أبومحمد17
2014-03-01, 07:35
ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﺷﻴﺨﻨﺎ ﺍﻟﻔﺎﺿﻞ*
ﺇﻟﻴﻚ ﻗﻀﻴﺔ ﺃﺯﻋﺠﺘﻨﻲ : ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻲ ﻗﺮﻳﺘﻨﺎ ﺭﺃﺱ ﻣﻦ
ﺭﺅﻭﺱ ﺍﻟﺒﺪﻋﺔ ﺣﺎﻗﺪ ﻋﻠﻲ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻛﺜﻴﺮ ﺍﻟﺴﺐ ﻟﻬﻢ ﻭﺍﻟﺸﺘﻢ ﻭﺗﻘﺮﻳﺒﺎ ﺻﻠﺔ
ﺍﻹﺧﻮﺍﻥ ﺑﻪ ﻣﻨﻘﻄﻌﺔ ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻭﺃﻧﺎ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﻟﻴﺲ ﻟﻨﺎ ﺑﻪ ﺻﻠﺔ ﺍﻟﺒﺘﺔ ﻭﻋﻠﻲ ﻣﺪﺍﺭ
ﻋﺸﺮﻳﻦ ﻋﺎﻣﺎ ﺛﻢ ﺷﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﻣﺮﺽ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻓﺎﻫﺘﺒﻠﺘﻬﺎ ﻓﺮﺻﺔ ﻛﻲ ﺃﺯﻭﺭﻩ
ﻭﺃﻋﻮﺩﻩ ﻭﺃﻧﺎ ﻃﺒﻴﺐ ﺑﻘﺼﺪ ﺗﺄﻟﻴﻔﻪ ﻭﺇﻇﻬﺎﺭ ﺷﻔﻘﺘﻨﺎ ﻭﺃﻧﻨﺎ ﺃﺭﺣﻢ ﺑﻪ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺃﺣﺪ ﻭﺃﻥ
ﻋﺪﺍﺀﻧﺎ ﻟﻴﺲ ﺫﺍﺗﻴﺎ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺩﺍﺋﺮ ﻣﻊ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﻟﻴﻌﻠﻢ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺃﻧﻨﺎ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺷﻔﻘﺔ
ﻭﺭﺣﻤﺔ ﺣﺘﻲ ﻣﻊ ﺃﻋﺪﻱ ﺃﻋﺪﺍﺀﻧﺎ ﻭﻣﻊ ﻣﻌﺮﻓﺘﻲ ﺑﺘﻘﺼﻴﺮﻧﺎ ﻓﻲ ﺩﻋﻮﺗﻪ ﻭﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ
ﺃﺗﺒﺎﻋﻪ ﻓﻠﻢ ﻧﻘﻢ ﺑﻮﺍﺟﺐ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﻤﻄﻠﻮﺏ ﻭﺑﺎﻟﻮﺳﻴﻠﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻮﺑﺔ
ﻭﻣﻌﺮﻓﺘﻲ ﺑﻜﺜﺮﺓ ﺍﻟﺸﺒﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﻃﻐﺖ ﻋﻠﻲ ﺃﻓﻬﺎﻣﻬﻢ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻓﺼﻮﺭﺕ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﺤﻖ ﺑﺎﻃﻼ
ﻭﺍﻟﺒﺎﻃﻞ ﺣﻘﺎ ﻛﻞ ﺫﻟﻚ ﻭﻏﻴﺮﻩ ﺣﻤﻠﻨﻲ ﻋﻠﻲ ﺯﻳﺎﺭﺗﻲ ﺗﻠﻚ .
ﻓﺄﺟﻠﺐ ﻋﻠﻲ ﺍﻹﺧﻮﺍﻥ ﺑﺨﻴﻠﻬﻢ ﻭﺭﺟﻠﻬﻢ ﻭﺃﻧﻜﺮﻭﺍ ﻋﻠﻲ ﺯﻳﺎﺭﺓ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺒﺘﺪﻉ ﺍﻟﻀﺎﻝ
ﺍﻟﺨﺒﻴﺚ ﺃﻳﻤﺎ ﺃﻧﻜﺎﺭ ﻭﺃﻭﺭﺩﻭﺍ ﻋﻠﻲ ﺁﺛﺎﺭ ﺍﻟﺴﻠﻒ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻭﻓﺘﺎﻭﻱ ﻟﺒﻌﺾ ﺍﻷﻛﺎﺑﺮ ﻣﻦ
ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﻳﻦ ﻭﺍﺣﺘﺪ ﺍﻟﻨﻘﺎﺵ ﺑﻴﻨﻨﺎ ﺣﺘﻲ ﺍﻧﻔﺮﻁ ﺍﻟﻌﻘﺪ ﻭﺗﻨﺎﻛﺮﺕ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ .
ﻓﻠﻮ ﺳﻤﺢ ﻭﻗﺘﻜﻢ ﺷﻴﺨﻨﺎ ﻓﺒﻴﻦ ﻟﻨﺎ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺑﻴﺎﻧﺎ ﻛﺎﻓﻴﺎ ﺷﺎﻓﻴﺎ ﻟﻨﺎ ﺃﻭ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻓﺈﻥ
ﻣﻘﺼﺪﻧﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﻟﻴﺲ ﺳﻮﺍﻩ ﻭﺑﺎﺭﻙ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻴﻜﻢ .
ضوابط التَّبديع بمجالسة ( زيارة،عيادة) أهل البدع
*
*
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
*
الحمد لله وحده، و الصَّلاة و السَّلام على من لا نبيَّ بعده.
بلغني أنَّ أحد إخواننا ذهب ليعود رجلا مريضا عُرف في بلدته بشدَّة معاداة السَّلفيِّين، و التَّشنيع عليهم، و الطَّعن فيهم، فذهب هذا الأخ إليه في بيته بحكم وظيفته فهو طبيب، وبنيَّة تطييب خاطره لعلَّ الله يهديه للحقِّ، ولما علم إخوانه بزيارته هذه أنكروا *عليه أشدَّ الإنكار، و نقلوا له محتَّجين أقوال العلماء في النَّهي عن عيادة المبتدع.
وفي حدود علمي المشكل ليس في هذه النُّقول، ولا هذا الأخ يجهلها ،ولكن في فهمها على وجهها ذلك أنَّ ترك عيادة المريض لأنَّه مبتدع هو من باب العقوبة، إمَّا رجاءً في رجوعه، أو لترك تشييخه حتَّى لا يغترَّ به العوامُّ *إن كان داعية إلى مذهبه، أو إماما في بدعته.
وهذه علل كما ترون ليست خالدة، يعني: قد تتخلَّف، وهذا الأمر يشبه من كلِّ وجه ترك الصَّلاة خلف المبتدع ،و عدم شهود جنازته، وهكذا عقوبات قرَّرها العلماء لنفس الغرض الذي ذكرته سابقا وهذا لا يعني عندهم أنَّه لا يجوز عيادته، أو زيارته، أو شهود جنازته، أو الصَّلاة خلفه بحال، لأنَّ كلَّ هذا جائز شرعا ،ويؤجر عليه مع النِّيَّة الصَّحيحة مادام الرَّجل يقع ضمن دائرة الإسلام فيما يخصُّ الصَّلاة *و شهود الجنازة.
وعليه أقول: متى يذمُّ الرَّجل بعيادته المبتدع أو بزيارته؟
*هنا السؤال المعتبر الذي يظهر خطأ الإخوة في إنكارهم و أنهم لم يستوفوا شروطه و استعجلوا الأمر:
1*ـ إذا كان الأخ طبيبا و احتاج المبتدع، أو حتَّى الكافر إليه لمعالجته، *ولم يوجد من يقوم مقامه، أو لم تسمح حالة المريض من حيث الوقت ليقوم بالأمر غيره ،وجب عليه أن يعوده و يزوره للاستطباب أو الاطمئنان على حالته باعتباره هنا طبيبا وليس سلفيَّا ، فالسَّلفيّ الذي يصنع السِّيارات أو يبيع الخبز يصنع سيارات الجميع بغضِّ النَّظر عن دينهم و مذهبهم، وكذا الخبَّاز ، و لا يختلف عنهم السَّلفيُّ الطَّبيب في شيء، فيجب التَّفريق بين المذهب وبين الوظيفة، وإلاَّ تعطَّلت مصالح السَّلفيِّين أوَّلا،و قبل غيرهم.
2*ـ لا يحكم على الشَّخص بالزيارة الواحدة، فهنا حتى لو كان قصده غير ما يظهر فقد أقام عليكم الحجَّة ،وغلبكم قصدا ،ليس لكم أن تجزموا أنَّه ما فعل ذلك إلاَّ لمشاكلة ومجانسة مع المبتدع ،فلو تكرَّر منه الأمر لغير حاجة طبيَّة لصحَّ إنكاركم عليه، فالمرَّة الواحدة لا يقاس عليها ،و لا تعدُّ مشاكلة، أو مصاحبة خاصَّة كالتي قصد السَّلف النهي عنها .
ولتقرير هذه المسائل أُعيد طرح موضوع مجالسة المبتدع بشيء من التَّفصيل فأقول: *
لو تأمَّلنا الفروق و التباين بين موقف أئمَّة الجرح و التَّعديل من قضايا هذا العلم الشريف لأذهلك الاختلاف بينهم فيما نظَّروا له، وفي تطبيقاتهم له، ومع ذلك لم يُبدِّع بعضهم بعضا، ولا اتَّهم بعضهم بعضا بموالاة المبتدعة.
من الأخطاء في الجرح و التَّعديل التي أصلها مشروع ووصفها مبتدع : التَّبديع بمجالسة أهل البدع دون بحث عن سبب أو موجب المجالسة، فإن أهل العلم يعلمون أنَّ الرَّجل قد يجالس مبتدعا لأسباب لا حصر لها من ضمنها:
1 ـ التَّوافق في الدِّين، ولكنَّه ليس السَّبب الوحيد حتَّى نُبدَّع كل من جالس مبتدعا.
2 ـ فقد يجالسه للقرابة، ولم يأمر الإسلام بقطيعة الرَّحم، كما جاء في (معرفة الصَّحابة)(2/841) لأبي نعيم عن الحصين بن وَحْوَحٍ : ((أَنَّ طَلْحَةَ بْنَ الْبَرَاءِ لَمَّا لَقِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يَلْصَقُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُقَبِّلُ قَدَمَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مُرْنِي بِمَا أَحْبَبْتَ لَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا، فَضَحِكَ لِذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ غُلَامٌ حَدَثٌ، فَقَالَ لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ: «اذْهَبِ اذْهَبْ، فَاقْتُلْ أَبَاكَ» قَالَ: فَخَرَجَ مُوَلِّيًا لِيَفْعَلَ، فَدَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:*«إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ بِقَطِيعَةِ رَحِمٍ»)).
3 ـ وقد يجالسه لنصيحته، أو ليختبره فربَّما تحوَّل عن شدَّته أو بدأ يلين.
4 ـ وقد يجالسه من قبيل المداراة، وقد يجالسه تقيَّة لكون المبتدع صاحب سلطة أو غير ذلك يخشى السُّنِّيُّ على نفسه، فقد يكون المبتدع من أعيان البلد ووجهائه لا يمكن التَّغافل عنه ومبارزته ببدعته بسب الضَّعف وغير ذلك.
5 ـ وقد يجالسه لأنَّ بدعته خفيفة، وهو مقلِّد فيها ليس من رؤوس أهل البدع، ولا داعية إليها.
6 ـ وقد يجالسه رحمة به، وطمعا في اهتدائه.
غير أنَّ بعض إخواننا ينفون كلَّ سبب ممكن، وكل غاية شرعيَّة ممكنة تُجيز مجالسة المبتدع.
ثمَّ هم مخطئون في *سند المسألة ومتنها،مخطئون في التَّبديع المطلق بمجرَّد مجالسة المبتدع ،يتبيَّن هذا بالتَّفاصيل التَّالية:
2 ـ قال القرطبيُّ في( تفسيره){16/2}:
((قال طلحة بن عمر: قلتُ لعطاء:" إنَّك رجل يجتمع عندك ناس ذوو أهواء مختلفة و أنا رجل فيَّ حدَّة فأقول لهم بعض القول الغليظ، فقال: لا تفعل، يقول الله تعالى:{ وقولوا للنَّاس حُسنًا} فدخل في هذه الآية اليهود و النَّصارى فكيف بالحنيفي؟)).
فلا يلزم أن نجعل من هذا المثال قاعدة مطردة، ولا أن نجعل من مثال آخر قاعدة مطردة هي الأخرى، بل علينا أن ننزل كلَّ مثال في موضعه، و نميِّز بين الأصل العامِّ الذي هو الحوار و اللَّين و الرِّفق و المناظرة و الدَّعوة و الجدال بالتي هي أحسن، و بين الشِّدَّة و الهجر، وترك المكالمة الذي هو عقوبة شُرِّعت لحكمة و فائدة مرجوة.
وهذا سفيان الثَّوريُّ على شدَّته كان يجالس عمرو بن عبيد، و الجعفي، و أخذ عن الكلبي، قال الإمام أحمد في (مسائل ابن هانئ)( 163/2): *((كان عمرو بن عبيد رأس المعتزلة ،و أوَّلهم في الاعتزال وروى عنه الثَّوريُّ، وكان الرَّبيع بن صبيح معتزليا ،وكان خيرا من عمرو بن عبيد)).
ذكر ابن حجر في " فتح الباري"{557/8}: (( قال رجل لابن عبَّاس ـ كأنَّ هذا الرَّجل هو نافع بن الأزرق الذي صار *بعد ذلك رأس الأزارقة *من الخوارج، و كان يجالس ابن عبَّاس بمكَّة ، و يسأله و يعارضه....)).
قلت: ففي هذه القصَّة *فوائد منها:
ـ الرجل الذي سأل ابن عباس عما اختلف عليه من القرآن *كان في رأسه مثل ما كان في رأس صبيغ *فلم لم يوجعه ابن عباس ضربا ولم يسجنه ولم ينفه ؟
فلعله لم يكن حاكما، أو كان السائل ينتمي إلى طائفة قوية كالخوارج آنذاك، ولا يمكن فعل ذلك إلا بقيام حرب معهم ،أو أن هذه الشبه انتشرت بين الناس، وقد مرت فترات في التاريخ الإسلامي غلب الخوارج على غالب الجزيرة و ما وراء النهرين.
ـ كذلك نستفيد من هذه القصة أن ابن عباس جالس الخوارج و ناظرهم و أجابهم عن أسئلتهم، فيجب أن يكون هناك اعتبارات دفعته إلى فعل ذلك ؟
إن هجر المبتدع بترك مخاطبته و مجالسته مربوط بشرطه، و إن من السلف من جالس المبتدعة للاعتبارات عديدة، وكنت قد بيَّنت في هذه المسألة نقطتين:
1 ـ ترك مجالسة المبتدع يقصد المبتدع الداعية، و ليس الجاهل المقلِّد له، و إلاَّ هجرنا غالب الأمَّة.
2 الذي يهجر مجالسة المبتدع الداعية بإطلاق هو العاميُّ الجاهل، أمَّا أهل العلم فقد يجالسونه لأسباب شرعيَّة كزيارته *وعيادته، إذا علموا عنه أنَّه ممكن توبته بالألفة، وعزله عن رفقاء السَّوء، أو لبيان حاله و كشف ما عنده ، أو للرَّد عليه أمام أتباعه، و إظهاره للنَّاس، و كسر شوكته العلميَّة إذا كانت قويَّة عند الناس ، أو لأخذ ما عنده من العلم في الحالات المخصوصة التي ذكرناها.
لقد كان سفيان بن عيينة يُجالس محمَّد بن منادر الشَّاعر، و يسأله عن معاني الحديث، مع العلم أنَّ بن المنادر قال فيه يحي بن معين: لا يروي عنه من فيه خير ،روى عبَّاس الدوري عن ابن معين *أنَّه ذكر له شيخا كان يلزم ابن عيينة يقال له : بن منادر ، فقال : "أعرفه كان يرسل العقارب في المسجد الحرام حتَّى تلسع النَّاس، وكان يصبُّ المداد بالليل في أماكن الوضوء حتَّى يسوَّد وجوههم". وفي (علوم الحديث) للحاكم:قال يحي بن معين : كان زنديقا ( لسان الميزان)( 391/5).
كذلك كان معبد خالد الجهني يُجالس الحسن البصري، وهو أوَّل من تكلَّم بالبصرة، و لعلَّه من أدخل القدر على من دخل فيه من المحدِّثين.
و كان داود بن أبي هند يجلس إلى فضل الرقاشي، و هو فضل بن عيسى، وهو قدري المذهب ( تاريخ ابن معين برواية الدوري)( 217/4).
وكان سفيان الثَّوريُّ يجالس سالم بن أبي حفصة الشِّيعي المفرط الذي كان ينتقص أبي بكر و عمر (تهذيب الكمال){441/8}، *وكان يحذِّر منه في مجلسه.
فأمر مجالسة المبتدع و إن كان السلف ينهون عنه، *و يهجرون من يجالسهم، فإنه ليس على إطلاقه و يميزون بين حالة وأخرى، *بين واقعة و أخرى، ولكن الناس اليوم صاروا يتكلمون في ذلك بأهوائهم، وقد ينهونك عن مجالسة شخص لأنه مبتدع في عرفهم، وليس هو بمبتدع عندك، لاختلاف التأصيل و المذهب حول المقالة المعينة، فمن يرى تكفير تارك جنس العمل يرى من لا يكفره مرجئا، ويريد منك أن لا تجالسه و من يرى العكس يفعل العكس، و قد يرون شخصا بأنه متعمد البدعة، في حين تراه أنت متأوِّلا لم تقم عليه حجَّة، *وهكذا تختلف الأحكام في كثير من المسائل.
وهذا أمر لم يخل منه السلف، ولكنهم لم يبَدعوا بعضهم بعضا، و أنا أذكر على سبيل المثال: الرَّبيع بن عبد الله بن خطاف كان يحي بن سعيد يحطُّ عليه ،و يقول:" أنا أعلم به ،و يتعجَّب من عبد الرَّحمن بن مهدي كيف لا يطعن عليه".
وكان عبد الرَّحمن بن مهدي يقول:" هو عندي ثقة في حديثه"، قيل له:" كان يرى القدر؟"، *قال:" كان يجالس عمرو بن فايد يوم الجمعة (الضُّعفاء للعقيلي)( 49/2).
وقد وثَّقه: الإمام أحمد.
فهذا الرَّجل اختلف فيه هذان العالمان الكبيران، وكل منهم كان يرى فيه رأيا، ومجال الاختلاف ممكن في كثير من الحالات، ولكنهم لم يمتحنوا بعضهم بعضا بمثل هذا الاختلاف، حتَّى وضع الذَّهبيُّ قاعدة فيمن اختلف فيهم يحي بن سعيد و عبد الرَّحمن بن مهدي.
وقد جاء في الأثر [ذكره الشَّاطبيُّ في (الموافقات)، و الخطيب في (اقتضاء العلم العمل)]: (( حتَّى إنَّ الرَّجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره )).
من المعلوم أن الأئمة نهوا عن مجالسة المبتدع الذي يخاصم ،كقول الإمام أحمد السَّابق، فوجب أن نعرف من هو المخاصم، قال أبو جعفر: (( لا تجالسوا أهل الخصومات فإنهم الدين يخوضون في آيات الله))[تفسير الطَّبري229/7].
قد يجالس السني العالم المبتدع الداعية ولا إشكال في ذلك، إذا كان لغرض أخذ ما عنده من العلم ،أو كشف حاله ، أو دعوته *أو مناظرته *وغير ذلك، وهذا معروف عند الأئمة ، أما من لم يكن عالما عارفا، فأقوالهم *تحذره من مجالستهم لخوف الفتنة عليه.
ـ يجب أن نعرف من هو المبتدع الداعية؟ و في النقل السابق ذكر أحمد أوصافه وهو أن يخاصم على بدعته، وفي " شرح العلل"{ص:88} تفسير أوضح:" قال إسماعيل الخطبي: ثنا عبد الله بن أحمد قلت لأبي: "ما تقول في أصحاب الحديث يأتون الشيخ لعله أن يكون مرجئا أحذر منه؟ فقال أبي:" إن كان يدعو إلى بدعة وهو إمام فيها و يدعو إليها قال نعم تحذر منه"
وفي مسائل " ابن هانيء{153/2}:" سألت أبا عبد الله عن رجل مبتدع، داعية يدعو إلى بدعة أيجالس؟ قال: لا يجالس ولا يكلم لعله أن يرجع".
شروط المجالسة:
ذكر أبو نعيم في "حلية الأولياء"{16/7}، و ابن أبي حاتم في " الجرح و التعديل"{99/1} قصة عن سفيان الثوري تبين مدى صدق هذا الإمام و نصحه حتى في مجالسته الجاهل:" كان رجل ضرير يجالس سفيان الثوري فإذا كان شهر رمضان يخرج إلى السواد فيصلي بالناس فيكسى و يعطى، فقال سفيان: إذا كان يوم القيامة أثيب أهل القرآن من قراءتهم و يقال لمثل هذا: قد *تعجلت ثوابك في الدنيا ، فقال: يا أبا عبد الله *تقول لي هذا و أنا جليسك ، قال: أخاف أن يقال لي يوم القيامة *:كان هذا جليسك أفلا نصحته."
فهذه النقول تؤكد ما نحن بصدده ،وفي هذا النقل ما يوضح منهج السلف الصالح *في هجر المبتدع،فإنه قال:" داعية يدعو إلى بدعة " فلا يجب أن نلحق أتباع المبتدعة ونحكم عليهم كما نحكم على رؤوس البدعة ، و قد أبعد النجعة من قال في عوام المبتدعة:" تنصحه فإن أبى *تهجره" ،و مثل هذا الكلام لا يصح إلا ممن يعتقد فيه الناس *الحق التام الكامل، فكيف تقوم الحجة بالخطاب الواحد على رجل يعتقد اعتقاد جازما أنه على الحق ، ولا يصح في مثل هذا أن نحتج بحديث ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ في الذي كان يخذ ف، فإن مخالفة الرجل لحديث النبي صلى الله عليه وسلم لهواه تقوم الحجة عليه بالخطاب الواحد، أما من يخالفك تدينا وله منهج و أئمة و أدلة يدافع بها، لا تقوم عليه الحجة إلا بإزالة المعارض عنه، كما نقلنا عن شيخ الإسلام و ابن القيم فكم مرة ذكر الله الأمر بالصلاة و الزكاة و الجهاد و الصدقة ؟ وكم مرة ذكر قصة النبي الواحد، ولماذا سماه ذكرى و تذكرة؟
كذلك في قول الإمام أحمد:" لعله أن يرجع" تعليل لسبب ترك مجالسته وهو رجاء رجوعه عن بدعته لأن العقوبة القصد منها التضييق عليه ليتركها، لا الهجر في حد ذاته هو المقصود بل هو مطلوب لغيره، فإن لم يتحقق هذا القصد قد يبقى الهجر لحفظ النفس من البدعة لا لطمع في رجوعه، وهذا يصلح على العامي الذي يخشى عليه غائلة البدعة، فإنه يهجر بإطلاق ودون اعتبار لهذه العلل.
فبين الإمام أحمد أنه إن كان يدعو إلى بدعة و يخاصم فيها و هو إمام فيها، أي: رأس، يحذر منه، معنى هذا الكلام أن أتباع المبتدعة من العوام و صغار طلبة العلم لا يحذر منهم، *و يمكن مجالستهم بغرض الدعوة و التعليم وغير ذلك، و أن من عمم هذا الحكم في عوام المسلمين الذين يتبعون رؤوسا مبتدعة و يحسنون الظن بهم، فقد خرج عن مذهب السلف الصالح .
