العوفي العوفي
2014-04-03, 15:27
بعد أ عوذ بالله من الشيطان الرجيم
(لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُون).
جاء في كتاب «التيسير في أصول التفسير» لمؤلفه العالم في أصول الفقه أمير حزب التحرير عطاء بن خليل أبو الرشتة حفظه الله وسدد خطاه:
1- تستمر الآيات في الإنفاق ولكن الله سبحانه يذكر خلالها جزءاً من الآية كأنه في ظاهره لا علاقة له بالإنفاق.
والمعروف في لغة العرب أن العربي الفصيح لا يكون كلامه على غير نسق، فإن بدأ في كلامه جزءاً على غير اتصال بالسابق واللاحق فإنه يكون مقصوداً، ويكون المتكلم قد أخفى الصلة بين هذا الجزء وباقي الكلام ولم يجعلها صريحة الظهور لتكون مدعاة للوقوف عندها للتعمق في اكتشافها ولفت النظر إليها بهذا الأسلوب من النظم البديع.
وهذه الآية الكريمة كذلك فإن ما سبقها كان في الإنفاق وما تبعها في الإنفاق، وظاهر مدلول ألفاظها على غير ذلك فيكون التركيز عليها والوقوف عندها لاكتشاف هذه الصلة وتدبرها بعمق مقصوداً لله سبحانه.
وبتدبر هذه الآية الكريمة يتبين أننا غير مكلفين بإجبار الناس على الهداية والدخول في الإسلام فليس في مقدورنا ذلك، بل الله يهدي من يشاء. أما نحن فندعو للإسلام ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر فإن استجابوا فذلك الفضل من الله، فالله وحده القادر على هداية الناس أجمعين (وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا) السجدة/آية13.
وبتدبر هذا المعنى نتساءل الآن عن صلة هذا الجزء من الآية الكريمة مع ما قبلها، مما هو خاصّ بالإنفاق وما بعدها مما هو خاصّ بالإنفاق كذلك.
إن حرص الإنسان على هداية من يحب وإسلامه من قريب أو صديق قد تدفعه للضغط عليه ليكرهه على الدخول في الإسلام، ومن هذه الأساليب استعمال المال في ذلك، فإن كان ينفق عليه قد يمنع عنه النفقة كي يسلم أو يشترط إسلامه للنفقة عليه، فمنع الله المسلمين من استعمال النفقة أسلوباً لإكراه أقربائهم أو من لهم بهم علاقة للدخول في الإسلام.
فتدبر الآية الكريمة والوقوف عندها يفيد أمرين:
الأول: إنَّ الدخول في الإسلام أو الهدى يحتاج إلى قناعةٍ ورضىً واختيارٍ وليس بالإكراه والإجبار.
2- : أن لا تستغل النفقة على الأقارب أو من لهم علاقة لإكراه الناس على اعتناق الإسلام. ويؤكد ذلك ما رواه بعض الصحابة في سبب نزول هذه الآية: أخرج ابن جرير عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: "كانوا - أي المسلمون - لا يرضخون لقراباتهم من المشركين فنـزلت (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)" يرضخون: يعطون شيئاً من أموالهم، أي كانوا لا ينفقون على قراباتهم لأنهم مشركون حتى يسلموا. وفي رواية أخرى عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "كان أناس من الأنصار لهم أنسباء وقرابة من قريظة والنضير، وكانوا يتقون أن يتصدقوا ويريدونهم أن يسلموا فنـزلت: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ)".
و(يتصدقوا) الواردة في هذه الرواية بمعنى الصلة والنفقة؛ لأن الصدقة قربة إلى الله ولا تجوز لغير المسلم.
وأخرج ابن جرير كذلك عن سعيد بن جبير: كانوا يتقون أن يرضخوا لقراباتهم من المشركين حتى نزلت: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ).
وقد ذكر القرطبي عن بعض المفسرين أن أسماء بنت أبي بكر الصديق أرادت أن تصل جدها أبا قحافة ثم امتنعت عن ذلك لكونه كافراً فنـزلت الآية في ذلك.
وعليه فإن سياق الآيات مستمر بنسق واحد مع التركيز على عدم استعمال النفقة أو منعها لإجبار الناس على الدخول في الإسلام.
ومن الجدير ذكره أن عدم إجبار الناس على الدخول في الإسلام لا يعني عدم إجبارهم على النـزول عند أحكام الشرع وتطبيق أحكام الشرع عليهم من قبل الدولة الإسلامية، فذلك فرض.
