كرماني
2014-03-18, 16:35
في حكم من تاب بعد قرض ربوي لم يرجعه كاملا
الشيخ أبي عبد المعزّ محمّد علي فركوس - حفظه الله
السؤال:
اقترضت مبلغا من البنك -مضطرا- من أجل شراء مسكن يأويني وعائلتي، واليوم -والحمد لله- عرفت الحكم الشرعي، وأريد أن أتوب، فما عساني أن أفعل علما أنّني لم أتمم بعد إرجاع القرض كاملا؟ وجزاكم الله خيرا.
الجواب:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فالأصل في القرض الرّبويّ التّحريم والبطلان لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُم مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ﴾[البقرة: 278-279]، كما أنّ الأصل لا يسع للمسلم أن يجهل ما هو ضروريّ لأمور دينه ودنياه لوجوب طلب العلم الشّرعيّ لقولِه صلّى الله عليه وآلِه وسلّم: «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ»(1)، ولا يجوز الجهل بما هو معلوم من الدّين ضرورةً أو كان مشتهرا. ولأجل هذا وضع علماء القواعد قاعدةً مقتضاها: «لاَ يُقْبَلُ فِي دَارِ الإِسْلاَمِ عُذْرُ الْجَهْلِ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ»، وعليه لما غابت السّلطة الشّرعيّة في ترتيب الأحكام المتعلّقة بالعقود من حيث بطلانها وإعادة المتعاقدين إلى ما كانا عليه قبل التّعاقد، ولأنّ التّصرف الرّبويّ الذي قام به والمخالف لحكم الله سبحانه وتعالى لا يستطيع العودة فيه إلى ما كان عليه قبل التعاقد، فلما تعذرت كل الأحوال صحح له العقد ضرورةً لا دينًا وأتم رد ما أوجبه عليه البنك من غير أن يكون باغيًا ولا عاديًا.
أمّا التّذرع بالاقتراض من أجل الضّرورة فإنّ الضّرورة هي: أن يبلغ فيها المرء درجة يوشك على الهلاك أو يقرب منه، بمعنى أن يكون اقترافه للمعصية أهون من تركها، ومثل هذه المسائل من حيث العلم بها موكولة إلى دين المرء في تقديرها، وتقدير حجمها، فإن كانت حقيقة ما يذكره السّائل أنّه وقع في ضرورة ملحّة يوشك على الهلاك في دينه أو في ماله أو في عرضه جاز ذلك ولكن بقدرها ولهذا وضع العلماء قاعدة مقتضاها: «إِذَا ضَاقَ الْأَمْرُ اتَّسَعَ وَإِذَا اتَّسَعَ ضَاقَ»، وقاعدة أخرى: «الضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ وَلَكِنْ تُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا»(2).
ثمّ اعلمْ أنّ التّوبة يجب أن تكون نصوحة وذلك بالتّخلّي عن هذه المعصية وعن سائر المعاصي الأخرى على أن يعزم أن لا يعود إليها وأن يستتبعها بالعمل الصّالح، لقوله سبحانه وتعالى: ﴿إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الفرقان : 70]، ومن كان صادقًا في توبته عنها يهدي الله له أسباب الفوز والنّجاح في الدّنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[النّور : 31].
والعلم عند الله، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
الجزائر في:29 جمادى الأولى 1426هـ
المـوافـق لـ: 06 جويـليـة 2005م
1- أخرجه ابن ماجه في «المقدّمة»، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم: (224)، وأبو يعلى في «مسنده»: (2837)، والبيهقيّ في «شعب الإيمان»: (1665)، من حديث أنس رضي الله عنه، والحديث صحّحه الألبانيّ في «صحيح الجامع»: (3914)، وفي «المشكاة»: (214).
2- انظر ضوابط الضّرورة الشّرعيّة على الموقع، الفتوى رقم: (643) الموسومة ب: «في ضوابط قاعدة «الضّرورات تبيح المحظورات»».
الشيخ أبي عبد المعزّ محمّد علي فركوس - حفظه الله
السؤال:
اقترضت مبلغا من البنك -مضطرا- من أجل شراء مسكن يأويني وعائلتي، واليوم -والحمد لله- عرفت الحكم الشرعي، وأريد أن أتوب، فما عساني أن أفعل علما أنّني لم أتمم بعد إرجاع القرض كاملا؟ وجزاكم الله خيرا.
الجواب:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فالأصل في القرض الرّبويّ التّحريم والبطلان لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُم مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ﴾[البقرة: 278-279]، كما أنّ الأصل لا يسع للمسلم أن يجهل ما هو ضروريّ لأمور دينه ودنياه لوجوب طلب العلم الشّرعيّ لقولِه صلّى الله عليه وآلِه وسلّم: «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ»(1)، ولا يجوز الجهل بما هو معلوم من الدّين ضرورةً أو كان مشتهرا. ولأجل هذا وضع علماء القواعد قاعدةً مقتضاها: «لاَ يُقْبَلُ فِي دَارِ الإِسْلاَمِ عُذْرُ الْجَهْلِ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ»، وعليه لما غابت السّلطة الشّرعيّة في ترتيب الأحكام المتعلّقة بالعقود من حيث بطلانها وإعادة المتعاقدين إلى ما كانا عليه قبل التّعاقد، ولأنّ التّصرف الرّبويّ الذي قام به والمخالف لحكم الله سبحانه وتعالى لا يستطيع العودة فيه إلى ما كان عليه قبل التعاقد، فلما تعذرت كل الأحوال صحح له العقد ضرورةً لا دينًا وأتم رد ما أوجبه عليه البنك من غير أن يكون باغيًا ولا عاديًا.
أمّا التّذرع بالاقتراض من أجل الضّرورة فإنّ الضّرورة هي: أن يبلغ فيها المرء درجة يوشك على الهلاك أو يقرب منه، بمعنى أن يكون اقترافه للمعصية أهون من تركها، ومثل هذه المسائل من حيث العلم بها موكولة إلى دين المرء في تقديرها، وتقدير حجمها، فإن كانت حقيقة ما يذكره السّائل أنّه وقع في ضرورة ملحّة يوشك على الهلاك في دينه أو في ماله أو في عرضه جاز ذلك ولكن بقدرها ولهذا وضع العلماء قاعدة مقتضاها: «إِذَا ضَاقَ الْأَمْرُ اتَّسَعَ وَإِذَا اتَّسَعَ ضَاقَ»، وقاعدة أخرى: «الضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ وَلَكِنْ تُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا»(2).
ثمّ اعلمْ أنّ التّوبة يجب أن تكون نصوحة وذلك بالتّخلّي عن هذه المعصية وعن سائر المعاصي الأخرى على أن يعزم أن لا يعود إليها وأن يستتبعها بالعمل الصّالح، لقوله سبحانه وتعالى: ﴿إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الفرقان : 70]، ومن كان صادقًا في توبته عنها يهدي الله له أسباب الفوز والنّجاح في الدّنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[النّور : 31].
والعلم عند الله، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
الجزائر في:29 جمادى الأولى 1426هـ
المـوافـق لـ: 06 جويـليـة 2005م
1- أخرجه ابن ماجه في «المقدّمة»، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم: (224)، وأبو يعلى في «مسنده»: (2837)، والبيهقيّ في «شعب الإيمان»: (1665)، من حديث أنس رضي الله عنه، والحديث صحّحه الألبانيّ في «صحيح الجامع»: (3914)، وفي «المشكاة»: (214).
2- انظر ضوابط الضّرورة الشّرعيّة على الموقع، الفتوى رقم: (643) الموسومة ب: «في ضوابط قاعدة «الضّرورات تبيح المحظورات»».