قال الإمام احمد في" مسائل ابن هانيء"{154/2}:" و سألته عن الذي يقول: لفظي بالقرآن مخلوق؟ قال: هذا كلام جهم ، من كان يخاصم منهم فلا يجالس ولا يكلم و الجهمي كافر".
وهذا التعليل نفسه نجده عند شيخ الإسلام ابن تيمية: (( و يفرق بين الأئمة المطاعين **وغيرهم، و إذا عرف مقصود الشريعة سلك في حصوله أوصل الطرق إليه ))
فإذا صح عن بعض الأئمة مجالسة المبتدعة لأسباب مختلفة، مع ما عُرف عنهم من شدة منافرة المبتدعة، و النهي عن مجالستهم، مما يعني أن الأمر يدور مع المصلحة، و اختلاف الظروف وكل عالم إمام يقدر المصلحة بحسب ظرفه هو، لا بحسب ظرف غيره.
أما القول بعدم مجالستهم إطلاقا، فهذا تعمية للحقائق و تزوير للتاريخ، لا يمارسه من كان على منهج أهل السنة و الجماعة، و أخيرا أضرب لك هذا المثال، فإنه يجمع بين طياته كل هذا.
جاء في ترجمة شيخ الإسلام و إمام المحدثين ابن أبي ذئب هشام بن شعبة في"السير"{141/7}مايلي:"كان من أوعية العلم ثقة فاضلا قوالا بالحق مهيبا".
قال الواقدي: كان من أورع الناس و أودعهم، رمي بالقدر و ماكان قدريا، لقد كان يتقي قولهم و يعيبه،*ولكنه كان رجلا كريما يجلس إليه كل أحد يغشاه فلا يطرده ولا يقول له شيئا، و إن مرض عاده، فكانوا يتهمون بالقدر لهذا وشبهه.
قال احمد بن علي الأبار: سألت مصعبا عن ابن أبي ذئب فقال:معاذ الله أن يكون قدريا، إنما كان في زمن المهدي قد الشاة أهل القدر و ضربوهم و نفوهم، فجاء منهم قوم إلى ابن أبي ذئب فجلسوا إليه و اعتصموا به من الضرب فقبل، هو قدري لأجل ذلك، لقد حدثني من أثق به ما تكلم فيه قط.*
هذا هو حال الأئمة من الإنصاف و العدل، لا يجورون على احد، و لا يتهمون الناس بالبدعة لأنهم جالسوا مبتدعا.
نقل ابن تيمية في(الدرء){245/7} عن ابن أبي حاتم أنه قال:" ثنا الربيع قال:رأيت الشافعي وهو نازل من الدرجة وقوم في المجلس يتكلمون بشيء من الكلام فصاح فقال:إما تجاورونا بخير و إما أن تقوموا عنا".
فهذا الشافعي لم يطردهم لأجل بدعتهم في الكلام، مع أن الكلام اتفق السلف على انه بدعة، ولكنه طلب منهم أن يجاوره بخير، وهو أن لا يذكروا في مجلسه أو في ذاك المكان بدعتهم.
وفي ( تهذيب التهذيب){11/61}:"*قال ابن أبي خيثمة قال عبد الرحمن بن مهدي ظلم يحيى بن سعيد همام بن يحيى لم يكن له به علم ولا مجالسة.
جاء في (عيون الأخبار){95/1}لابن قتيبة الدينوري:" قال المغيرة: كان يجالس إبراهيم صيرفي ورجل متهمٌ برأي الخوارج، فكان يقول لنا: لا تذكروا الربا إذا حضر هذا، ولا الأهواء إذا حضر هذا."
إبراهيم ابن أبي يحي جالسه الشافعي في حداثته و قد اتهم بالقدر ورأي جهم.
معنى المصاحبة المقصودة عند العلماء:
معلوم أنَّ المصاحبة الَّتي نهى عنها السَّلف الصَّالح هي المصاحبة الخاصَّة، أي:*حتَّى يصير من خاصَّتِه، مخافة أن يستزلَّه؛ وهذا لا يُوجَّه للعلماء، ولكن للعوامِّ.
لأنَّهم لم يفرِّقوا عمليًّا بين الهجر التَّأديبيِّ الَّذي لم يبق له تقريبا أيُّ شرطِ وجود،و بين الهجر الوقائيِّ،فالأوَّل يقوم به بالدَّرجة الأولى العلماء كما في الصَّلاة *على الميت، و غير ذلك ،بينما الثَّاني يقوم به العوامُّ فقط للحفاظ على عقيدتهم ودينهم.
قال ابن تيميَّة في (*مجموع الفتاوى)(16/475)*عن أبي يوسف :*((ولا ينبغي لأحدٍ من أهل السُّنَّة والجماعة أن يخالط أحدًا من أهلِ الأهواء حتَّى يصاحبه ويكون خاصَّته مخافة*أن يستزلَّه أو يستزلَّ غيره بصحبة هذا .))
وهذا أمر معقول كما بيَّنته سابقًا، فإنَّ النَّاس لا يستطيعون الامتناع عن مخالطة بعضهم بعضًا،و إلاَّ لم تبق لهم مصلحة، و المخالطة لا تعني بأيِّ حال المصاحبة الخاصَّة، فهذا فارق جوهريٌّ، إضافة إلى الشُّروط الَّتي ذكرتها قبل ذلك.
فالأصل في المسلم إذا مرض أن تزوره لقوله صلَّى الله عليه و سلَّم :
((إنّ للمسلم على أخيه المسلم ستّ خصال واجبة، فمن ترك خصلة منها فقد ترك حقا واجبا لأخيه عليه: إذا دعاه أن يجيبه، وإذا لقيه أن يُسلِّم عليه، وإذا عطس أن يشمّته، وإذا مرض أن يعوده، وإذا مات أن يتبع جنازته، وإذا استنصح له أن ينصحه)).
فالاستثناء من باب العقوبة وهي بشرطها.
وقد تأتي *عيادة المريض برحمة لا يتوقَّعها أحد كما في الحديث الذي رواه حمَّاد بن سلمة من طريق أنس : ((أنَّ غُلَامًا يَهُودِيًّا كَانَ يَخْدُمُ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم فَمَرِضَ فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ، فَوَجَدَ أَبَاهُ عِنْدَ رَأْسِهِ يَقْرَأُ التَّوراة، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا يَهُودِيُّ، أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوراة عَلَى مُوسَى، هَلْ تَجِدُونَ فِي التَّوراة نَعْتِي وَصِفَتِي وَمَخْرَجِي؟ فَقَالَ:
لَا، فَقَالَ الْفَتَى: بَلَى والله يا رسول الله، إنَّا نجد فِي التَّوراة نَعْتَكَ وَصِفَتَكَ وَمَخْرَجَكَ، وَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ الله، فقال النَّبيّ لأصحابه: أقيموا هذا من عند رأسه، ولوا أَخَاكُمْ*)).البيهقي.
قال يعقوب بن سفيان(المعرفة: 3 / 135): حدثني محمَّد بن عبد الرَّحيم صاعقة، قال: سمعت عليًّا قال: قال يحيى ذهب عوف إلى الصلت بن دينار يعوده، واكترى له حمارا من بني جمان، وكان عوف شيعيًّا، والصلت عثمانيًّا، فذكروا شيئا، فقال له عوف: لا رفع جنبك يا أبا شعيب.
قال العقيلي(ضعفاؤه، الورقة 175): حدَّثنا محمَّد بن أحمد قال: سمعت بندارا ،وهو يقرأ علينا حديث عوف فقال: يقولون: عوف، والله لقد كان عوف قدريًّا رافضيًّا شيطانا، ونقل عن عبد الله بن المبارك قال: كانت فيه بدعتين كان قدريًّا، وكان شيعيًّا.
وقال إِبراهِيم بن يعقوب الجوزجاني(أحوال الرِّجال، الترجمة 184) : عوف بن أَبي جميلة الأعرابي يتناول بيمينه ويساره من رأي البصرة والكوفة.
وقال ابن حجر في (التَّقريب): ثقة رمي بالقدر والتَّشيُّع.
و الله اعلم.
*
ﺇﻟﻴﻚ ﻗﻀﻴﺔ ﺃﺯﻋﺠﺘﻨﻲ : ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻲ ﻗﺮﻳﺘﻨﺎ ﺭﺃﺱ ﻣﻦ
ﺭﺅﻭﺱ ﺍﻟﺒﺪﻋﺔ ﺣﺎﻗﺪ ﻋﻠﻲ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻛﺜﻴﺮ ﺍﻟﺴﺐ ﻟﻬﻢ ﻭﺍﻟﺸﺘﻢ ﻭﺗﻘﺮﻳﺒﺎ ﺻﻠﺔ
ﺍﻹﺧﻮﺍﻥ ﺑﻪ ﻣﻨﻘﻄﻌﺔ ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻭﺃﻧﺎ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﻟﻴﺲ ﻟﻨﺎ ﺑﻪ ﺻﻠﺔ ﺍﻟﺒﺘﺔ ﻭﻋﻠﻲ ﻣﺪﺍﺭ
ﻋﺸﺮﻳﻦ ﻋﺎﻣﺎ ﺛﻢ ﺷﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﻣﺮﺽ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻓﺎﻫﺘﺒﻠﺘﻬﺎ ﻓﺮﺻﺔ ﻛﻲ ﺃﺯﻭﺭﻩ
ﻭﺃﻋﻮﺩﻩ ﻭﺃﻧﺎ ﻃﺒﻴﺐ ﺑﻘﺼﺪ ﺗﺄﻟﻴﻔﻪ ﻭﺇﻇﻬﺎﺭ ﺷﻔﻘﺘﻨﺎ ﻭﺃﻧﻨﺎ ﺃﺭﺣﻢ ﺑﻪ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺃﺣﺪ ﻭﺃﻥ
ﻋﺪﺍﺀﻧﺎ ﻟﻴﺲ ﺫﺍﺗﻴﺎ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺩﺍﺋﺮ ﻣﻊ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﻟﻴﻌﻠﻢ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺃﻧﻨﺎ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺷﻔﻘﺔ
ﻭﺭﺣﻤﺔ ﺣﺘﻲ ﻣﻊ ﺃﻋﺪﻱ ﺃﻋﺪﺍﺀﻧﺎ ﻭﻣﻊ ﻣﻌﺮﻓﺘﻲ ﺑﺘﻘﺼﻴﺮﻧﺎ ﻓﻲ ﺩﻋﻮﺗﻪ ﻭﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ
ﺃﺗﺒﺎﻋﻪ ﻓﻠﻢ ﻧﻘﻢ ﺑﻮﺍﺟﺐ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﻤﻄﻠﻮﺏ ﻭﺑﺎﻟﻮﺳﻴﻠﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻮﺑﺔ
ﻭﻣﻌﺮﻓﺘﻲ ﺑﻜﺜﺮﺓ ﺍﻟﺸﺒﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﻃﻐﺖ ﻋﻠﻲ ﺃﻓﻬﺎﻣﻬﻢ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻓﺼﻮﺭﺕ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﺤﻖ ﺑﺎﻃﻼ
ﻭﺍﻟﺒﺎﻃﻞ ﺣﻘﺎ ﻛﻞ ﺫﻟﻚ ﻭﻏﻴﺮﻩ ﺣﻤﻠﻨﻲ ﻋﻠﻲ ﺯﻳﺎﺭﺗﻲ ﺗﻠﻚ .
ﻓﺄﺟﻠﺐ ﻋﻠﻲ ﺍﻹﺧﻮﺍﻥ ﺑﺨﻴﻠﻬﻢ ﻭﺭﺟﻠﻬﻢ ﻭﺃﻧﻜﺮﻭﺍ ﻋﻠﻲ ﺯﻳﺎﺭﺓ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺒﺘﺪﻉ ﺍﻟﻀﺎﻝ
ﺍﻟﺨﺒﻴﺚ ﺃﻳﻤﺎ ﺃﻧﻜﺎﺭ ﻭﺃﻭﺭﺩﻭﺍ ﻋﻠﻲ ﺁﺛﺎﺭ ﺍﻟﺴﻠﻒ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻭﻓﺘﺎﻭﻱ ﻟﺒﻌﺾ ﺍﻷﻛﺎﺑﺮ ﻣﻦ
ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﻳﻦ ﻭﺍﺣﺘﺪ ﺍﻟﻨﻘﺎﺵ ﺑﻴﻨﻨﺎ ﺣﺘﻲ ﺍﻧﻔﺮﻁ ﺍﻟﻌﻘﺪ ﻭﺗﻨﺎﻛﺮﺕ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ .
ﻓﻠﻮ ﺳﻤﺢ ﻭﻗﺘﻜﻢ ﺷﻴﺨﻨﺎ ﻓﺒﻴﻦ ﻟﻨﺎ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺑﻴﺎﻧﺎ ﻛﺎﻓﻴﺎ ﺷﺎﻓﻴﺎ ﻟﻨﺎ ﺃﻭ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻓﺈﻥ
ﻣﻘﺼﺪﻧﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﻟﻴﺲ ﺳﻮﺍﻩ ﻭﺑﺎﺭﻙ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻴﻜﻢ .
ضوابط التَّبديع بمجالسة ( زيارة،عيادة) أهل البدع
*
*
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
*
الحمد لله وحده، و الصَّلاة و السَّلام على من لا نبيَّ بعده.
بلغني أنَّ أحد إخواننا ذهب ليعود رجلا مريضا عُرف في بلدته بشدَّة معاداة السَّلفيِّين، و التَّشنيع عليهم، و الطَّعن فيهم، فذهب هذا الأخ إليه في بيته بحكم وظيفته فهو طبيب، وبنيَّة تطييب خاطره لعلَّ الله يهديه للحقِّ، ولما علم إخوانه بزيارته هذه أنكروا *عليه أشدَّ الإنكار، و نقلوا له محتَّجين أقوال العلماء في النَّهي عن عيادة المبتدع.
وفي حدود علمي المشكل ليس في هذه النُّقول، ولا هذا الأخ يجهلها ،ولكن في فهمها على وجهها ذلك أنَّ ترك عيادة المريض لأنَّه مبتدع هو من باب العقوبة، إمَّا رجاءً في رجوعه، أو لترك تشييخه حتَّى لا يغترَّ به العوامُّ *إن كان داعية إلى مذهبه، أو إماما في بدعته.
وهذه علل كما ترون ليست خالدة، يعني: قد تتخلَّف، وهذا الأمر يشبه من كلِّ وجه ترك الصَّلاة خلف المبتدع ،و عدم شهود جنازته، وهكذا عقوبات قرَّرها العلماء لنفس الغرض الذي ذكرته سابقا وهذا لا يعني عندهم أنَّه لا يجوز عيادته، أو زيارته، أو شهود جنازته، أو الصَّلاة خلفه بحال، لأنَّ كلَّ هذا جائز شرعا ،ويؤجر عليه مع النِّيَّة الصَّحيحة مادام الرَّجل يقع ضمن دائرة الإسلام فيما يخصُّ الصَّلاة *و شهود الجنازة.
وعليه أقول: متى يذمُّ الرَّجل بعيادته المبتدع أو بزيارته؟
*هنا السؤال المعتبر الذي يظهر خطأ الإخوة في إنكارهم و أنهم لم يستوفوا شروطه و استعجلوا الأمر:
1*ـ إذا كان الأخ طبيبا و احتاج المبتدع، أو حتَّى الكافر إليه لمعالجته، *ولم يوجد من يقوم مقامه، أو لم تسمح حالة المريض من حيث الوقت ليقوم بالأمر غيره ،وجب عليه أن يعوده و يزوره للاستطباب أو الاطمئنان على حالته باعتباره هنا طبيبا وليس سلفيَّا ، فالسَّلفيّ الذي يصنع السِّيارات أو يبيع الخبز يصنع سيارات الجميع بغضِّ النَّظر عن دينهم و مذهبهم، وكذا الخبَّاز ، و لا يختلف عنهم السَّلفيُّ الطَّبيب في شيء، فيجب التَّفريق بين المذهب وبين الوظيفة، وإلاَّ تعطَّلت مصالح السَّلفيِّين أوَّلا،و قبل غيرهم.
2*ـ لا يحكم على الشَّخص بالزيارة الواحدة، فهنا حتى لو كان قصده غير ما يظهر فقد أقام عليكم الحجَّة ،وغلبكم قصدا ،ليس لكم أن تجزموا أنَّه ما فعل ذلك إلاَّ لمشاكلة ومجانسة مع المبتدع ،فلو تكرَّر منه الأمر لغير حاجة طبيَّة لصحَّ إنكاركم عليه، فالمرَّة الواحدة لا يقاس عليها ،و لا تعدُّ مشاكلة، أو مصاحبة خاصَّة كالتي قصد السَّلف النهي عنها .
ولتقرير هذه المسائل أُعيد طرح موضوع مجالسة المبتدع بشيء من التَّفصيل فأقول: *
لو تأمَّلنا الفروق و التباين بين موقف أئمَّة الجرح و التَّعديل من قضايا هذا العلم الشريف لأذهلك الاختلاف بينهم فيما نظَّروا له، وفي تطبيقاتهم له، ومع ذلك لم يُبدِّع بعضهم بعضا، ولا اتَّهم بعضهم بعضا بموالاة المبتدعة.
من الأخطاء في الجرح و التَّعديل التي أصلها مشروع ووصفها مبتدع : التَّبديع بمجالسة أهل البدع دون بحث عن سبب أو موجب المجالسة، فإن أهل العلم يعلمون أنَّ الرَّجل قد يجالس مبتدعا لأسباب لا حصر لها من ضمنها:
1 ـ التَّوافق في الدِّين، ولكنَّه ليس السَّبب الوحيد حتَّى نُبدَّع كل من جالس مبتدعا.
2 ـ فقد يجالسه للقرابة، ولم يأمر الإسلام بقطيعة الرَّحم، كما جاء في (معرفة الصَّحابة)(2/841) لأبي نعيم عن الحصين بن وَحْوَحٍ : ((أَنَّ طَلْحَةَ بْنَ الْبَرَاءِ لَمَّا لَقِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يَلْصَقُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُقَبِّلُ قَدَمَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مُرْنِي بِمَا أَحْبَبْتَ لَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا، فَضَحِكَ لِذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ غُلَامٌ حَدَثٌ، فَقَالَ لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ: «اذْهَبِ اذْهَبْ، فَاقْتُلْ أَبَاكَ» قَالَ: فَخَرَجَ مُوَلِّيًا لِيَفْعَلَ، فَدَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:*«إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ بِقَطِيعَةِ رَحِمٍ»)).
3 ـ وقد يجالسه لنصيحته، أو ليختبره فربَّما تحوَّل عن شدَّته أو بدأ يلين.
4 ـ وقد يجالسه من قبيل المداراة، وقد يجالسه تقيَّة لكون المبتدع صاحب سلطة أو غير ذلك يخشى السُّنِّيُّ على نفسه، فقد يكون المبتدع من أعيان البلد ووجهائه لا يمكن التَّغافل عنه ومبارزته ببدعته بسب الضَّعف وغير ذلك.
5 ـ وقد يجالسه لأنَّ بدعته خفيفة، وهو مقلِّد فيها ليس من رؤوس أهل البدع، ولا داعية إليها.
6 ـ وقد يجالسه رحمة به، وطمعا في اهتدائه.
غير أنَّ بعض إخواننا ينفون كلَّ سبب ممكن، وكل غاية شرعيَّة ممكنة تُجيز مجالسة المبتدع.
ثمَّ هم مخطئون في *سند المسألة ومتنها،مخطئون في التَّبديع المطلق بمجرَّد مجالسة المبتدع ،يتبيَّن هذا بالتَّفاصيل التَّالية:
2 ـ قال القرطبيُّ في( تفسيره){16/2}:
((قال طلحة بن عمر: قلتُ لعطاء:" إنَّك رجل يجتمع عندك ناس ذوو أهواء مختلفة و أنا رجل فيَّ حدَّة فأقول لهم بعض القول الغليظ، فقال: لا تفعل، يقول الله تعالى:{ وقولوا للنَّاس حُسنًا} فدخل في هذه الآية اليهود و النَّصارى فكيف بالحنيفي؟)).
فلا يلزم أن نجعل من هذا المثال قاعدة مطردة، ولا أن نجعل من مثال آخر قاعدة مطردة هي الأخرى، بل علينا أن ننزل كلَّ مثال في موضعه، و نميِّز بين الأصل العامِّ الذي هو الحوار و اللَّين و الرِّفق و المناظرة و الدَّعوة و الجدال بالتي هي أحسن، و بين الشِّدَّة و الهجر، وترك المكالمة الذي هو عقوبة شُرِّعت لحكمة و فائدة مرجوة.
وهذا سفيان الثَّوريُّ على شدَّته كان يجالس عمرو بن عبيد، و الجعفي، و أخذ عن الكلبي، قال الإمام أحمد في (مسائل ابن هانئ)( 163/2): *((كان عمرو بن عبيد رأس المعتزلة ،و أوَّلهم في الاعتزال وروى عنه الثَّوريُّ، وكان الرَّبيع بن صبيح معتزليا ،وكان خيرا من عمرو بن عبيد)).
ذكر ابن حجر في " فتح الباري"{557/8}: (( قال رجل لابن عبَّاس ـ كأنَّ هذا الرَّجل هو نافع بن الأزرق الذي صار *بعد ذلك رأس الأزارقة *من الخوارج، و كان يجالس ابن عبَّاس بمكَّة ، و يسأله و يعارضه....)).
قلت: ففي هذه القصَّة *فوائد منها:
ـ الرجل الذي سأل ابن عباس عما اختلف عليه من القرآن *كان في رأسه مثل ما كان في رأس صبيغ *فلم لم يوجعه ابن عباس ضربا ولم يسجنه ولم ينفه ؟
فلعله لم يكن حاكما، أو كان السائل ينتمي إلى طائفة قوية كالخوارج آنذاك، ولا يمكن فعل ذلك إلا بقيام حرب معهم ،أو أن هذه الشبه انتشرت بين الناس، وقد مرت فترات في التاريخ الإسلامي غلب الخوارج على غالب الجزيرة و ما وراء النهرين.
ـ كذلك نستفيد من هذه القصة أن ابن عباس جالس الخوارج و ناظرهم و أجابهم عن أسئلتهم، فيجب أن يكون هناك اعتبارات دفعته إلى فعل ذلك ؟
إن هجر المبتدع بترك مخاطبته و مجالسته مربوط بشرطه، و إن من السلف من جالس المبتدعة للاعتبارات عديدة، وكنت قد بيَّنت في هذه المسألة نقطتين:
1 ـ ترك مجالسة المبتدع يقصد المبتدع الداعية، و ليس الجاهل المقلِّد له، و إلاَّ هجرنا غالب الأمَّة.
2 الذي يهجر مجالسة المبتدع الداعية بإطلاق هو العاميُّ الجاهل، أمَّا أهل العلم فقد يجالسونه لأسباب شرعيَّة كزيارته *وعيادته، إذا علموا عنه أنَّه ممكن توبته بالألفة، وعزله عن رفقاء السَّوء، أو لبيان حاله و كشف ما عنده ، أو للرَّد عليه أمام أتباعه، و إظهاره للنَّاس، و كسر شوكته العلميَّة إذا كانت قويَّة عند الناس ، أو لأخذ ما عنده من العلم في الحالات المخصوصة التي ذكرناها.
لقد كان سفيان بن عيينة يُجالس محمَّد بن منادر الشَّاعر، و يسأله عن معاني الحديث، مع العلم أنَّ بن المنادر قال فيه يحي بن معين: لا يروي عنه من فيه خير ،روى عبَّاس الدوري عن ابن معين *أنَّه ذكر له شيخا كان يلزم ابن عيينة يقال له : بن منادر ، فقال : "أعرفه كان يرسل العقارب في المسجد الحرام حتَّى تلسع النَّاس، وكان يصبُّ المداد بالليل في أماكن الوضوء حتَّى يسوَّد وجوههم". وفي (علوم الحديث) للحاكم:قال يحي بن معين : كان زنديقا ( لسان الميزان)( 391/5).
كذلك كان معبد خالد الجهني يُجالس الحسن البصري، وهو أوَّل من تكلَّم بالبصرة، و لعلَّه من أدخل القدر على من دخل فيه من المحدِّثين.
و كان داود بن أبي هند يجلس إلى فضل الرقاشي، و هو فضل بن عيسى، وهو قدري المذهب ( تاريخ ابن معين برواية الدوري)( 217/4).
وكان سفيان الثَّوريُّ يجالس سالم بن أبي حفصة الشِّيعي المفرط الذي كان ينتقص أبي بكر و عمر (تهذيب الكمال){441/8}، *وكان يحذِّر منه في مجلسه.
فأمر مجالسة المبتدع و إن كان السلف ينهون عنه، *و يهجرون من يجالسهم، فإنه ليس على إطلاقه و يميزون بين حالة وأخرى، *بين واقعة و أخرى، ولكن الناس اليوم صاروا يتكلمون في ذلك بأهوائهم، وقد ينهونك عن مجالسة شخص لأنه مبتدع في عرفهم، وليس هو بمبتدع عندك، لاختلاف التأصيل و المذهب حول المقالة المعينة، فمن يرى تكفير تارك جنس العمل يرى من لا يكفره مرجئا، ويريد منك أن لا تجالسه و من يرى العكس يفعل العكس، و قد يرون شخصا بأنه متعمد البدعة، في حين تراه أنت متأوِّلا لم تقم عليه حجَّة، *وهكذا تختلف الأحكام في كثير من المسائل.
وهذا أمر لم يخل منه السلف، ولكنهم لم يبَدعوا بعضهم بعضا، و أنا أذكر على سبيل المثال: الرَّبيع بن عبد الله بن خطاف كان يحي بن سعيد يحطُّ عليه ،و يقول:" أنا أعلم به ،و يتعجَّب من عبد الرَّحمن بن مهدي كيف لا يطعن عليه".
وكان عبد الرَّحمن بن مهدي يقول:" هو عندي ثقة في حديثه"، قيل له:" كان يرى القدر؟"، *قال:" كان يجالس عمرو بن فايد يوم الجمعة (الضُّعفاء للعقيلي)( 49/2).
وقد وثَّقه: الإمام أحمد.
فهذا الرَّجل اختلف فيه هذان العالمان الكبيران، وكل منهم كان يرى فيه رأيا، ومجال الاختلاف ممكن في كثير من الحالات، ولكنهم لم يمتحنوا بعضهم بعضا بمثل هذا الاختلاف، حتَّى وضع الذَّهبيُّ قاعدة فيمن اختلف فيهم يحي بن سعيد و عبد الرَّحمن بن مهدي.
وقد جاء في الأثر [ذكره الشَّاطبيُّ في (الموافقات)، و الخطيب في (اقتضاء العلم العمل)]: (( حتَّى إنَّ الرَّجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره )).
من المعلوم أن الأئمة نهوا عن مجالسة المبتدع الذي يخاصم ،كقول الإمام أحمد السَّابق، فوجب أن نعرف من هو المخاصم، قال أبو جعفر: (( لا تجالسوا أهل الخصومات فإنهم الدين يخوضون في آيات الله))[تفسير الطَّبري229/7].
قد يجالس السني العالم المبتدع الداعية ولا إشكال في ذلك، إذا كان لغرض أخذ ما عنده من العلم ،أو كشف حاله ، أو دعوته *أو مناظرته *وغير ذلك، وهذا معروف عند الأئمة ، أما من لم يكن عالما عارفا، فأقوالهم *تحذره من مجالستهم لخوف الفتنة عليه.
ـ يجب أن نعرف من هو المبتدع الداعية؟ و في النقل السابق ذكر أحمد أوصافه وهو أن يخاصم على بدعته، وفي " شرح العلل"{ص:88} تفسير أوضح:" قال إسماعيل الخطبي: ثنا عبد الله بن أحمد قلت لأبي: "ما تقول في أصحاب الحديث يأتون الشيخ لعله أن يكون مرجئا أحذر منه؟ فقال أبي:" إن كان يدعو إلى بدعة وهو إمام فيها و يدعو إليها قال نعم تحذر منه"
وفي مسائل " ابن هانيء{153/2}:" سألت أبا عبد الله عن رجل مبتدع، داعية يدعو إلى بدعة أيجالس؟ قال: لا يجالس ولا يكلم لعله أن يرجع".
شروط المجالسة:
ذكر أبو نعيم في "حلية الأولياء"{16/7}، و ابن أبي حاتم في " الجرح و التعديل"{99/1} قصة عن سفيان الثوري تبين مدى صدق هذا الإمام و نصحه حتى في مجالسته الجاهل:" كان رجل ضرير يجالس سفيان الثوري فإذا كان شهر رمضان يخرج إلى السواد فيصلي بالناس فيكسى و يعطى، فقال سفيان: إذا كان يوم القيامة أثيب أهل القرآن من قراءتهم و يقال لمثل هذا: قد *تعجلت ثوابك في الدنيا ، فقال: يا أبا عبد الله *تقول لي هذا و أنا جليسك ، قال: أخاف أن يقال لي يوم القيامة *:كان هذا جليسك أفلا نصحته."
فهذه النقول تؤكد ما نحن بصدده ،وفي هذا النقل ما يوضح منهج السلف الصالح *في هجر المبتدع،فإنه قال:" داعية يدعو إلى بدعة " فلا يجب أن نلحق أتباع المبتدعة ونحكم عليهم كما نحكم على رؤوس البدعة ، و قد أبعد النجعة من قال في عوام المبتدعة:" تنصحه فإن أبى *تهجره" ،و مثل هذا الكلام لا يصح إلا ممن يعتقد فيه الناس *الحق التام الكامل، فكيف تقوم الحجة بالخطاب الواحد على رجل يعتقد اعتقاد جازما أنه على الحق ، ولا يصح في مثل هذا أن نحتج بحديث ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ في الذي كان يخذ ف، فإن مخالفة الرجل لحديث النبي صلى الله عليه وسلم لهواه تقوم الحجة عليه بالخطاب الواحد، أما من يخالفك تدينا وله منهج و أئمة و أدلة يدافع بها، لا تقوم عليه الحجة إلا بإزالة المعارض عنه، كما نقلنا عن شيخ الإسلام و ابن القيم فكم مرة ذكر الله الأمر بالصلاة و الزكاة و الجهاد و الصدقة ؟ وكم مرة ذكر قصة النبي الواحد، ولماذا سماه ذكرى و تذكرة؟
كذلك في قول الإمام أحمد:" لعله أن يرجع" تعليل لسبب ترك مجالسته وهو رجاء رجوعه عن بدعته لأن العقوبة القصد منها التضييق عليه ليتركها، لا الهجر في حد ذاته هو المقصود بل هو مطلوب لغيره، فإن لم يتحقق هذا القصد قد يبقى الهجر لحفظ النفس من البدعة لا لطمع في رجوعه، وهذا يصلح على العامي الذي يخشى عليه غائلة البدعة، فإنه يهجر بإطلاق ودون اعتبار لهذه العلل.
فبين الإمام أحمد أنه إن كان يدعو إلى بدعة و يخاصم فيها و هو إمام فيها، أي: رأس، يحذر منه، معنى هذا الكلام أن أتباع المبتدعة من العوام و صغار طلبة العلم لا يحذر منهم، *و يمكن مجالستهم بغرض الدعوة و التعليم وغير ذلك، و أن من عمم هذا الحكم في عوام المسلمين الذين يتبعون رؤوسا مبتدعة و يحسنون الظن بهم، فقد خرج عن مذهب السلف الصالح .
قال الإمام احمد في" مسائل ابن هانيء"{154/2}:" و سألته عن الذي يقول: لفظي بالقرآن مخلوق؟ قال: هذا كلام جهم ، من كان يخاصم منهم فلا يجالس ولا يكلم و الجهمي كافر".
وهذا التعليل نفسه نجده عند شيخ الإسلام ابن تيمية: (( و يفرق بين الأئمة المطاعين **وغيرهم، و إذا عرف مقصود الشريعة سلك في حصوله أوصل الطرق إليه ))
فإذا صح عن بعض الأئمة مجالسة المبتدعة لأسباب مختلفة، مع ما عُرف عنهم من شدة منافرة المبتدعة، و النهي عن مجالستهم، مما يعني أن الأمر يدور مع المصلحة، و اختلاف الظروف وكل عالم إمام يقدر المصلحة بحسب ظرفه هو، لا بحسب ظرف غيره.
أما القول بعدم مجالستهم إطلاقا، فهذا تعمية للحقائق و تزوير للتاريخ، لا يمارسه من كان على منهج أهل السنة و الجماعة، و أخيرا أضرب لك هذا المثال، فإنه يجمع بين طياته كل هذا.
جاء في ترجمة شيخ الإسلام و إمام المحدثين ابن أبي ذئب هشام بن شعبة في"السير"{141/7}مايلي:"كان من أوعية العلم ثقة فاضلا قوالا بالحق مهيبا".
قال الواقدي: كان من أورع الناس و أودعهم، رمي بالقدر و ماكان قدريا، لقد كان يتقي قولهم و يعيبه،*ولكنه كان رجلا كريما يجلس إليه كل أحد يغشاه فلا يطرده ولا يقول له شيئا، و إن مرض عاده، فكانوا يتهمون بالقدر لهذا وشبهه.
قال احمد بن علي الأبار: سألت مصعبا عن ابن أبي ذئب فقال:معاذ الله أن يكون قدريا، إنما كان في زمن المهدي قد الشاة أهل القدر و ضربوهم و نفوهم، فجاء منهم قوم إلى ابن أبي ذئب فجلسوا إليه و اعتصموا به من الضرب فقبل، هو قدري لأجل ذلك، لقد حدثني من أثق به ما تكلم فيه قط.*
هذا هو حال الأئمة من الإنصاف و العدل، لا يجورون على احد، و لا يتهمون الناس بالبدعة لأنهم جالسوا مبتدعا.
نقل ابن تيمية في(الدرء){245/7} عن ابن أبي حاتم أنه قال:" ثنا الربيع قال:رأيت الشافعي وهو نازل من الدرجة وقوم في المجلس يتكلمون بشيء من الكلام فصاح فقال:إما تجاورونا بخير و إما أن تقوموا عنا".
فهذا الشافعي لم يطردهم لأجل بدعتهم في الكلام، مع أن الكلام اتفق السلف على انه بدعة، ولكنه طلب منهم أن يجاوره بخير، وهو أن لا يذكروا في مجلسه أو في ذاك المكان بدعتهم.
وفي ( تهذيب التهذيب){11/61}:"*قال ابن أبي خيثمة قال عبد الرحمن بن مهدي ظلم يحيى بن سعيد همام بن يحيى لم يكن له به علم ولا مجالسة.
جاء في (عيون الأخبار){95/1}لابن قتيبة الدينوري:" قال المغيرة: كان يجالس إبراهيم صيرفي ورجل متهمٌ برأي الخوارج، فكان يقول لنا: لا تذكروا الربا إذا حضر هذا، ولا الأهواء إذا حضر هذا."
إبراهيم ابن أبي يحي جالسه الشافعي في حداثته و قد اتهم بالقدر ورأي جهم.
معنى المصاحبة المقصودة عند العلماء:
معلوم أنَّ المصاحبة الَّتي نهى عنها السَّلف الصَّالح هي المصاحبة الخاصَّة، أي:*حتَّى يصير من خاصَّتِه، مخافة أن يستزلَّه؛ وهذا لا يُوجَّه للعلماء، ولكن للعوامِّ.
لأنَّهم لم يفرِّقوا عمليًّا بين الهجر التَّأديبيِّ الَّذي لم يبق له تقريبا أيُّ شرطِ وجود،و بين الهجر الوقائيِّ،فالأوَّل يقوم به بالدَّرجة الأولى العلماء كما في الصَّلاة *على الميت، و غير ذلك ،بينما الثَّاني يقوم به العوامُّ فقط للحفاظ على عقيدتهم ودينهم.
قال ابن تيميَّة في (*مجموع الفتاوى)(16/475)*عن أبي يوسف :*((ولا ينبغي لأحدٍ من أهل السُّنَّة والجماعة أن يخالط أحدًا من أهلِ الأهواء حتَّى يصاحبه ويكون خاصَّته مخافة*أن يستزلَّه أو يستزلَّ غيره بصحبة هذا .))
وهذا أمر معقول كما بيَّنته سابقًا، فإنَّ النَّاس لا يستطيعون الامتناع عن مخالطة بعضهم بعضًا،و إلاَّ لم تبق لهم مصلحة، و المخالطة لا تعني بأيِّ حال المصاحبة الخاصَّة، فهذا فارق جوهريٌّ، إضافة إلى الشُّروط الَّتي ذكرتها قبل ذلك.
فالأصل في المسلم إذا مرض أن تزوره لقوله صلَّى الله عليه و سلَّم :
((إنّ للمسلم على أخيه المسلم ستّ خصال واجبة، فمن ترك خصلة منها فقد ترك حقا واجبا لأخيه عليه: إذا دعاه أن يجيبه، وإذا لقيه أن يُسلِّم عليه، وإذا عطس أن يشمّته، وإذا مرض أن يعوده، وإذا مات أن يتبع جنازته، وإذا استنصح له أن ينصحه)).
فالاستثناء من باب العقوبة وهي بشرطها.
وقد تأتي *عيادة المريض برحمة لا يتوقَّعها أحد كما في الحديث الذي رواه حمَّاد بن سلمة من طريق أنس : ((أنَّ غُلَامًا يَهُودِيًّا كَانَ يَخْدُمُ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم فَمَرِضَ فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ، فَوَجَدَ أَبَاهُ عِنْدَ رَأْسِهِ يَقْرَأُ التَّوراة، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا يَهُودِيُّ، أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوراة عَلَى مُوسَى، هَلْ تَجِدُونَ فِي التَّوراة نَعْتِي وَصِفَتِي وَمَخْرَجِي؟ فَقَالَ:
لَا، فَقَالَ الْفَتَى: بَلَى والله يا رسول الله، إنَّا نجد فِي التَّوراة نَعْتَكَ وَصِفَتَكَ وَمَخْرَجَكَ، وَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ الله، فقال النَّبيّ لأصحابه: أقيموا هذا من عند رأسه، ولوا أَخَاكُمْ*)).البيهقي.
قال يعقوب بن سفيان(المعرفة: 3 / 135): حدثني محمَّد بن عبد الرَّحيم صاعقة، قال: سمعت عليًّا قال: قال يحيى ذهب عوف إلى الصلت بن دينار يعوده، واكترى له حمارا من بني جمان، وكان عوف شيعيًّا، والصلت عثمانيًّا، فذكروا شيئا، فقال له عوف: لا رفع جنبك يا أبا شعيب.
قال العقيلي(ضعفاؤه، الورقة 175): حدَّثنا محمَّد بن أحمد قال: سمعت بندارا ،وهو يقرأ علينا حديث عوف فقال: يقولون: عوف، والله لقد كان عوف قدريًّا رافضيًّا شيطانا، ونقل عن عبد الله بن المبارك قال: كانت فيه بدعتين كان قدريًّا، وكان شيعيًّا.
وقال إِبراهِيم بن يعقوب الجوزجاني(أحوال الرِّجال، الترجمة 184) : عوف بن أَبي جميلة الأعرابي يتناول بيمينه ويساره من رأي البصرة والكوفة.
وقال ابن حجر في (التَّقريب): ثقة رمي بالقدر والتَّشيُّع.
و الله اعلم.
*