ولقد ذكرنا ذلك في تفسير الآية (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) البقرة/آية256 فارجع إليه.
ثم يكمل الله سبحانه آياته في الإنفاق فيبين في هذه الآية الكريمة أحكاماً أخرى للإنفاق، فقد سبق أن بين الله أن الإنفاق يجب أن يكون خالياً من المن والأذى ولا يكون رياء ولا يكون من الرديء من المال.
وفي هذه الآية الكريمة يبين الله سبحانه أن من ينفق نفقة فخيرها له، فهو الذي سيثاب عليها وتوفى إليه في الدنيا والآخرة وبخاصة وهو ينفقها ابتغاء وجه الله.
(لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ) الخطاب للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو خطاب لأمته كذلك، والمعنى: لست مكلفاً بإجبارهم على الهدى. ومعنى التكليف آتٍ من (عَلَيْكَ) والهدى: الإسلام.
(وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) أي أن الله سبحانه هو القادر على هداية الناس أجمعين، ولكن حكمته سبحانه اقتضت أن يتركهم يختارون (فَمِنْهُمْ مَنْ ءَامَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ) البقرة/آية253.
(وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ) (مَا) شرطية (مِنْ) تبعيضية، أي جزء من خير (خَيْرٍ) مال لأن الخير إذا اقترن بالإنفاق فإنه يعني المال، فإن لم يقترن فليس بالضرورة المال بل قد يأتي في غيرها (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ) الزلزلة/آية7.
(فَلِأَنْفُسِكُمْ) أي فهو لأنفسكم لا ينتفع به في الآخرة غيركم، والفاء داخلة على جواب الشرط.
(وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ) أي يكون ثوابه لأنفسكم في حال كونكم تنفقونه ابتغاء وجه الله.
(وَمَا تُنْفِقُونَ) لا تنفقون والواو للحال والجملة حال. (ابْتِغَاءَ) مفعول لأجله.
(وَجْهِ اللَّهِ) كناية عن ذات الله سبحانه، وفي هذا الاستعمال الإخلاص الخالص لله، فإن قولك: فعلت هذا لأجل زيد يحتمل أنك فعلته له وحده أو فعلته له ولغيره، أي فيه معنى الشراكة، فإن قلت: فعلته لوجه زيد كان خالصاً لزيد وحده.
وبذلك (ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ) أي خالصا لله وحده.
(وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) بيان للجملة الشرطية (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ) أي بيان (لأنفسكم) أنه يوفى إليكم في الدنيا والآخرة دون أن تظلموا أي دون أن تبخسوا من الوفاء شيئاً، فالله هو الموفي وهو خير الحاكمين، في الدنيا بمباركة المال، وفي الآخرة بالأجر العظيم: "اللهم اجعل لمنفق خلفاً ولممسك تلفاً" (البخاري ومسلم) كما يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
تفسير السعدي
۞ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272)
يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ليس عليك هدى الخلق، وإنما عليك البلاغ المبين، والهداية بيد الله تعالى، ففيها دلالة على أن النفقة كما تكون على المسلم تكون على الكافر ولو لم يهتد، فلهذا قال: { وما تنفقوا من خير } أي: قليل أو كثير على أي شخص كان من مسلم وكافر { فلأنفسكم } أي: نفعه راجع إليكم { وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله } هذا إخبار عن نفقات المؤمنين الصادرة عن إيمانهم أنها لا تكون إلا لوجه الله تعالى، لأن إيمانهم يمنعهم عن المقاصد الردية ويوجب لهم الإخلاص { وما تنفقوا من خير يوف إليكم } يوم القيامة تستوفون أجوركم { وأنتم لا تظلمون } أي: تنقصون من أعمالكم شيئا ولا مثقال ذرة، كما لا يزاد في سيئاتكم.
إعراب الآية :
(لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (البقرة 272)).
أعربها احدهم كما يلي وهو مجازى عن الاجتهاد:
(ليس) فعل ماض ناقص جامد
(على) حرف جرّ والكاف ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر مقدّم
(هدى) اسم ليس مؤخّر مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الألف
و(هم) ضمير متّصل مضاف إليه الواو عاطفة
(لكنّ) حرف استدراك ونصب
(اللّه) لفظ الجلالة اسم لكنّ منصوب
(يهدي) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الياء والفاعل ضمير مستتر تقديره هو
(من) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب مفعول به
(يشاء) مضارع مرفوع والفاعل ضمير مستتر تقديره هو أي اللّه
الواو استئنافيّة
(ما تنفقوا من خير) مرّ إعراب نظيرها، الفاء رابطة لجواب الشرط
(لأنفس) جارّ ومجرور متعلّق بخبر محذوف لمبتدأ مقدّر أي هو الواو اعتراضيّة
(ما) نافية (تنفقون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل
(إلّا) أداة حصر (ابتغاء) مفعول لأجله منصوب،
(وجه) مضاف إليه مجرور
(اللّه) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور
الواو عاطفة (ما تنفقوا من خير) مر إعراب نظيرها،
(يوفّ) مضارع مجزوم جواب الشرط وعلامة الجزم حذف حرف العلّة وهو مبنيّ للمجهول، ونائب الفاعل مفهوم من سياق الآية أي جزاؤه
(إلى) حرف جرّ
و(كم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (يوفّ)،
الواو حاليّة
(أنتم) ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ
(لا) نافية
(تظلمون) مضارع مبنيّ للمجهول مرفوع.. والواو نائب فاعل.
جملة: (ليس عليك هداهم) لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: (لكنّ اللّه يهدي) لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: (يهدي) في محلّ رفع خبر لكنّ.
وجملة: (يشاء) لا محلّ لها صلة الموصول (من).
وجملة: (ما تنفقوا من خير) لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: (هو) لأنفسكم) في محلّ جزم جواب الشرط الجازم مقترنة بالفاء.
وجملة: (ما تنفقون إلّا...) لا محلّ لها اعتراضيّة.
وجملة: (ما تنفقوا من خير) لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: (يوفّ إليكم) لا محلّ لها جواب شرط جازم غير مقترنة بالفاء.
وجملة: (أنتم لا تظلمون) في محلّ نصب حال من ضمير الخطاب المجرور.
وجملة: (لا تظلمون) في محلّ رفع خبر المبتدأ (أنتم).
الصرف:
(خير)، اسم جامد بمعنى المال، وهو مصدر خار أيضا.
(يوفّ)، فيه إعلال بالحذف بسبب الجزم، وزنه يفعّ بضمّ الياء وفتح العين المشدّدة.
والله أعلم
(لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُون).
جاء في كتاب «التيسير في أصول التفسير» لمؤلفه العالم في أصول الفقه أمير حزب التحرير عطاء بن خليل أبو الرشتة حفظه الله وسدد خطاه:
1- تستمر الآيات في الإنفاق ولكن الله سبحانه يذكر خلالها جزءاً من الآية كأنه في ظاهره لا علاقة له بالإنفاق.
والمعروف في لغة العرب أن العربي الفصيح لا يكون كلامه على غير نسق، فإن بدأ في كلامه جزءاً على غير اتصال بالسابق واللاحق فإنه يكون مقصوداً، ويكون المتكلم قد أخفى الصلة بين هذا الجزء وباقي الكلام ولم يجعلها صريحة الظهور لتكون مدعاة للوقوف عندها للتعمق في اكتشافها ولفت النظر إليها بهذا الأسلوب من النظم البديع.
وهذه الآية الكريمة كذلك فإن ما سبقها كان في الإنفاق وما تبعها في الإنفاق، وظاهر مدلول ألفاظها على غير ذلك فيكون التركيز عليها والوقوف عندها لاكتشاف هذه الصلة وتدبرها بعمق مقصوداً لله سبحانه.
وبتدبر هذه الآية الكريمة يتبين أننا غير مكلفين بإجبار الناس على الهداية والدخول في الإسلام فليس في مقدورنا ذلك، بل الله يهدي من يشاء. أما نحن فندعو للإسلام ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر فإن استجابوا فذلك الفضل من الله، فالله وحده القادر على هداية الناس أجمعين (وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا) السجدة/آية13.
وبتدبر هذا المعنى نتساءل الآن عن صلة هذا الجزء من الآية الكريمة مع ما قبلها، مما هو خاصّ بالإنفاق وما بعدها مما هو خاصّ بالإنفاق كذلك.
إن حرص الإنسان على هداية من يحب وإسلامه من قريب أو صديق قد تدفعه للضغط عليه ليكرهه على الدخول في الإسلام، ومن هذه الأساليب استعمال المال في ذلك، فإن كان ينفق عليه قد يمنع عنه النفقة كي يسلم أو يشترط إسلامه للنفقة عليه، فمنع الله المسلمين من استعمال النفقة أسلوباً لإكراه أقربائهم أو من لهم بهم علاقة للدخول في الإسلام.
