أبومحمد17
2014-04-09, 19:00
درع الأمــــــــــان
في
صدّ الأسباب الدافعة إلى ضعف الإيمان
للشيخ
أبي عبد الباري العيد شريفي
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
◈ يقول السائل: شيخنا بارك الله فيكم: أنا شاب كنت في بداية التزامي آخذا بهذا الدين بقوة, فكنت أصوم التطوع وأقوم الليل وأذكر الله على كل حال, وأحضر الصلوات, ولا أفرط في وردي من القرآن, ولا أذكار النوم وأذكار الصباح والمساء حيث أن حصن المسلم لا يفارقني ولكن لما طالت المدة في الالتزام تغيّرت الأحوال, فأصبحت متهاونا في كل شيء, فما بقي من الالتزام إلا المظهر, فبعض العبادات التي كادت أن تصبح عادات والله المستعان.
◈ فهل هذا كقوله تعالى في اليهود: {فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم{ أم لشيء آخر, نطلب منكم الدواء الشافي بارك الله فيكم ونفعنا بما تقولون.
▣ الجواب: لمعالجة هذه الحالة يصعب مجرد الكلام هكذا بالعموم, بإمكان الإنسان أن يتكلم الآن يحي القلب من ناحية العموم, لكن ما إخالني أن يكون ذلك نافعا, فمثل هذه الحالة لابد من حوار مباشر مع صاحب القضية, بحيث نصل إلى معرفة السبب الذي دفع به إلى هذا التقهقر
يعني الدافع إلى ذلك ولابد أن تكون أسباب موجودة هي التي دفعت به فهي إما:
◀ أسباب داخلية.
◀ أسباب خارجية.
فلابد من البحث للوصول إلى نتيجة في حياة هذا الشخص لعلنا نصل إلى تحديد الأسباب.
◀ ودوما تكون الأسباب الداخلية راجعة إلى ثلاث أمور:
◉ الأمر الأول: وهو الخوف الذي يعتري الإنسان من خارجه, يخاف من أشياء, فيبدأ بدفع ما يخاف منه بالتقليل والبعد عن العبادة بحيث يراه الرائي أنه كغيره من الناس ممن لا يعبأ بهم ولا يلتفت إليهم, كما فعله كثير من الشباب عند المحن وعند اشتداد البلاء, هذا يأتي من جبن الإنسان, وهذه تكون سجية في الإنسان فلابد أن يعالج هذاالجانب بالعقيدة, لابد أن يعالج جانب الجبن بالعقيدة, لأن الجبن إنما يتمكن من الإنسان إذا كان ضعيف العقيدة في جانب سريان قضاء الله وقدره في الكون؛ ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم مع الغلام الصغير عالج هذا الجبن، أي جانب الجبن في القيام على طاعة الله وذلك بقوله صلى الله عليه وسلم له: « واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك» فالتغلب على جانب الخوف لا يكون إلا بمعرفة الله تعالى وتسليم بقضائه وقدره, فبمعالجة هذا الجانب يعود الإنسان بإذن الله إلى مكانته في الالتزام والاستقامة على طاعة الله تعالى لأنه يزول ذاك الداء الدفين وهو الجبن.
والجبن له دوافع عدة , يعني شخصية الإنسان أحيانا مكونة من هذا (خواف) وإلا يكون من شيء ثان, أي أن الجبن مكون يكون في ذات الإنسان أي منه ينشأ, وإما خارجي كما قال صلى الله عليه وسلم في حق المتزوج وله أبناء: «إن الولد مبخلة مجبنة . » هذا بالنسبة إلى الأمر الأول.
◉ الأمر الثاني: ضعف الإيمان, من أعظم الأسباب الدافعة لترك الاستقامةوالالتزام على الدين: ضعف الإيمان, ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الإيمان ليبلو كما يبلو الثوب فجددوا إيمانكم»
إذن فلابد من المحافظة على الإيمان, لأنه هو الدافع الوحيد إلى الاستقامةعلى الدين والثبات على طاعة الله والتضحية في جميع الأمور, ولهذا لما كانالصحابة رضي الله عنهم من الناحية الإيمانية على ما كانوا عليه استطاعوا أن يجابهوا الأمم كلها وما ردّهم ذلك إلى القهقرى والى الخوف والى غير ذلك, وإنما ما زادهم إلا صلابة, وأمثال الصحابة: بلال رضي الله عنه الذي تحمّل كل أسباب الضغط عليه والأذيّة لترك الاستقامة والالتزام, ولم يكفر الكفر الظاهر الذي رخّص فيه الشارع؛ ومع ذلك لما خالطت حلاوة الإيمان بشاشة القلب- وهذا استنتاج هرقل ملك الروم يشير علينا نحن هل الإسلام - مكانة قوتنا بشاشتنا على ديننا وقوة إيماننا, لما سأل هرقل أبو سفيان:« فهل يرتد أحد سخطة لدينه, قال: لا»
إذن نستنتج من هذا أن حلاوة الإيمان إذا خالطت بشاشة القلب فمن المستحيلأن يتخلى الإنسان عن التزامه ولو كانت الظروف ما كانت: الفقر, الجوع, العري... وغيرها, كل هذه الأمور استطاع الصحابة رضي الله عنهم أن يتحمّلوها وأن يثبتوا على طاعة الله تعالى وذلك راجع لقوة إيمانهم.
إذن هذا العامل الثاني راجع لضعف الإيمان, فلابد لهذا الأخ أن يراجع هذاالجانب, أي جانب الإيمان, ولهذا ندندن دوما وننادي ونناشد طلبة العلم أنيجمعوا في حياتهم العلمية بين العلم والإيمان والعمل, من الأمور الضروريةفي هذه الحياة لقيام المسلمين على دينهم, لمن أراد أن يعينهم على ذلك,لابد من جمع العلم والإيمان والعمل معاً, لأن هذا المزج الثلاثي يعطي قوةوصلابة المسلم على دينه, إذن لابد من الاهتمام بهذا الجانب.
◉ الأمر الثالث: عدم معرفة قيمة ما يعمل من أجله, فمن أعظم الأسبابالدافعة إلى ترك الالتزام جهل المسلمين بقيمة الآخرة, ولهذا قال المولى سبحانه وتعالى مخاطبا ملائكته: )فما يسألونني قال: يسألونك الجنة, قال: وهل رأوها ؟! يقولون: لا والله يا رب ما رأوها, يقول: فكيف لو أنهم رأوها, قال: يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصا وأشد لها طلبا لها ( .
فهذا بدون أن تظهر لهم الجنة على حقيقتها وصورتها الحقيقية, ومع ذلك سعواإليها بما ظهر لهم من معالم؛ ولهذا رغّب النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة رضي الله عنهم في الآخرة, والسعي لها, ودوام الالتزام ودوام الطاعة والصبر على الأذى, فقال صلى الله عليه وسلم: «فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر» وفائدة هذا الكلام هو أن يعطوا لها حقها, وأن يعظموها, ويقدروها, ويسعوا إليها؛ فبالنسبة للشباب غير المتزوج – ليبتعد عن الفتن- له قصر مجوف له فيه سبعون جارية الأخرى لا ترى الثانية....والله هذه حقائق شرعية؛ ما الفائدة من هذا الكلام؟! لا يعبث هكذا؛ والله لا لشيء إلا ليهتم الرجل والمرأة بطاعة الله و الرسول والقيام على دينه, في أداء الحقوق الزوجية, وفي الأعمال, والاستقامة على الدين, هذا كله ليبيّن لنا قيمة الأشياء.
ثم ذكر النار وما فيها من شرور, قال: «فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدّم وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدّم وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا الله ولو بشق تمرة» ثم ينظر إلى حال الكافرين في الجحيم, أن ضرس الكافر في النار كجبل أحد, ثم يذكر المولى سبحانه وتعالى غير ذلك مما ذكر.
◀ إذن من أعظم الأسباب المساعدة على الالتزام والاستقامة هو معرفة قيمة الشيء الذي يقدم عليه الإنسان, فكلما كان جاهلا بالشيء الذي يقدم عليه إلا وتنصّل عنه, والأمور الدنيوية دالة على هذا؛ ولمعرفة قيمة الأشياء يقول –ابن قيم الجوزية- رحمه الله تعالى- في كتابه " بدائع الفوائد ": " ولا يستقيم الزهد في الدنيا (معناه أن تعطيها قيمتها التي تستحقها) إلا بنظرين صحيحين:
◀ النظر في الدنيا وسرعة زوالها وفنائها واضمحلالها ونقصها وخستها وألم المزاحمة عليها والحرص عليها ..وما في ذلك من الغصص والنغص والأنكاد وآخر ذلك الزوال والانقطاع .فطالبها لا ينفك من همٍّ..وغمٍّ وحزن بعد فواتها" يعني لا ينفك طالب الدنيا من همّ وغمّ خاصة عندما يرى خسّتها وخسة ما فيها وزوالها وزوال ما فيها؛ وضربت قبل سنوات مثلا تقريبي: لو فيه شخص ذاهب إلى الحج وعنده بيت من الطراز العالي (فيلا) وجاء وقال لك يا فلان هذا بيتي أتركه لك شهرا كاملا تتمتع فيه مدة سفري إلى الحج, وفيه ما لا رأته عينك من أمور الدنيا: مَسْبَحْ, وأموال وأشياء كثيرة جدا.., وأنت تفرح فرحا شديداً تقول: ما شاء الله سأتمتع, لكن بمجرد ما ينقضي يوم إلا وينقلب الفرح إلى حزن, بقي 29 يوماً؛ لما كانت مدة المتعة محدودة, ولو أنك في متعة, لكن هذه المتعة تنفك؛ -ولهذا أهل الدنيا يزهدون في الآخرة ليتمتعوا, يريدون بذلك نسيان الآخرة-؛ إذن مع كون الخيرات بين يديه, لكن لما كانت المدة وجيزة, أصبحت تلك المتعة حسرة في حد ذاتها, فلابد أن ننظر إلى هذه الدنيا بهذه النظرة؛ قال –ابن القيم-:" وازهد فيما عند الناس كما زهد أهل الدنيا في الآخرة " أي لم يفكروا فيها (الآخرة) ولا يريدون التفكير فيها في أي لحظة من لحظاتها, ليتم لهم كمال المتعة, ولهذا قال أهل العلم: الأهواء في الديانات أعظم منها في الشهوات, لأن صاحب الهوى وصاحب الشهوة سرعان ما تنقضي عنه الغشاوة فيعود إلى رشده فتقع الحسرة إلى غير ذلك مما يقع, لأن في قلبه بذرة إيمان: سرق, شرب الخمر.. فسرعان ما تقع العودة, لأن الإيمان موجود, لكن الأهواء في الديانات دائمة لا تنفك عن صاحبها.
وكذلك أهل الدنيا زهدوا في الآخرة حتى يتمتعوا بما في الدنيا, لكن هيهات هيهات أن يحصل لهم مرادهم فيها, لأن المولى? أبى إلا أن تكون دار امتحان ودار ابتلاء, هيهات هيهات لن تحصل المتعة لإنسان في هذه الدنيا لمجرد المتعة المادية, من المستحيل, قال تعالى: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى } لتدركوا الحقائق ومعرفة قيمة الأشياء..
◀ " النظرة الثانية إلى الآخرة وإقبالها ومجيئها ولابد, ودوامها وبقائها,وشرف ما فيها من الخيرات والمسّرات والتفاوت الذي بينه وبين ما ههنا ..." كما ضربنا المثال السابق, أعطاه بيتا كاملا, لكن بعد شهر عاد عليه بالنكدوالنغص؛ والشخص الثاني مسكين ينوي الزواج وليس عنده مسكن, يقول له خذ هذا البيت (غرفة ومطبخ) هدية من عندي لك, فيفرح به فرحا ليس مثله فرح؛ لأنه سيصبح له ملك دائم, ولو أنه شيء بسيط جدا, ولكن لما كانت الملكية دائمة كان الفرح بها فرحا عظيما, وكلما دخل فيه تذكّر النعمة التي هو فيها.
إذن لابد من هذا النظر الصحيح.
◀إذن من أعظم الأسباب المساعدة على الطاعة والاستقامة على الدين هو معرفةالآخرة, ولهذا الجهال الذين يعيشون مع العوام يقولون: " أحييني اليومواقتلني غدا " ويقول: " درهم نقد خير من ألف نسيئة " لكن هذا الكلام يقوله من لم يعرف قيمة الأشياء, وأما من عرف قيمة الأشياء يقول: " اقتلني اليوم وأحييني غدا " وهذا ما كان يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه, قال صلى الله عليه وسلم: «مثلي ومثل الدنيا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها» كأنه يهوّن منها بحيث لا يعطيها الإنسان ما لا تستحق, وقال صلى الله عليه وسلم: «لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافر شربة ماء» .
- هذه الأسباب الداخلية.
◀ الأسباب الخارجية:
- ما يضيّع المسلم استقامته والتزامه إلا:
1- المخالطة: لابد أن ينظر الإنسان من يخالط, لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل» وهذا راجع دوما إلى شخصية المخالط, فيضيع المخالط إذا كان ضعيف الشخصية, لأنه سيتأثر بمن يخالطه, ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «ومثل الجليس السوء كمثل نافخ الكير» فهو يلحق بك ضررا إذا كنت ضعيف الشخصية, لأن الإنسان متأثر بالطبع أحب أم كره, لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من بدا جفا» ولهذا لما وصف رعاة الشاة والإبل بماذا وصفهم؟
رعاة الشاة وصفهم بالتواضع واللين والهدوء وغير ذلك, أما رعاة الإبل وصفهم بالكبر والشدة
والقوة, لأن الحياة مع الإبل فيها قوة, والغنم فيها دعة؛ إذن لما كان طبعالإنسان عرضة للتأثر بالغير, كان لابد أن يختار الصحبة والمخالطة
في
صدّ الأسباب الدافعة إلى ضعف الإيمان
للشيخ
أبي عبد الباري العيد شريفي
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
◈ يقول السائل: شيخنا بارك الله فيكم: أنا شاب كنت في بداية التزامي آخذا بهذا الدين بقوة, فكنت أصوم التطوع وأقوم الليل وأذكر الله على كل حال, وأحضر الصلوات, ولا أفرط في وردي من القرآن, ولا أذكار النوم وأذكار الصباح والمساء حيث أن حصن المسلم لا يفارقني ولكن لما طالت المدة في الالتزام تغيّرت الأحوال, فأصبحت متهاونا في كل شيء, فما بقي من الالتزام إلا المظهر, فبعض العبادات التي كادت أن تصبح عادات والله المستعان.
◈ فهل هذا كقوله تعالى في اليهود: {فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم{ أم لشيء آخر, نطلب منكم الدواء الشافي بارك الله فيكم ونفعنا بما تقولون.
▣ الجواب: لمعالجة هذه الحالة يصعب مجرد الكلام هكذا بالعموم, بإمكان الإنسان أن يتكلم الآن يحي القلب من ناحية العموم, لكن ما إخالني أن يكون ذلك نافعا, فمثل هذه الحالة لابد من حوار مباشر مع صاحب القضية, بحيث نصل إلى معرفة السبب الذي دفع به إلى هذا التقهقر
يعني الدافع إلى ذلك ولابد أن تكون أسباب موجودة هي التي دفعت به فهي إما:
◀ أسباب داخلية.
◀ أسباب خارجية.
فلابد من البحث للوصول إلى نتيجة في حياة هذا الشخص لعلنا نصل إلى تحديد الأسباب.
◀ ودوما تكون الأسباب الداخلية راجعة إلى ثلاث أمور:
◉ الأمر الأول: وهو الخوف الذي يعتري الإنسان من خارجه, يخاف من أشياء, فيبدأ بدفع ما يخاف منه بالتقليل والبعد عن العبادة بحيث يراه الرائي أنه كغيره من الناس ممن لا يعبأ بهم ولا يلتفت إليهم, كما فعله كثير من الشباب عند المحن وعند اشتداد البلاء, هذا يأتي من جبن الإنسان, وهذه تكون سجية في الإنسان فلابد أن يعالج هذاالجانب بالعقيدة, لابد أن يعالج جانب الجبن بالعقيدة, لأن الجبن إنما يتمكن من الإنسان إذا كان ضعيف العقيدة في جانب سريان قضاء الله وقدره في الكون؛ ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم مع الغلام الصغير عالج هذا الجبن، أي جانب الجبن في القيام على طاعة الله وذلك بقوله صلى الله عليه وسلم له: « واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك» فالتغلب على جانب الخوف لا يكون إلا بمعرفة الله تعالى وتسليم بقضائه وقدره, فبمعالجة هذا الجانب يعود الإنسان بإذن الله إلى مكانته في الالتزام والاستقامة على طاعة الله تعالى لأنه يزول ذاك الداء الدفين وهو الجبن.
والجبن له دوافع عدة , يعني شخصية الإنسان أحيانا مكونة من هذا (خواف) وإلا يكون من شيء ثان, أي أن الجبن مكون يكون في ذات الإنسان أي منه ينشأ, وإما خارجي كما قال صلى الله عليه وسلم في حق المتزوج وله أبناء: «إن الولد مبخلة مجبنة . » هذا بالنسبة إلى الأمر الأول.
◉ الأمر الثاني: ضعف الإيمان, من أعظم الأسباب الدافعة لترك الاستقامةوالالتزام على الدين: ضعف الإيمان, ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الإيمان ليبلو كما يبلو الثوب فجددوا إيمانكم»
إذن فلابد من المحافظة على الإيمان, لأنه هو الدافع الوحيد إلى الاستقامةعلى الدين والثبات على طاعة الله والتضحية في جميع الأمور, ولهذا لما كانالصحابة رضي الله عنهم من الناحية الإيمانية على ما كانوا عليه استطاعوا أن يجابهوا الأمم كلها وما ردّهم ذلك إلى القهقرى والى الخوف والى غير ذلك, وإنما ما زادهم إلا صلابة, وأمثال الصحابة: بلال رضي الله عنه الذي تحمّل كل أسباب الضغط عليه والأذيّة لترك الاستقامة والالتزام, ولم يكفر الكفر الظاهر الذي رخّص فيه الشارع؛ ومع ذلك لما خالطت حلاوة الإيمان بشاشة القلب- وهذا استنتاج هرقل ملك الروم يشير علينا نحن هل الإسلام - مكانة قوتنا بشاشتنا على ديننا وقوة إيماننا, لما سأل هرقل أبو سفيان:« فهل يرتد أحد سخطة لدينه, قال: لا»
إذن نستنتج من هذا أن حلاوة الإيمان إذا خالطت بشاشة القلب فمن المستحيلأن يتخلى الإنسان عن التزامه ولو كانت الظروف ما كانت: الفقر, الجوع, العري... وغيرها, كل هذه الأمور استطاع الصحابة رضي الله عنهم أن يتحمّلوها وأن يثبتوا على طاعة الله تعالى وذلك راجع لقوة إيمانهم.
إذن هذا العامل الثاني راجع لضعف الإيمان, فلابد لهذا الأخ أن يراجع هذاالجانب, أي جانب الإيمان, ولهذا ندندن دوما وننادي ونناشد طلبة العلم أنيجمعوا في حياتهم العلمية بين العلم والإيمان والعمل, من الأمور الضروريةفي هذه الحياة لقيام المسلمين على دينهم, لمن أراد أن يعينهم على ذلك,لابد من جمع العلم والإيمان والعمل معاً, لأن هذا المزج الثلاثي يعطي قوةوصلابة المسلم على دينه, إذن لابد من الاهتمام بهذا الجانب.
