المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جوابٌ عن إشكالٍ في فتوى: «في حكم تارك العمل بالكلِّيَّة مع القدرة»


tarek.const
2014-02-25, 18:55
جوابٌ عن إشكالٍ في فتوى:
«في حكم تارك العمل بالكلِّيَّة مع القدرة»


السؤال:
جاء في فتوى الشيخ وفَّقه الله «في حكم تارك العمل بالكلِّيَّة مع القدرة» قولُه: «إذن فمقتضى الحديث: «فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ..» ليس على عمومه في كلِّ مَن ترك العملَ وهو يستطيع فِعْلَه، وإنما يُحْمَل على الخير المنفيِّ مِن جهةِ تمامه وكماله، أو مِن جهةِ عدمِ تمكُّنه مِن أدائه لعذرٍ مَنَعه مِن العمل»، وفي التعليل الأخير نظرٌ؛ لأنَّ غير المتمكِّن من الفعل لعذرٍ مَنَعَه غيرُ مستوجبٍ للعقوبة كما لا يخفى وبالتالي لا يدخل في معنى الحديث، فضلاً عن أنَّ المُقِرَّ بالإسلام في حين دخوله فيه يكون مسلمًا قبل الدخول في عمل الصلاة وصوم رمضان بإقراره واعتقاده وعُقدة نيَّته، فمِن جهة النظر لا يجب أن يكون كافرًا إلاَّ برفع ما كان به مسلمًا وهو الجحودُ لِما كان قد أقرَّ به واعتقده، والله أعلم، وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فليس الإشكال المطروح في دخول أقوامٍ النارَ بذنوبٍ وقعوا فيها عن علمٍ بحكمها، وإنما محور الإشكال المطروحِ يدور على خروج أقوامٍ مِن النار ودخولِهم الجنَّةَ بغير عملٍ عملوه، فإنَّ حديثَ أنَّ القوم الذين يُدْخِلُهُمُ اللهُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ، وَلاَ خَيْرٍ قَدَّمُوهُ(١) لا يدلُّ على شمول العموم لكلِّ مَن تَرَك العملَ وهو قادرٌ على فعله؛ لمعارضته للنصوص المُحكمة وإجماع السلف في أنَّ الإيمان قولٌ وعملٌ، إذ لا يصحُّ الاستدلال بهذا الحديث على عموم صُوَره بما فيه صورة تاركِ العمل بالكلِّيَّة القادرِ على فعلِه، إذ يترتَّب على هذا التعميم لزومُ إخراج العمل عن دائرة الإيمان، الأمر الذي يتوافق مع قول المرجئة، فإذا كانت هذه النتيجة مردودةً وجب حملُ الخير المنفيِّ في الحديث على جهة تمامه وكماله، أو على جهة عدم تمكُّن المكلَّف مِن أدائه لعذرٍ مَنَعه مِن العمل.
هذا، والمقصود مِن عبارةِ: «أو مِن جهةِ عدمِ تمكُّنه مِن أدائه لعذرٍ مَنَعه مِن العمل» هو أنَّ العبد -مثلاً- قد يكون له أصلُ الإيمان في قلبه والإقرارُ بالشهادتين بلسانه، ولكنَّه لم يتمكَّن مِن أداء العمل لاخترام الموت نَفْسَه، غيرَ أنه سَبَق له عملٌ سيِّئٌ عن علمٍ يستحقُّ به دخولَ النار، كصورة رجلٍ كان على الكفر فأسلم وعليه تبعاتٌ سابقةٌ للناس مِن ديونٍ وحقوقٍ أَكَلها بالباطل وهو يعلم بحرمة ذلك ووجوبِ ردِّها إلى أهلها ولم ينوِ ردَّها، فاخترمه الموتُ بعد إسلامه قبل التمكُّن مِن أداء ما افترض الله عليه مِن أركان الإسلام، فلا يخفى أنَّ الإسلام يَجُبُّ ما قبله، لكنَّه لا يهدم تَبِعاتِ أموالِ الناس وحقوقِهم، فاستحقَّ دخولَ النار بسبب جحدِه للأمانات وأكلِه أموالَ الناس بالباطل، لكنَّه لا يُخَلَّد في النار ولو لم يأتِ بأيِّ عملٍ. قال الشيخ سليمان بنُ عبد الله بنِ محمَّدِ بنِ عبد الوهَّاب -رحمهم الله- موضِّحًا المسألةَ: «وأمَّا إخراجُ اللهِ مِن النار مَن لم يعمل خيرًا قطُّ، بل كفى عن العمل وجودُ أدنى إيمانٍ في قلبه وإقرارٍ بالشهادتين في لسانه، فهو: إمَّا لعدم تمكُّنه مِن أداء ما افترض الله عليه مِن أركان الإسلام، بل بمجرَّد أدنى إيمانٍ في قلبه وشهادةٍ بلسانه خَرَمته المنيَّة، لكنَّه قد عَمِل عملاً مفسَّقًا به لوجودِ ما صدر منه عالمًا به، فاستحقَّ دخولَ النار عليه، ..»(٢).
علمًا أنَّ الجهة المعوَّل عليها في «الخير المنفيِّ» في الحديث هي حملُ الخير المنفيِّ فيه على كماله وتمامه كما نُقل عن ابن خزيمة -رحمه الله- وغيرِه.
أمَّا الاستدلال بأنَّ المُقِرَّ بالإسلام في حين دخوله فيه يكون مسلمًا قبل الدخول في عمل الصلاة وصومِ رمضان بإقراره واعتقاده وعُقدة نيَّته، فهذا ظاهرٌ لأنَّ إقراره واعتقاده هو العلمُ الذي يسبق العملَ، ومِن عمل القلب: عقدُ النيَّة على عمل الجوارح باعتبارِ أنَّ العمل تابعٌ للعلم ومرتبطٌ به، ﻓ«القلب هو الأصل، والبدن فرعٌ له، والفرع يستمدُّ مِن أصله، والأصل يَثبت ويقوى بفرعه»(٣)، فحقيقة الدين كلِّه في التصديق بالقلب والنطقِ باللسان والعملِ بالجوارح الباطنة والظاهرة، وإنما الإسلام -في الأصل- مِن باب العمل: عملِ القلب والجوارح، وأمَّا الإيمان فأصلُه معرفةُ القلب وتصديقُه وإقراره، فهو مِن بابِ قول القلب المتضمِّن عملَ القلب، والأصلُ فيه التصديق والعمل تابعٌ له.
فالمُقِرُّ بالإسلام لا يكون مسلمًا إلاَّ إذا اعتقد صحَّةَ ما يشهد به بإقرارٍ مستلزمٍ لقبول الأخبار والإذعانِ للأحكام، فإن شهد بالرسالة والْتزم بأحكام الإسلام حُكِم بإسلامه، وإلى ذلك أشار الحديثُ بالاستثناء بحقِّ الإسلام في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّ الإِسْلاَمِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ»(٤)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قَالَ: «أُقَاتِلُ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْتُ بِهِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ»(٥).
وعليه، فإنَّ مجرَّد الإقرار والإخبارِ بصحَّة رسالة الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم لا توجب الإسلامَ إلاَّ أن يلتزم طاعتَه ومتابعته، وهذا باتِّفاق الصحابة والتابعين وأئمَّة السنَّة، وقد بيَّن ابن القيِّم -رحمه الله- هذا المعنى بقوله: «إنَّ الإيمان لا يكفي فيه قولُ اللسان بمجرَّده، ولا معرفةُ القلب مع ذلك، بل لا بدَّ فيه مِن عمل القلب، وهو حبُّه لله ورسولِه، وانقيادُه لدينه، والتزامُه طاعتَه ومتابعةَ رسوله»(٦).
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ١٨ من المحرَّم ١٤٣٥ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٢ نوفـمبر ٢٠١٣م

(١) (http://ferkous.com/site/rep/Ba84.php#_ftnref1)أخرجه البخاري في «التوحيد» بابُ قول الله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ (٧٤٣٩)، ومسلم في «الإيمان» (١٨٣)، من حديث أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه.

(٢) (http://ferkous.com/site/rep/Ba84.php#_ftnref2)«التوضيح عن توحيد الخلاَّق» لسليمان بن عبد الله بن محمَّد بن عبد الوهَّاب (١٠٥-١٠٦).

(٣) (http://ferkous.com/site/rep/Ba84.php#_ftnref3)«مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٧/ ٥٤١).

(٤) (http://ferkous.com/site/rep/Ba84.php#_ftnref4)أخرجه البخاري في «الإيمان» باب: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾ [التوبة: ٥] (٢٥)، ومسلم في «الإيمان» (٢٢)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(٥) (http://ferkous.com/site/rep/Ba84.php#_ftnref5)أخرجه البخاري في «الاعتصام بالكتاب والسنَّة» باب الاقتداء بسنن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم (٧٢٨٤)، ومسلم واللفظ له في «الإيمان» (٢١)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(٦) (http://ferkous.com/site/rep/Ba84.php#_ftnref6)«مفتاح دار السعادة» لابن القيِّم (١/ ٣٣٠).
http://ferkous.com/site/rep/Ba84.php

أبومحمد17
2014-02-28, 07:18
بارك الله فيك

tarek.const
2014-02-28, 08:28
جمع لكلام أكابر العلماء لبيان معنى الحديث”لم يعملوا خيرًا قط”




1-قال ابن عبد البر في الاستذكار : ” وأما قوله لم يعمل حسنة قط وقد روي لم يعمل خيرا قط أنه لم يعذبه إلا ما عدا التوحيد من الحسنات والخير بدليل حديث أبي رافع المذكور وهذا شائع في لسان العرب أن يؤتى بلفظ الكل والمراد البعض وقد يقول العرب لم يفعل كذا قط يريد الأكثر من فعله ألا ترى إلى قوله عليه الصلاة والسلام لا يضع عصاه عن عاتقه يريد أن الضرب للنساء كان منه كثيرا لا أن عصاه كانت ليلا ونهارا على عاتقه وقد فسرنا هذا المعنى في غير موضع من كتابنا هذا “ج:3 ص:94



2-قال أبو عبيد القاسم بن سلام : “فإن قال (قائل ): كيف يجوز أن يقال ليس بمؤمن، واسم الإيمان غير زائل عنه ؟ قيل هذا كلام العرب المستفيض عندنا غير المستنكر في إزالة العمل عن عامله إذا كان عمله على غير حقيقته ألا ترى أنهم يقولون للصانع إذا كان ليس بمحكم لعمله: ما صنعت شيئا ولا عملت عملا، وإنما وقع معناهم هاهنا (على ) نفي التجويد، لا على الصنعة نفسها، فهو عندهم عامل بالاسم، وغير عامل في الإتقان، حتى تكلموا به فيما هو أكثر من هذا، وذلك كرجل يعق أباه ويبلغ منه الأذى فيقال: ما هو بولده وهم يعلمون أنه ابن صلبه. ثم يقال مثله في الأخ والزوجة والمملوك. وإنما مذهبهم في هذا المزايلة من الأعمال الواجبة عليهم من الطاعة والبر….” الإيمان : 26_27



3- ويقول الإمام ابن خزيمة رحمه الله – وقد أورد هذا الحديث تحت باب : ” ذكر الدليل أن جميع الأخبار التي تقدم ذكري لها إلى هذا الموضع في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في إخراج أهل التوحيد من النار إنما هي ألفاظ عامة مرادها خاص ” : هذه اللفظة ” : ( لم يعملوا خيرا قط ) من الجنس الذي يقول العرب ، ينفي الاسم عن الشيء لنقصه عن الكمال والتمام ، فمعنى هذه اللفظة على هذا الأصل : لم يعملوا خيرا قط على التمام والكمال ، لا على ما أوجب عليه وأمر به ، وقد بينت هذا المعنى في مواضع من كتبي ” انتهى. التوحيد: (2/732)



4- وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: وأما ما جاء في الحديث –حديث أبي سعيد – أن قوماً يدخلون الجنة لَم يعملوا خيراً قط فليس هو عامَّاً لكل من ترك العمل وهو يقدر عليه, إنما هو خاص بأولئك لعذر منعهم من العلم أو لغير ذلك من المعاني التي تلائم النصوص المحكمة وما أجمع عليه السلف الصالح في هذا الباب. انتهى رقم الفتوى (21436) وتاريخ (8/1/1421هـ)

رئاسة الشيخ عبد العزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ وعضويه كل من الشيخ / صالح بن فوزان الفوزان والشيخ / بكر بن عبدالله أبي زيد .



5- وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : معنى قوله: “لم يعملوا خيراً قط” أنهم ما عملوا أعمالاً صالحة، لكن الإيمان قد وقر في قلوبهم، فإما أن يكون هؤلاء قد ماتوا قبل التمكن من العمل آمنوا ثم ماتوا قبل أن يتمكنوا من العمل وحينئذ يصدق عليهم أنهم لم يعملوا خيراً قط.وإما أن يكون هذا الحديث مقيداً بمثل الأحاديث الدالة على أن بعض الأعمال الصالحة تركها كفر كالصلاة مثلاً، فإن من لم يصلِّ فهو كافر ولو زعم أنه مؤمن بالله ورسوله، والكافر لا تنفعه شفاعة الشافعين يوم القيامة وهو خالد مخلد في النار أبد الآبدين والعياذ بالله، فالمهم أن هذا الحديث إما أن يكون في قوم آمنوا ولم يتمكنوا من العمل فماتوا فور إيمانهم فما عملوا خيراً قط.وإما أن يكون هذا عاماً ولكنه يستثنى منه ما دلت النصوص الشرعية على أنه لا بد أن يعمل كالصلاة فمن لم يصل فهو كافر لا تنفعه الشفاعة ولا يخرج من النار.المصدر : مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الثاني – باب اليوم الآخر.

وسُئل الشيخ العلامة محمد بن عثيمين – رحمه الله – هذا السؤال :قرأت في كتاب للشيخ الإمام الغزالي حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الشفاعة فيمن أخرجهم الله من النار بشفاعته صلى الله عليه وسلم حين يقول الله تعالى فرغت شفاعة الملائكة والنبيين وبقيت شفاعتي فيخرج من النار أقواما لم يعملوا حسنة قط فيدخلون الجنة فيكون في أعناقهم سمات ويسمون عتقاء الله عز وجل فما مدى صحة هذا الحديث

ومامعناه ؟

فأجاب :هذا الحديث متفق عليه بمعناه يعني أنه قد روى البخاري ومسلم معنى هذا الحديث إلا أن فيه كلمة منكره في هذا الصياغ الذي ذكره الأخ وهو قوله (فتبقى شفاعتي) فإن هذه اللفظة منكره واللفظ الذي ورد في الصحيحين ولم يبق إلا أرحم الراحمين وإنما كانت اللفظة التي ذكرها السائل منكرة لأن قوله وتبقى شفاعتي عند من يشفع فالله سبحانه وتعالى هو الذي يشفع إليه وليس يشفع إلي أحد سبحانه وتعالى (وأن إلى ربك المنتهى)ومعنى هذا الحديث أن الله سبحانه وتعالى يأذن للرسل والملائكة والنبيين وكذلك لصالح الخلق أن يشفعوا في إخراج من شاء من أهل النار فيخرج من أهل النار من شاء الله حتى إذا لم يبق أحد تبلغه شفاعة هؤلاء ولم يبق إلا رحمة أرحم الراحمين أخرج الله سبحانه وتعالى بهذه الرحمة من شاء وجعل في رقابهم خواتم على أنهم عتقاء الله سبحانه وتعالى فيدخلون الجنة ومعنى قوله لم يعملوا حسنةً قط أنهم ما عملوا أعمالا صالحة لكن الإيمان قد وقر في قلوبهم فإما أن يكون هؤلاء قد ماتوا قبل التمكن من العمل آمنوا ثم ماتوا قبل أن يتمكنوا من العمل وحينئذ يصدق عليهم أنهم لم يعملوا خيرا قط وإما أن يكون هذا الحديث مقيدا بمثل الأحاديث الدالة على أن بعض الأعمال الصالحة تركها كفر كالصلاة مثلا فإن من لم يصل فهو كافر ولو زعم أنه مؤمن بالله ورسوله والكافر لا تنفعه شفاعة الشافعين يوم القيامة وهو مخلد في النار أبد الآبدين والعياذ بالله فالمهم أن هذا الحديث إما أن يكون في قوم آمنوا ولم يتمكنوا من العمل فماتوا فور إيمانهم فما عملوا خيرا قط وإما أن يكون هذا عاما ولكنه يستثنى منه ما دلت النصوص الشرعية على أنه لابد أن يعمل كالصلاة فإنه لابد أن يصلي الإنسان فمن لم يصل فهو كافر لا تنفعه الشفاعة ولا يخرج من النار .والله الموفق وصلى الله وسلم على نبينا محمد. المصدر : من برنامج نور على الدرب – موقع الشيخ.



6- وقال الشيخ الفوزان إجابة عن هذا الحديث وغيره : هذا من الاستدلال بالمتشابه ، هذه طريقة أهل الزيغ الذين قال الله سبحانه وتعالى عنهم : ( فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَه َمِنْهُ ) ، فيأخذون الأدلة المتشابهة ويتركون الأدلة المحكمة التي تفسرها وتبينها .. فلا بد من رد المتشابهة إلى المحكم، فيقال من ترك العمل لعذر شرعي ولم يتمكن منه حتى مات فهذا معذور ، وعليه تحمل هذه الأحاديث .. لأن هذا رجل نطق بالشهادتين معتقداً لهما مخلصاً لله عز وجل ، ثم مات في الحال أو لم يتمكن من العمل ، لكنه نطق بالشهادتين مع الإخلاص لله والتوحيد كما قال صلى الله عليه وسلم من قال لا (إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله فقد حرم دمه وماله ) .. وقال : ( فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله ( ، هذا لم يتمكن من العمل مع أنه نطق بالشهادتين واعتقد معناهما وأخلص لله عز وجل، لكنه لم يبق أمامه فرصة للعمل حتى مات فهذا هو الذي يدخل الجنة بالشهادتين ، وعليه يحمل حديث البطاقة و غيرهمما جاء بمعناه ، والذين يُخرجون من النار وهم لم يعملوا خيراً قط لأنهم لم يتمكنوا من العمل مع أنهم نطقوا بالشهادتين ودخلوا في الإسلام، هذا هو الجمع بين الأحاديث. (مصدر الفتوى: مسائل في الإيمان – ص 28، 29 [ رقم الفتوى في مصدرها:12 ]

و سئل أيضا : يقول فضيلة الشيخ وفقكم الله : كيف الرد على من يستدل بحديث الشفاعة والذي فيه (من غير عمل عملوه ولا خير قدموه) ويقول هذا دليل قاطع على عدم دخول العمل في أصل الإيمان، لأنهم لم يخلدوا في النار بالرغم من عدم عملهم، هل هذا الكلام صحيح ؟

الشيخ: لا إيمان بدون عمل، من يترك العمل مختارًا هذا ليس عنده إيمان، ما يصلي ولا يصوم مختارًا هذا ما عنده إيمان. وش الإيمان إذًا؟ الإيمان قول وعمل واعتقاد، ما هو الإيمان مجرد قول باللسان أو اعتقاد بالقلب بدون عمل، ما يصلح هذا ولا حجة لهم في هذا . والحديث الذي ذكره أنا ما شفت، يجيب نص الحديث ونشوف، نعم. اقرأ اقرأ النص اللي هو قال.

المقدم: يقول: كيف الرد على من يستدل بحديث الشفاعة والذي فيه “من غير عمل عملوه ولا خير قدموه” ؟

الشيخ: أيش هذا الحديث هذا يجيب أصل الحديث نص الحديث، نعم.اهـ (المصدر : شرح ” تجريد التوحيد المفيد للمقريزي” الشريط الرابع المسجل بتاريخ : الثلاثاء: 21-4-1431هـ )

وقال أيضا –حفظه الله -في كلامه على حديث البطاقة : …فهذا يدل على أن هذا الرجل دخل الجنة و لم يعمل ،قال لا إله إلا الله لكنه لم يعمل فيدخل الجنة ،يقول المرجئة أن هذا دليل على أن الأعمال ليست من الإيمان،نقول لا، الحديث هذا مجمل و هناك أحاديث مفصلة ، لا نأخذ واحد و نترك البقية ، هذا مجمل ، الأحاديث مفصلة أنه لا بد من ..(العمل).. ، آيات و أحاديث على أن الأعمال من الإيمان كما سبق ، لكن هذا الرجل قال هذه الكلمة صادقا من قلبه ثم مات و لم يتمكن من العمل ، مات و لم يتمكن من العمل ، دخل في الإسلام و نطق بالشهادتين و مات أو قتل ، لم يتمكن من العمل فيدخل بذلك الجنة بصدقه و إخلاصه و دخوله في الإسلام ، فنحن ما نأخذ بطرف من الأدلة و نترك الطرف الثاني ، نجمع بين الأدلة ، نعم ، ليس هذا الحديث وحده هو الذي جاء في هذه المسألة بل هناك أحاديث كثيرة يفسر بعضها بعضا و يقيد بعضها بعضا و يخص بعضها بعضا ، نعم . (شرح الشيخ لكتاب الإيمان بتاريخ : 18-8-1430 هـ- الدرس الثاني من دورة الملك سعود الثالثة عشر لعام 1430 هـ المقامة بجدة)



7 - سئل الشيخ عبد العزيز الراجحي حفظه الله : هناك بعض الأحاديث التي يستدل بها البعض على أن من ترك جميع الأعمال بالكلية فهو مؤمن ناقص الإيمان كحديث: لم يعملوا خيرا قط وحديث البطاقة وغيرها من الأحاديث؛ فكيف الجواب على ذلك؟ الجواب: ليس في هذه الأحاديث حجة لهذا القائل، فمن ترك جميع الأعمال بالكلية وزعم أنه يكتفي بما في قلبه من التصديق كما سبق فإنه لا يتحقق إيمانه إلا بالعمل، وأما أحاديث الشفاعة وأن المؤمنين الموحدين العصاة يشفع لهم الأنبياء والأفراط والشهداء والملائكة والمؤمنون وتبقى بقية لا تنالهم الشفاعة فيخرجهم رب العالمين برحمته، يخرج قوما من النار لم يعملوا خيرا قط، قال العلماء: المعنى لم يعملوا خيرا قط أي: زيادة على التوحيد والإيمان ولا بد من هذا؛ لأن النصوص يُضم بعضها إلى بعض وقد دلت النصوص على أن الجنة حرامٌ على المشركين. وقد ثبت في الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر مناديا ينادي في بعض الغزوات: أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ولما أمّر أبا بكر في الحج في السنة التاسعة من الهجرة أرسل معه مؤذنين يؤذنون منهم أبو هريرة وغيره يؤذنون في الناس بأربع كلمات منها: لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عهد فهو إلى عهده، ومن لم يكن له عهد فهو إلى أربعة أشهر وهذا يدل على أنه لا يمكن أن يدخل الجنة كافر، قال تعالى:( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)فهذه نصوص محكمة وهذا الحديث يُرد إليها، والقاعدة عند أهل العلم: أن المتشابه يُرد إلى المحكم. ولا يتعلق بالنصوص المتشابهة إلا أهل الزيغ كما قال تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ) وثبت في الحديث الصحيح عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم وأما أهل الحق فإنهم يردون المتشابه إلى المحكم ويفسرونه به، وهذا الحديث فيه اشتباه لكنه يرد إلى المحكم من النصوص الواضحة المحكمة في أن المشرك لا يدخل الجنة وأن الجنة حرام عليه. فلا يمكن أن يكون معنى الحديث: لم يعملوا خيرا قط أنهم مشركون وليس عندهم توحيد وإيمان، وأنهم أخرجهم الله إلى الجنة فهذا لا يمكن أن يكون مرادا، وإنما المراد لم يعملوا خيرا قط أي: زيادة على التوحيد والإيمان، وكذلك حديث البطاقة ليس فيه أنه مشرك وإنما فيه أنه موحِّد ففيه أنه: يؤتى برجل ويخرج له تسعة وتسعون سجلا كل سجل مد البصر سيئات، ويؤتى له ببطاقة فيها الشهادتان فتوضع البطاقة في كفة والسجلات في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ومعلوم أن كل مسلم له مثل هذه البطاقة وكثير منهم يدخلون النار، لكن هذا الرجل لما قال هاتين الشهادتين قالها عن إخلاص وصدق وتوبة، فأحرقت هذه السيئات فثقلت البطاقة وطاشت السجلات.



8 – وقال الشيخ زيد المدخلي : ” ..أحاديث الشفاعة التي دلت عليها النصوص ؛ أن الشفاعة لأهل الكبائر من أمة محمد – عليه الصلاة والسلام – ؛ وأنها لأهل التوحيد ؛ ومن مات وفي قلبه مثقال ذرة من إيمان فإن الشفاعة تناله ؛ ويظفر بها ؛ للحديث الذي ورد في الشفاعة ؛ وفيه قول الله تعالى : ” شفعت الملائكة وشفع الرسل وشفع المؤمنون ؛ ولم يبقى إلا أرحم الراحمين فيُخرج من النار قوما قد امتُحِشُوا فيوضعون في نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل حتى تكتمل أجسادهم وتعود إليهم أرواحهم فيدخلهم الله الجنة”. فالشفاعة نائلة أهل التوحيد وأهل الإيمان وإن قل إيمانهم إلى أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان وأما تارك جنس العمل بالكلية لا يحل حلالاً ولا يحرم حرامًا ولا يقيم فرضا ولا واجبا فهذا ليس معه إيمان لأن الإيمان يدفع صاحبه إلى العمل فإذا كان ليس من أهل الأعمال ولم يعمل بشيء من أركان الإسلام..ما بقي معه إيمان يستحق معه الشفاعة…وما وقع من خلل وهو من أهل التوحيد وإن عاقبه الله على مخالفاته فمآله إلى الجنة كما في أحاديث الشفاعة وأحاديث إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله وما ذكر من وقائع وأشخاص بأنهم لم يعملوا خيرا قط وختم لهم بخير بلا إله إلا الله فهذا بحسب ما وصلوا إليه وما قدروا عليه نعم .اهـ”(من شرح منظومة الفروق في معرفة الفروق: الشريط التاسع: عام 1430 هـ )

- وسئل : أحسن الله إليكم يستدل بعض الناس بحديث ( أخرجوا من النار من لم يعمل خيراً قط ) على أنه من نطق بالشهادة فهو ناج من عذاب الله تعالى وإن لم يأت بالعمل فما صحة هذا الاستدلال ؟

فأجاب : “…هذا الحديث ينطبق على أناس مخصوصين وعلى حالات وملابسات خاصة ولا يصلح دليل لمن يعيش فى الإسلام وبين أظهر المسلمين ويأبى أن يعمل خيراً من الفرائض والواجبات والمستحبات ولا يرتدع عن المحرمات والمنكرات وهو يعيش بين أظهر المسلمين فيحتج بهذا الحديث بأنه سيدخل الجنة فالعمل من أركان الإيمان ومن قيود الإيمان أن يكون مع الاعتقاد الصحيح والنطق باللسان عمل بالجوارح فمن ترك العمل بالجوارح ما ثبت إيمانه لأن العمل عمل الظاهر وعمل الباطن ولابد من أن يأتى العبد عند التمكن بالعملين : العمل القلبى وعمل الجوارح والله سبحانه وتعالى قال ( وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) فقرن بين العمل القلبى وهو الإيمان وبين عمل الصالحات وهو عمل الجوارح فمن تركها مختاراً تاركاً لها متعمداً فما نفعته شهادة أن لا إله إلا الله ، لأنه لم يطبقها وقد عاش بين أظهر المسلمين ولو نطق بالشهادتين ولم يعمل – يؤدى الأعمال الواجبة والمفروضة متعمداً مرتكباً للمحارم على اختلاف أنواعها متعمداً متكلاً على أنه قال لا إله إلا الله فهو من أهل الجنة – هذا ليس له حظ فى هذا النص وليس له دليل يستقيم بل ينزل هذا الحديث على أشخاص مخصوصين وعلى حالات مخصوصة .اهــ

مستفاد

جزى الله كاتبه خير الجزاء

aziz58
2014-03-14, 19:43
شكرا على الفائدة القيمة والموضوع الشامل