فتدبر الآية الكريمة والوقوف عندها يفيد أمرين:
الأول: إنَّ الدخول في الإسلام أو الهدى يحتاج إلى قناعةٍ ورضىً واختيارٍ وليس بالإكراه والإجبار.
2- : أن لا تستغل النفقة على الأقارب أو من لهم علاقة لإكراه الناس على اعتناق الإسلام. ويؤكد ذلك ما رواه بعض الصحابة في سبب نزول هذه الآية: أخرج ابن جرير عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: "كانوا - أي المسلمون - لا يرضخون لقراباتهم من المشركين فنـزلت (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)" يرضخون: يعطون شيئاً من أموالهم، أي كانوا لا ينفقون على قراباتهم لأنهم مشركون حتى يسلموا. وفي رواية أخرى عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "كان أناس من الأنصار لهم أنسباء وقرابة من قريظة والنضير، وكانوا يتقون أن يتصدقوا ويريدونهم أن يسلموا فنـزلت: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ)".
و(يتصدقوا) الواردة في هذه الرواية بمعنى الصلة والنفقة؛ لأن الصدقة قربة إلى الله ولا تجوز لغير المسلم.
وأخرج ابن جرير كذلك عن سعيد بن جبير: كانوا يتقون أن يرضخوا لقراباتهم من المشركين حتى نزلت: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ).
وقد ذكر القرطبي عن بعض المفسرين أن أسماء بنت أبي بكر الصديق أرادت أن تصل جدها أبا قحافة ثم امتنعت عن ذلك لكونه كافراً فنـزلت الآية في ذلك.
وعليه فإن سياق الآيات مستمر بنسق واحد مع التركيز على عدم استعمال النفقة أو منعها لإجبار الناس على الدخول في الإسلام.
ومن الجدير ذكره أن عدم إجبار الناس على الدخول في الإسلام لا يعني عدم إجبارهم على النـزول عند أحكام الشرع وتطبيق أحكام الشرع عليهم من قبل الدولة الإسلامية، فذلك فرض.
ولقد ذكرنا ذلك في تفسير الآية (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) البقرة/آية256 فارجع إليه.
ثم يكمل الله سبحانه آياته في الإنفاق فيبين في هذه الآية الكريمة أحكاماً أخرى للإنفاق، فقد سبق أن بين الله أن الإنفاق يجب أن يكون خالياً من المن والأذى ولا يكون رياء ولا يكون من الرديء من المال.
وفي هذه الآية الكريمة يبين الله سبحانه أن من ينفق نفقة فخيرها له، فهو الذي سيثاب عليها وتوفى إليه في الدنيا والآخرة وبخاصة وهو ينفقها ابتغاء وجه الله.
(لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ) الخطاب للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو خطاب لأمته كذلك، والمعنى: لست مكلفاً بإجبارهم على الهدى. ومعنى التكليف آتٍ من (عَلَيْكَ) والهدى: الإسلام.
(وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) أي أن الله سبحانه هو القادر على هداية الناس أجمعين، ولكن حكمته سبحانه اقتضت أن يتركهم يختارون (فَمِنْهُمْ مَنْ ءَامَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ) البقرة/آية253.
(وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ) (مَا) شرطية (مِنْ) تبعيضية، أي جزء من خير (خَيْرٍ) مال لأن الخير إذا اقترن بالإنفاق فإنه يعني المال، فإن لم يقترن فليس بالضرورة المال بل قد يأتي في غيرها (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ) الزلزلة/آية7.
(فَلِأَنْفُسِكُمْ) أي فهو لأنفسكم لا ينتفع به في الآخرة غيركم، والفاء داخلة على جواب الشرط.
(وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ) أي يكون ثوابه لأنفسكم في حال كونكم تنفقونه ابتغاء وجه الله.
(وَمَا تُنْفِقُونَ) لا تنفقون والواو للحال والجملة حال. (ابْتِغَاءَ) مفعول لأجله.
(وَجْهِ اللَّهِ) كناية عن ذات الله سبحانه، وفي هذا الاستعمال الإخلاص الخالص لله، فإن قولك: فعلت هذا لأجل زيد يحتمل أنك فعلته له وحده أو فعلته له ولغيره، أي فيه معنى الشراكة، فإن قلت: فعلته لوجه زيد كان خالصاً لزيد وحده.
وبذلك (ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ) أي خالصا لله وحده.
(وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) بيان للجملة الشرطية (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ) أي بيان (لأنفسكم) أنه يوفى إليكم في الدنيا والآخرة دون أن تظلموا أي دون أن تبخسوا من الوفاء شيئاً، فالله هو الموفي وهو خير الحاكمين، في الدنيا بمباركة المال، وفي الآخرة بالأجر العظيم: "اللهم اجعل لمنفق خلفاً ولممسك تلفاً" (البخاري ومسلم) كما يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
تفسير السعدي
۞ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272)
يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ليس عليك هدى الخلق، وإنما عليك البلاغ المبين، والهداية بيد الله تعالى، ففيها دلالة على أن النفقة كما تكون على المسلم تكون على الكافر ولو لم يهتد، فلهذا قال: { وما تنفقوا من خير } أي: قليل أو كثير على أي شخص كان من مسلم وكافر { فلأنفسكم } أي: نفعه راجع إليكم { وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله } هذا إخبار عن نفقات المؤمنين الصادرة عن إيمانهم أنها لا تكون إلا لوجه الله تعالى، لأن إيمانهم يمنعهم عن المقاصد الردية ويوجب لهم الإخلاص { وما تنفقوا من خير يوف إليكم } يوم القيامة تستوفون أجوركم { وأنتم لا تظلمون } أي: تنقصون من أعمالكم شيئا ولا مثقال ذرة، كما لا يزاد في سيئاتكم.
إعراب الآية :
(لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (البقرة 272)).
أعربها احدهم كما يلي وهو مجازى عن الاجتهاد:
(ليس) فعل ماض ناقص جامد
(على) حرف جرّ والكاف ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر مقدّم
(هدى) اسم ليس مؤخّر مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الألف
و(هم) ضمير متّصل مضاف إليه الواو عاطفة
(لكنّ) حرف استدراك ونصب
(اللّه) لفظ الجلالة اسم لكنّ منصوب
(يهدي) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الياء والفاعل ضمير مستتر تقديره هو
(من) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب مفعول به
(يشاء) مضارع مرفوع والفاعل ضمير مستتر تقديره هو أي اللّه
الواو استئنافيّة
(ما تنفقوا من خير) مرّ إعراب نظيرها، الفاء رابطة لجواب الشرط
(لأنفس) جارّ ومجرور متعلّق بخبر محذوف لمبتدأ مقدّر أي هو الواو اعتراضيّة
(ما) نافية (تنفقون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل
(إلّا) أداة حصر (ابتغاء) مفعول لأجله منصوب،
(وجه) مضاف إليه مجرور
(اللّه) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور
الواو عاطفة (ما تنفقوا من خير) مر إعراب نظيرها،
(يوفّ) مضارع مجزوم جواب الشرط وعلامة الجزم حذف حرف العلّة وهو مبنيّ للمجهول، ونائب الفاعل مفهوم من سياق الآية أي جزاؤه
(إلى) حرف جرّ
و(كم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (يوفّ)،
الواو حاليّة
(أنتم) ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ
(لا) نافية
(تظلمون) مضارع مبنيّ للمجهول مرفوع.. والواو نائب فاعل.
جملة: (ليس عليك هداهم) لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: (لكنّ اللّه يهدي) لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: (يهدي) في محلّ رفع خبر لكنّ.
وجملة: (يشاء) لا محلّ لها صلة الموصول (من).
وجملة: (ما تنفقوا من خير) لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: (هو) لأنفسكم) في محلّ جزم جواب الشرط الجازم مقترنة بالفاء.
وجملة: (ما تنفقون إلّا...) لا محلّ لها اعتراضيّة.
وجملة: (ما تنفقوا من خير) لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: (يوفّ إليكم) لا محلّ لها جواب شرط جازم غير مقترنة بالفاء.
وجملة: (أنتم لا تظلمون) في محلّ نصب حال من ضمير الخطاب المجرور.
وجملة: (لا تظلمون) في محلّ رفع خبر المبتدأ (أنتم).
الصرف:
(خير)، اسم جامد بمعنى المال، وهو مصدر خار أيضا.
(يوفّ)، فيه إعلال بالحذف بسبب الجزم، وزنه يفعّ بضمّ الياء وفتح العين المشدّدة.
والله أعلم