مشاهدة النسخة كاملة : ما هي السعادة
نهى اسطاوالي
2014-01-26, 12:36
ما هي السعادة
هي الفرح والغبطة والسرور، ولا ينالها إلا من أطاع الله واتبع رضاه وقنعت نفسه بما قسم الله، ورضي بالقليل واستعد ليوم الرحيل وفعل ما أمره الله به وترك ما نهاه عنه، كما قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل: 97].
فالحياة الطيبة هي الحياة السعيدة، وإن كان صاحبها فقيرًا معدومًا لا يملك من حطام الدنيا شيئًا ولم يتول من مناصبها شيئا، ولله در القائل:
ولست أرى السعادة جمع مال 000 ولكن التقي هو السعيد
وتقوى الله خير الزاد ذخرًا 000 وعند الله للأتقى مزيدٌ
وفقني الله وإياك إلى طريق السعادة وجعلنا من السعداء في الدنيا والآخرة.
نهى اسطاوالي
2014-01-26, 12:39
من قصص السعداء
هذه القصة التي سنوردها لصحابي جليل اسمه «جليبيب»، في نظر كثير من الناس أنه لا يملك من مقومات السعادة شيئا؛ إذ أنهم يظنون أن السعادة في المال أو المنصب أو الحسب والنسب، أما جليبيب فكان فقير الحال غنيًا بالإيمان ورفع الله نسبه بالإسلام وشرفه الله بالدخول في هذا الدين فإليك قصته:
قال الإمام أحمد: حدثنا عفان حدثنا حماد عن ثابت عن كنانة عن أبي برزة الأسلمي، قال: إن جليبيب كان امرءًا يدخل على النساء يمازحهن ويلاعبهن، فقلت لامرأتي: لا تدخلن عليكن جليبيب؛ فإنه إن دخل عليكن لأفعلن وأفعلن. قالت: كانت الأنصار إذا كان لأحدهم أَيم لم يزوجها حتى يعلم هل للنبي فيها حاجة أم لا، فقال النبي لرجل من الأنصار: «زوجني ابنتك». قال: نعم وكرامة يا رسول الله ونعمة عين، فقال : «إني لست أريدها لنفسي». قال: فلمن؟ قال : لجليبيب. فقال: يا رسول الله، أشاور أمها. فأتى أمها فقال: رسول الله يخطب ابنتك. فقالت: نعم، ونعمة عين. فقال: إنه ليس يخطبها لنفسه؛ إنما يخطبها لجليبيب. فقالت: أجليبيب ابنه؟ أجليبيب ابنه؟ ألا لعمر الله لا نزوجه. فلما أراد أن يقوم ليأتي رسول الله فيخبره بما قالت أمها قالت الجارية: من خطبني إليكم؟ فأخبرتها أمها؛ قالت: أتردون على رسول الله أمره؟ ادفعوني إليه؛ فإنه لن يضيعني. فانطلق أبوها إلى رسول الله فقال: شأنك بها. فزوجها جليبيبا. قال: فخرج رسول الله في غزوة له، فلما أفاء الله عليه قال لأصحابه رضي الله عنهم: هل تفقدون من أحد؟ قالوا: نفقد فلانًا ونفقد فلانًا. قال : «انظروا هل تفقدون من أحد». قالوا: لا. قال : لكنني أفقد جليبيبا. قال : «فاطلبوه في القتلى». فطلبوه فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه، فقالوا: يا رسول الله، ها هو ذا قد قتلهم ثم قتلوه، فأتاه رسول الله فقام عليه فقال: «قتل سبعة وقتلوه، هذا مني وأنا منه». مرتين أو ثلاث، ثم وضعه رسول الله على ساعديه وحفر له، ماله سريرٌ إلا ساعد النبي ، ثم وضعه في قبره ( ). فانظر يا أخي في الله كيف أن هذا الصحابي باع دنياه واشترى آخرته وقدم نفسه قربانًا إلى الله؛ لأنه يعلم أن السعادة في طاعة الله، وانظر إلى قول النبي : «هو مني وأنا منه»؛ أي على هديي وسنتي وطريقتي، وهذا إيماءٌ من النبي أن جليبيبا قتل شهيدًا، وهو بإذن الله من أهل الجنة؛ فهذه السعادة الحقيقية.
نهى اسطاوالي
2014-01-26, 12:42
القصة الثانية
لصحابي جليل وهو ابن عم رسول الله وهو حبر هذه الأمة وترجمان القرآن، كان عالمًا عاملاً، أوصاه النبي بوصية قال له فيها: «يا غلام، إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف» ( ). وفعلاً حفظ ابن عباس هذه الوصية فحفظه الله بها، فإليك قصته :
فعن سعيد بين جبير( ) رضي الله عنه قال: مات ابن عباس بالطائف فجاءه طائر لم ير على خلقته، فدخل نعشه، ثم لم ير خارجًا منه، فلما دفن تليت هذه الآية على شفير القبر لا يُدري من تلاها: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي [الفجر: 27-30]. فانظر يا أخي المسلم إلى هذا الصحابي الجليل الذي كان حافظًا لكتاب الله وعاملاً به كيف أسعده الله وأحسن خاتمته بأن يتلى القرآن على قبره بعد موته.
نهى اسطاوالي
2014-01-26, 12:51
القصة الثالثة
قصة عمر بن عبد العزيز
إليك يا أخي الكريم قصة هذا الخليفة الزاهد الذي قدم أمر آخرته على دنياه؛ كان كثير المراقبة لله سبحانه وتعالى فما غره جاهه ولا سلطانه؛ لأنه كان عالمًا عاملاً وكان كثيرًا ما يدعو ربه أن يخفي موته عن الناس فإليك قصته.
عن المغيرة بن حكيم قال: حدثتني فاطمة امرأة عمر قالت: كنت أسمع عمر كثيرًا ما يقول: اللهم أخف عليهم موتي ولو ساعة. فقلت له يومًا: لو خرجت عنك فقد سهرت يا أمير المؤمنين؛ لعلك تغفو. فخرجت إلى جانب البيت الذي كان فيه فسمعته يقول: تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص: 83]. ففاضت روحه وهو يردد هذه الآية.
القصة الرابعة
قصة شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية:
كان شيخ الإسلام رحمه الله عالمًا مجاهدًا في سبيل الله بلسانه وبقلمه وسيفه داعيًا إلى السنة ومحاربًا للبدعة، لا يخاف في الله لومة لائم، فعندما صدع بالحق حسده كثيرٌ من علماء زمانه فوشوه على الخليفة ورموه بالابتداع، فسجن أكثر من مرة وأوقف عن التدريس، ولكن هذه لم تفت في عضده أو تبعده عن الدعوة وفي آخر مرة وشوه إلى الخليفة فسجن في سجن القلعة في سجن انفرادي ومنع من التأليف وسحبت منه الأقلام والمحابر فقال رحمه الله: ما يفعل أعدائي بي، أنا حديقتي وبستاني في صدري، أنى ذهبت فهي معي؛ فإن قتلوني فقتلي شهادة وإن شردوني فتشريدي سياحة وإن سجنوني فسجني خلوة، فسدَّ شيخ الإسلام بهذه الكلمات على أعدائه جميع المنافذ التي يريد أعداؤه أن ينتقموا منه عن طريقها؛ فبعد سحب الأقلام والمحابر بدأ شيخ الإسلام رحمه الله بتلاوة كتاب الله حتى ختمه ثمانين مرة، فعندما شرع في الواحد والثمانين وأتى عند قوله تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر: 54-55]. فتوفاه الله عند هذه الآية، ثم شرعوا في غسل الشيخ رحمه الله فما فرغوا منه حتى امتلأت القلعة وضج الناس بالبكاء والثناء والدعاء والترحم، ودخلوا بالجنازة إلى الجامع الأموي والخلائق فيه بين يدي الجنازة وخلفها وعن يمينها وشمالها ما لا يحصي عدتهم إلا الله سبحانه وتعالى، فصرخ صارخ وصاح صائحٌ، هكذا تكون جنائز أئمة السنة، فصلى عليه خلق كثير لا يحصيهم إلا الله حتى إن الحوانيت أغلقت في ذلك اليوم. كل ذلك دلالة على حب شيخ الإسلام وعلامة من علامات حسن الخاتمة بإذن الله ( ).
vBulletin® v3.8.10 Release Candidate 2, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir