شمــوس
2014-02-23, 13:40
حدّثني رجلٌ كبيرٌ قَالَ:
كُنتُ في لَندنَ، فَرَأيْتُ صَفًّا طَوِيلًا مِنَ النّاسِ يَقِفُ الوَاحِدُ مِنْهُمْ وَرَاءَ الآخَرِ، فَسَأَلْتُ فَقَالُوا: يُوجَدُ هُنَا مَرْكَزُ تَوْزِيعٍ، وَإنّ النّاس يَمْشُونَ إليهِ صَفًّا، كُلَّمَا جَاءَ وَاحِدٌ أَخَذَ آخِر الصَفِّ، فَلَا يَكُونُ تَزَاحُمٌ وَلَا تَدَافُعٌ، وَلَا يَتَقَدَّمُ أَحَدٌ دَوْرَهُ، وَلَوْ كَانَ الوَزِيرَ، وَتِلْكَ عَادَتُهُمْ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَعَلَى بَابِ السِّينِمَا، وَأَمَامَ بَائِعِ الجَرِيدَةِ، وَعِنْدَ رُكُوبِ الحَافِلَةِ، أَوْ صُعُودِ القِطَارِ، وَفِي البَرِيدِ أَوْ السُّوقِ ..
ـ وَنَظَرْتُ فَرَأيْتُ فِي الصَفِّ كَلْبًا فِي فَمِهِ سَلَّةٌ، وَهُوَ يَمْشِي مَعَ النَّاسِ خُطْوَةً خُطْوَةً، لَا يُحَاوِلُ أَنْ يَتَعَدَّى دَوْرَهُ أَوْ يَسْبِقَ مَنْ أَمَامَهُ، وَلَا يُحَاوِلُ مَنْ وَرَاءَهُ أَنْ يَسْبقَهُ وَلَا يَجِدُ غَضَاضَةً أنْ يَمْشِي وَرَاءَ كَلْبٍ، مَادَامَ قَدْ سَبِقَهُ الكَلْبُ.
فَقُلْتُ: مَاهَذَا ؟
قَالُوا: كَلْبٌ يُرْسِلُهُ صَاحِبُهُ بِهَذِهِ السَلَّةِ وَفِيهَا الثَّمَنُ وَالبِطَاقَةُ فَيَأْتِيهِ بِمَا يُرِيدُ.
ـ لمَّا سَمِعْتُ هَذِهِ القِصَّةَ خَجِلْتُ مِنْ نَفْسِي أَنْ يَكُونَ الكَلْبُ قَدْ دَخَلَ فِي النِّظَامِ، وَتَعَلَّمَ آدَابَ المُجْتمَعِ، وَنَحنُ لَا نَزَالُ نُبْصِرُ أنَاسًا فِي أَكْمَلِ هَيْئَةٍ، وَأَفْخَمَ زِيٍّ، يُزاحِمُونَكَ لِيَصْعدُوا الحَافِلَةَ قَبْلَكَ، بَعْدَمَا وَضَعْتَ رِجْلَكَ عَلَى دَرَجَتِهَا، أَوْ يَمُدُّونَ أيْدِيَهُم مِنْ فَوْقِ رَأْسِكَ إِلَى شُبَّاكِ البَرِيدِ وَأَنْتَ جِئْتَ قبْلَهُمْ وَأنْتَ صَاحِبُ الدَّوْرِ دُونَهُمْ، أَوْ يَقْفِزُونَ لِيَدْخُلُوا قَبْلَكَ عَلَى الطَّبِيبِ وَأَنْتَ تَنْتَظِرُ مُتَأَلِّمًا مُنْذُ سَاعَتَيْنِ، وَهُمْ إنّمَا وثَبُّوا وَثبًا.
خَجِلْتُ مِنَ النَّاسِ الذِينَ لَمْ يَتَعَلَّمُوا الإِنْتِظَامَ وَقَدْ تَعَلَّمَتْهُ الكَلَابُ ..
[عَلِي الطّنطَاوِي]
كُنتُ في لَندنَ، فَرَأيْتُ صَفًّا طَوِيلًا مِنَ النّاسِ يَقِفُ الوَاحِدُ مِنْهُمْ وَرَاءَ الآخَرِ، فَسَأَلْتُ فَقَالُوا: يُوجَدُ هُنَا مَرْكَزُ تَوْزِيعٍ، وَإنّ النّاس يَمْشُونَ إليهِ صَفًّا، كُلَّمَا جَاءَ وَاحِدٌ أَخَذَ آخِر الصَفِّ، فَلَا يَكُونُ تَزَاحُمٌ وَلَا تَدَافُعٌ، وَلَا يَتَقَدَّمُ أَحَدٌ دَوْرَهُ، وَلَوْ كَانَ الوَزِيرَ، وَتِلْكَ عَادَتُهُمْ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَعَلَى بَابِ السِّينِمَا، وَأَمَامَ بَائِعِ الجَرِيدَةِ، وَعِنْدَ رُكُوبِ الحَافِلَةِ، أَوْ صُعُودِ القِطَارِ، وَفِي البَرِيدِ أَوْ السُّوقِ ..
ـ وَنَظَرْتُ فَرَأيْتُ فِي الصَفِّ كَلْبًا فِي فَمِهِ سَلَّةٌ، وَهُوَ يَمْشِي مَعَ النَّاسِ خُطْوَةً خُطْوَةً، لَا يُحَاوِلُ أَنْ يَتَعَدَّى دَوْرَهُ أَوْ يَسْبِقَ مَنْ أَمَامَهُ، وَلَا يُحَاوِلُ مَنْ وَرَاءَهُ أَنْ يَسْبقَهُ وَلَا يَجِدُ غَضَاضَةً أنْ يَمْشِي وَرَاءَ كَلْبٍ، مَادَامَ قَدْ سَبِقَهُ الكَلْبُ.
فَقُلْتُ: مَاهَذَا ؟
قَالُوا: كَلْبٌ يُرْسِلُهُ صَاحِبُهُ بِهَذِهِ السَلَّةِ وَفِيهَا الثَّمَنُ وَالبِطَاقَةُ فَيَأْتِيهِ بِمَا يُرِيدُ.
ـ لمَّا سَمِعْتُ هَذِهِ القِصَّةَ خَجِلْتُ مِنْ نَفْسِي أَنْ يَكُونَ الكَلْبُ قَدْ دَخَلَ فِي النِّظَامِ، وَتَعَلَّمَ آدَابَ المُجْتمَعِ، وَنَحنُ لَا نَزَالُ نُبْصِرُ أنَاسًا فِي أَكْمَلِ هَيْئَةٍ، وَأَفْخَمَ زِيٍّ، يُزاحِمُونَكَ لِيَصْعدُوا الحَافِلَةَ قَبْلَكَ، بَعْدَمَا وَضَعْتَ رِجْلَكَ عَلَى دَرَجَتِهَا، أَوْ يَمُدُّونَ أيْدِيَهُم مِنْ فَوْقِ رَأْسِكَ إِلَى شُبَّاكِ البَرِيدِ وَأَنْتَ جِئْتَ قبْلَهُمْ وَأنْتَ صَاحِبُ الدَّوْرِ دُونَهُمْ، أَوْ يَقْفِزُونَ لِيَدْخُلُوا قَبْلَكَ عَلَى الطَّبِيبِ وَأَنْتَ تَنْتَظِرُ مُتَأَلِّمًا مُنْذُ سَاعَتَيْنِ، وَهُمْ إنّمَا وثَبُّوا وَثبًا.
خَجِلْتُ مِنَ النَّاسِ الذِينَ لَمْ يَتَعَلَّمُوا الإِنْتِظَامَ وَقَدْ تَعَلَّمَتْهُ الكَلَابُ ..
[عَلِي الطّنطَاوِي]