كلمات مبعثرة
2014-06-08, 19:33
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
لكلمة التوحيد «لا إله إلا الله» شأن عظيم في الإسلام، ومنزلة رفيعة في جميع الشرائع، ومكانة عالية لا تبلغها أي كلمة في الوجود.
فهي كلمة مباركة «تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها»؛ و«لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»: هِيَ الكلمة الَّتِي اتَّفقت عَلَيْهَا كَلِمَةُ الرُّسُلِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، بَلْ هِيَ خُلَاصَةُ دَعَوَاتِهِمْ وَزُبْدَةُ رِسَالَاتِهِمْ، وَمَا مِنْ رَسُولٍ مِنْهُمْ إِلَّا جَعَلَهَا مُفْتَتَحَ أَمْرِهِ، وَقُطْبَ رَحَاهُ؛ كَمَا قَالَ نبيُّنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا؛ فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ».
وَدَلَالَةُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ عَلَى التَّوْحِيدِ بِاعْتِبَارِ اشْتِمَالِهَا عَلَى النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ الْمُقْتَضِي لِلْحَصْرِ، وَهُوَ أَبْلَغُ مِنَ الْإِثْبَاتِ المجرَّد؛ كَقَوْلِنَا: اللَّهُ وَاحِدٌ. مَثَلًا. فَهِيَ تدلُّ بِصَدْرِهَا عَلَى نَفْيِ الْإِلَهِيَّةِ عمَّا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى، وتدلُّ بِعَجُزِهَا عَلَى إِثْبَاتِ الْإِلَهِيَّةِ لَهُ وَحْدَهُ. وَلَابَدَّ فِيهَا مِنْ إِضْمَارِ خبرٍ تَقْدِيرُهُ: لَا معبودَ بحقٍّ – موجودٌ – إلَّا اللَّهُ.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
«ليس للقلوب سرور ولا لذة تامة إلا في محبة الله، والتقرب إليه بما يحبه، ولا تمكن محبته إلا بالإعراض عن كل محبوب سواه، وهذا حقيقة (لا إله إلا الله) وهي ملة إبراهيم الخليل عليه السلام وسائر الأنبياء والمرسلين صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين».
ولهذه الكلمة المباركة الجليلة من الفوائد السنية والخصائص العظيمة ما لا يحصى كثرة؛ وقد أفردها علماء الإسلام بالتصنيف؛ وبيَّنوا جليل الفوائد المشتملة عليها؛ ونقتبس من تلك الفوائد التي أشاروا إليها ما يلائم هذه المقالة، فمن ثمرات وفوائد هذه الكلمة والتي تدل على عظم مكانتها:
•أنها أول علم مطلوب من العبد تعلمه؛ كما قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد:19].
•أنها أعظم نعمة أنعم الله عز وجل بها على عباده؛ حيث هداهم إليها؛ ولهذا ذكرها في سورة النحل، التي هي سورة النِّعم، فقدَّمها على كل نعمة فقال: {يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ} [النحل:2].
•أنها سبيل للفوز بالجنة، والنجاة من النار، وكما في الحديث المتفق عليه «مَنْ شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، والجنة حق، والنار حق؛ أدخله الله الجنة على ما كان من العمل».
•أنها سبب مانع للخلود في النار لمن استحق دخولها؛ كما في حديث الشفاعة «أخرجوا من النار من قال لا إله إلا الله، وكان في قلبه مثقال ذرة من إيمان». حديث صحيح.
فأهل لا إله إلا الله وإن دخلوها بتقصيرهم في حقوقها فإنهم لابد أن يخرجوا منها، كما في الصحيحين: «يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن بُرَّةٍ من خير، ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذَرَّة من خير».
•أن مَنْ قالها يبتغي بذلك وجه الله فإن الله يُحرِّمه على النار، كما في حديث عتبان المتفق عليه «فإن الله قد حرم على النار من قال:لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله».
•أنها عاصمة لدم المرء وعرضه وماله؛ كما روى مسلم في صحيحه عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ، وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ».
•أنها موجبة لدخول الجنة لمن كانت آخر كلامه من الدنيا؛ كما روى الإمام أحمد عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ لَنَا مُعَاذٌ فِي مَرَضِهِ: قَدْ سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا كُنْتُ أَكْتُمُكُمُوهُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ».
•أن هذه الكلمة هي التي لأجلها أُرسلت الرسل، وأُنزلت الكتب كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25].
•أنها من أفضل الأذكار والأدعية التي يسأل الله ويتعبّد بها؛ كما روى الترمذي وغيره عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».