◉ الأمر الثالث: عدم معرفة قيمة ما يعمل من أجله, فمن أعظم الأسبابالدافعة إلى ترك الالتزام جهل المسلمين بقيمة الآخرة, ولهذا قال المولى سبحانه وتعالى مخاطبا ملائكته: )فما يسألونني قال: يسألونك الجنة, قال: وهل رأوها ؟! يقولون: لا والله يا رب ما رأوها, يقول: فكيف لو أنهم رأوها, قال: يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصا وأشد لها طلبا لها ( .
فهذا بدون أن تظهر لهم الجنة على حقيقتها وصورتها الحقيقية, ومع ذلك سعواإليها بما ظهر لهم من معالم؛ ولهذا رغّب النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة رضي الله عنهم في الآخرة, والسعي لها, ودوام الالتزام ودوام الطاعة والصبر على الأذى, فقال صلى الله عليه وسلم: «فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر» وفائدة هذا الكلام هو أن يعطوا لها حقها, وأن يعظموها, ويقدروها, ويسعوا إليها؛ فبالنسبة للشباب غير المتزوج – ليبتعد عن الفتن- له قصر مجوف له فيه سبعون جارية الأخرى لا ترى الثانية....والله هذه حقائق شرعية؛ ما الفائدة من هذا الكلام؟! لا يعبث هكذا؛ والله لا لشيء إلا ليهتم الرجل والمرأة بطاعة الله و الرسول والقيام على دينه, في أداء الحقوق الزوجية, وفي الأعمال, والاستقامة على الدين, هذا كله ليبيّن لنا قيمة الأشياء.
ثم ذكر النار وما فيها من شرور, قال: «فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدّم وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدّم وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا الله ولو بشق تمرة» ثم ينظر إلى حال الكافرين في الجحيم, أن ضرس الكافر في النار كجبل أحد, ثم يذكر المولى سبحانه وتعالى غير ذلك مما ذكر.
◀ إذن من أعظم الأسباب المساعدة على الالتزام والاستقامة هو معرفة قيمة الشيء الذي يقدم عليه الإنسان, فكلما كان جاهلا بالشيء الذي يقدم عليه إلا وتنصّل عنه, والأمور الدنيوية دالة على هذا؛ ولمعرفة قيمة الأشياء يقول –ابن قيم الجوزية- رحمه الله تعالى- في كتابه " بدائع الفوائد ": " ولا يستقيم الزهد في الدنيا (معناه أن تعطيها قيمتها التي تستحقها) إلا بنظرين صحيحين:
◀ النظر في الدنيا وسرعة زوالها وفنائها واضمحلالها ونقصها وخستها وألم المزاحمة عليها والحرص عليها ..وما في ذلك من الغصص والنغص والأنكاد وآخر ذلك الزوال والانقطاع .فطالبها لا ينفك من همٍّ..وغمٍّ وحزن بعد فواتها" يعني لا ينفك طالب الدنيا من همّ وغمّ خاصة عندما يرى خسّتها وخسة ما فيها وزوالها وزوال ما فيها؛ وضربت قبل سنوات مثلا تقريبي: لو فيه شخص ذاهب إلى الحج وعنده بيت من الطراز العالي (فيلا) وجاء وقال لك يا فلان هذا بيتي أتركه لك شهرا كاملا تتمتع فيه مدة سفري إلى الحج, وفيه ما لا رأته عينك من أمور الدنيا: مَسْبَحْ, وأموال وأشياء كثيرة جدا.., وأنت تفرح فرحا شديداً تقول: ما شاء الله سأتمتع, لكن بمجرد ما ينقضي يوم إلا وينقلب الفرح إلى حزن, بقي 29 يوماً؛ لما كانت مدة المتعة محدودة, ولو أنك في متعة, لكن هذه المتعة تنفك؛ -ولهذا أهل الدنيا يزهدون في الآخرة ليتمتعوا, يريدون بذلك نسيان الآخرة-؛ إذن مع كون الخيرات بين يديه, لكن لما كانت المدة وجيزة, أصبحت تلك المتعة حسرة في حد ذاتها, فلابد أن ننظر إلى هذه الدنيا بهذه النظرة؛ قال –ابن القيم-:" وازهد فيما عند الناس كما زهد أهل الدنيا في الآخرة " أي لم يفكروا فيها (الآخرة) ولا يريدون التفكير فيها في أي لحظة من لحظاتها, ليتم لهم كمال المتعة, ولهذا قال أهل العلم: الأهواء في الديانات أعظم منها في الشهوات, لأن صاحب الهوى وصاحب الشهوة سرعان ما تنقضي عنه الغشاوة فيعود إلى رشده فتقع الحسرة إلى غير ذلك مما يقع, لأن في قلبه بذرة إيمان: سرق, شرب الخمر.. فسرعان ما تقع العودة, لأن الإيمان موجود, لكن الأهواء في الديانات دائمة لا تنفك عن صاحبها.
وكذلك أهل الدنيا زهدوا في الآخرة حتى يتمتعوا بما في الدنيا, لكن هيهات هيهات أن يحصل لهم مرادهم فيها, لأن المولى? أبى إلا أن تكون دار امتحان ودار ابتلاء, هيهات هيهات لن تحصل المتعة لإنسان في هذه الدنيا لمجرد المتعة المادية, من المستحيل, قال تعالى: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى } لتدركوا الحقائق ومعرفة قيمة الأشياء..
◀ " النظرة الثانية إلى الآخرة وإقبالها ومجيئها ولابد, ودوامها وبقائها,وشرف ما فيها من الخيرات والمسّرات والتفاوت الذي بينه وبين ما ههنا ..." كما ضربنا المثال السابق, أعطاه بيتا كاملا, لكن بعد شهر عاد عليه بالنكدوالنغص؛ والشخص الثاني مسكين ينوي الزواج وليس عنده مسكن, يقول له خذ هذا البيت (غرفة ومطبخ) هدية من عندي لك, فيفرح به فرحا ليس مثله فرح؛ لأنه سيصبح له ملك دائم, ولو أنه شيء بسيط جدا, ولكن لما كانت الملكية دائمة كان الفرح بها فرحا عظيما, وكلما دخل فيه تذكّر النعمة التي هو فيها.
إذن لابد من هذا النظر الصحيح.
◀إذن من أعظم الأسباب المساعدة على الطاعة والاستقامة على الدين هو معرفةالآخرة, ولهذا الجهال الذين يعيشون مع العوام يقولون: " أحييني اليومواقتلني غدا " ويقول: " درهم نقد خير من ألف نسيئة " لكن هذا الكلام يقوله من لم يعرف قيمة الأشياء, وأما من عرف قيمة الأشياء يقول: " اقتلني اليوم وأحييني غدا " وهذا ما كان يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه, قال صلى الله عليه وسلم: «مثلي ومثل الدنيا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها» كأنه يهوّن منها بحيث لا يعطيها الإنسان ما لا تستحق, وقال صلى الله عليه وسلم: «لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافر شربة ماء» .
- هذه الأسباب الداخلية.
◀ الأسباب الخارجية:
- ما يضيّع المسلم استقامته والتزامه إلا:
1- المخالطة: لابد أن ينظر الإنسان من يخالط, لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل» وهذا راجع دوما إلى شخصية المخالط, فيضيع المخالط إذا كان ضعيف الشخصية, لأنه سيتأثر بمن يخالطه, ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «ومثل الجليس السوء كمثل نافخ الكير» فهو يلحق بك ضررا إذا كنت ضعيف الشخصية, لأن الإنسان متأثر بالطبع أحب أم كره, لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من بدا جفا» ولهذا لما وصف رعاة الشاة والإبل بماذا وصفهم؟
رعاة الشاة وصفهم بالتواضع واللين والهدوء وغير ذلك, أما رعاة الإبل وصفهم بالكبر والشدة
والقوة, لأن الحياة مع الإبل فيها قوة, والغنم فيها دعة؛ إذن لما كان طبعالإنسان عرضة للتأثر بالغير, كان لابد أن يختار الصحبة والمخالطة