروح وجسد :
الدكتور راتب :
الحقيقة أن الإنسان في الأصل نفس وروح وجسد ، نفسه ذاته هي المكلفة في المعاتبة ، هي التي ترقى ، هي التي تسمو ، هي التي تسقط ، هي التي تكفر ، هي التي تعتدي ، هي التي تحسن ، نفسك ذاتك ، والنفس لا تموت ، لكنها تذوق الموت ، قال تعالى :
﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾
[ سورة آل عمران : 185]
هذه النفس خالدة إلى ما شاء الله قال تعالى :
﴿ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ﴾
[ سورة الزخرف : 77]
هذه النفس هي ذات الإنسان ، هي الأصل هي التي تدرك ، هي التي ترقى ، هي التي تسقط ، هي التي تكذب ، هي التي تسيء ، النفس لها وعاء هو الجسد ، ترى من خلال العينين ، تنتقل إليها الأصوات من خلال الأذنين ، تعبر عن ذاتها باللسان ، تستمتع النفس بالطعام والشراب ، تستمع النفس بالطعام والشراب عن طريق خلايا الذوق ، تبطش باليد ، تنتقل بالرجل ، فهذا الجسم وعاء الإنسان ، تماماً كالمركبة ، سائقها هو كل شيء ، صاحب المركبة إما أن يسرع ، أو يخفض السرعة ، إن رأيتها أنيقة ونظيفة فسبب نظافة صاحبها ، إن رأيتها رعناء في قيادتها فمن رعونة قائدها ، فهي تعبر عن صاحبها ، الجسم وعاء للنفس ومرتكز له ، فالجسم كالثوب ، إذا بلي يخلع ، ويرمى جانباً ، هو الموت .
العين تحتاج إلى قوة كي ترى ، والروح هو القوة المحركة .
الأذن تسمع بالروح ، تماماً كآلة تسجيل فيها كل الميزات الكاملة ، لكن لا تنطق كي تسمع بها الشريط إلا بالكهرباء ، فالروح تسري في الجسم ، وهي قوة الله عز وجل ، والموت انقطاع قوة الإمداد ، وتلف الوعاء وبقاء النفس .
لكن أنا أقول لك كلمة : الآن من دون كهرباء يمكن أن تنتقل إذا قطع عنها التيار ، وهو الموت ، ويمكن أن تصيبها بالعطب ، فلا تصلح لاستقبال التيار ، وهو القتل ، القتل تحطم هذه البلورة ، فلم تعد صالحة لاستقبال التيار ، أما الموت فهو انقطاع التيار ، وبانقطاع التيار تنقطع الإضاءة ، أما حينما يقتل الإنسان تحكم أجهزته ، فلم تعد صالحة لاستقبال الإمداد الإلهي ، فهو المعني .
النفس هي الخالدة ، فإما في جنة يدوم نعيمها ، أو في نار لا ينفذ عذابها ، وهي المحاسبة ، هي المعاتبة ، هي المكلفة ، هي المؤمنة ، هي الكافرة ، هي المنافقة ، هي التي ترقى إلى الله ، هي التي تبتعد عنه ، هي التي تصاحب الشيطان ، هي كل شيء في ذات الإنسان .
الأستاذ علاء :
وهي المخيرة .
الدكتور راتب : ومكلفة ، قال تعالى :
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ﴾
[ سورة الأحزاب : 72]


خصائص النفس متطابقة مع متهج الله :
إلا أن النفس متطابقة تطابقاً تاماً مع منهج الله ، النفس ترتاح إذا أدت ما عليها ، والمثل واضح : فلو أن الإنسان استيقظ على صلاة الفجر ، وصلى السنة والفرض ، ورجع إلى النوم ينام مرتاحاً ، النفس ترتاح بطاعة الله ، ترتاح أن تكون صادقة ، ترتاح أن تكون أمينة ، ترتاح أن تكون متقنة ، ترتاح أن تؤدي واجباتها ، هذه النفس .
خصائص الجسد متناقضة مع التكليف :
إلا أن الجسم شيء آخر ، الجسد يحب النوم ، ويزعجه أن يستيقظ على صلاة الفجر ، الجسد يحب أن يملأ عينيه بالحسناوات ، ويزعجه أن يغض البصر ، الجسد يسعده أن يأخذ المال ليأكل به الطعام الطيب ، ويزعجه أن ينفقه ، خصائص الجسد متناقضة مع التكليف وهذا التناقض هو ثمن الجنة ، قال تعالى :
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾
[ سورة النازعات ]
الجنة كلها ثمنها الضبط ، الإيمان ضبط ، وقلنا سابقاً : الإنسان معه شهوات ، قال تعالى :
﴿ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ﴾
[ سورة البقرة : 212]
هذه الشهوات حيادية ، بالإمكان أن تمارس بلا قيد ولا شرط ، كما يفعل معظم سكان الأرض ، لكن الإيمان أعطانا مسافة مسموحاً بها ، ومنعنا عن مساحات غير مسموح بها ، هذا هو الإيمان ، أن تمارس شهوتك وفق منهج الله ، قال تعالى :
﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾
[ سورة القصص : 50]
المعنى المخالف : أنك إذا اتبعت هواك وفق منهج الله فلا شيء عليك .
الجسد خصائصه أن يميل إلى الراحة والاسترخاء والنوم ، وأن يأكل ما يشتهي بلا قيد أو شرط ، وأن يمتع عينيه بما يشتهي بلا قيد ولا شرط ، فيأتي الشرع ليقول له : غض البصر ، أنفق من مالك ، استيقظ وصلِّ ِ، اضبط لسانك ، هذا التكليف يناقض الطبع ، وهذا التناقض هو ثمن الجنة ، قال تعالى :
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾
[ سورة النازعات ]
وقد أثنى الله عز وجل على النفس الذي تلوم ذاتها ، قال تعالى :

﴿ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ﴾
[ سورة القيامة]
نماذج النفوس في القرآن الكريم :
بالمناسبة النفوس في القرآن الكريم نماذج .
1 – النفس المطمئنة :
قال تعالى :
﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ* ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي *وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾
[ سورة الفجر]
هذه المطمئنة .
2 – النفس اللوامة :
الآن قال تعالى :
﴿ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ﴾
[ سورة القيامة]
الأستاذ علاء :
تلوم صاحبها
هذا نموذج آخر ، فيها محاسبة .
الأستاذ علاء :
الحوار الداخلي أنك فعلت كذا هذا يجب ألا يكون ، هذا هو الحوار .
الدكتور راتب :
القلب الحي والقلب الميت :
أما الإنسان إذا مات قلبه فقد انتهى ، قال تعالى :
﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾
[ سورة النحل : 21]
ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء
***
من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بمـيت إيلام
***
الحقيقة أستاذ علاء أن الفرق كبير بين أن يكون القلب حياً ، وبين أن يكون ميتاً ، القلب الميت لا يعي على خير ، قال تعالى :
﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾
[ سورة الأنفال : 23]
لذلك هؤلاء الذين ماتت قلوبهم ، وخرجوا من دائرة العناية المشددة أعطاهم الله ما يشتهون ، قال تعالى :
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً ﴾
[ سورة الأنعام : 44]
كمرض خبيث انتشر بكل جسمك ، فلما سألتَ الطبيب : ماذا آكل ؟ قال : كل ما تشاء ، قال تعالى:
﴿ وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ﴾
[ سورة القصص : 78]
إذا سيق إنسان ليعدم لجريمة ارتكبها هل يحاسب على مخالفة سير ؟ فهذا التكليف متعلق بمنهج الله، وهو مناقض للطبع ، والتناقض بين الطبع والتكليف هو ثمن الجنة .
الشهوات لها قنوات نظيفة تسري من خلالها :
بالمناسبة ، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها ، فليس في الإسلام حرمان ، لكن فيه تنظيم ، وما من شهوة على الإطلاق أودعتْ في الإنسان إلا ولها قناة نظيفة شريفة طاهرة تسري خلالها .
شهوة المرأة مثلاً لها الزواج المشروع ، تزوجت امرأة جميلة مخلصة محبة ، أنجبت لك أولاداً ملؤوا البيت فرحة ، كبر الأولاد ، ارتقوا إلى مناصب رفيعة ، أنت أبوهم اعتزوا بك ، الحياة وفق منهج الله رائعة جداً .
أستاذ علاء ، بيت فيه جميع الأدوات الكهربائية ، من براد ، وغسالة ، ميكرو ويف ، مسجلة ، كل الأدوات الموجودة من دون كهرباء لا قيمة لها كلها ، لا شيء ، إذا سرت الكهرباء أصبح لكل جهاز معنى ، صدق أنه إذا سرى الإيمان في قلب الإنسان الزواج له معنى ، ومن دون إيمان يكون ممِلاًّ ، وأكثر الأزواج يملّون زوجاتهم ، والزوجات تملّ أزواجها ، الأبوة ليس لها معنى ، الابن عبء على الأب ، العمل ممل ، والحياة من دون إيمان مقفرة متصحرة ، متعبة مملة ، قيعان ، فإذا سرى الإيمان أصبحت مسعِدة ، والحرفة ما مِن إنسان لا يمل حرفته من كثرة التكرار ، إلا المؤمن إذا كانت حرفته مشروعة في الأصل ، ووفق منهج الله ، وسلك بها الطرق المشروعة ، لم يكذب ، لم يغش ، وابتغى منها كفاية نفسه وأهله ، وخدمة المجتمع ، أنا حينما أكون طبيباً أبتغي خدمة المجتمع ، حينما أكون تاجراً أبتغي خدمة المجتمع ، التاجر الصدوق مع النبيين يوم القيامة ، ابتغى بها خدمة المجتمع ، ولم تشغله عن فريضة ، ولا عن واجب ديني ، انقلبت حرفته إلى عبادة ، أنا أسميها العبادة التعاملية ، كل إنسان يمكن أن تكون حرفته عبادة تعاملية يرقى بها إلى الجنة ، لمجرد ألا تغش المسلمين ، وألا تؤذيهم ، وألا تحتال عليهم ، عندئذ أنت ترقى بهذه الصنعة ، أنا أرى أن الحياة لا تصلح من دون إيمان ، والمراقبة البشرية مستحيلة ، من يراقبك في الفرن الساعة الثانية ليلاً ؟
الأستاذ علاء :
لا يوجد ضبط مادي ، أو أدوات للضبط المادي والمجتمعي على مدار الساعة ، وفي كل زمان ومكان هنالك للضبط ساعات وأوقات معينة ، لكن كما تفضلت الإيمان يدخل إلى غرف نومه ، إلى حمامه ، إلى كل الأماكن .
الإنسان بين ضبط البشر ومراقبة الخالق :
الدكتور راتب :
إن راعيًا في شِعب الجبال يلتقي به ابن سيدنا عمر ، يقول له : بعني هذه الشاة ، وخذ ثمنها ، يقول له الراعي : ليست لي ، يقول : قل لصاحبها : ماتت ، أو أكلها الذئب ، يقول الراعي : ليست لي ، يقول له : خذ ثمنها ، يقول له الراعي : والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها ، ولو قلت لصاحبها : ماتت ، أو أكلها الذئب لصدقني ، فإني عنده صادق أمين ، ولكن أين الله ؟ هذا الراعي وضع يده على جوهر الدين ، إذا قلت : أين الله فأنت مؤمن ورب الكعبة ، والله الذي لا إله إلا هو لا أصدق أن يكون الانضباط في المجتمع من دون مراقبة لله ، لأن مهما كان الإنسان ذكياً فالمواطن أذكى ، ومهما كان القانون محكماً يستطيع أي مواطن أن يتفلت منه بطرق لا تعد ولا تحصى .
الأستاذ علاء :
في بلدان الغرب والحضارات الغربية السباق سجال ، السباق على أشده بين أجهزة الضبط وتقنياتها واختراعاتها ، وتطوير قوانينها ، وبين العصابات المتفلتة التي تسبقها بأشواط أحياناً .
الدكتور راتب :
أنا كنت في أمريكا راكبا سيارة ، فسمعت جرساً ، قلت : ما هذا ؟ قال : أمامنا جهاز رادار لكشف السرعات الزائدة ، نبه الجهاز السائق قبل خمسة كيلو مترات ، فعاد إلى السرعة النظامية ، هذه معركة بين عقلين .
الأستاذ علاء :
حتى هذا الصندوق الأسود في السيارات لضبط السرعات الساعة كذا ..
الدكتور راتب :
إذا كان المشرع إنساناً فالإنسان الآخر أذكى منه ، وأما إذا كان المشرع خالقاً فأين الله ؟ أعظم ما في الدين أنه يبدي الارتباط من الداخل يسمى الوازع .
الأستاذ علاء :
قالت لها أمها : اخلطي الحبيب .
الدكتور راتب :
القوانين الوضعية ردعها خارجي :
لكن رب عمر يرانا ، أسوأ ما في القوانين الوضعية أن ردعها خارجي .
مثلاً : الآن هناك كاميرات لضبط المخالفات في الأسواق مذهلة ، أما لما انقطعت الكهرباء تمت مئتا ألف سرقة في أمريكا في ليلة واحدة ، ما يقابل أربع مليارات دولار ، إذاً انضباطكم انضباط إلكتروني لا قيمة له ، الآن لو اشتريت في سوق من أمريكا قطعة ، ولم تدفع ثمنها تصدر أصواتاً مخيفة ، تغلق الأبواب فجأة ، إذاً الكل يدفع ؟ لا لأنهم كمَّلٌ ، لا لأنهم ورعون ، هناك ضبط إلكتروني فقط ، لما قطعت الكهرباء تفلتت الأمور .
الأستاذ علاء :
سيدي الكريم ، إذاً نحن قلنا : إن الخلاف ما بين الطبع الذي يرتبط بالجسد والجسم وما بين التكليف هو ثمن الجنة ، الآن محطتنا العلمية .
مجتمع النحل آية من آيات الله الكبرى :
الدكتور راتب :
الحقيقة أن النحل من أكبر الآيات الدالة على عظمة الله ، والآن إلى الفيلم العلمي.
الأستاذ علاء :
تفضل .
النحل : بين النظام المذهل والإنتاج المعجز :
الدكتور راتب :
واحدة من أغرب الكائنات في الطبيعة ، إنها النحلة ، تقدم لنا العسل الذي تنتجه بنفسها ، تعيش في بيوت تبنيها بنفسها على شكل مسدسات ، والشكل المسدس يلغي الفراغات البينية ، وقد تقول : المربع أيضاً يلغي الفراغات البينية ، لكن المسدس زواياه منفرجة ، وهذا من حكمة الخالق جل جلاله ، لتخزين العسل .
مَن منا يصدق أن صنع كيلو واحد من العسل يحتاج إلى طيران أربعمئة ألف كيلو متر ، حوالي عشرة دورات حول الأرض ، ويحتاج إلى أن تقف على ثمانية ملايين زهرة ، قال تعالى :
﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾
[ سورة النمل : 88]
﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ﴾
[ سورة النحل : 68]
وحي النحل وحي غريزة ، تقوم بأعمال معقدة جداً ، لا بأمر تكليفي كالإنسان ، بل بأمر تكويني ، إذا وقعت النحلة على زهرة تترك رائحة خاصة تشعر زميلاتها أن هذه الزهرة امتص رحيقها توفيراً للوقت والجهد .
كيف تهتدي النحلة إلى حقول الأزهار ؟
لكن السؤال الدقيق : كيف تهتدي النحلة إلى حقول الأزهار ؟
هناك نحلات مخبرات مستطلعات يبحثن في أماكن بعيدة عن الخلايا إلى مسافة عشرة كيلو مترات، فإذا عثرن على حقل أزهار أخذن عينة ، وعدن بها إلى الخلية ، وعرضنها على الخبيرات، هل هذا الحقل يستحق أن نطير إليه ؟ هناك نحلات مستطلعات كشافات ، تأخذ عينات ، وتعود إلى الخلية .
الآن كيف تستطيع هذه النحلة المخبرة بعد أن جابت السهول ، وعادت بنماذج أن تعلم أخواتها أين الحقل ؟
الحقيقة أن النحل يرقص ، ورقص النحل يعلم بقية النحلات بمكان الأزهار ، وبعدها ، وبكثافتها ، الجهة والبعد والكثافة ، هذه النحلة ترقص بهذا الخط إذا كانت المسافة باتجاه الشمس ، هذا الخط نحو الأعلى اتجاه الشمس ، نحلة أخرى ترقص باتجاه معاكس نحو اتجاه عكس الشمس ، نحلة ثالثة يمين الشمس ، أو يسار الشمس ، هذه باتجاه الشمس ، هذه النحلة ترقص باتجاه الشمس ، ونحلة أخرى ترقص باتجاه معاكس للشمس ، طبعاً رأسها باتجاه السهم ، هناك نحلة ثالثة ترقص بخط متعامد مع اتجاه الشمس كالصورة تماماً في لذلك تسعون درجة مع أشعة الشمس ، الرابعة بزاوية خمس وأربعين يسار الشمس ، إذاً اتجاه الرقص يحدد مكان الأزهار .
الآن بطريقة لا نعلمها تماماً تحدد المسافة ، بطريقة سابغة حسب تواتر الرقص تحدد الكمية ، أولاً: الاتجاه ، ثانياً : المسافة ، ثالثاً : الكمية كله عن طريق الرقص ، قال تعالى :
﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ﴾
[ سورة النحل : 68]
كله عن طريق الرقص ، أوحى ربك إلى النحل ، هذا من وحي الله له ، والوحي وحي غريزي .
شيء آخر ، لا يمكن أن تبيت نحلة إلا في خليتها ، لأنها ما لم تذكر كلمة السر تقتل ، لكل خلية كلمة سر ، و كلمة السر من حين لآخر تبدل ، الحقيقة أن هناك نظاما اجتماعيا في النحل لا يصدقه العقل ، والله أنا ما ذكرت الآن واحدا بالمليون من معلومات دقيقة عن النحل لضيق الوقت طبعاً .
طيرانها وهي محملة بالرحيق ثلاثون كيلوا في الساعة ، طيرانها من دون رحيق ستون مترا في الساعة ، و معظم النحل ينتقل إلى مسافة عشرة كيلومترات ليصل إلى الأزهار .
الأستاذ علاء :
أي تغدو خماصاً ، و تعود بطاناً .
الدكتور راتب :
أقسام النحل :
يوجد نحلات عاملات ، ونحلات للتنظيف ، ونحلات للتهوية ، لو دخلت فأرة إلى الخلية ليس لها حل ، تغطى بشمع ، وكأنك وضعتها في كونسروة ، يحنطوها تحنيطاً كاملاً ، وهناك نحلات مهمتها تلميع الخلية ، يوجد صقل ، ويوجد تلميع
الآن هذه النحلة أحضروا أوعية فيها سكر ، وجاء النحل إليها من أماكن متعددة ، فكل مكان أعطوا للنحلة إشارة ، يوجد نحلة أعطوها نقطة ، ونحلة خطا ، ونحلة زائدا ، فعادت هذه النحلات التي عليها خط من مصدر ، والنقطة من مصدر ، والزائد من مصدر ، فرقصت رقصاً معيناً ، فبعد حين ذهبوا إلى الموقع فوجدوا أن عدداً كبيراً من النحل قد أمّ هذا الموقع ، تجارب بمنتهى الدقة ، وضعت نقطة على نحلة من مصدر معين ، و الثانية خط ، و الثالثة زائد ، فجاءت هذه النحلات إلى مكان الخلية ، ورقصت رقصاً يحدد المكان والمسافة والكثافة ، فبعد حين ذهبوا إلى هذه الأماكن الثلاثة فوجدوا أن النحل قد وصل إلى هذه الأماكن ، وارتاد هذه الأماكن .
الحقيقة أن الله عز وجل ذكر النحل في القرآن الكريم :
﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي ﴾
[ سورة النحل : 68]
مهمة إناث النحل جني الرحيق :
ياء المؤنثة المخاطبة ، و النحلة المؤنثة هي التي تجني الرحيق ، و هذه إشارة من إشارات القرآن الكريم إلى ذلك ، أي أُوحِي لك أن اتخذي ، ياء المؤنثة المخاطبة .
الحقيقة أن الحديث عن النحل حديث طويل ، و فيه شيء لا يصدق .

وظيفة المخلوق : إرشادية ونفعية :
ما من شيء خلقه الله إلا و له وظيفتان ، و النبي عليه الصلاة والسلام نظر إلى الهلال فقال :
(( هلال خير و رشد ))
[ أبو داود عن قتادة ]
أي خير ننتفع به في الدنيا ، ويرشدنا إلى ربنا ، فكل شيء الله خلقه له وظيفتان ، وظيفة إرشادية إلى الله ، و وظيفة نفعية .
العالم الغربي اكتفى بالوظيفة النفعية ، والمؤمنون أضافوا إلى الوظيفة النفعية الوظيفة الإرشادية ، فكان النحل درساً بليغاً لتعظيم الله عز وجل .
الذي لم يأكل العسل في حياته ، لكنه قرأ كتاباً عن العسل ، وبكى خشوعاً فقد حقق الهدف الأكبر من خلق العسل ، والذي أكل عسلاً حتى امتلأ ، ولم يفكر بعظمة الخالق عطل الهدف الأكبر من وجود العسل .
الحقيقة :
﴿ وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ ﴾
[ سورة الذاريات : 20]
التفكر في الكون أقصر طريق إلى الله :
وكما أقول دائماً : التفكر في خلق السماوات والأرض أقصر طريق نصل به إلى الله ، و أوسع باب ندخل منه على الله ، لأنه يضعنا أمام عظمة الله عز وجل .
الأستاذ علاء :
كل الأشياء التي نراها ، هذه الدقة ، هذا الإتقان ، هذا العالم الذي لا يوجد فيه فتور إنما يدل على عظمة الخالق ، وأن مهندساً من وراء هذا الكون أبدع هذا الصنع ، ولم يأت مصادفة ، ولم يأت بالتطور ، ولم يأت عن طريق اجتماع مادتين لا حياة فيهما ، و نشأ الخلق هكذا بهذا الانتظام كما مرّ معنا في حلقات سابقة .
الدكتور راتب :
إذا كانت الذات الإلهية لا تدركها الأبصار ، لكن العقول تصل إليها من خلال خلق الله .
خاتمة وتوديع :
الأستاذ علاء :
لا يسعنا إلا أن نشكر الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كلية الشريعة وأصول الدين في جامعة دمشق ، شكراً لكل ما قدمت ، و أيضاً لابد أن نقف عند المحطة العلمية في كل حلقة التي تمتع ، والتي تربط العقل و الفكر و النفس و الذات ، و تعيد بها إلى الصواب ، و تجعل منها حالة تفكير من وراء هذا الصنع و هذه الدقة و هذا الخلق .
الدكتور راتب :
في برنامجنا الإيمان هو الخلق فالفقرة العلمية يغطي الإيمان .
الأستاذ علاء :
وتعود بسلوك الإنسان إلى الخلق الذي أراده الله عز وجل ، شكراً أستاذنا الكريم ، والسلام عليكم ورحمة الله و بركاته ، وأهلاً ومرحباً بكم .
والحمد لله رب العالمين

belamriabdelaziz
2014-07-08, 09:03
ندوات تلفزيونية – قناة سوريا الفضائية – الايمان هو الخلق – الدرس (22-95) - مقومات التكليف : الطبع - الطبع والتكليف – النحل
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2006-03-20
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم وترحيب :
أيها السادة المشاهدون ، سلام الله عليه ورحمته وبركاته ، وأهلاً ومرحباً بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم الإيمان هو الخلق ، نحن وإياكم في ضيافة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين بدمشق ، أهلاً وسهلاً بأستاذنا الكريم .
الدكتور راتب :
أهلا بكم أستاذ علاء ، جزاك الله خيراً .
الأستاذ علاء :
الحلقات الماضية كنا قد مررنا على مسألة هامة من مسائل مقومات التكليف ، وهي الفطرة ، وتبينا من خلال الحديث مع أستاذنا الكريم أن الفطرة هي المرجعية للإنسان أخلاقياً ، هذه المرجعية أن تحب الكمال ، ولا يعني أنه كامل ، لكن إذا قام بعمل ينافي محبة الفطرة للكمال تؤنب الفطرة النفس بالكآبة وبالأمراض النفسية والضيق ، وإذا توافق العمل والسلوك والمنهج مع الفطرة كانت الراحة النفسية تصاحب هذا الإنسان الذي كلفه الله بالرسالة ، وكلفه بالأمانة ، وتحدثنا عن الصبغة ، وقلت لنا : إن الصبغة ليست كالفطرة ، إنما هي حب الكمال ، والتوق إلى الكمال ، والمرجعية الأخلاقية عند الإنسان ، أما الصبغة فهي الاصطباغ بالكمال عند التخلق بأخلاق الله عز وجل ، وقفنا عند موضوع الطبع والتكليف ، ولم يسعفنا الوقت في إكمال هاتين المحطتين .
الإسلام نفس وروح وجسد :
الدكتور راتب :
الحقيقة أن الإنسان في الأصل نفس وروح وجسد ، نفسه ذاته هي المكلفة في المعاتبة ، هي التي ترقى ، هي التي تسمو ، هي التي تسقط ، هي التي تكفر ، هي التي تعتدي ، هي التي تحسن ، نفسك ذاتك ، والنفس لا تموت ، لكنها تذوق الموت ، قال تعالى :
﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾
[ سورة آل عمران : 185]
هذه النفس خالدة إلى ما شاء الله قال تعالى :
﴿ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ﴾
[ سورة الزخرف : 77]
هذه النفس هي ذات الإنسان ، هي الأصل هي التي تدرك ، هي التي ترقى ، هي التي تسقط ، هي التي تكذب ، هي التي تسيء ، النفس لها وعاء هو الجسد ، ترى من خلال العينين ، تنتقل إليها الأصوات من خلال الأذنين ، تعبر عن ذاتها باللسان ، تستمتع النفس بالطعام والشراب ، تستمع النفس بالطعام والشراب عن طريق خلايا الذوق ، تبطش باليد ، تنتقل بالرجل ، فهذا الجسم وعاء الإنسان ، تماماً كالمركبة ، سائقها هو كل شيء ، صاحب المركبة إما أن يسرع ، أو يخفض السرعة ، إن رأيتها أنيقة ونظيفة فسبب نظافة صاحبها ، إن رأيتها رعناء في قيادتها فمن رعونة قائدها ، فهي تعبر عن صاحبها ، الجسم وعاء للنفس ومرتكز له ، فالجسم كالثوب ، إذا بلي يخلع ، ويرمى جانباً ، هو الموت .
العين تحتاج إلى قوة كي ترى ، والروح هو القوة المحركة .
الأذن تسمع بالروح ، تماماً كآلة تسجيل فيها كل الميزات الكاملة ، لكن لا تنطق كي تسمع بها الشريط إلا بالكهرباء ، فالروح تسري في الجسم ، وهي قوة الله عز وجل ، والموت انقطاع قوة الإمداد ، وتلف الوعاء وبقاء النفس .
لكن أنا أقول لك كلمة : الآن من دون كهرباء يمكن أن تنتقل إذا قطع عنها التيار ، وهو الموت ، ويمكن أن تصيبها بالعطب ، فلا تصلح لاستقبال التيار ، وهو القتل ، القتل تحطم هذه البلورة ، فلم تعد صالحة لاستقبال التيار ، أما الموت فهو انقطاع التيار ، وبانقطاع التيار تنقطع الإضاءة ، أما حينما يقتل الإنسان تحكم أجهزته ، فلم تعد صالحة لاستقبال الإمداد الإلهي ، فهو المعني .
النفس هي الخالدة ، فإما في جنة يدوم نعيمها ، أو في نار لا ينفذ عذابها ، وهي المحاسبة ، هي المعاتبة ، هي المكلفة ، هي المؤمنة ، هي الكافرة ، هي المنافقة ، هي التي ترقى إلى الله ، هي التي تبتعد عنه ، هي التي تصاحب الشيطان ، هي كل شيء في ذات الإنسان .
الأستاذ علاء :
وهي المخيرة .
الدكتور راتب : ومكلفة ، قال تعالى :
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ﴾
[ سورة الأحزاب : 72]


خصائص النفس متطابقة مع متهج الله :
إلا أن النفس متطابقة تطابقاً تاماً مع منهج الله ، النفس ترتاح إذا أدت ما عليها ، والمثل واضح : فلو أن الإنسان استيقظ على صلاة الفجر ، وصلى السنة والفرض ، ورجع إلى النوم ينام مرتاحاً ، النفس ترتاح بطاعة الله ، ترتاح أن تكون صادقة ، ترتاح أن تكون أمينة ، ترتاح أن تكون متقنة ، ترتاح أن تؤدي واجباتها ، هذه النفس .
خصائص الجسد متناقضة مع التكليف :
إلا أن الجسم شيء آخر ، الجسد يحب النوم ، ويزعجه أن يستيقظ على صلاة الفجر ، الجسد يحب أن يملأ عينيه بالحسناوات ، ويزعجه أن يغض البصر ، الجسد يسعده أن يأخذ المال ليأكل به الطعام الطيب ، ويزعجه أن ينفقه ، خصائص الجسد متناقضة مع التكليف وهذا التناقض هو ثمن الجنة ، قال تعالى :
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾
[ سورة النازعات ]
الجنة كلها ثمنها الضبط ، الإيمان ضبط ، وقلنا سابقاً : الإنسان معه شهوات ، قال تعالى :
﴿ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ﴾
[ سورة البقرة : 212]
هذه الشهوات حيادية ، بالإمكان أن تمارس بلا قيد ولا شرط ، كما يفعل معظم سكان الأرض ، لكن الإيمان أعطانا مسافة مسموحاً بها ، ومنعنا عن مساحات غير مسموح بها ، هذا هو الإيمان ، أن تمارس شهوتك وفق منهج الله ، قال تعالى :
﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾
[ سورة القصص : 50]
المعنى المخالف : أنك إذا اتبعت هواك وفق منهج الله فلا شيء عليك .
الجسد خصائصه أن يميل إلى الراحة والاسترخاء والنوم ، وأن يأكل ما يشتهي بلا قيد أو شرط ، وأن يمتع عينيه بما يشتهي بلا قيد ولا شرط ، فيأتي الشرع ليقول له : غض البصر ، أنفق من مالك ، استيقظ وصلِّ ِ، اضبط لسانك ، هذا التكليف يناقض الطبع ، وهذا التناقض هو ثمن الجنة ، قال تعالى :
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾
[ سورة النازعات ]
وقد أثنى الله عز وجل على النفس الذي تلوم ذاتها ، قال تعالى :

﴿ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ﴾
[ سورة القيامة]
نماذج النفوس في القرآن الكريم :
بالمناسبة النفوس في القرآن الكريم نماذج .
1 – النفس المطمئنة :
قال تعالى :
﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ* ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي *وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾
[ سورة الفجر]
هذه المطمئنة .
2 – النفس اللوامة :
الآن قال تعالى :
﴿ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ﴾
[ سورة القيامة]
الأستاذ علاء :
تلوم صاحبها
هذا نموذج آخر ، فيها محاسبة .
الأستاذ علاء :
الحوار الداخلي أنك فعلت كذا هذا يجب ألا يكون ، هذا هو الحوار .
الدكتور راتب :
القلب الحي والقلب الميت :
أما الإنسان إذا مات قلبه فقد انتهى ، قال تعالى :
﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾
[ سورة النحل : 21]
ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء
***
من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بمـيت إيلام
***
الحقيقة أستاذ علاء أن الفرق كبير بين أن يكون القلب حياً ، وبين أن يكون ميتاً ، القلب الميت لا يعي على خير ، قال تعالى :
﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾
[ سورة الأنفال : 23]
لذلك هؤلاء الذين ماتت قلوبهم ، وخرجوا من دائرة العناية المشددة أعطاهم الله ما يشتهون ، قال تعالى :
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً ﴾
[ سورة الأنعام : 44]
كمرض خبيث انتشر بكل جسمك ، فلما سألتَ الطبيب : ماذا آكل ؟ قال : كل ما تشاء ، قال تعالى:
﴿ وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ﴾
[ سورة القصص : 78]
إذا سيق إنسان ليعدم لجريمة ارتكبها هل يحاسب على مخالفة سير ؟ فهذا التكليف متعلق بمنهج الله، وهو مناقض للطبع ، والتناقض بين الطبع والتكليف هو ثمن الجنة .
الشهوات لها قنوات نظيفة تسري من خلالها :
بالمناسبة ، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها ، فليس في الإسلام حرمان ، لكن فيه تنظيم ، وما من شهوة على الإطلاق أودعتْ في الإنسان إلا ولها قناة نظيفة شريفة طاهرة تسري خلالها .
شهوة المرأة مثلاً لها الزواج المشروع ، تزوجت امرأة جميلة مخلصة محبة ، أنجبت لك أولاداً ملؤوا البيت فرحة ، كبر الأولاد ، ارتقوا إلى مناصب رفيعة ، أنت أبوهم اعتزوا بك ، الحياة وفق منهج الله رائعة جداً .
أستاذ علاء ، بيت فيه جميع الأدوات الكهربائية ، من براد ، وغسالة ، ميكرو ويف ، مسجلة ، كل الأدوات الموجودة من دون كهرباء لا قيمة لها كلها ، لا شيء ، إذا سرت الكهرباء أصبح لكل جهاز معنى ، صدق أنه إذا سرى الإيمان في قلب الإنسان الزواج له معنى ، ومن دون إيمان يكون ممِلاًّ ، وأكثر الأزواج يملّون زوجاتهم ، والزوجات تملّ أزواجها ، الأبوة ليس لها معنى ، الابن عبء على الأب ، العمل ممل ، والحياة من دون إيمان مقفرة متصحرة ، متعبة مملة ، قيعان ، فإذا سرى الإيمان أصبحت مسعِدة ، والحرفة ما مِن إنسان لا يمل حرفته من كثرة التكرار ، إلا المؤمن إذا كانت حرفته مشروعة في الأصل ، ووفق منهج الله ، وسلك بها الطرق المشروعة ، لم يكذب ، لم يغش ، وابتغى منها كفاية نفسه وأهله ، وخدمة المجتمع ، أنا حينما أكون طبيباً أبتغي خدمة المجتمع ، حينما أكون تاجراً أبتغي خدمة المجتمع ، التاجر الصدوق مع النبيين يوم القيامة ، ابتغى بها خدمة المجتمع ، ولم تشغله عن فريضة ، ولا عن واجب ديني ، انقلبت حرفته إلى عبادة ، أنا أسميها العبادة التعاملية ، كل إنسان يمكن أن تكون حرفته عبادة تعاملية يرقى بها إلى الجنة ، لمجرد ألا تغش المسلمين ، وألا تؤذيهم ، وألا تحتال عليهم ، عندئذ أنت ترقى بهذه الصنعة ، أنا أرى أن الحياة لا تصلح من دون إيمان ، والمراقبة البشرية مستحيلة ، من يراقبك في الفرن الساعة الثانية ليلاً ؟
الأستاذ علاء :
لا يوجد ضبط مادي ، أو أدوات للضبط المادي والمجتمعي على مدار الساعة ، وفي كل زمان ومكان هنالك للضبط ساعات وأوقات معينة ، لكن كما تفضلت الإيمان يدخل إلى غرف نومه ، إلى حمامه ، إلى كل الأماكن .
الإنسان بين ضبط البشر ومراقبة الخالق :
الدكتور راتب :
إن راعيًا في شِعب الجبال يلتقي به ابن سيدنا عمر ، يقول له : بعني هذه الشاة ، وخذ ثمنها ، يقول له الراعي : ليست لي ، يقول : قل لصاحبها : ماتت ، أو أكلها الذئب ، يقول الراعي : ليست لي ، يقول له : خذ ثمنها ، يقول له الراعي : والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها ، ولو قلت لصاحبها : ماتت ، أو أكلها الذئب لصدقني ، فإني عنده صادق أمين ، ولكن أين الله ؟ هذا الراعي وضع يده على جوهر الدين ، إذا قلت : أين الله فأنت مؤمن ورب الكعبة ، والله الذي لا إله إلا هو لا أصدق أن يكون الانضباط في المجتمع من دون مراقبة لله ، لأن مهما كان الإنسان ذكياً فالمواطن أذكى ، ومهما كان القانون محكماً يستطيع أي مواطن أن يتفلت منه بطرق لا تعد ولا تحصى .
الأستاذ علاء :
في بلدان الغرب والحضارات الغربية السباق سجال ، السباق على أشده بين أجهزة الضبط وتقنياتها واختراعاتها ، وتطوير قوانينها ، وبين العصابات المتفلتة التي تسبقها بأشواط أحياناً .
الدكتور راتب :
أنا كنت في أمريكا راكبا سيارة ، فسمعت جرساً ، قلت : ما هذا ؟ قال : أمامنا جهاز رادار لكشف السرعات الزائدة ، نبه الجهاز السائق قبل خمسة كيلو مترات ، فعاد إلى السرعة النظامية ، هذه معركة بين عقلين .
الأستاذ علاء :
حتى هذا الصندوق الأسود في السيارات لضبط السرعات الساعة كذا ..
الدكتور راتب :
إذا كان المشرع إنساناً فالإنسان الآخر أذكى منه ، وأما إذا كان المشرع خالقاً فأين الله ؟ أعظم ما في الدين أنه يبدي الارتباط من الداخل يسمى الوازع .
الأستاذ علاء :
قالت لها أمها : اخلطي الحبيب .
الدكتور راتب :
القوانين الوضعية ردعها خارجي :
لكن رب عمر يرانا ، أسوأ ما في القوانين الوضعية أن ردعها خارجي .
مثلاً : الآن هناك كاميرات لضبط المخالفات في الأسواق مذهلة ، أما لما انقطعت الكهرباء تمت مئتا ألف سرقة في أمريكا في ليلة واحدة ، ما يقابل أربع مليارات دولار ، إذاً انضباطكم انضباط إلكتروني لا قيمة له ، الآن لو اشتريت في سوق من أمريكا قطعة ، ولم تدفع ثمنها تصدر أصواتاً مخيفة ، تغلق الأبواب فجأة ، إذاً الكل يدفع ؟ لا لأنهم كمَّلٌ ، لا لأنهم ورعون ، هناك ضبط إلكتروني فقط ، لما قطعت الكهرباء تفلتت الأمور .
الأستاذ علاء :
سيدي الكريم ، إذاً نحن قلنا : إن الخلاف ما بين الطبع الذي يرتبط بالجسد والجسم وما بين التكليف هو ثمن الجنة ، الآن محطتنا العلمية .
مجتمع النحل آية من آيات الله الكبرى :
الدكتور راتب :
الحقيقة أن النحل من أكبر الآيات الدالة على عظمة الله ، والآن إلى الفيلم العلمي.
الأستاذ علاء :
تفضل .
النحل : بين النظام المذهل والإنتاج المعجز :
الدكتور راتب :
واحدة من أغرب الكائنات في الطبيعة ، إنها النحلة ، تقدم لنا العسل الذي تنتجه بنفسها ، تعيش في بيوت تبنيها بنفسها على شكل مسدسات ، والشكل المسدس يلغي الفراغات البينية ، وقد تقول : المربع أيضاً يلغي الفراغات البينية ، لكن المسدس زواياه منفرجة ، وهذا من حكمة الخالق جل جلاله ، لتخزين العسل .
مَن منا يصدق أن صنع كيلو واحد من العسل يحتاج إلى طيران أربعمئة ألف كيلو متر ، حوالي عشرة دورات حول الأرض ، ويحتاج إلى أن تقف على ثمانية ملايين زهرة ، قال تعالى :
﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾
[ سورة النمل : 88]
﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ﴾
[ سورة النحل : 68]
وحي النحل وحي غريزة ، تقوم بأعمال معقدة جداً ، لا بأمر تكليفي كالإنسان ، بل بأمر تكويني ، إذا وقعت النحلة على زهرة تترك رائحة خاصة تشعر زميلاتها أن هذه الزهرة امتص رحيقها توفيراً للوقت والجهد .
كيف تهتدي النحلة إلى حقول الأزهار ؟
لكن السؤال الدقيق : كيف تهتدي النحلة إلى حقول الأزهار ؟
هناك نحلات مخبرات مستطلعات يبحثن في أماكن بعيدة عن الخلايا إلى مسافة عشرة كيلو مترات، فإذا عثرن على حقل أزهار أخذن عينة ، وعدن بها إلى الخلية ، وعرضنها على الخبيرات، هل هذا الحقل يستحق أن نطير إليه ؟ هناك نحلات مستطلعات كشافات ، تأخذ عينات ، وتعود إلى الخلية .
الآن كيف تستطيع هذه النحلة المخبرة بعد أن جابت السهول ، وعادت بنماذج أن تعلم أخواتها أين الحقل ؟
الحقيقة أن النحل يرقص ، ورقص النحل يعلم بقية النحلات بمكان الأزهار ، وبعدها ، وبكثافتها ، الجهة والبعد والكثافة ، هذه النحلة ترقص بهذا الخط إذا كانت المسافة باتجاه الشمس ، هذا الخط نحو الأعلى اتجاه الشمس ، نحلة أخرى ترقص باتجاه معاكس نحو اتجاه عكس الشمس ، نحلة ثالثة يمين الشمس ، أو يسار الشمس ، هذه باتجاه الشمس ، هذه النحلة ترقص باتجاه الشمس ، ونحلة أخرى ترقص باتجاه معاكس للشمس ، طبعاً رأسها باتجاه السهم ، هناك نحلة ثالثة ترقص بخط متعامد مع اتجاه الشمس كالصورة تماماً في لذلك تسعون درجة مع أشعة الشمس ، الرابعة بزاوية خمس وأربعين يسار الشمس ، إذاً اتجاه الرقص يحدد مكان الأزهار .
الآن بطريقة لا نعلمها تماماً تحدد المسافة ، بطريقة سابغة حسب تواتر الرقص تحدد الكمية ، أولاً: الاتجاه ، ثانياً : المسافة ، ثالثاً : الكمية كله عن طريق الرقص ، قال تعالى :
﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ﴾
[ سورة النحل : 68]
كله عن طريق الرقص ، أوحى ربك إلى النحل ، هذا من وحي الله له ، والوحي وحي غريزي .
شيء آخر ، لا يمكن أن تبيت نحلة إلا في خليتها ، لأنها ما لم تذكر كلمة السر تقتل ، لكل خلية كلمة سر ، و كلمة السر من حين لآخر تبدل ، الحقيقة أن هناك نظاما اجتماعيا في النحل لا يصدقه العقل ، والله أنا ما ذكرت الآن واحدا بالمليون من معلومات دقيقة عن النحل لضيق الوقت طبعاً .
طيرانها وهي محملة بالرحيق ثلاثون كيلوا في الساعة ، طيرانها من دون رحيق ستون مترا في الساعة ، و معظم النحل ينتقل إلى مسافة عشرة كيلومترات ليصل إلى الأزهار .
الأستاذ علاء :
أي تغدو خماصاً ، و تعود بطاناً .
الدكتور راتب :
أقسام النحل :
يوجد نحلات عاملات ، ونحلات للتنظيف ، ونحلات للتهوية ، لو دخلت فأرة إلى الخلية ليس لها حل ، تغطى بشمع ، وكأنك وضعتها في كونسروة ، يحنطوها تحنيطاً كاملاً ، وهناك نحلات مهمتها تلميع الخلية ، يوجد صقل ، ويوجد تلميع
الآن هذه النحلة أحضروا أوعية فيها سكر ، وجاء النحل إليها من أماكن متعددة ، فكل مكان أعطوا للنحلة إشارة ، يوجد نحلة أعطوها نقطة ، ونحلة خطا ، ونحلة زائدا ، فعادت هذه النحلات التي عليها خط من مصدر ، والنقطة من مصدر ، والزائد من مصدر ، فرقصت رقصاً معيناً ، فبعد حين ذهبوا إلى الموقع فوجدوا أن عدداً كبيراً من النحل قد أمّ هذا الموقع ، تجارب بمنتهى الدقة ، وضعت نقطة على نحلة من مصدر معين ، و الثانية خط ، و الثالثة زائد ، فجاءت هذه النحلات إلى مكان الخلية ، ورقصت رقصاً يحدد المكان والمسافة والكثافة ، فبعد حين ذهبوا إلى هذه الأماكن الثلاثة فوجدوا أن النحل قد وصل إلى هذه الأماكن ، وارتاد هذه الأماكن .
الحقيقة أن الله عز وجل ذكر النحل في القرآن الكريم :
﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي ﴾
[ سورة النحل : 68]
مهمة إناث النحل جني الرحيق :
ياء المؤنثة المخاطبة ، و النحلة المؤنثة هي التي تجني الرحيق ، و هذه إشارة من إشارات القرآن الكريم إلى ذلك ، أي أُوحِي لك أن اتخذي ، ياء المؤنثة المخاطبة .
الحقيقة أن الحديث عن النحل حديث طويل ، و فيه شيء لا يصدق .

وظيفة المخلوق : إرشادية ونفعية :
ما من شيء خلقه الله إلا و له وظيفتان ، و النبي عليه الصلاة والسلام نظر إلى الهلال فقال :
(( هلال خير و رشد ))
[ أبو داود عن قتادة ]
أي خير ننتفع به في الدنيا ، ويرشدنا إلى ربنا ، فكل شيء الله خلقه له وظيفتان ، وظيفة إرشادية إلى الله ، و وظيفة نفعية .
العالم الغربي اكتفى بالوظيفة النفعية ، والمؤمنون أضافوا إلى الوظيفة النفعية الوظيفة الإرشادية ، فكان النحل درساً بليغاً لتعظيم الله عز وجل .
الذي لم يأكل العسل في حياته ، لكنه قرأ كتاباً عن العسل ، وبكى خشوعاً فقد حقق الهدف الأكبر من خلق العسل ، والذي أكل عسلاً حتى امتلأ ، ولم يفكر بعظمة الخالق عطل الهدف الأكبر من وجود العسل .
الحقيقة :
﴿ وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ ﴾
[ سورة الذاريات : 20]
التفكر في الكون أقصر طريق إلى الله :
وكما أقول دائماً : التفكر في خلق السماوات والأرض أقصر طريق نصل به إلى الله ، و أوسع باب ندخل منه على الله ، لأنه يضعنا أمام عظمة الله عز وجل .
الأستاذ علاء :
كل الأشياء التي نراها ، هذه الدقة ، هذا الإتقان ، هذا العالم الذي لا يوجد فيه فتور إنما يدل على عظمة الخالق ، وأن مهندساً من وراء هذا الكون أبدع هذا الصنع ، ولم يأت مصادفة ، ولم يأت بالتطور ، ولم يأت عن طريق اجتماع مادتين لا حياة فيهما ، و نشأ الخلق هكذا بهذا الانتظام كما مرّ معنا في حلقات سابقة .
الدكتور راتب :
إذا كانت الذات الإلهية لا تدركها الأبصار ، لكن العقول تصل إليها من خلال خلق الله .
خاتمة وتوديع :
الأستاذ علاء :
لا يسعنا إلا أن نشكر الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كلية الشريعة وأصول الدين في جامعة دمشق ، شكراً لكل ما قدمت ، و أيضاً لابد أن نقف عند المحطة العلمية في كل حلقة التي تمتع ، والتي تربط العقل و الفكر و النفس و الذات ، و تعيد بها إلى الصواب ، و تجعل منها حالة تفكير من وراء هذا الصنع و هذه الدقة و هذا الخلق .
الدكتور راتب :
في برنامجنا الإيمان هو الخلق فالفقرة العلمية يغطي الإيمان .
الأستاذ علاء :
وتعود بسلوك الإنسان إلى الخلق الذي أراده الله عز وجل ، شكراً أستاذنا الكريم ، والسلام عليكم ورحمة الله و بركاته ، وأهلاً ومرحباً بكم .
والحمد لله رب العالمين

دعاء المحبوبة
2014-07-09, 05:58
رتب رمضانك (http://safeshare.tv/w/BGEEqJPVVD)
http://im81.gulfup.com/zikUhY.png (http://safeshare.tv/w/BGEEqJPVVD)
(http://safeshare.tv/w/BGEEqJPVVD)

belamriabdelaziz
2014-07-09, 09:01
مرة أخرى جزاك الله خيرا على مساهمتك القيمة.

belamriabdelaziz
2014-07-09, 09:03
أحكام التجويد - الحلقة ( 070 - 113 ) - صفات الحروف - المحاضرة(05-48) : التفشى.
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2009-05-01
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين وعلى آله وصحبه أجمعين، ما زلنا يا أخوتي، بالنسبة إلى شرح أحكام تجويد القرآن الكريم نتكلم عن صفات الحروف التي لا ضد لها، تكلمنا في المرة الماضية في الحلقة الماضية عن صفة التكرير، وهي من صفات حرف الراء لا غير، واليوم نتكلم على صفة من الصفات التي لا ضد لها أيضاً وهي صفة التفشي وهي صفة لحرف واحد في القرآن أو بل في اللغة العربية هو حرف الشين، التفشي عندما ننطق الشين جربوا هكذا ( أشْ )، تجدون بأن الشين كما ذكرنا عند بحث مخارج الحروف تخرج من وسط اللسان، من هذه المنطقة، ومن هنا ينشأ الصوت من وسط اللسان ينشأ الصوت ثم يندفع الصوت باتجاه مقدمة الفم فيصطدم الصوت بالأسنان بالصفحة الداخلية للأسنان العليا فيؤدي هذا إلى حدوث انتشار للصوت في الفم، هذا الانتشار يعطي الشين صوتاً خاصاً، سمى العلماء هذه الصفة للشين بصفة التفشي.
ونستطيع أن نلحظ ذلك من خلال اللوحة التعليمية التي تبين لنا تعريف التفشي كما ذكره علماءنا، التفشي: هو انتشار صوت الشين من مخرجه حتى يصطدم بالصفحة الداخلية للأسنان العليا، والرسمة التي على الجهة اليمنى من اللوحة تبين كيف أن مبدأ صوت الشين هو من وسط اللسان، ثم يصطدم ذلك الصوت بالأسنان العليا من الداخل فيحدث هذا الانتشار للصوت الذي يعطي الشين مذاقاً خاصاً وقوة في السمع.
التفشي من الصفات التي تدل على قوة الحرف في السمع، (شا)، (شاكرا)،(شكورا).
المنطقة المظللة باللون الأزرق هي التي من عندها يبدأ صوت الشين، أيضاً يا أخوة، من صفات الحروف التي لا ضد لها صفة أطلقها علماءنا على حرفين من حروف اللغة العربية وهما الواو والياء إذا سكنتا وانفتح ما قبلهما، الواو الساكنة المفتوح ما قبلها والياء الساكنة المفتوح ما قبلها، هذان الحرفان سماهما علماءنا بحرفي اللين، لأنهما يخرجان بيسر ولين من غير كلفة في النطق ولا تعب، فصفة اللين صفة لهذين الحرفين، ونلاحظ على اللوحة اللين: صفة أطلقت على الواو والياء الساكنتين المفتوح ما قبلهما بسبب سهولة جريهما في المخرج نحو: (خَوْفْ)، لاحظوا بأن الواو ساكنة وقبلها مفتوح: (قوم)، (البَيْتْ)، (قريشْ)، الياء ساكنة وقبلها مفتوح، فهذان الحرفان هما حرف اللين في اللغة العربية.
أريدكم أن تفرقوا بين الحروف، نسمع حروف العلة نسمع حروف المد واللين نسمع حرفيْ اللين، حرفي اللين هما ما تكلمنا عليه اليوم، حروف العلة هي الألف والواو والياء مطلقاً، من دون قيد أي ألف أو واو وأي ياء اسمها حرف علة ويبحث عنها في علم النحو والصرف.
حروف المد واللين هي الألف الساكنة المفتوح ما قبلها والواو الساكنة المضموم ما قبلها والياء الساكنة المكسور ما قبلها، هذه اسمها حروف المد واللين سميت حروف المد لأن لها قابلية المد وسميت حروف اللين لأنها تخرج بيسر ولين، أما الحرفين اللذين معنا اليوم فهما حرفا اللين الواو والياء إذا سكنتا وانفتح ما قبلهما، أرجو أن تلاحظوا الفرق بين هذه المصطلحات الثلاثة حروف العلة حروف المد واللين حرفا اللين.
وصلى اللهم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ونرجئ الكلام على بقية الحروف التي لا ضد لها إلى الحلقة القادمة إنشاء الله عز وجل.
والحمد لله رب العالمين

دعاء المحبوبة
2014-07-10, 06:54
http://im77.gulfup.com/GPFJIR.jpg

دعاء المحبوبة
2014-07-10, 06:55
http://im77.gulfup.com/IehZy4.jpg

belamriabdelaziz
2014-07-11, 08:52
ندوات تلفزيونية – قناة سوريا الفضائية – الايمان هو الخلق – الدرس (36-95) - مقومات التكليف : الشهوة - شهوة المال
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2006-09-04
بسم الله الرحمن الرحيم
ترحيب :
أيها السادة المشاهدون ، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، وأهلاً ومرحباً بكم في هذه الحلقة الجديدة ، من برنامجكم الإيمان هو الخلق ، مع أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين بدمشق .
أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم سيدي .
مقدمة تذكيرية :
في حلقات سابقة توقفنا عند الشهوة ، وعند تعريفها ، وعند إفرزاتها ، وعند ما جاء به الشارع ، وجعلها في المجال الصحيح ، وعند ما أتى الشارع ، ونبهنا من خلال البيان النصي والعقلي لنتجنب مزالق هذه الشهوة ، ولنتجنب استخدام الشهوة في مجالات التي لا يريدها الله ، لأنها تضر بالإنسان .
وتبينا من خلال الحلقة الماضية بأن العلاقة واضحة بين ما نهى عنه القرآن والسنة النبوية بين المنهيات ، وبين نتائجها بعلاقة علمية بين سبب ونتيجة ، وأن كل معصية لها نتائج في الحياة الدنيا قبل الآخرة .
وتحدثنا في الحلقة الماضية عن شهوة الجنس ، وأغلقنا الستار إن صح التعبير لنبتدئ في مسألة هامة جداً ، هي شهوة المال ، كيف نظر إليها الشرع ، وكيف أطّرها ، وكيف جعل لها حدوداً ونقاط ، إذا خرج الإنسان مركبته في هذا المنحى دمر نفسه ، ودمر مجتمعه ، ونستذكر قول الله تعالى :
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ ﴾
( سورة آل عمران الآية : 14 )
إذاً : هناك زينة ، كما تفضلت في حلقات سابقة :
﴿ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
( سورة آل عمران الآية : 14 )
المال قوام الحياة :
أستاذ علاء ، في أول هذا اللقاء الطيب نقول : إن المال قوام الحياة ، فالنفس في قضية المال بين تطرفين : إما أن الناس يعبدونه من دون الله ، فيرتكبون كل المعاصي والآثام من أجل الحصول عليه ، وعلى حساب دينهم وقيمهم ومبادئهم ، وإما أن ينبذوه نبذاً غبياً فيفتقرون إليه بعد حين .
إن الإسلام وسطي ، المال قوام الحياة ، والمال قوة كبيرة في الإنسان ، والمال حيادي ، وبإمكان الإنسان أن يرتقي بالمال إلى أعلى مراتب الجنة ، وبإمكانه أن يصل بالمال إلى أدنى دركات المال ، المال حيادي ، وكل الحديث السابق أن الإنسان مخير ، ولأنه مخير كل حظوظه من الدنيا حيادي ، وكل إمكاناته حيادية ، يمكن أن توظف في الخير ، أو في الشر ، وكل خصائصه حيادية، فالمال قوام الحياة ، يقول الله تعالى في كتابه الكريم :
﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً ﴾
( سورة النساء الآية : 5 )
قيام البشر بالمال .
تصور شابًا حصل على عمل بدخل محدود ، فتزوج ، ارتاحت نفسه ، سكن بيتًا ، الله عز وجل جعل في المال قياماً للحياة ، والذين يعبدونه من دون الله أخطؤوا ، والذين يهملونه أخطئوا ، فالإسلام وسطي ، كأن المال خط عمودي عليه نقطتان وعلامتان واضحتان ، فوق هذا الخط تطرف ، وتحت هذا الخط تطرف ، إن أهملته فقد تضيع كرامتك من أجله ، وإن بالغت بتعظيمه ضاعت مبادئك من أجله .
(( من جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه ))
[ ورد في الأثر ]
المال قوة ، لذلك النبي الكريم يقول :
(( المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف ))
[ أخرجه مسلم عن أبي هريرة ]
الذي معه المال متاح له أن يفعل من الأعمال الصالحة ما لم يتح للملايين من الناس ، المال قوة ، فقد يكون المال سبب شقاء الإنسان .
(( بادِرُوا بالأعمال الصالحة : ماذا ينتظر أحدكم من الدنيا ، هل تُنْظَرون إلا فَقْرا مُنْسيا ، أو غِني مُطغيا ))
[ أخرجه الترمذي والنسائي عن أبي هريرة ]
حينما أهمله ، وأهمل كسبه ، أتضعضع ، وأُذل أحياناً ، وحينما عبده من دون الله شقي به في الدنيا والآخرة .
دائماً الإسلام وسطي ، والفضيلة دائماً وسط بين طرفين ، فالله عز وجل في قرآنه الكريم بيّن أن المال قوام الحياة ، ينبغي أن نكسبه من طريق مشروع ، وأن ننفقه في مصارف مشروعة .
الأستاذ علاء :
سيدي ، يخطر في بالي سؤال : نسمع بين الناس كثيراً أن هنالك مَن افتقر ، فعف ، وترك أمره إلى الله ، واحتسب أمره عند الله ، والتزم ، ولم يحقد على مَن يملك ، ولم يمد يده إلى الحرام ، وهنالك من اغتنى ، ولكنه جعل هذا الغنى مجالاً للخير ، وصرف غناه في أوجُهِ الخير ، مَن هو الأفضل مكانة عند الله ؟
الدكتور راتب :
ليس الفقير الصابر بأعظم أجراً من الغني الشاكر :
ليس الفقير الصابر بأعظم أجراً من الغني الشاكر ، هذا هو الجواب ، المال قوة ، وبإمكانك أن تمسح دموع الفقراء ، بإمكانك أن تزوج الشباب ، بإمكانك أن تقيم المياتم والمصحات ، بإمكانك أن تنشئ المدارس ، بإمكانك أن تصل بالمال إلى أعلى درجات الجنة ، يؤكد هذا قول النبي الكريم :
(( لا حَسَدَ إلا على اثْنَتيْنِ : رجلٌ آتَاهُ اللَّهُ القرآنَ ، فقام به آناء اللَّيل وَآنَاءَ النَّهارِ ، ورجلٌ أعْطاهُ اللَّهُ مالا ، فَهوَ يُنْفِقِهُ آنَاءَ اللَّيلِ وآناءَ النَّهارِ ))
[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن عبد الله بن عمر ]
فقد رفع النبيُّ الغنيَّ المؤمنَ المحسن إلى مستوى أكبر الدعاة والعلماء ، فالمال قوة ، ويجب أن نبحث عن المال .
الغنى بالطرق المشروعة ممدوحٌ :
ولكن هناك تعليق دقيق جداً : لأنك بالمال متاح لك أن تفعل من الأعمال الصالحة ما لا يوصف ، فينبغي أن تكون غنياً ، ولكن إذا كان طريق الغنى سالكاً وفق منهج الله ينبغي أن تكون غنياً ، أما إذا كان طريق الغنى على أساس أن تتخلى عن دينك ، وعن مبادئك ، وعن قيمك ، أو أن تخون أمتك ، فالفقر وسام شرف لك ، فأنا أكون غنياً إذا كان الطريق إلى الغنى سالكاً وفق منهج الله ، دون أن أبني مجدي على أنقاض الآخرين ، ودون أن أبني غناي على فقرهم ، وحياتي على موتهم ، وعزي على ذلهم .
أتمنى من كل شاب أن يكون غنياً ، لأن الغني متاح له من الأعمال الصالحة ما لم يتح لغيره ، هذه نقطة دقيقة جداً .



بين فقر الكسل وفقر القدر وفقر الإنفاق :

1 – فقر الكسل :
هناك فقر الكسل ، هذا فقر مذموم ، وهناك فقر القدر ، في عاهة ، العاهة تمنعه أن يكسب المال، صاحب فقر القدر معذور ، والمجتمع ينبغي أن ينهض لمساعدته ، لكن صاحب فقر الكسل مذموم ، هذه مشكلة كبيرة جداً ، الفقير فقر الكسل ليس محترماً عند الله ولا عند الناس .
دخل النبي على رجل يعبد الله في أقوات العمل ، قال له : من يطعمك ؟ قال : أخي قال :
(( أخوك أعبد منك ))
[ ورد في الأثر ]
أمسك النبي الكريم يد عبد الله بن مسعود ، وكانت خشنة من العمل ، فرفع يده أمام أصحابه وقال :
(( إن هذه اليد يحبها الله ورسوله ))
[ ورد في الأثر ]
التقى سيدنا عمر بأناس فقراء ، قال : << من أنتم ؟ قالوا : نحن المتوكلون ، قال : كذبتم ، المتوكل من ألقى حبة في الأرض ، ثم توكل على الله >> .
سيدنا عمر له ملمح لا يصدق ، مرّ ببلدة كل الفعاليات الاقتصادية فيها من غير المسلمين ، فلما عاتبهم أشد العتاب على تقصيرهم في كسب الأموال ، قالوا : إن الله سخرهم لنا ، كما يقول بعض الأغنياء الكسالى الآن : لقد سخرهم الله لنا ، فاشتد غضبه ، وقال : << كيف بكم إذا أصبحتم عبيداً عندهم ؟ >> .
أستاذ علاء ، الغني قوي ، والغني يتحكم في الفقير أحياناً ، وأنت لا تصدق أن تعمير محرك طائرة يكلِّف 5 ملايين دولار ، أربع محركات 20 مليون دولار ، مليار ليرة ، كم طنًّا قطن ؟ أصحاب التقنيات العالية يتحكمون ففي العام الآن .
الأستاذ علاء :
وقالوا : مَن يملك الاقتصاد يملك القرار .
الدكتور راتب :
مَن يملك الاقتصاد يملك القرار :
أنت قوي بقدر ما أنت غني ، وأنت تفتقر إلى حرية الحركة بقدر ما أنت فقير ، فلذلك المال قوام الحياة ، الذي أريد أن أؤكد : إذا كان طريق الغنى سالكاً وفق منهج الله ، ضمن مبادئك ، ضمن قيمك ، ضمن الطرق المشروعة ، ضمن القنوات النظيفة ، ضمن ما أُقِرّ من قِبل قيم السماء والأرض ، ينبغي أن تكون غنياً ، أما إذا كان طريق الغنى على حساب مبادئك ، وعلى حساب دينك ، وعلى حساب قناعاتك ، فلا مرحباً بهذا المال ، أو على حساب وفائك لأمتك ، لا مرحباً بهذا المال ، أقول لمثل هذا الذي ترفع عن هذا المال الذي تدفع ثمنه باهظاً جداً : فقرك وسام شرف لك .
2 – فقر القدر :
أما فقر القدر فصاحبه ليس مذموم ، بل هو معذور .
3 – فقر الإنفاق :
عندما فقر ثالث ، هذا فقر الإنفاق لأنه أنفق ، هذا موضوع ثانٍ ، أبو بكر أنفق كل ماله ، قال له النبي : يا أبا بكر ، ماذا أبقيت لك ؟ قال : الله ورسوله ، سيدنا الصديق افتقر ، لأنه أنفق ، وكل إنسان عنده مروءة لا يحتمل أن يتمتع هو بالحياة وحده ، وأن يرى حوله المعوزين البائسين الفقراء المرضى ، لذلك كلما ارتقت مشاعر الإنسان كان ماله في خدمة المجموع .
الله عز وجل قال :
﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾
( سورة البقرة الآية : 188 )
استنباطات من قوله تعالى : وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ
والله أستاذ علاء ، هذه آية فيها ملمح خطير جداً : مال أخيك هو مالك ، لا بمعنى أنه ملك لك ، بمعنى أنك مكلف أن تحافظ عليه كما لو أنه مالك ، هذه واحدة .
المعنى الثاني : أخوك ماله مالك ، بمعنى أن المال ليس ملكك حصراً ، بل ملك جميع المسلمين، بمعنى أنه ينبغي أن تنفقه في الصالح العام ، أمّا أن تنشئ مثلاً لنفسك رفاهًا وبذخًا غير معقول فهذا شيء مذموم .
أنا أقول كلمة طريفة : مرة سألني تاجر : إذا اقتنيت الأشياء الغالية جداً إلى درجة غير معقولة هل أنا مؤاخذ ؟ أردت ألا أقنعه بالنصوص ، بل أردت أن أقنعه بالمثل ، قلت له : هناك رجل معه مئة مليون ، اشترى بيتا بـ75 مليونا ، وسيارة بـ 25 مليونًا ، وما عنده دخل آخر ، يكون أحمق ، اشترِ بيتا بعشرة ملايين ، واشترِ وسائل أخرى ، مركبة بمليونين ، وشغل الباقي ، ابحث عن هذا المال الضخم بدخل كبير .
هذا المال قوام الحياة ، وهو شيء أساسي يملكه الإنسان .
الأستاذ علاء :
سؤال : ماذا عن افتقار المال ؟
الدكتور راتب :
فقر كسل ، فقر قدر ، وفقر إنفاق .
الأستاذ علاء :
فقر الإنفاق هل هو في الذين ينفقون ، ويتملكون هذه المادة ، ويصرفونها ويشتتونها في أوجه خير الناس ؟
الدكتور راتب :
لستَ مكلَّفًا بإنفاق جميع مالك :
والله هذه بطولة كبيرة ، لكن الإسلام ما كلف الإنسان فوق طاقته ، فلذلك قال تعالى :
﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾
( سورة البقرة الآية : 195 )
العلماء حاروا في هذه الآية ، ما معنى التهلكة ؟ لكن النتيجة استقرت على أنك تهلك إن لم تنفق مالاً في سبيل الله ، تأتي يوم القيامة مفلساً ، وتهلك مرة ثانية إن أنفقت كل مالك .
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً ﴾
( سورة الفرقان )
فيهلك الإنسان إن أنفق كل ماله ، عنده أولاد ، عنده أساسيات الحياة ، ويهلك أيضاً إذا لم ينفق ماله ، أما سيدنا الصديق فحالة استثنائية ، هذا يسميه العلماء موقفا شخصيا ، وليس حكماً شرعياً، هي مرتبة له اختص بها ، لكن ليست حكماً شرعياً .
النبي الكريم لما هاجر انتقل سراً وخفية ، وفي الليل ، واتجه مُساحلاً ، وقبع بغار ثور ، ثم هيأ راحلة ، وهيأ خبيراً ، وهيأ من يمحو الآثار ، أخذ بكل الأسباب ، أما سيدنا عمر فهاجر جهاراً نهاراً متحدياً ، الإنسان الساذج يقول : والله سيدنا عمر أشجع من النبي ، نقول له : عمر ليس مشرِّعاً ، لكن النبي مشرِّع ، لو أن النبي هاجر جهاراً نهاراً متحدياً فقد هلكت أمته مِن بعده ، ولأصبح أخذ الحيطة حراماً ، وأخذ الأسباب حراماً ، ولهلكت أمته من بعده ، لكن هو مشرِّع .
النبي مشرِّعًا لم يقبل من أحد ماله كله إلا الصدِّيق ، لم يقبل من أحد ماله كله ، لكن قبل نصف المال من عمر .



غنى الكفاف والعفاف :
المال قوام الحياة ، وهناك فقر الكسل ، وفقر القدر ، وفقر الإنفاق ، وهناك كفاية ، هناك غنى البذخ ، وهناك غنى الكفاية ، فإذا كان دخلك يغطي نفقاتك فأنت غني ، لذلك النبي في بعض أدعيته يقول :
(( اللهم من أحبني فاجعل رزقه كفافاً ))
[ ورد في الأثر ]
ليس فقيراً ، عنده كل حاجاته ، لكن من دون بذخ ، من دون سجادة ثمنها مليونان ، هناك سجادة جيد جداً وجميل وثمنها خمسة آلاف ، من دون بذخ غير معقول ، والبذخ يولد أحقادا في المجتمع، الفقير إنسان له مشاعر ، يرى الآخرين غارقين في النعيم ، غارقين في البذخ .
حدثني إنسان قال لي : والله في بيته حنفية بثمن بيت ، من الذهب الخالص صنبور ماء بثمن بيت بأكمله ! الناس يموتون من الجوع ، فلذلك الغني المؤمن يأخذ الحاجات الأساسية ، ويعود بماله على بقية الناس .
الأستاذ علاء :
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ :
(( جَاءَ عُثْمَانُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَلْفِ دِينَارٍ حِينَ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ ، فَيَنْثُرُهَا فِي حِجْرِهِ ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَلِّبُهَا فِي حِجْرِهِ ، وَيَقُولُ مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ ، مَرَّتَيْنِ ))
وبعدها لما قال : سمعت رسول الله يقول صلى الله عليه وسلم :
(( قد رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبواً ))
[ أخرجه الطبراني ، والبزار ، والإمام أحمد عن عائشة أم المؤمنين ]
فتبرع بكل القافلة .
الدكتور راتب :
إتلاف المال سفهٌ ، وأشد سفهًا منه إتلاف الوقت :
أريد أن أنوه إلى شيء ، الحقيقة ليس له علاقة متينة بالموضوع ، لكنه مهم جداً ، الآن إذا أصيب رجلٌ ـ لا سمح الله ولا قدر ـ بمرض عضال ، وهذا المرض تحتاج عمليته الجراحية خارج القطر مثلاً إلى مليوني ليرة ، ولا يملك إلا بيتا ثمنه مليونان ، ماذا يفعل ؟ أنا أقول لك : إنني متأكد أنه لا يتردد ثانية واحدة في بيع بيته ، وإجراء العملية ، لماذا ؟ لأنه مركوز في أعماق أعماقه أن الوقت أثمن من المال ، لأنه بهذه العملية يتوهم أنه سيعيش بضع سنوات أخرى، أليس كذلك ؟ إذاً ضحى ببيته الوحيد ، وأجرى عملية متوهماً من خلال إجراء العملية أنه سيعيش بعض السنوات الأخرى ، هذه مقدمة .
إذا أمسك الرجل بمئة ألف ليرة أمام أشخاص عديدين وأحرقها ، كم يحكم عليه من الحاضرين السفه ؟ الكل من دون استثناء .
إذاً إتلاف المال سفه ، وإذا كان الوقت أثمن من المال ، فالذي يتلف وقته أشد سفهاً من الذي يتلف ماله .
الإيمان مرتبة علمية ، ومرتبة أخلاقية ، ومرتبة جمالية ، فإذا أردت أن تكون إنساناً بالمعنى الدقيق فتعرف إلى الله .
" ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء " .
﴿ أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ ﴾
( سورة يس )
الأستاذ علاء :
خاتمة وتوديع :
نرجو الله عز وجل أن نفيد جميعاً بكل ما تقدم ، ومن كل هذا العلم الفياض ، ولا يسعنا إلا أن نشكر الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين بدمشق .
شكراً أستاذي الكريم ، وإلى اللقاء إن شاء الله في محطات قادمة لنكمل ما بدأناه في هذه الحلقة .
والحمد لله رب العالمين

العوفي العوفي
2014-07-11, 18:33
http://www10.0zz0.com/2011/11/19/20/622205442.gif http://www10.0zz0.com/2011/11/19/20/622205442.gif

belamriabdelaziz
2014-07-12, 11:12
جزاك الله خيرا
وأفاد ونفع الله بمساهمتك المسلمين

belamriabdelaziz
2014-07-12, 11:13
جزاك الله خيرا
وأفاد ونفع الله بمساهمتك المسلمين

دعاء المحبوبة
2014-07-13, 00:07
http://im64.gulfup.com/CkLIQf.jpg

دعاء المحبوبة
2014-07-13, 00:08
http://im64.gulfup.com/f16uAv.jpg

قنون المربي والأستاذ
2014-07-13, 00:44
صحيح أن لهذا الشهر الفضيل مكانة عظيمة في نفوس المسلمين فهم يتقربون إلى الله عز وجل بجميع العبادات من قيام وقراءة للقرآن،إضافة إلى الإكثار من الصدقات على المحتاجين.
ولكن يجب أن نواصل على هذا المنوال في بقية الأشهر.حتى لانعبد الله في شهر من مجموع 12 شهرا.
مجرد وجهة نظر،جزاكم الله خيرا.

دعاء المحبوبة
2014-07-13, 07:34
http://im87.gulfup.com/TY4zHz.jpg

دعاء المحبوبة
2014-07-13, 07:35
http://im68.gulfup.com/pqCDRo.jpg

دعاء المحبوبة
2014-07-13, 07:36
http://im87.gulfup.com/br3A8A.jpg

belamriabdelaziz
2014-07-13, 09:19
جزاكم الله خيرا
اللهم تقبل من المساهمين مساهماتهم واجعلها في ميزان حسناتهم يارب

belamriabdelaziz
2014-07-13, 09:20
جزاكم الله خيرا
اللهم تقبل من المساهمين مساهماتهم واجعلها في ميزان حسناتهم يارب

belamriabdelaziz
2014-07-13, 09:22
ندوات تلفزيونية – قناة سوريا الفضائية – الايمان هو الخلق – الدرس (39-95) - مقومات التكليف : الشهوة ـ شهوة الغيرة والفرق بينها وبين الحسد ـ التمويه في عالم الفراشات
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2006-10-01
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم وترحيب :
أيها السادة المشاهدون ، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، وأهلاً ومرحباً بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم الإيمان هو الخلق .
ومازلنا في رحاب ذلك العلم المتدفق الذي نفيض منه بإذن الله تعالى من فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين في دمشق .
أهلاً وسهلاً سيدي الكريم .
بكم أستاذ علاء ، جزاكم الله خيراً .
الأستاذ علاء :
تلخيصٌ للحلقة الماضية :
سيدي الكريم ، توقفنا عند مسألة هامة في الحلقة الماضية ، وفي الحقيقة أحاول أن ألخص ما جرى في الحلقات الماضية ولو في عناوين سريعة من أجل التسلسل أولاً ، وقد ينضم إلينا الآن مُشاهد لأول مرة ، فأحب أن أضعه في صورة ما كنا نتحدث فيه .
بدأنا في حلقات سابقة عن مقومات التكليف ، تكليف الإنسان الذي حمله الله الأمانة من الكون والعقل والفطرة والشهوة ، ولم نأتِ إلى الاختيار والشرع ، والوقت ما زلنا في مسألة الشهوة ، وأفردنا لها ربما أكثر من سبع حلقات ، ومررنا عند مسألة أن الإنسان مخير لا مسير ، باعتبار أن كل الخصائص ، وكل الحظوظ ، وكل الشهوات حيادية ، وبيده أن يتجه يمنة أو يسرة ، خيراً أو شراً ، وبيده أن ينتقل من مكان إلى مكان ، وأن يوظف تلك الشهوة في الخير أو في الشر ، توقفت عند مسألة ـ سيدي الكريم ـ هي الخصائص ، ومررنا سريعاً على قضية الغيرة ، وقلت: إن الغيرة حيادية كيف تكون يا سيدي ؟
الدكتور راتب :

خصائص الإنسان حيادية :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أستاذ علاء انطلقنا من أن الشهوة حيادية ، وكان الحديث عن المال ، وقلنا : المال حيادي ، إما أن يكون سُلماً نرقى به أو دركات نهوي بها ، إذاً : هو قيمة موقوفة في تقييمها على طريقة استخدامها ، ثم وسعنا الموضوع فقلنا : إن الحظوظ حيادية أيضاً ، الذكاء والوسامة والجمال ، وما إلى ذلك ، والقوة كلها حظوظ يمكن أن توظف في الخير أو في الشر ، ثم وسعنا ذلك ، وذكرنا عنوان موضوع ، والآن طلبت مني أن يكون هذا في اللقاء الجديد .
الحقيقة هناك خصائص للإنسان ، الإنسان يحب الكمال ، لو أنه اشترى دفتراً فيه خطأ بسيط ، أو عيب بسيط ، يقول له : بدل لي إياه ، كل إنسان يحب الكمال ، وحبه للكمال يقوده إلى الله عز وجل ، لأنه الكمال المطلق ، الإنسان يحب الخير ، حبه الخير يقوده إلى فعل الخير .
ثمة فكرة قرأتها البارحة ، أن أكبر غني في العالم ( بيل غيت )صاحب مايكروسوفت قبل أيام توقف عن العمل ، وأراد أن يتفرغ للعمل الخيري ، وتبرع بتسعين بالمئة من ثروته إلى العمل الخيري في إفريقيا ، حيث الأمراض والأوبئة والفقر ، فالإنسان أحياناً يحب الخير ، فحبه للكمال دفعه إلى عمل معين .
الغِيرة خصيصة حيادية :
الإنسان يغار ، يعني أنه يتمنى ما عند الآخرين ، هذه خصيصة حيادية ، لو أنك رأيت إنسانًا مؤمنًا ملتزمًا متألقًا في المجتمع ، له عمل طيب ، تمنيت أن تكون مثله ، إذاً : هذه الخصيصة أداة ارتقت بالإنسان ، ويأتي إنسان آخر فيلتقي بإنسان غارق في الانحرافات والشهوات الساقطة، أيضاً بمناسبة هذه الخصيصة الحيادية يتمنى أن يكون مثله ، إذاً : هذه الخصيصة أن تتمنى ما عند الغير يمكن أن توظف في الخير ، ويمكن أن توظف في الشر .
الأستاذ علاء :
الحسد سيدي إيداع رباني في الإنسان ؟
الدكتور راتب :
الحسد صفة سلبية مناقضة للغيرة :
أودع الله في الإنسان خصيصة أن تتمنى ما عند الآخرين ، فإذا حسدت مؤمناً ، أو إنسانًا مصلحًا ، أو إنسانًا عالمًا ، أو إنسانًا قدم لأمته الشيء الكثير ، فهذه الخصيصة وهي ، تمني ما عند الغير تسمى غبطة ، والإنسان يحمد عليها ، أما إذا تمنى ما عند الأشرار والمنحرفين والساقطين ، ومن بنَوا مجدهم على أنقاض البشر ، هذه الخصيصة وظفت ، وهي تمني ما عند الآخرين بالشر ، كما أن المال ينفق في الخير أو في الشر ، كما أن المرأة يحبها الإنسان قد تكون زوجة أم أولاد يرقى بها ، وترقى به ، وقد تكون خليلة وصاحبة .
الأستاذ علاء :
سيدي الكريم ، إذا : هذا الحب حب التمني ما عند الغير ، إن كان عالماً ، إن كان غنياً ينفق ، إذا تمنى لنفسه ما عنده ، ولكن تمنى مع ذلك أن تزول هذه عن ذلك .
الدكتور راتب :
مراتب الحسد :
دخلنا في موضوع آخر ، الحسد مراتب ثلاث :
أولها : أن تتمنى زوال النعمة عن أخيك كي تصل إليك ، هذه مرتبة .
الثانية : أن تتمنى زوال النعمة عن أخيك دون أن تصل إليك ، هذه أسوء .
الثالثة : لا أن تتمنى ، أن تكتب تقريرا ، أن تفعل شيئاً يزيل النعمة عن أخيك ، هذا شر كبير جداً ، لذلك بين أن تتمنى أن تزول ، وأن تأتي إليك ، هناك شيء من المنطق ، أنت محروم من ذلك الشيء ، تمنيت أن يكون لك مثل هذا الشيء ، لكن بشكل عام لو أنك تمنيت شيئاً رأيته عند أخيك دون أن تتوقع أن يزول عنه ، هذه لا شيء فيها .
أنا أرى إنسانا متزوجا ، وعنده بيت ملكًا له ، وحياته مستقرة ، والإنسان المتمني ليس متزوجاً ، فإذا تمنى أن يكون مثله ، مع أنه يبارك لأخيه هذا الزواج وهذا العطاء ، هذا لا شيء فيه ، هذا من طبيعة البشر .
أنا لا أحب أن أوسع المعاصي إلى درجة تصل إلى خصائص النفس ، أنا أتمنى أن أكون مرتاحاً مالياً ، مرتاحاً في زواجي ، مرتاحاً في تربية أولادي ، هذا شيء طبيعي جداً .
أستاذ علاء ، لولا التمني ، أو لولا هذه الخاصة لما ارتقى إنسان .
الأستاذ علاء :
لأصبح سكونياً .
الدكتور راتب :




صفة التمني تلدُ البطولات :
لولا هذه الخاصة ما رأيت بطولة إطلاقاً ، مثلاً : أحياناً تجمع التبرعات لموضوعات قومية ، أو موضوعات إنسانية ، أو موضوعات قيمية ، يقول عريف الحفل : فلان تبرع بمئة ألف ، يقول الثاني : أنا بمئة وخمسين ، قال تعالى :
﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾
( سورة المطففين )
أحياناً تمني أن تكون كالآخرين ، وهذا أكبر باعث إلى البطولة ، أنا أرى أن أكبر باعث للبطولة حينما خلق الله فينا هذه الخصيصة ، فكل إنسان يتمنى ما عند الآخرين ، لكن أنا أتمنى أن أكون مثلهم دون أن ينالهم أذى فلا شيء في هذا إطلاقاً ، بل هذا هو التوظيف الطبيعي ، أما حينما أتمنى أن تزول النعمة عن أخي لتصل إلي فقد دخلنا في التمني السلبي ، التمني الشيطاني ، هذا سماه العلماء الحسد .
الحقيقة :
قل لمن بـات لي حاسـداً أتدري على من أسأت الأدب
أسأت إلى الله فـي فـعله إذ لم ترض لي ما وهــب
***
هناك كلمات يقولها العامة هي في الحقيقة كفر بعينه ، الله يعطي الحلاوة للذي ليس لها أضراس ، معنى ذلك أنك تشك في حكمة الله ، وفي المقابل ، قال تعالى :
﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾
( سورة الأنعام)
فرق كبير بين النعمة وبين الاستدراج ، الذي قلنا فيه : الهدى البياني ، ثم التأديب التربوي ، ثم الإكرام الاستدراجي ، ثم القصم .
تمنِّي زوال النعمة عن الغير معصيةٌ :
الحقيقة الأمور دقيقة ومتداخلة ، فحينما أتمنى أن أكون متفوقاً ، إما في المال ، أو في المكانة ، أو في العلم ، أو في الدين ، أو في الإيمان ، لا شيء علي ، أما حينما أتمنى أن تزول النعمة عن أخي كي تصل إلي فقد دخلت في المعصية الكبيرة .
حينما أتمنى لمجرد أن تزول النعمة عن أخي فهذه أكبر معصية ، أما حينما أسعى لكتابة تقرير كاذب ، أو وشاية ، أو أن أوغر صدر إنسان ضد إنسان ، فهذه جريمة ، وفساد في الأرض ، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام نهى نهياً شديداً عن الحسد ، وفي القرآن الكريم :
﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ*الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ﴾
( سورة الناس)
﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴾
( سورة الفلق)
الأستاذ علاء :
هل نفهم من هذه المسألة بأن شر الحاسد إذا حسد من أقوى الشرور ؟
الدكتور راتب :
قُلْ أَرَأَيْتُمْ
الترتيب تصاعدي في أهميته ، ومن شر حاسد إذا حسد .
بالمناسبة ، الإنسان ليس له الحق الكامل أن يُظهر ما عنده للناس ليملأ قلوبهم غيظاً ، هذا إنسان سخيف جداً ، الإنسان إذا أنعم الله عليه بنعمة ينبغي أن يشكرها ، وأن يتواضع حتى يمتص النقمة ممن حوله .
قد تجد غنيًا محسنًا متواضعًا ، تتمنى الغنى من تواضعه ، وقد تجد إنسانا متكبرا لا يحتمل ، لذلك لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر .
إذاً : الحسد ثلاث مراتب ، التمني زوال نعمة كي تصل إليك ، تمني زوال نعمة فقط ، ثم كتابة شيء يودي بنعمة أخيك إلى جهة أخرى ، هذا كله خطأ .
أما حينما أتمنى أن أكون عالماً ، أن أكون محسنا كبيرا ، أن يكون عندي ما يكفيني ، أنا محتاج إلى المال ، إذا تمنيت أن يكون عندي ما يكفيني هذا شيء طبيعي جداً ، ولا شيء فيه ، تمني ما عند الآخرين هذه خصيصة ، ولولاها لما ارتقى إنسان .
الأستاذ علاء :
هل ينطبق هذا على كل الخصائص التي أودعها الله في النفوس ، لأنها حيادية ، وعند استخدامها الاستخدام الأمثل ترتقي بالإنسان .
الدكتور راتب :
بالإحسانِ يُستَعبَد الإنسانُ :
مثلاً : يا داود ، ذكر عبادي بإحساني إليهم فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها ، من خصائص النفس البشرية أنها تحب المحسن ، الآن أنت كأب ، كمعلم ، كقائد ، كمرشد ، كمدير معمل ، مدير مؤسسة ، مدر جامعة ، إن أردت أن يلتف الناس حولك ، ويقدموا لك كل ما عندهم ، وأن يعطوك العطاء الأكبر كي تنهض هذه المؤسسة فأحسِنْ إليهم ، أكبر خطأ يرتكبه من كان في موضع معين أن يسيء لمن حوله ، ويتمنى العطاء منهم ، هذا مستحيل .
أحسنْ إلى الناس تستعبد قلوبهم فلطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ
***
قانون التقريب والتنفير :
بالبر يستعبد الحر ، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام كان قمة في الكمال ، النبي الكريم نبي ورسول ، ويوحى إليه ، ومعه معجزات ، بل هو سيد الأنبياء وسيد المرسلين ، أوتي فصاحة ما بعدها فصاحة ، أوتي جمالاً ، أوتي حكمة ، بل جُمِع كمالُ البشر في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك يقول الله عز وجل له ، أنت يا محمد :
﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾
( سورة آل عمران : 159)
هذه الآية دقيقة جداً :
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾
( سورة آل عمران )
أيْ بسبب رحمة استقرت في قلبك يا محمد كنت ليناً لهم ، فلما كنت ليناً لهم التفوا حولك ، ولو لم تكن لك صلة بنا لامتلأ القلب قسوة ، وانعكست القسوة غلظة ، فانفض الناس من حولك ، وكأنها معادلة رياضية ، اتصال ، رحمة ، لين ، التفاف . انقطاع ، قسوة ، غلظة ، انفضاض ، هذه معادلة ، هذه الخصيصة الثانية أنت إن أردت أن تكون أباً ناجحاً كن محسناً .
البطولة أن تكون محترَمًا محبوبًا :
أقول كلمة أستاذ علاء ، أتمنى أن يتفهمها الإخوة المشاهدين : في ثقافتنا في الشرق ، في الثقافة الدينية ، في ثقافة الإسلام ، الأب محترم ، لكن ليست بطولة الأب أن يكون محترماً فقط ، ينبغي أن يكون محبوباً ، لا يحب إلا إذا كان محسناً ، إذا اهتم بأولاده ، اهتم بمستقبلهم ، بنى حياته على خدمتهم ، يكون عندئذ محترماً بثقافة الإسلام ومحبوباً بخصائص النفس .
أنا أقول : بطولة المدير العام لا أن يكون محترماً ، الكل يحترمه قصراً ، البطولة أن يحبوه ، البطولة أن يمدح في غيبته لا في حضرته ، في أي مؤسسة ، في أي مرفق ، في التعليم ، في الجامعة ، في المستشفيات ، في الدوائر ، البطولة لا أن تحترم في حضرتك ، هذه ضريبة تؤدى من قبل من حولك ، البطولة أن تحب أن يكون ذكرك طيباً في غيبتك ، هذه مقياس دقيق جداً ، لذلك دعاء المؤمن لأخيه في ظهر الغيب لا يرد .
متى تمدح إنسانا في غيبته ! يجب أن يكون محسناً في حضرته تمدحه اتقاء شره ، أو تمدحه طمعاً فيما عنده .
الأستاذ علاء :
لذلك سيدي الكريم ، الإحسان يولد الحب ، كما تفضلت ، وأهل القلوب ذكروا مرتبة للإحسان ، هذه المرتبة مرتبة عليا ، وعندما يصل إليها الإنسان يصل إلى الله عز وجل .
الدكتور راتب :
البشر أتباعُ نبيٍّ أو قويّ :
هذا الشيء يجب أن ينقلنا إلى حقيقة ذكرتها كثيراً ، لكن المقام مناسب لأن نقولها : هناك قاعدة واسعة للبشر كلهم ، ستة آلاف مليون ، لكن قمم البشر زمرتان ، أقوياء وأنبياء ، الأنبياء أعطوا ، ولم يأخذوا ، فامتلأت قلوب أتباعهم محبة لهم ، والأقوياء أخذوا ، ولم يعطوا ، فامتلأت قلوب أتباعهم بغضاً لهم ، الأنبياء عاشوا للناس ، والأقوياء عاش الناس لهم ، الأنبياء ملكوا القلوب والأقوياء ملكوا الرقاب ، فرق كبير بين أن تملك القلب وأن تملك الرقبة ، الأنبياء يمدحون في غيبتهم ، وبعد ألف وأربعمئة عام والأقوياء في حضرتهم .
الهلعُ والجزع صفتان لازمتان في الإنسان :
إنّ قضية خصائص الإنسان رائعة جداً ، أستاذ علاء ، نحن كل التقدم العلمي متعلق بالجسد فقط ، لكنه لا يزال علم النفس يحبو ، بل هناك علم اسمه علم النفس الإسلامي ، يدرس خصائص الإنسان ، قال تعالى :
﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى ﴾
( سورة العلق )
أينما وقفت عند كلمة إنسان معرفة بـ ( أل )فهذا من خصائصه النفسية ، قال تعالى :
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً ﴾
( سورة المعارج )
لو أن تقريرًا طبيًّا ذكر ورمًا خبيثًا لمات الإنسان من شدة الخوف والهلع ، لأنه خلق هلوعا ، لماذا خلق هلوعا ؟ كي يربيه الله عز وجل ، يسوق له شبح مصيبة فينهار ، لولا هذه الخصيصة لما تاب أحد ، قال تعالى :
﴿ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً ﴾
( سورة المعارج )
لماذا هو مَنوع ؟ حتى يرقى عند الله بإنفاق المال هو بالأصل منوع بالأساس يحرص على المال ، قال تعالى :
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً *إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾
( سورة المعارج )
إن الإنسان عجول ، وهذه خصيصة أيضاً ، فإن لم يكن عجول لا يرقى إذا اختار الآخرة ، ولو كان الإنسان مَهولا لا يرقى عند الله ، اختار الشيء البعيد ، والناس يحبون الشيء العاجل ، مركبة ، مكانة السريعة ، أما المؤمن فينظر إلى ما بعد الموت ، إلى الحياة الأبدية ، فلما اختار المؤمن الهدف البعيد ارتقى عند الله ، لأنه عجول .
الإنسان ضعيف ينهار ، لذلك لو خلق الإنسان قوياً لاستغنى بقوته ، فشقي باستغنائه عن الله ، خلقه ضعيفاً ليفتقر في ضعفه ، فيرقى بافتقاره إلى الله .
كل خصائص الإنسان لصالحه ، خصائص الإنسان : منوع ، عجول ، ضعيف ، فهو يحب الإحسان ، وحتى تقود من حولك أنا لا أتصور إنسانا يكفي أن يقود من حوله بقوته ، يجب أن تقوده بالإحسان إليهم ، وبالبر يستعبد الحر .
الأستاذ علاء :
سيدي الكريم ، من هنا قال النبي عليه الصلاة والسلام :
(( الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ ، وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا ، وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ ))
[ الترمذي عن شداد بن أوس ]
إذاً : عمل لما بعد الموت ، وكل هذه الأشياء التي بسطها الله بين أيدينا هي لرفعتنا .
الدكتور راتب :
لذلك أستاذ علاء ، أنت لما تتعرف إلى حقيقة النفس تحسن قيادة النفوس .
الأستاذ علاء :
لذلك النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
(( ما عُبد الله في الأرض بأكثر من جبر الخواطر ))
[ ورد في الأثر ]
هذه القضايا هي إحسان بين العلائق البشرية .
الدكتور راتب :
لابد من الإحسان للخَلق ولو كنتَ في منصب قيادي كبير :
أعرابي جاهل جهلا مطبقا بال في المسجد ، فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ ، فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( دَعُوهُ ، وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ ، أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ ))
فلما سكن رأى أناس قاموا إليه والنبي هدئهم قال له يا عبد الله ، هذه الأماكن لم تُبْنَ لهذا ، ففرح ، وارتاح ، فقال :
(( اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا ، وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا ، فَلَمَّا سَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ : لَقَدْ حَجَّرْتَ وَاسِعًا يُرِيدُ رَحْمَةَ اللَّهِ ))
[ البخاري ]
يقصد هؤلاء الذين قاموا إليه ، الأنبياء قمم في الإحسان .
والله أنا أتمنى أن يعرف هذه الحقيقة كل إنسان له منصب قيادي بإمكان الذين حولك أن يقدموا لك أرواحهم أنا أقول دائماً أعط الإنسان رغيف خبزه وكرامته وخذ منه كل شيء ، البطولة في القيادة أن تحسن وأن تعدل ، إن أحسنت ، وعدلت يتفانى من حولك في خدمتك ، وخدمة الهدف الذي تسعى إليه ، لذلك فريق العمل مفهوم حضاري ، وهو في الإسلام ، فريق العمل يعني أن هذه المؤسسة كلها فريق واحد ، ليس أحد أفضل من أحد ، إن نجحت فهي للجميع ، وإن أخفقت فعلى الجميع ، مفهوم فريق العمل ، مفهوم القيادة المحسنة ، هذا المفهوم يجعل الإنسان في أعلى درجة ، سيدنا رسول الله قائد جيش ، زعيم أمة ، نبي ، الرواحل قليلة ، وعدد الصحابة ألف ، أعطى أمرا أن كل ثلاثة يتناوبون على راحلة ، وقال : وأنا وعلي وأبو لبابة على راحلة ، يسوي نفسه مع جندي ، ركب على الناقة ، فلما انتهت نوبته توسلا صاحباه أن يبقى راكباً ، فقال كلمة والله لا أمل من تردادها ، قال :
(( مَا أَنْتُمَا بِأَقْوَى مِنِّي ، وَمَا أَنَا بِأَغْنَى عَنْ الْأَجْرِ مِنْكُمَا ))
[ أحمد ]
لما كانوا في سفر ، وأرادوا معالجة شاة ، قال أحدهم : علي ذبحها ، وقال الثاني : علي سلخها، وقال الثالث : علي طبخها ، فقال عليه الصلاة والسلام :
(( وعلي جمع الحطب ، قالوا : نكفيك ذلك ـ أصعب مهمة ـ قال : أعلم أنكم تكفونني ، ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه ))
[ ورد في الأثر ]
عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يَقُولُ :
(( بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ ، فَأَنَاخَهُ فِي الْمَسْجِدِ ، ثُمَّ عَقَلَهُ ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ : أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ ـ ولا ميزة ، ولا كرسي مع أصحابه ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّكِئٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ ، فَقُلْنَا : هَذَا الرَّجُلُ الْأَبْيَضُ الْمُتَّكِئُ ... ))
[ البخاري ]
الأستاذ علاء :
الآن سيدي الكريم يبدو بأن وقت الفقرة العلمية اقترب وحان ، وننهي بأن هذه الخصائص حيادية، وهذه الخصائص إما أن يستخدمها بالخير الإنسان ، وإما أن في مجالات الشر ، ما هي الفقرة العلمية ؟
الدكتور راتب :
الموضوع العلمي : عمليات التمويه عند الفراشات :
ما زلنا في التمويه ، موضوع مهم جداً وممتع جداً .
هذه العنكبوت البيضاء في طرف الزهرة في انتظار فريستها ، تحط الفراشة وسط الزهرة ، يرى بزاويتها العنكبوت بلون أوراق الزهرة تماماً ، ولشدة التمويه تحط الفراشة على العنكبوت نفسِه ظناً منها أنها زهرة .
للفراشات مكانة خاصة بين الكائنات التي تجيد التمويه في الطبيعة ، بعض أنواع الفراشات رسمت عليها عيون كبيرة ، هذه العيون الكاذبة أهم تكتيك دفاعي للفراشات فعند مواجهة أيّ خطر كمقابلة عصفور يبحث لنفسه عن طعام ، ما عليها ألا تفتح جناحيها كاملاً لتبدو للعصفور أنها مخلوق كبير ، وهذا مثال حي لهذا التكتيك ، في الحقيقة هذه الفراشة التي تقف على الشجرة فريسة سهلة للعصفور يلتهما بلقمة ، إلا أن الفراشة ما تلبث أن تفتح جناحيها فتبرز عينان كبيرتان ليبدو الخطر على العصفور ليفر العصفور من هناك بسرعة .
هي تظهر بمظهر البومة وهي عدوة العصفور ، هي علمت من عدو عدوها ، لندقق في روعة النقوش التي على هذه الفراشة ، شكل العين ، الأهداب التي تحتها الأنف ، القزحية ، الضوء المنعكس على الحدقة ، حتى بريق الحدقة كله تلوين ، وضعت كل التفاصيل ، وعلى جناح آخر نرى الأنف والآذان والظلال فوق العين ، شكل العين ، حدقة العين ، وحتى البريق المنعكس في الحدقة ، أيضاً تعطي صورة حيوان كبير ، هي فراشة صغيرة لكنها تبدو على شكل عدو عدوها.
تفصيل معجِز لجزئيات التمويه عند الفراشة :
في هذا التمويه تفصيل مهم آخر ، ألد أعداء الفراشات صنفان : حشرات كاليعسوب وعصافير صغيرة تتغذى عليها ، وتعد البومة ألد أعداء هذين الصنفين ، وفي هذه النقطة معجزة خارقة جداً ذلك أن الصورة التي على جناح هذه الفراشات غالباً صورة بومة ، يعني أن الفراشة تحمي نفسها بتقليد عدو عدوها لأن الطيور الصغيرة تخاف من البومة كثيراً إلا أن الفراشة قطعاً لا تعرف أن البومة عدو عدوها ولا تقدر على رسم صورتها على جناحها بتفصيل مذهل وبجزئيات رائعة جداً، وليس لها وعي لتخطيط مثل هذا التكتيك ، ولكن في الواقع الصورة الدقيقة هذه موجودة بلا شك ، لم يأتِ هذا الرسم مصادفةً ، بل خلق لغاية معينة ، فلمن يرجع التصميم الموجود على الفراشة ؟ تصميم كهذا لا يمكن أن يحدث كما زعم التطوريون ، فكل تصميم يدل على مصمم ، وهذا التصميم الذي على جناح الفراشة يدلنا على بديع خلق الله سبحانه وتعالى ، الحقيقة هذه الأشياء لا يمكن أن تفسر إلا بقدرة الله عز وجل .
يا سيدي ، الإنسان بشر ، يكون عنده عقل وفكر ، ومعه دكتوراه ، أحياناً يعجز عن أن يقوم بأعمال تقوم بها الفراشات ، لذلك مرة ثانية وثالثة ، قال تعالى :
﴿ قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾
( سورة طه )
﴿ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾
( سورة الحشر : 24)
استقطاب الفراشة لألوان حيوانات أخرى قصد التمويه :
طبعاً إلى جانب الأعين الكاذبة للفراشات إمكانيتها للتمويه محيرة أيضاً ، فكأن الفراشات استقطعت ألوان الأيكة ، ثم أنتجت هذه الألوان على أجسامها من خلال نظام دقيق تناسب الألوان هذه الأيكة ، لذلك الفراشة لا يمكنها قطعاً عمل كل هذه التي رأيناها في هذه المشاهد الرائعة ، هذا التصميم في الفراشات دليل واضح على عظمة الله .
﴿ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾
( سورة الحشر : 24)
الأستاذ علاء :
خاتمة وتوديع :
جميلة هذه الوقفات التي تضعنا في مسائل يجب أن نتفكر بها ، وأن نعمل العقل ، وأن يسرح العقل فيها ، ليتدبر هذا الكون الذي نحيط بجزئية أحياناً منه ، وهو يحيط بنا ، وأحياناً نمر على كثير من القضايا ، هذه القضايا لا تلفت انتباهنا إلا بعد أن ننبه إليها ، وإلى أن نقف ، وأن نستقرأ، وأن نعلم ما وراء هذه الظاهرة .
شكراً لك سيدي الكريم ، الوقت أدركنا ، لا يسعنا أعزائي المشاهدين إلا أن نشكر الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين بدمشق ، إن شاء الله نلتقي في الحلقة القادمة شكراً لك ، وسلام الله عليك ورحمته وبركاته .
والحمد لله رب العالمين

belamriabdelaziz
2014-07-15, 08:35
ندوات تلفزيونية – قناة سوريا الفضائية – الايمان هو الخلق – الدرس (23-95) - مقومات التكليف : الفطرة - الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2006-03-27
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم وترحيب :
أيها السادة المشاهدون ، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، وأهلاً ومرحباً بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم الإيمان هو الخلق .
يسعدنا أن نقوم باستضافة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كلية الشريعة وأصول الدين في دمشق ، أهلاً وسهلاً بكم .
الدكتور راتب :
أهلا أستاذ علاء ، جزاك الله خيراً .
الأستاذ علاء :
سيدي الكريم ، نتناول اليوم طالما أنا قد بحثنا في حلقات سابقة في مسائل الطبع ، ومسائل الفطرة ، ومسائل التكليف ، وتبينا من خلال الحديث والتفصيل بأن الإنسان يتركب من نفس و جسد وروح ، وأن الجسد له طبع ، و المغالبة بين طبع الجسد والتكليف هو ثمن الجنة .
من خصائص الأمة الإسلامية : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
اليوم اسمح لي سيدي الكريم أن نتحدث في موضوع ، الله عز وجل مرّ في آيات عديدة على مسألة المعروف ، ومسألة المنكر ، يعدنا دائماً ، و يأمرنا بالعمل بالمعروف ، وينهانا عن اقتراف المنكر ، الله عز وجل يقول :
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾
[سورة آل عمران : 110]
لماذا كنتم ؟ قال المفسرون : أي كنتم ، ومازلتم ، وستبقون طالما المعادلة قائمة :
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ﴾
[سورة آل عمران : 110]
هذا الشرط :
﴿ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾
[سورة آل عمران : 110]
ماذا يقول أستاذنا في هذه المسألة ، وفي هذه المعادلة أمر الله دائماً أن نقوم بالمعروف ، وأن نعمل المعروف ، و أن نجتنب ، وأن ننتهي عن المنكر .
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
معنى المعروف والمنكر :
أستاذ علاء ، أحياناً حينما نلقي ضوءاً على المعنى اللغوي للكلمة هذه المعاني الدقيقة للكلمات تلقي ضوءاً كاشفاً على حقيقة الموضوع .
قد يخطر في بال الإنسان ما معنى كلمة معروف ، و ما معنى كلمة منكر ؟ و لماذا استخدم الله هذه الكلمات ؟
الحقيقة أن هذا الموضوع من ألصق الموضوعات بالفطرة ، أي أن الفطر السليمة تعرف العمل الطيب ابتداء من دون تعليم ، وقد سماه الله معروفاً ، لأن الفطر السليمة تعرفه .
الأستاذ علاء :
إذاً هو في ذاكرته .
الدكتور راتب :
في أعماق الإنسان ، أيّ إنسان في كل زمان و مكان ، في فطرة الإنسان ، والنفوس البشرية تنكر المنكر بفطرها ، ومن دون تعليم ابتداء ، إذاً الشيء الذي يعرف بالفطرة ، و الذي ينكر بالفطرة هو المعروف و المنكر .
الأستاذ علاء :
سيدي ، تسمح لي أن أستخدم باب التعابير الحديثة التي تستخدم في علم الأتمتة ، إذا اعتبرنا الفطرة هي مثلاً على سبيل المثال هي الديسك الموجود في المخلوقات ، في كل مخلوق له ديسك، في الذاكرة ، في ذواكرها ، هي تحب المعروف ، وتتأبى المنكر ، كما تفضلت ، لذلك الله عز وجل جعل الارتباط بهذه المسألة بالفطرة ، المعروف لأنه معروف بالفطرة .
المعروف والمنكر معروفان في أصل الفطرة :
الدكتور راتب :
فطرة الإنسان أصلاً ابتداء من دون تعليم ، و المنكر تنكره النفوس إنكاراً ابتداء من دون تعليم ، لكن هناك نقطة دقيقة جداً في علم النفس ، وجدوا أن هناك صفات كثيرة ً تطفو على سطح الحياة، و كل مجموعة من هذه الصفات تعود إلى سمة في أعماق الإنسان ، فلو أن هناك سمة الضبط ، فصاحب هذه السمة العميقة حساباته مضبوطة ، مواعيده مضبوطة ، كلامه مضبوط ، علاقاته مضبوطة ، السمة أي صفة عميقة جداً في أصل تكوين الإنسان تطفو على السطح بشكل صفات متعددة ، لكنها تنتمي إلى جذر واحد ، إذاً : الإنسان في أصل فطرته ينكر المنكر من دون تعليم ، من دون توجيه ، من دون دراسة ، و يعرف المعروف .
الأستاذ علاء :
من دون محاضرات ، من دون أن يعرف شيئاً .
الدكتور راتب :
لذلك ، الذين يرون أن الإنسان لا يحاسب أبداً إن لم تأته الرسالة إطلاقاً فهناك رأي معتدل ، أن الله يحاسب الإنسان على عقل أودعه فيه يعرفه بربه ، وعلى فطرة أودعها فيه تعرفه بخطئه ، لكن هذا الذي لم تصله الرسالات لا يحاسب على تفاصيل الشريعة ، أما لو أن إنسانا بغابة ، وأكل ، ولم يطعم أمه يشعر بضيق ، لأنه عاش مع الكائنات العجماوات ، ولم يتلق أي علم ، لكن له أم إلى جانبه ، فإذا أكل ولم يطعمها يشعر بضيق ، إذاً في أصل تكوين الإنسان هو يُنكر المنكر ، ويعرف المعروف ، وهذا من أروع تسميات المعروف والمنكر .
الآن في القضاء البريطاني هناك المحلفون ، يأتون بإنسان من الطريق ، من مهن مختلفة ، من مستويات ثقافية مختلفة ، يعرضون على هؤلاء المحلفين قضية ، جريمة ، فمعظم هؤلاء بعيدون عن الضغوط والاغراءات والمسؤوليات والابتزاز ، فينطقون بالحكم الصحيح العادل ، بحسب فطرهم السليمة ، وهذا منطلق المحلفين في القضاء البريطاني ، إنسان بفطرته يكشف الحق والباطل ، وأنا في لقاءات سابقة أشرت إلى أنه حتى الحيوانات ، القطة حينما تخطف قطعة لحم تأكلها بعيدة عنك ، تعرف أنها أخطأت ، أما حينما تطعمها أنت تأكلها أمامك دون خوف .
تفضلتم بالآية الأولى في قوله تعالى :
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾
[سورة آل عمران : 110]
معنى الآية :
لهذه الآية معان كثيرة ، لكن من أوجه هذه المعاني أن بعض العلماء يقولون : كنتم بمعنى أصبحتم ، بعد أن جاءتكم هذه الرسالة الخاتمة ، الكتاب المنزل على النبي الكريم ، و هو خاتم الكتب ، هذه الرسالة هي لكل الأمم و الشعوب ، ولكل الأعصار والأمصار ، و لنهاية الدوران ، أي أيتها الأمة حينما نزل على نبيكم الوحي أصبحتم بهذه الرسالة خير أمة أخرجت للناس ، هناك من يعتمد على هذا المعنى .

علة الخيرية : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله :
لكن الجواب الحاسم أن هذه الخيرية لها علة ، علتها تأمرون بالمعروف ، وتنهون عن المنكر ، وتؤمنون بالله ، ثلاثة أشياء ، فما لم تتحقق هذه العلة فنحن قطعاً لسنا خير أمة أخرجت للناس .
الأستاذ علاء :
لسنا من الذين أصبحوا إن لم تتحقق العلة ، بالمعنى اللغوي هناك ارتباط .
الدكتور راتب :
أمة الإسلام قسمان : أمة الاستجابة وأمة التبليغ :
لذلك قسموا أمة النبي عليه الصلاة والسلام إلى أمتين ، أمة الاستجابة ، وهي خير أمة أخرجت للناس ، وإلى أمة التبليغ ، أمة التبليغ هناك آية تنطبق عليها ، هؤلاء الذين قالوا :
﴿ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ﴾
[ سورة المائدة : 18]
بماذا ردّ الله عليهم ؟ قال :
﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾
[ سورة المائدة : 18]
حينما يبتعد المسلمون عن الإيمان ، وعن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يفقدون خيريتهم ، هم أمة كأية أمة خلقها الله عز وجل ، إذا هان أمر الله عليهم هانوا على الله ، هذه حقيقة مرة ، لكنها أفضل ألف مرة من الوهم المريح ، نحن خير أمة إذا آمنا بالله الإيمان الذي يحملنا على طاعته ، و أمرنا بالمعروف ، و نهينا عن المنكر .
من أسباب هلاك الأمم : عدم التناهي عن المنكر :
وهناك بحث دقيق جداً عالجته في لقاءات قديمة أسباب هلاك الأمم ، أحد أكبر أسباب هلاك الأمم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه ، فأن تأمر بالمعروف ، وأن تنهى عن المنكر هذا سلوك يحصن المجتمع ، أما أن نجامل ، و نجامل ، و نمدح بلا أسباب ، و بلا مؤهلات ، و ننجو من أي قلق ، أو أي اعتلال ، فهذا سلوك لا يرضي الله عز وجل ،
(( وإنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ))
[ متفق عليه عن عائشة]
الأستاذ علاء :
و الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها .
الدكتور راتب :
هذا الموقف العدل ، فلذلك نحن خير أمة بسبب أننا إذا آمنا بالله الإيمان الذي يحملنا على طاعته، ثم أمرنا بالمعروف ، ونهينا عن المنكر ، وكأن النبي عليه الصلاة والسلام نظر إلى ما سيكون ، و قد أعلمه الله بما سيكون ، لا يعقل النبي عليه الصلاة والسلام أن يعلم ما سيكون بذاته ، إلا أن يعلمه الله ، هذه قضية عقيدة ، إن الله عز وجل أمره أن يقول :
﴿ قُلْ لاَ أَعْلَمُ الغَيْبَ ﴾
لكن إذا حدثنا عن أشراط الساعة فهذا من إعلام الله له ، قال :
(( كيف بكم إذا لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر ؟ ـ الصحابة صعقوا ـ قالوا : أو كائن ذلك يا رسول الله ؟ قال : وأشد منه سيكون ، قالوا : وما أشد منه ؟
أول مرحلة : كيف بكم إذا لم تأمروا بالمعروف ، و لم تنهوا عن المنكر ، قالوا : أو كائن ذلك يا رسول الله ؟ قال : وأشد منه سيكون ، قالوا : وما أشد منه ؟ قال : كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف ؟ ـ الصاعقة أشد ـ قالوا : أو كائن ذلك يا رسول الله ؟ قال : وأشد منه سيكون ، قالوا : وما أشد منه ؟ ـ المرحلة الثالثة أخطر مرحلة ـ قال : كيف بكم إذا أصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً ؟))
تبدلت القيم ، الآن تبدلت مع ممارسة الخطأ ، والإصرار عليه ، انطمست فطرهم ، فأصبح الذي يأخذ ما ليس له شاطراً ، و أصبحت المتفلتة راقية ، و أن تلد الأمة ربتها ، و لا تعنى بأمها التي ولدتها وربتها ، تحتقر الجيل السابق ، وتتطلع إلى شيء لا يرضي الله عز وجل ، ولا يرضي القيم الثابتة في الإنسان .
الأستاذ علاء :
سيدي طرحت هذا الموضوع ، و هذا الموضوع هام و هام جداً ، أن يأتمر الإنسان بالمعروف ، وأن يعمل له هذا شيء ذاتي ، وأن يبتعد عن المنكر ، هذا شيء ذاتي ، لكن يوجد أمر :
﴿ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾
[ سورة آل عمران : 110]
ومن هلاك الأمم السابقة كما تفضلت كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه ، كيف يكون الأمر بالمعروف ، وكيف يكون النهي عن المنكر ؟
ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
الدكتور راتب :
أجاب النبي عليه الصلاة والسلام فقال :
(( من أمر بالمعروف فليكن أمره بالمعروف ، ومن نهى عن المنكر فليكن نهيه بالمعروف ))
[ورد في الأثر ]
النبي عليه الصلاة والسلام علمنا الحكمة ، علمنا أن نحاور الطرف الآخر حواراً لطيفاً ، قال تعالى :
﴿ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾
[ سورة سبأ : 24]
الأمر بالمعروف يتعلق بهوية الإنسان ، الله عز وجل يقول :
﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾
[ سورة النساء : 59]
الإمام الشافعي له رأي رائع في أولي الأمر ، من هم أولو الأمر ؟ قال : " العلماء والأمراء " ، العلماء يعلمون الأمر ، و الأمراء ينفذون الأمر ، فالمؤمن يجب أن يأمر بالمعروف بلسانه ، أما القوي فيجب أن يأمر بالمعروف بقوته ، بقرار .
الأستاذ علاء :
صاحب السلطة هم أولو الأمر .
الدكتور راتب :
أولياء الأمور هم العلماء والأمراء ، العلماء يعرفون الأمر ، والأمراء ينفذون الأمر ، هم متكاملان ، فإذا أبلى العالِم بحقيقة المعروف جاء الأمير فنفذ هذا التوجيه ، تكامل المجتمع ، إذاً : العلماء والأمراء هم الذين ورد ذكرهم في الآية الكريمة :
﴿ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾
[ سورة النساء : 59]
فالقوي الذي معه سلطة بجرة قلم يحق حقاً ، و يبطل باطلاً ، يقر معروفاً ، و يزيل منكراً .
الأستاذ علاء :
سيدي ، كيف نوفق بين ما تقدمت به ، وتفضلت به ، و بين من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، ثم بلسانه ، ثم بقلبه ، وهذا أضعف الإيمان ؟
التوفيق بين الأمر بالمعروف عامة وحديث
(( من رأى منكم منكرا ...))
الدكتور راتب :
هذه متعلقة بالابن والبنت ، فإذا كانت البنت متفلتة يقول الأب : ماذا أفعل ، أنا نصحتها ؟ إذا كانت متفلتة فلك عليها الولاية ، وتملك عليها الفضل ، ,هي تعيش في كنفك ، تأتمر بأمرك ، هناك حالات ، وهناك شرائح اجتماعية لا ينبغي أن تقول : أنا نصحته ، ولم ينتصح ، لابد من ضغوط من أجل أمور أخرى ، من أجل أمور دنيوية ، من أجل مصالح مادية ، تتم الضغوط أحياناً ، النصح مع التعنيف أحياناً ، فإنسان في حوزتك ، و في إمرتك ، و أنت متفضل عليه ، و هو يمثلك ، هو ينحرف ، تقول : نصحته فلم ينتصح ، هذا غير مقبول ، تماماً كما لو مرّ أب في الطريق ، فرأى شباباً ثلاثة يدخنون ، أحدهم ابنه ، والثاني ابن أخيه ، والثالث لا يعرفه ، يغضب أشد الغضب من أقرب الشباب إليه ، من ابنه ، ويعنفه ، ويأمر ابن أخيه أن ينصرف إلى البيت ، و يقول له : هذا الشيء لا يليق بك ، ولا بوالدك ، ثم يقول للثالث : انصرف ، حدة الإنكار تنصب على الابن أولاً ، ثم على ابن الأخ ثانياً ، ثم لا تنصب على الطرف الثالث ، لأنه من أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف ، لعله يجيبه إجابة قاسية جداً ، أما الذي في حوزتك ، وتنفق عليه، و هو يمثلك ، وكلمتك نافذة عنده فلا ينبغي أن نكتفي بكلمة : أنت مخطئ ، لابد من ضبط.
الأستاذ علاء :
سيدي ، هل نستطيع أن نفسر الحديث النبوي :
(( فليغيره بيده أو بلسانه أو بقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ))
أن يكون التغيير باليد أي بالفعل هو من شأن السلطان ، و باللسان من شأن العلماء ، وبالقلب من شأن عامة الناس الضعاف ، الحقيقة هل نتلمس هذا هنا ؟
التفسير الصحيح لمراتب النهي عن المنكر الواردة في الحديث :
الدكتور راتب :
لا يقبل أن تنكر بقلبك إذا كان بالإمكان أن تنكر بلسانك ، كما أنه لا يقبل منك أن تنكر بلسانك إذا كان في الإمكان أن تنكر بيدك .
لكن بشكل توضيحي ، نقول : العلماء مكلفون أن يأمروا بالمعروف بألسنتهم ليبينوا للناس ، والأمراء مكلفون أن يأمروا بالمعروف ، وأن ينهوا عن المنكر بما آتاهم الله من قوة .
مثلاً : نحن نعلم الامتناع عن التدخين في الطائرات و أي مكان آخر أنه قرار ، فهذه مهمة كبيرة، بقرار يحق حقاً القوي ، و يبطل باطلاً .
إذاً : العالم مكلف أن يأمر بالمعروف بلسانه وبيانه ، و الأدلة ، والأمثلة ، والتطبيقات ، والأمير مكلف أن ينفذ توجيهات ، هذا الذي أعطى هذه المعلومات الدقيقة عن الشرع الحنيف ، والإنسان الضعيف ينكر بقلبه .
من شهد منكراً فأنكره كان كمن غاب عنه ، وإذا غاب عن منكر فأقره كان كمن شهده :
ولكن قالوا : من شهد منكراً فأنكره كان كمن غاب عنه ، وإذا غاب عن منكر فأقره كان كمن شهده .
هناك حالتان : من غاب عن منكر فقبله كان كمن شهده ، و من شهد منكراً فأنكره كان كمن غاب عنه ، و الحقيقة يوجد نقطة دقيقة جداً الإنسان أحياناً يحاسب على ذنب لم يرتكبه ، كيف ؟
لك صديق ارتكب ذنباً ، إن ذكرته فقد اغتبته ، وإن أقررته فقد شاركته في الإثم ، وإن شمت به ابتلاك الله به ، يجب على الإنسان أن يبتعد عن أن يفضح ، وعن أن يشمت ، وعن أن يشارك ، لذلك يأتي إلى هذا المذنب بأدب جم ، وينصحه بينه وبينه .
إذا قال : أنا لا أفعل ، هذا كبر و استعلاء ، لعله يبتلى به ، وإذا نشر هذا الخبر ، وعده عملاً جيداً فقد نشر هذا الخبر ، وشاركه في الإثم وأقره ، وإذا اغتابه ، وعنفه بغيبته أفسد العلاقة بينه و بينه ، و :
(( الذنب شؤم على غير صاحبه ))
[الجامع الصغير عن أنس بسند فيه ضعف]
هكذا الحديث :
(( الذنب شؤم على غير صاحبه ، إن ذكره فقد اغتابه ، وإن عيره ابتلي به ، وإن رضيه شاركه في الإثم ))
الشرع له ميزان دقيق ، ينبغي ألا تشمت ، لذلك كانت عقوبة الشامت ضعفا في مقاومته ، فيقع في الذنب نفسه ، وينبغي ألا تقره على خطئه ، إن أقررته على خطأه شاركته في الإثم ، وينبغي ألا تغتابه كي تبقى العلاقة سليمة بينك وبينه ، الصواب أن تشكر الله على أن عافاك من هذا الذنب ، وأن تأتي إليه ، وأن تنصحه بينك و بينه ، هذا الموقف الكامل .
الأستاذ علاء :
سيدي ، هناك بعض الناس يفتون لأنفسهم ، يبيحون لأنفسهم من خلال الحديث فهماً قاصراً ، ومن خلال عدم فهم الآية فهماً دقيقاً ، بأن يتولوا أمر ومهمة الحاكم وأولي الأمر ، وينصبوا أنفسهم على العباد في مرتبة من ينهى ، و يأمر ، و من يميز بين الناس ، و يُقوم سلوك الناس ، ماذا نقول في حق هؤلاء ؟
المسلمون دعاة لا قضاة على الناس :
الدكتور راتب :
أولاً الدعاة ليسوا قضاة لكنهم ناصحون .
أول نقطة في الموضوع : أن الإنسان ينبغي أن يستخدم الحكمة المطلقة ، بمعنى أنك لو أنكرت منكراً بيدك ، ونشأ عن هذا المنكر فتنة كبيرة يمنع أن تنكر المنكر بهذه الطريقة ، يقول سيدنا عمر : << ليس بخيركم من عرف الخير ، و لا من عرف الشر ، و لكنه من عرف الشرين ، و فرق بينهما ، و اختار أهونهما >> .


لا يجوز تغيير منكر يسبب منكرا أشد منه :
هذا منهج ، مثلاً : حينما تضطرم في نفسك مشاعر معينة ، وأتحرك بلا تخطيط ، و بلا مرجعية ، و بلا منهج ، أجرّ على المسلمين متاعب لا تنتهي ، و قد أكون مخلصاً في هذه الحركة ، لكن في العمل ليست صحيحة .
الأستاذ علاء :
هذا عمل الأحمق سيدي .
الدكتور راتب :
نعم ، فأنا أقول : ويلات كثيرة جداً جرت على المسلمين بسبب أناس لم يرجعوا إلى المرجع الصحيح ، و لم يلتزموا المنهج القويم ، و لم يعرفوا دقائق هذا الموضوع ، أن أنكر المنكر بطريقة حكيمة ، فإذا كان إنكار المنكر سيؤدي إلى منكر أشد ينبغي أن أنكره بلساني لا بيدي .
الأستاذ علاء :
هذا مبدأ في الأصول ، وهو : درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح .
الدكتور راتب :
دع خيراً عليه الشر يربو ، فلابد من ميزان دقيق ، أنا أريد أن أقدم شيئاً للأمة ، أن أريد ألا أجلب لها الدمار و الهلاك بنزوة عاطفية و انفعال شديد غير منضبط بمنهج الله عز وجل ، و الأمثلة كثيرة جداً .
الأستاذ علاء :
حان وقت الفقرة العلمية .
الدكتور راتب :
نعم هناك فقرة علمية تبين عظمة الله عز وجل ، الإنسان المتأله أحياناً يظن أنه يفعل ما يريد ، لكن الله سبحانه و تعالى قوي شديد البطش ، فنحن يجب أن نعرف الله من رحمته ، و أن نعرفه من قوته ، والأنبياء يعبدون الله رغباً ورهباً .
الأمواج التي تسببها الزلازل في أعماق الأرض :
الآن إلى بعض الأمواج التي تصنعها الزلازل في أعماق الأرض :
أحياناً يحدث في قاع المحيط زلزال يكون سبباً في تشكيل أمواج كما ترون ضخمة في البحر ، تسمى هذه الأمواج أمواج تسونامي ، هذه الأمواج تدمر شريطاً ساحلياً بأكمله ، والأثر المدمر لهذه الأمواج التي تعلو إلى أربعين متراً ، لا تبقي ولا تذر .
زلزال تسونامي الذي وقع قبل أعوام خير شاهد على ذلك ، هذا البناء تأتيه الموجة فتهدمه ، ويمكن أن يحمل صخرة وزنها خمسون طناً إلى مسافة بعيدة جداً ، هذا الزلزال سرعته ألف و ستمئة كيلو متر بالساعة .
إِنّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ
شيء آخر طبعاً لا يبقي و لا يذر :
﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ ﴾
[ سورة البروج ]
﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً ﴾
[ سورة يونس : 24]
يجب أن نخاف من الله ، ورأس الحكمة مخافة الله ، هذا الفندق الضخم جداً على الساحل جاءت الأمواج فحطمته ، انظر إلى السيارات كيف تتلاطم مع الجدران .
الأستاذ علاء :
لهذا الموج قوة هائلة .
الدكتور راتب :
الله عز وجل قوي ، لكن لابد من أن نتقي ربنا ، و نحن في الرخاء ، لو عرفناه في الرخاء عرفنا في الشدة ، و هذه حقيقة .
طبعاً المنازل ، المنشآت ، الفنادق ، السفن تغدو على أسطح المنازل ، هذا هو الزلزال الذي حدث في القواعد الصخرية للأرض ، وهناك اثنا عشر لوحاً تحت القارات ، تحمل هذه القارات تسمى الصفائح ، بفعل البراكين العميقة جداً تتباعد هذه الصفائح ، أو تتقارب ، لا يبقي و لا يذر.
لذلك اسألوا الله العافية ، و أن يحفظ بلادنا من كل سوء ، هناك مصائب تنسينا جميع المشكلات، السفن فوق أسطح المنازل ، و هذه البيوت الراقية جداً أصبحت أنقاضاً كما يرى في المشاهد .
الأستاذ علاء :
إذاً حركة الصفائح تتباعد ، أو تصطدم فتصبح حركة اندفاعية .
الدكتور راتب :
نعم بالاندفاع نحو الأعلى تتباعد ، بالاندفاع نحو الأسفل تصطدم ، هذا الزلزال الذي وقع في تسونامي قوته مليون قنبلة ذرية ، كما ترى المياه تأتي ، البيوت لا يوجد شيء ، أبداً لا تبقي و لا تذر .
الأستاذ علاء :
عندما حدثنا القرآن عن قصة سيدنا نوح ، كان الشخص يظن كيف يأخذ الناس الطوفان ، لم يبقِ شيئاً .
الدكتور راتب :
وفي لقاء قادم إن شاء الله سأتحدث عن هذا الزلزال بشكل مفصل إن شاء الله ، لأن الإنسان يجب أن يعرف حجمه عند الله عز وجل .
الأستاذ علاء :
لذلك سيدي الكريم ، مثلما تفضلت إن الله يعرف بتجليين تجلي الجلال ، وتجلي الجمال ، تجلي الجلال من خلال قوته و جبروته و بطشه ، و من خلال رهبته و رهبة هذه القوة ، وتجلي الجمال من خلال المحبة و اللطف ، و من خلال حالات الأنس التي يشعر بها المرء عند اقترابه و اتصاله به .
الدكتور راتب :
لذلك يقول عليه الصلاة و السلام في بعض أدعيته :
(( أعوذ بك يا رب من فجأة نقمتك ، و تحول عافيتك ، و جميع سخطك ))
[أبو داود عن ابن عمر ]
الإنسان ضعيف ، فالذي يقول : أنا ، لا يعرف الله .
خاتمة وتوديع :
الأستاذ علاء :
لا يسعنا إلا أن نشكر الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كلية الشريعة وأصول الدين في جامعة دمشق ، شكراً لهذا الحديث ، سنلتقي إن شاء في الحلقة القادمة ، والسلام عليكم ورحمة الله و بركاته .
والحمد لله رب العالمين

belamriabdelaziz
2014-07-16, 19:00
[]صلاة التراويح
https://www.youtube.com/watch?v=pBCyMrT5fvI

الشيخ عبد الحكيم الجزائري
تراويح 1935

belamriabdelaziz
2014-07-16, 19:01
[]صلاة التراويح
https://www.youtube.com/watch?v=pBCyMrT5fvI

الشيخ عبد الحكيم الجزائري
تراويح 1935

دعاء المحبوبة
2014-07-17, 00:07
http://im59.gulfup.com/VOLosO.jpg

belamriabdelaziz
2014-07-17, 10:57
تتمة لما جاء في مساهمة الأخت دعاء المحبوبة
ياصاحب الهم ان الهم منفرج ........ابشر بخير فان الفارج الله
اذا بليت فثق بالله وارض به.......ان الذي يكشف البلوىهوالله
ياصاحب الهم ان الهم منفرج........ابشر بخير فان الفارج الله
اليأس يقطع احيانا بصاحبه ...........لاتيأسن فان الفارج الله
ياصاحب الهم ان اهم منفرج........ابشر بخير فان الفارج الله
الله حسبك مماعذت منه به.........وأين امنع ممن حسبه الله
ياصاحب الهم ان الهم منفرج........ابشر بخير فان الفارج الله
الله يحدث بعد العسر ميسرة..........لاتجزعن فان الكافي الله
ياصاحب الهم ان الهم منفرج ......ابشر بخير فان الفارج الله
والله مالك غير الله من احد .......فحسبك الله في كل لك الله
ياصاحب الهم ان الهم منفرج......ابشر بخير فان الفارج الله
الحمدلله شكرا لاشريك له........ماسرع الخيرجدا حين يشاالله
ياصاحب الهم ان الهم منفرج .....ابشر بخير فان الفارج الله
---------------------------------------

belamriabdelaziz
2014-07-17, 10:58
تتمة لما جاء في مساهمة الأخت دعاء المحبوبة
ياصاحب الهم ان الهم منفرج ........ابشر بخير فان الفارج الله
اذا بليت فثق بالله وارض به.......ان الذي يكشف البلوىهوالله
ياصاحب الهم ان الهم منفرج........ابشر بخير فان الفارج الله
اليأس يقطع احيانا بصاحبه ...........لاتيأسن فان الفارج الله
ياصاحب الهم ان اهم منفرج........ابشر بخير فان الفارج الله
الله حسبك مماعذت منه به.........وأين امنع ممن حسبه الله
ياصاحب الهم ان الهم منفرج........ابشر بخير فان الفارج الله
الله يحدث بعد العسر ميسرة..........لاتجزعن فان الكافي الله
ياصاحب الهم ان الهم منفرج ......ابشر بخير فان الفارج الله
والله مالك غير الله من احد .......فحسبك الله في كل لك الله
ياصاحب الهم ان الهم منفرج......ابشر بخير فان الفارج الله
الحمدلله شكرا لاشريك له........ماسرع الخيرجدا حين يشاالله
ياصاحب الهم ان الهم منفرج .....ابشر بخير فان الفارج الله
---------------------------------------

دعاء المحبوبة
2014-07-18, 16:16
رُبّ دعوة غيّرت مجرى حياة.. اجتمعَ صيام مع فضل يوم الجمعة مع ساعة إجابة فارفع يديك لمن بيده الأمر وادع لنفسك وأهلك وأمتك..

belamriabdelaziz
2014-07-19, 09:24
http://im59.gulfup.com/SWHeTB.jpg

belamriabdelaziz
2014-07-19, 09:27
http://im59.gulfup.com/SWHeTB.jpg

belamriabdelaziz
2014-07-20, 09:00
http://im58.gulfup.com/bEo8vc.jpg

belamriabdelaziz
2014-07-21, 09:05
ندوات تلفزيونية – قناة سوريا الفضائية – الايمان هو الخلق – الدرس (37-95) - مقومات التكليف : الشهوة ـ شهوة المال ـ التمويه في عالم الحيوان
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2006-09-18
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم وترحيب :
أيها السادة المشاهدون ، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، وأهلاً ومرحباً بكم في هذه الحلقة من برنامجكم الإيمان هو الخلق .
ونستمر إن شاء الله في رحلتنا المديدة مع الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين في دمشق .
أهلاً وسهلاً سيدي الكريم .
بكم أستاذ علاء جزاكم الله خيراً .
الأستاذ علاء :
ملخَّصٌ تذكيريٌّ :
سيدي الكريم ، نحن في رحلة طويلة ، لكنها ممتعة ، هذه الرحلة التي تتحدث عن مقومات التكليف ، أن الله عز وجل استخلف الإنسان على هذه الأرض ، وحمله الأمانة ، وتحميل الأمانة للإنسان ، وهي أثقلُ شيء ، حيث ناءت بالجبال والسماوات والأرضون ، وحملها الإنسان ، كان في هذا التحميل ، وهذا التكليف مقومات ، وبدأنا في المقومات بالكون ، وأفردنا له الكثير ، والعقل ، ثم الفطرة ، ثم حططنا رحالنا عند الشهوة ، وتحدثنا بالتفصيل عن هذا المقوم من مقومات التكليف في أربع حلقات ، وربما نستغرق أكثر من ذلك في هذه المسألة ، تحدثنا عن الشهوة في اتجاهين ، الشهوة التي تتعلق بحب النساء ، الجنس ، والشهوة التي تتعلق بحب المال ، وتملك المال ، الله عز وجل يقول :
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ﴾
( سورة آل عمران : 14)
إلى آخر الآية الكريمة .
إذاً : زين للناس الحبَّ ، إذاً : المحبة شيء من الفطرة التي أودعها الله في الإنسان .
الدكتور راتب :
في أصل خلق الإنسان .
الأستاذ علاء :
في أصل خلق الإنسان ، وتحدثنا أن الشهوة هي قوة كامنة ، هذه القوة إذا استطعنا أن نؤطرها ، وأن نُجريها في مجاريها الطبيعية ، وفي قنواتها الطبيعية كانت خلاّقة ، ودفعت بالإنسان ، وارتقت به ، و نمت الحياة ، وإذا انفجرت هذه القوة الدافعة خارج حجرة الانفجار النظامية التي كانت معدة للانفجار وللاستغلال أصبحت مهلكة .
تحدثنا سيدي الكريم عن الجنس ، ومررنا عليه بالتفصيل ، ثم تحدثنا في الحلقة السابقة عن المال، وقلت : إن المال قوام الحياة ، وهو محبب للنفس .
سيدي الكريم ، الله عز وجل أودع في نفوسنا حب المال ، والمال قوام الحياة ، وهو شيء يحب الإنسان أن يكون في مقدوره ، لكن كيف يستعمل هذا الحب ، وهذه الشهوة استعمالاً صالحا ؟
الدكتور راتب :
المال :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
1 – المال قوّةٌ حيادية :
أستاذ علاء ، أول فقرة أساسية في هذا اللقاء الطيب أن المال حيادي ، هو قوة كبيرة يمكن أن يوظف في الخير كما يمكن أن يوظف في الشر ، والشيء الذي يستخدم بطريقتين متعاكستين يسمى شيئاً حيادياً ، لذلك هذا المعنى الجليل تؤكده الآية الكريمة :
﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ ﴾
( سورة الفجر : 15 )
فيقول هو :
﴿ رَبِّي أَكْرَمَنِ ﴾
( سورة الفجر : 15 )
هذه مقولته ، قال تعالى :
﴿ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴾
( سورة الفجر )
2 – المال يعطيه الله لمَن يحب ولمن لا يحب :
أستاذ علاء ، كلمة
( لا )
شيء ، وكلمةُ
( كلا )
شيء آخر ، لو أني سألت أخاً كريماً : هل تناولت طعام الفطور ؟ يقول : لا ، أما لو سألته ـ لا سمح الله ـ هل أنت سارق ؟ لا يقول : لا ، يقول : كلا ، لأن كلا أداة ردع وزجر ونفي ، فلذلك الله عز وجل يرد على مقولة الإنسان الواهمة أن كل إنسان أعطاه الله مالاً يتوهم الإنسان أن الله يحبه ، وقد يكون العكس ، لأن قارون أعطاه الله مالاً ، والشيء الذي يعطى لمن يحب ولمن لا يحب لا يعد مقياساً للمحبة ، مادام الله عز وجل قد أعطى سيدنا سليمان الملك ، وأعطى سيدنا عثمان بن عفان المال ، وأعطى سيدنا عبد الرحمن بن عوف المال الوفير ، وأعطى قارون المال الوفير ، مادام الشيء الواحد إذا أعطي لطرفين متعاكسين لا يمكن أن يكون قيمة موجهة في اتجاه خاص .
الأستاذ علاء :
سيدي الكريم ، أفهم من كلامك بأن المال لا يحمل قيمة كامنة توجه الإنسان باتجاه اليمين أو اليسار ، الخير أو الشر ، وإنما الإنسان هو الذي يوجِّهه .
الدكتور راتب :
3 – المال مادةُ امتحانٍ وابتلاءٍ :
لكنها حيادية ، يمكن أن ترقى بالإنسان إلى أعلى عليين ، ويمكن أن تهبط بالإنسان إلى أسفل سافلين ، ووقفنا عند الآية وقفة متأنية :
﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ ﴾
( سورة الفجر : 15 )
وحيثما وردت كلمة
( الإنسان )
في القرآن الكريم فهي تعني الإنسان قبل أن يعرف الله في أصل فطرته ، قال تعالى :
﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ ﴾
( سورة الفجر : 15 )
الابتلاء هو الامتحان ، والله عز وجل يقول :
﴿ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾
( سورة المؤمنون)
الأصل أن الحياة الدنيا ابتلاء ، قال تعالى :
﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾
( سورة هود : 7)
﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ ﴾
( سورة الفجر : 15 )
أي امتحنه بالمال ، قد ينجح ، وقد يرسب ، وقد يرقى بالمال إلى أعلى عليين ، وقد يسقط به إلى أسفل سافلين ، قال تعالى :
﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ ﴾
( سورة الفجر :15 )
على الشبكية أكرمه ببيت فخم ، مركبة فارهة ، زوجة جميلة ، دخل فلكي ، سفر ، رحلات ، تصدر في المجالس ، قال تعالى :
﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ ﴾
( سورة الفجر :15 )
هو يتوهم أن الله يحبه فيقول :
﴿ رَبِّي أَكْرَمَنِ ﴾
[ سورة الفجر ]
بالمقابل الإنسان ضعيف الإيمان الذي لم تتضح رؤيته بعد حينما يحرم من المال يظن أنه مهان عند الله ، وقد قال عليه الصلاة والسلام :
(( كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ ))
[ الترمذي عن أنس ]
﴿ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴾
( سورة الفجر )
الرد الإلهي : كلا يا عبادي ، ليس عطائي إكراماً ومحبة ، وليس منعي إهانة وازدراءً ، إن عطائي ابتلاء ، وحرماني دواء ، عطائي ابتلاء لهذا الإنسان ، فقد يرقى بالمال إلى أعلى عليين ، وقد يسقط بالمال إلى أسفل سافلين .
هذا الذي أوتي مالاً وفيراً ـ والله أستاذ علاء ـ أمامه من فرص العمل الصالح التي يرقى بها عند الناس وعند الله ما لا يوصف ، بالمال بإمكانك أن تؤسس مياتم ، مدارس ، معاهد ، مستشفيات ، أن تزوج الشباب ، أن تحل مشكلات الملايين ، أن تكون محبتك في قلوب جميع الخلق ، بإمكانك بالمال أن ترقى به إلى أعلى عليين .
إنفاق المال تطهير للغني والفقير :
حينما قال الله عز وجل :

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً ﴾
( سورة التوبة : 103)
تؤكد صدقهم في محبة الله .
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ ﴾
( سورة التوبة : 103)
تطهر الغني من الشح ، تطهر الفقير من الحقد ، تطهر المال من تعلق حق الغير به .
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾
( سورة التوبة : 103)
تزكو نفس الغني حينما يرى عمله قد ملأ القلوب محبة له ، وقد مسح الدموع من عيون الأطفال ، وقد حل مشكلات بعض الناس محبته في قلب الناس جميعاً ، يشعر بقيمته في الحياة ، يشعر أنه إنسان أدى دوراً إيجابياً ، كان في مستوى المهمة التي أوكله الله إياها .
إذاً : الغني تنمو نفسه حينما يرى آثار عمله ، ويكون من حوله حراساً له ، وليس يتوهم أنهم سينقضون عليه ، فرق كبير بين المحسن الذي كل من حوله حراس له ، وبين المسيء الأناني الذي يعيش لذاته ، ولا يعبأ بآلام البشر ، هؤلاء يظن الغني أنهم يتربصون به ، وبين أن يكون مطمئناً ، وبين أن تعيش قلقاً ، فلذلك الغني تنمو نفسه ، والفقير حينما يرى أن المجتمع مهتم به مهتم بصحته ، مهتم بمعيشته بأولاده بمسكنه .
الأستاذ علاء :
يتبرأ من الحقد .
الدكتور راتب :
الإنفاق سياسةُ تماسُكِ المجتمعِ :
وفي النهاية ، ولننتقل إلى موضع آخر ، يتماسك المجتمع ، وإذا تماسك المجتمع كان سداً منيعاً لا يخترق .
وقد يحسن أن ننتقل نقلة لطيفة من موضوع ديني إلى موضوع سياسي ، كيف ؟ عَنْ سَعْدٍ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ ))
[ البخاري ]
كيف ؟ هذا الفقير إذا أطعمته إذا كان جائعاً ، إن كسوه إن كان عارياً ، إن آويته إن كان مشرداً ، إن علمته إن كان جاهلاً ، إن عالجته إن كان مريضاً ، إن أنصفته إن كان مظلوماً ، هذا الضعيف بإمكانك أن تسحقه ، أو أن تهمله ، أو لا تعبأ به ، ولكن حينما تهتم به ابتغاء وجه الله كي يرضى الله ، يكافئ الله الأمة التي تعتني بضعفائها بأن ينصرها على من هو أقوى منها ، أنت إذا نصرت مَن هو أضعف منك كافأك الله بأن ينصرك الله على مَن هو أقوى منك ، لذلك قال تعالى :
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً ﴾
( سورة التوبة : 103)
تؤكد صدقهم ، تطهرهم ، تطهر الغني من الشح ، والشح مرض خطير ، وكأنه على مستوى الجسم ورم خبيث ، قال تعالى :
﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾
( سورة الحشر)
تطهر الفقير من الحقد ، تطهر المال من تعلق حق الغير به ، وتزكيهم ، تزكي نفس الغني حينما يشعر أنه في قلوب مَن حوله ، تزكي نفس الفقير حينما يشعر أن مجتمعه مهتم به ، تزكي المال ، المال يزداد بطريقتين ، بطريقة القانون الاقتصادي : أنك إذا أعطيت الفقير مالاً أصبح بيده قوة شرائية ، اشترى بها مِن عند الغني مرة ثانية ، فأحياناً الدول القوية والغنية تساعد الدول الضعيفة من أجل أن ترفع قوة شرائها منهم .
الأستاذ علاء :
وتعمل على رفع الدخل عند أفرادها لكي يكون القوة الشرائية لديهم بمستوى بضاعتهم وما ينتجون .
الدكتور راتب :
نموُّ المال وعلاقته بالعناية الإلهية :
شيء آخر ، أن المال أحياناً ينمو بطريقة لا نعرفها أنا أسميها العناية الإلهية ، أنت حينما تعطي من مالك يخضعك الله عز وجل لقانون آخر غير القانون المعروف عند الناس ، يحفظ لك مالك ، ينمي لك مالك .
إذاً : قضية المال حيادي ، إما أن يوظف بالخير ، أو أن يوظف في الشر ، أنا أعجب من هؤلاء الموسرين ، بإمكانهم أن يكونوا في أعلى عليين ، فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
(( لَا حَسَدَ إِلَّا عَلَى اثْنَتَيْنِ : رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْكِتَابَ ، وَقَامَ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ ، وَرَجُلٌ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يَتَصَدَّقُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ))
[ البخاري ومسلم ]
كلا يا عبادي ، ليس عطائي إكراماً كما تتوهمون ، عطائي ابتلاء ، المال قيمة موقوفة على طريقة إنفاقه .
الأستاذ علاء :
أو طريقة الاستخدام .
إذاً : أعود سيدي إلى مسألة .
الدكتور راتب :
أحياناً سكين تقطع بها الخضار والفواكه ، وقد يذبح بها إنسان ، السكين حيادية موقوفة على طريقة استخدامها .
الأستاذ علاء :
أعود إلى مسألة التطهر والتزكية ، وهي بمنزلة إعادة المناعة للجسد وللروح ، وبالتالي يستطيع هذا الجسد الذي هو مثال للأمة كما تفضلت التي تترابط كالبنيان المرصوص ، ليعيد المناعة إلى الجسد والروح ، أي على المجتمع بترابطه ، بتزكيته ، بانتفاء الحقد من بين ضلوع أبنائه ، وبالتالي يصبح هذا الجسد في مناعة تأبى الأمراض والأدواء ، وكل ما يصيب الجسد ، وكذلك الروح ، لذلك ننصر بالضعفاء ، والله عز وجل ينصرنا على أعدائنا بضعفائنا إن التفتنا إليهم .
نعود إلى المسألة التي تفضلت بأن المال حيادي ، وكل ما قدمت لنصل إلى مسألة هامة المال حيادي يوظف في الخير ويوظف في الشر .
الدكتور راتب :
الدنيا دار ابتلاء مؤقتة :
لكن لا بد تعقيب ، هو أن هذه الدنيا دار ابتلاء لا دار استواء ، ومنزل ترح لا منزل فرح ، فمن عرفها لم يفرح لرخاء ، لأنه مؤقت ، ولم يحزن لشقاء ، لأنه مؤقت ، قد جعلها الله دار بلوى ، وجعل الآخرة دار عقبى ، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سببا ، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضا ، فيأخذ ليعطي ، ويبتلي ليجزي ، الآن الحظوظ والمال موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء ، وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء ، وفرق كبير بين الابتلاء والجزاء ، الابتلاء موقوف على طريقة إنفاقه ، أما الجزاء فأبدي ...
الأستاذ علاء :
لماذا يظن الإنسان بأن الحظوظ هي كما تفضلت جزاء في الدنيا ؟
الدكتور راتب :
أوهام بسبب ضيقِ الأفق :
لضيق أفقه ، لأن الله عز وجل يقول :
﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾
( سورة الأعراف)
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ﴾
( سورة الأنفال : 36)
لكن أستاذ علاء ، لو أن الإنسان عاش ستين عامًا ، وكان غنياً ، ولم ينجح في امتحان الغنى ، فتكبر ، واستعلى ، ونسي من حوله من الفقراء ، وقال : أنا قوي ، أنا غني ، الدراهم مراهم ، وهكذا ، وإنسان عاش ستين عاماً ، وكان فقيراً ، فنجح في امتحان الفقر ، تجمل وصبر ، وسعى جهده لرفع دخله ، فإذا لم يستطع قنع بما آتاه الله ، الآن تنتهي الستون عاما ، هناك الأبد ، فالذي نجح في امتحان الفقر ملِك الأبد ، والذي رسب في امتحان الغنى مصيره إلى النار ، فلذلك البطولة ليس ما في الدنيا ، هذا المعنى أشار إليه الإمام علي رضي الله عنه قال : << الغنى والفقر بعد العرض على الله >> ، فلا يسمى الغني غنياً في الدنيا ، ولا الفقير فقيراً ، الغنى والفقر بعد العرض على الله ، لذلك قضية الامتحان ، المال امتحان ، فإما أن يرقى بك إلى أعلى عليين ، وقد تنافس به كبار الدعاة وكبار العلماء ، لأن العلم قوة ، والمال قوة ، يوظف في الخير كما يوظف في الشر .
أستاذ علاء ، ما دمنا في هذا الموضوع لا بد من ملاحظة ، الإنسان في الأصل مخير ، وحينما نتوهم أنه مسير فقد ألغينا الأمانة ، ألغينا التكليف ، ألغينا كل هذه الندوات ، الإيمان هو الخلق ، ألغينا الثواب ، ألغينا العقاب ، ألغينا الجنة ، ألغينا النار ، أنت حينما تتوهم أن الإنسان مسير فقد ألغي كل شيء .
الأستاذ علاء :
كنت أتمنى أن نستمر في هذا الموضوع ، لكن وقت الفقرة العلمية حان ، وإن شاء الله نستمر في هذا في لقاء قادم إنشاء الله ، ماذا اخترت لنا سيدي في الفقرة العلمية ؟
الدكتور راتب :





الموضوع العلمي : ظاهرةُ التمويه عند الحيوانات :

1 – التخطيطات العسكرية الدفاعية والهجومية عند الحيوانات :
إنه موضوع في التمويه لا يصدق ، إن الله عز وجل خلق كل نوع من الكائنات الحية في الطبيعة بخصائص تميزه عن غيره ، فبحسب البيئة التي يعيش فيها يستخدم كل كائن هذه الخصائص الفطرية لحماية نفسه ، أو للتربص بفريسته ، فبعض الكائنات يخفي نفسه بتقنية تمويه عالية جداً ، وبعضها يتصنع ويمثل ، وبعضها يسلك التكتيك الذكي ، هذه السمكة نفخت نفسها فلم تستطع السمكة الأخرى أن تلتهمها .
أيها الإخوة المشاهدون ، تتابعون في هذا الفيلم الخصائص الخارقة للكائنات الحية ، وسوف نرى نماذج من خلق الله تعالى في الطبيعة ، التمويه واحد من عناصر الفن العسكري الذي لا يمكن الاستغناء عنه ، فالقدرة على التخفي عن أعين العدو ، والقدرة على الإخفاء في أثناء هجوم العدو مهمان إلى أقصى الدرجات ، العجيب من هذا الأسلوب المسمى بالتمويه ، والذي يستلزم تحضيراً مفصلاً أنه ليس محصوراً لدى الناس العقلاء ، بل هو مستخدم أيضاً من قِبَل الحيوانات العجماوات ، الحيوانات المموِّهة خلقت متناسقة تماماً مع البيئة التي وجدت فيها ، ووضعت تحت حماية خاصة بألوانها ونقوشها ، وبنية أجسامها ، حتى إن أجسام بعض الكائنات متناسقة مع بيئتها إلى حد يصعب تميزها عن النباتات المحيطة بها ، أفعى مع غصن كأنها غصن تماماً .
الإنسان بعقله يستخدم التمويه ، لكن الحيوان لا يملك عقلاً ، ولا يعرف ما الذي يحميه ، قال تعالى :
﴿ قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾
( سورة طه )
2 – هداية الله العامةُ لجميع مخلوقاته :
هداه إلى مصالحه ، الحقيقة أن في هذه المشاهد آيات باهرات دالة على عظمة الله عز وجل ، بعض العنكبوت بنفس لون الزهرة كما رأينا قبل قليل ، وبعض الوحوش بلون النباتات المحيطة بها ، وبعض الفهود والأسود كلها تعيش أجواء البيئة التي هي فيها ، فكأنها جزء من النبات التي هي خلفه ، وهذا شيء عظيم جداً ، ويأخذ بالألباب ، كأن الله سبحانه وتعالى تولى هداية الكائنات إلى مصالحها ، هذه هداية الله العامة لكل الخلق ، كل مخلوق مهيأ ليواجه الأخطار المحدقة به ، كل مخلوق مهيأ كي يتلاءم مع البيئة التي خلق فيها ، من أكبر الوحوش إلى أصغر الوحوش إلى الفراشات إلى الكائنات الدقيقة جداً كلها آتاها الله نوعاً من التمويه كي تنجو من عدوها وكي تصل إلى غذائها .
3 – ظاهرة التمويه عند الطائر في أجواء الشتاء والثلوج :
الحقيقة أن المشاهد التي سوف نراها هي في الغابات ، لكن كيف أن هذا النمر ألوانه متناسقة مع البيئة التي يعيش فيها ، الآن سينقض على هذا الغزال ، على كل أحياناً تكون الأرض مجتمعاً كمجتمع الغاب كما نسمع ونرى كل يوم في الأخبار .
الآن تعيش في القطب كائنات عالية الكفاءة في التمويه ، تعيش قريباً من القطب في أبرد مناطق العالم كائنات ماهرة في فن التمويه ، بعد قليل نبحث عن قابلية الطائر الخارقة للتمويه الذي كان سبباً في بقائه في هذا الأقاليم ، الآن الموسم خريف ، المكان صخري ، تساقطت عليه الثلوج ، وطائران قطبيان مختفيان هنا ، هل بإمكان الإخوة المشاهدين رؤية هذين الطائرين ، هما كالبيئة تماماً ، يكاد من المستحيل التمييز بين الطائر والمكان الذي قبع فيه .
الحقيقة بوجود تمويه تام متقن في ريشهما يقلدان به الأرضية الطبيعية ، والآن لندقق أكثر طبقات الثلج ، هذه نسخة مطابقة لريش الطائر الأبيض ، والأرضية الترابية الظاهرة بين الثلوج أيضاً رسمت بعناية فائقة على ريش الطائر ، الأرضية ومظهر الطائر يكاد التمييز بينهما يكون مستحيلاً .
نحن الآن في الشتاء ، الموسم شتاء ، الثلج يغطي كل شيء ، يحصل تغير معجز في جسم الطائر القطبي ، يزول لون ريشه المشابه للأرض ، أما الريش الأسود الذي نراه في مقدمة رأسه فهو محيط بالعين ليحفظها من الإشعاعات العاكسة للثلج ، والتي قد تسبب العمى .
نحن أستاذ علاء ، قد لا نستطيع أن نمشي في الثلج من شدة الانبهار ، الآن الموسم ربيع ، بدأت الثلوج بالذوبان ، بين الثلوج الذائبة تخضر النباتات ، وأما ريش الطائر القطبي فيظهر ريش جديد بلون النباتات المخضرة ، له ريش في الثلج أبيض ، له ريش أخضر في الربيع .
4 – ظاهرة التمويه عند الطائر في أجواء الصيف :
الآن يدخل بعد قليل في موسم الصيف ، الموسم صيف ، غابت الثلوج تماماً ، واخضر الغطاء النباتي ، وأظهر الطائر القطبي تمويهاً فائقاً أيضاً ، إذا يلاحظ أن جسم الطائر تغيير لون ريشه تغيراً ثالثاً متناسقاً مع الفصل الذي هو فيه ، هذا من خلق الله عز وجل ، ومن عظمة آياته الدالة على وجوده ووحدانيته وكماله ، والطائر ليس عاقلاً ، كل مظاهر التمويه الخارقة تحتاج إلى تفسير طبعاً ، يستحيل على الطائر القطبي بالتأكيد تعيين لون ريشه بحسب وسطه الذي يعيش فيه ، فهو لا يملك ذلك العقل الذي يعرف به الفائدة التي يجنيها التمويه .
5 – رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى :
إذاً : فمن أعطى هذا الطائر قابلية التمويه الفائقة ؟ من يعرف احتياج الطائر إلى تمويه خاص بكل موسم ؟ من هذا الرسام الرائع الذي رسم على ريشه نقش البيئة ولونها ؟ هذه الأسئلة توصلنا إلى حقيقة واحدة ، هي أن هذا الطائر خلقه الله تعالى وقد وهبه الميزات التي هو عليها .
ومرة ثانية ، قال تعالى :
﴿ قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾
[ سورة طه ]
والتفكر أسرع طريق ، وأقصر طريق لمعرفة الله ، وأوسع باب ندخل منه على الله ، لأن التفكر في خلق السماوات والأرض يضعنا أمام عظمة الله .
خاتمة وتوديع :
الحقيقة أننا كنا نتمنى أن يكون الوقت أكثر من ذلك لنستزيد من هذا العطاء الجميل ، ونحن في هذه الواحة الطيبة لا يسعنا أعزائي المشاهدين إلا أن نشكر الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين بدمشق ، إنشاء الله نلتقي في الحلقة القادمة لنتم ما كنا قد بدأناه في موضوع المال من عناصر الشهوة التي هي مقوم من مقومات التكليف ، شكراً وإلى اللقاء .
والحمد لله رب العالمين

الرقم الصعب
2014-07-21, 10:46
بسم الله
توكلت على الله
لا حول و لا قوة الابالله

belamriabdelaziz
2014-07-22, 09:46
موضوعات إسلامية - موضوعات متفرقة - المحاضرة 038: ما يجري من أحداث في هذا العالم من منظور إسلامي .
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2001-09-16
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
في القرآن الكريم نماذج للأمم تتكرر و أوضح هذه النماذج قبيلة عاد :
أيها الأخوة المؤمنون: أحياناً ينشأ حدث خطير يُشد الناس إليه فإذا جاؤوا إلى المسجد ينتظرون أن يستمعوا إلى الحكم الشرعي، أو إلى وجهة نظر الدين إلى هذا الشيء، لذلك هذا الدرس سأخصصه للأحداث الكبيرة التي عمت الأرض في هذه الأيام.
أول شيء أتمنى أن يكون واضحاً لديكم أن الله جل جلاله لا يمكن أن يكون قرآنه كتاب تاريخ هو كتاب هداية، كتاب التاريخ ينبئك عن أقوام عاشوا وهلكوا وانتهى أمرهم لكن القرآن الكريم إذا أخبرك عن أقوام عاشوا وهلكوا هؤلاء الأقوام نموذج متكرر، الله قدم نموذجاً لذلك حينما تجد التفاصيل ضعيفة في القرآن الكريمة و قليلة، قال تعالى:
﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ﴾
[ سورة الكهف: 83 ]
من هو؟ ما اسمه؟ في أي قرن عاش؟ في أي قارة عاش؟ هل هو الإسكندر المقدوني؟ حينما يغفل القرآن هذه التفصيلات ليشعرنا أن صاحب هذه القصة ليس معنياً، من المعني؟ النموذج التي تمثله هذه الشخصية. هذه قاعدة أساسية لا يمكن للقرآن الكريم أن يكون كتاب تاريخ لكن في القرآن الكريم نماذج بشرية، وفي القرآن الكريم نماذج للأمم تتكرر لعل من أوضح هذه النماذج قبيلة عاد، وحينما قال الله عز وجل:
﴿وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى ﴾
[ سورة النجم: 50 ]
فكأن في هذه الآية إشارة أن هناك عاداً الثانية، عاد الأولى ما خصائصها الثابتة؟ دائماً في كل قرن، في كل عصر، في كل حقبة، نموذج كعاد الأولى يتكرر.
فعاد الأولى وصفها الله عز وجل بأنه لم يخلق مثلها في البلاد إطلاقاً، وقد يأتي آت من هذه البلاد ممتلئاً إعجاباً، الاقتصاد، الجامعات، المواصلات، الأبنية، النظام المحكم، العمل الناجح، التي لم يخلق مثلها في البلاد، أي هي متفوقة في شتى الميادين، هذه الصفة الأولى، تفوق في العلوم، تفوق في القوى العسكرية وفي الأبنية.
صفة ثانية أصحابها متكبرون متعجرفون، يقولون: من أشد منا قوةً؟ في تبجح، وغطرسة، وكبر، واستعلاء، وإحساس أنهم فوق الجميع، وأن مصالحهم فوق الجميع، وأن مصالحهم فوق مصالح الشعوب جميعاً، من أشد منا قوةً؟ ثم إنهم تفوقوا في العمران تفوقاً يفوق حدّ الخيال، قال تعالى:
﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آَيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ﴾
[ سورة الشعراء: 128-129 ]
تفوق عمراني، وعندهم قوة عسكرية جبارة، قال تعالى:
﴿وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ﴾
[ سورة الشعراء: 130]
لم يخلق مثلها في البلاد، من أشد منا قوةً؟
﴿ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آَيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ* وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ﴾
مستوى الذكاء عندهم مرتفع جداً لأنهم أخذوا أدمغة الشعوب، وقال تعالى:
﴿وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ﴾
[ سورة العنكبوت: 38 ]
إظهار الله آياته للناس :
ثم يقول الله عز وجل:
﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ﴾
[ سورة الفجر : 6-8]
﴿وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ ﴾
[ سورة الفجر :9-12]
أحياناً لا تجد مكاناً في العالم إلا ويعرض أفلاماً مثيرة إلى درجة غير معقولة، إلى درجة أن الإنسان يفقد إنسانيته، في كل مكان في العالم من إنتاج مؤسسات للسينما هي القمة في العالم.
﴿الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾
[ سورة الفجر :11-14]
عاد الأولى أي أن هناك عاداً الثانية، قال تعالى:
﴿فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ * وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ﴾
[ سورة الحاقة : 5-7]
وقد سلط الله عليهم الأعاصير، إعصار واحد كلف ثلاثين ملياراً، أرأيت إلى هذه الصفات؟ لكن أيها الأخوة مثل هؤلاء الأقوام لابد من أن يرتفعوا إلى درجة كبيرة جداً، ولابد من أن يظهر الله آياته، الذي هو جار في الحياة أن الله يقوي هذا الكافر، يقويه ويقويه ويتبجح ويستعلي ويتغطرس ويقول: أنا، يعيش وحده والناس جياع، يأكل وحده والناس جياع، يسكن وحده في أرقى البيوت والناس بلا مأوى، شيء غير معقول ثم يظهر الله آياته، حينما يقوى هذا الكافر يكاد ضعيف الإيمان يقول: أين الله؟ أين أنت يا الله؟ وحينما يظهر الله آياته يقول الكافر: لا إله إلا الله. الشيء الذي حصل بالخيال لا يقع، قال تعالى:
﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾
[ سورة الأنفال: 17]
اختلاف الناس في تفسير الأحداث :
لكن النقطة الدقيقة جداً أن الشيء إذا وقع لا أحد يشك في هذا الوقوع، الوقوع رآه رأي العين، لكن متى نختلف أو في أي موطن نختلف؟ نحن لا نختلف في وقوع هذا الحدث، الحدث سمع الناس به جميعاً، ومعظم الناس رأوه رأي العين، رأوه أثناء وقوعه، فالناس لا يختلفون في تصديق وقوعه أو عدم التصديق ولكنهم يختلفون في تحليله، وتفسيره.
كنت قد ضربت مثلاً أنه حينما تنشأ فرضاً حرب أهلية في بلد مجاور، هذه لها تفسيرات كثيرة ولنضرب على ذلك مثل ما جرى عند جيراننا، حرب أهلية دامت خمسة عشر عاماً أكلت الأخضر واليابس، ولم ينتصر في النهاية أحد، عادوا إلى ما كانوا عليه متعاونين متعايشين، هذا الحدث الذي دام خمسة عشر عاماً كيف يفسر؟ هناك تفسير دولي أن هذا البلد نما فيه المركز المالي نمواً كبيراً لدرجة أنه نافس مراكز أوربا فحطمه الأجانب، هذا تفسير دولي، يوجد تفسير عربي أن هذا البلد كان ساحة صراع عربية، وهناك تفسير طائفي أن هناك حرباً طائفية من عام ألف وثمانمئة وستين، ويوجد تفسير - كما يقال تفسير نسواني- حكمتها عين، أي تفسير ينبغي أن تأخذ ؟ التفسير القرآني، أنت كمؤمن لا تفسر إلا التفسير القرآني، قال تعالى:
﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾
[ سورة النحل: 112]
أنا كمؤمن معي كتاب، معي وحي من الله، التفسير القرآني هو أصوب تفسير.
يوجد آية ثانية:
﴿قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ * قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ﴾
[ سورة الأنعام:64- 65]
من فوقكم الصواعق والصواريخ، ومن تحت أرجلكم الزلازل والألغام، قديم وحديث، أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض، أرأيتم إلى هذا؟ هذا هو التفسير القرآني لما يجري.
توظيف الله عز وجل الشّر للخير المطلق :

نحن كما تكلمنا في درس الجمعة حينما تظن أن الذي وقع ليس بقضاء الله وقدره فهذا سوء ظن بالله، قال تعالى:
﴿يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾
[ سورة آل عمران: 154]
وإذا أيقنت أن هذا الذي وقع وقع بقضاء الله وقدره ولكن لا حكمة فيه أيضاً أنت وقعت بسوء ظن بالله، ينبغي أن تعلم علم اليقين أن هذا الذي وقع وقع بأمر الله وقد سمح الله به، لكن بعضهم يقول: أيسمح الله بالشر؟ أيسمح الله بالقتل؟ الجواب: لا، لكن يوجد عندنا قاعدة أصولية أن الله أراد ولم يأمر، أراد ولم يرضَ، أليس هناك من يسرق؟ هل يستطيع إنسان أن يسرق إن لم يسمح الله له أن يسرق، يقول له: زل فيزول، يشله فجأةً، يموت فجأة، ما سرق السارق إلا وقد سمح الله له أن يسرق، لماذا سمح الله له أن يسرق؟ لأن الإنسان مخير في الأساس، بنيته بنية اختيار، هويته مخير.
أنت حينما تريد أن تعين موظفاً في صيدلية تمتحنه، تأتيه بأدوية تقول له: هذه أدوية منوعة ضع كلاً منها في مكانه الصحيح، هنا فيتامينات، هنا مضادات حيوية، هنا أدوية مسكنة، فإذا أمسك دواءً مسكناً ليضعه مع الفيتامينات لو منعته ما امتحنته، تسمح له أن يأخذ هذا الدواء ويضعه بمكان غير صحيح هذا معنى سمح، سمح ولم يأمر، سمح ولم يرضَ، فالشر المطلق لا وجود له في الكون بل إن الشر المطلق يتناقض مع وجود الله، إما أن تؤمن بالله موجوداً واحداً كاملاً، وإما أن تؤمن أن في الكون شراً مطلقاً، أي الشر للشر، لكن الله جل جلاله يوظف الشر للخير المطلق.
قريبة لي أرادت أن تكون مدرّسةً، قدمت طلب طولبت بفحص صدر لها، ذهبت إلى مستشفى عام وفحصت صدرها، وفي اليوم التالي أخذت النتيجة أنها مصابة بمرض السل، بكت وبكت وبكت وانعزلت وأوت إلى غرفتها ولم تقابل أحداً وخاف أهلها أن تكون عدوى فامتنعوا عن معاملتها مباشرةً، صنعوا لها أدوات خاصة، وبعد أسبوعين أو ثلاثة أرادت أن ترجع إلى الله، وأن تتوب من ذنوبها، وأن تصلي، وأن تتحجب، وبعد أن تابت إلى الله واصطلحت معه ذهب أخوها إلى المستشفى ليستطلع ما الذي حدث، فإذا بالقائمين على المستشفى يخبرونه أن هذه النتيجة ليست لأختك لكنها بلغت خطأً، هي لإنسانة أخرى، هذا خطأ كبير بالمستشفى لكن ماذا فعل الله به؟ وظفه للخير المطلق، كانت توبتها عن طريق هذا الشيء.
سمعت عن مدرّسة ذهبت إلى السعودية هي تحمل ليسانس بالرياضيات، عينت في منطقة نائية، المديرة كلفتها أن تدرس التربية الإسلامية للقسم الثانوي، هذا ليس اختصاصها إطلاقاً، تفسير وحديث وشرح وعقيدة، قالت لها: هذا ليس اختصاصي أنا اختصاصي رياضيات، قالت لها: إن لم يعجبك هذا التدريس نستغني عن عقدك، فانصاعت، تقول هذه الأخت الكريمة: دخلت إلى الصف العاشر، والمادة تربية دينية والآيات من صورة النور متعلقة بالحجاب، قرأت فبكيت، القرآن له وهج، له نور. تخاطب نفسها كم كنت غافلة عن هذا القرآن في الدرس الأول قالت لطالباتها: اعذروني افعلوا ما شئتم وأمضت الساعة كلها تبكي على نفسها حينما قرأت هذه الآيات من صورة النور. فحمق المديرة كان سبب هدايتها.
تعلق إرادة الله بالحكمة المطلقة :
أول نقطة دقيقة: ليس في الكون شر مطلق، الشر المطلق لا وجود له في الكون بل إن الشر المطلق يتناقض مع وجود الله هذا تمهيد، كل شيء وقع سمح الله به، وقد يكون الموقع غير حكيم، وقد يكون مخطئاً، وقد يكون مجرماً، لكن مادام الله سمح له أن يقع فهو خير، القاعدة لكل واقع حكمة، لذلك ما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وانتهى الأمر، فالمؤمن مستسلم، ليتهم لم يفعلوا ذلك، أربكونا وأخافونا وعطلوا مصالح المسلمين، وأصبح كل مسلم مهدداً، وهناك حرب مدمرة ستأتي، لا تقل ذلك، قل: كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق، لكن الشرح الدقيق لأن كل شيء متعلق بالخير المطلق وبالحكمة المطلقة الإنسان متى يكون غير حكيم؟ يكون غير حكيم إذا كان جاهلاً.
لي صديق اشترى سيارة حديثة يوجد مصباح أمامه تألق باللون الأحمر، وهو مصباح الزيت، هذا اللون خطير جداً يعني أن المحرك لا يوجد فيه زيت، فلو تابع السير احترق المحرك، ولو أضاف الزيت بثلاثمئة ليرة لنجا، احترق المحرك كلفه ثلاثين ألفاً، هو ظنه ضوءاً تزيينياً فتابع السير، ألم يرتكب حماقة كبيرة لماذا ارتكبها؟ لأنه يجهل حقيقة هذا المصباح.
مزارع عنده بيوت محمية اشترى سماداً ذواباً من أرقى مستوى، تعليمات المهندس الزراعي ضع لتراً في كل برميل، هو طموح يريد غلة مضاعفة فوضع ليترين في كل برميل فاسود المحصول كله، كل بيت بمئتي ألف، عنده ستة بيوت خسر مليون ومئتي ألف لأنه ضاعف الكمية أليست هذه حماقة؟ لماذا وقعت؟ لجهل المزارع.
أحياناً يأتي ضغط شديد تقول كلاماً لست قانعاً به كما يجري الآن في العالم كله، الكل ينافق، قد يأتي ضغط لا تستطيع أن ترده تقول كلاماً لست قانعاً به، من أين جاءت عدم الحكمة؟ من الضغط، وقد يكون إغراء شديد فتزل قدم الإنسان لأن الإغراء سيطر عليه، هل تصدق هذه الحالات الثلاث على الله عز وجل ممكن؟ مستحيل، إذاً أفعال الله متعلقة بالحكمة المطلقة، ذلك أن الله عز وجل هذا الذي وقع لو لم يقع لكان الله عز وجل ملوماً، لو أنه وقع على خلاف ما وقع لكان الله ملوماً، لو أن هذا الذي وقع لم يقع لكان نقصاً في حكمة الله، لذلك المؤمن برد وسلام، لكل شيء حقيقة وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، فالمؤمن مستسلم لكن كل أنواع الشر التي تبدو شراً لابد من أن تنتهي إلى الخير.
الله عز وجل ما أمرنا أن نعبده إلا بعد أن طمأننا :
كنت في مؤتمر وفي نهاية المؤتمر في حفل الختام جرت العادة أن ضيوف المؤتمر الذين يلقون المحاضرات يجلسون على منصة الخطابة مجتمعين، وكل واحد منهم يلقي كلمة لا تزيد عن دقيقة، محاضراته ساعات أما الآن فدقيقة، مندوب دولة مقهورة قال: والله لقد أصاب شعبي- يقصد الدولة التي هو منها- من الألم والذل والقهر والفقر والبؤس ما لم يصب به المسلمون في شتى أقطارهم في مئة عام وبكى، ثم قال: لكنهم ارتقوا في سلم الإيمان ما لم يرتقوا به في ثلاثمئة عام.
فما كان مني أن قلت: إن خطة الله استوعبت خطة هذه الدولة الماكرة. لا يوجد إلا الله، الإنسان يهدد، يتوعد، يقول: سأفعل، سأسحق، سأستأصل، سيكون انتقامي فعالاً ومستمراً وكاسحاً، قل ما شئت أنت عبد، هؤلاء العباد لهم رب، ولو أن الله أسلمهم لك لا يستحق أن نعبده، لو أن هؤلاء أسلمهم إلى إنسان حاقد قوي يفعل ما يريد لا يستحق الله أن نعبده، قال تعالى:
﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ﴾
[ سورة هود: 123]
متى أمرك أن تعبده؟ بعد أن طمأنك، نحن في زمن صعب، في زمن هناك من يدعي الألوهية، هؤلاء الغربيون متألهون أي آتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب.
هناك طرفة وهي في الحقيقة طريفة جداً، لي أصدقاء دعاهم صديق لهم إلى مزرعة، فالمزرعة في مكان في جنوب دمشق، لها باب كبير وعليه قفل كبير، ولها حائطان، جاء المدعوون ومعهم طعامهم وفاكهتهم والبطيخ، لم يأتِ صاحب الدعوة فاضطروا أن يصعدوا على هذا السور العالي، وتمزقت ثيابهم وقعت البطيخة منهم فانكسرت، فلما نزلوا وجدوا أنه لا يوجد جدران مفاجأة كبيرة جداً كل هذا الباب والقفل لا يوجد جدران، طبعاً مفارقة حادة، هذا الدرع الصاروخي أين أصبح؟ أين الذي يتكلم عنه سنة؟ قال تعالى:
﴿فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ﴾
[ سورة الحشر: 2]
الحقيقة هناك من شاهد مشاهدات أعضاء الكونغرس، وجدوا علبة على الدرج تفرقوا وكأنهم أطفال من خوفهم، خوف في فرنسا وبريطانيا وبالشمال والجنوب من علبة، من ورقة، من تهديد، من اتصال هاتفي، خوف ملأ قلوب البشر في خمس قارات.
أيها الأخوة الكرام: يعنينا أن نعرف الله، يعنينا أن نفهم الأحداث فهماً قرآنياً صحيحاً، لأن هذه القوى الجبارة لو أنها استمرت جبارة هذا يتناقض مع وجود الله، يكون الله قد ألّهها، الناس قبل هذا الحدث لا يرون إلا هذه البلاد، هناك تفعل ما تريد، هم يؤلهونها، الله موجود، الله عز وجل موجود لا يتخلى عن المؤمنين وهذا محور درس البارحة، لا يمكن أن يتخلى عن المؤمنين، يقول لك: انتهى المسلمون في العالم، لا لم ينتهوا لكن رب ضارة نافعة.
المؤمن كريم رحيم :
أخواننا الكرام: لا تنسوا أن الآلام الشديدة التي ترافق الأمراض هي جزء من الشفاء، الآلام الشديدة التي ترافق الأمراض هي جزء من الشفاء، وأن الأمراض الخطيرة ليس لها آلام أبداً كالسرطان، ليس له آلام يتسلل تسللاً، فحينما يقسو الطرف الآخر و لا يكون منصفاً يكون جاحداً، لا يكون موضوعياً يكون متبلياً، لا يكون عادلاً يكون ظالماً، لا يستمع إلى نصيحة هذا ليس بإمكانه أن يفعل شيئاً:
﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾
[ سورة الزمر: 62]
﴿قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾
[ سورة طه : 45-46]
إياك أن تتوهم أن الله يغفل، قال تعالى:
﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾
[ سورة إبراهيم: 42]
أي ذاقوا ما يذوق العالم الثالث، وتألموا أشد مما يتألم العالم الثالث، والله لا نرضى أن يموت البريء، نحن إنسانيون، سيدنا صلاح الدين عندما فتح القدس لم يسفك دم إنسان واحد، امرأة جاءته ولقد فقدت ابنها وقف ولم يجلس حتى أعادوا لها ابنها، بينما الفرنجة عندما فتحوا القدس ذبحوا سبعين ألف إنسان مسلم في يوم واحد، المؤمن كريم، رحيم.
امتحان الله المسلمين في العالم كلّه :
الشيء التالي لا يمكن أن تؤمن بالله إلا إذا كفرت بالكفر، تقول: بلاد راقية، حقوق إنسان، مستوى راق، هذا كله كلام فارغ، هذا الإنسان البعيد عن الله قلبه كالحجر قاس، ألم تعلموا أن خمسمئة ألف طفل في العراق يموتون كل عام بسبب هذا الحصار؟ ما جرى بين العراق وإيران ذهب مليون إنسان، ما جرى في الشيشان قتل ثلاثمئة ألف أو أربعمئة، ما جرى في البوسنة والهرسك، ما جرى في ألبانيا، ما جرى في كوسوفو، ما جرى في الصومال، ما جرى في السودان، قال تعالى:
﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾
[ سورة إبراهيم: 46]
﴿فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾
[ سورة إبراهيم: 47]
ولكن.... أيها الأخوة: سأقول كلاماً خطيراً أبدأه بمثل والمثل معبر جداً، إنسان أنشأ بناء، وبنى شرفة، وجد في أسفل هذه الشرفة تشققات ماذا يفعل؟ أيهدمها؟ لعلها جيدة، أيبقيها؟ لعلها فاسدة، أخواننا المهندسون عندهم حلّ اسمه التحميل، يضعون في هذه الشرفة عشرة براميل، يملؤونها ماءً، فإذا وقعت فلا ردها الله معنى هذا أنها سيئة، وإذا صمدت معنى هذا أنها جيدة. كأن الله جل جلاله في هذه الأيام العصيبة يمتحن المسلمين في العالم كله ، يمتحنهم بهذا الأسلوب التحميل فإن صمدوا هم إذاً جيدون، وإن انهاروا وأشركوا وخافوا ونافقوا وتآمروا على بعضهم عندئذ هؤلاء لا خير فيهم، معنى هذا أنهم سقطوا.
لذلك نحن في دار ابتلاء لا في دار تكريم، أكبر خطأ وقع به المسلمون أنهم عكسوا الأمر هم في دار ابتلاء فجعلوها دار جزاء، هم في دار عمل فجعلوها دار أمل، هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء ولم يحزن لشقاء، جعلها الله دار بلوى وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي.
النصر لا يأتي إلا بالعودة إلى الله و مراجعة حساباتنا :
ماذا بقي علينا ؟ بقي علينا أن نتعاون، أن نعود إلى الله، لأن يوجد خطر حقيقي لا خطر موهوم، والمؤمن إن لم يتعاطف مع بقية المؤمنين والله يشك في إيمانه، ماذا ينجينا من هذا الخطر؟ أن نصطلح مع الله، أن نراجع حساباتنا، أن نراجع أوراقنا، أن ننظر في بيوتنا هل هناك معصية؟ هل هناك بنت تخرج بشكل لا يرضي الله؟ هل هناك زوجة لا تؤدي واجباتها تجاه الله؟ هل هناك في الدخل حرام؟ هل هناك علاقات آثمة في العلاقات العامة؟ فكل مؤمن عليه أن يضبط نفسه.
يروى أن الخديوي دخل في حرب مع السودان - قصة قديمة ذكرتها على المنبر- فسأل شيخ الأزهر ماذا أفعل؟ فقال له: نحن في العادة في مثل هذه الأزمات نكلف نخبة من العلماء الصالحين بقراءة كتاب البخاري، قال: افعلوا ذلك، فجاء العلماء وقرؤوا البخاري والهزائم تتلاحق، فجاء مرةً غاضباً قال لهم: إما أن هذا الكتاب ليس كتاب البخاري أو إنكم لستم علماء. كلهم خافوا، عالم شاب في المؤخرة قال له: أنت السبب، قال له: لماذا؟ قال: إن لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر يدعو صلحاؤكم فلا يستجاب لهم، فارتعب وخرج من الأزهر والعلماء عنفوا هذا الذي قال هذه الكلمة ولاموه لقد خربت بيوتنا، لعلنا نعاقب جميعاً من أجلك، بعد حين جاء طلب من القصر يطلب هذا الذي قال هذا الكلام، دخل على الخديوي فقال له: أعد على مسامعي هذا الذي قلت لي، قال: أنت السبب قال له: ولم؟ قال: أليس في القاهرة دور دعارة، ودكاكين للخمر، هذه المعاصي والآثام هي سبب تأخر النصر، قال له: ماذا أفعل؟ هكذا يريد الغرب مني، هذه حضارة، قال له: إذاً أنت تسمح للمنكر، ما ذنب شيوخ الأزهر والبخاري؟ ليس لهم ذنب والخطأ منك. وقد تابعت هذا الموضوع في كتب التاريخ إذا بهذا الخديوي يزيل هذه المنكرات بعدها انتصر، معنى هذا كلمة الحق مهمة جداً.
أيها الأخوة: لماذا المنافق في الدرك الأسفل من النار؟ لأنه أخذ ميزات المؤمنين، هو عند الله مسلم وتمتع بانحرافات المنحرفين، جمع بين ميزات الإيمان فهو عند الناس مؤمن وتمتع بما يتمتع به الكافر المتفلت فاستحق أن يكون في الدرك الأسفل من النار.
المشكلة كل هؤلاء المسلمين في العالم محسوبون على الله، ليسوا نماذج كاملة، يوجد كذب، يوجد بهتان، غيبة، نميمة، تفلت، كسب حرام، علاقات آثمة، نفاق، هؤلاء محسوبون على الله وهم ليسوا على ما يرضي الله، فكأن الله عز وجل أراد منهم أن يحددوا موقفهم إما أن تصطلحوا معي، إما أن تتوبوا إلى الله، عندئذ يتولى الله أن يدافع عنكم، وإلا أنتم وشأنكم، أنتم كهذه الأمم الشاردة يصيبكم ما يصيبها هكذا، الأمم الشاردة يأتيها زلازل، براكين، قهر، فقر، هكذا لأن الآية الدقيقة:
﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ﴾
[ سورة المائدة: 18]
لو أن الله قبل دعواهم لما عذبهم، لو أنه قبل دعواهم لما عذبهم، قال تعالى:
﴿بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ﴾
[ سورة المائدة: 18]
حينما لا نستقيم على أمر الله لا شأن لنا عند الله أبداً، نحن كهذه الأمم الشاردة يصيبنا ما يصيبها من فقر، وقهر، وإهانة، أما إذا كنا مع الله فيتولى الله أن يدافع عنا، ويتولى أن يوفقنا، وأن ينصرنا على أعدائنا، فالآن عملية فرز، قال تعالى:
﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾
[ سورة آل عمران: 179]
أنت خذ موقفاً واضحاً هل أنت ولي لله؟



الولي مؤمن مستقيم :
مرة أحد الأغنياء بالعصر العباسي غارق في الشرب والنساء والغناء والجواري فطرق بابه صالح - ولي - خرج غلام له فقال له: قل لسيدك إن كان حراً فليفعل ما يشاء، وإن كان عبداً فما هكذا تصنع العبيد، فلما أبلغه الرسالة قال له: من هو ؟ قال: ذهب، تبعه حافياً وهذا بشر الحافي وصار من كبار العلماء.
ما الذي زلزله؟ هذه الكلمة، إن كنت حراً فافعل ما تشاء، وإن كنت عبداً فما هكذا تصنع العبيد.
الله لا يريدنا أن نرتدي ثياباً إسلامية، نتعطر بعطر مشايخ، مسواك في الجيب، وخاتم فضة، ومصحف في جيبنا، ومسبحة، وتمر امرأة فتقول: سبحان الله، ما هذه التلبسة و والزعبرة؟ الله لا يريدنا أن نفعل أعمالاً ظاهرة وبيوتنا ليست مسلمة لا يوجد فيها انضباط، لا يوجد فيها تربية، يوجد كذب، دجل، خداع، كسب مال حرام، غش، والله الغش الذي يفعله المسلمون يستحقوا عليه عذاب الله، لا يهمه النفاق والغش حتى يروج بضاعته، يجب أن يضع امرأة شبه عارية في التلفاز، مسلم من رواد المساجد، هذا النوع مرفوض، الآن الله عز وجل عمل أسلوب التحميل يحملنا، وإن شاء الله أن يكون التحميل ضمن طاقتنا، الدعاء: " ربنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به".
يوجد عدو شرس، قوي جداً، حاقد، نحن نحمل الآن، يجب أن تحدد هويتك أنت ولي بالمعنى القرآني وليس بالمعنى غير القرآني، إنسان رث الهيئة كلام خرافي هذا ولي، لا، هذا كلام فارغ، قال تعالى:
﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾
[ سورة يونس : 62-63]
هذا هو الولي مؤمن مستقيم. فأنت حدد هويتك:
(( بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا قَلِيلٍ ))
[ مسلم عن أبي هريرة]
موت كعقاص الغنم لا يدري القاتل لم يقتل؟ ولا المقتول فيم قتل؟ يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى ولا يستطيع أن يغير، إن سكت استباحوه وإن تكلم قتلوه.
ما يجب على الإنسان عمله في زمن الفتن ؟
يا أيها الأخوة: نحن في زمن صعب، في زمن الفتن:
(( الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ ))
[ مسلم عن معقل بن يسار]
لابد من أن نحدد موقفنا مع الله، الدعاء: " اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك، ماض فيّ قضاؤك، نافذ في حكمك، أعوذ بنور وجهك التي أشرقت له السموات والأرض، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن تنزل بي غضبك، أو أن تحل بي سخطك، ولك العتبى حتى ترضى، لكن عافيتك أوسع لي، اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك و أنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت". نحن في زمن صعب، وفي زمن فرز، قال تعالى:
﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾
[ سورة آل عمران: 179]
أرجو الله أن يتمم بخير، وأن نعتصم بالله عز وجل، وأن نصلح بيوتنا، الله ما كلفك أن تقنع العالم الغربي أن يغير سياسته، هل تستطيع؟ هل تستطيع أن تقنع العالم الغربي المتغطرس أن يغير سياسته مع المسلمين؟ لا والله، لكن ماذا تستطيع أن تفعل؟ أن تقيم الإسلام في بيتك، هذا مملكتك، وفي عملك، كل إنسان يعاهد الله أن يكون مسلماً في بيته، وفي عمله، أديت الذي عليك انتظر أن تأخذ من الله الذي لك، أديت الذي عليك بقي لك أن تأخذ من الله الذي لك، أما نحن ففي زمن صعب، الأحاديث التي وردت عن آخر الزمان مخيفة:
(( كيف بكم إذا لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر ؟ قالوا: أو كائن ذلك يا رسول الله ؟ قال: وأشد منه سيكون، قالوا: وما أشد منه ؟ قال: كيف بكم إذا أصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً ؟ قالوا: أو كائن ذلك يا رسول الله ؟ قال: وأشد منه سيكون، قالوا: ما أشد منه ؟ قال: كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف))
[ زيادات رزين عن علي بن أبي طالب ]
ويوجد أشد من ذلك.
من لم يكن على الحق فهو على الباطل :
فيا أيها الأخوة الكرام: هذا الذي حدث وقع بقضاء الله وقدره، وقد أراده الله بمعنى سمح به لأنه فرز للمؤمنين، لن يوجد بعد حين إلا أناس يؤمنون بالدنيا فقط وأناس يؤمنون بالآخرة، حضارة أناس سيطرة على الطبيعة، وحضارة المسلمين سيطرة على الذات، محسن ومسيء، منصف وجاحد، أخروي ودنيوي، شيطاني ورباني، لا يوجد غير هذا لأن الله تعالى قال:
﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾
[ سورة القصص: 50]
إن لم تكن على الحق فأنت على الباطل قطعاً، أثنينية، خطان لا ثالث لهما إن لم تكن على الحق فأنت على الباطل، هذا كلام خطير، فالآن لا يعصمنا من أعدائنا إلا أن نكون مع الله، فإذا كان الله معك فمن عليك؟؟
أختم درسي هذا بهذا النص ورد في الأثر: " ما من عبد يعتصم بي من دون خلقي أعرف ذلك من نيته فتكيده أهل السموات والأرض إلا جعلت له من بين ذلك مخرجاً، وما من عبد يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته إلا جعلت الأرض هوياً تحت قدميه، وقطعت أسباب السماء بين يديه".
فلنعتصم بالله، ولنحكم علاقتنا بالله، ولندع كل شهوة لا ترضي الله، ولنأمر بالمعروف ولننه عن المنكر، ولا نجامل ثم لنتق الله ولنصبر حتى يلغي الله شبحهم و وكسهم، الأواكس تلتغى إذا اعتصمنا بالله، لأن الله عز وجل قال:
﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئا﴾
[ سورة آل عمران: 120]
لا صواريخ، ولا مروحيات، ولا مكر، ولا أقمار صناعية، ولا تهديدات، إذا كان الله معك فمن عليك؟؟ أرجو الله سبحانه وتعالى أن أكون قد اقتربت من هذا الذي حدث، والذي اهتز له العالم ولكن من منظور إيماني، يوجد عدة زوايا أنا أعنى بزاوية القرآن، طبعاً أي منبر آخر له أن يقول ما يشاء، له أن يحلل ما يشاء، لكن في بيت الله لا يمكن أن يطرح إلا المنظور الإسلامي.
والحمد لله رب العالمين

belamriabdelaziz
2014-07-22, 09:47
موضوعات إسلامية - موضوعات متفرقة - المحاضرة 038: ما يجري من أحداث في هذا العالم من منظور إسلامي .
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2001-09-16
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
في القرآن الكريم نماذج للأمم تتكرر و أوضح هذه النماذج قبيلة عاد :
أيها الأخوة المؤمنون: أحياناً ينشأ حدث خطير يُشد الناس إليه فإذا جاؤوا إلى المسجد ينتظرون أن يستمعوا إلى الحكم الشرعي، أو إلى وجهة نظر الدين إلى هذا الشيء، لذلك هذا الدرس سأخصصه للأحداث الكبيرة التي عمت الأرض في هذه الأيام.
أول شيء أتمنى أن يكون واضحاً لديكم أن الله جل جلاله لا يمكن أن يكون قرآنه كتاب تاريخ هو كتاب هداية، كتاب التاريخ ينبئك عن أقوام عاشوا وهلكوا وانتهى أمرهم لكن القرآن الكريم إذا أخبرك عن أقوام عاشوا وهلكوا هؤلاء الأقوام نموذج متكرر، الله قدم نموذجاً لذلك حينما تجد التفاصيل ضعيفة في القرآن الكريمة و قليلة، قال تعالى:
﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ﴾
[ سورة الكهف: 83 ]
من هو؟ ما اسمه؟ في أي قرن عاش؟ في أي قارة عاش؟ هل هو الإسكندر المقدوني؟ حينما يغفل القرآن هذه التفصيلات ليشعرنا أن صاحب هذه القصة ليس معنياً، من المعني؟ النموذج التي تمثله هذه الشخصية. هذه قاعدة أساسية لا يمكن للقرآن الكريم أن يكون كتاب تاريخ لكن في القرآن الكريم نماذج بشرية، وفي القرآن الكريم نماذج للأمم تتكرر لعل من أوضح هذه النماذج قبيلة عاد، وحينما قال الله عز وجل:
﴿وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى ﴾
[ سورة النجم: 50 ]
فكأن في هذه الآية إشارة أن هناك عاداً الثانية، عاد الأولى ما خصائصها الثابتة؟ دائماً في كل قرن، في كل عصر، في كل حقبة، نموذج كعاد الأولى يتكرر.
فعاد الأولى وصفها الله عز وجل بأنه لم يخلق مثلها في البلاد إطلاقاً، وقد يأتي آت من هذه البلاد ممتلئاً إعجاباً، الاقتصاد، الجامعات، المواصلات، الأبنية، النظام المحكم، العمل الناجح، التي لم يخلق مثلها في البلاد، أي هي متفوقة في شتى الميادين، هذه الصفة الأولى، تفوق في العلوم، تفوق في القوى العسكرية وفي الأبنية.
صفة ثانية أصحابها متكبرون متعجرفون، يقولون: من أشد منا قوةً؟ في تبجح، وغطرسة، وكبر، واستعلاء، وإحساس أنهم فوق الجميع، وأن مصالحهم فوق الجميع، وأن مصالحهم فوق مصالح الشعوب جميعاً، من أشد منا قوةً؟ ثم إنهم تفوقوا في العمران تفوقاً يفوق حدّ الخيال، قال تعالى:
﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آَيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ﴾
[ سورة الشعراء: 128-129 ]
تفوق عمراني، وعندهم قوة عسكرية جبارة، قال تعالى:
﴿وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ﴾
[ سورة الشعراء: 130]
لم يخلق مثلها في البلاد، من أشد منا قوةً؟
﴿ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آَيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ* وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ﴾
مستوى الذكاء عندهم مرتفع جداً لأنهم أخذوا أدمغة الشعوب، وقال تعالى:
﴿وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ﴾
[ سورة العنكبوت: 38 ]
إظهار الله آياته للناس :
ثم يقول الله عز وجل:
﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ﴾
[ سورة الفجر : 6-8]
﴿وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ ﴾
[ سورة الفجر :9-12]
أحياناً لا تجد مكاناً في العالم إلا ويعرض أفلاماً مثيرة إلى درجة غير معقولة، إلى درجة أن الإنسان يفقد إنسانيته، في كل مكان في العالم من إنتاج مؤسسات للسينما هي القمة في العالم.
﴿الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾
[ سورة الفجر :11-14]
عاد الأولى أي أن هناك عاداً الثانية، قال تعالى:
﴿فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ * وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ﴾
[ سورة الحاقة : 5-7]
وقد سلط الله عليهم الأعاصير، إعصار واحد كلف ثلاثين ملياراً، أرأيت إلى هذه الصفات؟ لكن أيها الأخوة مثل هؤلاء الأقوام لابد من أن يرتفعوا إلى درجة كبيرة جداً، ولابد من أن يظهر الله آياته، الذي هو جار في الحياة أن الله يقوي هذا الكافر، يقويه ويقويه ويتبجح ويستعلي ويتغطرس ويقول: أنا، يعيش وحده والناس جياع، يأكل وحده والناس جياع، يسكن وحده في أرقى البيوت والناس بلا مأوى، شيء غير معقول ثم يظهر الله آياته، حينما يقوى هذا الكافر يكاد ضعيف الإيمان يقول: أين الله؟ أين أنت يا الله؟ وحينما يظهر الله آياته يقول الكافر: لا إله إلا الله. الشيء الذي حصل بالخيال لا يقع، قال تعالى:
﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾
[ سورة الأنفال: 17]
اختلاف الناس في تفسير الأحداث :
لكن النقطة الدقيقة جداً أن الشيء إذا وقع لا أحد يشك في هذا الوقوع، الوقوع رآه رأي العين، لكن متى نختلف أو في أي موطن نختلف؟ نحن لا نختلف في وقوع هذا الحدث، الحدث سمع الناس به جميعاً، ومعظم الناس رأوه رأي العين، رأوه أثناء وقوعه، فالناس لا يختلفون في تصديق وقوعه أو عدم التصديق ولكنهم يختلفون في تحليله، وتفسيره.
كنت قد ضربت مثلاً أنه حينما تنشأ فرضاً حرب أهلية في بلد مجاور، هذه لها تفسيرات كثيرة ولنضرب على ذلك مثل ما جرى عند جيراننا، حرب أهلية دامت خمسة عشر عاماً أكلت الأخضر واليابس، ولم ينتصر في النهاية أحد، عادوا إلى ما كانوا عليه متعاونين متعايشين، هذا الحدث الذي دام خمسة عشر عاماً كيف يفسر؟ هناك تفسير دولي أن هذا البلد نما فيه المركز المالي نمواً كبيراً لدرجة أنه نافس مراكز أوربا فحطمه الأجانب، هذا تفسير دولي، يوجد تفسير عربي أن هذا البلد كان ساحة صراع عربية، وهناك تفسير طائفي أن هناك حرباً طائفية من عام ألف وثمانمئة وستين، ويوجد تفسير - كما يقال تفسير نسواني- حكمتها عين، أي تفسير ينبغي أن تأخذ ؟ التفسير القرآني، أنت كمؤمن لا تفسر إلا التفسير القرآني، قال تعالى:
﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾
[ سورة النحل: 112]
أنا كمؤمن معي كتاب، معي وحي من الله، التفسير القرآني هو أصوب تفسير.
يوجد آية ثانية:
﴿قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ * قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ﴾
[ سورة الأنعام:64- 65]
من فوقكم الصواعق والصواريخ، ومن تحت أرجلكم الزلازل والألغام، قديم وحديث، أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض، أرأيتم إلى هذا؟ هذا هو التفسير القرآني لما يجري.
توظيف الله عز وجل الشّر للخير المطلق :

نحن كما تكلمنا في درس الجمعة حينما تظن أن الذي وقع ليس بقضاء الله وقدره فهذا سوء ظن بالله، قال تعالى:
﴿يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾
[ سورة آل عمران: 154]
وإذا أيقنت أن هذا الذي وقع وقع بقضاء الله وقدره ولكن لا حكمة فيه أيضاً أنت وقعت بسوء ظن بالله، ينبغي أن تعلم علم اليقين أن هذا الذي وقع وقع بأمر الله وقد سمح الله به، لكن بعضهم يقول: أيسمح الله بالشر؟ أيسمح الله بالقتل؟ الجواب: لا، لكن يوجد عندنا قاعدة أصولية أن الله أراد ولم يأمر، أراد ولم يرضَ، أليس هناك من يسرق؟ هل يستطيع إنسان أن يسرق إن لم يسمح الله له أن يسرق، يقول له: زل فيزول، يشله فجأةً، يموت فجأة، ما سرق السارق إلا وقد سمح الله له أن يسرق، لماذا سمح الله له أن يسرق؟ لأن الإنسان مخير في الأساس، بنيته بنية اختيار، هويته مخير.
أنت حينما تريد أن تعين موظفاً في صيدلية تمتحنه، تأتيه بأدوية تقول له: هذه أدوية منوعة ضع كلاً منها في مكانه الصحيح، هنا فيتامينات، هنا مضادات حيوية، هنا أدوية مسكنة، فإذا أمسك دواءً مسكناً ليضعه مع الفيتامينات لو منعته ما امتحنته، تسمح له أن يأخذ هذا الدواء ويضعه بمكان غير صحيح هذا معنى سمح، سمح ولم يأمر، سمح ولم يرضَ، فالشر المطلق لا وجود له في الكون بل إن الشر المطلق يتناقض مع وجود الله، إما أن تؤمن بالله موجوداً واحداً كاملاً، وإما أن تؤمن أن في الكون شراً مطلقاً، أي الشر للشر، لكن الله جل جلاله يوظف الشر للخير المطلق.
قريبة لي أرادت أن تكون مدرّسةً، قدمت طلب طولبت بفحص صدر لها، ذهبت إلى مستشفى عام وفحصت صدرها، وفي اليوم التالي أخذت النتيجة أنها مصابة بمرض السل، بكت وبكت وبكت وانعزلت وأوت إلى غرفتها ولم تقابل أحداً وخاف أهلها أن تكون عدوى فامتنعوا عن معاملتها مباشرةً، صنعوا لها أدوات خاصة، وبعد أسبوعين أو ثلاثة أرادت أن ترجع إلى الله، وأن تتوب من ذنوبها، وأن تصلي، وأن تتحجب، وبعد أن تابت إلى الله واصطلحت معه ذهب أخوها إلى المستشفى ليستطلع ما الذي حدث، فإذا بالقائمين على المستشفى يخبرونه أن هذه النتيجة ليست لأختك لكنها بلغت خطأً، هي لإنسانة أخرى، هذا خطأ كبير بالمستشفى لكن ماذا فعل الله به؟ وظفه للخير المطلق، كانت توبتها عن طريق هذا الشيء.
سمعت عن مدرّسة ذهبت إلى السعودية هي تحمل ليسانس بالرياضيات، عينت في منطقة نائية، المديرة كلفتها أن تدرس التربية الإسلامية للقسم الثانوي، هذا ليس اختصاصها إطلاقاً، تفسير وحديث وشرح وعقيدة، قالت لها: هذا ليس اختصاصي أنا اختصاصي رياضيات، قالت لها: إن لم يعجبك هذا التدريس نستغني عن عقدك، فانصاعت، تقول هذه الأخت الكريمة: دخلت إلى الصف العاشر، والمادة تربية دينية والآيات من صورة النور متعلقة بالحجاب، قرأت فبكيت، القرآن له وهج، له نور. تخاطب نفسها كم كنت غافلة عن هذا القرآن في الدرس الأول قالت لطالباتها: اعذروني افعلوا ما شئتم وأمضت الساعة كلها تبكي على نفسها حينما قرأت هذه الآيات من صورة النور. فحمق المديرة كان سبب هدايتها.
تعلق إرادة الله بالحكمة المطلقة :
أول نقطة دقيقة: ليس في الكون شر مطلق، الشر المطلق لا وجود له في الكون بل إن الشر المطلق يتناقض مع وجود الله هذا تمهيد، كل شيء وقع سمح الله به، وقد يكون الموقع غير حكيم، وقد يكون مخطئاً، وقد يكون مجرماً، لكن مادام الله سمح له أن يقع فهو خير، القاعدة لكل واقع حكمة، لذلك ما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وانتهى الأمر، فالمؤمن مستسلم، ليتهم لم يفعلوا ذلك، أربكونا وأخافونا وعطلوا مصالح المسلمين، وأصبح كل مسلم مهدداً، وهناك حرب مدمرة ستأتي، لا تقل ذلك، قل: كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق، لكن الشرح الدقيق لأن كل شيء متعلق بالخير المطلق وبالحكمة المطلقة الإنسان متى يكون غير حكيم؟ يكون غير حكيم إذا كان جاهلاً.
لي صديق اشترى سيارة حديثة يوجد مصباح أمامه تألق باللون الأحمر، وهو مصباح الزيت، هذا اللون خطير جداً يعني أن المحرك لا يوجد فيه زيت، فلو تابع السير احترق المحرك، ولو أضاف الزيت بثلاثمئة ليرة لنجا، احترق المحرك كلفه ثلاثين ألفاً، هو ظنه ضوءاً تزيينياً فتابع السير، ألم يرتكب حماقة كبيرة لماذا ارتكبها؟ لأنه يجهل حقيقة هذا المصباح.
مزارع عنده بيوت محمية اشترى سماداً ذواباً من أرقى مستوى، تعليمات المهندس الزراعي ضع لتراً في كل برميل، هو طموح يريد غلة مضاعفة فوضع ليترين في كل برميل فاسود المحصول كله، كل بيت بمئتي ألف، عنده ستة بيوت خسر مليون ومئتي ألف لأنه ضاعف الكمية أليست هذه حماقة؟ لماذا وقعت؟ لجهل المزارع.
أحياناً يأتي ضغط شديد تقول كلاماً لست قانعاً به كما يجري الآن في العالم كله، الكل ينافق، قد يأتي ضغط لا تستطيع أن ترده تقول كلاماً لست قانعاً به، من أين جاءت عدم الحكمة؟ من الضغط، وقد يكون إغراء شديد فتزل قدم الإنسان لأن الإغراء سيطر عليه، هل تصدق هذه الحالات الثلاث على الله عز وجل ممكن؟ مستحيل، إذاً أفعال الله متعلقة بالحكمة المطلقة، ذلك أن الله عز وجل هذا الذي وقع لو لم يقع لكان الله عز وجل ملوماً، لو أنه وقع على خلاف ما وقع لكان الله ملوماً، لو أن هذا الذي وقع لم يقع لكان نقصاً في حكمة الله، لذلك المؤمن برد وسلام، لكل شيء حقيقة وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، فالمؤمن مستسلم لكن كل أنواع الشر التي تبدو شراً لابد من أن تنتهي إلى الخير.
الله عز وجل ما أمرنا أن نعبده إلا بعد أن طمأننا :
كنت في مؤتمر وفي نهاية المؤتمر في حفل الختام جرت العادة أن ضيوف المؤتمر الذين يلقون المحاضرات يجلسون على منصة الخطابة مجتمعين، وكل واحد منهم يلقي كلمة لا تزيد عن دقيقة، محاضراته ساعات أما الآن فدقيقة، مندوب دولة مقهورة قال: والله لقد أصاب شعبي- يقصد الدولة التي هو منها- من الألم والذل والقهر والفقر والبؤس ما لم يصب به المسلمون في شتى أقطارهم في مئة عام وبكى، ثم قال: لكنهم ارتقوا في سلم الإيمان ما لم يرتقوا به في ثلاثمئة عام.
فما كان مني أن قلت: إن خطة الله استوعبت خطة هذه الدولة الماكرة. لا يوجد إلا الله، الإنسان يهدد، يتوعد، يقول: سأفعل، سأسحق، سأستأصل، سيكون انتقامي فعالاً ومستمراً وكاسحاً، قل ما شئت أنت عبد، هؤلاء العباد لهم رب، ولو أن الله أسلمهم لك لا يستحق أن نعبده، لو أن هؤلاء أسلمهم إلى إنسان حاقد قوي يفعل ما يريد لا يستحق الله أن نعبده، قال تعالى:
﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ﴾
[ سورة هود: 123]
متى أمرك أن تعبده؟ بعد أن طمأنك، نحن في زمن صعب، في زمن هناك من يدعي الألوهية، هؤلاء الغربيون متألهون أي آتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب.
هناك طرفة وهي في الحقيقة طريفة جداً، لي أصدقاء دعاهم صديق لهم إلى مزرعة، فالمزرعة في مكان في جنوب دمشق، لها باب كبير وعليه قفل كبير، ولها حائطان، جاء المدعوون ومعهم طعامهم وفاكهتهم والبطيخ، لم يأتِ صاحب الدعوة فاضطروا أن يصعدوا على هذا السور العالي، وتمزقت ثيابهم وقعت البطيخة منهم فانكسرت، فلما نزلوا وجدوا أنه لا يوجد جدران مفاجأة كبيرة جداً كل هذا الباب والقفل لا يوجد جدران، طبعاً مفارقة حادة، هذا الدرع الصاروخي أين أصبح؟ أين الذي يتكلم عنه سنة؟ قال تعالى:
﴿فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ﴾
[ سورة الحشر: 2]
الحقيقة هناك من شاهد مشاهدات أعضاء الكونغرس، وجدوا علبة على الدرج تفرقوا وكأنهم أطفال من خوفهم، خوف في فرنسا وبريطانيا وبالشمال والجنوب من علبة، من ورقة، من تهديد، من اتصال هاتفي، خوف ملأ قلوب البشر في خمس قارات.
أيها الأخوة الكرام: يعنينا أن نعرف الله، يعنينا أن نفهم الأحداث فهماً قرآنياً صحيحاً، لأن هذه القوى الجبارة لو أنها استمرت جبارة هذا يتناقض مع وجود الله، يكون الله قد ألّهها، الناس قبل هذا الحدث لا يرون إلا هذه البلاد، هناك تفعل ما تريد، هم يؤلهونها، الله موجود، الله عز وجل موجود لا يتخلى عن المؤمنين وهذا محور درس البارحة، لا يمكن أن يتخلى عن المؤمنين، يقول لك: انتهى المسلمون في العالم، لا لم ينتهوا لكن رب ضارة نافعة.
المؤمن كريم رحيم :
أخواننا الكرام: لا تنسوا أن الآلام الشديدة التي ترافق الأمراض هي جزء من الشفاء، الآلام الشديدة التي ترافق الأمراض هي جزء من الشفاء، وأن الأمراض الخطيرة ليس لها آلام أبداً كالسرطان، ليس له آلام يتسلل تسللاً، فحينما يقسو الطرف الآخر و لا يكون منصفاً يكون جاحداً، لا يكون موضوعياً يكون متبلياً، لا يكون عادلاً يكون ظالماً، لا يستمع إلى نصيحة هذا ليس بإمكانه أن يفعل شيئاً:
﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾
[ سورة الزمر: 62]
﴿قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾
[ سورة طه : 45-46]
إياك أن تتوهم أن الله يغفل، قال تعالى:
﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾
[ سورة إبراهيم: 42]
أي ذاقوا ما يذوق العالم الثالث، وتألموا أشد مما يتألم العالم الثالث، والله لا نرضى أن يموت البريء، نحن إنسانيون، سيدنا صلاح الدين عندما فتح القدس لم يسفك دم إنسان واحد، امرأة جاءته ولقد فقدت ابنها وقف ولم يجلس حتى أعادوا لها ابنها، بينما الفرنجة عندما فتحوا القدس ذبحوا سبعين ألف إنسان مسلم في يوم واحد، المؤمن كريم، رحيم.
امتحان الله المسلمين في العالم كلّه :
الشيء التالي لا يمكن أن تؤمن بالله إلا إذا كفرت بالكفر، تقول: بلاد راقية، حقوق إنسان، مستوى راق، هذا كله كلام فارغ، هذا الإنسان البعيد عن الله قلبه كالحجر قاس، ألم تعلموا أن خمسمئة ألف طفل في العراق يموتون كل عام بسبب هذا الحصار؟ ما جرى بين العراق وإيران ذهب مليون إنسان، ما جرى في الشيشان قتل ثلاثمئة ألف أو أربعمئة، ما جرى في البوسنة والهرسك، ما جرى في ألبانيا، ما جرى في كوسوفو، ما جرى في الصومال، ما جرى في السودان، قال تعالى:
﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾
[ سورة إبراهيم: 46]
﴿فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾
[ سورة إبراهيم: 47]
ولكن.... أيها الأخوة: سأقول كلاماً خطيراً أبدأه بمثل والمثل معبر جداً، إنسان أنشأ بناء، وبنى شرفة، وجد في أسفل هذه الشرفة تشققات ماذا يفعل؟ أيهدمها؟ لعلها جيدة، أيبقيها؟ لعلها فاسدة، أخواننا المهندسون عندهم حلّ اسمه التحميل، يضعون في هذه الشرفة عشرة براميل، يملؤونها ماءً، فإذا وقعت فلا ردها الله معنى هذا أنها سيئة، وإذا صمدت معنى هذا أنها جيدة. كأن الله جل جلاله في هذه الأيام العصيبة يمتحن المسلمين في العالم كله ، يمتحنهم بهذا الأسلوب التحميل فإن صمدوا هم إذاً جيدون، وإن انهاروا وأشركوا وخافوا ونافقوا وتآمروا على بعضهم عندئذ هؤلاء لا خير فيهم، معنى هذا أنهم سقطوا.
لذلك نحن في دار ابتلاء لا في دار تكريم، أكبر خطأ وقع به المسلمون أنهم عكسوا الأمر هم في دار ابتلاء فجعلوها دار جزاء، هم في دار عمل فجعلوها دار أمل، هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء ولم يحزن لشقاء، جعلها الله دار بلوى وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي.
النصر لا يأتي إلا بالعودة إلى الله و مراجعة حساباتنا :
ماذا بقي علينا ؟ بقي علينا أن نتعاون، أن نعود إلى الله، لأن يوجد خطر حقيقي لا خطر موهوم، والمؤمن إن لم يتعاطف مع بقية المؤمنين والله يشك في إيمانه، ماذا ينجينا من هذا الخطر؟ أن نصطلح مع الله، أن نراجع حساباتنا، أن نراجع أوراقنا، أن ننظر في بيوتنا هل هناك معصية؟ هل هناك بنت تخرج بشكل لا يرضي الله؟ هل هناك زوجة لا تؤدي واجباتها تجاه الله؟ هل هناك في الدخل حرام؟ هل هناك علاقات آثمة في العلاقات العامة؟ فكل مؤمن عليه أن يضبط نفسه.
يروى أن الخديوي دخل في حرب مع السودان - قصة قديمة ذكرتها على المنبر- فسأل شيخ الأزهر ماذا أفعل؟ فقال له: نحن في العادة في مثل هذه الأزمات نكلف نخبة من العلماء الصالحين بقراءة كتاب البخاري، قال: افعلوا ذلك، فجاء العلماء وقرؤوا البخاري والهزائم تتلاحق، فجاء مرةً غاضباً قال لهم: إما أن هذا الكتاب ليس كتاب البخاري أو إنكم لستم علماء. كلهم خافوا، عالم شاب في المؤخرة قال له: أنت السبب، قال له: لماذا؟ قال: إن لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر يدعو صلحاؤكم فلا يستجاب لهم، فارتعب وخرج من الأزهر والعلماء عنفوا هذا الذي قال هذه الكلمة ولاموه لقد خربت بيوتنا، لعلنا نعاقب جميعاً من أجلك، بعد حين جاء طلب من القصر يطلب هذا الذي قال هذا الكلام، دخل على الخديوي فقال له: أعد على مسامعي هذا الذي قلت لي، قال: أنت السبب قال له: ولم؟ قال: أليس في القاهرة دور دعارة، ودكاكين للخمر، هذه المعاصي والآثام هي سبب تأخر النصر، قال له: ماذا أفعل؟ هكذا يريد الغرب مني، هذه حضارة، قال له: إذاً أنت تسمح للمنكر، ما ذنب شيوخ الأزهر والبخاري؟ ليس لهم ذنب والخطأ منك. وقد تابعت هذا الموضوع في كتب التاريخ إذا بهذا الخديوي يزيل هذه المنكرات بعدها انتصر، معنى هذا كلمة الحق مهمة جداً.
أيها الأخوة: لماذا المنافق في الدرك الأسفل من النار؟ لأنه أخذ ميزات المؤمنين، هو عند الله مسلم وتمتع بانحرافات المنحرفين، جمع بين ميزات الإيمان فهو عند الناس مؤمن وتمتع بما يتمتع به الكافر المتفلت فاستحق أن يكون في الدرك الأسفل من النار.
المشكلة كل هؤلاء المسلمين في العالم محسوبون على الله، ليسوا نماذج كاملة، يوجد كذب، يوجد بهتان، غيبة، نميمة، تفلت، كسب حرام، علاقات آثمة، نفاق، هؤلاء محسوبون على الله وهم ليسوا على ما يرضي الله، فكأن الله عز وجل أراد منهم أن يحددوا موقفهم إما أن تصطلحوا معي، إما أن تتوبوا إلى الله، عندئذ يتولى الله أن يدافع عنكم، وإلا أنتم وشأنكم، أنتم كهذه الأمم الشاردة يصيبكم ما يصيبها هكذا، الأمم الشاردة يأتيها زلازل، براكين، قهر، فقر، هكذا لأن الآية الدقيقة:
﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ﴾
[ سورة المائدة: 18]
لو أن الله قبل دعواهم لما عذبهم، لو أنه قبل دعواهم لما عذبهم، قال تعالى:
﴿بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ﴾
[ سورة المائدة: 18]
حينما لا نستقيم على أمر الله لا شأن لنا عند الله أبداً، نحن كهذه الأمم الشاردة يصيبنا ما يصيبها من فقر، وقهر، وإهانة، أما إذا كنا مع الله فيتولى الله أن يدافع عنا، ويتولى أن يوفقنا، وأن ينصرنا على أعدائنا، فالآن عملية فرز، قال تعالى:
﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾
[ سورة آل عمران: 179]
أنت خذ موقفاً واضحاً هل أنت ولي لله؟



الولي مؤمن مستقيم :
مرة أحد الأغنياء بالعصر العباسي غارق في الشرب والنساء والغناء والجواري فطرق بابه صالح - ولي - خرج غلام له فقال له: قل لسيدك إن كان حراً فليفعل ما يشاء، وإن كان عبداً فما هكذا تصنع العبيد، فلما أبلغه الرسالة قال له: من هو ؟ قال: ذهب، تبعه حافياً وهذا بشر الحافي وصار من كبار العلماء.
ما الذي زلزله؟ هذه الكلمة، إن كنت حراً فافعل ما تشاء، وإن كنت عبداً فما هكذا تصنع العبيد.
الله لا يريدنا أن نرتدي ثياباً إسلامية، نتعطر بعطر مشايخ، مسواك في الجيب، وخاتم فضة، ومصحف في جيبنا، ومسبحة، وتمر امرأة فتقول: سبحان الله، ما هذه التلبسة و والزعبرة؟ الله لا يريدنا أن نفعل أعمالاً ظاهرة وبيوتنا ليست مسلمة لا يوجد فيها انضباط، لا يوجد فيها تربية، يوجد كذب، دجل، خداع، كسب مال حرام، غش، والله الغش الذي يفعله المسلمون يستحقوا عليه عذاب الله، لا يهمه النفاق والغش حتى يروج بضاعته، يجب أن يضع امرأة شبه عارية في التلفاز، مسلم من رواد المساجد، هذا النوع مرفوض، الآن الله عز وجل عمل أسلوب التحميل يحملنا، وإن شاء الله أن يكون التحميل ضمن طاقتنا، الدعاء: " ربنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به".
يوجد عدو شرس، قوي جداً، حاقد، نحن نحمل الآن، يجب أن تحدد هويتك أنت ولي بالمعنى القرآني وليس بالمعنى غير القرآني، إنسان رث الهيئة كلام خرافي هذا ولي، لا، هذا كلام فارغ، قال تعالى:
﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾
[ سورة يونس : 62-63]
هذا هو الولي مؤمن مستقيم. فأنت حدد هويتك:
(( بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا قَلِيلٍ ))
[ مسلم عن أبي هريرة]
موت كعقاص الغنم لا يدري القاتل لم يقتل؟ ولا المقتول فيم قتل؟ يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى ولا يستطيع أن يغير، إن سكت استباحوه وإن تكلم قتلوه.
ما يجب على الإنسان عمله في زمن الفتن ؟
يا أيها الأخوة: نحن في زمن صعب، في زمن الفتن:
(( الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ ))
[ مسلم عن معقل بن يسار]
لابد من أن نحدد موقفنا مع الله، الدعاء: " اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك، ماض فيّ قضاؤك، نافذ في حكمك، أعوذ بنور وجهك التي أشرقت له السموات والأرض، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن تنزل بي غضبك، أو أن تحل بي سخطك، ولك العتبى حتى ترضى، لكن عافيتك أوسع لي، اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك و أنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت". نحن في زمن صعب، وفي زمن فرز، قال تعالى:
﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾
[ سورة آل عمران: 179]
أرجو الله أن يتمم بخير، وأن نعتصم بالله عز وجل، وأن نصلح بيوتنا، الله ما كلفك أن تقنع العالم الغربي أن يغير سياسته، هل تستطيع؟ هل تستطيع أن تقنع العالم الغربي المتغطرس أن يغير سياسته مع المسلمين؟ لا والله، لكن ماذا تستطيع أن تفعل؟ أن تقيم الإسلام في بيتك، هذا مملكتك، وفي عملك، كل إنسان يعاهد الله أن يكون مسلماً في بيته، وفي عمله، أديت الذي عليك انتظر أن تأخذ من الله الذي لك، أديت الذي عليك بقي لك أن تأخذ من الله الذي لك، أما نحن ففي زمن صعب، الأحاديث التي وردت عن آخر الزمان مخيفة:
(( كيف بكم إذا لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر ؟ قالوا: أو كائن ذلك يا رسول الله ؟ قال: وأشد منه سيكون، قالوا: وما أشد منه ؟ قال: كيف بكم إذا أصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً ؟ قالوا: أو كائن ذلك يا رسول الله ؟ قال: وأشد منه سيكون، قالوا: ما أشد منه ؟ قال: كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف))
[ زيادات رزين عن علي بن أبي طالب ]
ويوجد أشد من ذلك.
من لم يكن على الحق فهو على الباطل :
فيا أيها الأخوة الكرام: هذا الذي حدث وقع بقضاء الله وقدره، وقد أراده الله بمعنى سمح به لأنه فرز للمؤمنين، لن يوجد بعد حين إلا أناس يؤمنون بالدنيا فقط وأناس يؤمنون بالآخرة، حضارة أناس سيطرة على الطبيعة، وحضارة المسلمين سيطرة على الذات، محسن ومسيء، منصف وجاحد، أخروي ودنيوي، شيطاني ورباني، لا يوجد غير هذا لأن الله تعالى قال:
﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾
[ سورة القصص: 50]
إن لم تكن على الحق فأنت على الباطل قطعاً، أثنينية، خطان لا ثالث لهما إن لم تكن على الحق فأنت على الباطل، هذا كلام خطير، فالآن لا يعصمنا من أعدائنا إلا أن نكون مع الله، فإذا كان الله معك فمن عليك؟؟
أختم درسي هذا بهذا النص ورد في الأثر: " ما من عبد يعتصم بي من دون خلقي أعرف ذلك من نيته فتكيده أهل السموات والأرض إلا جعلت له من بين ذلك مخرجاً، وما من عبد يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته إلا جعلت الأرض هوياً تحت قدميه، وقطعت أسباب السماء بين يديه".
فلنعتصم بالله، ولنحكم علاقتنا بالله، ولندع كل شهوة لا ترضي الله، ولنأمر بالمعروف ولننه عن المنكر، ولا نجامل ثم لنتق الله ولنصبر حتى يلغي الله شبحهم و وكسهم، الأواكس تلتغى إذا اعتصمنا بالله، لأن الله عز وجل قال:
﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئا﴾
[ سورة آل عمران: 120]
لا صواريخ، ولا مروحيات، ولا مكر، ولا أقمار صناعية، ولا تهديدات، إذا كان الله معك فمن عليك؟؟ أرجو الله سبحانه وتعالى أن أكون قد اقتربت من هذا الذي حدث، والذي اهتز له العالم ولكن من منظور إيماني، يوجد عدة زوايا أنا أعنى بزاوية القرآن، طبعاً أي منبر آخر له أن يقول ما يشاء، له أن يحلل ما يشاء، لكن في بيت الله لا يمكن أن يطرح إلا المنظور الإسلامي.
والحمد لله رب العالمين

belamriabdelaziz
2014-07-23, 13:04
موضوعات إسلامية - مقالات في صحيفة دنماركية - الدرس (01-12 ) : الجانب الإنساني في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2008-08-08
بسم الله الرحمن الرحيم
صفات النبي :
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً، وأجود الناس صدراً وأصدقهم لهجة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرةً، لقد صدق ملك عمان حينما قال بعد أن التقى به: والله لقد دلني على هذا النبي الأمي، أنه لا يأمر بخير إلا كان أول آخذ به، ولا ينهى عن شيء إلا كان أول تارك له، وأنه يغلب فلا يبطر، ويُغلب فلا يضجر، ويفي بالعهد، وينجز الوعد
لقد رأى أصحابه رأي العين، كل فضائله ومزاياه، رأوا طهره وعفافه، رأوا أمانته واستقامته، رأوا شجاعته وثباته، رأوا سمّوه وحنانه، رأوا عقله وبيانه، رأوا كماله كالشمس تتألق في رابعة النهار.
فالذين بهرتهم عظمته لمعذورون، وإن الذين افتدوه بأرواحهم لهم الرابحون، فأي إيمان، وأي عزم، وأي مضاء، وأي صدق، وأي طهر، وأي نقاء، وأي تواضع، وأي حب وأي وفاء.
قول الغرب في شخصية الرسول :

آ) : أحد كتاب السيرة الغربيين .
يقول أحد كتاب السيرة الغربيين: كان محمد عابداً متحنثاً و قائداً فذاً شيد أمة من الفتات المتناثر، وكان رجل حرب يضع الخطط ويقود الجيوش، وكان أباً عطوفاً، وزوجاً تحققت فيه المودة والرحمة والسكن، وكان صديقاً حميماً، وقريباً كريماً، و جاراً تشغله هموم جيرانه، وحاكماً تملأ نفسه مشاعر محكوميه، يمنحهم من مودته وعطفه ما يجعلهم يفتدونه بأنفسهم، ومع هذا كله فهو قائم على أعظم دعوة شهدتها الأرض، الدعوة التي حققت للإنسان وجوده الكامل، وتغلغلت في كيانه كله، ورأى الناس الرسول الكريم تتمثل فيه هذه الصفات الكريمة فصدقوا تلك المبادئ التي جاء بها كلها، ورأوها متمثلة فيه، و لم يقرؤها في كتاب جامد بل رأوها في بشر متحرك فتحركت لها نفوسهم، وهفت لها مشاعرهم، وحاولوا أن يقتبسوا قبسات من الرسول الكريم كل بقدر ما يطيق، فكان أكبر قدوة للبشرية في تاريخها الطويل، و كان هادياً ومربياً بسلوكه الشخصي قبل أن يكون بالكلم الطيب الذي ينطق به .
ب) : الباحث البريطاني كارييل .
يقول الباحث البريطاني كارييل: إن التشكيك في صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ودينه يعد اليوم عاراً كبيراً و إن علينا الرد على مثل هذه الآراء غير الصحيحة، و الأقوال التي لا معنى لها، فعلى الرغم من مرور القرون على بعثة هذا النبي مايزال مئات الملايين من المسلمين في العالم يستضيئون بنور الرسالة .
ج) : أستاذ جامعي أميركي .
ويقول أستاذ جامعي أميركي : لقد أدرك محمد صلى الله عليه وسلم (نصلي عليه طبعاً) أهمية الاتحاد وعلو منزلة المجتمع الموحد في بعثته الإسلامية، وبذلك زرع بيديه بذور الاتحاد والمودة في نفوس المسلمين، وسقاها، وتعهدها بالرعاية حتى أعطت ثماراً حلوة المذاق .
د) : الكاتب البريطاني ميلر.
ويقول ميلر الكاتب البريطاني المعروف: إن بعض الديانات تهتم بالجوانب الروحية من حياة البشر وليس لديها في تعاليمها أي اهتمام بالأمور السياسية والقانونية والاجتماعية، و لكن محمداً ببعثته وأمانته الإلهية كان نبياً وكان رجل دولة ومقنناً أي واضعاً للقوانين وقد اشتملت شريعته على أحكام وقوانين مدنية وسياسية واجتماعية .
هـ) : الكاتب ريتين.
ويقول الكاتب والباحث الغربي ريتين: منذ بزوغ بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وسطوع شمس الإسلام أثبت هذا النبي أن دعوته موجهة للعالمين، وإن هذا الدين المقدس يناسب كل عصر وكل عنصر وكل قومية، و أن أبناء البشر في كل مكان وفي ظل أية حضارة لا غنى لهم عن هذا الدين الذي تنسجم تعاليمه مع الفكر الإنساني .
و) : الكاتب السويسري المعاصر جان .
ويقول المسيو جان الكاتب والعالم السويسري المعاصر: لو أمعنا النظر في أسلوب حياة محمد صلى الله عليه وسلم و أخلاقه على الرغم من مرور أربعة عشر قرناً على بعثته لتمكنا من فهم كنه العلاقة التي تشد ملايين الناس في العالم لهذا الرجل العظيم، والتي جعلتهم وتجعلهم يضحون من أجله ومن أجل مبادئه الإسلامية السامية بالغالي والرخيص.
ز) : الفيلسوف الروسي تولستوي.
أما الفيلسوف الروسي تولستوي الذي أعجب بالإسلام وتعاليمه في الزهد و الأخلاق والتصوف فقد انبهر بشخصية النبي صلى الله عليه وسلم وظهر ذلك واضحاً على أعماله فيقول في مقالة له بعنوان: من هو محمد؟ إن محمداً هو مؤسس ورسول، وكان من عظماء الرجال الذين خدموا المجتمع الإنساني خدمة جليلة، و يكفيه فخراً أنه هدى أمة برمتها إلى نور الحق، وجعلها تجنح إلى السكينة والسلام، وتؤثر عيشة الزهد، ومنعها من سفك الدماء، وتقديم الضحايا البشرية، وفتح لها طريق الرقي والمدنية، وهو عمل عظيم لا يقدم عليه إلا شخص أوتي قوة و رجل مثله جدير بالاحترام و الإجلال.
ويقول عنه أيضاً: ليس هناك من شك في أن محمداً صلى الله عليه وسلم قدم ببعثته خدمة كبيرة للبشرية فهي فخر وهدى للناس، وهي التي أرست دعائم الصلح والاستقرار والرخاء وفتحت طريق الحضارة والرقي للأجيال، وبديهي أن ما فعله محمد صلى الله عليه وسلم عمل عظيم لا يفعله إلا شخص مقتدر ذو عزم رصين، ومثل هذا الشخص وبلا شك يستحق كل إكرام و تقدير و احترام.
ح ) : قول آخر .
ويقول مفكر آخر رفع لواء أنه لا إله يقول: الحقيقة أن محمداً قد جاء برسالة لا يمكن إنكارها وهي خلاصة الرسالات السابقة بل وتعلو عليها، بناء على هذا فإن رسالته للعالم دستور ثابت، وما جاء به محمد وأقواله تنسجم وذوق البشر، وإدراك بني الإنسان في هذا العصر .
ط ) : العالم الإيطالي واكستون.
وكم هو جميل ما قاله العالم الإيطالي واكستون قال: لو سألني أحدهم فقال: من هو محمد الذي تمدحه كل هذا المديح ؟ لقلت له بكل أدب و احترام: إن هذا الرجل المشهور وإن هذا القائد الذي لا نظير له، وعلاوة على كونه مبعوثاً من الله هو رئيس حكومة إسلامية كانت ملجأ وملاذاً لكل المستضعفين والمسلمين، وحامية لمصالحهم الاجتماعية، فإن محمداً الذي يعد باني ومؤسس تلك الحكومة كان قائداً سياسياً لكل ما لهذه الكلمة من معنى .




ق ) : الكاتب الإفرنسي كورسيه.
ويقول الكاتب الإفرنسي كورسيه: عندما نهض محمد بدعوته وقبل وبعد انطلاق بعثته كان شاباً شجاعاً شهماً، يحمل أفكاراً تسمو على ما كان سائداً من أفكار في مجتمعه وقد تمكن محمد صلى الله عيه وسلم بسمو أخلاقه من هداية عرب الجاهلية المتعصبين الذين كانوا يعبدون الأصنام إلى عبادة الله الواحد الأحد، وفي ظل حكومته الديمقراطية الموحدة تمكن من القضاء على كل أشكال الفوضى والاختلاف والاقتتال التي كانت شائعة في جزيرة العرب، وأرسى بدل ذلك أسس الأخلاق الحميدة محولاً المجتمع العربي الجاهلي المتوحش إلى مجتمع راق و متحضر .
ل ) : المؤرخ الأوربي جيمس.
وهذا المؤرخ الأوربي جيمس يقول في مقال تحت عنوان الشخصية الخارقة عن النبي صلى الله عليه وسلم و قد أحدث محمد عليه السلام بشخصيته الخارقة للعادة ثورة في الجزيرة العربية وفي الشرق كله فقد حطم الأصنام بيده، وأقام ديناً خالداً يدعو إلى الإيمان بالله وحده .
م ) : الفيلسوف الإفرنسي كارديفو.
ويقول الفيلسوف الإفرنسي كارديفو: إن محمداً كان هو النبي الملهم والمؤمن ولم يستطع أحد أن ينازعه المكانة العالية التي كان عليها، إن شعور المساواة والإخاء الذي أسسه محمد بين أعضاء الكتلة الإسلامية كان يطبق عملياً حتى على النبي نفسه .
م ) : الفيلسوف البريطاني توماس كاريل.
ويقول الفيلسوف البريطاني توماس كاريل وقد خصص من كتابه فصلاً لنبي الإسلام بعنوان البطل في صورة رسول عدّ فيه النبي صلى الله عليه و سلم واحداً من العظماء السبعة الذين أنجبهم التاريخ وقد ردّ هذا المؤلف مزاعم المتعصبين فقال: يزعم المتعصبون أن محمداً لم يكن يريد بقيامه إلا الشهرة الشخصية ومفاخر الجاه والسلطان، كلا والله لقد كانت في فؤاد ذلك الرجل الكبير ابن القفار والفلوات المتورد المقلتين، العظيم النفس، المملوء رحمة وخيراً وحناناً وبراً وحكمة وحجاً وإربة و نهياً أفكاراً غير الطمع الدنيوي، ونوايا خلاف طلب السلطة، والجاه، كيف لا وتلك نفس صامتة ورجل من الذين لا يمكنهم إلا أن يكونوا مخلصين جادين .


م ) : مؤلف كتاب المئة الأوائل.
ويقول مؤلف كتاب المئة الأوائل في تاريخ البشرية وقد وضع محمد بن عبد الله على رأس المئة الأوائل في التاريخ البشري، هو الإنسان الأول من بين المئة الأوائل في تاريخ البشرية كلها من حيث قوة التأثير ومن حيث نوع التأثير ومن حيث امتداد أمد التأثير ومن حيث اتساع رقعة التأثير .
أقوال كتاب السيرة من المسلمين:
ويقول كتاب السيرة من المسلمين يصفون شخصية النبي التعاملية أي يصفون جانباً من شخصيته: لقد كان صلى الله عليه وسلم جمّ التواضع، وافر الأدب، يبدأ الناس بالسلام، ينصرف بكله إلى محدثه صغيراً كان أو كبيراً، يكون آخر من يسحب يده إذا صافح وإذا تصدق وضع الصدقة بيده في يد المسكين، و إذا جلس جلس حيث ينتهي به المجلس، لم يرَ ماداً رجليه قط ، ولم يكن يأنف من عمل لقضاء حاجته أو حاجة صاحب أو جار، وكان يذهب إلى السوق و يحمل بضاعته ويقول: أنا أولى بحملها، وكان يجيب دعوة الحر والعبد والمسكين، ويقبل عذر المعتذر، وكان يرفو ثوبه، ويخسف نعله، ويخدم نفسه، ويعقل بعيره ويكنس داره، وكان في مهنة أهله، و كان يأكل مع الخادم، و يقضي حاجة الضعيف والبائس يمشي هوناً خافض الطرف متواصل الأحزان، دائم الفكر، لا ينطق من غير حاجة، طويل السكوت، إذا تكلم تكلم بجوامع الكلم، وكان دمثاً ليس بالجاحد، ولا المهين، يعظم النعم وإن دقت، ولا يذم منها شيئاً، ولا يذم مذاقاً ولا يمدحه، ولا تغضبه الدنيا ولا ما كان لها، ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها، إذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غض بصره، وكان يؤلف ولا يفرق، يقرب ولا ينفر، يكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم، يتفقد أصحابه، ويسأل الناس عما في الناس، يحسن الحسن و يصوبه، ويقبح القبيح ويوهنه، ولا يقصر عن حق ولا يجاوزه ولا يحسب جليسه أن أحداً أكرم عليه منه، من سأله حاجة لم يرده إلا بها، أو ما يسره من القول، كان دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب ولا فحاش ولا عياب، ولا مزاح، يتغافل عما لا يشتهي، ولا يخيب فيه مؤمله، كان لا يذم أحداً ولا يعيره ولا يطلب عورته ولا يتكلم إلا فيما يرجى ثوابه، يضحك مما يضحك منه أصحابه، ويتعجب مما يتعجبون، ويصبر على الغريب وعلى جفوته في مسألته ومنطقه، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوزه.



والحديث عن شمائله صلى الله عليه وسلم حديث يطول لا تتسع له المجلدات ولا خطب في سنوات ولكن الله جل في علاه لخصها بكلمات فقال :
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾
[سورة القلم: الآية 4]
والحمد لله رب العالمين

belamriabdelaziz
2014-07-25, 08:12
موضوعات إسلامية - موضوعات متفرقة - المحاضرة 039: فرز المؤمنين في الزمن الصعب.
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2001-09-23
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا مما يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الإيمان شيء خطير جداً :
أيها الأخوة الكرام: لا زلنا في موضوع ساخنٍ جداً يحير المسلمين، ما الذي يثبت قلب المسلم؟ قال تعالى:
﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ﴾
[ سورة إبراهيم: 27 ]
ما القول الثابت؟ القرآن الكريم، أضرب مثلاً: لو أن أمةً فيها عدل تام، أقام عليك إنسان قوي جداً دعوى، والقانون معك، وهناك اجتهاد لمحكمة النقض لصالحك، والقاضي نزيه، والاجتهاد واضح وثابت ويجب أن يأخذ به، لماذا تنام مطمئناً؟ لأن هذه الفقرة في القانون لصالحك، والقاضي ينبغي أن يأخذ بها، أنت مطمئن لكلمات، لحبر على ورق، والخصم قوي جداً، له حجم كبير، وأنت لاشيء، لكن هذه الكلمات من اجتهاد محكمة النقض لصالحك، والمحامي يعرفها، والقاضي نزيه، والبلد فيه عدل، سبب الطمأنينة أن هذا الكلام لصالحك، إذاً معنى قوله تعالى:
﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ﴾
[سورة إبراهيم: 27]
أي مؤمن مستقيم على أمر الله، متوجهٌ إلى الله، يخاف أن يعصي الله، يقرأ القرآن:
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾
[ سورة النحل: 97 ]
هذه الآية وحدها تملأ قلبه راحة، وتملأ قلبه سكينة، وتملأ قلبه ثقةً بالله عز وجل، لذلك الإيمان شيء خطير جداً، أنت إذا كنت مؤمناً حقاً فبقلبك من الأمن ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم، الخوف يرافق الشرك، أنت خائف بقدر ما أنت مشرك، وأنت مطمئن بقدر ما أنت مؤمن، أنا لا أجرؤ، ولا يجرؤ غيري على وجه الأرض أن يقول في الدين كلاماً من عنده، من أنا؟ من أنت؟ حتى تقول في الدين كلاماً من عندك، في الدين هناك مرجعان كبيران الكتاب والسنة، لذلك هذا الأمن الذي يتمتع به المؤمن مهما اشتدت الأمور، مهما كبرت، مهما بدا لغير المؤمن أن النصر محققٌ للكافر، سيبقى متمتعاً به، ما قولك ببطل ملاكمة في العالم أمام طفل صغير عمره أربع سنوات قام فصرعه أيعد هذا وسام شرف له؟ أي ممكن أقوى دولة في العالم أن تهيئ أسلحة إلى أضعف دولة في العالم، وأفقر دولة في العالم، ومصابة جفاف مدة ثلاث سنوات، ليس هذا نصراً أبداً، إن لم يكن الطرف الآخر نداً لك لا معنى لهذا النصر، هذا نصر الجبناء أساساً، يبدو أن الله عز وجل سيحقق هذه الآية:
﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾
[ سورة آل عمران: 179 ]
هذا فرعون العصر، نحن نسميه فرعون العصر، إن لم تكن معنا فأنت ضدنا، مقولة كافر، إن لم تكن معنا فأنت ضدنا، حدد موقفك، إذاً لو أن الله أراد منا أن نحدد موقفنا، حدد موقفك، أنت محسوب مسلم لم يستغنوا عنك، محسوب مؤمن ولست بمؤمن، مع أهل الدنيا.
﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾
[ سورة البقرة: 14 ]
أي مسلم عنده عواطف، عنده خلفية إسلامية، عاطفة إسلامية، ثقافة إسلامية، اهتمامات إسلامية، أرضية إسلامية، نزعة إسلامية لكن ما هو مسلم، لأن الإسلام منهج، سبحان الله، كيف مسخ الإسلام إلى خمس عبادات شعائرية، الإسلام صدق، الإسلام أمانة، الإسلام عفة، الإسلام إنجاز وعد، الإسلام وفاء بالعهد، الإسلام استقامة، الإسلام إنصاف، والله الذي لا إله إلا هو لو قست المسلمين بمقياس الإسلام لما كانوا مسلمين، لا والله، لكن المساجد ممتلئة، العبرة بالمستقيم، الله عز وجل قال:
﴿فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً ﴾
[ سورة الكهف: 105 ]
الله عز وجل وليّ المؤمنين :
و عن ثَوْبَانَ قال: قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:
((يُوشِكُ الأُمَمُ أنْ تُدَاعِيَ عَليْكُم كَمَا تُدَاعِيَ الأكَلَةُ إلَى قَصْعَتِهَا، فقالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قالَ: بَلْ أنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثُيرٌ، وَلَكِنّكُم غُنَاءُ كَغُنَاءِ السّيْلِ))
[ أبو داود عن ثوبان]
كنت مرة في مؤتمر إسلامي في أبو ظبي، وهناك ندوة حول الجنس بقيت ثلاث ساعات، ورد أسئلة يندى لها الجبين، وكأن اهتمام العالم الإسلامي لا يزيد عن الجنس إطلاقاً، وكان من الممكن أن تلخص كل هذه الندوة بكلمتين، حرم الله شيئين في العلاقة الزوجية والباقي مباح، أما إذا المباح وردت عنه أسئلة يخجل الإنسان إذا كان وحده أن يتصورها فماذا بقي؟؟
أعيدت هذه الندوة على المحطات الفضائية ثلاث مرات ، حتى أن مجلة شاردة في مصر تناهض الدين سخرت من هؤلاء المسلمين، أنا قلت لكم سابقاً: والله لولا أن أخاً كريماً داعياً كبيراً خطيب مسجد محترماً جداً، قال لي ذلك من فمه إلى أذني لما صدقته، قال لي: كنت ببلد مسلم شرقي أوربا- هو من هناك- فاعتليت المنبر، أمامي عشرة آلاف مصلي، ألقيت خطبة رائعة جداً في أضخم مسجد حتى بكى الناس من شدة التأثر، من شدة تأثرهم أخرجوا بطحات عرق وشربوها في المسجد، وهم يبكون من هذا الخطيب، هذا نموذج من المسلمين، معاهد تستقبل طلاباً من بلاد إسلامية معها الفودكا في محافظها، أنا متأكد أن الله جل جلاله لا يمكن ومن سابع المستحيلات أن يتخلى عن المؤمنين، لكن أين المؤمنين؟ يبدو أن الله سبحانه وتعالى سيفرز المؤمنين الآن فرزاً، استمعوا إلى قوله تعالى:
﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾
[ سورة آل عمران: 179 ]
أنت انظر إلى الطلاب في المرحلة الثانوية كلهم يرتدون ثياباً تشير إلى أنهم طلاب، لكن من هو المجتهد منهم؟ من المقصر؟ من الذي يغيب أياماً وأياماً؟ من الذي يرتاد الملاهي والسينمات؟ من الذي يداوم؟ من الذي يدرس؟ لا بد من امتحان، ممكن توهم الناس أنك طالب جيد تسعة أشهر، لكن في يوم ما هناك امتحان، صفر أو ناجح، تأكدوا لا يمكن أن يدع الله الناس هكذا، كلنا مسلمون، كلنا مؤمنون، كلنا نحب الله عز وجل، يأتي الامتحان، الامتحان قد يكون شدة شديدة، الآن والله هناك شدة شديدة، والأخبار مخيفة، وحش حاقد وقوي، لا يرى شيئاً أمامه، يتصرف بعنجهية وحمق كبيرين، فنحن من لنا إلا الله؟؟
﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾
[ سورة آل عمران: 179 ]
من كان مع الله كان الله معه :
أخواننا الكرام: ماذا نفعل؟ الله عز وجل قال:
﴿أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ ﴾
[ سورة النجم: 59 ـ 60 ]
والله ينبغي أن ينتهي هذا الدرس، وأن تبدأ متاعبنا، كيف أصلح ما في بيتي؟ كيف أضبط زوجتي؟ كيف أضبط بناتي؟ كيف أحرر دخلي؟ كيف أتصل بالله؟ كيف أخشع في الصلاة؟ كيف أكون مستجاب الدعوة؟ كيف أكون من الفالحين؟ هذا شغل المؤمنين الشاغل وإلا هناك شدة شديدة، مع أنه ما من شدة إلا وراءها شدّ إلى الله، وما من محنة إلا وراءها منحة، المحنة وراءها منحة، والشدة وراءها شدة إلى الله، وأنا والله لست متشائماً لا والله، إني متفائل، لكن:
﴿وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً﴾
[ سورة الأنفال: 42 ]
إلى متى أنت باللذات مشغول وأنت عن كل ما قدمت مسؤول
***
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ذلك لعمري في المقام شـنيـــع
لو كان حبك صادقاً لأطعتـــه إن المحب لمن يـحب يــــطيع
***
أحد التابعين كان يقرأ القرآن فإذا بقوله تعالى، الله عز وجل يصف قرآنه الكريم بأن فيه ذكرنا:
﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾
[ سورة الأنبياء: 10 ]
أي أنت كنموذج، هذا النموذج مذكور في القرآن، قرأ الآيات التي تتحدث عن الكافرين قال: لست هنالك، أنا لست كافراً والحمد لله، قرأ الآيات التي تتحدث عن المؤمنين، قال: والله لا تنطبق عليّ، أنت إذا قرأت قرآناً وهناك بالقرآن أوصاف المؤمنين، أليس هناك سؤال وجيه هل هذه الأوصاف تنطبق عليّ أم لا تنطبق؟ هذا سؤال مهم جداً، أنا الآن أضعكم أمام آيات عديدة، أقسم بالله العظيم أنني أقرؤها وأتلوها مئات المرات، لكن ما كنت أتوقع أن تكون هذه الأحداث الخطيرة التي يمر بها المسلمون هي الشفاء، تقرأ هذه الآيات وكأنها تتنزل الآن، وكأنها تنزلت في هذه الأحداث، وكأنها تتنزل أول مرة، قال: من هم المؤمنون؟ قال:
﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ﴾
[ سورة آل عمران: 173 ]
الإيمان بالله الذي بيده ملكوت كل شيء :
والله العدو يمارس علينا حرباً إعلامية تنهد لها الجبال، أي نحن مكشوفون بالأقمار الصناعية، أي حركة، أي سكنة، هناك حاملات طائرات، مئتان و خمسون طائرة عملاقة، أسلحة جرثومية، أسلحة غازية، قنابل خارقة حارقة، الآن يوجد قنابل إذا كان هناك ألف شخص بملجأ كيف نميتهم والملجأ سماكته متراً؟ إسمنت مسلح، هناك قنابل أول شيء تخرق هذه المسافة، متى تنفجر بعد خرقها ليموت كل هؤلاء، هذه القنابل خارقة حارقة، وهناك قنابل غازية، و قنابل عنقودية، و قنابل ذكية، و أشعة ليزر تركبها القنبلة تأتي في المدخنة بالضبط، هناك تفوق بالسلاح لا يصدق، وهذا كله الآن معدّ للمسلمين، كله معد لهؤلاء المسلمين الذين قالوا ربنا الله.
﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾
[ سورة البروج: 8 ـ 9 ]
إذاً يوجد تخويف يفوق حدّ التصور، سألوا إنساناً معمراً بروسيا ما سر هذا العمر المديد؟ قال لهم: لأنني لا أسمع الأخبار أبداً، معه حق والله الأخبار مخيفة.
﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً ﴾
[ سورة آل عمران: 173 ]
في هذه الأيام أنت بأمس الحاجة إلى الإيمان، الأمر بيد الله.

﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ ﴾
[ سورة الزخرف: 84 ]
﴿الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾
[ سورة يس: 83 ]
﴿الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾
[ سورة الفرقان: 2 ]
﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾
[ سورة هود: 123 ]
﴿مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ﴾
[ سورة السجدة: 4 ]
﴿وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ﴾
[ سورة الكهف: 26 ]
﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾
[ سورة الأنعام: 18 ]
والله الذي لا إله إلا هو كنت مرة في سفر فدخلت إلى مسجد، فإذا لوحة كبيرة جداً في صدر المسجد، فوق المحراب، بأكبر خطّ، بخطّ خطاط مستواه عال جداً، والله لما قرأتها اقشعر جلدي.
﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ﴾
[ سورة الفتح: 10 ]
مرة قرأت آية:
﴿أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ ﴾
[ سورة الزخرف: 79 ]
أنتم خططوا، واتخذوا قرارات، بعضها علني، وبعضها سري.
﴿فَإِنَّا مُبْرِمُونَ ﴾
[ سورة الزخرف: 79 ]
أنا ملك الملوك، ومالك الملوك، قلوب الملوك بيدي، فإن العباد أطاعوني حولت قلوب ملوكهم عليهم بالرأفة والرحمة، وإن هم عصوني حولت قلوب ملوكهم عليهم بالسخطة والنقمة، فهذا الذي يبدو لك قوياً، أنا أسميه فرعون العصر، فرعون العصر بيد الله، وأعوانه بيد الله، وهيئات أركانه بيد الله، وحاملات الطائرات بيد الله، والطائرات بيد الله، لكن نقول لهم: أنسيتم يوم ألقيتم على نكزاكي وهيروشيما قنبلتين ذريتين فمات خلال ثلاث ثواني ثلاثمئة ألف إنسان؟ كم ذهب لكم بهذه الأحداث ؟ ستمئة ألف كما يقولون، ثلاثمئة ألف ماتوا فوراً.
من لم يخف الله أخافه الله من كل شيء :
أيها الأخوة الكرام: أذكركم بهذه الآية:

﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾
[ سورة آل عمران: 179 ]
﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾
[ سورة آل عمران: 173 ]
بربك لو أن جندياً غراً التحق بلواء وكان قائد اللواء أباه، وفي هذا اللواء رتب من لواء ونازل، فجاء عريف بسبعة هدده، فصار يبكي أليس هذا الجندي فاقد العقل؟ كل هذه الرتب مهما علت بيد والده، كيف يبكي من تهديد مساعد في الجيش؟ معنى ذلك أن هذا الإنسان جاهل جهلاً مطبقاً، أنت إذا كنت مع الله لا ينبغي أن تخاف من غير الله، بعض الأدعية أدعو بها دائماً يوم الجمعة:" اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك" والله أيها الأخوة والله الذي لا إله إلا هو لو أنك لم تخف إلا من الله لا يمكن أن يخيفك الله من أحد، أما إذا لم تخف من الله فيما بينك وبينه أخافك الله من أحقر الناس، تجد شخصاً محترماً له مكانة بالسوق كبيرة، يأتي موظف فيقول لك هذا الشخص: و الله ارتعدت مفاصلي، لأن هناك حبساً مدة شهرين بعدرا، إذا كنت تغش الزبائن، وتعصي الله فيما بينك وبينه، وتملأ عينيك من الحرام، وتكذب في البيع والشراء، وتؤذي المسلمين في بيعهم، إذا دخل هذا الموظف عليك ينبغي أن تخاف، لكن من خاف الله خافه كل شيء، ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء.
دققوا: من خاف الله خافه كل شيء، ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء.
﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾
[ سورة آل عمران: 173 ]
الآن إذا إنسان وكل محامياً من الدرجة الأولى يمشي بالعرض أنا محاميّ فلان، فكيف إذا كان الله هو الذي سيدافع عنك؟ من أين هذا الكلام؟ من القرآن:
﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا﴾
[سورة الحج: 38 ]
وأحياناً جلت حكمته، وعلا قدره، ينجيك بسبب صغيرٍ جداً، رسول الله، أقرب إنسان إليه الصديق كانا في غار ثور، المطاردون وصلوا إلى غار ثور، ما الذي منعهم من الدخول؟ العنكبوت، العنكبوت أنقذ الدعوة الإسلامية كلها، في الخندق:
﴿إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً ﴾
[ سورة الأحزاب: 10 ـ 12 ]
أحياناً يقول لك: هذا كله كان سحبة بسحبة، أين النصر؟ أحياناً الإنسان يمتحن، يريه الله أن الكافر قوي يفعل ما يريد، الحقيقة هذا شيء يحير، تجدهم غارقين بالجنس، غارقين بالربا، غارقين بالانحراف، باللواط، بالسحاق، مدينة بأكملها أجمل مدن أمريكا كلها لواط، إنسان فاسق، خمس و سبعون بالمئة منهم شاذون جنسياً، نساء مع نساء، ورجال مع رجال، لذلك أيها الأخوة:
﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾
[ سورة آل عمران: 173 -174]
نحن في أمس الحاجة إلى الإيمان.
مهمة الشيطان إلقاء الخوف في قلوب المؤمنين :
الحقيقة هو من أين يبدأ الضعف؟ من الداخل، ماذا قال النبي عليه الصلاة والسلام:
((نُصِرْتُ بِالرّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ ))
[ النسائي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّه رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ‏ ]
أمته حينما تركت منهجه هزمت بالرعب مسيرة عام، النصر يبدأ من الداخل، أنا أقول لكم دائماً أيها الأخوة: ليس من الخطأ ألا ننتصر، من الخطر الشديد أن نهزم من داخلنا، لذلك كأن الله سبحانه وتعالى أراد أن يفرز المؤمنين.
﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾
[ سورة آل عمران: 179 ]
كما قلت في بداية هذا الدرس أن فرعون العصر يقول: إن لم تكن معنا فأنت ضدنا، الإله العظيم لو أنه أراد أن يمتحن المؤمنين، أنت مع من؟ الله عز وجل قال:
﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ﴾
[ سورة القصص: 50 ]
هناك طريقان لا ثالث لهما، أنت إن لم تكن على أحدهما فأنت على الآخر حتماً، دليل قطعي واضح.
﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ﴾
[ سورة القصص: 50 ]
لذلك الآية الكريمة:
﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
[ سورة آل عمران: 173 -175]
ماذا يفعل الشيطان؟ ليتك تقرأ الآيات المتعلقة بالشيطان مهمته الأولى أن يلقي في قلبك الخوف.
﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ ﴾
[ سورة آل عمران: 175]
قال أحد كبار العلماء: معنى الآية الدقيق يخوف المؤمنين من أولياء طواغيت الكفر.
﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ ﴾
[ سورة آل عمران: 175]
من ظنّ أن الله لن ينصر رسله والمؤمنين فقد ظنّ بالله غير الحق :
الآن الله عز وجل يقول لنا:
﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
[ سورة آل عمران: 175]
كنت أقول سابقاً في قوله تعالى:
﴿فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
[ سورة هود: 55 ـ 56 ]
إن خفت من الدواب فأنت مشرك، وإن خفت ممن يأخذ بناصية الدواب فأنت مؤمن موحد، أنت في حديقة حيوان، وحوش مخيفة كلها مربوطة بأزمة بيد جهة قوية عادلة، رحيمة، سميعة، بصيرة، أنت إن خفت من الوحش فأنت مشرك، وإن خفت ممن يملك زمام الوحش فأنت مؤمن، أنا علاقتي مع الله عز وجل، نحن في أمس الحاجة إلى هذه المعاني، نحن في أمس الحاجة إلى أن نعود إلى ديننا، أنا درس الجمعة الأول والثاني حول ماذا؟ حول الذين:
﴿الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ﴾
[ سورة الفتح: 6 ]
﴿وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ﴾
[ سورة فصلت: 23 ]
أحياناً الإنسان يظن بالله ظن السوء فيهلك، من ظنّ أن الله لن ينصر رسله والمؤمنين، فقد ظن بالله غير الحق، من ظن أن هذا الذي وقع ليس بقضاء من الله وقدر، فقد ظن بالله ظن السوء، ظن بالله غير الحق، ظن الجاهلية من ظن أن هذا الذي وقع بقضاء من الله وقدر ولكن من دون حكمة، الآن كم إنسان يقول: لو لم يكن هذا الحدث ما كنا في هذا الخطر؟ لا، لكل شيء حقيقة وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطئه لم يكن ليصيبه.
﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ ﴾
[ سورة آل عمران: 175]
أي يخوف المؤمنين من أوليائه، الله عز وجل يأمرنا، وأمر الله يقتضي الوجوب، في كل آية في كتاب الله.
﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
[ سورة آل عمران: 175]
أنا لي كلمة أرددها كثيراً، إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ لكن صدقوا أيها الأخوة أننا في هذه الحياة الدنيا كمسرح على خشبة، خشبة مسرح وهناك مقاعد للمشاهدين، إن كنت مستقيماً على أمر الله فلك مقعد مع المشاهدين، ترى عجباً، وإن لم تكن مستقيماً لا بد من أن تجر إلى خشبة المسرح، وأن تؤدب، وأن تغدو قصتك قصة ممتعة، نسأل الله السلامة.
الاتصال بين العبد و ربه اتصال مباشر :
في درس سابق ذكرت أيضاً أنه ليس بين الله وبين عباده وسيط.
﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ﴾
[ سورة البقرة: 219 ]
﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ﴾
[ سورة البقرة: 220 ]
﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ﴾
[ سورة البقرة: 222 ]
اثنتا عشرة آية تبدأ بـ يسألونك، ويأتي بين السؤال والجواب قل، إلا في آية واحدة.
﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾
[ سورة البقرة: 186 ]
إذا كان لك وقت تناجيه، وقت تطلب حمايته، تطلب أن يدافع عنك، تطلب أن يحميك، والله ما كان يخطر في بالي أن من بعض الأدعية:" اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت، ومن شر ما لم أعمل" أحياناً يلبسونك تهمة، وأنت بريء منها.
العبرة في إهلاك الأمم لا في الأسباب الظاهرة ولكن في الأسباب الباطنة :
لكن أريد أن أقول شيئاً والله هو أهم ما في هذا الدرس، أرجو أن تستمعوا إلي جيداً والشيء خطير: دائماً عندنا أسباب ظاهرة، وأسباب بعيدة، الزلزال له سبب ظاهر، اضطراب بالقشرة الأرضية، لكن من هو مسبب الأسباب؟.
﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا ﴾
[ سورة الكهف: 59 ]
في بلدة بالمغرب اسمها أغادير، أي بلد العراة، كلها نوادي عراة، وكلها منطقة سياحة، أنشئت من أجل أن تستجلب الأوربيين ليقضوا فيها متعهم الرخيصة، وينفقوا أموالهم الطائلة، هذه البلدة أصابها زلزال فاختفت في بضع ثوان، لو قلت: الزلزال سببه اضطراب القشرة الأرضية هذا كلام طيب، لكن أنت بقيت في السبب الظاهر، لو تعمقت.
﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا ﴾
[ سورة الكهف: 59 ]
الآن الإنسان أحياناً يكذب بالآخرة، يظلم، يترف، يفسد، هناك عشرة أسباب في إهلاك الأمم من الكتاب والسنة، كل سبب له عدة آيات وعدة أحاديث، أسباب هلاك الأمم، لو أن أمة إسلامية استحقت الهلاك أو التأديب، هذا هو السبب الحقيقي، المباشر، قد تهلك بزلزال، وقد تهلك بفيضان، وقد تهلك بجفاف، وقد تهلك بحرب أهلية، وقد تهلك بعدوان خارجي، الظواهر متعددة، أما السبب الحقيقي فواحد.
﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ﴾
[ سورة الأنعام: 65 ]
﴿مِنْ فَوْقِكُمْ ﴾
الصواعق والصواريخ ،
﴿مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾
الزلازل والألغام،
﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾
هذه الحروب الأهلية، إذاً السبب الحقيقي هو أننا وقعنا فيما يوجب هلاكنا، المباشر ما نعرف، قد يكون عدواناً داخلياً، عدواناً خارجياً، قد يكون حرباً أهلية داخلية، قد يكون زلزالاً، قد يكون جفافاً، قد يكون فيضاناً، قد يكون صواعق، لكن العبرة لا في الأسباب الظاهرة ولكن في الأسباب الباطنة.
أعراض الإعراض عن الله :
أيها الأخوة: أقول لكم هذه الحقيقة و هي خطيرة جداً، هناك في القرآن والسنة أسباب لهلاك الأمم والشعوب، هذه الأسباب هي الأسباب الحقيقية لما يصيب الناس، أما الأسباب المباشرة فتتنوع تنوعاً عجيباً، قد نهلك بالجفاف، كما في بعض البلاد، وقد نهلك بالفيضانات، وقد نهلك بالزلازل، وقد نهلك بمشكلات داخلية، كما يجري في بعض البلاد، وقد نهلك بعدوان خارجي، هذه كلها أسباب ظاهرة، ما السبب الحقيقي؟ الحقيقي أننا وقعنا فيما يوجب هلاكنا، لذلك من هو الطبيب الناجح؟ إذا جئت بطبيب وابنك حرارته مرتفعة فأعطاه خافض حرارة هل يكون طبيباً؟ أبداً، الحرارة عرض لمرض، فإن عالج هذا العرض ليس طبيباً، ينبغي أن يعالج المرض، لذلك أكثر ما نعانيه من المشكلات هي أعراض الإعراض عن الله، لعل الله سبحانه وتعالى بهذه الشدة نعود إليه، لكن ينبغي أن تعلموا أنكم إذا ظننتم أن هذا الذي حصل شر مطلق، فالشر المطلق يتناقض مع وجود الله، ولكن هذا شراً نسبياً، ظاهره مزعج لكن ينتهي إلى خير المسلمين، ينبغي أن تتفاءل، كلكم يعلم أن الذي يجري في فلسطين، هذه الشدة التي لا تحتمل، هذا فرعون فلسطين أيضاً، والله أترفع عن ذكر اسمه شهد الله لأن ذكره يعكر المجلس، أنا سميته ثوراً هائجاً مصاباً بجنون البقر، شدته وحدت الفلسطينيين، أليس كذلك؟ لم يكونوا موحدين أبداً، كانوا شطرين، شطر يعمل لصالحه وشطر آخر، هي ظاهرة شدة باهظة، هدم البيوت، وقتل النساء والأطفال، لكن أصبح هؤلاء كتلة واحدة، هذه الميزة الكبيرة تحتاج إلى سبب، ذكرت لكم مرات عديدة، أني رأيت ألماسة في استنبول تقدر بمئة و خمسين مليون دولار والألماس أساسه فحم، أحضر فحمة بحجمها كم تبيعها بسوق الفحم؟ خذ كيلو من الفحم ثم اختر أكبر فحمة كم تبيع هذه الفحمة؟ الألماس فحم لكن ما الفرق بين الألماس والفحم؟ هو الضغط، فكلما انضغطت أيها المؤمن تصبح ألماساً، لا تخف، الدنيا لا قيمة لها، الدنيا عرض زائل، يأكل منها البغي والفاجر، الله يعطي الدنيا لمن لا يحب، ويعطيها لمن يحب، إذا ليست مقياساً، ألم يعطِ الملك لفرعون؟ هل يحبه؟ لا والله، لكنه أعطى الملك لسليمان، هو نبي كريم، ألم يعطِ المال لقارون؟ هو لا يحبه، أعطى المال لسيدنا عثمان يحبه، ما دام الشيء يعطى لمن يحب و لمن لا يحب فليس مقياساً، أبداً.
الأمانة و العدل و الصدق أسباب نصر المؤمنين :
لذلك أيها الأخوة: البطولة قال لك ألا يتحقق فينا أسباب هلاك الأمم، ألا نظلم، أن نعود إلى الله، أن نتواضع، أن نتحرى الحلال، أن نضبط بيوتنا، نضبط أعمالنا، نضبط جوارحنا، أكاد أقول لكم: الإسلام مئة ألف بند، مسخ الإسلام إلى خمس عبادات شعائرية، يفعل كل شيء، رحلة عمل ذهب بها بعض الناس إلى بلد مسلم، كلهم من أبناء هذه البلدة، الذي فعلوه لا يصدق في هذه البلاد البعيدة الجميلة، لا يصدق، من شرب خمر، ومن زنى، وكلهم يرتادون بعض المساجد، أتريد أن ينزل نصر الله على هؤلاء؟ لا والله، والله لو فهم الصحابة الكرام الإسلام كما نفهمه نحن لما خرج الإسلام من مكة، كيف وصل إلى أطراف الدنيا؟ بالعدل، بالأمانة، بالصدق، بالعفة.
كنت مرة في تركيا التقيت مع جريدة زمان لإجراء حديث صحفي قلت لهم: أنتم وصلتم إلى فيينا، قال: صح، قلت له: في فيينا لوحة زيتية مشهورة تصور الجنود المسلمين العثمانيين وهم يشترون العنب من فتيات فيينا يغضون أبصارهم، ويعطونهم ثمن العنب، قلت لهم مازحاً: حينما غضضتم بصركم عن الفتيات الأجنبيات وصلتم إلى فيينا، أم حينما بحلقتم عدتم إلى ما كنتم عليه، فالقصة قصة طاعة لله.


﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾
[ سورة الأحزاب: 71 ]
والحمد لله رب العالمين

belamriabdelaziz
2014-07-26, 08:26
موضوعات إسلامية - موضوعات متفرقة - المحاضرة 039: فرز المؤمنين في الزمن الصعب.
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2001-09-23
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا مما يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الإيمان شيء خطير جداً :
أيها الأخوة الكرام: لا زلنا في موضوع ساخنٍ جداً يحير المسلمين، ما الذي يثبت قلب المسلم؟ قال تعالى:
﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ﴾
[ سورة إبراهيم: 27 ]
ما القول الثابت؟ القرآن الكريم، أضرب مثلاً: لو أن أمةً فيها عدل تام، أقام عليك إنسان قوي جداً دعوى، والقانون معك، وهناك اجتهاد لمحكمة النقض لصالحك، والقاضي نزيه، والاجتهاد واضح وثابت ويجب أن يأخذ به، لماذا تنام مطمئناً؟ لأن هذه الفقرة في القانون لصالحك، والقاضي ينبغي أن يأخذ بها، أنت مطمئن لكلمات، لحبر على ورق، والخصم قوي جداً، له حجم كبير، وأنت لاشيء، لكن هذه الكلمات من اجتهاد محكمة النقض لصالحك، والمحامي يعرفها، والقاضي نزيه، والبلد فيه عدل، سبب الطمأنينة أن هذا الكلام لصالحك، إذاً معنى قوله تعالى:
﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ﴾
[سورة إبراهيم: 27]
أي مؤمن مستقيم على أمر الله، متوجهٌ إلى الله، يخاف أن يعصي الله، يقرأ القرآن:
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾
[ سورة النحل: 97 ]
هذه الآية وحدها تملأ قلبه راحة، وتملأ قلبه سكينة، وتملأ قلبه ثقةً بالله عز وجل، لذلك الإيمان شيء خطير جداً، أنت إذا كنت مؤمناً حقاً فبقلبك من الأمن ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم، الخوف يرافق الشرك، أنت خائف بقدر ما أنت مشرك، وأنت مطمئن بقدر ما أنت مؤمن، أنا لا أجرؤ، ولا يجرؤ غيري على وجه الأرض أن يقول في الدين كلاماً من عنده، من أنا؟ من أنت؟ حتى تقول في الدين كلاماً من عندك، في الدين هناك مرجعان كبيران الكتاب والسنة، لذلك هذا الأمن الذي يتمتع به المؤمن مهما اشتدت الأمور، مهما كبرت، مهما بدا لغير المؤمن أن النصر محققٌ للكافر، سيبقى متمتعاً به، ما قولك ببطل ملاكمة في العالم أمام طفل صغير عمره أربع سنوات قام فصرعه أيعد هذا وسام شرف له؟ أي ممكن أقوى دولة في العالم أن تهيئ أسلحة إلى أضعف دولة في العالم، وأفقر دولة في العالم، ومصابة جفاف مدة ثلاث سنوات، ليس هذا نصراً أبداً، إن لم يكن الطرف الآخر نداً لك لا معنى لهذا النصر، هذا نصر الجبناء أساساً، يبدو أن الله عز وجل سيحقق هذه الآية:
﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾
[ سورة آل عمران: 179 ]
هذا فرعون العصر، نحن نسميه فرعون العصر، إن لم تكن معنا فأنت ضدنا، مقولة كافر، إن لم تكن معنا فأنت ضدنا، حدد موقفك، إذاً لو أن الله أراد منا أن نحدد موقفنا، حدد موقفك، أنت محسوب مسلم لم يستغنوا عنك، محسوب مؤمن ولست بمؤمن، مع أهل الدنيا.
﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾
[ سورة البقرة: 14 ]
أي مسلم عنده عواطف، عنده خلفية إسلامية، عاطفة إسلامية، ثقافة إسلامية، اهتمامات إسلامية، أرضية إسلامية، نزعة إسلامية لكن ما هو مسلم، لأن الإسلام منهج، سبحان الله، كيف مسخ الإسلام إلى خمس عبادات شعائرية، الإسلام صدق، الإسلام أمانة، الإسلام عفة، الإسلام إنجاز وعد، الإسلام وفاء بالعهد، الإسلام استقامة، الإسلام إنصاف، والله الذي لا إله إلا هو لو قست المسلمين بمقياس الإسلام لما كانوا مسلمين، لا والله، لكن المساجد ممتلئة، العبرة بالمستقيم، الله عز وجل قال:
﴿فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً ﴾
[ سورة الكهف: 105 ]
الله عز وجل وليّ المؤمنين :
و عن ثَوْبَانَ قال: قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:
((يُوشِكُ الأُمَمُ أنْ تُدَاعِيَ عَليْكُم كَمَا تُدَاعِيَ الأكَلَةُ إلَى قَصْعَتِهَا، فقالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قالَ: بَلْ أنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثُيرٌ، وَلَكِنّكُم غُنَاءُ كَغُنَاءِ السّيْلِ))
[ أبو داود عن ثوبان]
كنت مرة في مؤتمر إسلامي في أبو ظبي، وهناك ندوة حول الجنس بقيت ثلاث ساعات، ورد أسئلة يندى لها الجبين، وكأن اهتمام العالم الإسلامي لا يزيد عن الجنس إطلاقاً، وكان من الممكن أن تلخص كل هذه الندوة بكلمتين، حرم الله شيئين في العلاقة الزوجية والباقي مباح، أما إذا المباح وردت عنه أسئلة يخجل الإنسان إذا كان وحده أن يتصورها فماذا بقي؟؟
أعيدت هذه الندوة على المحطات الفضائية ثلاث مرات ، حتى أن مجلة شاردة في مصر تناهض الدين سخرت من هؤلاء المسلمين، أنا قلت لكم سابقاً: والله لولا أن أخاً كريماً داعياً كبيراً خطيب مسجد محترماً جداً، قال لي ذلك من فمه إلى أذني لما صدقته، قال لي: كنت ببلد مسلم شرقي أوربا- هو من هناك- فاعتليت المنبر، أمامي عشرة آلاف مصلي، ألقيت خطبة رائعة جداً في أضخم مسجد حتى بكى الناس من شدة التأثر، من شدة تأثرهم أخرجوا بطحات عرق وشربوها في المسجد، وهم يبكون من هذا الخطيب، هذا نموذج من المسلمين، معاهد تستقبل طلاباً من بلاد إسلامية معها الفودكا في محافظها، أنا متأكد أن الله جل جلاله لا يمكن ومن سابع المستحيلات أن يتخلى عن المؤمنين، لكن أين المؤمنين؟ يبدو أن الله سبحانه وتعالى سيفرز المؤمنين الآن فرزاً، استمعوا إلى قوله تعالى:
﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾
[ سورة آل عمران: 179 ]
أنت انظر إلى الطلاب في المرحلة الثانوية كلهم يرتدون ثياباً تشير إلى أنهم طلاب، لكن من هو المجتهد منهم؟ من المقصر؟ من الذي يغيب أياماً وأياماً؟ من الذي يرتاد الملاهي والسينمات؟ من الذي يداوم؟ من الذي يدرس؟ لا بد من امتحان، ممكن توهم الناس أنك طالب جيد تسعة أشهر، لكن في يوم ما هناك امتحان، صفر أو ناجح، تأكدوا لا يمكن أن يدع الله الناس هكذا، كلنا مسلمون، كلنا مؤمنون، كلنا نحب الله عز وجل، يأتي الامتحان، الامتحان قد يكون شدة شديدة، الآن والله هناك شدة شديدة، والأخبار مخيفة، وحش حاقد وقوي، لا يرى شيئاً أمامه، يتصرف بعنجهية وحمق كبيرين، فنحن من لنا إلا الله؟؟
﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾
[ سورة آل عمران: 179 ]
من كان مع الله كان الله معه :
أخواننا الكرام: ماذا نفعل؟ الله عز وجل قال:
﴿أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ ﴾
[ سورة النجم: 59 ـ 60 ]
والله ينبغي أن ينتهي هذا الدرس، وأن تبدأ متاعبنا، كيف أصلح ما في بيتي؟ كيف أضبط زوجتي؟ كيف أضبط بناتي؟ كيف أحرر دخلي؟ كيف أتصل بالله؟ كيف أخشع في الصلاة؟ كيف أكون مستجاب الدعوة؟ كيف أكون من الفالحين؟ هذا شغل المؤمنين الشاغل وإلا هناك شدة شديدة، مع أنه ما من شدة إلا وراءها شدّ إلى الله، وما من محنة إلا وراءها منحة، المحنة وراءها منحة، والشدة وراءها شدة إلى الله، وأنا والله لست متشائماً لا والله، إني متفائل، لكن:
﴿وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً﴾
[ سورة الأنفال: 42 ]
إلى متى أنت باللذات مشغول وأنت عن كل ما قدمت مسؤول
***
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ذلك لعمري في المقام شـنيـــع
لو كان حبك صادقاً لأطعتـــه إن المحب لمن يـحب يــــطيع
***
أحد التابعين كان يقرأ القرآن فإذا بقوله تعالى، الله عز وجل يصف قرآنه الكريم بأن فيه ذكرنا:
﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾
[ سورة الأنبياء: 10 ]
أي أنت كنموذج، هذا النموذج مذكور في القرآن، قرأ الآيات التي تتحدث عن الكافرين قال: لست هنالك، أنا لست كافراً والحمد لله، قرأ الآيات التي تتحدث عن المؤمنين، قال: والله لا تنطبق عليّ، أنت إذا قرأت قرآناً وهناك بالقرآن أوصاف المؤمنين، أليس هناك سؤال وجيه هل هذه الأوصاف تنطبق عليّ أم لا تنطبق؟ هذا سؤال مهم جداً، أنا الآن أضعكم أمام آيات عديدة، أقسم بالله العظيم أنني أقرؤها وأتلوها مئات المرات، لكن ما كنت أتوقع أن تكون هذه الأحداث الخطيرة التي يمر بها المسلمون هي الشفاء، تقرأ هذه الآيات وكأنها تتنزل الآن، وكأنها تنزلت في هذه الأحداث، وكأنها تتنزل أول مرة، قال: من هم المؤمنون؟ قال:
﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ﴾
[ سورة آل عمران: 173 ]
الإيمان بالله الذي بيده ملكوت كل شيء :
والله العدو يمارس علينا حرباً إعلامية تنهد لها الجبال، أي نحن مكشوفون بالأقمار الصناعية، أي حركة، أي سكنة، هناك حاملات طائرات، مئتان و خمسون طائرة عملاقة، أسلحة جرثومية، أسلحة غازية، قنابل خارقة حارقة، الآن يوجد قنابل إذا كان هناك ألف شخص بملجأ كيف نميتهم والملجأ سماكته متراً؟ إسمنت مسلح، هناك قنابل أول شيء تخرق هذه المسافة، متى تنفجر بعد خرقها ليموت كل هؤلاء، هذه القنابل خارقة حارقة، وهناك قنابل غازية، و قنابل عنقودية، و قنابل ذكية، و أشعة ليزر تركبها القنبلة تأتي في المدخنة بالضبط، هناك تفوق بالسلاح لا يصدق، وهذا كله الآن معدّ للمسلمين، كله معد لهؤلاء المسلمين الذين قالوا ربنا الله.
﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾
[ سورة البروج: 8 ـ 9 ]
إذاً يوجد تخويف يفوق حدّ التصور، سألوا إنساناً معمراً بروسيا ما سر هذا العمر المديد؟ قال لهم: لأنني لا أسمع الأخبار أبداً، معه حق والله الأخبار مخيفة.
﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً ﴾
[ سورة آل عمران: 173 ]
في هذه الأيام أنت بأمس الحاجة إلى الإيمان، الأمر بيد الله.

﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ ﴾
[ سورة الزخرف: 84 ]
﴿الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾
[ سورة يس: 83 ]
﴿الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾
[ سورة الفرقان: 2 ]
﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾
[ سورة هود: 123 ]
﴿مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ﴾
[ سورة السجدة: 4 ]
﴿وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ﴾
[ سورة الكهف: 26 ]
﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾
[ سورة الأنعام: 18 ]
والله الذي لا إله إلا هو كنت مرة في سفر فدخلت إلى مسجد، فإذا لوحة كبيرة جداً في صدر المسجد، فوق المحراب، بأكبر خطّ، بخطّ خطاط مستواه عال جداً، والله لما قرأتها اقشعر جلدي.
﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ﴾
[ سورة الفتح: 10 ]
مرة قرأت آية:
﴿أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ ﴾
[ سورة الزخرف: 79 ]
أنتم خططوا، واتخذوا قرارات، بعضها علني، وبعضها سري.
﴿فَإِنَّا مُبْرِمُونَ ﴾
[ سورة الزخرف: 79 ]
أنا ملك الملوك، ومالك الملوك، قلوب الملوك بيدي، فإن العباد أطاعوني حولت قلوب ملوكهم عليهم بالرأفة والرحمة، وإن هم عصوني حولت قلوب ملوكهم عليهم بالسخطة والنقمة، فهذا الذي يبدو لك قوياً، أنا أسميه فرعون العصر، فرعون العصر بيد الله، وأعوانه بيد الله، وهيئات أركانه بيد الله، وحاملات الطائرات بيد الله، والطائرات بيد الله، لكن نقول لهم: أنسيتم يوم ألقيتم على نكزاكي وهيروشيما قنبلتين ذريتين فمات خلال ثلاث ثواني ثلاثمئة ألف إنسان؟ كم ذهب لكم بهذه الأحداث ؟ ستمئة ألف كما يقولون، ثلاثمئة ألف ماتوا فوراً.
من لم يخف الله أخافه الله من كل شيء :
أيها الأخوة الكرام: أذكركم بهذه الآية:

﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾
[ سورة آل عمران: 179 ]
﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾
[ سورة آل عمران: 173 ]
بربك لو أن جندياً غراً التحق بلواء وكان قائد اللواء أباه، وفي هذا اللواء رتب من لواء ونازل، فجاء عريف بسبعة هدده، فصار يبكي أليس هذا الجندي فاقد العقل؟ كل هذه الرتب مهما علت بيد والده، كيف يبكي من تهديد مساعد في الجيش؟ معنى ذلك أن هذا الإنسان جاهل جهلاً مطبقاً، أنت إذا كنت مع الله لا ينبغي أن تخاف من غير الله، بعض الأدعية أدعو بها دائماً يوم الجمعة:" اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك" والله أيها الأخوة والله الذي لا إله إلا هو لو أنك لم تخف إلا من الله لا يمكن أن يخيفك الله من أحد، أما إذا لم تخف من الله فيما بينك وبينه أخافك الله من أحقر الناس، تجد شخصاً محترماً له مكانة بالسوق كبيرة، يأتي موظف فيقول لك هذا الشخص: و الله ارتعدت مفاصلي، لأن هناك حبساً مدة شهرين بعدرا، إذا كنت تغش الزبائن، وتعصي الله فيما بينك وبينه، وتملأ عينيك من الحرام، وتكذب في البيع والشراء، وتؤذي المسلمين في بيعهم، إذا دخل هذا الموظف عليك ينبغي أن تخاف، لكن من خاف الله خافه كل شيء، ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء.
دققوا: من خاف الله خافه كل شيء، ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء.
﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾
[ سورة آل عمران: 173 ]
الآن إذا إنسان وكل محامياً من الدرجة الأولى يمشي بالعرض أنا محاميّ فلان، فكيف إذا كان الله هو الذي سيدافع عنك؟ من أين هذا الكلام؟ من القرآن:
﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا﴾
[سورة الحج: 38 ]
وأحياناً جلت حكمته، وعلا قدره، ينجيك بسبب صغيرٍ جداً، رسول الله، أقرب إنسان إليه الصديق كانا في غار ثور، المطاردون وصلوا إلى غار ثور، ما الذي منعهم من الدخول؟ العنكبوت، العنكبوت أنقذ الدعوة الإسلامية كلها، في الخندق:
﴿إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً ﴾
[ سورة الأحزاب: 10 ـ 12 ]
أحياناً يقول لك: هذا كله كان سحبة بسحبة، أين النصر؟ أحياناً الإنسان يمتحن، يريه الله أن الكافر قوي يفعل ما يريد، الحقيقة هذا شيء يحير، تجدهم غارقين بالجنس، غارقين بالربا، غارقين بالانحراف، باللواط، بالسحاق، مدينة بأكملها أجمل مدن أمريكا كلها لواط، إنسان فاسق، خمس و سبعون بالمئة منهم شاذون جنسياً، نساء مع نساء، ورجال مع رجال، لذلك أيها الأخوة:
﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾
[ سورة آل عمران: 173 -174]
نحن في أمس الحاجة إلى الإيمان.
مهمة الشيطان إلقاء الخوف في قلوب المؤمنين :
الحقيقة هو من أين يبدأ الضعف؟ من الداخل، ماذا قال النبي عليه الصلاة والسلام:
((نُصِرْتُ بِالرّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ ))
[ النسائي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّه رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ‏ ]
أمته حينما تركت منهجه هزمت بالرعب مسيرة عام، النصر يبدأ من الداخل، أنا أقول لكم دائماً أيها الأخوة: ليس من الخطأ ألا ننتصر، من الخطر الشديد أن نهزم من داخلنا، لذلك كأن الله سبحانه وتعالى أراد أن يفرز المؤمنين.
﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾
[ سورة آل عمران: 179 ]
كما قلت في بداية هذا الدرس أن فرعون العصر يقول: إن لم تكن معنا فأنت ضدنا، الإله العظيم لو أنه أراد أن يمتحن المؤمنين، أنت مع من؟ الله عز وجل قال:
﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ﴾
[ سورة القصص: 50 ]
هناك طريقان لا ثالث لهما، أنت إن لم تكن على أحدهما فأنت على الآخر حتماً، دليل قطعي واضح.
﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ﴾
[ سورة القصص: 50 ]
لذلك الآية الكريمة:
﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
[ سورة آل عمران: 173 -175]
ماذا يفعل الشيطان؟ ليتك تقرأ الآيات المتعلقة بالشيطان مهمته الأولى أن يلقي في قلبك الخوف.
﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ ﴾
[ سورة آل عمران: 175]
قال أحد كبار العلماء: معنى الآية الدقيق يخوف المؤمنين من أولياء طواغيت الكفر.
﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ ﴾
[ سورة آل عمران: 175]
من ظنّ أن الله لن ينصر رسله والمؤمنين فقد ظنّ بالله غير الحق :
الآن الله عز وجل يقول لنا:
﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
[ سورة آل عمران: 175]
كنت أقول سابقاً في قوله تعالى:
﴿فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
[ سورة هود: 55 ـ 56 ]
إن خفت من الدواب فأنت مشرك، وإن خفت ممن يأخذ بناصية الدواب فأنت مؤمن موحد، أنت في حديقة حيوان، وحوش مخيفة كلها مربوطة بأزمة بيد جهة قوية عادلة، رحيمة، سميعة، بصيرة، أنت إن خفت من الوحش فأنت مشرك، وإن خفت ممن يملك زمام الوحش فأنت مؤمن، أنا علاقتي مع الله عز وجل، نحن في أمس الحاجة إلى هذه المعاني، نحن في أمس الحاجة إلى أن نعود إلى ديننا، أنا درس الجمعة الأول والثاني حول ماذا؟ حول الذين:
﴿الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ﴾
[ سورة الفتح: 6 ]
﴿وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ﴾
[ سورة فصلت: 23 ]
أحياناً الإنسان يظن بالله ظن السوء فيهلك، من ظنّ أن الله لن ينصر رسله والمؤمنين، فقد ظن بالله غير الحق، من ظن أن هذا الذي وقع ليس بقضاء من الله وقدر، فقد ظن بالله ظن السوء، ظن بالله غير الحق، ظن الجاهلية من ظن أن هذا الذي وقع بقضاء من الله وقدر ولكن من دون حكمة، الآن كم إنسان يقول: لو لم يكن هذا الحدث ما كنا في هذا الخطر؟ لا، لكل شيء حقيقة وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطئه لم يكن ليصيبه.
﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ ﴾
[ سورة آل عمران: 175]
أي يخوف المؤمنين من أوليائه، الله عز وجل يأمرنا، وأمر الله يقتضي الوجوب، في كل آية في كتاب الله.
﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
[ سورة آل عمران: 175]
أنا لي كلمة أرددها كثيراً، إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ لكن صدقوا أيها الأخوة أننا في هذه الحياة الدنيا كمسرح على خشبة، خشبة مسرح وهناك مقاعد للمشاهدين، إن كنت مستقيماً على أمر الله فلك مقعد مع المشاهدين، ترى عجباً، وإن لم تكن مستقيماً لا بد من أن تجر إلى خشبة المسرح، وأن تؤدب، وأن تغدو قصتك قصة ممتعة، نسأل الله السلامة.
الاتصال بين العبد و ربه اتصال مباشر :
في درس سابق ذكرت أيضاً أنه ليس بين الله وبين عباده وسيط.
﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ﴾
[ سورة البقرة: 219 ]
﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ﴾
[ سورة البقرة: 220 ]
﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ﴾
[ سورة البقرة: 222 ]
اثنتا عشرة آية تبدأ بـ يسألونك، ويأتي بين السؤال والجواب قل، إلا في آية واحدة.
﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾
[ سورة البقرة: 186 ]
إذا كان لك وقت تناجيه، وقت تطلب حمايته، تطلب أن يدافع عنك، تطلب أن يحميك، والله ما كان يخطر في بالي أن من بعض الأدعية:" اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت، ومن شر ما لم أعمل" أحياناً يلبسونك تهمة، وأنت بريء منها.
العبرة في إهلاك الأمم لا في الأسباب الظاهرة ولكن في الأسباب الباطنة :
لكن أريد أن أقول شيئاً والله هو أهم ما في هذا الدرس، أرجو أن تستمعوا إلي جيداً والشيء خطير: دائماً عندنا أسباب ظاهرة، وأسباب بعيدة، الزلزال له سبب ظاهر، اضطراب بالقشرة الأرضية، لكن من هو مسبب الأسباب؟.
﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا ﴾
[ سورة الكهف: 59 ]
في بلدة بالمغرب اسمها أغادير، أي بلد العراة، كلها نوادي عراة، وكلها منطقة سياحة، أنشئت من أجل أن تستجلب الأوربيين ليقضوا فيها متعهم الرخيصة، وينفقوا أموالهم الطائلة، هذه البلدة أصابها زلزال فاختفت في بضع ثوان، لو قلت: الزلزال سببه اضطراب القشرة الأرضية هذا كلام طيب، لكن أنت بقيت في السبب الظاهر، لو تعمقت.
﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا ﴾
[ سورة الكهف: 59 ]
الآن الإنسان أحياناً يكذب بالآخرة، يظلم، يترف، يفسد، هناك عشرة أسباب في إهلاك الأمم من الكتاب والسنة، كل سبب له عدة آيات وعدة أحاديث، أسباب هلاك الأمم، لو أن أمة إسلامية استحقت الهلاك أو التأديب، هذا هو السبب الحقيقي، المباشر، قد تهلك بزلزال، وقد تهلك بفيضان، وقد تهلك بجفاف، وقد تهلك بحرب أهلية، وقد تهلك بعدوان خارجي، الظواهر متعددة، أما السبب الحقيقي فواحد.
﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ﴾
[ سورة الأنعام: 65 ]
﴿مِنْ فَوْقِكُمْ ﴾
الصواعق والصواريخ ،
﴿مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾
الزلازل والألغام،
﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾
هذه الحروب الأهلية، إذاً السبب الحقيقي هو أننا وقعنا فيما يوجب هلاكنا، المباشر ما نعرف، قد يكون عدواناً داخلياً، عدواناً خارجياً، قد يكون حرباً أهلية داخلية، قد يكون زلزالاً، قد يكون جفافاً، قد يكون فيضاناً، قد يكون صواعق، لكن العبرة لا في الأسباب الظاهرة ولكن في الأسباب الباطنة.
أعراض الإعراض عن الله :
أيها الأخوة: أقول لكم هذه الحقيقة و هي خطيرة جداً، هناك في القرآن والسنة أسباب لهلاك الأمم والشعوب، هذه الأسباب هي الأسباب الحقيقية لما يصيب الناس، أما الأسباب المباشرة فتتنوع تنوعاً عجيباً، قد نهلك بالجفاف، كما في بعض البلاد، وقد نهلك بالفيضانات، وقد نهلك بالزلازل، وقد نهلك بمشكلات داخلية، كما يجري في بعض البلاد، وقد نهلك بعدوان خارجي، هذه كلها أسباب ظاهرة، ما السبب الحقيقي؟ الحقيقي أننا وقعنا فيما يوجب هلاكنا، لذلك من هو الطبيب الناجح؟ إذا جئت بطبيب وابنك حرارته مرتفعة فأعطاه خافض حرارة هل يكون طبيباً؟ أبداً، الحرارة عرض لمرض، فإن عالج هذا العرض ليس طبيباً، ينبغي أن يعالج المرض، لذلك أكثر ما نعانيه من المشكلات هي أعراض الإعراض عن الله، لعل الله سبحانه وتعالى بهذه الشدة نعود إليه، لكن ينبغي أن تعلموا أنكم إذا ظننتم أن هذا الذي حصل شر مطلق، فالشر المطلق يتناقض مع وجود الله، ولكن هذا شراً نسبياً، ظاهره مزعج لكن ينتهي إلى خير المسلمين، ينبغي أن تتفاءل، كلكم يعلم أن الذي يجري في فلسطين، هذه الشدة التي لا تحتمل، هذا فرعون فلسطين أيضاً، والله أترفع عن ذكر اسمه شهد الله لأن ذكره يعكر المجلس، أنا سميته ثوراً هائجاً مصاباً بجنون البقر، شدته وحدت الفلسطينيين، أليس كذلك؟ لم يكونوا موحدين أبداً، كانوا شطرين، شطر يعمل لصالحه وشطر آخر، هي ظاهرة شدة باهظة، هدم البيوت، وقتل النساء والأطفال، لكن أصبح هؤلاء كتلة واحدة، هذه الميزة الكبيرة تحتاج إلى سبب، ذكرت لكم مرات عديدة، أني رأيت ألماسة في استنبول تقدر بمئة و خمسين مليون دولار والألماس أساسه فحم، أحضر فحمة بحجمها كم تبيعها بسوق الفحم؟ خذ كيلو من الفحم ثم اختر أكبر فحمة كم تبيع هذه الفحمة؟ الألماس فحم لكن ما الفرق بين الألماس والفحم؟ هو الضغط، فكلما انضغطت أيها المؤمن تصبح ألماساً، لا تخف، الدنيا لا قيمة لها، الدنيا عرض زائل، يأكل منها البغي والفاجر، الله يعطي الدنيا لمن لا يحب، ويعطيها لمن يحب، إذا ليست مقياساً، ألم يعطِ الملك لفرعون؟ هل يحبه؟ لا والله، لكنه أعطى الملك لسليمان، هو نبي كريم، ألم يعطِ المال لقارون؟ هو لا يحبه، أعطى المال لسيدنا عثمان يحبه، ما دام الشيء يعطى لمن يحب و لمن لا يحب فليس مقياساً، أبداً.
الأمانة و العدل و الصدق أسباب نصر المؤمنين :
لذلك أيها الأخوة: البطولة قال لك ألا يتحقق فينا أسباب هلاك الأمم، ألا نظلم، أن نعود إلى الله، أن نتواضع، أن نتحرى الحلال، أن نضبط بيوتنا، نضبط أعمالنا، نضبط جوارحنا، أكاد أقول لكم: الإسلام مئة ألف بند، مسخ الإسلام إلى خمس عبادات شعائرية، يفعل كل شيء، رحلة عمل ذهب بها بعض الناس إلى بلد مسلم، كلهم من أبناء هذه البلدة، الذي فعلوه لا يصدق في هذه البلاد البعيدة الجميلة، لا يصدق، من شرب خمر، ومن زنى، وكلهم يرتادون بعض المساجد، أتريد أن ينزل نصر الله على هؤلاء؟ لا والله، والله لو فهم الصحابة الكرام الإسلام كما نفهمه نحن لما خرج الإسلام من مكة، كيف وصل إلى أطراف الدنيا؟ بالعدل، بالأمانة، بالصدق، بالعفة.
كنت مرة في تركيا التقيت مع جريدة زمان لإجراء حديث صحفي قلت لهم: أنتم وصلتم إلى فيينا، قال: صح، قلت له: في فيينا لوحة زيتية مشهورة تصور الجنود المسلمين العثمانيين وهم يشترون العنب من فتيات فيينا يغضون أبصارهم، ويعطونهم ثمن العنب، قلت لهم مازحاً: حينما غضضتم بصركم عن الفتيات الأجنبيات وصلتم إلى فيينا، أم حينما بحلقتم عدتم إلى ما كنتم عليه، فالقصة قصة طاعة لله.


﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾
[ سورة الأحزاب: 71 ]
والحمد لله رب العالمين

belamriabdelaziz
2014-07-27, 09:29
موضوعات إسلامية - موضوعات متفرقة - المحاضرة 040: الدروس المستفادة من الأحداث الجارية في العالم .
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2001-09-30
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
لله في خلقه آيات ثلاث :
أيها الأخوة المؤمنون: إن لله في خلقه آيات ثلاث: له آيات كونية هي خلقه، وهذه ثابتة واضحة، السير في التفكر في آيات الله الكونية آمن وثابت، ولا مشكلة أبداً، وتفكروا في مخلوقات الله ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا.
وإن لله في خلقه آيات تكوينية، أي أفعاله، زلزال، صواعق، براكين، حروب أهلية، اجتياح، تدمير، حروب، هذه أفعاله.
وله في خلقه آيات قرآنية: كلامه، أمر واضح كالشمس، خلقه وأفعاله وكلامه. تفكروا في خلقه ما شئتم، الطريق سالك وآمن إلى الله، ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا، لكن الله جل جلاله أمرنا أن ننظر في أفعاله، ننظر في أفعاله في ضوء أقواله.
الحقيقة التفكر في أفعال الله من دون أن تستنير بأقواله طريق فيه ألغام كثيرة، تجد شعوباً كثيرة مقهورة مضطهدة جاهلة، وشعوب غارقة في الآثام والمعاصي والإباحية وكل أنواع الفجور وهي قوية ومستعلية، إن نظرت إلى أفعاله من دون أن تهتدي بأقواله هناك مطب كبير جداً، النظر في خلقه من دون قيد أو شرط، لكن النظر في أفعاله يحتاج إلى أن تستنير بأقواله، تنظر إلى أفعاله من خلال أقواله، ولأن المسلم يعيش كغيره من الناس، هناك أحداث - طبعاً هذا هو الدرس الثالث الذي لم أستطع أن أنفك فيه عن الموضوع الساخن الذي حولنا، هذا الموضوع موضوع مصيري- قد يأتي قصف يدمر بلداً مسلماً بأكمله، وهناك بلاد إسلامية عديدة جداً معرضون للقصف ومستهدفون، لذلك حتى في هذا الدرس الثالث لم أستطع أن أنفك عن هذا الحدث الضخم الذي ألمّ بالعالم كله، لكن كما أقول دائماً: هناك ألف منبر إعلامي، صحيفة، مجلة، محطة فضائية.... القائمون على هذه المنابر لهم أن يقولوا ما شاؤوا، ولكنك إذا دخلت إلى بيت من بيوت الله لا يمكن إلا أن تستمع إلى ما في الكتاب والسنة من تفسير لما يجري، هنا مقيدون بمنهج، هنا مقيدون بحكم شرعي، هنا مقيدون بالوحيين الكتاب والسنة، هنا لا نستطيع أن نقول كلمة إلا وفق الكتاب والسنة، لكن لأن هذا الحدث ساخن جداً ولا يعفى أحد من التأثر به، عدو أو صديق، ولأن مستقبله خطير جداً، لابد من أن نبقى بهذا الحدث والموضوع الساخن .
التّولي و التّخلي :
أيها الأخوة: الإنسان من دون وحي - وأنا أقول هذا مراراً - كالذي يملك عيناً حادة البصر من دون نور، حكمه حكم الأعمى، والعقل البشري من دون وحي يدمر صاحبه، أول وهم كبير تلاشى أن القوة هي كل شيء، وأن القوة هي التي تصنع الحق عند هؤلاء، وأنه ما من حصن لك كأن تكون قوياً، وقد غاب عن هؤلاء الأقوياء ما في القرآن الكريم من تعقيب على هذه المقولة، قالت عاد:
﴿وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ﴾
[ سورة فصلت: 15 ]
لمجرد أن تقول: إنه ليس هناك من هو أقوى مني، سيريك الله جل جلاله أن قوتك لا شيء أمام قوته، لذلك هذه الآية:
﴿فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ﴾
[سورة الحشر: 2]
درس لنا، درس لكل مسلم على مستوى فردي، لا تقل: أنا متفوق، أنا متمكن، أنا عندي مال لا تأكله النيران، أنا مركزي قوي جداً في هذه الوظيفة، حينما تقول: أنا قوي تقع في مطب كبير، وقد يرتكب الذي يدعي هذه القوة حماقة ما بعدها حماقة، ويرتكب خطأ ما بعده خطأ، الحقيقة الله عز وجل أمرنا أن ننظر في أفعاله، أمرنا أن نتفكر في خلقه.
﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
[سورة آل عمران: 190-191]
وأمرنا أن ننظر في أفعاله.
﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾
[سورة الأنعام: 11]
الذين كذبوا بالوحي، وكذبوا بالدين، وآمنوا بالدنيا فقط، ونظروا بعين واحدة، وعينهم على الحياة الدنيا فقط، هؤلاء كيف أن الله يأتيهم من حيث لم يحتسبوا، وكيف أن الله يقذف في قلوبهم الرعب، القصص التي نسمعها عن انتشار الرعب والذعر في هذه البلاد العقل لا يصدقها، طائرة ضخمة جداً متوجهة من لوس أنجلوس إلى كندا فيها راكب يدخن، طلب منه أن يطفئ سيجارته فأبى، فخافوا منه، فرجعت الطائرة بعد أن أمضت ساعتين من الطيران، وحلقت إلى جانبها طائرتان عسكريتان خوفاً من أن تتجه إلى جهة، هاتف يأتي إلى مطار فرنسا أنه يوجد قنبلة، تغلق أبواب المطار تلغى الرحلات كلها، ساعتان تعطلت فيها حركة الطيران، والله أنا أستمع كل يوم إلى خبر لا يصدق يعيق حركة المطار عشر ساعات، راكب عنده دعابة جاءت المضيفة قال: هل يوجد إرهابي؟ قال: أنا إرهابي، وألغيت الرحلة وأخذوه إلى التحقيق ثلاث ساعات ! قال: أنا أمزح لا يوجد شيء من هذا.
فيا أيها الأخوة: أنا أريد أن أستفيد من هذا الذي وقع، يوجد آيات، والإنسان يقرأ الآيات فلا ينتبه إليها، إياك أن تقول: من أشد مني قوة؟ لا على مستوى جماعي، ولا على مستوى فردي، ولا على مستوى صاحب حرفة، لأنك تكون أول تاجر تصبح آخر تاجر، أنا أول مدرس تصبح آخر مدرس، أنا أول طبيب، يوجد طبيب تفوق تفوقاً يفوق حدّ الخيال، طبيب نسائي، و ذاع صيته، واعتز بعلمه، أثناء ولادة أراد أن يقطع المشيمة فقطع الرحم، وقطع الأمعاء، ولولا أنه أسعف هذه المريضة إلى مستشفى أخرى لسحبت منه شهادته، قائد فوج في الحج تفوق تفوقاً كبيراً فقدم له كتاب شكر، أذاع هذا الكتاب في الأوساط الدينية، في العام القادم كان فوجه أسوأ فوج! إياك أن تقول: أنا، الصحابة الكرام وفيهم رسول الله قالوا: لن نغلب من قوة فغلبوا في حنين.
﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ﴾
[سورة التوبة: 25]
من اعتمد على القوة وحدها فقد أخطأ الهدف :
إذاً أنا أيها الأخوة أدعوكم إلى التأمل فيما جرى لا في ضوء التحليلات التي تسمعونها، لأن الإعلام الغربي خطير جداً، ورد ذكره في القرآن الكريم، من يذكر الآية؟ الإعلام الغربي أخطر سلاح بيد الغرب قال تعالى:
﴿مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى﴾
[سورة غافر: 29]
على لسان فرعون، أنت لا تستمع إلى خبر إلا إذا كان مستهدفاً من قبلهم، حتى تتحطم معنويات المسلم، حتى يخاف، حتى يستسلم، حتى يقعد، أنت إعلامك قرآني، فأول شيء من اعتمد على القوة وحدها فقد أخطأ الهدف، يجب أن تعتمد على الله وأن تسعى أن تكون قوياً.
﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾
[ سورة الأنفال: 60 ]
أما هؤلاء الذين بلغوا ذروة النجاح في القوة فلأنهم اغتروا، إذاً قوتهم كانت سبب تدميرهم، لذلك الآن يطرح في الإعلام أن القوة وحدها لا تكفي لابد من أن يكون مع القوة حكمة، ولولا الحكمة مع القوة لكانت القوة مدمرة لصاحبها، أنا أرى أن درس بدر وحنين درسان خطيران في حياة المسلمين، لمجرد أن تقول: أنا، يتخلى الله عنك، لمجرد أن تقول: الله، يتولاك الله.
﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾
[سورة التوبة: 25]
وفي بدر:
﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾
[ سورة آل عمران: 123 ]
أول درس نستفيده أن القوة وحدها لا تكفي، وأنها قد تؤدي إلى الغرور ومع الغرور الحمق.
النبي عليه الصلاة والسلام بالحكمة التي منحها الله إياها حوّل أعداءه إلى أصدقاء، والإنسان من دون حكمة يحول أصدقائه إلى أعداء، وأنا هذا أعده مقياساً دقيقاً، إذا كنت متفوقاً في تحويل كل صديق إلى عدو فojأنت بعيد عن حكمة الله بعد الأرض عن السماء، وإذا كنت متفوقاً في تحويل العدو إلى صديق فأنت تملك حكمة لا تقدر بثمن.
لا ينفع حذر من قدر :
الشيء الثاني: أنه لا ينفع حذر من قدر، هكذا قال عليه الصلاة والسلام، مهما كنت محتاطاً، مهما غطيت كل الثغرات تغطية تامة، لا ينفع حذر من قدر، ولكن ينفع أن تستعين بالله، كلما أخذت احتياطات مشددة.
أنا أذكر قصة لا أنساها مضحكة: أخ عنده مزرعة دعا أصدقاءه إليها، فجاؤوا قبله، والمزرعة لها باب كبير وشامخ، وعليها قفل كبير وحائطان، أين يجلسون؟ صعدوا فوق الباب وتمزقت ثيابهم، والبطيخة انكسرت، فلما دخلوا إلى المزرعة لم يجدوا لها سوراً، وكان بالإمكان أن يدخلوها من طرف آخر مشياً، فنحن نفكر بهجوم بعيد جداً، درع صاروخي، أي صاروخ يأتينا قبل مئات الكيلو مترات يُفجر إلكترونياً، فالذي يعتد بقوته قد يؤتى من حيث لا يحتسب، هذا درس بليغ لنا، لا ينفع حذر من قدر ولكن ينفع الدعاء مما نزل ومما لم ينزل، الدرس الثاني إذاً القوة مدمرة من دون حكمة، المقولة التي سمعتها هناك كثيراً أثناء زياراتي أن القوة تصنع الحق.
على الإنسان ألا يتمتع بالحياة وحده :
أنا كنت أقول: الحق ما جاء به الوحيان ولكنه يحتاج إلى قوة، الآن يقال وأنا سمعت هذا بأذني أن القوة وحدها لا تكفي، لابد لها من حكمة، فإن لم يكن معها حكمة فهي قوة مدمرة، هذا درس لنا، لماذا أمرنا بدفع الزكاة؟ قال تعالى:
﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ ﴾
[ سورة التوبة: 103 ]
تطهرهم من ماذا؟ قال: تطهر الفقير من الحقد، والغني من الشح، أنت مستحيل أن تعيش وحدك، وأن تأكل وحدك، وأن ترتدي أجمل الثياب وحدك، أن تأتي لأولادك بكل ما لذّ وطاب، وأن تتغافل عمن حولك، الفقراء الجائعون المحتاجون، فإن لم تفعل غرست فيهم الحقد، وهذا الحقد سوف يصبح قوة مدمرة، ولا أبالغ إن ما تعانيه البشرية من هؤلاء المحرومين من دون إيمان عميق يمتلئون حقداً، فهناك ظلم عام، ألم يقل عليه الصلاة والسلام:
(( تُمْلَأُ الْأَرْضُ ظُلْمًا وَجَوْرًا ثُمَّ يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ عِتْرَتِي يَمْلِكُ سَبْعًا أَوْ تِسْعًا فَيَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا ))
[ أحمد عن أبي سعيد]
ألم يقل عليه الصلاة والسلام:
(( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ، وَلَا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ ))
[ مسلم عن أبي هريرة]
ألم يقل عليه الصلاة والسلام:
(( يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى ولا يستطيع أن يغير، إن تكلم قتلوه، وإن سكت استباحوه ))
[ابن ماجه وابن حبان والحاكم عن أبي ثعلبة الخشني ]
كم مأساة جرت في العالم ولم يعبأ بها الإعلام الغربي؟ هل تذكرون راوندا بإفريقيا ذبح خمسمئة ألف و لم يحركوا ساكناً، لكنهم أقاموا الدنيا ولم يقعدوها على ستة آلاف، بجنوب أفريقيا ذبح خمسمئة ألف في يومين، حتى أن مياه النيل أصبحت حمراء! في الصرب ذبح عشرة آلاف من المدنيين ودفنوا في مقابر جماعية، لو ذهبت إلى أن أعدد ما يجري في العالم من مآسي في هورشيما ونكزاكي قتل ثلاثمئة ألف بثلاث ثوان بقنبلتين ذريتين! أينما ذهبت تجد مذابح و حروباً... الحرب العالمية الثانية خمسون مليون قتيل، فهناك مآس كبيرة، هذا المظلوم لابد من أن يحقد، وإذا حقد لا يملك شيئاً يخاف عليه، هنا قوته.
قصة قديمة: أذكر مرة إنساناً عمل عملاً استشهادياً في الأرض المحتلة وقتل سبعة عشر إسرائيلياً، وكان قد رفض في ذلك الوقت وزير الدفاع ذكر اسمه، فلما دخل إلى المجلس النيابي عندهم ضجّ النواب و بدؤوا يقرعونه فقال كلمة بليغة: ماذا أفعل بإنسان جاء ليموت؟ القوة أين تكمن؟ أن هذا الذي تهدد أن تقتله هو جاء طواعية، هذا الذي جاء ليموت يهدد أكبر قوة في العالم.
فلذلك أيها الأخوة عندما قال سيدنا علي: كاد الفقر أن يكون كفراً، فأنت أيضاً أيها الأخ درس ثان لا تتمتع بالحياة وحدك، وزّع، أطعم من حولك، ألبس من حولك، لا تكن أنانياً، يجب أن يعيش هذا المجتمع برفاه ما بعده رفاه، الطائرة الخاصة شيء طبيعي جداً، اليخت الخاص طبيعي جداً، مستوى المعيشة يفوق حدّ الخيال، الرقم فلكي، تجد الرجل معه ملايين، كل فرد له سيارة، لا يوجد بيت فوق بيت بكل أمريكا! كله فلل، والمساحات الخضراء أضعاف مساحة البيوت، و المسابح المدفأة، والمركبات الفارهة، والأسعار الرخيصة، والحاجات الميسورة، إذا كان في الأرض جنة فهي هناك، لكنهم ليسوا إنسانيين، بل هم عنصريون، بمعنى أنهم يمتعون شعبهم فقط على حساب بقية الشعوب، فأنت حينما تأكل وحدك، وتسكن وحدك، وتتمتع بالحياة وحدك، هذا الطرف الآخر سوف يحقد، وليس عنده شيء يخاف عليه، سوف يغدو قنبلة لك، هذا بالعمق، طبعاً لا يعنينِي مَن فعل هذا قبل أن تأتي التحقيقات، لكن يوجد ظلم عام بالأرض.
العنف لا يعالج بالعنف بل يعالج بالعدل :
أخواننا الكرام: توجد مقولة دقيقة جداً والله سمعتها منذ عشرين سنة: بدأت الحرب بالإنسان وانتهت بالإنسان، ماذا يفعل سلاح نووي تملكه أعظم دولة أمام إنسان إذا أراد أن يموت فسبب مشكلة لا تنتهي؟ أنا لا يعنيني في هذا الدرس لا أسماء بلاد ولا أسماء شعوب ولا أسماء دول، يعنيني حقائق مطلقة، أنا كمسلم رأيت وسمعت حدثاً كبيراً بالعالم قد يكون أكبر حدث كان له أثر كبير، يعنيني كيف أفهم هذا الحدث من كتاب الله، لذلك الله عز وجل عادل، يعطي الإنسان قوة، ويعطي الضعيف قوة من نوع آخر.
من التعليقات اللطيفة أن وحيد القرن عندهم قال: أيعقل أن ألقِي صاروخاً بلغت كلفته مليوني دولار على خيمة بلغت كلفتها عشرة دولارات؟ قوة الضعيف لا شيء عنده يخاف عليه، كلها بيوت من اللبن والخيم لا يوجد هدف اضربوا كما شئتم، الضعيف عنده قوة، أحياناً قوته كامنة في ضعفه، توجد حكمة إلهية كبيرة جداً، والإنسان المتغطرس يخشى أن يأتي إليه تردد عشرة أيام، فلذلك بدأت الحرب بالإنسان وانتهت بالإنسان، فمقابل القوى العاتية الجبارة مقابل التفوق التكنولوجي في الأسلحة يوجد إنسان يحب أن يموت في سبيل الله.
أعتقد أن في عام تسعة وستين كان هناك كتاب للمرحلة الثانوية مقرر، كتاب مشهور اسمه معذبو الأرض، وكان هذا الكتاب لإنسان مفكّر إفريقي، محور الكتاب أن العنف لا يلد إلا العنف، وكل إنسان يتاح له أن يؤذي، قبل يومين دخل إنسان إلى البرلمان السويسري وقتل ستة عشر شخصاً، لم يقولوا عنه إرهابياً قالوا: عنده مشكلة نفسية! انحياز لا يحتمل، هذا يعني أن أي إنسان ممكن أن يؤذي، مهما تحصنت، قد يؤتى الإنسان من مأمنه، فلذلك الحياة تستقيم بالعدل، متى يزول العنف؟ إذا زال الظلم فقط، مهما تحصنت، وأخذت احتياطات مشددة، الله عز وجل قد يأتي إلى هذا المتغطرس من مأمنه، يؤتى الحذر من مأمنه.
أنا أقول دائماً أيها الأخوة: الطبيب الناجح إذا رأى ارتفاع حرارة من الخطأ الفادح أن يعطي المريض خافضات للحرارة فقط، يجب أن يبحث عن أصل الداء، أصل الداء يوجد التهاب، ما لم يعالج الالتهاب لن يشفى المريض، وأنا أقول لكم الآن: ما يجري في العالم لا يُزال بضربة انتقامية، العنف لا يُزال بعنف مثله، قتل الأبرياء لا يعالج بقتل أبرياء، بل إن قتل الأبرياء إذا كان علاجاً لقتل أبرياء سيوقع شرخاً في العالم لا حدود له، يجب أن تبحث عن سبب هذا العنف، سببه ظلم عام على مستوى الشعوب لا على مستوى الأفراد.
ازدواج المعايير مشكلة كبيرة جداً :
أيها الأخوة: هناك نقطة دقيقة جداً الإنسان لو لم يرتد ثياباً شكله لا يحتمل، الله عز وجل جملنا بالثياب، و الإنسان حينما يكيل بمكيالين لا يحتمل أبداً، لا يحتمل، لو أن الأب يعامل ابنته غير ما يعامل زوجة ابنه، البنت مغفور ذنبها، أما الكنه فتعامل بقسوة بالغة، فإنه يكيل بمكيالين، أحياناً إنسان يعامل ابنه يتمناه أن يكون طبيباً، يدفع له ملايين الليرات كدروس خاصة، لكن إذا عنده صانع يتيم وطلب منه الذهاب قبل ربع ساعة من نهاية الدوام ليلتحق بمدرسة ليلية لا يسمح له، لأنه بنظره عندما يتعلم يخرج عنه، وكل إنسان يكيل بمكيالين ساقط من عين الله بشكل عام، أنا كنت مرة بمحل تجاري فيه صانع وهناك ابن صاحب المحل، هذا المحل هو محل أقمشة، حمّل الصانع أول توب وثاني توب وثالث توب لم يعد يحتمل قال: لم أعد أستطع، قال له: أنت شاب، ابنه حمل توباً واحداً قال له: بابا انتبه لظهرك! كم هذا الموقف بشع! كل إنسان يكيل بمكيالين تحتقره وتلعنه، والدنيا كلها تلعنه، يذبح ثلاثمئة ألف بالشيشان يقولون: شأن داخلي، تصبح مشكلة بأندونيسيا يقولون: حقوق الإنسان، لماذا هنا حقوق إنسان وهنا شأن داخلي؟ يعتدي المعتدي نقول للمعتدى عليه: اضبط نفسك، والمعتدي ندعمه.
الحقيقة العالم كله يشكو من الكيل بمكيالين، يصير حدث بمنطقة تجد الدول كلها تجمعت، يصيب منطقة ثانية كثيراً من المآسي تحت التعتيم الإعلامي، فالطرف الشارد عن الله يكيل بمكيالين.
سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام قال:
((عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهَا أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا ))
[متفق عليه عن عائشة أم المؤمنين ]
لذلك أيها الأخوة: ازدواج المعايير مشكلة كبيرة جداً، نحن لا يعنينا الأمور الكبيرة، يعنينا أنت بحياتك اليومية في معاملتك لأصهارك وبناتك وأولادك لا تكيل بمكيالين، مكيال واحد، مقياس واحد، كلما كلت بمقياس واحد علوت في نظر الناس، وكلما كلت بمقياسين سقطت من عين الله.
وأقول لكم مرة ثانية وهذه والله قناعتي: قتل الأبرياء لا يقبله أحد لكن لا يعالج بقتل أبرياء، والعنف لا يعالج بالعنف، يعالج بالعدل.
التوحيد لا يلغي العدل و المسؤولية :
الفكرة الثالثة في هذا الدرس دقيقة جداً: الله عز وجل حينما يسمح لهذا الحدث أن يقع بصرف النظر عن مشروعية فاعله، هذا الذي تحدث عن السيدة عائشة ورماها بالزنى عمله مشروع؟ أجيبوني؟ لا، قال:
﴿وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾
[سورة النور: 11]
لكن لماذا سمح الله به؟ لحكمة كبيرة جداً فقال:
﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ﴾
[سورة النور: 11]
توجد آيتان، الآية الأولى:
﴿بَلْ هُوَ خَيْرٌ﴾
[سورة النور: 11]
توحيدياً، والآية الثانية:
﴿لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾
[سورة النور: 11]
عدلاً، معنى ذلك التوحيد لا يلغي العدل، الفكرة دقيقة، مريض جاء للإسعاف والطبيب يقرأ جريدة، وأمامه ممرضة يغازلها، الآن انتظر فمات المريض، إذا قال: المريض مات بأجله يعاقب عليها، هو مات بأجله، لكن التوحيد لا يلغي العدل والمسؤولية، لأن هذا الذي حدث حدث بمشيئة الله وسمح الله به، ليس معنى هذا أن الذين فعلوه مغطون، لا هذا موضوع ثان، سآتيكم بالأدلة، لكن حينما يسمح الله لمثل هذه الأحداث أن تقع الهدف هو الفرز، بهذا الحدث كشف كل شيء، كشف العالم.
العالم فريقان حق و باطل :
العالم فريقان: حق وباطل، في بدر كشف المؤمنون، بالخندق ماذا قال ضعاف الإيمان؟
﴿مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً ﴾
[سورة الأحزاب: 12]
ماذا فعل أقوياء الإيمان؟ قال:

﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ﴾
[سورة الأحزاب: 23]
هذا يعني أنه فرز، لذلك:
﴿إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً ﴾
[سورة الأحزاب:10-11]
بالخندق فرزوا، وبأحد فرزوا، وبحنين فرزوا، وبالهجرة فرزوا، ونحن نفرز كل يوم، حق وباطل، أحياناً جامعو الأموال قد يأخذون أموال هؤلاء بالباطل، فضعاف الإيمان يلجؤون للبنوك، ما جرى في هذا البلد من خطأ جسيم من قبل جامعي الأموال كان فرزاً للناس، ضعيف الإيمان قال: البنك أفضل لنا لأنه آمن ولم يعبأ بتحريم الله له، فأنا أرى أنه ما من حدث يقع إلا وفيه فرز للمؤمنين، وهذا فيه فرز، نحن جميعنا مؤمنون والحمد لله، رواد المساجد كثر، صار الإنسان الذي يخاف مما سوى الله مشرك، و الذي خاف من الله وحده مؤمن، قال:
﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ﴾
[سورة آل عمران: 175]
هذا فرز، من يخاف من الله وحده هذا المؤمن الموحد، من يخاف مما سوى الله، من هذه القوى الجبارة، هذا مشرك.
﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾
[سورة آل عمران: 173]
﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
[سورة آل عمران: 175]
في الفكرة الثانية موضوع الفرز، مثل هذه الأحداث الكبرى سمح بها من أجل أن يفرز الناس إلى فريقين، دققوا في هذه الآية هذه قالتها عاد الثانية.
﴿وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾
[ سورة فصلت: 15 ]
ماذا ردّ الله عليهم؟ قال:
﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾
[ سورة فصلت: 15 ]
وهذه الآية تنطبق انطباقاً تاماً على ما جرى، الإمام الشافعي له كلمة رائعة قال: " أنا على حق وخصمي على باطل وقد يكون محقاً" احتمال أي إنسان يتوهم أن الحق معه دائماً وكل من سواه على باطل، هذا إنسان أحمق، أصغ للآخرين، قرأت من يومين كلمة أعجبتني: إن أردت أن تعزل إنساناً عزلاً تاماً حتى يختل توازنه توجد طريقتان أن تضعه في المنفردة هذه واضحة، والطريقة الثانية: أن تحيطه بالمنافقين، كلما قال كلمة صدقوه، هذا عزلته عزلاً كاملاً، نوع من أنواع العزل، كل من حولك منافق، كلما قلت كلمة صدقوك لمصلحة يريدونها منك، فهذا عزل عن الحقيقة، لذلك عود نفسك أن تستمع للنقد الجارح، عود نفسك أن تقبل النقد وتدرس النقد، عود نفسك أن تكون جريئاً وتتفهم الحقيقة المرة، فكل إنسان لا يسمع إلا ما يحلو له، إنسان معزول منتهٍ.
طبعاً أنا مضطر أن أروي هذه الطرفة لأنها تحل مشكلة كبيرة: العالم الجليل الشيخ نور الدين الحسني معروف، كان مع إخوانه في نزهة في الغوطة والبستان مسقي فيه طين، جاء إنسان بعيد عن كل أنواع اللباقة راكب بغلاً، يسير سيراً يرمي بالطين على طرفي الطريق، والشيخ يمشي مع إخوانه وهو من كبار شيوخ الشام، فنبهوه انتبه انتبه لكن اتسخت ملابسه من الأعلى إلى الأسفل، فقام أخ فقتله حتى كاد أن يميته، سأله الشيخ: هل هذا صحيح ؟ ليس مغطى شرعاً ! قال: ما أفلح قوم لا سفيه لهم.
الابتعاد عن إحراج المسلمين :
لكن آخر فكرة في هذا الدرس وهي من أهم أفكاره قوله تعالى:
﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾
[سورة الممتحنة: 5]
الآية واسعة جداً، لو فرضنا دائرة أو مؤسسة فيها مسلم وغير مسلم، المسلم كذب، عمل تصريحاً كاذباً، أو لم يتقن عمله، أو أهمل عمله، والكافر كان منضبطاً، ماذا فعل المسلم بهذا الكافر؟ أوهمه أنه على حق، وأن كفره هو الحق، وأن هذا الذي فعله المسلم ينطلق من إسلامه، فحينما تجعل كافراً يتشبث بكفره، ويعتز به، ويرتضيه، ويتوهم أنه هو الأصل، وأن هذا الدين الذي فعله المسلم دين باطل، يكون الكافر تشبث بكفره بسبب خطأ المسلم، هذا الموضوع ليس له علاقة بما يجري، له علاقة بأعمالنا اليومية، أتقن عملك، فإذا كان هناك إنسان غير مسلم ورآك لا تتقن عملك يعزو عدم الإتقان إلى دينك لا إلى ذاتك، إذا أديت تصريحاً كاذباً وأنت مسلم ووقع هذا التصريح بيد إنسان غير مسلم يعزو كذبك إلى إسلامك، فأنت جهدك الكبير ألا تسبب حرجاً للمسلمين، وألا تسبب حرجاً لهذا الدين العظيم، وهذا الدعاء الشهير القرآني:
﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾
[سورة الممتحنة: 5]
لكلّ شيء حقيقة :
أيها الأخوة: آخر شيء أقوله في هذا الدرس: لكل شيء حقيقة، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن لكل واقع حكمة، بصرف النظر عن الموقع كان حكيماً أو لم يكن حكيماً، والحكمة التي تستنبط من كل واقع متعلقة بالخير المطلق، والله عز وجل يوظف الشر النسبي إلى الخير المطلق، ونحن نرجو الله سبحانه وتعالى من أعماق قلوبنا أن يحفظ لنا بلادنا، ويحفظ لنا من معنا، وأولادنا، وذرياتنا، وأن يحفظ بلاد المسلمين جميعاً من كل سوء، وأن يتولى الله سبحانه وتعالى الدفاع عنا كما وعدنا، إن الله يدافع عن الذين آمنوا، لكن كما قلت: هذا اسمه حادث فرز، الهجرة فرز، الخندق فرز، حنين فرز، أحد فرز، وكل حدث كبير هو فرز بالحقيقة، والله عز وجل يلهمنا الصواب، والفهم الصحيح، نحن هنا في بيت من بيوت الله، ولا ينبغي أن يلقى فيه إلا ما جاء في الوحيين من الكتاب والسنة، والحمد لله رب العالمين.
أسئلة و أجوبة :
س : يقول أخ: ما قولك بالمثل الذي لا يخاف من الله خف منه ؟
ج: لا شيء فيه، إذا إنسان لا يخاف من الله هذا يعني أنه شرير فخذ حذرك منه.
س: أخ يقول: أنا شاب غافل عن الله، وأشكو مرض البعد عن الله، فأرجو منك نصيحة تغيرني إلى شاب من أهل الله، وقد كنت بعثت لك عدة أوراق أسألك فيها وأنت لا تجيبني، فأرجو الإجابة.
ج: بالدين لا يوجد شيء أن تقول كلمتين فتصبح لله، تحتاج إلى إرادة قوية، وإلى متابعة، وإلى التزام، لكن لا يوجد عندنا دواء سحري أن يكون الإنسان غافلاً شارداً مشتتاً يقول هذا الدعاء فيصبح ولياً، لا يوجد عندنا كهذا الشيء أبداً، عندنا من يبحث عن الحقيقة فيحضر دروس العلم، يستمع بوعي إلى ما قيل فيها، يطبقها، النبي الكريم كان يقول إذا دخل إلى المسجد: "اللهم افتح لي أبواب رحمتك"، فإذا خرج منه يقول: "اللهم افتح لي أبواب فضلك"، جاء إلى بيت الله وتلقى التعليمات من الوحيين الكتاب والسنة وخرج من بيت الله ليعمل بما سمع، فلما الإنسان يؤدي الصلوات أداء متقناً، ويغض بصره عن محارم الله، ويغض أذنه عن الغناء، ويضبط لسانه عن كل غيبة ونميمة، وعن كل كلام فاحش، ويؤدي الحقوق، ويكسب المال الحلال، دون أن يشعر يجد نفسه مع الله، شيء سهل جداً، الله عز وجل قريب:
﴿إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾
[سورة الأعراف: 56]
استقم على أمر الله، وأحسن إلى خلقه، تجد نفسك مع الله.
﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾
[سورة الكهف: 110]
والحمد لله رب العالمين

belamriabdelaziz
2014-07-27, 09:31
موضوعات إسلامية - موضوعات متفرقة - المحاضرة 040: الدروس المستفادة من الأحداث الجارية في العالم .
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2001-09-30
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
لله في خلقه آيات ثلاث :
أيها الأخوة المؤمنون: إن لله في خلقه آيات ثلاث: له آيات كونية هي خلقه، وهذه ثابتة واضحة، السير في التفكر في آيات الله الكونية آمن وثابت، ولا مشكلة أبداً، وتفكروا في مخلوقات الله ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا.
وإن لله في خلقه آيات تكوينية، أي أفعاله، زلزال، صواعق، براكين، حروب أهلية، اجتياح، تدمير، حروب، هذه أفعاله.
وله في خلقه آيات قرآنية: كلامه، أمر واضح كالشمس، خلقه وأفعاله وكلامه. تفكروا في خلقه ما شئتم، الطريق سالك وآمن إلى الله، ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا، لكن الله جل جلاله أمرنا أن ننظر في أفعاله، ننظر في أفعاله في ضوء أقواله.
الحقيقة التفكر في أفعال الله من دون أن تستنير بأقواله طريق فيه ألغام كثيرة، تجد شعوباً كثيرة مقهورة مضطهدة جاهلة، وشعوب غارقة في الآثام والمعاصي والإباحية وكل أنواع الفجور وهي قوية ومستعلية، إن نظرت إلى أفعاله من دون أن تهتدي بأقواله هناك مطب كبير جداً، النظر في خلقه من دون قيد أو شرط، لكن النظر في أفعاله يحتاج إلى أن تستنير بأقواله، تنظر إلى أفعاله من خلال أقواله، ولأن المسلم يعيش كغيره من الناس، هناك أحداث - طبعاً هذا هو الدرس الثالث الذي لم أستطع أن أنفك فيه عن الموضوع الساخن الذي حولنا، هذا الموضوع موضوع مصيري- قد يأتي قصف يدمر بلداً مسلماً بأكمله، وهناك بلاد إسلامية عديدة جداً معرضون للقصف ومستهدفون، لذلك حتى في هذا الدرس الثالث لم أستطع أن أنفك عن هذا الحدث الضخم الذي ألمّ بالعالم كله، لكن كما أقول دائماً: هناك ألف منبر إعلامي، صحيفة، مجلة، محطة فضائية.... القائمون على هذه المنابر لهم أن يقولوا ما شاؤوا، ولكنك إذا دخلت إلى بيت من بيوت الله لا يمكن إلا أن تستمع إلى ما في الكتاب والسنة من تفسير لما يجري، هنا مقيدون بمنهج، هنا مقيدون بحكم شرعي، هنا مقيدون بالوحيين الكتاب والسنة، هنا لا نستطيع أن نقول كلمة إلا وفق الكتاب والسنة، لكن لأن هذا الحدث ساخن جداً ولا يعفى أحد من التأثر به، عدو أو صديق، ولأن مستقبله خطير جداً، لابد من أن نبقى بهذا الحدث والموضوع الساخن .
التّولي و التّخلي :
أيها الأخوة: الإنسان من دون وحي - وأنا أقول هذا مراراً - كالذي يملك عيناً حادة البصر من دون نور، حكمه حكم الأعمى، والعقل البشري من دون وحي يدمر صاحبه، أول وهم كبير تلاشى أن القوة هي كل شيء، وأن القوة هي التي تصنع الحق عند هؤلاء، وأنه ما من حصن لك كأن تكون قوياً، وقد غاب عن هؤلاء الأقوياء ما في القرآن الكريم من تعقيب على هذه المقولة، قالت عاد:
﴿وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ﴾
[ سورة فصلت: 15 ]
لمجرد أن تقول: إنه ليس هناك من هو أقوى مني، سيريك الله جل جلاله أن قوتك لا شيء أمام قوته، لذلك هذه الآية:
﴿فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ﴾
[سورة الحشر: 2]
درس لنا، درس لكل مسلم على مستوى فردي، لا تقل: أنا متفوق، أنا متمكن، أنا عندي مال لا تأكله النيران، أنا مركزي قوي جداً في هذه الوظيفة، حينما تقول: أنا قوي تقع في مطب كبير، وقد يرتكب الذي يدعي هذه القوة حماقة ما بعدها حماقة، ويرتكب خطأ ما بعده خطأ، الحقيقة الله عز وجل أمرنا أن ننظر في أفعاله، أمرنا أن نتفكر في خلقه.
﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
[سورة آل عمران: 190-191]
وأمرنا أن ننظر في أفعاله.
﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾
[سورة الأنعام: 11]
الذين كذبوا بالوحي، وكذبوا بالدين، وآمنوا بالدنيا فقط، ونظروا بعين واحدة، وعينهم على الحياة الدنيا فقط، هؤلاء كيف أن الله يأتيهم من حيث لم يحتسبوا، وكيف أن الله يقذف في قلوبهم الرعب، القصص التي نسمعها عن انتشار الرعب والذعر في هذه البلاد العقل لا يصدقها، طائرة ضخمة جداً متوجهة من لوس أنجلوس إلى كندا فيها راكب يدخن، طلب منه أن يطفئ سيجارته فأبى، فخافوا منه، فرجعت الطائرة بعد أن أمضت ساعتين من الطيران، وحلقت إلى جانبها طائرتان عسكريتان خوفاً من أن تتجه إلى جهة، هاتف يأتي إلى مطار فرنسا أنه يوجد قنبلة، تغلق أبواب المطار تلغى الرحلات كلها، ساعتان تعطلت فيها حركة الطيران، والله أنا أستمع كل يوم إلى خبر لا يصدق يعيق حركة المطار عشر ساعات، راكب عنده دعابة جاءت المضيفة قال: هل يوجد إرهابي؟ قال: أنا إرهابي، وألغيت الرحلة وأخذوه إلى التحقيق ثلاث ساعات ! قال: أنا أمزح لا يوجد شيء من هذا.
فيا أيها الأخوة: أنا أريد أن أستفيد من هذا الذي وقع، يوجد آيات، والإنسان يقرأ الآيات فلا ينتبه إليها، إياك أن تقول: من أشد مني قوة؟ لا على مستوى جماعي، ولا على مستوى فردي، ولا على مستوى صاحب حرفة، لأنك تكون أول تاجر تصبح آخر تاجر، أنا أول مدرس تصبح آخر مدرس، أنا أول طبيب، يوجد طبيب تفوق تفوقاً يفوق حدّ الخيال، طبيب نسائي، و ذاع صيته، واعتز بعلمه، أثناء ولادة أراد أن يقطع المشيمة فقطع الرحم، وقطع الأمعاء، ولولا أنه أسعف هذه المريضة إلى مستشفى أخرى لسحبت منه شهادته، قائد فوج في الحج تفوق تفوقاً كبيراً فقدم له كتاب شكر، أذاع هذا الكتاب في الأوساط الدينية، في العام القادم كان فوجه أسوأ فوج! إياك أن تقول: أنا، الصحابة الكرام وفيهم رسول الله قالوا: لن نغلب من قوة فغلبوا في حنين.
﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ﴾
[سورة التوبة: 25]
من اعتمد على القوة وحدها فقد أخطأ الهدف :
إذاً أنا أيها الأخوة أدعوكم إلى التأمل فيما جرى لا في ضوء التحليلات التي تسمعونها، لأن الإعلام الغربي خطير جداً، ورد ذكره في القرآن الكريم، من يذكر الآية؟ الإعلام الغربي أخطر سلاح بيد الغرب قال تعالى:
﴿مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى﴾
[سورة غافر: 29]
على لسان فرعون، أنت لا تستمع إلى خبر إلا إذا كان مستهدفاً من قبلهم، حتى تتحطم معنويات المسلم، حتى يخاف، حتى يستسلم، حتى يقعد، أنت إعلامك قرآني، فأول شيء من اعتمد على القوة وحدها فقد أخطأ الهدف، يجب أن تعتمد على الله وأن تسعى أن تكون قوياً.
﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾
[ سورة الأنفال: 60 ]
أما هؤلاء الذين بلغوا ذروة النجاح في القوة فلأنهم اغتروا، إذاً قوتهم كانت سبب تدميرهم، لذلك الآن يطرح في الإعلام أن القوة وحدها لا تكفي لابد من أن يكون مع القوة حكمة، ولولا الحكمة مع القوة لكانت القوة مدمرة لصاحبها، أنا أرى أن درس بدر وحنين درسان خطيران في حياة المسلمين، لمجرد أن تقول: أنا، يتخلى الله عنك، لمجرد أن تقول: الله، يتولاك الله.
﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾
[سورة التوبة: 25]
وفي بدر:
﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾
[ سورة آل عمران: 123 ]
أول درس نستفيده أن القوة وحدها لا تكفي، وأنها قد تؤدي إلى الغرور ومع الغرور الحمق.
النبي عليه الصلاة والسلام بالحكمة التي منحها الله إياها حوّل أعداءه إلى أصدقاء، والإنسان من دون حكمة يحول أصدقائه إلى أعداء، وأنا هذا أعده مقياساً دقيقاً، إذا كنت متفوقاً في تحويل كل صديق إلى عدو فojأنت بعيد عن حكمة الله بعد الأرض عن السماء، وإذا كنت متفوقاً في تحويل العدو إلى صديق فأنت تملك حكمة لا تقدر بثمن.
لا ينفع حذر من قدر :
الشيء الثاني: أنه لا ينفع حذر من قدر، هكذا قال عليه الصلاة والسلام، مهما كنت محتاطاً، مهما غطيت كل الثغرات تغطية تامة، لا ينفع حذر من قدر، ولكن ينفع أن تستعين بالله، كلما أخذت احتياطات مشددة.
أنا أذكر قصة لا أنساها مضحكة: أخ عنده مزرعة دعا أصدقاءه إليها، فجاؤوا قبله، والمزرعة لها باب كبير وشامخ، وعليها قفل كبير وحائطان، أين يجلسون؟ صعدوا فوق الباب وتمزقت ثيابهم، والبطيخة انكسرت، فلما دخلوا إلى المزرعة لم يجدوا لها سوراً، وكان بالإمكان أن يدخلوها من طرف آخر مشياً، فنحن نفكر بهجوم بعيد جداً، درع صاروخي، أي صاروخ يأتينا قبل مئات الكيلو مترات يُفجر إلكترونياً، فالذي يعتد بقوته قد يؤتى من حيث لا يحتسب، هذا درس بليغ لنا، لا ينفع حذر من قدر ولكن ينفع الدعاء مما نزل ومما لم ينزل، الدرس الثاني إذاً القوة مدمرة من دون حكمة، المقولة التي سمعتها هناك كثيراً أثناء زياراتي أن القوة تصنع الحق.
على الإنسان ألا يتمتع بالحياة وحده :
أنا كنت أقول: الحق ما جاء به الوحيان ولكنه يحتاج إلى قوة، الآن يقال وأنا سمعت هذا بأذني أن القوة وحدها لا تكفي، لابد لها من حكمة، فإن لم يكن معها حكمة فهي قوة مدمرة، هذا درس لنا، لماذا أمرنا بدفع الزكاة؟ قال تعالى:
﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ ﴾
[ سورة التوبة: 103 ]
تطهرهم من ماذا؟ قال: تطهر الفقير من الحقد، والغني من الشح، أنت مستحيل أن تعيش وحدك، وأن تأكل وحدك، وأن ترتدي أجمل الثياب وحدك، أن تأتي لأولادك بكل ما لذّ وطاب، وأن تتغافل عمن حولك، الفقراء الجائعون المحتاجون، فإن لم تفعل غرست فيهم الحقد، وهذا الحقد سوف يصبح قوة مدمرة، ولا أبالغ إن ما تعانيه البشرية من هؤلاء المحرومين من دون إيمان عميق يمتلئون حقداً، فهناك ظلم عام، ألم يقل عليه الصلاة والسلام:
(( تُمْلَأُ الْأَرْضُ ظُلْمًا وَجَوْرًا ثُمَّ يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ عِتْرَتِي يَمْلِكُ سَبْعًا أَوْ تِسْعًا فَيَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا ))
[ أحمد عن أبي سعيد]
ألم يقل عليه الصلاة والسلام:
(( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ، وَلَا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ ))
[ مسلم عن أبي هريرة]
ألم يقل عليه الصلاة والسلام:
(( يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى ولا يستطيع أن يغير، إن تكلم قتلوه، وإن سكت استباحوه ))
[ابن ماجه وابن حبان والحاكم عن أبي ثعلبة الخشني ]
كم مأساة جرت في العالم ولم يعبأ بها الإعلام الغربي؟ هل تذكرون راوندا بإفريقيا ذبح خمسمئة ألف و لم يحركوا ساكناً، لكنهم أقاموا الدنيا ولم يقعدوها على ستة آلاف، بجنوب أفريقيا ذبح خمسمئة ألف في يومين، حتى أن مياه النيل أصبحت حمراء! في الصرب ذبح عشرة آلاف من المدنيين ودفنوا في مقابر جماعية، لو ذهبت إلى أن أعدد ما يجري في العالم من مآسي في هورشيما ونكزاكي قتل ثلاثمئة ألف بثلاث ثوان بقنبلتين ذريتين! أينما ذهبت تجد مذابح و حروباً... الحرب العالمية الثانية خمسون مليون قتيل، فهناك مآس كبيرة، هذا المظلوم لابد من أن يحقد، وإذا حقد لا يملك شيئاً يخاف عليه، هنا قوته.
قصة قديمة: أذكر مرة إنساناً عمل عملاً استشهادياً في الأرض المحتلة وقتل سبعة عشر إسرائيلياً، وكان قد رفض في ذلك الوقت وزير الدفاع ذكر اسمه، فلما دخل إلى المجلس النيابي عندهم ضجّ النواب و بدؤوا يقرعونه فقال كلمة بليغة: ماذا أفعل بإنسان جاء ليموت؟ القوة أين تكمن؟ أن هذا الذي تهدد أن تقتله هو جاء طواعية، هذا الذي جاء ليموت يهدد أكبر قوة في العالم.
فلذلك أيها الأخوة عندما قال سيدنا علي: كاد الفقر أن يكون كفراً، فأنت أيضاً أيها الأخ درس ثان لا تتمتع بالحياة وحدك، وزّع، أطعم من حولك، ألبس من حولك، لا تكن أنانياً، يجب أن يعيش هذا المجتمع برفاه ما بعده رفاه، الطائرة الخاصة شيء طبيعي جداً، اليخت الخاص طبيعي جداً، مستوى المعيشة يفوق حدّ الخيال، الرقم فلكي، تجد الرجل معه ملايين، كل فرد له سيارة، لا يوجد بيت فوق بيت بكل أمريكا! كله فلل، والمساحات الخضراء أضعاف مساحة البيوت، و المسابح المدفأة، والمركبات الفارهة، والأسعار الرخيصة، والحاجات الميسورة، إذا كان في الأرض جنة فهي هناك، لكنهم ليسوا إنسانيين، بل هم عنصريون، بمعنى أنهم يمتعون شعبهم فقط على حساب بقية الشعوب، فأنت حينما تأكل وحدك، وتسكن وحدك، وتتمتع بالحياة وحدك، هذا الطرف الآخر سوف يحقد، وليس عنده شيء يخاف عليه، سوف يغدو قنبلة لك، هذا بالعمق، طبعاً لا يعنينِي مَن فعل هذا قبل أن تأتي التحقيقات، لكن يوجد ظلم عام بالأرض.
العنف لا يعالج بالعنف بل يعالج بالعدل :
أخواننا الكرام: توجد مقولة دقيقة جداً والله سمعتها منذ عشرين سنة: بدأت الحرب بالإنسان وانتهت بالإنسان، ماذا يفعل سلاح نووي تملكه أعظم دولة أمام إنسان إذا أراد أن يموت فسبب مشكلة لا تنتهي؟ أنا لا يعنيني في هذا الدرس لا أسماء بلاد ولا أسماء شعوب ولا أسماء دول، يعنيني حقائق مطلقة، أنا كمسلم رأيت وسمعت حدثاً كبيراً بالعالم قد يكون أكبر حدث كان له أثر كبير، يعنيني كيف أفهم هذا الحدث من كتاب الله، لذلك الله عز وجل عادل، يعطي الإنسان قوة، ويعطي الضعيف قوة من نوع آخر.
من التعليقات اللطيفة أن وحيد القرن عندهم قال: أيعقل أن ألقِي صاروخاً بلغت كلفته مليوني دولار على خيمة بلغت كلفتها عشرة دولارات؟ قوة الضعيف لا شيء عنده يخاف عليه، كلها بيوت من اللبن والخيم لا يوجد هدف اضربوا كما شئتم، الضعيف عنده قوة، أحياناً قوته كامنة في ضعفه، توجد حكمة إلهية كبيرة جداً، والإنسان المتغطرس يخشى أن يأتي إليه تردد عشرة أيام، فلذلك بدأت الحرب بالإنسان وانتهت بالإنسان، فمقابل القوى العاتية الجبارة مقابل التفوق التكنولوجي في الأسلحة يوجد إنسان يحب أن يموت في سبيل الله.
أعتقد أن في عام تسعة وستين كان هناك كتاب للمرحلة الثانوية مقرر، كتاب مشهور اسمه معذبو الأرض، وكان هذا الكتاب لإنسان مفكّر إفريقي، محور الكتاب أن العنف لا يلد إلا العنف، وكل إنسان يتاح له أن يؤذي، قبل يومين دخل إنسان إلى البرلمان السويسري وقتل ستة عشر شخصاً، لم يقولوا عنه إرهابياً قالوا: عنده مشكلة نفسية! انحياز لا يحتمل، هذا يعني أن أي إنسان ممكن أن يؤذي، مهما تحصنت، قد يؤتى الإنسان من مأمنه، فلذلك الحياة تستقيم بالعدل، متى يزول العنف؟ إذا زال الظلم فقط، مهما تحصنت، وأخذت احتياطات مشددة، الله عز وجل قد يأتي إلى هذا المتغطرس من مأمنه، يؤتى الحذر من مأمنه.
أنا أقول دائماً أيها الأخوة: الطبيب الناجح إذا رأى ارتفاع حرارة من الخطأ الفادح أن يعطي المريض خافضات للحرارة فقط، يجب أن يبحث عن أصل الداء، أصل الداء يوجد التهاب، ما لم يعالج الالتهاب لن يشفى المريض، وأنا أقول لكم الآن: ما يجري في العالم لا يُزال بضربة انتقامية، العنف لا يُزال بعنف مثله، قتل الأبرياء لا يعالج بقتل أبرياء، بل إن قتل الأبرياء إذا كان علاجاً لقتل أبرياء سيوقع شرخاً في العالم لا حدود له، يجب أن تبحث عن سبب هذا العنف، سببه ظلم عام على مستوى الشعوب لا على مستوى الأفراد.
ازدواج المعايير مشكلة كبيرة جداً :
أيها الأخوة: هناك نقطة دقيقة جداً الإنسان لو لم يرتد ثياباً شكله لا يحتمل، الله عز وجل جملنا بالثياب، و الإنسان حينما يكيل بمكيالين لا يحتمل أبداً، لا يحتمل، لو أن الأب يعامل ابنته غير ما يعامل زوجة ابنه، البنت مغفور ذنبها، أما الكنه فتعامل بقسوة بالغة، فإنه يكيل بمكيالين، أحياناً إنسان يعامل ابنه يتمناه أن يكون طبيباً، يدفع له ملايين الليرات كدروس خاصة، لكن إذا عنده صانع يتيم وطلب منه الذهاب قبل ربع ساعة من نهاية الدوام ليلتحق بمدرسة ليلية لا يسمح له، لأنه بنظره عندما يتعلم يخرج عنه، وكل إنسان يكيل بمكيالين ساقط من عين الله بشكل عام، أنا كنت مرة بمحل تجاري فيه صانع وهناك ابن صاحب المحل، هذا المحل هو محل أقمشة، حمّل الصانع أول توب وثاني توب وثالث توب لم يعد يحتمل قال: لم أعد أستطع، قال له: أنت شاب، ابنه حمل توباً واحداً قال له: بابا انتبه لظهرك! كم هذا الموقف بشع! كل إنسان يكيل بمكيالين تحتقره وتلعنه، والدنيا كلها تلعنه، يذبح ثلاثمئة ألف بالشيشان يقولون: شأن داخلي، تصبح مشكلة بأندونيسيا يقولون: حقوق الإنسان، لماذا هنا حقوق إنسان وهنا شأن داخلي؟ يعتدي المعتدي نقول للمعتدى عليه: اضبط نفسك، والمعتدي ندعمه.
الحقيقة العالم كله يشكو من الكيل بمكيالين، يصير حدث بمنطقة تجد الدول كلها تجمعت، يصيب منطقة ثانية كثيراً من المآسي تحت التعتيم الإعلامي، فالطرف الشارد عن الله يكيل بمكيالين.
سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام قال:
((عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهَا أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا ))
[متفق عليه عن عائشة أم المؤمنين ]
لذلك أيها الأخوة: ازدواج المعايير مشكلة كبيرة جداً، نحن لا يعنينا الأمور الكبيرة، يعنينا أنت بحياتك اليومية في معاملتك لأصهارك وبناتك وأولادك لا تكيل بمكيالين، مكيال واحد، مقياس واحد، كلما كلت بمقياس واحد علوت في نظر الناس، وكلما كلت بمقياسين سقطت من عين الله.
وأقول لكم مرة ثانية وهذه والله قناعتي: قتل الأبرياء لا يقبله أحد لكن لا يعالج بقتل أبرياء، والعنف لا يعالج بالعنف، يعالج بالعدل.
التوحيد لا يلغي العدل و المسؤولية :
الفكرة الثالثة في هذا الدرس دقيقة جداً: الله عز وجل حينما يسمح لهذا الحدث أن يقع بصرف النظر عن مشروعية فاعله، هذا الذي تحدث عن السيدة عائشة ورماها بالزنى عمله مشروع؟ أجيبوني؟ لا، قال:
﴿وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾
[سورة النور: 11]
لكن لماذا سمح الله به؟ لحكمة كبيرة جداً فقال:
﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ﴾
[سورة النور: 11]
توجد آيتان، الآية الأولى:
﴿بَلْ هُوَ خَيْرٌ﴾
[سورة النور: 11]
توحيدياً، والآية الثانية:
﴿لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾
[سورة النور: 11]
عدلاً، معنى ذلك التوحيد لا يلغي العدل، الفكرة دقيقة، مريض جاء للإسعاف والطبيب يقرأ جريدة، وأمامه ممرضة يغازلها، الآن انتظر فمات المريض، إذا قال: المريض مات بأجله يعاقب عليها، هو مات بأجله، لكن التوحيد لا يلغي العدل والمسؤولية، لأن هذا الذي حدث حدث بمشيئة الله وسمح الله به، ليس معنى هذا أن الذين فعلوه مغطون، لا هذا موضوع ثان، سآتيكم بالأدلة، لكن حينما يسمح الله لمثل هذه الأحداث أن تقع الهدف هو الفرز، بهذا الحدث كشف كل شيء، كشف العالم.
العالم فريقان حق و باطل :
العالم فريقان: حق وباطل، في بدر كشف المؤمنون، بالخندق ماذا قال ضعاف الإيمان؟
﴿مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً ﴾
[سورة الأحزاب: 12]
ماذا فعل أقوياء الإيمان؟ قال:

﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ﴾
[سورة الأحزاب: 23]
هذا يعني أنه فرز، لذلك:
﴿إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً ﴾
[سورة الأحزاب:10-11]
بالخندق فرزوا، وبأحد فرزوا، وبحنين فرزوا، وبالهجرة فرزوا، ونحن نفرز كل يوم، حق وباطل، أحياناً جامعو الأموال قد يأخذون أموال هؤلاء بالباطل، فضعاف الإيمان يلجؤون للبنوك، ما جرى في هذا البلد من خطأ جسيم من قبل جامعي الأموال كان فرزاً للناس، ضعيف الإيمان قال: البنك أفضل لنا لأنه آمن ولم يعبأ بتحريم الله له، فأنا أرى أنه ما من حدث يقع إلا وفيه فرز للمؤمنين، وهذا فيه فرز، نحن جميعنا مؤمنون والحمد لله، رواد المساجد كثر، صار الإنسان الذي يخاف مما سوى الله مشرك، و الذي خاف من الله وحده مؤمن، قال:
﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ﴾
[سورة آل عمران: 175]
هذا فرز، من يخاف من الله وحده هذا المؤمن الموحد، من يخاف مما سوى الله، من هذه القوى الجبارة، هذا مشرك.
﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾
[سورة آل عمران: 173]
﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
[سورة آل عمران: 175]
في الفكرة الثانية موضوع الفرز، مثل هذه الأحداث الكبرى سمح بها من أجل أن يفرز الناس إلى فريقين، دققوا في هذه الآية هذه قالتها عاد الثانية.
﴿وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾
[ سورة فصلت: 15 ]
ماذا ردّ الله عليهم؟ قال:
﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾
[ سورة فصلت: 15 ]
وهذه الآية تنطبق انطباقاً تاماً على ما جرى، الإمام الشافعي له كلمة رائعة قال: " أنا على حق وخصمي على باطل وقد يكون محقاً" احتمال أي إنسان يتوهم أن الحق معه دائماً وكل من سواه على باطل، هذا إنسان أحمق، أصغ للآخرين، قرأت من يومين كلمة أعجبتني: إن أردت أن تعزل إنساناً عزلاً تاماً حتى يختل توازنه توجد طريقتان أن تضعه في المنفردة هذه واضحة، والطريقة الثانية: أن تحيطه بالمنافقين، كلما قال كلمة صدقوه، هذا عزلته عزلاً كاملاً، نوع من أنواع العزل، كل من حولك منافق، كلما قلت كلمة صدقوك لمصلحة يريدونها منك، فهذا عزل عن الحقيقة، لذلك عود نفسك أن تستمع للنقد الجارح، عود نفسك أن تقبل النقد وتدرس النقد، عود نفسك أن تكون جريئاً وتتفهم الحقيقة المرة، فكل إنسان لا يسمع إلا ما يحلو له، إنسان معزول منتهٍ.
طبعاً أنا مضطر أن أروي هذه الطرفة لأنها تحل مشكلة كبيرة: العالم الجليل الشيخ نور الدين الحسني معروف، كان مع إخوانه في نزهة في الغوطة والبستان مسقي فيه طين، جاء إنسان بعيد عن كل أنواع اللباقة راكب بغلاً، يسير سيراً يرمي بالطين على طرفي الطريق، والشيخ يمشي مع إخوانه وهو من كبار شيوخ الشام، فنبهوه انتبه انتبه لكن اتسخت ملابسه من الأعلى إلى الأسفل، فقام أخ فقتله حتى كاد أن يميته، سأله الشيخ: هل هذا صحيح ؟ ليس مغطى شرعاً ! قال: ما أفلح قوم لا سفيه لهم.
الابتعاد عن إحراج المسلمين :
لكن آخر فكرة في هذا الدرس وهي من أهم أفكاره قوله تعالى:
﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾
[سورة الممتحنة: 5]
الآية واسعة جداً، لو فرضنا دائرة أو مؤسسة فيها مسلم وغير مسلم، المسلم كذب، عمل تصريحاً كاذباً، أو لم يتقن عمله، أو أهمل عمله، والكافر كان منضبطاً، ماذا فعل المسلم بهذا الكافر؟ أوهمه أنه على حق، وأن كفره هو الحق، وأن هذا الذي فعله المسلم ينطلق من إسلامه، فحينما تجعل كافراً يتشبث بكفره، ويعتز به، ويرتضيه، ويتوهم أنه هو الأصل، وأن هذا الدين الذي فعله المسلم دين باطل، يكون الكافر تشبث بكفره بسبب خطأ المسلم، هذا الموضوع ليس له علاقة بما يجري، له علاقة بأعمالنا اليومية، أتقن عملك، فإذا كان هناك إنسان غير مسلم ورآك لا تتقن عملك يعزو عدم الإتقان إلى دينك لا إلى ذاتك، إذا أديت تصريحاً كاذباً وأنت مسلم ووقع هذا التصريح بيد إنسان غير مسلم يعزو كذبك إلى إسلامك، فأنت جهدك الكبير ألا تسبب حرجاً للمسلمين، وألا تسبب حرجاً لهذا الدين العظيم، وهذا الدعاء الشهير القرآني:
﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾
[سورة الممتحنة: 5]
لكلّ شيء حقيقة :
أيها الأخوة: آخر شيء أقوله في هذا الدرس: لكل شيء حقيقة، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن لكل واقع حكمة، بصرف النظر عن الموقع كان حكيماً أو لم يكن حكيماً، والحكمة التي تستنبط من كل واقع متعلقة بالخير المطلق، والله عز وجل يوظف الشر النسبي إلى الخير المطلق، ونحن نرجو الله سبحانه وتعالى من أعماق قلوبنا أن يحفظ لنا بلادنا، ويحفظ لنا من معنا، وأولادنا، وذرياتنا، وأن يحفظ بلاد المسلمين جميعاً من كل سوء، وأن يتولى الله سبحانه وتعالى الدفاع عنا كما وعدنا، إن الله يدافع عن الذين آمنوا، لكن كما قلت: هذا اسمه حادث فرز، الهجرة فرز، الخندق فرز، حنين فرز، أحد فرز، وكل حدث كبير هو فرز بالحقيقة، والله عز وجل يلهمنا الصواب، والفهم الصحيح، نحن هنا في بيت من بيوت الله، ولا ينبغي أن يلقى فيه إلا ما جاء في الوحيين من الكتاب والسنة، والحمد لله رب العالمين.
أسئلة و أجوبة :
س : يقول أخ: ما قولك بالمثل الذي لا يخاف من الله خف منه ؟
ج: لا شيء فيه، إذا إنسان لا يخاف من الله هذا يعني أنه شرير فخذ حذرك منه.
س: أخ يقول: أنا شاب غافل عن الله، وأشكو مرض البعد عن الله، فأرجو منك نصيحة تغيرني إلى شاب من أهل الله، وقد كنت بعثت لك عدة أوراق أسألك فيها وأنت لا تجيبني، فأرجو الإجابة.
ج: بالدين لا يوجد شيء أن تقول كلمتين فتصبح لله، تحتاج إلى إرادة قوية، وإلى متابعة، وإلى التزام، لكن لا يوجد عندنا دواء سحري أن يكون الإنسان غافلاً شارداً مشتتاً يقول هذا الدعاء فيصبح ولياً، لا يوجد عندنا كهذا الشيء أبداً، عندنا من يبحث عن الحقيقة فيحضر دروس العلم، يستمع بوعي إلى ما قيل فيها، يطبقها، النبي الكريم كان يقول إذا دخل إلى المسجد: "اللهم افتح لي أبواب رحمتك"، فإذا خرج منه يقول: "اللهم افتح لي أبواب فضلك"، جاء إلى بيت الله وتلقى التعليمات من الوحيين الكتاب والسنة وخرج من بيت الله ليعمل بما سمع، فلما الإنسان يؤدي الصلوات أداء متقناً، ويغض بصره عن محارم الله، ويغض أذنه عن الغناء، ويضبط لسانه عن كل غيبة ونميمة، وعن كل كلام فاحش، ويؤدي الحقوق، ويكسب المال الحلال، دون أن يشعر يجد نفسه مع الله، شيء سهل جداً، الله عز وجل قريب:
﴿إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾
[سورة الأعراف: 56]
استقم على أمر الله، وأحسن إلى خلقه، تجد نفسك مع الله.
﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾
[سورة الكهف: 110]
والحمد لله رب العالمين

belamriabdelaziz
2014-07-28, 05:58
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفو عنا
ربنا تقبل منا إنك أنت التواب الرحيم واغفرلنا إنك أنت الغفور الرحيم
اللهم واجعلنا من عبادك الفائزين
آمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيييي يييين

belamriabdelaziz
2014-07-29, 08:05
كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعون الله 6أشهر بعد رمضان بالقبول
اللهم تقبل منا ياواحد ياديان

belamriabdelaziz
2014-07-29, 08:07
كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعون الله 6أشهر بعد رمضان بالقبول
اللهم تقبل منا ياواحد ياديان

دعاء المحبوبة
2014-07-29, 17:41
http://im44.gulfup.com/knF4S9.jpg

http://im44.gulfup.com/ajhtGA.jpg

http://im44.gulfup.com/Gv53oC.jpg


جزاك الله خيرا على الموضوع وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال

belamriabdelaziz
2014-07-30, 08:25
جزاك الله خيرا على مساهماتك العطرة القيمة وتقبل الله من الجميع
اللهم أعده غلينا أعواما عديدة فخيراته كثيرة وحسناته وفيرة.

قَاسِمٌ.قَاسِم
2014-07-30, 08:50
http://up.movizland.com/uploads/134130905110.gif
سلام عليكم طبتم،..
http://up.movizland.com/uploads/134130905110.gifhttp://up.movizland.com/uploads/134130905110.gif

http://uploads.sedty.com/imagehosting/146930_1323625791.gifhttp://uploads.sedty.com/imagehosting/146930_1323625791.gifhttp://uploads.sedty.com/imagehosting/146930_1323625791.gif
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله و صحبه و من والاه وبعد :

http://up.movizland.com/uploads/134130905110.gifhttp://up.movizland.com/uploads/134130905110.gifhttp://up.movizland.com/uploads/134130905110.gif
مُبارك علينا وعليكم وعلى الأمة الإسلامية جمعاء عيد الفطر السعيد أعاده الله علينا وعلى جميع المسلمين بالسعادة والعزة والتمكين والخير والبركات والمجد ،اللهم انصر غزّة الحبيبة آمين آمين
http://up.movizland.com/uploads/134130905110.gifhttp://up.movizland.com/uploads/134130905110.gif
http://uploads.sedty.com/imagehosting/146930_1323625791.gifhttp://icooon.ucoz.com/tahanee/fekheer4.gifhttp://uploads.sedty.com/imagehosting/146930_1323625791.gifhttp://icooon.ucoz.com/tahanee/fekheer4.gifhttp://uploads.sedty.com/imagehosting/146930_1323625791.gif
http://up.movizland.com/uploads/134130905110.gifhttp://up.movizland.com/uploads/134130905110.gif
دعواتكم الصالحة لأخيكم قاسم
http://up.movizland.com/uploads/134130905110.gif

belamriabdelaziz
2014-07-30, 20:54
جزاك الله خيرا أخي قاسم قاسم وتقبل الله منا ومنكم صالح أعمالنا