•أنها أثقل شيء وأعظمه عند الله تعالى؛ كما أنها سبب لمحو كل الذنوب وإن كثرت؛ ويدل عليه ما رواه الإمام أحمد والترمذي وغيرهما عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًا، كُلُّ سِجِلٍّ مَدُّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: أَتُنْكِرُ شَيْئًا مِنْ هَذَا؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ أَوْ حَسَنَةٌ؟ فَيُبْهَتُ الرَّجُلُ وَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: بَلَى، إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً، وَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ، فَيُخْرِجُ لَهُ بِطَاقَةً فِيهَا: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولُ: احْضُرْ وَزْنَكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ؟ فَيَقُولُ: إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ. قَالَ: فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كِفَّةٍ، وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ، فَطَاشَتَ السِّجِلَّاتُ، وَثَقُلَتَ الْبِطَاقَةُ، قَالَ: فَلَا يَثْقُلُ اسْمَ اللَّهِ شَيْءٌ».
•أن هذه الكلمة أعلى شعب الإيمان ورأسها؛ ويدل عليه ما في الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ، أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ، شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ».
فهذه جملة يسيرة جداً من فضائل هذه الكلمة المباركة، والتي تواترت الأدلة بمكانتها وعظم شأنها.
وذلك مما يُوجب على المسلم الصادق أن يُعظِّم هذه الكلمة؛ ويعرف قدرها وينزلها المنزلة التي أنزلها الله فيها؛ كما يُوجب عليه أن يدرك أن لقائليها حقوقاً ليست لغيرهم؛ فلا يخفر ذممهم؛ ولا يتسلَّط على أموالهم وأعراضهم التي صانها الإسلام بسبب هذه الكلمة العظيمة ولا يتعدى على تلكم الأنفس الأموال والأعراف إلا ببينة مثل الشمس في رابعة النهار يحاج بها عند الله؛ وحتى لا تكون هذه الكلمة خصيمه يوم القيامة؛ كما في الصحيحين من حديث أُسَامَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، يُحَدِّثُ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحُرَقَةِ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ رَجُلاً مِنْهُمْ، فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَكَفَّ عَنْهُ الأَنْصَارِيُّ، وَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِي: «يَا أُسَامَةُ، أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ؟» قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا، قَالَ: فَقَالَ: «أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ؟». قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ.
لكلمة التوحيد «لا إله إلا الله» شأن عظيم في الإسلام، ومنزلة رفيعة في جميع الشرائع، ومكانة عالية لا تبلغها أي كلمة في الوجود.
فهي كلمة مباركة «تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها»؛ و«لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»: هِيَ الكلمة الَّتِي اتَّفقت عَلَيْهَا كَلِمَةُ الرُّسُلِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، بَلْ هِيَ خُلَاصَةُ دَعَوَاتِهِمْ وَزُبْدَةُ رِسَالَاتِهِمْ، وَمَا مِنْ رَسُولٍ مِنْهُمْ إِلَّا جَعَلَهَا مُفْتَتَحَ أَمْرِهِ، وَقُطْبَ رَحَاهُ؛ كَمَا قَالَ نبيُّنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا؛ فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ».
وَدَلَالَةُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ عَلَى التَّوْحِيدِ بِاعْتِبَارِ اشْتِمَالِهَا عَلَى النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ الْمُقْتَضِي لِلْحَصْرِ، وَهُوَ أَبْلَغُ مِنَ الْإِثْبَاتِ المجرَّد؛ كَقَوْلِنَا: اللَّهُ وَاحِدٌ. مَثَلًا. فَهِيَ تدلُّ بِصَدْرِهَا عَلَى نَفْيِ الْإِلَهِيَّةِ عمَّا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى، وتدلُّ بِعَجُزِهَا عَلَى إِثْبَاتِ الْإِلَهِيَّةِ لَهُ وَحْدَهُ. وَلَابَدَّ فِيهَا مِنْ إِضْمَارِ خبرٍ تَقْدِيرُهُ: لَا معبودَ بحقٍّ – موجودٌ – إلَّا اللَّهُ.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
«ليس للقلوب سرور ولا لذة تامة إلا في محبة الله، والتقرب إليه بما يحبه، ولا تمكن محبته إلا بالإعراض عن كل محبوب سواه، وهذا حقيقة (لا إله إلا الله) وهي ملة إبراهيم الخليل عليه السلام وسائر الأنبياء والمرسلين صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين».
ولهذه الكلمة المباركة الجليلة من الفوائد السنية والخصائص العظيمة ما لا يحصى كثرة؛ وقد أفردها علماء الإسلام بالتصنيف؛ وبيَّنوا جليل الفوائد المشتملة عليها؛ ونقتبس من تلك الفوائد التي أشاروا إليها ما يلائم هذه المقالة، فمن ثمرات وفوائد هذه الكلمة والتي تدل على عظم مكانتها:
•أنها أول علم مطلوب من العبد تعلمه؛ كما قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد:19].
•أنها أعظم نعمة أنعم الله عز وجل بها على عباده؛ حيث هداهم إليها؛ ولهذا ذكرها في سورة النحل، التي هي سورة النِّعم، فقدَّمها على كل نعمة فقال: {يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ} [النحل:2].
•أنها سبيل للفوز بالجنة، والنجاة من النار، وكما في الحديث المتفق عليه «مَنْ شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، والجنة حق، والنار حق؛ أدخله الله الجنة على ما كان من العمل».
•أنها سبب مانع للخلود في النار لمن استحق دخولها؛ كما في حديث الشفاعة «أخرجوا من النار من قال لا إله إلا الله، وكان في قلبه مثقال ذرة من إيمان». حديث صحيح.
فأهل لا إله إلا الله وإن دخلوها بتقصيرهم في حقوقها فإنهم لابد أن يخرجوا منها، كما في الصحيحين: «يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن بُرَّةٍ من خير، ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذَرَّة من خير».
•أن مَنْ قالها يبتغي بذلك وجه الله فإن الله يُحرِّمه على النار، كما في حديث عتبان المتفق عليه «فإن الله قد حرم على النار من قال:لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله».
•أنها عاصمة لدم المرء وعرضه وماله؛ كما روى مسلم في صحيحه عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ، وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ».
•أنها موجبة لدخول الجنة لمن كانت آخر كلامه من الدنيا؛ كما روى الإمام أحمد عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ لَنَا مُعَاذٌ فِي مَرَضِهِ: قَدْ سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا كُنْتُ أَكْتُمُكُمُوهُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ».
•أن هذه الكلمة هي التي لأجلها أُرسلت الرسل، وأُنزلت الكتب كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25].
•أنها من أفضل الأذكار والأدعية التي يسأل الله ويتعبّد بها؛ كما روى الترمذي وغيره عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».
•أنها أثقل شيء وأعظمه عند الله تعالى؛ كما أنها سبب لمحو كل الذنوب وإن كثرت؛ ويدل عليه ما رواه الإمام أحمد والترمذي وغيرهما عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًا، كُلُّ سِجِلٍّ مَدُّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: أَتُنْكِرُ شَيْئًا مِنْ هَذَا؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ أَوْ حَسَنَةٌ؟ فَيُبْهَتُ الرَّجُلُ وَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: بَلَى، إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً، وَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ، فَيُخْرِجُ لَهُ بِطَاقَةً فِيهَا: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولُ: احْضُرْ وَزْنَكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ؟ فَيَقُولُ: إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ. قَالَ: فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كِفَّةٍ، وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ، فَطَاشَتَ السِّجِلَّاتُ، وَثَقُلَتَ الْبِطَاقَةُ، قَالَ: فَلَا يَثْقُلُ اسْمَ اللَّهِ شَيْءٌ».
•أن هذه الكلمة أعلى شعب الإيمان ورأسها؛ ويدل عليه ما في الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ، أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ، شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ».
فهذه جملة يسيرة جداً من فضائل هذه الكلمة المباركة، والتي تواترت الأدلة بمكانتها وعظم شأنها.
وذلك مما يُوجب على المسلم الصادق أن يُعظِّم هذه الكلمة؛ ويعرف قدرها وينزلها المنزلة التي أنزلها الله فيها؛ كما يُوجب عليه أن يدرك أن لقائليها حقوقاً ليست لغيرهم؛ فلا يخفر ذممهم؛ ولا يتسلَّط على أموالهم وأعراضهم التي صانها الإسلام بسبب هذه الكلمة العظيمة ولا يتعدى على تلكم الأنفس الأموال والأعراف إلا ببينة مثل الشمس في رابعة النهار يحاج بها عند الله؛ وحتى لا تكون هذه الكلمة خصيمه يوم القيامة؛ كما في الصحيحين من حديث أُسَامَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، يُحَدِّثُ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحُرَقَةِ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ رَجُلاً مِنْهُمْ، فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَكَفَّ عَنْهُ الأَنْصَارِيُّ، وَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِي: «يَا أُسَامَةُ، أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ؟» قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا، قَالَ: فَقَالَ: «أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ؟». قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ.