تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : - شهادةُ مُعلّم بسيط، في شاعرٍ بحرٍ بل مُحيط .


كاتب المقامات
2014-01-15, 20:10
- شهادةُ مُعلّم بسيط، في شاعرٍ بحرٍ بل مُحيط .
بشير بوكثير
إهداء: إلى ملك الشعراء " محمد جربوعة" أدْلي بهذه الشهادة، " ومن يكتمها فإنّه آثم قلبه".
خلال متابعتي لما ينشره ملك الشعراء " محمد جربوعة" منذ سنوات ، اقتنعتُ أنّه أكثرُ شعراء العالم العربيّ إنتاجا، وأصدقُهم فيه منهاجا، وأبلغُهم فصاحة وحِجاجا، وأنقاهُم لسانا وأصفاهُم سراجا، وأرقاهم ذوقا ومزاجا، بل أحسنهم تصويرا فنّيا واستقصاء، وأشجعهم نفسا و ألسنهم حِدّةً ومَضاء، وأقلّهم تكلّفا وعناء، وأعلاهم فيه راية ولواء، وأوضأهم معدنا وصفاء.
إنّك أخي القارىء الفايسْبوكي لَتجِد في أشعاره التي ينثرها مثل الزَّهْر -يوميا- حِكمةَ المتنبّي ، وعِفّة كعب ، ورقّة البحتري، وفِقْه الزمخشري ، وعذوبةَ ابن الذّريح، كما تتلمّس فيها شهامةَ وجَلَد الشنفرى، ومروءة وبأسَ عنترة.
فعندما أكحّلُ مُقلتيَّ برائعةٍ من روائعه فكأنّي أستنشي (أشمّ) بُردة المصطفى عليه الصّلاة والسلام، ومِسْك صحبه الكرام، و عبَق الصّالحين العارفين ممّن هجروا اللّذّة و طيبَ المنام، كما أستنشي عطرَ ليلى ودَعْد ، ولبنى وهند، في عهود الصَّبابة ومواويل الجَوى والهوى والغرام.
وكلّما حاولتُ التحسُّسَ والتجسّسَ لعلّي أجد في شعره ثلما أوخرما ، إلاّ وعدتُ القهقرى خائبا أجرّ أذيال الخيبة والعار، تارة بين قبائل غطفان ونِزار، وطورا بين مرابع عين آزال ومفاوز تمنراست وبشّار، وفي آخر المشوار أسلّم أمري للواحد القهّار، وأعترف في السّرّ وفي الجهر، بالليل وبالنهار، أنّه فارسُ القريض المغوار،الذي لايُشقّ له في ساحاته قَتام وغبار !
وفي اعتقادي أنّ " ابن سلاّم الجمحي" لو عاش في زمننا هذا ، لجعلَه في الطبقة الأولى من الشّعراء، دون مبالغة أو إطراء، لأنّه الشاعرُ الوحيد، والناثر الفريد، والبلبل الغرّيد، الذي يصدح دوما بالجديد ، عكس َ بعض مخانيث الشعر الذين نُكِبتْ بهم الجزائر، وابتليتْ بهم المنابر، فقد سادَ في زمننا كلّ شويعر، وحاز المناصب كلّ عَييٍّ مُتقعّر.
ربما يعتبرني البعض مُغاليا إذا قلتُ إنّي لمُشفق على الشعراء شفقَتي على النّقّاد ، ممّن يحاولون عبثا سَبْر أغوار شِعره، واستخراج لآلئه ودُرره وتذوّقِ سِحره، لأنّ حالهم كمن يحاول لمسَ القمر وهو ملتصق بالتراب.
وفي اعتقادي أنّ الناقد الوحيد الذي يجوز له شرعا وأدبا الاقتراب من شعر " محمد جربوعة" بالنقد والتحليل لايمكن أن يكون سوى أحدِ الطّوديْن الشامخيْن، والهرَميْن الرّاسخيْن: الدكتور الموسوعي محمود محمد شاكر، أوالشيخ محمد البشير الإبراهيمي طيّب الله تعالى ثراهما. أمّا غيرهما فلا أرى أنّه يملك الأهلية العلمية والأدبيّة ليخوض في نقد شعر يتجاوز حدود العقل البشري العادي الحالي، حتى لو كان الدّكتور عبد المالك مرتاض بعينه وفمه، وبلحمه وشحمه.
والشيء الذي جعلني أصدِر مثل هذا الحكم هو معرفتي المتواضعة بأسرار البيان العربي، وتذوّقي للشعرالجزل الجيّد ، والتمييز بيُسْر بين غثّه وسمينه، وأصيله وهَجينِه، فقد وجدتُ أنّ ما ينْظمه محمد جربوعة يفوق مواصفات الشعر العادي الذي نسمعه ونقرؤه يوميا، لأنّه الشاعر الوحيد في رأيي الذي جعلَ لشعره طعما ولونا وشذا ورائحة تُميّزه عن غيره ، كما أنّه يدخل البيوت المحافظة من أبوابها لا كما يدخل اللصّ المتنكّر، فلا غرو أنْ يزدادَ مع مرور الأيام والسنوات نصاعة وبهاء، وسَنا وسناءً، ونقاء وصفاء، ورَيّاً ونماء، على الرّغم من الإسهال الشعري المتدفّق الذي يعانيه شاعرنا- وهي حالة صِحيّة بلا ريب-، فكلّ قصيدة جديدة تُنسيكَ في أختها التليدة. لذا فهو حقيق بكلّ افتخار، ومن حقّه أنْ يصدح مثلما صدحَ جدّه أبو الطيب المتنبي المغوار:
ودعْ كلّ صوتٍ غيرَ صوتي فإنّني * أنا الطائرُ المَحْكيُّ والآخرُ الصّدى.
فلْيعذرني الشعراء والنّقّاد - ولستُ بشاعرٍ ولا بناقد- على جرأتي وجسارتي وربما وقاحتي في إصدار حكم كهذا، لكنّها كلمة حقّ رسَبتْ بين خلجات نفسي حينا من الدّهر، وهذا أوانُ طفْوها إلى السّطح، وعُذري في ذلك انتشائي بما تخطّه يمينُ شاعرنا،وما تنتجه قريحته المبدعة يوميا ، فتتحرّك لهما جميع حواسي للإنصات لعَزْفه الفريد إنصاتَ مَن طَبّ لمن حَبّ.
في الأخير لم يبقَ للساني الكليل العليل سوى الاعتراف للمرّة المليون بعبقرية شاعرٍ لن تنجبَ الجزائرُ بل العربُ قاطبة شاعرا في مثل عبقريته ونبوغه.
الثلاثاء : 12 ربيع الأول 1435هـ/ 14 جانفي 2014م.