مشاهدة النسخة كاملة : استقبال شهر رمضان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
استقبال شهر رمضان
إنَّ الأمة الإسلامية جمعاء في الأيام القليلة القادمة تستقبل ضيفاً عزيزا ووافداً كريما تتشوّف القلوب إلى مجيئه وتتطلع النفوس إلى قدومه ؛ إنه ضيفٌ حبيبٌ على قلوب المؤمنين عزيزٌ على نفوسهم ، يتباشرون بمجيئه ويهنئ بعضهم بعضا بقدومه ، وكلهم يرجو أن يبلُغَ هذا الضيف وأن يُحَصِّل ما فيه من خير وبركة؛ ألا وهو شهر رمضان المبارك شهر الخيرات والبركات ، شهر الطاعات والقربات ، شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن ، شهر الذكر والاستغفار والدعاء والمناجاة ، شهر الجود والسخاء والبذل والعطاء والإحسان ، شهرٌ تعددت خيراته وتنوعت بركاته وعظمت مجالات الربح فيه ، ذلكم الشهر العظيم المبارك الذي خصه الله جلّ وعلا بميزات كريمة وخصائص عظيمة ومناقب جمّة تميزه عن سائر الشهور .
وقد كان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بمقدم هذا الشهر الكريم ويبين لهم خصائصه وفضائله ومناقبه ويَسْتَحثَّهم على الجد والاجتهاد فيه بطاعة الله والتقرب إلى الله جلّ وعلا فيه بما يرضيه ، ثبت في المسند للإمام أحمد بإسناد جيد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « هذا شهر رمضان قد جاءكم فيه تفتّح أبواب الجنة وتغلَّق أبواب النار وتصفّد الشياطين » ، وثبت في سنن الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ وَيُنَادِي مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَة » .
والأحاديث الدالةُ على فضل هذا الشهر وعظيم شأنه وكريم منزلته عند الله كثيرةٌ لا تحصى عديدةٌ لا تستقصى ، فالواجب أن نفرح غاية الفرح وأن نسعد غاية السعادة بإقبال هذا الشهر الكريم بخيراته الوافرة وميّزاته العظيمة { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } [يونس:58]، وأن نعرف له قدره ، وأن نرعى له مكانته ، وأن نقوم بحُسن وفادته وضيافته.
إن الفرح بقدوم هذا الشهر ومعرفة فضله ومكانته لمن أعظم الأمور المعِينة على الجد والاجتهاد فيه ، ولم يضيِّع كثير من الناس الطاعة في هذا الشهر الكريم والإقبال على الله جلّ وعلا إلا من جهلٍ منهم بقيمته ومكانته ، وإلا لو عرف المسلم هذا الشهر حقَّ معرفته وعرف قدره ومكانته لتهيَّأ له أحسن التهيُّؤ واستعد له أطيب الاستعداد، ولبذل قصارى وسعه وجهده واجتهاده في سبيل تحصيل طاعة الله والقيام بعبادة الله على الوجه الذي يرضي الرب تبارك وتعالى.
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه الأيام ؛ كيف نستقبل هذا الشهر الكريم ؟ كيف نتهيّأ لهذا الموسم العظيم ؟ كيف نستعد لهذا الشهر المبارك ؟
وليس استقبال هذا الشهر بتبادل باقات الورد والزهور ، ولا بإلقاء الأناشيد والأراجيز ، ولا بتهيئة الملاعب والصالات ، ولا بجمْع صنوف أنواع المطاعم والمشروبات والمأكولات ؛ إن التهيّؤ لهذا الشهر الكريم تهيّؤٌ للطاعة ، واستعدادٌ للعبادة ، وإقبالٌ صادق على الله جلّ وعلا ، وتوبة نصوح من كل ذنب وخطيئة .
إن موسم رمضان فرصةٌ للإقبال على الله والتوبة من الذنوب ، إن من يتأمل حاله - وهذا شأن كل واحد منا - يجد أن تقصيره عظيم وتفريطه في جنب الله كبير ، يقول صلى الله عليه وسلم : «كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ » ؛ فالذنوب كثيرة والتقصير حاصل وأمامنا موسمٌ عظيم للتوبة إلى الله جلّ وعلا .
وإذا لم تتحرك النفوس في هذا الموسم الكريم المبارك للتوبة إلى الله والندم على فعل الذنوب فمتى تتحرك !! ولهذا صحَّ في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ» رواه الترمذي وأحمد ، وذلك لأنه موسم عظيم للتوبة ؛ تتحرك القلوب فيه للتوبة إلى الله والإنابة إليه والإقبال على طاعته جلّ وعلا .
وإن مما يُستقبل به هذا الشّهر الكريم الدعاء الصادق ، والصلة الحسنة بالله ، والالتجاء التام إليه سبحانه بأن يعين العبد على طاعة الله في هذا الشهر الفَضِيل ، فالعبد لا قدرة له على القيام بالطاعة وتحقيق العبادة والإتيان بها على وجهها إلا إذا أعانه الله ، فـ « لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا وَلَا صُمْنَا وَلَا صَلَّيْنَا » ؛ ولهذا على المؤمنين أن يُقْبِلوا على الله جلّ وعلا داعين ومؤمِّلين وراجين ومخبتين يرجون رحمته ويطلبون مدده وعونه بأن ييسر لهم صيام رمضان وأن يعينهم على قيامه وأن يكتب لهم الخير والبركة فيه وأن يجعلهم من عتقائه من النار ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن .
وإن مما يُستقبل به شهر رمضان أن يتأمل المسلم في خصائص هذا الشهر وميّزاته وفضائله وبركاته ليعرف قدر هذا الشهر ومكانته وليتعلّم أيضا ما ينبغي أن يكون عليه في هذا الشهر من صيامٍ وقيام ويستذكر ما يختص به من أحكام؛ ويتأمل في فوائد الصيام ومنافعه وما فيه من عبرٍ ودروسٍ وعظاتٍ بالغة ، ويتأمّل في فضل قيام رمضان وما أعده الله جلّ وعلا للقائمين فيه من أجورٍ عظيمة وفضائلَ جمة ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ » .
وإن مما يستقبل به شهر رمضان المبارك أن يجاهد الإنسان نفسه بإصلاح قلبه وطرح ما فيه من غلٍّ أو حقدٍ أو حسدٍ أو ضغينةٍ أو غير ذلك ، عباد الله : يقول النبي صلى اله عليه وسلم: «صَوْمُ شَهْرِ الصَّبْرِ وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ يُذْهِبْنَ وَحَرَ الصَّدْرِ » ؛ إن في الصدر سخائم وضغائن وأحقاد فإذا جاءت هذه المواسم المباركة فإنها تكون فرصةٌ سانحة ومناسبةٌ كريمة لطرد ما في القلب من غل أو حقد أو حسد ، يقول عليه الصلاة والسلام : « لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا » ، إن دخول رمضان فرصةٌ مباركة لتصفية النفوس وتنقية القلوب واجتماع الكلمة على طاعة الله جلّ وعلا بأن يقبِل المسلمون جميعهم مطيعين لله مقبلين على عبادته وطاعته مبتعدين عن كل ما يسخطه ويأباه سبحانه .
أسأل الله جلّ وعلا أن يبلِّغنا أجمعين شهر رمضان ، وأن يعيننا فيه على الصيام والقيام ، وأن يصلح ذات بيننا ، وأن يؤلف بين قلوبنا ، وأن يهدينا سبل السلام ، وأن يخرجنا من الظلمات إلى النور ، وأن يجعلنا من عباده المتقين وأوليائه المقربين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون .
الشيخ/ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر (http://al-badr.net/detail/R8U25Lf9Gbrk)
لؤلؤة الرحمان
2014-06-09, 22:38
بسم الله الرحمن الرحيم
السلامــ عليكمــ ورحمة الله وبركاته
نصائح جد قيمة
نسأل الله أن يبلغنا وإياكم رمضـــان
ويعيننا على صيـــــامه وقيامه ..
بارك الله فيك
نورسين ضوء القمر
2014-06-10, 11:29
بارك الله فيكِ و جزاكِ خير الجزاء و كل عام و انتِ و الامة الاسلامية بخير و سلام
آمين وجزكن الرحمن بالمثل وأكثر
ismahane lat
2014-06-11, 17:55
تمر الأيام من عام إلى عام تحمل لنا البشرى بقدوم شهر رمضان المبارك، وتنثر بين يديه أنواع البر والرحمة والمغفرة والعتق من النار..
يقول الحسن البصري رحمه الله: (إن الله جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا! فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون! ويخسر فيه المبطلون!)
وعلى الإنسان أن يكون من السابقين إليها ومن المتنافسين فيها، قال الله تعالى: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) الآية .المطففين: 26.
فالمسلم حريص على استقبال رمضان و الاستعداد له , و إليك أخي الكريم بعض الوسائل و الطرق التي تعينك على الإفادة من شهر رمضان :
- الحمد والشكر على بلوغه، و إظهار الفرح و البهجة بقدومه , قال النووي -رحمه الله- في كتاب الأذكار: (اعلم أنه يستحب لمن تجددت له نعمة ظاهرة، أو اندفعت عنه نقمة ظاهرة أن يسجد شكراً لله تعالى، أو يثني بما هو أهله) ,
ويقول الإمام ابن رجب (رحمه الله): "هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضا بشهر رمضان، كيف لا يُبشر المؤمن بفتح أبواب الجنان؟! كيف لا يُبشر المذنب بغلق أبواب النيران؟! كيف لا يُبشر العاقل بوقت تُغل فيه الشياطين؟!".
-العزم على ترك الذنوب والتوبة:فرمضان يعتبر فرصة حقيقة للتغيير ؛ و يحتاج الواحد منا إلى فتح صفحة جديدة بيضاء نقية مع الله، وهذا يقتضي منه التوبة من جميع الذنوب، والإقلاع عنها، وعدم العودة إليها، فهو شهر التوبة، فمن لم يتب فيه فمتى يتوب؟! قال الله تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31]، ويقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحا) [التحريم: 8].
- خطط مسبقا للاستفادة من رمضان:
فضع برنامجا عمليا لاغتنام أيام وليالي رمضان في طاعة الله تعالى، وقسِّم وقتك بين الأسرة، والقراءة، والنوم، والصلوات، والزيارات... إلخ، وكن منظما، ولا تكن عشوائيا تترك نفسك للظروف. واحرص على أن تجعل لك وقتاً معينا للذكرا والتسبيح دُبر كل فعلٍ تقوم به، ودُبر كل صلاة، وقبل النوم وبعده، .
- تعلم أحكام رمضان و فضائله ، فيجب على المؤمن أن يعبد الله على علم، ولا يعذر بجهل الفرائض التي فرضها الله على العباد، ومن ذلك صوم رمضان فينبغي للمسلم أن يتعلم مسائل الصوم وأحكامه قبل مجيئه، ليكون صومه صحيحاً مقبولاً عند الله تعالى: (فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) الأنبياء:7
و يطلع المسلم على فضائل الصوم وأحكامه حتى تتهيأ النفس للطاعة فيه فكان النبي صلى الله عليه وسلم يهيئ نفوس أصحابه لاستغلال هذا الشهر، فيقول في آخر يوم من شعبان: جاءكم شهر رمضان... إلخ الحديث أخرجه أحمد والنسائي
– تعرَّف على حرص السلف على استثمار رمضان:
فكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع الأعمال وأقبل على قراءة القرآن، وكان الوليد بن عبد الملك يختم في كل ثلاثٍ، وختم في رمضان سبع عشرة ختمة.
وقال الربيع بن سليمان: كان الشافعي يختم القرآن في شهر رمضان ستين ختمة وفي كل شهر ثلاثين ختمة.
وكان محمد بن إسماعيل البخاري يختم في رمضان في النهار كل يوم ختمة، ويقوم بعد التراويح كل ثلاث ليالٍ بختمة.
فاللهم بلغنا رمضان، وتقبله منا ، و أعنا فيه على الصيام و القيام و غض البصر و حفظ اللسان، واجعلنا فيه من عتقائك من النيران. إنك أنت السميع العليم.
ismahane lat
2014-06-11, 17:56
يتهيأ المسلمون في هذه الأيام لاستقبال ضيف كريم عزيز وموسم من مواسم الخيرات كبير. يتهيئون لشهر من أفضل الشهور. إنَّه شهر رمضان المبارك . ويستعدون لعبادة هي من أجل العبادات ، وقربة من أشرف القربات ، وطاعة مباركة لها آثارها الطيبة في العاجلة والآجلة من تزكيه النفوس ، وإصلاح القلوب ،وحفظ الجوارح والحواس من الفتن والشرور ، وتهذيب الأخلاق .وحصول عظيم الأجر وتكفير السيئات المهلكة .والفوز بأعالي الدرجات بما لا يوصف ناهيك عن عمل اختصه الله من بين سائر الأعمال ففي الصحيحين عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يقول قال رسول اللَّهِ "صلى الله عليه وسلم" قال الله "كُلُّ عَمَلِ بن آدَمَ له إلا الصِّيَامَ فإنه لي وأنا أَجْزِي به" عبادة الصوم جنة من الشهوات والمحرمات . وجنة من النار والدركات فعن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه الله عنه قال قال الرسول "صلى الله عليه وسلم" :" "الصَّوْمُ جُنَّةٌ يَسْتَجِنُّ بِهَا الْعَبْدُ مِنَ النَّارِ" الطبراني وحسنه الألباني في صحيح الجامع فهو يقي الصائم ما يضره من الشهوات ويجنبه الآثام التي تجعل صاحبها عرضة لعذاب النار, وتورثه الشقاء في الدنيا والآخرة ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ وإذا كان يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فلا يَرْفُثْ ولا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أو قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إني امْرُؤٌ صَائِمٌ " الصوم يشفع للعبد يوم القيامة فعن عبد اللَّهِ بن عَمْرٍو أنَّ رَسُولَ اللَّهِ "صلى الله عليه وسلم" قال "الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يوم الْقِيَامَةِ يقول الصِّيَامُ أي رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فيشفعني فيه وَيَقُولُ الْقُرْآنُ مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فشفعني فيه قال فَيُشَفَّعَانِ" أحمد وصححه الحاكم والألباني في المشكاة ، وخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "وَالَّذِي نَفْسِي بيده لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى من رِيحِ الْمِسْكِ" .
وخص الله الصوم بباب في الجنة يسمى الريان ففي الصحيحين عن سَهْلِ بن سَعْدٍ رضي الله عنه قال قال رسول اللَّهِ "صلى الله عليه وسلم" "إِنَّ في الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ له الرَّيَّانُ يَدْخُلُ منه الصَّائِمُونَ يوم الْقِيَامَةِ لَا يَدْخُلُ مَعَهُمْ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَدْخُلُونَ منه فإذا دخل آخِرُهُمْ أُغْلِقَ فلم يَدْخُلْ منه أَحَدٌ " وفي لفظ في المسند والنسائي وصححه الألباني " من دخل منه شَرِبَ وَمَنْ شَرِبَ منه لم يَظْمَأْ أَبَداً" والصوم مغفرة للذنوب وكفارة للسيئات والإثم ففي الصحيحين عن حذيفة رضي الله عنه قال قال صلى الله عليه وسلم " فِتْنَةُ الرَّجُلِ في أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالصَّدَقَةُ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ " والصوم من أعظم أسباب إجابة الدعاء فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ "صلى الله عليه وسلم" " ثَلاثَةٌ لا تُرَدُّ دَعُوَتُهُمُ الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ وَالإِمَامُ الْعَادِلُ وَدَعُوَةُ الْمَظْلُوم" أحمد وصححه ابن حبان والألباني ، ِوفي لفظ " وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ" الترمذي وصححه ابن حبان والألباني .
والصوم سبب للسعادة في الدنيا والآخرة ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم " وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ حين يُفْطِرُ وَفَرْحَةٌ حين يَلْقَى رَبَّهُ " هذه بعض فضائل الصوم وأمَّا شهر رمضان المبارك ففضله عظيم وثواب أهله جزيل فهو شهر أنزل فيه القرآن هدى للناس وبيان من الهدى والفرقان {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} شهر رمضان شهر تفتح أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الجحيم وتسلسل فيه الشياطين ومردة الجن فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ "صلى الله عليه وسلم" قَالَ "إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ مَرَدَةُ الْجِنِّ وَغُلِّقَتْ أَبُوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ وَفُتِحَتْ أَبُوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ وَمُنَادٍ يُنَادِي يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبَلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ " ابن ماجه وصححه الحاكم وابن حبان وابن خزيمة والألباني .
شهر رمضان شهر تكفير السيئات فعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن النبي "صلى الله عليه وسلم" قال " من قام لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِهِ وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِهِ "البخاري ومسلم وعند مسلم عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ "صلى الله عليه وسلم" كان يقول الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إلى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إلى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ ما بَيْنَهُنَّ إذا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ ". شهر رمضان شهر جعل الله فيه ليلة خيراً من ألف شهر هي ليلة القدر من حرم خيرها فقد حرم قال تعالى {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال صلى الله عليه وسلم " لِلَّهِ فيه لَيْلَةٌ خَيْرٌ من أَلْفِ شَهْرٍ من حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ " النسائي وصححه الألباني. شهر رمضان شهر تجاب فيه الدعوات وتكشف فيه البلوى والملمات. وتعتق فيه الرقاب الموبقات فعن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم" إنَّ لله في كلِّ يومٍ وليلةٍ عتقاء من النَّار في شهر رمضان وإنَّ لكلِّ مسلم دعوة يدعو بها فيستجاب له " قال صاحب مجمع الزوائد "رواه ابن ماجه باختصار الدعوة ورواه البزار ورجاله ثقات " .
شهر رمضان العمرة فيه تعدل حجة مع النبي "صلى الله عليه وسلم" كما ورد في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم "فإن عُمْرَةً فيه تَعْدِلُ حَجَّةً". وشهر رمضان شهر الانتصارات الحاسمة التي أعز الله فيها الإسلام وأهله وأذل الله فيها الكفر وأهله فغزوة بدر كانت في رمضان وفتح مكة أيضاً في رمضان وعودة النبي من تبوك منتصراً أيضاً في رمضان إلى غير ذلك من المعارك الحاسمة والمواقف الفاصلة كانت أيضاً في رمضان فهو شهر الجهاد يعلم الشجاعة والرجولة . ولقد كان النبي يبشر أهله وأصحابه بقدوم شهر رمضان فعن أبي هُرَيْرَةَ قال قال رسول اللَّهِ "صلى الله عليه وسلم" أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ الله عز وجل عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ تُفْتَحُ فيه أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَتُغْلَقُ فيه أَبْوَابُ الْجَحِيمِ وَتُغَلُّ فيه مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ لِلَّهِ فيه لَيْلَةٌ خَيْرٌ من أَلْفِ شَهْرٍ من حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ " أيها المسلمون: كيف لا يبشر المؤمن بفتح أبواب الجنان ؟ وكيف لا يبشر المذنب بغلق أبواب النيران ؟ وكيف لا يبشر العاقل بوقت يغل فيه الشياطين ؟فمن أين يشبه هذا الزمان .
أتى رمضان مزرعة العباد لتطهير القلوب من النار
فأفـد حقوقه قولا وفعلا وزادك فاتخـذه للمعاد
فمن زرع الحبوب سقاها تأوه نادمـاً يوم الحصاد
هذا هو شهر رمضان وهذه فضائله فما هو حال الناس في استقبالهم لشهر رمضان ؟ الناس في استقبال شهر رمضان على قسمين : قسم يفرح بقدومه ويأنس بحلوله وهم فريقان فريق يفرح لرواج تجارته ونفاق بضاعته وسهر لياليه على الورقة والضمنة أو في الملاعب والمقاهي وبما تَعِدُ به وسائل الإعلام الهابطة من أغان ومسلسلات وربما بارزوا الله بالعظائم ولعبوا فيه القمار والميسر المحرم كحال أصحاب المحلات الذين يعرضون سيارات القمار من أول شهر شعبان وهؤلاء لا حظ لهم من رمضان إلَّا ما نووا وقصدوا , وفريق آخر يفرح بقدوم الشهر فيعتبره موسماً من مواسم الطاعات واستباق الخيرات ومنافسة أهل الخير والصلوات وكثرة الإحسان والصدقات والتقرب إلى الله فيه بقراءة القرآن وسائر القربات وهؤلاء يفرحون به لأنَّهم قوم عودوا أنفسهم على الصيام ووطنوها على تحمله لكثرة صيامهم للنوافل. يفرحون به لأنَّهم يعلمون أنَّ الامتناع عن الشهوات والملذات في الدنيا سبب لنيلها في الآخرة فلقوة يقينهم بما سيلقونه في الآخرة يفرحون بقدوم الشهر . يفرحون به لأنَّهم يعلمون ويدركون أنَّ شهر رمضان موسم من مواسم التنافس في الطاعات واستباق الخيرات .ويعلمون أنَّ الله يجري فيه من الأجور مالا يجري في غيره من الشهور فلذلك يفرحون وفيه يشمرون عن ساعد الجد في المحافظة على الصلوات والطاعات والبعد عن المعاصي والمحرمات وإن كان هذا شأنهم طيلة العام ولكن في رمضان خيرهم يزيد ومحاسبتهم لأنفسهم نقوى ويرغبون في مغفرة الله ورحمته في هذا الشهر لأنَّ الخاسر كل الخاسر من مر شهر رمضان عليه وخرج منه خاسراً من رحمة الله ومغفرته عن مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ رضي الله عنه قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أَتَانِي جِبْرِيلُ فقَالَ يَا مُحَمَّدُ مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ قُلْتُ آمِينَ " صححه ابن حبان .
وأمَّا القسم الثاني فهم الذين لا يفرحون بقدومه ولا يأنسون بحلوله. يستتقلون هذا الشهر ويعدُّون أيامه ولياليه منتظرين رحيله بفارق الصبر, ويفرحون بكل يوم يمضي من أيامه حتى إذا اقترب العيد بدا الفرح على محياهم , ورأيت ارتكابهم للمحرمات من سماع الأغاني وضرب الطبول والمزامير في أيام العيد وعادوا إلى ما كانوا عليه من المآثم والمنكرات ’ وتركوا المساجد وأضاعوا الصلوات وهؤلاء إنَّما استثقلوا الشهر لأمور: فهم قوم تعودوا على التوسع في الملذات والشهوات من المآكل والمشارب والمناكح وغيرها فضلاً عن مفارقتهم للذات المحرمة فيجدون في هذا الشهر مانعاً يمنعهم وقيداً يحبسهم عن شهواتهم ويحول بينهم وبين ملاذهم فاستثقلوه , وكذلك هم قوم عظم تقصيرهم في الطاعات حتى أنَّ منهم من قد يفرط في الواجبات ويضيع الفرائض والصلوات فإذا جاء رمضان التزموا ببعض الطاعات وحافظوا على الصلوات وشهدوا الجمع والجماعات فبسب هذا الالتزام الذي لم يألفوه ولم يوطنوا أنفسهم عليه استعظموا هذا الشهر واستثقلوه . هذا زيادة على ضعف يقينهم بما أعده الله للمؤمنين من الأجر وعدم استحضارهم لفضل هذا الشهر وما فيه من الحسنات العظيمة فلا عجب ألَّا يجدوا من اللذة والفرح والسرور بقدوم هذا الشهر العظيم حتى قال قائلهم
دعاني شهر الصوم لا كان من شهر ولا صمت يوماً بعده آخر الدهر
فلو كان يعديني الأنام بقوة على الشهر لاستعديت قومـي عـلى الشهر
إنّ إدراك شهر رمضان نعمة كبيرة فضلها عظيم وثوابها جزيل عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ رَجُلَانِ مِنْ بَلِيٍّ مِنْ قُضَاعَةَ أَسْلَمَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتُشْهِدَ أَحَدُهُمَا وَأُخِّرَ الْآخَرُ سَنَةً قَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَأُرِيتُ الْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ فِيهَا الْمُؤَخَّرَ مِنْهُمَا أُدْخِلَ قَبْلَ الشَّهِيدِ فَعَجِبْتُ لِذَلِكَ فَأَصْبَحْتُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَيْسَ قَدْ صَامَ بَعْدَهُ رَمَضَانَ وَصَلَّى سِتَّةَ آلَافِ رَكْعَةٍ أَوْ كَذَا وَكَذَا رَكْعَةً صَلَاةَ السَّنَةِ " أحمد وقال الألباني حسن صحيح . ولذا كان السلف الصالح يدركون هذه النعمة ويقدرون لها قدرها فيسألون الله على ما ذكر ستة أشهر أن يبلغهم رمضان فإذا أدركوه بكوا من الفرح واجتهدوا في الطاعات ونافسوا في الخيرات وسارعوا إلى المغفرة والجنات فإذا ولَّى ودعوه بقلوب حزينة وأعين دامعة وسألوا الله ستة أشهر أخرى أن يتقبل منهم رمضان فالسنة عندهم كانت كلها رمضان ، وكان من دعائهم اللهم سلمني إلى رمضان وسلم لي رمضان وتسلمه مني متقبلاً. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }
بعد أيام قلائل يحل علينا ضيف عزيز وشهر كريم وموسم عظيم خصه الله على سائر الشهور بالتشريف والتكريم إنَّه شهر رمضان , شهر البركات والخيرات , شهر الرحمات والنفحات , شهر القراءة للقرآن والصدقات, شهر مضاعفة الحسنات , شهر مغفرة السيئات وإقالة العثرات , شهر عتق الرقاب الموبقات شهر إجابة الدعوات ورفعة الدرجات .
شهر تفتح فيه أبواب الجنات وتغلق فيه أبواب الجحيم و الدركات وتصفد فيه الشياطين فتقل الخطايا والسيئات . فيا لفرحة المسلمين يتلك الأيام التي تتكرر عليهم كل عام فيحيونها بأرواحهم وأنفسهم .أوليس من نعمة الله أن تمر بالإنسان في كل عام أيام يحيا فيها مع نفسه حياة تختلف عن تلك الأيام التي تعودها في بقية عامه .
إنّ رمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما إذا اجتنبت الكبائر أوليست هذه بشرى لكل عاصي أثقلته الذنوب.إنَّ عاتقا حمل هموما وغموما وأحزانا وآلاما وذنوبا وخطايا لعاتق منهك ضعيف يحتاج إلى العون والنصرة ، وكم هو سعيد ذلك العبد حينما يلقي عن عاتقه تلك الهموم والغموم وتلك الذنوب والخطايا وتلك الأحزان والآلام ، كم هو سعيد حينما تغمره رحمة أرحم الراحمين في شهر رمضان فيكون فيه من المعتوقين .
سؤال مهم كيف يستقبل المسلم شهر رمضان ؟ كيف يستقبل المسلم هذا الشهر الكريم وهذا الموسم العظيم ؟سؤال يطرح نفسه مع مستهل شهر رمضان من كل عام وأحسبُ أنَّ النَّاس بأمس الحاجة إلى معرفة الإجابة على هذا السؤال المهم في وقتٍ غفل فيه كثير من النَّاس عما خلقوا له نتيجةً لكثرة الملهيات بل حتى المفسدات عبر وسائل الإعلام المسموعة والمرئية فهل يستقبله المسلم بشراء أحسن المأكولات والمشروبات ليتحول رمضان إلى موسم أكل وتخمة ؟ أم يستقبله بشراء الدشوش لمشاهدة المسلسلات والتمثيليات وسماع الأغاني الماجنات ومتابعة المباريات والمسرحيات الهابطات ؟ أم يستقبله بإضاءة الملاعب بالأنوار وإقامة دورات الميسر والقمار ؟ أم يستقبله بقلب الفطرة فيجعل ليالي رمضان موسماً للسهر إلى قبل طلوع الفجر فيحيي ليله بالعب ونهاره بالنوم طوال الأوقات ولا تسألوا عما يضيعه من الصلوات ؟ والجواب كلَّا وألف كلَّا إنَّ شهر رمضان الذي سمعتم بعضَ فضائله لا يستقبل هذا الاستقبال الذي لا يعرفه إلَّا أهل التفريط والغفلة وأصحاب المعاصي والشهوات أمَّا المسلم الحق فيستقبل شهر رمضان استقبالاً من نوع أخر فهو يستقبله أولاً: بالفرح والبشر والسرور وانشراح الصدر مستشعراً نعمة الله عليه حين بلغه رمضان ومستشهداً منَّة الله عليه حين أدرك رمضان ويهنئ أهله و أقاربه وجيرانه كما كان الرسول "صلى الله عليه وسلم" يفعل. لسان حاله يقول :
مرحباً أهلاً وسهلا بالصيام يا حبيباً زارنا في كـل عـام
قد لقيناك بحبٍ مفعـمٍ كل حبً في سواء المولى حرام
فاغفر اللـهم ربي ذنبنا وأنلنا من عطايـاك الجسـام
ويستقبله ثانياً : بالتوبة النصوح الماحية لجميع الذنوب التي وقع فيها طيلة العام وليست التوبة خاصة برمضان بل هي واجبة في كل الأوقات فكلَّما أحدث العبد ذنبا فليحدث بعده توبة ولكن في رمضان القلوب مقبلة وفضل الله وعفوه ورحمته فيه أعظم فخسر ورغم أنفه من لم يغفر له في شهر رمضان . وكم هي كثيرة تلك الذنوب التي ارتكبناها ؟ فشهر رمضان شهر المحاسبة لهذه النفس التي يجب أن يقف معها معاتباً محاسباً ليتوب من ذنوبه خاصةً في هذا الشهر العظيم . فمتى يتوب من لم يتب في شهر رمضان ؟ ومتى يصلح حال من لم يصلح حاله في رمضان ؟ ومتى يغفر لمن لم يغفر له في رمضان ؟ فرغم أنفه وأبعد وخسر من لم يغفر له في شهر رمضان . ويستقبله ثالثاً : بإخلاص النية لله تعالى في صيامه وقيامه فمن صام رمضان وقام إيماناً واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه. ويستقبله رابعاً : بعزيمة صادقة على أن يستكثر من الأعمال الصالحة وينافس في الخيرات جهده خاصةً قراءة القرآن وصلاة التراويح وكثرة الذكر وغيرها من الأعمال الصالحة . ويستقبله خامساً : بعزيمة صادقة على أن يترك جميع الذنوب والسيئات طيلة أيام وليالي هذا الشهر الكريم على وجه الخصوص وإلَّا فالمسلم مطالب أن يترك معصية الله طيلة حياته حتى يلقى الله:
يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب حتى عصى ربه في شهر شعبان
لقد أظلك شـهر الصوم بعدهمـا فلا تصيره أيضاً شهر عصيان
اتلوا الكتاب وسبـح فيه مجتهـداً فإنَّـه شهر تسبيـح وقـرآن
كم كنت تعرف ممن صـام من سلف من بين أهلٍ وإخوان وجـيران
أتاهم المـوت واستبقـاك بعـدهم حيا فما أقرب القاصي من الداني
إنَّ بعض الناس يبتعد عن المعاصي أثناء صومه فإذا أفطر شرع في ارتكابها بل ربما أفطر عليها كحال شارب الدخان , وبعض الناس لا يعرف من صومه إلَّا أنَّه يترك الطعام والشراب فقط فتجده أثناء صومه يسب ويشتم ويلعن ويصخب ويضيع الصلوات ويرتكب المخالفات ويستمع الأغاني المحرمات فبعضهم يسهر إلى السحور ثم ينام قبل الفجر ويضيع الفجر والظهر ولربما أضاع معهما العصر فهل هذا هو حال المسلم في رمضان ؟ لقد صدق في حق هؤلاء ما ورد عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال قال رسول اللَّهِ "صلى الله عليه وسلم" " رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ من صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ من قِيَامِهِ السَّهَرُ " أحمد وصححه الحاكم وابن حبان وابن خزيمة وقال الألباني حسن صحيح . وما ورد عنه أيضا رضي الله عنه قال قال رسول اللَّهِ "صلى الله عليه وسلم" من لم يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ في أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ " البخاري . وما ورد عنه أيضا قال قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم" ( ليس الصيام من الأكل والشرب فقط إنما الصيام من اللغو والرفث فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل إني صائم ) البيهقي في سننه وصححه الحاكم وابن خزيمة والألباني . وقال جَابِرٌ بن عبدالله رضي الله عنه "إذَا صُمْت فَلْيَصُمْ سَمْعُك وَبَصَرُك وَلِسَانُك عن الْكَذِبِ والماثم وَدَعْ اذى الْخَادِمِ وَلْيَكُنْ عَلَيْك وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يوم صِيَامِك وَلاَ تَجْعَلْ يوم فِطْرِك وَيَوْمَ صِيَامِك سَوَاءً " المصنف لابن أبي شيبة رحمه الله .
إذا لم يكن في السمع مني تصـاون وفي بصري غضً وفي منطقي صمت
فحظي إذا من صومي الجوع والظما فإن قلت إني صمت يومي فما صمت
فلنتق الله أيها المسلمون ولنسأل الله أن يبلغنا رمضان وأن يوفقنا فيه لصالح الأعمال وأن يجعلنا من صوامه وقوامه إنه تعالى جواد كريم . صلوا وسلموا على رسول الله .
شكرا اختي اسمهان على الاضافة الطيبة
vBulletin® v3.8.10 Release Candidate 2, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir