تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : دواء القلوب القاسيـــــــــــــتة


alkannass
2009-07-07, 09:19
دواء القلوب القاسية
دورس التخيل
أخي هل تشتكى من قسوة قلبك هل قلبك لا يخشع عند قراءة القرءان ولا فى الصلاة ولاعند ذكر الله هل عيناك لا تدمع من خشية الله هل تحب الدنيا وتكره ذكر الموت ؟
هيا بنا نعرف ماذا فعل السلف الصالح لعلاج هذه الأمراض ونأخذ العلاج الذي أخذه السلف الصالح هل اشتقت لمعرفة العلاج ؟
فى القرن الثالث الهجري شعر الناس بقسوة القلب مع الفارق بين حالهم وحالنا الآن ففكر الإمام الحارث بن الأسد المحاسبي فى العلاج ووصل إليه وهو

قام بعمل سلسلة من الدروس أسماها دروس (التوهم ) التخيل كان يجلس الناس في صمت وكل واحد يتخيل أن ما يقوله الإمام يقع عليه ويقوم الإمام بشرح حال البشر عند الممات ويوم القيامة وأهوالها ودخول النار ونعيم الجنة فرقت القلوب وخشعت للرحمن واشتاقت وعملت للجنة هيا بنا نبدأ سوياً سلسلة دروس التخيل

الدرس الأول الدرس االسادس
الدرس الثانى الدرس السابع
الدرس الثالث الدرس الثامن
الدرس الرابع الدرس التاسع
الدرس الخامس الدرس العاشر
:19: الدرس الأخير:19:

alkannass
2009-07-07, 09:21
الدرس الأول
قدوم ملك الموت ليقبض روحك

عليك الآن أن تضع نفسك في كل ما تسمع وتخيل انه يحدث لك أنت جالس بين أولادك او مع أصحابك تلهو * تلعب * تخالط المحرمات * أو في المسجد او في البيت تصلى * تقرأ القرءان او فى العمل* وفجأة ظهرت لك ملائكة الموت فإن كنت من العصا ه أتت لك ملائكة سود الوجوه معهم كفن من نار وينزعون روحك من جسدك فتتقطع معها العروق وأنت لا حول لك ولا قوة تريد التوبة تريد أن تصلى كلا كلا فأنت وقت ذاك لا تملك من أمرك شيء
تخيل نفسك ، وقد صرعت للموت صرعة ، لا تقوم منها إلا إلى الحشر إلى ربك ؛ فتوهم نفسك في نزع الموت ، وكربه ، وغصصه ،وسكراته ، وغمه وقلقه ؛ وقد بدأ الملك يجذب روحك من قدمك ؛ فوجدت ألم جذبه من أسفل قدميك ، ثم تدارك الجذب ، واستحث النزع ، وجذبت الروح من جميع بدنك ؛ فنشطت من أسفلك متصاعدة إلى أعلاك حتى إذا بلغ منك الكرب منتهاه ، وعمت آلام الموت جميع جسمك ، وقلبك وجل ، محزون مرتقب ، منتظر للبشرى من الله عز وجل بالغضب أو الرضا ، وقد علمت أنه لامحيص لك دون أن تسمع إحدى البشريين من الملك الموكل بقبض روحك.

فبينا أنت في كربك ، وغمومك ، وألم الموت بسكراته ،وشدة حزنك ، لارتقابك إحدى البشريين من ربك ، إذ نظرت إلى صفحة وجه ملك الموت بأحسن الصورة أو بأقبحها ، ونظرت إليه ماداً يده إلى قلبك ، ليخرج روحك من بدنك ؛ فذلت نفسك ؛ لما عاينت ذلك ، وعاينت وجه ملك الموت ، وتعلق قلبك بماذا يفجؤك من البشرى منه

إذا سمعت صوته بنغمته ، أبشر يا ولي الله برضا الله وثوابه ، أو أبشر يا عدو الله بغضبه وعقابه ، فتستقين حينئذ بنجاحك وفوزك ،ويستقر الأمر في قلبك ، فتطمئن إلى الله نفسك ، أو تستقين بعطبك وهلاكك ، ويحل الإياس قلبك، وينقطع من الله عز وجل رجاؤك وأملك ؛ فيلزم حينئذ غاية الهم والحزن أو الفرح والسرور قلبك ، حين انقضت من الدنيا مدتك ، وانقطع منها أثرك ، وحملت إلى دار من سلف من الأمم قبلك .

alkannass
2009-07-07, 09:23
الدرس الثانى

كيف حالك ياأخى بعد الدرس الأول ! المهم أتدرى أين أنت الآن أنت محمول على أربع أين يذهبون بك إلى قبرك إلى بيت الدود إلى بيت الوحشة إلى بيت الظلمة إلى حفرة من النار أو روضة من الجنة لقد سيق بك إلى القبر وأغلق عليك وعادت لك الروح وجاءك ملكي الحساب وسألاك عن الله وعن دينك وعن الرسول فبما ذا تجيب إسمع جواب العصاه الغافلين عن ذكر الله يقولون ( ها ها لا أدرى )
تخيل نفسك حين استطار قلبك فرحاً وسروراً ، أو ملئ حزنا وعبرة وبفترة القبر ، وهول مطلعه ، وروعة الملكين وسؤالهما فيه عن إيمانك بربك ؛ فمثبت من الله جل ثناؤه بالقول الثابت ، أو متحير شاك مخذول .

تخيل أصواتهما حين يناديانك لتجلس لسؤلهما إياك ليوقفاك على مساءلتهما ، فتوهم جلستك في ضيق لحدك ، وقد سقطت أكفانك على حقويك ، والقطنة من عينيك عند قدميك.

فتوهم ذلك ، ثم شخوصك ببصرك إلى صورتهما وعظم أجسامها ، فإن رأيتهما بحسن الصورة ، أيقن قلبك بالفوز والنجاة ، وإن رأيتهما بقبح الصورة ، أيقن قلبك بالهلاك والعطب .

فتوهم أصواتهما وكلامهما بنغماتهما وسؤالهما ، ثم هو تثبيت الله إياك إن ثبتك ، أو تحييره إن خذلك .

تخيل جوابك باليقين أو بالتحير أو بالتلديد والشك .

فتوهم إقبالهما عليك إن ثبتك الله عز وجل بالسرور وضربهما بأرجلهما جوانب قبرك بانفراج القبر عن النار بضعفك .

ثم توهم وهي تتأجج بحريقها ، وإقبالهما عليك بالقول ، وأنت تنظر إلى ما صرف الله عنك ؛ فيزداد لذلك قلبك سروراً وفرحاً ، وتوقن بسلامتك من النار بضعفك

تخيل ضربهما بأرجلهما جوانب قبرك ، وانفراجه عن الجنة بزينتها ونعيمها ، وقولهما لك : يا عبد الله انظر إلى ما أعد الله لك ، فهذا منزلك ، وهذا مصيرك.

فتخيل سرور قلبك وفرحك بما عاينت من نعيم الجنان وبهجة ملكها ، وعلمك أنك صائر إلى ما عاينت من نعميها وحسن بهجتها.

وإن تكن الأخرى ، فتوهم خلاف ذلك كله من الانتهار لك ، ومن معاينتك الجنة ، وقولهما لك : انظر إلى ما حرمك الله عز وجل ، ومعاينتك النار ، وقولهما لك : انظر إلى ما أعد الله لك ، فهذا منزلك ومصيرك.

فأعظم بهذا خطراً ، وأعظم به عليك في الدنيا غماً وحزناً ؛ حتى تعلم أي الحالتين في القبر حالك ، ثم الفناء والبلاء بعد ذلك ؛ حتى تنقطع الأوصال ؛ فتفنى عظامك ، ويبلى بدنك ، ولا يبلى الحزن أو الفرح من روحك ؛ متوقعاً روحك ، متطلعاً للقيام عند النشور إلى غضب الله عز وجل وعقابه ، أو إلى رضا الله عز وجل وثوابه ، وأنت مع توقع ذلك معروضة روحك على منزلك من الجنة أو مأواك من النار.فيا حسرات روحك وغمومها ! ويا غبطتها وسرورها !

alkannass
2009-07-07, 09:25
الدرس الثالث

كيف حالك ياأخى بعد الدرس الثانى ! المهم أتدرى أين أنت الآن أنت تسمع الصيحة فتقوم من قبرك تخيل لقد خرجت من قبر ك عليك غبار كثيف عريان لايسترك شىء انظر للخلائق من حولك لقد تشققت الأرض وخرجو جميعاً هيا بنا نتخيل ما يحدث لنا يوم الحشر
حتى إذا تكاملت عدة الموتى ، وخلت من سكانها الأرض والسماء ؛ فصاروا خامدين بعد حركاتهم ، فلا حس يسمع ، ولا شخص يرى ؛ وقد بقي الجبار الأعلى كما لم يزل أزلياً واحداً منفرداً بعظمته وجلاله ، ثم لم يفجأ روحك إلا بنداء المنادي لكل الخلائق معك للعرض على الله عز وجل بالذل والصغار منك ومنهم.

توهم كيف وقوع الصوت في مسمعك وعقلك ، وتفهم بعقلك بأنك تدعى إلى العرض على الملك الأعلى ؛ فطار فؤادك ، وشاب رأسك للنداء ؛ لأنها صيحة واحدة للعرض على ذي الجلال والإكرام والعظمة والكبرياء .

فبينا أنت فزع للصوت اذ سمعت بانفراج الأرض عن رأسك وثبت مغبراً من قرنك الى قدمك بغبار قبرك قائماً على قدميك شاخصاً ببصرك نحو النداء وثار الخلائق كلهم معك ثورة واحدة وهم مغبرون من غبار الأرض التى طال فيها بلاؤهم

فتوهم نفسك بعريك ، ومذلتك ، وانفرادك بخوفك ، وأحزانك ، وغمومك ، وهمومك في زحمة الخلائق ، عراة حفاة ، صموت أجمعون بالذلة والمسكنة والمخافة والرهبة ، فلا تسمع إلا همس أقدامهم والصوت لمدة المنادي ، والخلائق مقبلون نحوه ، وأنت فيهم مقبل نحو الصوت ، ساع بالخشوع والذلة ؛ حتى إذا وافيت الموقف ازدحمت الأمم كلها من الجن والإنس عراة حفاة ؛ قد نُزع الملك من ملوك الأرض ،ولزمتهم الذلة والصغار ، فهم أذل أهل الجمع وأصغرهم خلقة وقدراً بعد عتوهم وتجبرهم على عباد الله عز وجل في أرضه .

ثم أقبلت الوحوش من البراري وذرى الجبال منكسة رؤوسها لذل يوم القيامة بعد توحشها وانفرادها من الخلائق ذليلة ليوم النشور لغير بلية نابتها ولا خطيئة أصابتها ، فتوهم إقبالها بذلها في اليوم العظيم ليوم العرض والنشور ، وأقبلت السباع بعد ضراوتها وشهامتها منكسة رؤوسها ذليلة ليوم القيامة حتى وقفت من وراء الخلائق بالذل والمسكنة والانكسار للملك الجبار ، وأقبلت الشياطين بعد عتوها وتمردها خاشعة لذل العرض على الله سبحانه ، فسبحانه الذي جمعهم بعد طول البلاء واختلاف خلقهم وطبائعهم وتوحش بعضهم من بعض ، قد أذلهم البعث وجمع بينهم النشور.

حتى إذا تكاملت عدة أهل الأرض من انسها وجنها وشياطينها ووحوشها وسباعها وأنعامها وهوامها واستووا جميعا في موقف العرض والحساب ، تناثرت نجوم السماء من فوقهم ، وطمست الشمس والقمر ، وأظلمت الأرض بخمود سراجهما وإطفاء نورهما . فبينا أنت والخلائق على ذلك إذ صارت السماء الدنيا من فوقهم ، فدارت بعظمها من فوق رؤوسهم ، وأنت بعينك تنظر إلى هول ذلك ، ثم انشقت بغلظها خمسمائة عام ، فيا هول صوت انشقاقها في سمعك ، ثم تمزقت وانفطرت بعظيم هول يوم القيامة ، والملائكة قيام على أرجائها ، وهي حافات ما يتشقق ويتفطر ، فما ظنك بهول تنشق فيه السماء بعظمها ، فأذابها ربها حتى صارت كالفضة المذابة تخالطها صفرة لفزع يوم القيامة ، كما قال الجليل الكبير : ( فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ ) [الرحمن: الآية 37] وقال تعالى : ( يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9)) : [ سورة المعارج : الآيتان 8،9]

فبينا ملائكة السماء الدنيا على حافتها إذ انحدروا محشورين إلى الأرض للعرض والحساب ، وانحدروا من حافتيها بعظم أجسامهم وأخطارهم وعلو أصواتهم بتقديس الملك الأعلى الذي أنزلهم محشورين إلى الأرض بالذلة والمسكنة للعرض عليه والسؤال بين يديه.

فتوهم تحدرهم من السحاب بعظيم أخطارهم ، وكبير أجسامهم ،وهول أصواتهم ، وشدة فرقهم ، منكسين لذل العرض على الله عز وجل.

حدثني يحي بن غيلان قال : حدثنا رشدين بن سعيد عن ابن عباس بن ميمون اللخمي عن أبي قبيل عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لله عز وجل ملك ما بين شفري عينيه مائة عام ) . فيا فزعك وقد فزع الخلائق مخافة أن يكونوا أمروا بهم ،ومسألتهم إياهم : أفيكم ربنا ؟ ففزع الملائكة من سؤالهم إجلالاً لمليكهم أن يكون فيهم ، فنادوا بأصواتهم تنزيها لما توهمه أهل الأرض : سبحان ربنا ليس هو بيننا ولكنه آتٍ من بعد ، حتى أخذوا مصافهم محدقين بالخلائق منكسين رؤوسهم لذل يومهم.

فتخيل وقد تسربلوا بأجنحتهم ونكسوا رؤوسهم في عظم خلقهم بالذلة والمسكنة والخشوع لربهم ، ثم كل شيء على ذلك وكذلك إلى السماء السابعة ، كل أهل سماء مضعفين بالعدد ، وعظم الأجسام ، وكل أهل سماء محدقين بالخلائق صفاً واحداً .

حتى إذا وافي الموقف أهل السماوات السبع والأرضين

السبع كسيت الشمس حر عشر سنين وأدنيت من رؤوس الخلائق قاب قوس أو قوسين ، ولا ظل لأحد إلا ظل عرش رب العالمين ، فمن بين مستظل بظل العرش ، وبين مضحو بحر الشمس ، قد صهرته بحرها ، واشتد كربه وقلقه من وهجها ، ثم ازدحمت الأمم وتدافعت ، فدفع بعضها بعضاً ، وتضايقت ، فاختلفت الأقدام ، وانقطعت الأعناق من العطش ،واجتمع حر الشمس ، ووهج أنفاس الخلائق ، وتزاحم أجسامهم .

ففاض العرق منهم سائلاً حتى استنقع على وجه الأرض ، ثم على الأبدان على قدر مراتبهم ومنازلهم عند الله عز وجل بالسعادة والشقاء ، حتى إذا بلغ من بعضهم العرق كعبيه ، وبعضهم حقويه [خصره] ، وبعضهم إلى شحمة أذنيه ،ومنهم من كاد أن يغيب في عرقه ، ومن قد توسط العرق من دون ذلك منه.

عن عمير بن سعيد قال : جلست إلى ابن عمرو [ ابن العاص ] وأبي سعيد الخدري ، وذلك يوم الجمعة فقال أحدهما لصاحبه : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقول : ( أين يبلغ العرق من ابن آدم يوم القيامة ؟ فقال أحدهم : شحمة أذنيه ، وقال الآخر : يلجمه ، فقال ابن عمر : هكذا ، وخط من فيه إلى شحمة أذنيه ، فقال : ما أرى ذلك إلا سواءا ).

عن خيثمة [ بن عبد الرحمن ] عن عبد الله [ بن عمر بن الخطاب ] قال : ( الأرض كلها نار يوم القيامة ،والجنة من ورائها يرون كواعبها وأكوابها ، والذي نفس عبد الله بيده إن الرجل ليفيض عرقاً حتى يسيح في الأرض قامته ، ثم يرتفع حتى يبلغ أنفه ، وما مسه الحساب ، قال : فقالوا : مما ذلك يا أبا عبد الرحمن ؟ قال : فقال مما يرى الناس يلقون) .

عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الرجل ( وقال عليُّ مرة إن الكافر ) ليقوم يوم القيامة في بحر رشحه إلى أنصاف أذنيه من طول القيام ) [ متفق عليه].

عن عبد الله رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الكافر يلجم بعرقه يوم القيامة من طول ذلك اليوم ( وقال عليّ من طول القيام قالا جميعاً ) حتى يقول : رب ارحمني ولو إلى النار ) [ أخرجه الطبراني وأبو يعلى والبيهقي ]

وأنت لا محالة أحدهم ، فتوهم نفسك لكربك ، وقد علاك العرق ، وأطبق عليك الغم ، وضاقت نفسك في صدرك من شدة العرق والفزع والرعب ، والناس معك منتظرون لفصل القضاء إلى دار السعادة أو إلى دار الشقاء ؛ حتى إذا بلغ المجهود منك ومن الخلائق منتهاه ، وطال وقوفهم لا يكلمون ولا ينظرون في أمورهم ، فما ظنك بوقوفهم ثلاثمائة عام لا يأكلون فيه أكلة ، ولا يشربون فيه شربة ، ولا يلفح وجوههم روح ولا طيب نسيم ، ولا يستريحون من تعب قيامهم ونصب وقوفهم حتى بلغ الجهد منهم ما لا طاقة لهم به .

عن قتادة أو كعب [ بن مانع الحميري ] ، قال قال تعالى : (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالَمِينَ (6)) : [ سورة المطففين ] قال : ( يقومون مقدار ثلاثمائة عام)

وقال سمعت الحسن البصري يقول : ( ما ظنك بأقوام قاموا لله عز وجل على أقدامهم مقدار خمسين ألف سنة لم يأكلوا فيها أكلة ، ولم يشربوا فيها شربة ، حتى إذا انقطعت أعناقهم من العطش ، واخترقت أجوافهم من الجوع ، انصرف بهم إلى النار ، فسقوا من عين آنية ، قد أنَّ حرها واشتد نفخها ؛ فلما بلغ المجهود منهم ما لا طاقة لهم به كلم بعضهم بعضاً في طلب من يكرم على مولاه أن يشفع لهم في الراحة من مقامهم وموقفهم لينصرفوا إلى الجنة أو إلى النار من وقوفهم ، ففزعوا إلى آدم ونوح ومن بعده إبراهيم ، وموسى وعيسي من بعد إبراهيم كلهم يقول لهم : إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله ، فكلهم يذكر شدة غضب ربه عز وجل وينادي بالشغل بنفسه فيقول : نفسي نفسي ، فيشتغل بنفسه عن الشفاعة لهم إلى ربهم لاهتمامه بنفسه وخلاصها).

لكل ينادي نفسي نفسي إلا النبي محمد صلى الله عليه وسلم

وكذلك يقول الله عز وجل ( يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُون (111) ) : [ سورة النحل ]

فتوهم أصوات الخلائق ،وهم ينادون بأجمعهم ، منفرد كل واحد منهم بنفسه ينادي : نفسي نفسي ، فلا تسمع إلا قول : نفسي نفسي .

فيا هول ذلك ! وأنت تنادي معهم بالشغل بنفسك ، والاهتمام خلاصها من عذاب ربك وعقابه ، فما ظنك بيوم ينادي فيه المصطفي آدم ، والخليل إبراهيم ، والكليم موسى ، والروح والكلمة عيسي ، مع كرامتهم على الله عز وجل ، وعظم قدر منازلهم عند الله عز وجل ، كل ينادي : نفسي نفسي ، شفقاً من شدة غضب ربه ، فأين أنت منهم في إشفاقك في ذلك اليوم واشتغالك بحزنك وبخوفك؟



حتى إذا أيس الخلائق من شفاعتهم لما رأوا من اشتغالهم لأنفسهم ، أتوا النبي محمداً صلى الله عليه وسلم ، فسألوه الشفاعة إلى ربهم فأجابهم إليها ، ثم قام إلى ربه عز وجل ، واستأذن عليه ، فأذن له ، ثم خر لربه عز وجل ساجداً ، ثم فتح عليه من محامده ، والثناء عليه بما هو أهله ، وذلك كله بسمعك ، وأسماع الخلائق ؛ حتى أجابه ربه عز وجل إلى تعجيل عرضهم ،والنظر في أمورهم .

alkannass
2009-07-07, 09:25
الدرس الرابع

كيف حالك ياأخى بعد الدرس الثالث ! المهم أتدرى أين أنت الآن أنت فى أرض المحشر تنتظر قدوم الله وبدء الحساب تخيل ياأخى ماذا يحدث لنا
فبينما أنت مع الخلائق في هول القيامة وشدة كربها ، منتظراً متوقعاً لفصل القضاء ، والحلول في دار النعيم أو الحزن ؛ إذ سطع نور العرش ، وأشرقت الأرض بنور ربها ، وأيقن قلبك بالجبار ، وقد أتي لعرضك عليه حتى كأنه لا يعرض عليه أحد سواك ، ولا ينظر إلا في أمرك .

عن حميد بن هلال : قال ذكر لنا أن الرجل يدعى يوم القيامة إلى الحساب ، فيقال : يا فلان بن فلان ، هلم إلى الحساب ، حتى يقول ما يراد أحد غيري مما يحضر به من الحساب .

ثم نادى : يا جبريل ائتني بالنار ، فتوهمها وقد أتى جبريل ، فقال لها : يا جهنم أجيبي.

فتخيل اضطرابها وارتعادها بفرقها [ بخوفها] أن يكون الله عز وجل خلق خلقاً يعذبها به، فتوهمها حين اضطربت وفارت وثارت ، ونظرت إلى الخلائق من بعد مكانها ، فشهقت إليهم ، وزفرت نحوهم ،وجذبت خزانها ، متوثبة على الخلائق غضباً لغضب ربها على من خالف أمره وعصاه .

فتخيل صوت زفيرها وشهيقها ، وترادف قصبتها ، وقد امتلأ منه سمعك ، وارتفع له فؤادك وطار فزعاً ورعباً ، ففر الخلائق هرباً من زفيرها على وجوههم ، وذلك يوم التنادي ، لما سمعوا بدوي زفيرها ولوا مدبرين ، وتساقطوا على ركبهم جثاة حول جهنم ؛ فأرسلوا الدموع من أعينهم .

فتخيل اجتماع أصوات بكاء الخلائق عند زفيرها وشهيقها ، وينادى الظالمون بالويل والثبور ، وينادي كل مصطفى وصديق وشهيد ومختار وجميع العوام نفسي نفسي ، فتوهم أصوات الخلائق من الأنبياء فمن دونهم كل عبد منهم ينادي : نفسي نفسي ، وأنت قائلها ، فبينا أنت مع الخلائق في شدة الأهوال ووجل القلوب إذ زفرت الثانية ؛ فيزداد رعبك ورعبهم ، وخوفك وخوفهم ، ثم زفرت الثالثة ؛ فتساقط الخلائق لوجوههم وتشخص أبصارهم من طرف خاشع خفي خوفاً أن تلفهم فتأخذهم بحريقها ، وانتصفت عند ذلك قلوب الظالمين ، فبلغت لدى الحناجر كاظمين ، فكظموا عليها ، وقد غصت في حلوقهم ، وطارت الألباب ، وذهلت العقول من السعداء والأشقياء أجمعين ، فلا يبقى رسول ولا عبد صالح مختار إلا ذهل لذلك عقله.

فأقبل الله عز وجل عند ذلك على رسله ، وهم أكرم الخلائق عليه ، وأقربهم إليه ؛ لأنهم الدعاة إلى الله عز وجل ، والحجة على عباده ، وهم أقرب الخلائق إلى الله عز وجل في الموقف ، وأكرمهم عليه ؛ فيسألهم عما أرسلهم به إلى عباده ، وماذا ردوا عليهم من الجواب ، فقال لهم :

(ماذا أجبتم) فردوا عليه الجواب عن عقول ذاهلة غير ذاكرة ، فقالوا : ( يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ(109) ) [ سورة المائدة : 109] . فأعظم به من هول تبالغ من رسل الله عز وجل في قربهم منه وكرامتهم ، حتى اكهل عقولهم ، فلم يعلموا بماذا أجابتهم أممهم.

عن أبي الحسن الدمشقي ، قال : قلت لأبي قرة الأزدي : كيف صبر قلوبهم على أهوال يوم القيامة ؟ قال : إنهم إذا بعثوا خلقوا خلقة يقوون عليها.

قال أبو الحسن : قلت لإسحاق بن خلف قول الله عز وجل للرسل : (ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا ) ، أليس قد علموا ما ورد عليهم في الدنيا ؟ قال : من عظم هول السؤال حين يسألون طاشت عقولهم فلم يدروا أي شيء أجيبوا في الدنيا ، فهم صادقون حتى تجلي عنهم بعد ، فعرفوا ما أجيبوا . قال : فحدثت به أبا سليمان ، فقال : صدق إسحاق هم في ساعتهم تلك صادقون ، حتى تجلي عنهم فعرفوا ما أجيبوا . فقال أبو سليمان : ( إذا سمعت الرجل يقول لصاحبه بيني وبينك الصراط ، فاعلم أنه لا يعرف الصراط ، ولو عرفه ما اشتهى أن يتعلق بأحد ، فلا يتعلق أحد). عن مجاهد [ بن جبر] في قوله : ( يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم) قال : فيفزعون فيقولون : ( لا علم لنا

عن مجاهد في قول الله عز وجل : ( وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا اليَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(28)) [ سورة الجاثية : 28] أي مستوفزين على الركب . قال : سمعت عبد الله [ بن عباس ] يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (كأني أراكم جاثين بالكوم دون جهنم) ، قال : سمعت عبد الله بن عمر يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من أحب أن ينظر إلى يوم القيامة فليقرأ: ( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الجِبَالُ سُيِّرَتْ (3)) [سورة التكوير : 1-3].

وعن عمر بن ذر قال : من غدا يلتمس الخير وجد الخير ، أعلى تحملون جمود أعينكم وقسوة قلوبكم ؟ احملوا العي على إن لم أسمعكم اليوم واعظاً من كتاب الله عز وجل ، ثم قرأ ( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) )[التكوير : 1-3] حتى إذا بلغ ( عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ (14)) [ التكوير : 14] ( أو قال حتى ختمها ) ، قال ثم قال : اسمعوا إلى يا عرض الدنيا ، فأين أنت منهم في ذلك الموقف ؟ هل تطمع أن يبلغ بك الهول ما بلغ منهم ، بل أعظم مما بلغ منهم ، مما لا يطيقه قلبك ؛ فلا يقوم به بدنك ، فهذه عقولهم ذاهلة في ذلك الموقف ، فكيف بعقلك ، وما حل بك ، وأنت الخاطئ العاصي المتمادي فيما يكره ربك عز وجل؟

فتوهم نفسك لذلك الخوف والفزع والرعب والغربة والتحير إذا تبرأ منك الولد والوالد والأخ والصاحب والعشائر ، وفررت أنت منهم أجمعين ، فكيف خذلتهم وخذلوك ، ولولا عظم هول ذلك اليوم ما كان من الكرم والحفاظ أن تفر من أمك وأبيك وصاحبتك وبنيك وأخيك ، ولكن عظم الخطر ، واشتد الهول ؛ فلا تلام على فرارك منهم ، ولا يلامون ، ولم تخصهم بالفرار دون الأقرباء لبغضك إياهم ، وكيف تبغضهم أو يبغضونك ، وكيف خصصتهم بالفرار منهم ، أتبغضهم وإنهم لهم الذين كانوا في الدنيا مؤانسيك وقرة عينك وراحة قلبك ، ولكن خشيت أن يكون لأحد عندك منهم تبعة فيتعلق بك حتى يخاصمك عند ربك عز وجل ، ثم لعله أن يحكم له عليك ؛ فيأخذ منك ما ترجو أن تنجو به من حسناتك فيفرقك عنها فتصير بذلك إلى النار.

alkannass
2009-07-07, 09:26
الدرس الخامس

كيف حالك ياأخى بعد الدرس الرابع ! المهم أتدرى أين أنت الآن أنت واقف فى أرض المحشر تنظر إلى أهوال يوم القيامة تنتظر كتابك هل يقع فى يمينك أم شمالك ماذا تفعل تضع يدك الشمال وراء ظهرك والله إن كنت من أهل النار لسوف يأتيك كتابك وراء ظهرك * انظر
بينما أنت في ذلك إذ ارتفعت عنق من النار فنطقت بلسان فصيح بمن وكلت بأخذهم من الخلائق بغير حساب ، ثم أقبل ذلك العنق فيلتقطهم لقط الطير الحب ثم انطوت عليهم فألقتهم في النار فابتلعتهم ، ثم خنست بهم في جهنم فيفعل ذلك بهم.

ثم ينادي مناد : سيعلم أهل الجمع من أولى بالكرم ، ليقم الحمادون لله على كل حال ، فيقومون فيسرحون إلى الجنة ، ثم يفعل ذلك بأهل قيام الليل ، ثم بمن لم تشغله تجارة الدنيا ولا بيعها عن ذكر مولاه حتى إذا دخلت هذه الفرق من أهل الجنة والنار ، ثم تطايرت الكتب في الأيمان والشمائل ونصبت الموازين.

فتوهم الميزان بعظمه منصوباً ، وتوهم الكتب المتطايرة وقلبك واجف متوقع أين يقع كتابك في يمينك أو في شمالك . عن الحسن : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان رأسه في حجر عائشة فنعس ، فتذكرت الآخرة ، فبكت فسالت دموعها على خد النبي صلى الله عليه وسلم ، فاستيقظ بدموعها فرفع رأسه ، فقال : ما يبكيك يا عائشة ؟ قالت : يا رسول الله ذكرت الآخرة ، هل تذكرون أهليكم يوم القيامة ؟ قال : ( والذي نفسي بيده في ثلاثة مواطن فإن أحداً لا يذكر إلا نفسه إذا وضعت الموازين ووزنت الأعمال حتى ينظر ابن آدم أيخف ميزانه أم يثقل ؟ وعند الصحف حتى ينظر أبيمينه يأخذ أم بشماله ، وعند الصراط) [رواه أبو داود]

وعن أنس بن مالك ، قال : يؤتي بابن آدم يوم القيامة حتى يوقف بين كفتي الميزان ، ويوكل به ملك ، فإن ثقل ميزانه نادى الملك بصوته يسمع الخلائق : سعد فلان بن فلان سعادة لا يشقي بعدها أبداً ، وإن خف ميزانه نادى الملك بصوته يسمع الخلائق : شقي فلان بن فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبداً.

alkannass
2009-07-07, 09:27
الدرس الخامس

كيف حالك ياأخى بعد الدرس الرابع ! المهم أتدرى أين أنت الآن أنت واقف فى أرض المحشر تنظر إلى أهوال يوم القيامة تنتظر كتابك هل يقع فى يمينك أم شمالك ماذا تفعل تضع يدك الشمال وراء ظهرك والله إن كنت من أهل النار لسوف يأتيك كتابك وراء ظهرك * انظر
بينما أنت في ذلك إذ ارتفعت عنق من النار فنطقت بلسان فصيح بمن وكلت بأخذهم من الخلائق بغير حساب ، ثم أقبل ذلك العنق فيلتقطهم لقط الطير الحب ثم انطوت عليهم فألقتهم في النار فابتلعتهم ، ثم خنست بهم في جهنم فيفعل ذلك بهم.

ثم ينادي مناد : سيعلم أهل الجمع من أولى بالكرم ، ليقم الحمادون لله على كل حال ، فيقومون فيسرحون إلى الجنة ، ثم يفعل ذلك بأهل قيام الليل ، ثم بمن لم تشغله تجارة الدنيا ولا بيعها عن ذكر مولاه حتى إذا دخلت هذه الفرق من أهل الجنة والنار ، ثم تطايرت الكتب في الأيمان والشمائل ونصبت الموازين.

فتوهم الميزان بعظمه منصوباً ، وتوهم الكتب المتطايرة وقلبك واجف متوقع أين يقع كتابك في يمينك أو في شمالك . عن الحسن : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان رأسه في حجر عائشة فنعس ، فتذكرت الآخرة ، فبكت فسالت دموعها على خد النبي صلى الله عليه وسلم ، فاستيقظ بدموعها فرفع رأسه ، فقال : ما يبكيك يا عائشة ؟ قالت : يا رسول الله ذكرت الآخرة ، هل تذكرون أهليكم يوم القيامة ؟ قال : ( والذي نفسي بيده في ثلاثة مواطن فإن أحداً لا يذكر إلا نفسه إذا وضعت الموازين ووزنت الأعمال حتى ينظر ابن آدم أيخف ميزانه أم يثقل ؟ وعند الصحف حتى ينظر أبيمينه يأخذ أم بشماله ، وعند الصراط) [رواه أبو داود]

وعن أنس بن مالك ، قال : يؤتي بابن آدم يوم القيامة حتى يوقف بين كفتي الميزان ، ويوكل به ملك ، فإن ثقل ميزانه نادى الملك بصوته يسمع الخلائق : سعد فلان بن فلان سعادة لا يشقي بعدها أبداً ، وإن خف ميزانه نادى الملك بصوته يسمع الخلائق : شقي فلان بن فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبداً.

alkannass
2009-07-07, 09:29
الدرس السادس

كيف حالك ياأخى بعد الدرس الخامس ! المهم أتدرى أين أنت الآن أنت ذاهب إلى الله للحساب
بينا أنت واقف مع الخلائق ، إذ نظرت إلى الملك وقد أمر أن يحضر بالزبانية ، فأقبلوا بأيديهم مقاطع من حديد عليهم ثياب من النار ، فلما رأيتهم فهبتهم طار قلبك فزعاً ورعباً ، فبينا أنت كذلك إذ نودي باسمك ، فنوديت على رؤوس الخلائق الأولين والآخرين : أين فلان بن فلان ؟ هلم إلى العرض على الله عز وجل ، وقد وكل الملائكة بأخذك حتى يقربوك إلى ربك ، فلم يمنعها اشتباه الأسماء باسمك أن تعرفك ؛ لما ترى بك أنت المراد بالدعاء المطلوب . قال : حدثنا طلحة بن عمرو قال : قال عطاء بن أبي رباح : يا طلحة ما أكثر الأسماء على اسمك ! وما أكثر الأسماء على اسمي ! فإذا كان يوم القيامة قيل يا فلان ، فقام الذي يعني لا يقوم غيره لما لزم قلبك من العلم ، فوثبت على قدميك ، ترتعد فرائصك ، وتضطرب جوارحك ، متغيراً لونك ، فزعاً مرعوباً ، مرتكضاً قلبك في صدرك بالخفقان ؛ فلما عاينتك الملائكة الموكلون بأخذك ، قد جل بك الاضطراب والارتعاد والمخافة ، علمت أنك أنت المراد من العباد ، فأهوت إليك بأيديها ، فقبضت عليك بعنفها ، ثم جذبتك إلى ربك عز وجل ، كما تجذب الدواب المنقادة ، تتخطى بك الصفوف محثوثاً إلى العرض على الله عز وجل ، والوقوف بين يديه ،وقد رفع الخلائق إليك أبصارهم ، وأنت مجبوذ إلى ربك عز وجل فيما بينهم.

فتوهم حين وقفت بالاضطراب والارتعاد ،وتوهم مباشرة أيديهم على عضديك ، وغلظ أكفهم حين أخذوك ؛ فتوهم نفسك محثوثة في أيديهم ، وتوهم تخطيك الصفوف ، طائراً فؤادك ، متخلعاً قلبك ، فتوهم نفسك في أيديهم كذلك حتى انتهى بك إلى عرش الرحمن ، فقذفوا بك من أيديهم ، وناداك الله عز وجل بعظيم كلامه : ادن مني يا بن آدم ، فغيبك في نوره ، فوقفت بين يدي رب عظيم جليل كبير كريم بقلب خافق محزون ، وجل مرعوب ، وطرف خائف ، خاشع ذليل ، ولون متغير ، وجوارح مرتعدة مضطربة ، كالحمل الصغير حين تلده أمه ، ترتعد بيدك صحيفة محبرة لا تغادر بلية كسبتها ولا مخبأة أسررتها ، فقرأت ما فيها بلسان كليل ، وحجة داحضة ، وقلب منكسر . فكم من حض وخجل وجبن من المولي الذي لم يزل إليك محسناً ، وعليك ساتراً فبأي لسان تجيبه حين يسألك عن قبيح فعلك ، وعظيم جرمك ، وبأي قدم تقف غداً بين يديه، وبأي نظر تنظر إليه ،وبأي قلب تحتمل كلامه العظيم الجليل ومساءلته وتوبيخه؟

فتوهم نفسك بصغر جسمك ، وارتعاد جوارحك ، وخفقان قلبك ، وقد سمعت كلامه بتذكير ذنوبك ، وإظهار مساوئك ،وتوقيفك بمخبآتك ، فتوهم نفسك بهذه الهيئة والأهوال بك محدقة من خلفك ؛ فكم من بلية قد نسيتها ، قد ذكركها ، وكم من سريرة قد كنت كتمتها قد أظهرها وأبداها ؛ وكم من عمل ، قد ظننت أنه قد خلص لك وسلم بالغفلة منك إلى ميل الهوى عما يفسده ، قد رده في ذلك الموقف عليك وأحبطه ، بعد ما كان أملك فيه عظيماً ؛ فيا حسرات قلبك ، وتأسفك على ما فرطت في طاعة ربك ، حتى إذا كرر عليك السؤال بذكر كل بلية ، ونشر كل مخبأة ، فأجهدك الكرب ، وبلغ منك الحياء منتهاه ؛ لأنه الملك الأعلى ، فلا حياء يكون من أحد أعظم من الحياء منه ، لأنه القديم الأول الباقي الذي ليس له مثل ، المحسن المتعطف المتحنن الكريم الجواد المنعم المتطول.

فما ظنك بسؤال من هو هكذا ، وقد أبان عن مخالفتك إياه ، وقلة هيبتك له ، وحيائك منه ، ومبارزتك له ، فما ظنك بتذكيره إياك مخالفته ، وقلة اكتراثك في الدنيا بالطاعة له ، ونظرك إليه ، إذ يقول : يا عبدي أما أجللتني أما استحييت مني ، استخففت بنظري إليك ، ألم أحسن إليك ، ألم أنعم عليك ، ما غرك مني ، شبابك فيم أبليته ، وعمرك فيم أفنيته ، ومالك من أين اكتسبته ، وفيم أنفقته ، وعلمك ماذا عملت فيه ؟

قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما منكم من أحد إلا سيسأله رب العالمين ، ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان ) [ متفق عليه]

وقال : سمعت عدي بن حاتم قال : شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث له : ( ليقفن أحدكم بين يدي الله تبارك وتعالى ، ليس بينه وبينه حجاب يحجبه ، ولا بينه وبينه ترجمان يترجم عنه ، فيقول : ألم أنعم عليك ، ألم آتك مالاً ؟ فيقول : بلي ، فيقول : ألم أرسل إليك رسولاً ؟ فيقول : بلى ، ثم ينظر عن يمينه فلا يرى إلا النار ، ثم ينظر عن شماله فلا يرى إلا النار ، فليتق أحدكم النار ولو بشق تمرة ، فإن لم يجد فبكلمة طيبة ) [ رواه البخاري] .

وعن ابن مسعود أنه بدأ باليمين ، فقال : والله ما منكم من أحد إلا سيخلو به الله عز وجل كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر ، ثم يقول : يا ابن آدم ما غرك بي ؟ يا ابن آدم ما عملت لي ؟ يا ابن آدم ما استحييت مني ! يا ابن آدم ماذا أجبت المرسلين ؟ يا ابن آدم ألم أكن رقيباً على يديك وأنت تبطش بهما إلى ما لا يحل لك ؟ ألم أكن رقيباً على رجليك وأنت تمشي بهما إلى ما لا يحل لك ؟ ألم أكن رقيباً على قلبك وأنت تهم بما لا يحل لك ؟ أم أنكرت قربي منك وقدرتي عليك؟

وأنت يا ابن آدم بين خطرين عظيمين : إما أن يتلقاك برحمته ويتطول عليك بجوده ، وإما أن يناقشك الحساب ؛ فيأمر بك إلى الهاوية وبئس المصير . عن مجاهد [ بن جبر ] قال : ( لا تزول قدم عبد يوم القيامة من بين يدي الله عز وجل حتى يسأله عن أربع خصال : عن عمره فيم أفناه ؟ ، وعن علمه ما عمل فيه ؟ ، وعن جسده فيم أبلاه ؟ ، وعن ماله من أين اكتسبه ؟ وفيم أنفقته ؟

فما ظنك بنفسك وضعف قلبك ، والله عز وجل يكرر عليك ذكر إحسانه إليك ، ومخالفتك له ، وقلة حيائك منه ؛ فأعظم به موقفاً ! وأعظم به من سائل لا تخفي عليه خافية ! وأعظم بما يداخلك من الحزن والغم ، والتأسف على ما فرطت في طاعته ، وركوبك معصيته!

فإذا تبالغ فيك الجهد من الغم والحزن والحياء بدا لك منه أحد الأمرين : الغضب ، أو الرضا عنك والحب لك . فإما أن يقول : يا عبدي أنا سترتها عليك في الدنيا ، وأنا أغفرها لك اليوم ؛ فقد غفرت لك كبير جرمك ، وكثير سيئاتك ؛ وتقبلت منك يسير إحسانك . فيستطير بالسرور والفرح قلبك ؛ فيشرق لذلك وجهك ؛ فتوهم نفسك حين قالها لك ، فابتدأ إشراق السرور ونوره في وجهك بعد كآبته وتكسفه من الحياء من السؤال والحصر من ذكر مساوئ فعلك ؛ فاستبدلت بالكآبة والحزن سروراً في قلبك ؛ فأسفر وجهك ، وابيضَّ لونك.

فتوهم رضاه عنك حين سمعته منه ؛ فثار في قلبك ؛ فامتلأ سروراً وكدت أن تموت فرحاً ، وتطير سروراً ، ويحق لك ؛ فأي سرور أعظم من السرور والفرح برضا الله عز وجل؟!

فو الله تعالى لو أنك مت فرحاً في الدنيا حين توهم رضاءه في الآخرة لكنت بذلك حرياً ، وإن كنت لم تستيقن برضاه في الآخرة ، ولكن آملاً لذلك ، فكيف بك مستيقناً له في الآخرة ، ولو توهمت نفسك ، وقد بدا لك منه الرحمة والمغفرة ، كنت حقيقاً أن تطير روحك من بدنك فرحاً ، فكيف أن لو قد سمعت من الله عز وجل الرضا عنك والمغفرة لك ؛ فأمن خوفك ، وسكن حذرك ، وتحقق أملك ورجاؤك بخلود الأبد ،وأيقنت بفوزك ونعيمك أبداً لا يفني ولا يبيد بغير تنقيص ولا تكذيب.

فتوهم نفسك بين يدي الله عز وجل ، وقد بدا لك منه الرضا ، وطار قلبك فرحاً ، وابيضَّ وجهك ، وأشرق وأنار وأحال عن خلقته ، فصار كأنه القمر ليلة البدر ، ثم خرجت على الخلائق مسروراً بوجه محبور ، قد حل به أكمل الجمال والحسن ، يسطع نوراً مشرقاً بتلألئه ، تتخطاهم بالجمال والحسن والنور والضياء ، كتابك بيمينك ، آخذ بضبعيك أي [بعضديك] ملك ينادي على رؤوس الخلائق : هذا فلان بن فلان سعد سعادة لا يشقي بعدها أبداً.

لقد شهرك ربك عز وجل بالرضا عنك عند خلقه ،ولقد حقق حسن ظن الظانين ، وأبطل تهم المتهمين لك ، وإن في هذه المنزلة غداً على رؤوس الخلائق لعوضاً من المنزلة عند العباد بطاعته والتصنع لهم زهداً في المنزلة عندهم ، والعظيم عندهم بطاعة ربه عز وجل بصدق معاملته وحده لا شريك له ، عوضك المنزلة الكبرى على رؤوس الخلائق ؛ فشهرك برضاه عنك وموالاته إياك.

فتوهم نفسك وأنت تتخطى الخلائق ، وكتابك في يمينك بجمال وجهك ونوره ،وفرح قلبك وسروره ، وقد شخصت أبصارهم إليك غبطة لك وتأسفاً على أن ينالوا من الله عز وجل ما نلت ، فليعظم من الله عز وجل في طلب ذلك أملك ورجاؤك ؛ فإنه عز وجل إن تفضل عليك نلت ذلك . فهذا أحد الأمرين الذي إن تبينهما على خطر . عن صفوان بن محرز قال : كنت آخذاً بيد عبد الله بن عمر ، فأتاه رجل ، فقال : كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى فقال : ( إن الله عز وجل يدني المؤمن يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه فيقول : يا عبدي أتعرف ذنب كذا وكذا ؟ فيقول : نعم يارب ، ثم يقول : يا عبدي أتعرف ذنب كذا وكذا؟ حتى إذا قرره بذنوبه ، ورأي في نفسه أنه قد هلك ، قال : إني قد سترتها عليك في الدنيا ، وإني أغفرها لك اليوم ، ثم يعطي كتاب حسناته ) [رواه مسلم].

وأما الكافر والمنافق فاسمع قول الله عز وجل : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ(18)): [ سورة هود ].

قال : بينا عبد الله بن عمر يطوف بالبيت ، إذ عارضه رجل ، فقال : يا أبا عبد الرحمن كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى ؟ فذكر مثله.

وقال سعيد : قال قتادة : فلم يحزن يومئذ أحد فخفي حزنه على أحد من الخلائق.

وعن ابن مسعود أنه قال : ينشر الله عز وجل كنفه يوم القيامة على عبده المؤمن ، ويبسط كفه لظهرها ، فيقول : يا ابن آدم هذه حسنة قد عملتها في يوم كذا وكذا ، قد قبلتها ؛ وهذه خطيئة قد عملتها في يوم كذا وكذا ، قد غفرتها لك ؛ فيسجد ؛ فيقول الناس : طوبى لهذا العبد الصالح الذي لم يجد في صحيفته إلا حسنة ( أو قال : في كتابة) . وعن عبد الله بن حنظلة قال : إن الله عز وجل يقف عبده يوم القيامة فيبدي حسناته في ظهر صحيفته ، فيقول له : أنت عملت هذا ، فيقول : نعم أي رب ، فيقول : إني لن أفضحك به اليوم ، وإني قد غفرت لك اليوم ، فيقول عندها ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ (20) ) : [سورة الحاقة : 19-20] حين نجا من فضيحة يوم القيامة.

أما الأمر الآخر ، فإما أن يقول لك : عبدي أنا غضبان عليك فعليك لعنتي ، فلن أغفر لك عظيم ما آتيت ولن أتقبل منك ما عملت ، فيقول لك ذلك عند بعض ذنوبك العظيمة : أتعرفها ؟ فتقول : نعم وعزتك ، فيغضب عليك فيقول : وعزتي لا تذهب بها مني ، فينادي الزبانية فيقول : خذوه . فما ظنك بالله عز وجل يقولها بعظيم كلامه وهيبته وجلاله.

فتوهم إن لم يعف عنك ، وقد سمعتها من الله عز وجل بالغضب ، وأسند إليك الزبانية بغضاضتها ، وغلظ أكفها ، مستدفرة بأزمة من النيران ؛ غضاباً لغضب الله عز وجل بالعنف عليك ، والغلظ والتشديد . فلم تشعر حين قالها إلا ومجسة غلظ أكفهم في قفاك وعنقك . فتوهم غلظ اكفهم حين قبضوا على عنقك بالعنف ، يتقربون إلى الله عز وجل بعذابك وهوانك.

فتوهم نفسك مستجذباً ذليلاً ، موقناً بالهلاك ، وأنت في أيديهم ، وهم ذاهبون بك إلى النار ، مسوداً وجهك ، تتخطى الخلائق بسواد وجهك ، وكتابك في شمالك تنادي بالويل والثبور ، والملك آخذ بضبعيك ينادي : هذا فلان بن فلان شقي شقاء لا يسعد بعده أبداً.

لقد شهرك بالغضب والسخط عليك . ولقد تمت فضيحتك عند خلقه ، فأخلف حسن ظن الظانين بك ، وحقق تهم المتهمين لك ، ولعله إن فعل ذلك بك فعله بتصنعك لطاعته عند عباده بطلب المنزلة عندهم بسقوط المنزلة والجاه عنده ؛ ففضحك عند من آثرته عليه في المعاملة ،ورضيت بحمده على طاعة ربك عز وجل عوضاً من حمده إياك تبارك وتعالى.

فتوهم ذلك ، ثم توهمه ، واذكر هذا الخطر ،وكن مفكراً حذراً أي الأمرين يرتفع بك ، وأي الأمرين قد أعد لك.

عن كعب قال : إن الرجل ليؤمر به إلى النار فيبتدره مائة ألف ملك.

قال أبو عبد الله : وقد بلغني أنه إذا وقف العبد بين يدي الله عز وجل فطال وقوفه ، تقول الملائكة : ما لك من عبد عليك لعنة الله ، أبكل هذا بارزت الله عز وجل ، وقد كنت تظهر في الدنيا علانية حسنة؟

قال أبو عبد الله : وقد بلغني أيضاً أنه إذا حوسب فوبخ بكثرة أعماله الخبيثة ، تقول الملائكة : ما لك من آدمي عليك لعنة الله ، أبكل هذا بارزت الله عز وجل ، وقد كنت تظهر الحسن في الدنيا؟

قال : من تحبب إلى الناس بما لا يحب الله عز وجل ، وبارز الله عز وجل بما يكره لقي الله عز وجل وهو عليه ساخط وله ماقت .

ثم قال أبو عبد الله وهو يحدث : والله عز وجل ما أمسيت آسفا على وعليكم . ومع ذلك الجسر بدقته وهوله وعظيم خطره قدامك.

alkannass
2009-07-07, 09:30
الدرس السابع

كيف حالك ياأخى بعد الدرس السادس ! المهم أتدرى أين أنت الآن أنت ذاهب إلى الصراط الطرق المضروب فوق جهنم طريق مظلم حاد جداً عليه خطاطيف وحسك
فتخيل ما حل من الوجل بفؤادك ، حين رفعت طرفك ، فنظرت إليه مضروباً على جهنم بدقته ودحوضه ، وجهنم تخفق بأمواجها من تحته ، فيا له من منظر ما أفظعه وأهوله! وقد علمت أنك راكب فوقه ، وأنت تنظر إلى سواد جهنم من تحته ، وتسمع قصيف أمواجها ، وجلبة ثورانها من أسفلها ، والملائكة تنادي : ربنا من تريد أن تجيزه على هذا؟ وتنادي : ربنا ربنا سلم سلم .

فبينا أنت تنظر إليه بفظاعة منظره إذ نودي مروا الساهرة ، فلم تعر إلا وقد رفعت الأرض من تحتك وتحت الخلائق لأن تبدل ، ثم بدلت بأرض من فضة ، فإذا الخلائق منثورون على أرض من فضة بيضاء ، ثم قيل لك وأنت تنظر إلى الجسر بفظاظته ، وقيل للخلق معك : اركبوا الجسر . فتوهم خفقان فؤادك وفزعه ،وقد قيل لك اركب الجسر ، فطار عقلك رعباً وفزعاً ، ثم رفعت أحد قدميك لتركبه ؛ فوجدت بباطن قدميك حدته ودقته ؛ فطار قلبك فزعاً ، ثم ثنيت الأخرى فاستويت عليه راكباً ، وقد أثقلتك أوزارك ، وأنت حاملها على ظهرك ، ثم صعدت عليك بطيران قلبك حتى بلغت ذروته ، والخلائق من بين يديك ومن ورائك .. عرفاً واحداً فصعدت عليه بطيران قلبك حتى بلغت ذروته ، ثم انحدرت باضطرابه بك ، والخلائق عليه عرف واحد يضطرب بهم خفقان جهنم تحته ، فتهافت الناس من بين يديك ومن ورائك ؛ فتوهم صعودك بضعفك عليه ، وقد نظرت إلى الزالين والزالات من بين يديك ومن خلفك ،وقد تنكست هاماتهم ،وارتفعت على الصراط أرجلهم ، وأخذت الملائكة بلحي الرجال ، وذوائب النساء من الموحدين ، إذ الأغلال في أعناقهم ،وثارت إليهم النار بطلبتها ، وفارت وشهقت على هاماتهم ، وبادرت شرر النار إلى هاماتهم ، فتناولتها ، ثم جذبت هاماتهم إلى جوفها ،وهم ينادون ويصرخون ، وقد أيسوا من أنفسهم ، وهم لاجتذاب النار لهاماتهم فيها ينحدرون وهم بالويل ينادون ، وأنت تنظر إليهم مرعوباً خائفاً أن تتبعهم ، فتزل قدمك ؛ فتهوي من الجسر ، وتنكسر قامتك ، وترتفع على الصراط رجلاك. فتوهمك ذلك في الدنيا بعقل فارغ وشفقة على ضعف بدنك ، مخفف للمرور عليه ؛ فإن أهوال يوم القيامة إنما تخفف على أولياء الله عز وجل الذين توهموها في الدنيا بعقولهم ؛ فعظم خطر النجاة عندهم ؛ فتحملوا من ثقل همومها في الدنيا على قلوبهم وحرقة خوفها على ضرورتهم ؛ فخففها في القيامة بذلك عليهم مولاهم . فألزم قلبك توهمها ،والخوف منها ، والغم بها ؛ لأنه يخففها عليك بذلك ، ويهونها ؛ لأنه آلى على نفسه ألا يجمع على أوليائه الخوف في الدنيا والآخرة.

فتوهم ممرك على الجسر بشدة الخوف ، وضعف البدن . وإن يكن مغضوباً عليك غير معفي عنك ،ولم تشعر إلا وقد زلت قدمك عن الصراط ، فتوهم نفسك إن لم يعف عنك أن زلت رجلك عن الصراط فقلت في نفسك مع ذلك ذهبت أبداً هذا الذي كنت أحاذر وأخاف ، وطار عقلك . ثم زلت الأخرى ؛ فتنكست هامتك ، وارتفعت عن الصراط رجلاك.

فلم تشعر إلا والكلوب قد دخل في جلدك ولحمك ، فجذبت به ،وبادرت إليك النار ثائرة غضبانة لغضب مولاها ، فهي تجذبك ،وأنت تهوي من الجسر وتنادي حين وجدت مس نفحها : ويلي ويلي ، وقد غلب على قلبك الندم والتأسف ألا كنت أرضيت الله عز وجل ؛ فرضي عنك ،وأقلعت عما يكره قبل أن تموت ، فغفر لك ، حتى إذا صرت في جوفها التحمت عليك بحرقها ، وقلبك قد بلغ غاية حرقته ومضيضه ، فتورمت في أول ما ألقيت فيها ، ونادي الله عز وجل النار ، وأنت مكبوب على وجهك تنادي بالويل والثبور ، فناداها : ( هل امتلأت) ؟ فسمعت نداءه ،وسمعت إجابتها له : ( هل من مزيد ) ؟ ( يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ (30))[ سورة ق : 30] يقول هل لمن سعة وأنت في قعرها ، وهي تتلهب في بدنك ، لها قصيف في جسدك ، ثم لم تلبث أن تقطر بدنك ، وتساقط لحمك ،وبقيت عظامك ، ثم أطلقت النار على ما في جوفك فأكلت ما فيه ، فتوهم كبدك والنار تداخل فيها ، وأنت تنادي ، فلا ترحم ، وتبكي وتعطي الندم إن رددت ألا تعود ، فلا تقبل توبتك ، ولا يجاب نداؤك.

alkannass
2009-07-07, 09:31
الدرس الثامن

كيف حالك ياأخى بعد الدرس السابع ! المهم أتدرى أين العصاة الأن سقطوا فى جهنم كيف حالهم وماذا يحدث لهم
فتوهم نفسك ، وقد طال فيها مكثك ، وألح العذاب ، فبلغت غاية الكرب ،واشتد بك العطش ؛ فذكرت الشراب في الدنيا ؛ ففزعت إلى الجحيم ، فتناولت الإناء من يد الخازن الموكل بعذابك ، فلما أخذته نشت كفك من تحته ! ، وتفسخت لحرارته ،وهيج حريقه ، ثم قربته إلى فيك فشوى وجهك ، ثم تجرعته فسلخ حلقك ، ثم وصل إلى جوفك فقطع أمعاءك ، فناديت بالويل والثبور ، وذكرت شراب الدنيا وبرده ولذته . ثم أقلعت الحريق ، فبادرت إلى حياض الحميم لتبرد بها ، كما تعودت في الدنيا الاغتسال والانغماس في الماء إذا اشتد عليك الحر ، فلما اغتمست في الحميم تسلخ من قرنك إلى قدمك . فبادرت إلى النار رجاء أن تكون هي أهون عليك . ثم اشتد عليك حريق النار فرجعت إلى الحميم ، وأنت تطوف بينها وبين حميم آن ، وهو الذي قد انتهى حره . وتطلب الروح ، فلا روح بين الحميم وبين النار ، تطلب الروح فلا روح أبداً.

فلما اشتد بك الكرب والعطش ، وبلغ منك المجهود ، ذكرت الجنان ؛ فهاجت غصة من فؤادك إلى حلقك أسفا على جوار الله عز وجل وحزناً على نعيم الله . ثم ذكرت شرابها ، وبرد مائها وطيب عيشها ؛ فتقطع قلبك حسرة لحرمان ذلك . ثم ذكرت أن فيها بعض القرابة من أب أو من أم أو من أخ ، وغيرهم من القرابة ، فناديتهم بصوت محزون من قلب محترق قلق : يا أماه ، أو يا أبتاه ، أو يا أخاه ، أو يا خالاه ، أو يا عماه ،أو يا أختي ، شربة من ماء ، فأجابوك بالخيبة ، فتقطع قلبك حسرات بما خيبوا من أملك ، وبما رأيت من غضبهم عليك لغضب ربك عز وجل ، ففزعت إلى الله بالنداء بالمرجع والعتبي أن يردك إلى الدنيا ، فمكث عنك دهراً طويلاً لا يجيبك هواناً بك ، وأن صوتك عنده ممقوت ، وجاهك عنده ساقط ، ثم ناداك بالخيبة منه فقال ( قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ (108)) : [ سورة المؤمنون : 108] . فلما سمعت نداءه بجلال كلامه بالتخسية لك ابتداء ؛ فمثلك لا يجاب ، ومناخرك وفوك ملجومة بلجام ، فبقي نفسك متردداً في جوفك لا مخرج له ، فضاقت نفسك في صدرك ، وبقيت قلقاً تزفر لا تطيق الكلام ، ولا يخرج منك نفس.

م أراد أن يزيدك إياساً وحسرة ؛ فأطبق أبواب النار عليك وعلى أعدائه فيها . فما ظنك إن لم يعف عنك ، وقد سمعت رجوف بابها قد أغلق ؟ فيا إياسك ويا إياس سكان جهنم حين سمعوا وقع أبوابها تطبق عليهم ؛ فعلموا عند ذلك أن الله عز وجل إنما أطبقها لئلا يخرج منها أحد أبداً ، فتقطعت قلوبهم إياساً ، وانقطع الرجاء منهم ألا فرج أبداً ، ولا مخرج منها ، ولا محيص لهم من عذاب الله عز وجل أبداً ، خلوداً فلا موت ، وعذاباً لا زوال له عن أبدانهم ، ودوام حرق قلوبهم ومضيضها ، فلا روح ولا راحة تعلق بهم أبداً ، أحزان لا تنقضي ، وغموم لا تنفد ،وسقم لا يبرأ ، وقيود لا تحل ، وأغلال لا تفك أبداً ، وعطش لا يروون بعده أبداً ،وكرب لا يهدأ أبداً ، وجوع لا يشبعون بعده أبداً إلا بالزقوم ينشب في حلوقهم ، فيستغيثون بالشراب ليسوغوا به غصصهم فيقطع أمعاءهم ؛ وحسرة فوت رضوان الله عز وجل في قلوبهم ،وكمد حرمان جوار الله عز وجل يتردد في صدورهم ، لا يرحم بكاؤهم ، ولا يجاب دعاؤهم ، ولا يغاثون عند تضرعهم ، ولا تقبل توبتهم ،ولا تقال عثرتهم غضب الله عز وجل عليهم فلا يرضي عنهم أبداً ؛ إذ أبغضهم ومقتهم ،وسقطوا من عينه ، وهانوا عليه فأعرض عنهم.

لو رأيتهم وقد عطشوا وجاعوا ؛ فنادوا من أهل الجنة الأقرباء ، فقالوا جميعاً : يا أهل الجنة ، يا معشر الآباء والأمهات والأخوة والأخوات ، خرجنا من قبورنا عطاشاً ، وأوقفنا بين يدي الله عز وجل عطاشاً ، وأمر بنا إلى النار عطاشاً ؛ أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله ، فأجابوهم بالتخسية ؛ فتراجع في قلوبهم الحسرة والندامة ؛ فهم فيها يتقلقون لا ينفح وجوههم روح أبداً ، ولا يذوقون منها برداً أبداً ، ولا يطبقون جفونهم على غمض نوم أبداً ، فهم في عذاب دائم وهوان لا ينقطع .

فمثل نفسك بهذا الوصف إن لم يعف عنك ، فلو رأيت المعذبين في خلقهم ، وقد أكلت النار لحومهم ،ومحت محاسن وجوههم ، واندرس تخطيطهم ، فالعظام مواصلة محترقة مسودة ، وقد قلقوا واضطربوا في قيودهم وأغلالهم ، وهم ينادون بالويل والثبور ، ويصرخون بالبكاء والعويل . وإذن لذاب لبك فزعاً من سوء خلقهم ،وتضعفت من رائحة نتنهم ، ولما بقيت روحك في بدنك من شدة وهج أبدانهم وحرارة أنفاسهم . فكيف بك إن نظرت إلى نفسك فيها وأنت أحدهم ،وقد زال من قلبك الأمل والرجاء ، ولزمه القنوط والإياس ،وعطفت النارعلى بدنك ؛ فتقحمت في الحدقتين -أي دخلت فيهما- ؛ فسمعت تفضيضهما انتقاماً ، وبدلاً من نظرك إلى ما لا يحب ولا يرضي ،ودخلت النار في مسامعك ؛ فتسمع لها فيه قصفاً وجلبة ، والتحفت عليك ؛ فنفضت منك العظام ، ودوبت اللحم ، واطلعت إلى الجوف ؛ فأكلت الكبد والأحشاء ؛ فغلبت على قلبك الحسرات والندامة والتأسف .

توهم ذلك بعقل فارغ ، وقد هاجت منه ، رحمة لضعفك ،وارجع عما يكره مولاك ، وترضه عسي أن يرضي عنك ، وأعذ به بعقلك ، وأستقله يقلك ، وابك من خشيته عسي أن يرحمك ويقيل عثراتك ؛ فإن الخطر عظيم ، وإن البدن ضعيف ، والموت منك قريب ،والله جل جلاله مع ذلك مطلع يراك ، وناظر لا يخفي عليه منك سر ولا علانية ، فأحذر نظره بالمقت والبغضة والغضب والقلاء ، وأنت لا تشعر فرحاً أو قرير العين.



فاحذر الله عز وجل وخفه واستح منه وأجله ، ولا تستخف بنظره ولا تتهاون باطلاعه ، وأجل مقامه عليك ، وعلمه بك ، وافرقه ، واخشه قبل أن يأخذك بغتة ولير أثر مصيبة مخالفتك له ؛ لتعلم ما قد بلغ منك خلافه فيعظم حزنك ، ويشتد غمك بمخالفته ، وليعلم أنه قد بلغ إليك خلافه ، فإن علم ذلك منك صفح عنك وعفي عنك . فلا تتعرض لله عز وجل فإنه لا طاقة لك بغضبه ولا قوة لعذابه ، ولا صبر لك على عقابه ، ولا صبر عندك عن جواره ؛ فتدارك نفسك قبل لقائه ، فكأنك بالموت قد نزل بك بغتة.،فتوهم ما وصفت لك ؛ فإنما وصفت بعض الجمل ، فتوهم ذلك بعقل فارغ موقن عارف بما قد جنيت على نفسك ، وما استوجبت بجنايتك ، وفكر في مصيبتك في دينك ، ولير الله عز وجل عليك أثر المصيبة ؛ لعله أن يرحمك ؛ فيتجاوز عنك لمغفرته وعصمته.

alkannass
2009-07-07, 09:56
الدرس التاسع

كيف حالك ياأخى بعد الدرس الثامن ! لقد شاهدنا ماحدث للعصاة على الصراط وسقطوا فى جهنم وما يحدث لهم أما إن كنت ممن يعفو عنهم الله
فإن كنت من أهل العفو والتجاوز ، فتوهم إن تفضل الله عز وجل عليك بالعفو والتجاوز ، ممرك على الصراط ، ونورك معك يسعى بين يديك ، وعن يمينك ، وكتابك بيمينك ، مبيض وجهك ، وقد فصلت من بين يدي الله عز وجل ، وأيقنت برضاه عنك ، وأنت على الصراط مع زمر العابدين ووفود المتقين ، والملائكة تنادي : سلم سلم ، والوجل مع ذلك لا يفارق قلبك ولا قلوب المؤمنين ، تنادي وينادون : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لاَ يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) : ( سورة التحريم : 8) فتدبر حين رأوا المنافقين طفئ نورهم ،وهاج الوجل في قلوبهم ؛ فدعوا بتمام النور والمغفرة.

فتوهم نفسك ، وأنت تمر خفيفاً مع الوجل ، فتوهم ممرك على قدر خفة أوزارك وثقلها ؛ وقد انتهيت إلى آخره، فغلب على قلبك النجاة ، وعلا عليك الشفق ، وقد عاينت نعيم الجنان وأنت على الصراط ، فخفق قلبك على جوار الله عز وجل ، واشتاق إلى رضا الله ، حتى إذا صرت إلى آخره خطوت بأحدى رجليك إلى العرصة [ بقعة واسعة لا بناء فيها ] ، التي بين آخر الجسر وبين باب الجنة ، فوضعتها على العرصة التي بعد الصراط ، وبقيت القدم الأخرى على الصراط ، والخوف والرجاء قد اعتليا في قلبك وغلبا عليك ، ثم ثنيت بالأخرى ؛ فجزت الصراط كله واستقرت قدماك على تلك العرصة ، وزلت عن الجسر ببدنك ، وخلفته وراء ظهرك ، وجهنم تضطرب من تحت من يمر عليها ، وتثب على من زل عنه مغتاظة تزفر عليه وتشهق إليه . ثم التفت إلى الجسر فنظرت إليه باضطرابه ،ونظرت إلى الخلائق من فوقه ،وإلى جهنم من تحته تثب وتزفر على الذين زلزلوا عن الصراط لها في رؤوسهم وإنحائهم قصيف ؛ فطار قلبك فرحاً إذ رأيت عظيم ما نجاك الله منه ؛ فحمدت الله ،وازددت له شكراً ؛ إذ نجوت بضعفك من النار ، وخلفت النار وجسرها من وراء ظهرك ، متوجهاً إلى جوار ربك.

م خطرت آمناً إلى باب الجنة وقد امتلأ قلبك سروراً وفرحا ، فلا تزال في ممرك بالفرح والسرور حتى توافي أبوابها ، فإذا وافيت بابها استقبلك بحسنه فنظرت إلى حسنه ونوره وحسن الجنة وجدرانها ، وقلبك مستطير فرح مسرور متعلق بدخول الجنة حين وافيت بابها أنت وأولياء الرحمن.

فتوهم نفسك في ذلك الموكب ، وهم أهل كرامة الله ورضوانه ، مبيضة وجوههم ، مشرقة برضا الله ، مسرورون فرحون مستبشرون . ووافيت باب الجنة بغبار قبرك ، وحر المقام ووهج ما مر بك ، فنظرت إلى العين التي أعدها الله لأوليائه وإلى حسن مائها.

فانغمست فيها مسروراً ؛ لما وجدت من برد مائها وطيبة ، فوجدت له برداً وطيباً ، فذهب عنك بحزن المقام ، وطهرك من كل دنس وغبار ، وأنت مسرور لما وجدت من طيب مائها لما باشرته ، وقد أفلت من وهج الصراط وحره ؛ لأنه قد يوافي بابها من أحرقت النار بعض جسده بلفحها وقد بلغت منه ، فما ظنك وقد انفلت من حر المقام ووهج أنفاس الخلائق ، ومن شدة توهج حر الصراط فوافيت باب الجنة بذلك ، فلما نظرت إلى العين قذفت بنفسك فيها.فتوهم فرحة فؤادك لما باشر برد مائها بدنك بعد حر الصراط ، ووهج القيامة ، وأنت فرح لمعرفتك أنك إنما تغتسل لتتطهر لدخول الجنة والخلود فيها ، فأنت تغتسل منها دائباً ، ولونك متغير حسناً ، وجسدك يزداد نضرة وبهجة ونعيماً ، ثم تخرج منها في أحسن الصور وأتم النور.

فتوهم فرح قلبك حين خرجت منها فنظرت إلى كمال جمالك ، ونضارة وجهك وحسنه ، وأنت عالم موقن بأنك تنظف للدخول إلى جوار ربك

alkannass
2009-07-07, 09:58
الدرس العاشر

كيف حالك ياأخى بعد الدرس التاسع ! المهم أتدرى أين أنت الآن أنت فى الجنة
انظر انت فى الجنة فتتناول من بعض آنيتها ، فتوهم نظرك إلى حسن الإناء ، وإلى حسن الشراب ، وأنت مسرور بمعرفتك أنك إنما تشرب هذا الشراب لتطهر جوفك من كل غل ، وجسدك ناعم أبداً ؛ حتى إذا وضعت الإناء على فيك ثم شربته ،وجدت طعم شراب لم تذق مثله ، ولم تعود شربه ، فيسلس من فيك إلى جوفك ، فطار قلبك سروراً لما وجدت من لذته ، ثم نقي جوفك من كل آفة ، فوجدت لذة طهارة صدرك من كل طبع كان فيه ينازعه إلى الغموم والهموم والحرص والشدة والغضب والغل .. فيا برد طهارة صدرك ! ويا روح ذلك على فؤادك !

حتى إذا استكملت طهارة القلب والبدن ، واستكمل أحباء الله ذلك معك ، والله مطلع يراك ويراهم ، أمر مولاك الجواد المتحنن خزان الجنة من الملائكة ، الذين لم يزالوا مطيعين خائفين منه مشفقين وجلين من عقابه إعظاماً له وإجلالاً ،وهيبة له ،وحذراً من نقمة ؛ أمرهم أن يفتحوا باب جنته لأوليائه ، فانحدروا من دارها ، وبادروا من ساحاتها ، وأتوا باب الجنة فمدوا أيديهم ليفتحوا أبوابها ، وأيقنت بذلك ؛ فطار قلبك سروراً ، وامتلأت فرحاً ، وسمعت حسن صرير أبوابها ؛ فعلاك السرور ، وغلب على فؤادك ؛ فيا سرور قلوب المفتوح لهم باب جنة رب العالمين !

فلما فتح لهم بابها ، هاج نسيم طيب الجنان ، وطيب جري مائها ، فنفح وجهك ،وجميع بدنك ،وثارت اراييح الجنة العبقة الطيبة ، وهاج ريح مسكها الأذفر ، وزعفرانها المونع ، وكافورها الأصفر ، وعنبرها الأشهب ، وأرياح طيب ثمارها وأشجارها ، وما فيها من نسيمها ؛ فتداخلت تلك الأراييح في مشامك حتى وصلت إلى دماغك ،وصار طيبها في قلبك ،وفاض من جميع جوارحك ،ونظرت بعينك إلى حسن قصورها ، وتأسيس بنيانها من طرائق الجندل الأخضر من الزمرد ، والياقوت الأحمر ،والدر الأبيض ، قد سطع منه نوره وبهاؤه وصفاؤه ، فقد أكمله الله في الصفاء والنور، ومازجه نور ما في الجنان ، ونظرت إلى حجب الله ، وفرح فؤادك لمعرفتك أنك إذا دخلتها فإن لك فيها الزيادات ، والنظر إلى وجه ربك ؛ فاجتمع طيب أراييح الجنة وحسن بهجة منظرها ، وطيب نسيمها ، وبرد جوها ، وذلك أول روح وطيب لا تنغيص فيه نفح وجهك .

فتوهم نفسك مسروراً بالدخول ؛ لعلمك أنها يفتح بابها لك والذين معك أولياء الله ، وفرحك بما تنظر إليه من حسن بهجتها ، وما وصل إلى فؤادك من طيب رائحتها ، وما باشر وجهك وبدنك من طيب جوها وبرد نسيمها . فتوهم نفسك أن تفضل الله عليك بهذه الهيئة ، فلو مت فرحاً لكان ذلك يحق لك ، حتى إذا فتحوا بابها ، أقبلوا عليك ضاحكين في وجهك ووجوه أولياء الله معك ، ثم رفعوا أصواتهم يحلفون بعزه ما ضحكنا قط منذ خلقنا إلا إليكم ، ونادوكم : (سلم عليكم ) فتوهم حسن نغماتهم ، وطيب كلامهم ،وحسن تسليمهم ، في كمال صورهم ، وشدة نورهم . ثم أتبعوا السلام بقولهم ( وَسِيقَ الَذينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) : (سورة الزمر : 73) ، فأثنوا عليهم بالطيب والتهذيب من كل دنس ودرن وغل وغش ، وكل آفة في دين أو دنيا ، ثم أذنوا لهم على الله بالدخول في جواره ، ثم أخبروهم أنهم باقون فيها أبداً ، فقالوا ( طبتم فادخلوها خلدين) . فلما سمعت الإذن وأولياء الله معك ، بادرتم الباب بالدخول ؛ فكظت الأبواب من الزحام ، كما قال عتبة بن غزوان وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لانقضاضهم على باب الجنة أهم إلى من شفاعتي ) [ رواه أحمد ] . فكظ من الزحام . فما ظنك بباب مسيرة أربعين عاماً كظيظة من زحام أولياء الرحمن ، فأكرم بهم من مزدحمين مبادرين إلى ما قد عاينوا من حسن القصور من الياقوت والدر.

فتوهم نفسك أن عفا الله عنك في تلك الزحمة مبادراً مع مبادرين ، مسروراً مع مسرورين ، بأبدان قد طهرت ، ووجوه قد أشرقت وأنارت فهي كالبدر ، قد سطع من أعراضهم كشعاع الشمس . فلما جاوزت بابها ،وضعت قدميك على تربتها ، وهي مسك أذفر ، ونبت الزعفران المونع ،والمسك مصبوب على أرض من فضة ، والزعفران نابت حولها ، فذلك أول خطوة خطوتها في أرض البقاء بالأمن من العذاب والموت . فأنت تتخطى في تراب المسك ، ورياض الزعفران ،وعيناك ترمقان حسن بهجة الدر ، من حسن أشجارها ، وزينة تصويرها.

فبينا أنت تتخطى في عرصات الجنان ، في رياض الزعفران ، وكثبان المسك ، إذ نودي في أزواجك وولدانك وخدامك وغلمانك وقهارمتك : أن فلانا قد أقبل ، فأجابوا ، واستبشروا لقدومك ، كما يبشرأهل الغائب في الدنيا بقدومه – كما قال على بن أبي طالب رضي الله عنه -.

فبينما أنت تنظر إلى قصورك ، إذ سمعت جلبتهم وتبشيشهم ، فاستطرت لذلك فرحاً ، فبينما أنت فرح مسرور بغبطتهم لقدومك لما سمعت أجلابهم فرحاً بك ، إذ ابتدرت القهارمة إليك ، وقامت الولدان صفوفاً لقدومك ، فبينما أتت القهارمة مقبلة عليك ، اذ استخف أزواجك للعجلة ، فبعثت كل واحدة منهن بعض خدمها لينظر إليك مقبلاً ، ويسرع بالرجوع إليها بقدومك ؛ لتطمئن إليه فرحاً ، وتسكن إلى ذلك سروراً ، فنظر إليك الخدم بل أن تلقاك قهارمتك ، ثم بادر رسول كل واحدة منهن إليها ، فلما أخبرها بقدومك قالت كل واحدة لرسولها : أنت رأيته ، من شدة فرحها بذلك ، ثم أرسلت كل واحدة منهن رسولاً آخر ، فلما جاءت البشارات بقدومك إليهن ، لم يتمالكن فرحاً ، فأردن الخروج إليك مبادرات إلى لقائك لولا أن الله كتب القصر لهن في الخيام إلى قدومك ، كما قال مليكك ( حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الخِيَامِ): ( سورة الرحمن : 72) ، فوضعن أيديهن على عضائد أبوابهن ، وأذرعهن برؤوسهن ، ينظرن متى تبدو لهن صفحة وجهك ؛ فيسكن طول حنينهن ، وشدة شوقهن إليك ،وينظرن إلى قرير أعينهن ، ومعدن راحتهن ، وأنسهن إلى ولي ربهن وحبيب مولاهن .

فبينا أنت ترفل في كثبان المسك ، ورياض الزعفران ، وقد رميت ببصرك إلى حسن بهجة قصورك ، إذ استقبلك قهارمتك بنورهم وبهائهم ، فاستقبلك أول قهرمان لك ، فأعظمت شأنه ، وظننت أنه من ملائكة ربك ، فقال لك : يا ولي الله ، إنما أنا قهرمانك وكلت بأمرك ، ولك سبعون ألف قهرمان سواي ، ثم تابعه القهارمة ببهائهم ونورهم ، كل يعظمك ، ويسلم عليك بالتعظيم لك .

فتوهم قلبك في الجنان ، وقد قامت بين يديك قهارمتك معظمين لك ، ثم الوصفاء والخدام ، فاستقبلوك كأنهم اللؤلؤ المكنون ، فسلموا عليك ، ثم اقبلوا بين يديك ، فتوهم تبخترك في موكب من قهارمتك وخدامك ، يزفونك زفاً إلى قصورك ، وما أعد لك مولاك ومليكك ، فلما أتيت باب قصرك ، فتحت الحجاب أبوابك ، ورفعت لك الستور ، وهم قيام على أقدامهم لك معظمين.

فتوهم ما عاينت ، حين فتحت أبواب قصرك ، ورفعت ستوره ، من حسن بهجة مقاصيره ، وزينة أشجاره ، وحسن رياضه ، وتلألؤ صحنه ،ونور ساحاته ، فبينا أنت تنظر إلى ذلك ، اذ بادرت البشري من خدامك ينادون أزواجك : هذا فلان بن فلان ، قد دخل من باب قصره ، فلما سمعن نداء البشراء بقدومك ودخولك ، توثبن من الفرش على الأسرة في الحجال ،وعينك ناظرة إليهن في جوف الخيام والقباب ، فنظرت إلى وثوبهن مستعجلات ، قد استخفهن الفرح ، والشوق إلى رؤيتك . فتوهم تلك الأبدان الرخيمة الرعبوبة الخريدة الناعمة ، يتوثبن بالتهادي والتبختر . فتوهم كل واحدة منهن ، حين وثبت في حسن حللها وحليتها بصباحة وجهها ، وتثني بدنها بنعمته.

فتوهم انحدارها مسرعة بكمال بدنها ، نازلة عن سريرها إلى صحن قبتها ، وقرار خيمتها ، فوثبن حتى أتين أبواب خيامهن وقبابهن ، ثم أخذن بأيديهن عضائد أبواب خيامهن للقصر الذي ضرب عليهن إلى قدومك ، فقمن آخذات بعضائد أبوابهن ، ثم خرجن برؤوسهن ووجوههن ، ينحدرن من أبواب قبابهن ، متطلعات ، ينظرن إليك ، مقبلات قد ملئن منك فرحاً وسروراً .

فتوهم نفسك بسرور قلبك وفرحة ، وقد رمقتهن ، ببصرك ،ووقع ناظرك على حسن وجوههن وغنج أعينهن فلما قابلت وجوههن حار طرفك ، وهاج قلبك بالسرور ، فبقيت كالمبهوت الذاهل من عظيم ما هاج في قلبك من سرور ما رأت عيناك ، وسكنت إليه نفسك . فبينما أنت ترفل إليهن ، إذ دنوت من أبواب الخيام ، فأسرعن مبادرات قد استخفهن العشق ، مسرعات يتثنين من نعيم الأبدان ، ويتهادين من كمال الأجسام . ثم نادتك كل واحدة منهن : يا حبيبي ما أبطأك علينا ؟ فأجبتها بأن قلت : يا حبيبة ما زال الله عز وجل يوقفني على ذنب كذا وكذا حتى خشيت أن لا أصل إليكن فمشين نحوك في السندس والحرير ، ينثرن المسك ، ويحركن نبت الزعفران بأذيال حللهن وخلاخيلهن ؛ استعجالاً إليك ، وشوقاً وعشقاً لك ؛ فأول من تقدمت منهن إليك مدت إليك بنانها ومعصمها وخاتمها ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم [ رواه الطبراني] .

فتوهم حسن بنان أنشئ من الزعفران والكافور ، ونعم في الجنة الألف من الدهور ، فتوهمه حين مدته إليك يتلألأ نوراً ويضيء إشراقاً ؛ فلما وضعت بنانها في بنانك ، وجدت مجسة لينة بنعيمه ، وكاد أن ينسل من يديك للينه ،وكاد عقلك أن يزول فرحاً بما وصل إلى قلبك من طيب مسيس بنانها . ثم مددت يدك إلى جسمها الرخيم الناعم ؛ فضمتك إلى نحرها ؛ فانثنيت عليها بكفك وساعدك حتى وضعته على قلائدها من حلقها ،ثم ضممتها إليك وضمتك إليها . فتوهم نعيم بدنها لما ضمتك إليها كاد أن يدخل بدنك بدنها من لينة ونعيمه . فتوهم ما باشر صدرك من حسن نهودها ، ولذة معانقتها . ثم شممت طيب عوارضها ؛ فذهب قلبك من كل شيء سواها حتى غرق في السرور ، وامتلأ فرحاً ، لما وصل إلى روحك من طيب مسيسها ، ولذة روائح عوارضها.

فبينا أنت كذلك ، إذ تمايعن عليك ، فانكبين عليك يلثمنك ويعانقنك ، فملأن وجهك بأفواههن ملتثمات وملأن صدرك بنهودهن ؛ فأحدقن بك بحسن وجههن ، وغطين بدنك وجللنه بذوائبهن ،واستجمعت في مشامك أراييح طيب عوارضهن .

فتوهم نفسك وهن عليك منكبات بفيك ملتثمات متشممات ، عليك متثنيات بنعيم أبدانهن ، لهن استراحة عند ضمك إليهن لشدة العشق ، وطول الشوق إليك ، متشبثات بجسمك ، ومتنعمات بنسيم أراييح عوارضك .

فلما استمكنت خفة السرور من قلبك ، وعمت لذة الفرح جميع بدنك ،وموعد الله عز وجل في سرورك ؛ فناديت بالحمد لله الذي صدقك الوعد ، وأنجز لك الموعد . ثم ذكرت طلبك إلى ربك إياهن بالدؤوب والتشمير.

فأين أنت في عاقبة ذلك العمل الذي استقبلته وأنت تلتثمهن وتشم عوارضهن ( لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ العَامِلُونَ) : (سورة الصافات : 61) . ثم أثنين عليك وأثنيت عليهن . ثم رفعن أصواتهن ليؤمنك بذلك من المعرفة لهن بحوادث الزمان ، وتنغيص عيشك بأخلاقهن ، فنادين جميعاً بأصواتهن : نحن الراضيات فلا نسخط أبداً ، ونحن المقيمات فلا نظعن أبداً ، ونحن الخالدات فلا نبيد أبداً ، ونحن الناعمات فلا نبأس أبداً ، طوباك أنت لنا ونحن لك .

ثم مضيت معهن فيا حسن منظرك ، وأنت في موكبك من حورك وولدانك وخدامك ! حتى انتهيت إلى بعض خيامك ، فنظرت إلى خيمة من درة مجوفة مفصصة بالياقوت والزمرد ؛ فنظرت إلى حسن أبوابها ، وبهجة ستورها ، ثم رميت ببصرك إلى داخلها ؛ فنظرت إلى فرشها ونجدها وزرابيها ، وحسن تأسيس بنيانها قد بنيت طرائق على جنادل الدر والياقوت ؛ ثم نظرت إلى سريرك في ارتفاعه وعليه فرشه ، من الحرير والإستبرق بطائنهن ، قد علا ظواهرهن من النور المتكثف ، وعلى أطرافهن من فوق الحرير والديباج ، وحسن الرفرف الأخضر ، وهي فصول المجالس . فلما تأملت تلك الفرش بحسنها ، وفوقها المرافق قد ثنتها ؛ حار طرفك فيها . ثم نظرت إلى حجلتها من فوق سريرها ، قد أحدقت بالعرش من فوقها.

فتوهم حسن الأبواب ، وحسن الستور ، وحسن عرصة القبة ، بحسن فرشها ، وحسن السرير ، وحسن قوائمه ، وارتفاعه ، وحسن الفرش فوقه ، والمرافق فوق فرشه ، والحجلة [الناموسية] المضروبة من فوق ذلك كله ، فتأملت ذلك كله ببصرك.

فلما دنوت من فرشك ، تطامنت مع سريرك ، فارتفعت الحوراء وارتقت معها.

فتوهم صعودها عليه بعظيم بدنها ونعيمه ،حتى استوت عليه جالسة ، ثم ارتقيت على السرير ، فاستويت عليه معها ، فقابلتك وأنت مقابلها ، فيا حسن منظرك إليها جالسة في حالها وحليها بصباحة وجهها ونعيم جسمها ! الأساور في معاصمها ، والخواتم في أكفها ، والخلاخيل في أسواقها ، والحقاب في حقوها ، والوشاح قد تنظر نهديها ، وجال بخصرها ، والقلائد في عنقها ، والشحب على نحرها ، والأكاليل من الدر والياقوت على قصتها وجبينها ، والتاج من فوق ذلك على رأسها ،والذوائب من تحت التاج ، قد حل من مناكبها ، وبلغ أردافها وأنعالها ، ترى وجهك في نحرها ، وهي تنظر إلى وجهها في نحرك . وقد أحدق الولدان بقبتك ، وقد قام الوهط بين يديك ويديها ، وقد تدلت الأشجار بثمارها من جوانب حجلتك ، واطردت الأنهار حول قصرك ،واستعلى الجداول على خيمتك بالخمر والعسل واللبن والسلسبيل. وقد كمل حسنك وحسنها . وأنت لابس الحرير والسندس ، وأساور الذهب واللؤلؤ على كل مفصل من مفاصلك ، وتاج الدر والياقوت منتصف فوق رأسك ، وأكاليل الدر مفصصة بالنور على جبينك.

وقد أضاءت الجنة وجميع قصورك من إشراق بدنك ونور وجهك ،وأنت تعاين من صفاء قصورك جميع أزواجك وخدمك وجميع أبنية مقاصيرك.

وقد تدلت عليك ثمار أشجارك ، واطردت أنهارك من الخمر واللبن من تحتك ، والماء والعسل من فوقك ، وأنت جالس مع زوجك على أريكتك ، وقد فتحت مصاريع أبوابك ،وأرخيت عليك حجال خيمتك ، وحفت الخدام والولدان بقبتك ، وسمعت زجلهم بالتقديس لربك ،وقد اطلعوا على ضمير قلبك ؛ فسارعوا إلى كل ما حدثت به نفسك من أنواع كرامتك وسرورك وأمانيك ؛ فأتوك بكل أمنيتك.

وأنت وزوجك بأكمل الهيئة وأتم النعمة ، وقد حار فيها طرفك تنظر إليها متعجباً من جمالها وكمالها ، طرب قلبك بملاحتها ، وأنس قلبك بها من حسنها ، فهي منادمة لك على أريكتك ، تنازعك وتعاطيك الخمر والسلسبيل والتسنيم في كاسات الدر وأكاويب قوارير الفضة



فتوهم الكأس من الياقوت والدر في بنانها ، وقد قربت إليك ضاحكة بحسن ثغرها ؛ فسطع نور بنانها في الشراب ، مع نور وجهها ونحرها ، ونور الجنان ، ونور وجهك وأنت مقابلها ؛ واجتمع في الكأس الذي في بنانها نور الكأس ، ونور الشراب ، ونور وجهها ، ونور نحرها ، ونور ثغرها ، فما ظنك بذوائب شاب أمرد كامل الخلق ، أنور الوجه ، أبيض الجسم ، أنضر الثياب ، أصفر الحلى من ذهب الجنان ، يشوبه حمرة الياقوت ، وبياض الدر ، وحسن العقيسن .

فيا لك عروس ، ويا تلك عروس طفلة أنيسة عربوبة كامل خلقها ! ويا جمال وجهها ! ويا بياض نهودها وتثني جسمها ! يكسوها التأنيث ، ويلينها النعيم ، تنظر إليك بغنج الحور ، وتكلمك بملاحة المنطق ، وتداعبك بالدلائل ، وتلاعبك بالعشق والطرب ، بيدها كأس در لا ظل له ، أو ياقوت لا شبه له من صفائه ورقة جسمه ، قد جملته بحسن كفها ، وزميرتها ، ونور خواتيمها فيه.

فتوهم حسن الكأس ، مع بياضها ، مع الشراب ، مع بياض كفيها وحسنه .

فتوهم كأس الدر والياقوت أو الفضة في صفاء ذلك في بنانها الكامل ، وقد اقتربت إليك ضاحكة بحسن ثغرها ، وسطع نور بنانها في الشراب ، مع نور وجهها ونحرها ، وأنت مقابلها فضحكت أيضاً إليها ؛ فاجتمع في الكأس الذي في بنانها نورك ، مع نورها ، مع نور الكأس ،ونور الشراب ، ونور وجهها ،ونور نحرها ، ونور ثغرها ، ونور الجنان.

فتوهمه بهذه الأنوار في ضيائه ، يلمع بصفائه في كفها وقد مدت به إليك يدها بخواتمها ، وأساورها في معاصمها ؛ فناولتك الكأس بكفها ، فيا حسن مناولتها ! ويا حسنها من يد ! ثم تعاطتك كاسات الخمر في دار الأمن واللذات والسرور ، فتناولته منها ، ثم وضعته على فيك ، ثم سلسلته في فيك ؛ فسار سروره في قلبك ، وعمت لذته جوارحك ؛ فوجدت منه طعماً أطيب طعماً وألذه ، فشربته ، والولدان قيام بين يديك.

فتوهم ذلك وقد شربت الكأس من يدها ، ثم ناولتها من يديك ، فتناولته بحسن كفها وهي ضاحكة ، فيا حسن مضحكها ! فشربته من يدك ، حتى إذا تعاطيتما الكأس ، ودار فيما بينكما ، وشاع نور الشراب في وجنتيها ، ورفعتما أصواتكما بالتحميد والتقديس لمولاكما وسيدكما ، ورفعت الولدان والخدام أصواتهم تسبيحاً وتهليلاً مجاوبة لكما ، فيا حسن تلك الأصوات بتلك النغمات في تلك القصور وتلك الخيمات!

فبينما أنتما في لذاتكما وسروركما ، وقد مضت الأحقاب من الدهور ، وما تشعران ؛ من اشتغال قلوبكما بنعيمكما ؛ إذ هجمت الملائكة بالسلام عليك ، وأتتك بالتحف والألطاف من عند ربك ، حتى إذا انتهت رسل ربك إلى الحجبة الذين دونك ، والقهارمة الموكلين بك ؛ فطلبوا إليهم الإذن عليك ؛ ليوصلوا ما أتوا به من عند مولاك إليك ، فقالت عند ذلك حجبتك لملائكة ربك إن ولي الله مشغول مع أزواجه ، وإنا لنكره الإذن عليه إعظاماً وإجلالاً له ، وكذلك يقول الله ربك تبارك وتعالى : وبذلك جاء التفسير ( إِنَّ أَصْحَابَ الجَنَّةِ اليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ)[ سورة يس : 55] فأعظم به من شغل ! وأعظم بك من ملك تستأذن عليك رسل ربك ! وكذلك يقول الرافع قدر أوليائه في جواره تبارك وتعالى ( وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً ) [ سورة الإنسان : 20]

فقيل في التفسير : إن ذلك استئذان الملائكة عليهم . فقيل له : رسل الله بالباب يا ولي الله لا يدخل عليك إلا بإذن يا ولي الله : فقد نلت من الله الرضا ، وبلغت غاية الملك والمنى .

فتوهم الملائكة وهي قائلة حين أبت حجابك أن تستأذن لهم عليك : إنا رسل الله إليه بهدايا وتحف من عند ربه ، فوثبت عند ذلك حجابك تستأذن لهم عليك.

فتوهم أيدي الحجاب ، وقد مدوا بها إلى حلق الياقوت المفصص بالدر على صفائح الذهب الأحمر؛ فقرعوا حلق أبوابك قصرك ، فلما إصطك حلق الياقوت بأبواب قصرك من الدر والزمرد ، طنت الحلق على الأبواب بأحسن طنين تلذ به الأسماع ،وتسر به قلوب المستمعين ؛ فلما سمعت الأشجار طنينها ، تمايلت ثمارها على بعضها بعضاً ، فهبت بذلك أراييح طيبها ونسيمها ، ثم أشرقت من قبتها بجمال وجهك ، وإشراق نورك ؛ فبادرت الحجبة إليك بالقول مسرعة ، وهي مع ذلك غاضة أبصارها تعظيماً لك ، ولما رمق أبصارهم من إشراق نور وجهك : يا ولي الله رسل الله إليك بالباب ، ومعهم التحف من عند ربك ، فرجعت إليهم بالجواب : أن ائذنوا لرسل مولاي ؛ ففتحت الحجبة عند إذنك لهم أبواب قصرك وأنت متكئ ، فدخلوا على أريكتك ، والولدان قد صفوا بين يديك ، فأقبلت الملائكة بحسن صورهم ،والهدايا تلمع وتسطع نوراً في أيديهم ، فدخلوا عليك من أبواب متفرقة لينجز لك ربك ما وعدك من كل باب سلام عليك ، فبادروا بالسلام عليكم بحسن نغماتهم من كل أبوابك ، ثم أتبعوا تسليمهم : يا ولي الله إن ربك يقول عليك السلام ، وقد أرسل إليك . بهذه الهدايا والتحف .

فتوهم سرور قلبك بتحف ربك ولطفه إياك ، حتى إذا خرجوا من عندك ، أقبلت على نعمتك مع زوجتك ، قد حار فيها طرفك ، واشتد بها سرورك .

فبينما أنت معها في غاية السرور والحبور إذ أتى النداء بأحسن نغمة وأحلى كلام من بعض ما أعد الله من أزواجك : يا ولي الله أما لنا منك دولة ؟ أما آن لك أن تنظر إلينا ؟ فلما امتلأت مسامعك من حسن كلامها ، طار قلبك عشقاً لحسن نغمتها فأجبتها : ومن أنت بارك الله فيك ؟ فردت الجواب إليك : أنا من اللواتي قال الله عز وجل ( فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) : [ سورة السجدة : 17]

فتوهم وثوبك من سريرك إلى صحن قبتك ، ثم مشيت مع ولدانك وخدمك ، وقدن ولدانها وخدامها يستقبلونك ، واستقبلوك ومشوا بين يديك ، حتى أتيت قبة من ياقوتة حمراء في قصر من در وياقوت . فلما دنوت من باب قصرها ، قامت قهارمتك وخدامك رافعي ستور قصرك ؛ فدخلته ممتلئاً سروراً .

فتوهم باب القصر ، وحسن الستر ، وحسن الحجاب والقهارمة والخدام . ثم دخلت من باب قصرك الذي نادتك منه زوجتك ، فلما دخلت من بابه ، وقع بصرك على حسن جدرانه من الزمرد الأخضر ، وحسن رياضه ، وبهجة بنائه ، وإشراق عرصاته ، ونظرت إلى قبتك التي فيها زوجتك ، يتلألأ نور القبة نوراً وضوءاً وإشراقاً بنور وجهك ونور وجه زوجتك . فلما نظرت إليك ، نظرت من فرش الحرير والإستبرق والأرجوان ؛ فنزلت عن سريرها مبادرة ، قد استخفها شدة الشوق إليك ، وأزعجها العشق ؛ فاستقبلتك بالترحيب والتبجيل ، ثم عطفت عليك لمعانقتك . وكذلك روى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الحوراء تستقبل ولي الله فتصافحه [ رواه الطبراني]

فتوهم مجسة لين كفها بحسنها وخواتمها في كفك ، وقد شخصت كالمبهوت تعجباً من حسن وجهها ، ونعيم جسمها وتلألؤ النور من عوارضها ، ثم وضعت كفها في كفك ، حتى أتيتما سريرك مضروبة عليه أريكتك ، فارتقيتما جميعاً على أريكتك ، وأسدلت عليها جلال حجلتك ، وعانقت على فرشها زوجتك ، فمضت بك الأزمنة الطويلة ، ثم أقبلت الولدان بالكاسات والأكواب ، فاصطفت قبالتكما ، ثم أدرتما الكأس فيما بينكما.

فبينا أنتما قد ملئتما فرحاً وسروراً ، إذ نادتك أخرى من قصر من قصورك : يا ولي الله أما لنا منك دولة ؟ أما آن لك أن تشتاق إلينا ؟ فأجبتها : ومن أنت بارك الله فيك ؟ فرجعتك إليك القول : أنا من اللواتي قال الله عز وجل ( لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ): [ سورة ق : 35 ] ، فتحولت إليها.

وأنت تنتقل فيما بين أزواجك في قصورك وخدامك وولدانك ، في غاية النعيم وكمال السرور ، وقد زحزحت عنك كل آفة ، وأزيل عنك كل نقص ، وطهرت من كل دنس ، وأمنت فيها الفراق ، لأن الله تعالى قد قصد قلبك فقال للهموم زولي عنه فلا تخطري له أبداً ، وقال للسرور تمكن فيه فلا تزول منه أبداً ، وقال للأسقام زولي عن جسمه فلا تعرضي له أبداً ، وقال للصحة أقيمي في بدنه فلا تبرحي أبداً ، وذبح ا لموت وأنت تنظر إليه ؛ فأمنت الموت فلا تخافه أبداً . ولا زوال ترتقبه ، ولا سقم يعتريك أبداً ، ولا موت يعرض لك أبداً ، قد منحت جوار ربك ، ترفل في أذيالك لا تخاف سخطه أبداً بعد رضاه عنك ، فلا تخاف نقمه فيما تتقلب فيه من نعيمه .

وأنت عالم بأن الله عز وجل محب لك ، مسرور بك ، وبما تتقلب فيه من سرورك ، فأعظم بدار الله داراً ! وأعظم بجوار الله جواراً ! فالعرش قد أظلك بظله ، والملائكة تختلف إليك بالألطاف من عند ربك في حياة لا يزيلها موت ، ونعيم لا تخاف له فوتاً ، آمناً من عذاب ربك ، قد أيقنت برضاه عنك ، ووجدت برد عفوه في قلبك ، مقيماً دائماً في الخلود مع الأمان لنوائب الدهر ، وحوادث الأزمان لك ، ولجميع أوليائه ، متحدثاً بجمعهم تحت ظل طوبي .

فبينا أولياؤه ، وأنت فيهم تحت ظل طوبي يتحدثون ، إذ أمر الله منادياً من ملائكته فنادي أولياءه ! لينجز لأوليائه ما وعدهم من غاية كرامته ،وعظيم مسرته ، بأن يقربهم منه ، ويناجيهم بترحيبه ، ويريهم وجهه الكريم ؛ ليبلغوا بذلك أشرف المنازل ، وغاية السرور ، ومنتهى الرغبة ، فلم تشعر إلا ونداء الملك : أن يا أهل الجنة ، إن لكم عند الله لموعداً لم تروه ، فيرجعون إليه القول استعظاماً لما أعطوا ، فإنه لا عطية فوق ما أعطوا بعد ذلك ، أدخلوا في جواره وأمنوا من عذابه ، وأنت قائلها معهم : ألم ينضر وجوهنا ؟ ! ألم يدخلنا الجنة؟! ألم يزحزحنا عن النار ؟! فناداهم أن الله يستزيركم فزوروه.

فبينما هم كذلك ، وقد كادت قلوبهم أن تطير بأرواحهم أبدانهم فرحاً وسروراً ، اذ أقبلت الملائكة يقودون نجائب بخت خلقت من الياقوت ، ثم نفخ فيها الروح مذمومة بسلاسل من ذهب ، كأن وجوههم المصابيح نضارة وحسناً ، لا تروث ولا تبول ، ذوات أجنحة ، قد علاها خز من الجنة أحمر ، ومرعز من مرعزها أبيض مشرق في بياضه ، على ظهرها خطان حمرة في بياض على هيئة وتر النجائب في الدنيا ، لم ينظر الخلائق إلى مثله وحسن لونه.

فتوهم حسن تلك النجائب ، وحسن صورها ، نجائب من ياقوت الجنة في حمرته وصفائه ، وإشراق نوره وتلألؤه ، حين يمشي في تحركه ، فتوهمها بحسنها ،وحسن وجوه الملائكة ، وحسن أزمتها بسلاسل من ذهب الجنان ، وهي تقودها ، وتقبل بها إلى أولياء الله ، وأنت فيهم ، معتدلة في خببها بحسن سيرها ؛ لأنها نجب خلقت على حسن السير من غير تعليم من العباد ، فهي نجب من غير رياضة ، ذلل بسلاسلها منقادة من غير مهنة . [النجب : نوع من الإبل ] .

فتوهم إقبال الملائكة بها إليهم ، حتى اذ دنوا من أوليائه أناخوها ، فتوهم بروكها في حسنها ، وهيئة خلقها ، وقلبك عارف أنك ستركب بعضها إلى ربك منطلقاً في الزائرين له ، فلما أناخوها فبركت على كثبان المسك من رياض الزعفران تحت طوبي ومستراح العابدين ، أقبلت الملائكة على أولياء الله فقالوا بحسن نغماتهم : يا أولياء الرحمن ، إن الله ربكم يقرئكم السلام ، ويستزيركم فزوروه ؛ لينظر إليكم وتنظروا إليه ،ويكلمكم وتكلموه ، ويحييكم وتحيوه ؛ ويزيدكم من فضله ورحمته ؛ إنه ذو رحمة واسعة ، وفضل عظيم .

alkannass
2009-07-07, 09:58
الدرس الأخير

كيف حالك ياأخى بعد الدرس العاشر ! المهم أتدرى أين أنت الآن أنت ذاهب لزيارة الله
أقبلت الملائكة على أولياء الله فقالوا بحسن نغماتهم : يا أولياء الرحمن ، إن الله ربكم يقرئكم السلام ، ويستزيركم فزوروه ؛ لينظر إليكم وتنظروا إليه ،ويكلمكم وتكلموه ، ويحييكم وتحيوه ؛ ويزيدكم من فضله ورحمته ؛ إنه ذو رحمة واسعة ، وفضل عظيم . فلما سمعها أولياء الله ، وسمعتها معهم ، وثبوا مسارعين إلى ركوبها حباً وشوقاً إلى ربهم ، فتوهم سرعة توثبهم ، وأنت معهم بحسن وجوههم ، ونورها ، وإشراقها سروراً بقرب ربهم ورؤية حبيبهم ، فتوهم هيبتهم حين رفعوا أيمان أرجلهم إلى ركب الياقوت والزمرد والدر ، فتوهم حسن أقدامهم ونعيمها ، إنها أقدام غيرت عن خلقها ، فأكسبت في الحسن بخلاف ما كانت عليه في دار الدنيا ، ثم أكنها الله في جنته من كل آفة فغير خلقتها متخضبة ، لها أحقاب الدهور في كثبان المسك ، ورياض الزعفران .

توهم حسن نورها ، وقد رفعها أولياء الله إلى ركب الياقوت والدر . فتوهمها بحسنها في أحسن ركب نجائب الجنان ، ثم ثنوا من غير عنف ولا مشقة حتى استووا على رحائل من الدر والياقوت مفضضة بالعبقري والأرجوان ؛ فيا حسن بياض الدر في حمرة الأرجوان ! فلما استووا عليها واستويت على نجيبك معهم ، أثاروا نجائبهم فثارت ، فثار عجاج المسك لوثوبها علا ذلك ثيابهم وجمامهم ، ثم استوت النجائب صفاً واحداً معتدلاً فصاروا موكباً معتدلاً لا عوج فيه ، ولا يتقدم بعضها بعضاً ، فأعظم به من موكب ! وأعظم به من ركبان !

فتوهم امتداد صفهم في اعتداله ، واصطفاف وجوههم معتدلة في اصطفافها ، وعلى جباههم الأكاليل ، من فوق رؤوسهم تيجان من الدر والياقوت.

فما ظنك باجتماع وجوه أهل الجنان كلها ، عليهم الأكاليل والتيجان مصطفة متحاذية ؟! فما ظنك بأكثر من ألف ألف ألف ألف ، ، وما تقدر القلوب على إحصاء عدده من تيجان الدر والياقوت مطنطنة على وجوههم نضرة ضاحكة فرحة مستبشرة؟!

فلو توهمت هذا الموكب بنجائبه ، واعتدال ركبانه ، واصطفاف تيجانه على وجوه أولياء الله المشرقة الناعمة من تحته . ثم رهقت نفسك اشتياقاً لكنت لذلك حقيقاً ، ولكنت به حرياً ، إن عقلت ذلك شوقاً من قلبك بإيقان بإنجاز من موعد ربك لذلك لأوليائه . فلما اعتدل الصف ، واصطفت التيجان . تبادروا بينهم :سيروا إلى ربنا .

فتوهم النجائب حين أخذت في السير بأخفاف من الياقوت سيراً واحداً بخط واحد ، لا يتقدم بعضهم بعضاً ، تهتز أجسام أولياء الله عليها من نعيمها ، وأكتافهم متحاذية في سيرهم ،وأخفاف رواحلهم وركبها متحاذية في خببها ، فانطلقوا كذلك تثير رواحلهم المسك بأخفافها ، وتهتز رياض الزعفران بأرجلها . فلما دنوا من أشجار الجنة ، رمت الأشجار إليهم من ثمارها ، فصارت الثمار ، وهم يسيرون ، في أيديهم ، فيا حسن تلك الثمار في أكفهم ! وتزحزحت وتنحت الأشجار عن طريقهم ، لما ألهمها مولاها ، أن لا يتثلم صفهم فيتعرج بعد استوائه ، ويختلف بعد اعتداله ، ويفرق بين ولي الله ورفيقه ، لأنهم رفقاء في الجنان ، لتحابهم في الدنيا في ربهم ، فالرفقاء مشهورون ، كل رفيقين قد شهرا بالمرافقة ، وجعل زيتهما ولباسهما لوناً واحداً ، ولون رواحلهما لوناً واحداً.

فتوهم نفسك ، إذ من عليك ربك ، وأنت لاصق برفيقك منكبك بمنكبه ، وقد دنوتما من أشجار الجنة ، فنفضت ثمرها ، فوقعت الثمار في أيديكما وأيدي أولياء الرحمن ، ثم تنحت بأصولها عن طريقهم ، فهم يسيرون فرحين ، وقد شخصت قلوبهم بالتعلق إلى نظر حبيبهم ، فهم يسيرون بالسرور ، ويلتفت بعضهم إلى بعض يتحادثون ، ويضحك بعضهم إلى بعض ، يتداعبون في سيرهم ، يحمدون ربهم على ما صدقهم ، وعلى ما أباح لهم من جواره.

فبينا هم في سيرهم ، إذ دنوا من عرش ربهم ، وعاينوا أحسن حجبه ونوره ، واستحثوا السير شوقاً وحباً وفرحاً به.

فتوهم نجائبهم تطير في سيرها باعتدال موكبهم ، وإشراق وجوههم ، والملائكة قد أحدقت بالنجائب ، تزفهم زفاً إلى ربهم ، حتى انتهوا إلى فحصة عرش مولاهم ، فتوهم سعة تلك الفحصة ، وحسن نورها ببهجتها وزهرتها ،وقد وضعت الزرابي والنمارق على كثبان المسك ، وعرف كل فتي منهم ما أعد له ، والكراسي لأهل صفوته من عباده ، وأحبائه من خلقه ، لما دنوا إلى ما أعد لهم من المنابر والكراسي والزرابي والنمارق ، فثني رجله الحسنة من الركاب إلى منبر أو كرسي أو زربة ، فتوهم ثنيهم أرجلهم إلى كراسيهم ، حتى استووا عليها ، فتوهم نعيم تلك الأفخاذ ، والأوراك المرتفعة على الكراسي بالدر والياقوت ، فأعظم به من مقعد ! وأعظم بولي الله متربعاً !

فلما أخذ القوم مجالسهم ، واطمأنوا في مقعدهم ، والحجب تسطع نورها ، فيا لذة أعينهم ! وقد أصغوا بمسامعهم منتظرين لاستماع الكلام من حبيبهم ، فتوهمهم في مقعدهم الصدق الذي وعدهم مولاهم ومليكهم في القرب منه على قدر منازلهم ، فهم في القرب منه على قدر مراتبهم ، فالمحبون له أقربهم إليه قرباً ؛ إذ كانوا له في الدنيا أشد حباً ، وأقرب إلى عرشه منهم القائمون بحجته عند خلقه ، ثم الأنبياء عليهم السلام ثم الصديقون على قدر ذلك في القرب من العزيز الرحيم ، فأعظم به من مزور ! وجل وتكبر من مزور !

فتوهم مجلسهم بحسن كرامتهم ، وجمال وجوههم وإشراقها ، لما رهقها نور عرشه عز وجل ، وإشراق حجبه ، فلو صح لك عقلك ، ثم توهمت مجلسهم ، وإشراق كراسيهم ومنابرهم ،وما ينتظرون من رؤية ربهم ، ثم طار روحك شوقاً إليه ، لكنت بذلك حقيقاً.

فما أعظم ذلك عند عاقل عن الله ، مشتاق إلى ربه ورؤيته ، فتوهم ذلك بعقل فارغ لعل نفسك أن تستحي بقطع كل قاطع يقطعك عنه ، وترك كل سبب يشغلك عن التقرب فيه إلى ربك .

فلما استوى بهم المجلس ، واطمأن بهم المقعد ، وضعت لهم الموائد ؛ ليكرم الله عز وجل زواره بالإطعام والتفكيه لهم ، ووضعت الموائد لزوار الله عز وجل وأحبائه من خلقه ، قامت الملائكة على رؤوسهم معظمين لزوار الرحمن ، فوضعت الصحاف من الذهب ، فيها الأطعمة وطرائف الفاكهة ، مما لم يحسنوا أن يتمنوا ، فقدموا أيديهم مسرورين بإكرام ربهم لهم ، لأنه حقاً على كل مزور أن يكرم زائره ، فكيف بالمزور الكريم الواحد الجواد الماجد العظيم .

فتوهم وهم يأكلون فرحين مستبشرين بإكرام مولاهم لهم ، حتى إذا فرغوا من أكلهم ، قال الجليل لملائكته : إسقوهم ، فأتتهم الملائكة ، لا الخدام والولدان ، بأكواب الدر وكؤوس الياقوت ، فيها الخمر والعسل والماء والألبان.

فتوهم تلك الكأسات ، وتلك الأكواب بأيدي ملائكة الرحمن ، فناولوها أولياء الله فشربوها ، فتنازع حسن الشراب في وجوه الزوار ، فلما سقتهم الملائكة ما أمرهم الله به من الأشربة ، قال الجليل : إكسوا أوليائي ، فتوهم الملائكة ، وقد جاءت بالحلل التي لم يلبسوا في الجنة مثلها ، ثم قاموا على رؤوسهم ، فألبسوها أهل كرامة الله ورضوانه ،فتوهم وقد صيروها من فوق رؤوسهم حتى صارت على أقدامهم ، فأشرقت بحسنها وجوههم .

ثم أمر الجليل تبارك وتعالى أن طيبوهم ، فارتفعت السحاب بحسنها ،وشدة ضيائها ونورها ، لحمل ألوان الطيب من المسك ، وجميع طيب الجنان ، ما لم يجدوا مثل رائحته ، فتوهمها تمطر عليهم ، والطيب يتساقط عليهم. مطراً ، حتى على جباههم وثيابهم.

فلما أكلوا وشربوا ، وخلعت الملائكة الخلع ، وطيب مطر السحاب ، شخصت أبصارهم ، وتعلقت قلوبهم ، ثم رفع الحجب ، فبينا هم في ذلك إذ رفعت الحجب ، فبدا لهم ربهم بكماله ، فلما نظروا إليه ، وإلى ما لم يحسنوا أن يتوهموه ، ولا يحسنون ذلك أبداً ، لأنه القديم الذي لا يشبهه شيء من خلقه . فلما نظروا إليه ، ناداهم حبيبهم بالترحيب منهم ، وقال لهم : مرحباً بعبادي ، فلما سمعوا كلام الله بجلالة وحسنه ، غلب على قلوبهم من الفرح و السرور ما لم يجدوا مثله في الدنيا ولا في الجنة ، لأنهم يسمعون كلام من لا يشبه شيئاً من الأشياء .

فتوهمهم ، وقد أطرقوا ، وأصغوا بمسامعهم ، لاستمتاع كلامه ، وقد علا وجوههم نور السرور ؛ لكلام حبيبهم وقرير أعينهم.

فلو توهمت نفسك وقد سمعت قول الله لأوليائه مرحباً بهم ، ثم طار روحك فرحاً به وحباً له ، لكان ذلك منه حقيراً وصغيراً عندما توهمته من نفسك عند استماع كلامه . فحياهم بالسلام ، فردوا عليه : أنت السلام ومنك السلام ، ولك حق الجلال والإكرام . فمرحباً بعبادي ، وزواري ، وخيرتي من خلقي ، الذين رعوا عهدي ، وحفظوا وصيتي ، وخافوني في الغيب ، وقاموا مني على كل حال مشفقين ، قد رأيت الجهد منهم في أبدانهم أثره لرضاي عنهم ، قد رأيت ما صنع بكم أهل زمانكم ، فلم يمنعكم جفاء الناس عن حقي ، تمنوا على ما شئتم..

فلو رأيتهم وقد سمعوا ذلك من حبيبهم ، يذكرهم ما كانوا عليه في دنياهم من رعاية عهده ، وحفظه ، ودوام خوفهم منه ، وقد استطاروا فرحاً لما شكر لهم رعايتهم حقه ، وحفظ منهم خوفهم ، ورحب بهم محبة لهم ، إذ كانوا بذلك إياه في الدنيا يعبدونه ، استطارت قلوبهم فرحاً وسروراً ، إذ لم يفرطوا في طاعته ،ولم يقصروا في مخالفته ، فاغتبطوا لما كانوا به لله في الدنيا يدينون من شدة خوفهم ورعاية حقه وحفظه ، فردوا إليه الجواب ، مع سرور قلوبهم ، بالقسم لعظمته وجلاله ، أنهم قد قصروا عما كان يحق له عليهم إعظاماً له واستكثاراً ؛ إذ أثابهم جنته ، وأكرمهم بزيارته ، وقربه ، واستماع كلامه ، فقالوا عند ذلك : وعزتك وجلالك ، وعظمتك وارتفاع مكانك ، ما قدرناك حق قدرك ، ولا أدينا إليك كل حقك ، فأذن لنا بالسجود ، فقال لهم ربهم : إني قد وضعت عنكم مؤونة العبادة ، وأرحت لكم أبدانكم ، فطالما أتعبتم الأبدان ، وأكنتم لي الوجوه ، فالآن أفضتم إلى كرامتي ورحمتي ، فتمنوا على ما شئتم . وفي بعض الحديث ، أنهم إذ نظروا إليه خروا ، فيناديهم بكلامه تبارك وتعالى : ارفعوا رؤوسكم ، ليس هذا حين عمل ، هذا حين سرور ونظر.

فتوهم بعقلك نور وجوههم ، وما يداخلهم من السرور والفرح ، حين عاينوا مليكهم ، وسمعوا كلام حبيبهم ، وأنيس قلوبهم ، وقرة أعينهم ، ورضا أفئدتهم ، وسكن أنفسهم ، فرفعوا رؤوسهم من سجودهم ، فنظروا إلى من لا يشبه شيء بأبصارهم ، فبلغوا بذلك غاية الكرامة ومنتهى الرضا والرفعة.

فما ظنك بنظرهم إلى العزيز الجليل ، الذي لا يقع عليه الأوهام ، ولا يحيط به الأذهان ، ولا تكيفه الفكر ، ولا تحده الفطن ، الذي لا تأويه الأرحام ، ولم تنقله الأصلاب ، ولا يبدو فيكون مطبوعاً منتقلاً ، الأزلي القديم ، الذي حارت العقول عن إدراكه ، فكلت الألسنة عن تمثيله بصفاته ، فهو المنفرد بذاته عن شبه الذوات ، المتعالى بجلاله على مساواة المخلوقين ، فسبحانه لا شيء يعادله ، ولا شريك يشاركه ولا شيء يريده فيستصعب عليه أو يعجزه إنشاؤه ، استسلم لعظمته الجبارون ، وذل لقضائه الأولون والآخرون ، نفذ في الأشياء علمه ، بما كان وبما لا يكون ، وبما لو كان كيف كان يكون ، فأحاط بالأشياء علماً ، وسمع أصواتها سمعاً ، وأدرك أشخاصها .. ونفذ فيها إرادته ، وأمضي فيها مشيئته ، فهي مدبرة .. وقربها إختراعاً فكانت عن إرادته ، لم يتقدم منها شيء قبل وقته الذي أراد فيه كونه ، ولم يتأخر فيه عن نهيه وكيف يستصعب عليه من لم يكن شيئاً مذكوراً حتى كونه سبحانه الواحد القهار.

لما سر أولياء الله برؤيته ، وأكرمهم بقربه ، ونعم قلوبهم بمناجاته ، واستماع كلامه ، أذن لهم بالانصراف إلى ما أعد لهم من كرامته ونعيمهم ولذاتهم ، فانصرفوا على خيل الدر والياقوت ، على الأسرة فوقها الحجال ، ترف وتطير في رياض الجنان.

فما ظنك بوجوه نظرت إلى الله عز وجل ، وسمعت كلامه ، كيف ضاعف حسنها وجمالها ؟! وزاد ذلك في إشراقها ونورها ، فلم تزل في مسيرتها حتى أشرقت على قصورها ، فلما بدت لخدامها وقهارمتها وولدانها ، بادر كل واحد منهم خدامه وقهارمته وولدانه مستقبلة من أبواب قصورها حتى أحدقوا به يزفونه إلى قصوره وخيامه ، فلما دنا قصره وخيامه ، قامت الحجاب رافعي ستور أبواب قصره معظمين مجلين له ، وبادرت إليه أزواجه ، فلما نظرت زوجته إلى جمال وجهه قد ضوعف في حسنه وإشراقه ونوره ، ازدادت له حباً وعشقاً ، وأشرقت قصوره وقبابه وخيامه وأزواجه من نور وجهه وجماله ، وازدادت أزواجه حسناً وجمالاً ووجاهة وحشمة ، ثم نزلوا عن خيولهم إلى صحون قصورهم ، ثم اطمأنوا على فرشهم ، وعادوا إلى نعيمهم .

واشتاقوا إلى منادمة أنهار الجنة ففرشت لهم نمارق الجنان وزرابيها على كثبان المسك والكافور ، وتقابل الإخوان على السرر والشراب ، فقامت الولدان بالكاسات والأباريق والأكواب ، يغترفون من أنهار الجنة ، أنهارهم الخمر والسلسبيل والتسنيم.

فلما أخذت الولدان واغترفوا ليسقوا أولياء الرحمن ، لم يشعروا إلا بنداء الله عز وجل : يا أوليائي طالما رأيتكم في الدنيا وقد ذبلت شفاهكم ، ويبست حلوقكم من العطش فتعاطوا اليوم الكأس فيما بينكم وعودوا في نعيمكم ( كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الخَالِيَةِ) : [ سورة الحاقة : 24] .

فلا يقدر الخلائق أن يصفوا سرور قلوبهم ، حين سمعوا كلام مولاهم ، يذكر أعمالهم شكراً منه لهم ، وغبطة منه لهم ؛ لما ناداهم إلى معاطاة الكأس للمنادمة بينهم ، بعد معرفتهم في الدنيا … منادمة أهل الدنيا على خمورهم.

فلو رأيت وجوههم ، وقد أشرقت بسرور كلام مولاهم واغتباطه لما ذكرهم أعمالهم الصالحة من صيامهم ، وتركهم منادمة أهل الدنيا لمرضاته ، وما عوضهم من المنادمة في جواره ، وما أيقنوا به من سرورهم بمنادمتهم على الخمر والعسل والألبان ، فأعظم به من مجلس وأعظم به من جمع ! وأعظم بهم من منادمين في جوار الرحمن الرحيم.

فكن إلى ربك مشتاقاً ، وإليه متحبباً ولما حال بينك وبينه قاطعاً وعنه معرضاً ، وابتهل في الطلب إلى الله بفضله وإحسانه ، وأن لا يقطع بك عنهم.

وبالله التوفيق وإليه المصير ، والجنة مثوى المؤمنين ، وثواب المتقين ، وسرور المحزونين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم