علي النموشي
2009-06-23, 22:56
المقامة القرضية
حدثنا عباس النموشي قال : شكى لي أحد العوام في يوم من الأيام ، ضيقه من عيش الحضر ، و ما فيه من خطر ، و هـمّ و وزر ،على كل بشر ، و أبلغني أنه قرر الرحيل إلى القفر و شظف البدو ، حيث يمكن الجري العدْو ، لأن الوالي أطلق مزايا البناء من دون كد و لا عناء ، وجعل البدوي و الحضري سواء ، و أجزل للأعرابي و للمدني العطاء ، وأوضح أن كل الناس على قدم و ساق ، و هـُم للبناء الريفي مـُحنّ و مشتاق لذا مـَدوا الأعناق ، و حلموا ببلوغ بلاد العراق ، و أساطير عناق ، بل حتى الوصول إلى بلاد الواق الواق ، فلازمت ديوان المير ، و أتعبت قدمي من المسير ، و مـُنيتي أن لا ألقى نفس المصير ، كما جرى من قبل للكبير و للصغير ، وحتى الضرير و البصير و صرت أتبع مكان الأوراق ، كمن يوزع على الخلق الأرزاق ، فأمسيت كفضلة الأسواق من حر الشمس و غبار الطرقات ، حتى رأيتها في المنام كشـرّ الأبواق ، و بانت لي في اليقظة خير الأشواق كاملة النطاق ، بأن سيغدو لي في البدو وكرا كالبيت ، و أرتاح من نكد الخبز و الزيت ، و أربي الأنعام ، و يصفى لي خاطر الإلهام ، لأنّ أرضي من الغير مستغلة ، و لم أجني منها لا خيرا و لا غلة ، و التصقت بها تلك العلة ، و هي بور ، من وقت عمي قــدّور ، و غزتها الأحجار و الصخور ، فحولتـْها إلى أوحش من الأجداث و القبور ، و كم من مرة أحرقت فيها البخور ، و ذبحت لها شتى النذور ، و رششت أديمها بطيب العطور ، و رميت فيها خير البذور ، و رسمت فيها بالمحراث كل النيـَر و السطور ، و أصبحت فيها أمشي و أدور ، لكن دار عليها الدور ، و سكنتها الغربان و الصقور ، فانتابتني كل الشرور ، فكدت أتحول إلى شيطان غرور ، بعدما كنت وقورا و تبدلت وهـِنـًا بعدما كنت صبورا ، فقررت بيعها ، و أطلقت المزاد أنتظر خبر نعيها لكن لم يزرني أي فلاح ، لأنها صعبة الإستصلاح ، و لا تصلح حتى للعواء أو النباح ، فرجعت إلى أهلي في طلاح ، و صرت معهم أسعى ، بين التنور و القصعة ، و ابيض شعري و صارت له نصعة ، و بـتّ أعـدّ الشيب من الواحد إلى التسعة ، و كان ذلك حالي لأني أهدرت كل مالي ، فلا فرق بين يومي و ليلي ، و لا بين أحمرتي و خيلي ، يومي عصيب و ليس لي في أي شيء نصيب ، حتى إني وُصفت بالغريب العجيب ، و بان لي موتي قريب ، فهجوت حالي بشعر مـُـرّ ، فيه كيف أكر و أفر ، و بين الخير و الشر :
طـال همي مع شعري ***** فكثــر بــولـي و بعري
حتـى صــرت لا أدري ***** أأمشــي أنــا أم أجري
و ضـاق بذلك صدري ***** و سرت حافيا لا أدري
أيا نــاس أهـذا قدري ***** أجلمودي أنـا أم جدري
و إن رجوعي لتلك الأرض ، ليس الدفاع عن العرض ، بل طمعا في قيمة القرض ، الذي زاد مرضي ، بل صار يعادل الفرض ، و ليس فيه ربح و لا غرض ، ولقد إهتديت إلى أحد المعارف يسكن تلك المشارف ، فراودني و هـوّن لي من المخاوف ، حتى لنت ، وقال لي إني هنا شبت ، و أنت أما آن أوانك أن ترجع إلى مكانك ، ريف قساس ، و تكمل بناء الأساس ، خير لك من موظف و عامل و عساس ، الذين تجري خلفهم ، و أقسمت أن تصير من حلهم ، و ما نلت منهم حاجة ، لا بيضة و لا دجاجة . و من يومها صرت أجـدّ و أكد ، و للبناء الريفي مستعد ، بعد إدخاري لبعض المال ، و ارتميت في حضن البخل كي أوفر للبناء الدخل ، و ها أنا أبحث عن صوار ، لآخذه لذلك الدوار ، ليصور لي مكان الدار .
حدثنا عباس النموشي قال : شكى لي أحد العوام في يوم من الأيام ، ضيقه من عيش الحضر ، و ما فيه من خطر ، و هـمّ و وزر ،على كل بشر ، و أبلغني أنه قرر الرحيل إلى القفر و شظف البدو ، حيث يمكن الجري العدْو ، لأن الوالي أطلق مزايا البناء من دون كد و لا عناء ، وجعل البدوي و الحضري سواء ، و أجزل للأعرابي و للمدني العطاء ، وأوضح أن كل الناس على قدم و ساق ، و هـُم للبناء الريفي مـُحنّ و مشتاق لذا مـَدوا الأعناق ، و حلموا ببلوغ بلاد العراق ، و أساطير عناق ، بل حتى الوصول إلى بلاد الواق الواق ، فلازمت ديوان المير ، و أتعبت قدمي من المسير ، و مـُنيتي أن لا ألقى نفس المصير ، كما جرى من قبل للكبير و للصغير ، وحتى الضرير و البصير و صرت أتبع مكان الأوراق ، كمن يوزع على الخلق الأرزاق ، فأمسيت كفضلة الأسواق من حر الشمس و غبار الطرقات ، حتى رأيتها في المنام كشـرّ الأبواق ، و بانت لي في اليقظة خير الأشواق كاملة النطاق ، بأن سيغدو لي في البدو وكرا كالبيت ، و أرتاح من نكد الخبز و الزيت ، و أربي الأنعام ، و يصفى لي خاطر الإلهام ، لأنّ أرضي من الغير مستغلة ، و لم أجني منها لا خيرا و لا غلة ، و التصقت بها تلك العلة ، و هي بور ، من وقت عمي قــدّور ، و غزتها الأحجار و الصخور ، فحولتـْها إلى أوحش من الأجداث و القبور ، و كم من مرة أحرقت فيها البخور ، و ذبحت لها شتى النذور ، و رششت أديمها بطيب العطور ، و رميت فيها خير البذور ، و رسمت فيها بالمحراث كل النيـَر و السطور ، و أصبحت فيها أمشي و أدور ، لكن دار عليها الدور ، و سكنتها الغربان و الصقور ، فانتابتني كل الشرور ، فكدت أتحول إلى شيطان غرور ، بعدما كنت وقورا و تبدلت وهـِنـًا بعدما كنت صبورا ، فقررت بيعها ، و أطلقت المزاد أنتظر خبر نعيها لكن لم يزرني أي فلاح ، لأنها صعبة الإستصلاح ، و لا تصلح حتى للعواء أو النباح ، فرجعت إلى أهلي في طلاح ، و صرت معهم أسعى ، بين التنور و القصعة ، و ابيض شعري و صارت له نصعة ، و بـتّ أعـدّ الشيب من الواحد إلى التسعة ، و كان ذلك حالي لأني أهدرت كل مالي ، فلا فرق بين يومي و ليلي ، و لا بين أحمرتي و خيلي ، يومي عصيب و ليس لي في أي شيء نصيب ، حتى إني وُصفت بالغريب العجيب ، و بان لي موتي قريب ، فهجوت حالي بشعر مـُـرّ ، فيه كيف أكر و أفر ، و بين الخير و الشر :
طـال همي مع شعري ***** فكثــر بــولـي و بعري
حتـى صــرت لا أدري ***** أأمشــي أنــا أم أجري
و ضـاق بذلك صدري ***** و سرت حافيا لا أدري
أيا نــاس أهـذا قدري ***** أجلمودي أنـا أم جدري
و إن رجوعي لتلك الأرض ، ليس الدفاع عن العرض ، بل طمعا في قيمة القرض ، الذي زاد مرضي ، بل صار يعادل الفرض ، و ليس فيه ربح و لا غرض ، ولقد إهتديت إلى أحد المعارف يسكن تلك المشارف ، فراودني و هـوّن لي من المخاوف ، حتى لنت ، وقال لي إني هنا شبت ، و أنت أما آن أوانك أن ترجع إلى مكانك ، ريف قساس ، و تكمل بناء الأساس ، خير لك من موظف و عامل و عساس ، الذين تجري خلفهم ، و أقسمت أن تصير من حلهم ، و ما نلت منهم حاجة ، لا بيضة و لا دجاجة . و من يومها صرت أجـدّ و أكد ، و للبناء الريفي مستعد ، بعد إدخاري لبعض المال ، و ارتميت في حضن البخل كي أوفر للبناء الدخل ، و ها أنا أبحث عن صوار ، لآخذه لذلك الدوار ، ليصور لي مكان الدار .