المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الماتريدية: ما لها وما عليها


أبو هاجر القحطاني
2013-11-20, 20:11
الماتريدية: ما لها وما عليها

شهد عصر الخليفة العباسي المأمون انتشار كبيرا للفلسفة اليونانية في الأوساط الإسلامية, وازدهرت حركة الترجمة في عهده بشكل لافت, وظهر على السطح ما عرف (بعلم الكلام), الذي جر على الأمة الإسلامية ويلات الاختلاف والتفرق في أعظم وأخطر أمر في الدين الإسلامي, ألا وهو العقيدة الإسلامية.

فظهرت المعتزلة والجهمية والخوارج والروافض, وهي فرق ومذاهب بعيدة كل البعد عن جوهر الإسلام وحقيقته, بينما ظهرت الأشاعرة والماتريدية التي تعتبر أكثر قربا لأهل السنة والجماعة, وإن كانت قد تأثرت بالفلسفة اليونانية, وخلطت بعض أفكارها بالعقيدة الإسلامية, وابتعدت بذلك عن المنهج القرآني النبوي الصافي, الأمر الذي كان له الأثر البالغ في إضعاف وحدة الأمة الإسلامية وتماسكها في مواجهة أعدائها.

ولعل من أبرز وأهم تلك الفرق الإسلامية الماتريدية, نظرا لانتشارها في مشارق الأرض ومغاربها, والجهود التي لا تنكر لهم في الرد على الفرق الباطلة كالجهمية والخوارج والروافض والمعتزلة, وانتسابهم لأئمة الفقه الإسلامي الأربعة المعروفة, من خلال اعتمدهم المذهب الحنفي, فمن هم الماتريدية؟؟!! وما هي أهم أفكارهم ومعتقداتهم؟؟!!

التعريف: فرقة كلامية، تُنسب إلى أبي منصور الماتريدي، قامت على استخدام البراهين والدلائل العقلية والكلامية في محاججة خصومها، من المعتزلة والجهمية وغيرهم، لإثبات حقائق الدين والعقيدة الإسلامية.

التأسيس وأبرز الشخصيات

مرت الماتريدية بأربعة مراحل رئيسية, تعتبر تطورا للأدوار التي مرت بها, وتاريخا إجماليا لفكرها وانتشارها, وتعبيرا عن نشاطها البالغ المتواصل لنشر العقيدة الماتريدية الكلامية, ومن الملاحظ أنها لم تعرف باسم الماتريدية إلا بعد وفاة مؤسسها, كما لم تعرف الأشعرية بهذا الاسم إلا بعد وفاة أبي الحسن الأشعري, وهذه المراحل هي:

1- مرحلة التأسيس (333هجري) والتي اتسمت بشدة المناظرات مع المعتزلة, وصاحب هذه المرحلة محمد بن محمد بن محمود الماتريدي السمرقندي، نسبة إلى (ماتريد), وهي محلة قرب سمرقند فيما وراء النهر، ولد بها ولا يعرف على وجه اليقين تاريخ مولده، بل لم يذكر من ترجم له كثيراً عن حياته، أو كيف نشأ وتعلم، أو بمن تأثر, ولم يذكروا من شيوخه إلا العدد القليل مثل: نصير بن يحيى البلخي، وتلقى عنه علوم الفقه الحنفي وعلوم الكلام.

قال عنه الشيخ أبو الحسن الندوي في كتابه رجال الفكر والدعوة: جهبذ من جهابذة الفكر الإنساني، امتاز بالذكاء والنبوغ وحذق الفنون العلمية المختلفة.

عاصر أبا الحسن الأشعري، وعاش الملحمة بين أهل الحديث وأهل الكلام من المعتزلة وغيرهم، فكانت له جولاته ضد المعتزلة وغيرهم، ولكن بمنهاج غير منهاج الأشعري، وإن التقيا في كثير من النتائج غير أن المصادر التاريخية لا تثبت لهما لقاء أو مراسلات بينهما، أو إطلاع على كتب بعضها.

توفي عام 333هـ ودفن بسمرقند، وله مؤلفات كثيرة في أصول الفقه والتفسير. ومن أشهرها: تأويلات أهل السنة أو تأويلات القرآن: وفيه تناول نصوص القرآن الكريم، ولا سيما آيات الصفات, ومن أشهر كتبه في علم الكلام كتاب التوحيد وفيه قرر نظرياته الكلامية، وبيَّن معتقده في أهم المسائل الاعتقادية, كما أن له كتبا في الرد على الروافض والمعتزلة والقرامطة.

2- مرحلة التكوين (333ـ500هـ ): وهي مرحلة تلامذة الماتريدي ومن تأثر به من بعده، وفيه أصبحت فرقة كلامية, ظهرت أولاً في سمرقند، وعملت على نشر أفكار شيخهم وإمامهم، ودافعوا عنها، وصنفوا التصانيف متبعين مذهب الإمام أبي حنيفة في الفروع (الأحكام)، فراجت العقيدة الماتريدية في تلك البلاد أكثر من غيرها.

ومن أشهر أصحاب هذه المرحلة: أبو القاسم إسحاق بن محمد بن إسماعيل الحكيم السمرقندي (342هـ) وعبد الكريم بن عيسى البزدوي (390).

3- مرحلة التأليف والتأصيل للعقيدة الماتريدية (500ـ700هـ): وامتازت بكثرة التأليف وجمع الأدلة للعقيدة الماتريدية؛ ولذا فهي أكبر الأدوار السابقة في تأسيس العقيدة، ومن أهم أعيان هذه المرحلة: ميمون بن محمد النسفي, من أشهر علماء الماتريدية, وهو بين الماتريدية كالباقلاني والغزالي بين الأشاعرة, كما قال الدكتور فتح الله خليف, ومن أهم مؤلفاته: تبصرة الأدلة الذي يعتبر المرجع الأهم في معرفة عقيدة الماتريدية.
4- مرحلة التوسع والانتشار (700 – 1300هجرية) : وتعد من أهم مراحل الماتريدية, حيث بلغت أوجَ توسعها وانتشارها في هذه المرحلة؛ وما ذلك إلا لمناصرة سلاطين الدولة العثمانية، فكان سلطان الماتريدية يتسع حسب اتساع سلطان الدولة العثمانية، فانتشرت في شرق الأرض وغربها، وبلاد العرب والعجم والهند والترك وفارس والروم.

ومن أشهر رجال هذه المرحلة الكمال بن الهمام صاحب المسايرة في العقائد المنجية في الآخرة, كما أن هناك مدارس في شبه القارة الهندية ما زالت تتبنى الدعوة الماتريدية, كمدرسة ديوبند والندوية, ومدرسة البريلوي والكوثري وغيرها.

أهم الأفكار والمعتقدات:

هناك بعض الأفكار والمعتقدات عند الماتريدية تخالف ما عليه مذهب أهل السنة والجماعة, ومن أبرز هذه العقائد والأفكار:

1- قسّم الماتريدية أصول الدين حسب التلقي إلى:
· الإلهيات (العقليات): وهي ما يستقل العقل بإثباتها والنقل تابع له، وتشمل أبواب التوحيد والصفات.
· الشرعيات (السمعيات): وهي الأمور التي يجزم العقل بإمكانها ثبوتا ونفيا، ولا طريق للعقل إليها مثل: النبوات و عذاب القبر وأمور الآخرة، علما بأن بعضهم جعل النبوات من قبيل العقليات.

ولا يخفي ما في هذا من مخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة, حيث أن القرآن والسنة وإجماع الصحابة, هي مصادر التلقي عندهم، فضلاُ عن مخالفتهم في بدعة تقسيم أصول الدين إلى: عقليات وسمعيات، والتي قامت على فكرة باطلة أصّلها الفلاسفة من: أن نصوص الدين متعارضة مع العقل، فعملوا على التوسط بين العقل والنقل، مما اضطرهم إلى إقحام العقل في غير مجالات بحثه؛ فخرجوا بأحكام تصطدم مع الشرع ألجأتهم إلى التأويل والتفويض، بينما لا منافاة عند أهل السنة والجماعة بين العقل والسليم الصريح والنقل الصحيح.

2- موقفهم من الأدلة النقلية في مسائل الإلهيات (العقليات), حيث قسموا نصوص القرآن والسنة المتواترة إلى قطعي الدلالة وظني, فما كان قطعيا خاليا من التعارض مع عقولهم فإنهم يحتجون به في مسائل العقيدة, وما كان ظني الدلالة مخالفا لعقولهم فإنه لا يفيد اليقين, بل يصار إلى التأويل بما يوافق العقل, أو تفويض معانيها لله تعالى, مع الاضطراب في الترجيح بين التأويل والتفويض.

أما حديث الآحاد فهو يفيد الظن بطبيعة الحال عندهم, فلا يحتج به في العقائد, وإنما مجاله الأحكام الشرعية إن واقفت العقل أو التأويل, وإلا ردت تلك الأحاديث, وهو مخالف لما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وأصحابه.

3- وجوب معرفة الله تعالى بالعقل قبل ورود السمع: واعتبروا ذلك أول واجب على المكلف, ولا يعذر بتركه ويعاقب عليه ولو قبل بعثة الأنبياء, وهو قول ظاهر المخالفة للقرآن والسنة, قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} الإسراء/15
4- التحسين والتقبيح العقليين: حيث قالوا بإدراك العقل حسن الأشياء وقبحها دون ورود الشرع, بينما مذهب أهل السنة والجماعة على أن الحسن والقبح لا يدرك إلا بالشرع.
5- قولهم أن المجاز واقع في اللغة والقرآن والحديث: ويقصدون بالمجاز اللفظ المستعمل في غير ما وضع له, وهو قسيم الحقيقة عندهم, ويعتمدون عليه في تأويل النصوص دفعا –في ظنهم– لشبه التجسيم والتشبيه, وهو أمر مبتدع ليس له أصل في اللغة أو الشرع.
6- أثبتت الماتريدية ثمان صفات لله تعالى فقط, وأنكرت الصفات التي دل عليها القرآن والسنة (الصفات الخبرية) من صفات ذاتية أو فعلية, لأنها –بزعمهم– لا تدخل في نطاق العقل, بينما أثبت أهل السنة والجماعة كل الصفات واعتبرتها توقيفية, فيؤمنون بإثبات بلا تشبيه وتنزيه بلا تعطيل مع تفويض الكيفية لله تعالى.
7- قولهم بأن القرآن ليس بكلام الله تعالى على الحقيقة, وإنما هو كلام الله النفسي, وهو قول مبتدع مخالف لما عليه القرآن والسنة وسلف الأمة.
8- قولهم بأن التصديق بالقلب فقط وأضاف بعضهم اللسان, ومنعوا زيادته ونقصانه, بينما الإيمان عند أهل السنة والجماعة اعتقاد بالجنان وإقرار باللسان وعمل ابأركان, يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان.

كما أن هناك بعض الأفكار والمعتقدات الموافقة لأهل السنة والجماعة ومنها على سبيل المثال:

1- أثبتوا لله تعالى أسماءه الحسنى, وقالوا: لا يسمى الله تعالى إلا بما سمى نفسه وجاء به الشرع, مع مخالفتهم بإدخال بعض الأسماء في أسمائه تعالى: كالصانع والقديم.
2- وافقوا أهل السنة والجماعة في الإيمان بالسمعيات: كأحوال البرزخ وأمور الآخرة من الحشر والنشر والميزان والصراط والشفاعة وغيرها.
3- وافقوا أهل السنة في القول في الصحابة, وبأن ما وقع بينهم كان خطأ عن اجتهاد منهم, ولذا يجب الكف عن الطعن فيهم, لأن الطعن فيهم كفر أو بدعة أو فسق.
4- وافقوا أهل السنة في القول بالقدر والقدرة والاستطاعة، على أن كل ما يقع في الكون بمشيئة الله تعالى وإرادته، وأن أفعال العباد من خير وشر من خلق الله تعالى, وأن للعباد أفعالاً اختيارية يثأبون عليها ويعاقبون عليها، وأن العبد مختار في الأفعال التكليفية غير مجبور على فعلها.

لقد انتشرت الماتريدية بكشل كبير في الشرق كالصين وبنغلادش وباكستان وأفغانستان, كما انتشرت في تركيا والروم وفارس وبلاد ما وراء النهر والمغرب, وقد ساعد على انتشارها الكثير من الأسباب والعوامل منها:

1- المناصرة والتأييد من الملوك والسلاطين لعلماء المذهب وخاصة سلاطين الدولة العثمانية.
2- المدارس الماتريدية التي انتشرت في الهند وباكستان وغيرها.
3- النشاط الكبير لهم في ميدان التصنيف بعلم الكلام, وردهم على الفرق الباطلة الأخرى كالجهمية والمعتزلة والروافض.
4- انتشابهم للمذهب الحنفي وكثرة الحق الذي عندهم بالنسبة للباطل الذي عند غيرهم من أهل البدع.

لقد حاول الماتريدية التوسط في الاعتقاد بين أهل السنة والجماعة من جهة, وبين المعتزلة وأهل الكلام من جهة أخرى, ومع عدم نجاحهم الكبير في ذلك, إلا أن لهم جهودا كبيرة في الرد والذود عن الإسلام, في مواجهة الفرق الضالة والباطلة, لا يجب أن تنكر, كما أن لهم جهودا كبيرة في خدمة كتب الحديث يجب أن لا تغفل, ويبقى مذهب أهل السنة والجماعة في النهاية, هو المذهب الأصفى والأصح عقيدة وفكرا.

ــــــــ

أهم مراجع التقرير

1- الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات: شمس الأفغاني السلفي.
2- منهج الماتريدية في العقيدة: د . محمد بن عبد الرحمن الخميس.
3- الاستقامة: شيخ الإسلام ابن تيمية.
4- الماتريدية: رسالة ماجستير لأحمد بن عوض اللهيبي الحربي.

أبو هاجر القحطاني
2013-11-20, 20:14
لقراءة المقال من مصدره الأصلي

http://taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3346&ct=4&ax=6 (http://taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3346&ct=4&ax=6)

توفيق43
2013-12-12, 23:58
الماتريدية: ما لها وما عليها

شهد عصر الخليفة العباسي المأمون انتشار كبيرا للفلسفة اليونانية في الأوساط الإسلامية, وازدهرت حركة الترجمة في عهده بشكل لافت, وظهر على السطح ما عرف (بعلم الكلام), الذي جر على الأمة الإسلامية ويلات الاختلاف والتفرق في أعظم وأخطر أمر في الدين الإسلامي, ألا وهو العقيدة الإسلامية.

فظهرت المعتزلة والجهمية والخوارج والروافض, وهي فرق ومذاهب بعيدة كل البعد عن جوهر الإسلام وحقيقته, بينما ظهرت الأشاعرة والماتريدية التي تعتبر أكثر قربا لأهل السنة والجماعة, وإن كانت قد تأثرت بالفلسفة اليونانية, وخلطت بعض أفكارها بالعقيدة الإسلامية, وابتعدت بذلك عن المنهج القرآني النبوي الصافي, الأمر الذي كان له الأثر البالغ في إضعاف وحدة الأمة الإسلامية وتماسكها في مواجهة أعدائها.

ولعل من أبرز وأهم تلك الفرق الإسلامية الماتريدية, نظرا لانتشارها في مشارق الأرض ومغاربها, والجهود التي لا تنكر لهم في الرد على الفرق الباطلة كالجهمية والخوارج والروافض والمعتزلة, وانتسابهم لأئمة الفقه الإسلامي الأربعة المعروفة, من خلال اعتمدهم المذهب الحنفي, فمن هم الماتريدية؟؟!! وما هي أهم أفكارهم ومعتقداتهم؟؟!!

التعريف: فرقة كلامية، تُنسب إلى أبي منصور الماتريدي، قامت على استخدام البراهين والدلائل العقلية والكلامية في محاججة خصومها، من المعتزلة والجهمية وغيرهم، لإثبات حقائق الدين والعقيدة الإسلامية.

التأسيس وأبرز الشخصيات

مرت الماتريدية بأربعة مراحل رئيسية, تعتبر تطورا للأدوار التي مرت بها, وتاريخا إجماليا لفكرها وانتشارها, وتعبيرا عن نشاطها البالغ المتواصل لنشر العقيدة الماتريدية الكلامية, ومن الملاحظ أنها لم تعرف باسم الماتريدية إلا بعد وفاة مؤسسها, كما لم تعرف الأشعرية بهذا الاسم إلا بعد وفاة أبي الحسن الأشعري, وهذه المراحل هي:

1- مرحلة التأسيس (333هجري) والتي اتسمت بشدة المناظرات مع المعتزلة, وصاحب هذه المرحلة محمد بن محمد بن محمود الماتريدي السمرقندي، نسبة إلى (ماتريد), وهي محلة قرب سمرقند فيما وراء النهر، ولد بها ولا يعرف على وجه اليقين تاريخ مولده، بل لم يذكر من ترجم له كثيراً عن حياته، أو كيف نشأ وتعلم، أو بمن تأثر, ولم يذكروا من شيوخه إلا العدد القليل مثل: نصير بن يحيى البلخي، وتلقى عنه علوم الفقه الحنفي وعلوم الكلام.

قال عنه الشيخ أبو الحسن الندوي في كتابه رجال الفكر والدعوة: جهبذ من جهابذة الفكر الإنساني، امتاز بالذكاء والنبوغ وحذق الفنون العلمية المختلفة.

عاصر أبا الحسن الأشعري، وعاش الملحمة بين أهل الحديث وأهل الكلام من المعتزلة وغيرهم، فكانت له جولاته ضد المعتزلة وغيرهم، ولكن بمنهاج غير منهاج الأشعري، وإن التقيا في كثير من النتائج غير أن المصادر التاريخية لا تثبت لهما لقاء أو مراسلات بينهما، أو إطلاع على كتب بعضها.

توفي عام 333هـ ودفن بسمرقند، وله مؤلفات كثيرة في أصول الفقه والتفسير. ومن أشهرها: تأويلات أهل السنة أو تأويلات القرآن: وفيه تناول نصوص القرآن الكريم، ولا سيما آيات الصفات, ومن أشهر كتبه في علم الكلام كتاب التوحيد وفيه قرر نظرياته الكلامية، وبيَّن معتقده في أهم المسائل الاعتقادية, كما أن له كتبا في الرد على الروافض والمعتزلة والقرامطة.

2- مرحلة التكوين (333ـ500هـ ): وهي مرحلة تلامذة الماتريدي ومن تأثر به من بعده، وفيه أصبحت فرقة كلامية, ظهرت أولاً في سمرقند، وعملت على نشر أفكار شيخهم وإمامهم، ودافعوا عنها، وصنفوا التصانيف متبعين مذهب الإمام أبي حنيفة في الفروع (الأحكام)، فراجت العقيدة الماتريدية في تلك البلاد أكثر من غيرها.

ومن أشهر أصحاب هذه المرحلة: أبو القاسم إسحاق بن محمد بن إسماعيل الحكيم السمرقندي (342هـ) وعبد الكريم بن عيسى البزدوي (390).

3- مرحلة التأليف والتأصيل للعقيدة الماتريدية (500ـ700هـ): وامتازت بكثرة التأليف وجمع الأدلة للعقيدة الماتريدية؛ ولذا فهي أكبر الأدوار السابقة في تأسيس العقيدة، ومن أهم أعيان هذه المرحلة: ميمون بن محمد النسفي, من أشهر علماء الماتريدية, وهو بين الماتريدية كالباقلاني والغزالي بين الأشاعرة, كما قال الدكتور فتح الله خليف, ومن أهم مؤلفاته: تبصرة الأدلة الذي يعتبر المرجع الأهم في معرفة عقيدة الماتريدية.
4- مرحلة التوسع والانتشار (700 – 1300هجرية) : وتعد من أهم مراحل الماتريدية, حيث بلغت أوجَ توسعها وانتشارها في هذه المرحلة؛ وما ذلك إلا لمناصرة سلاطين الدولة العثمانية، فكان سلطان الماتريدية يتسع حسب اتساع سلطان الدولة العثمانية، فانتشرت في شرق الأرض وغربها، وبلاد العرب والعجم والهند والترك وفارس والروم.

ومن أشهر رجال هذه المرحلة الكمال بن الهمام صاحب المسايرة في العقائد المنجية في الآخرة, كما أن هناك مدارس في شبه القارة الهندية ما زالت تتبنى الدعوة الماتريدية, كمدرسة ديوبند والندوية, ومدرسة البريلوي والكوثري وغيرها.

أهم الأفكار والمعتقدات:

هناك بعض الأفكار والمعتقدات عند الماتريدية تخالف ما عليه مذهب أهل السنة والجماعة, ومن أبرز هذه العقائد والأفكار:

1- قسّم الماتريدية أصول الدين حسب التلقي إلى:
· الإلهيات (العقليات): وهي ما يستقل العقل بإثباتها والنقل تابع له، وتشمل أبواب التوحيد والصفات.
· الشرعيات (السمعيات): وهي الأمور التي يجزم العقل بإمكانها ثبوتا ونفيا، ولا طريق للعقل إليها مثل: النبوات و عذاب القبر وأمور الآخرة، علما بأن بعضهم جعل النبوات من قبيل العقليات.

ولا يخفي ما في هذا من مخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة, حيث أن القرآن والسنة وإجماع الصحابة, هي مصادر التلقي عندهم، فضلاُ عن مخالفتهم في بدعة تقسيم أصول الدين إلى: عقليات وسمعيات، والتي قامت على فكرة باطلة أصّلها الفلاسفة من: أن نصوص الدين متعارضة مع العقل، فعملوا على التوسط بين العقل والنقل، مما اضطرهم إلى إقحام العقل في غير مجالات بحثه؛ فخرجوا بأحكام تصطدم مع الشرع ألجأتهم إلى التأويل والتفويض، بينما لا منافاة عند أهل السنة والجماعة بين العقل والسليم الصريح والنقل الصحيح.

2- موقفهم من الأدلة النقلية في مسائل الإلهيات (العقليات), حيث قسموا نصوص القرآن والسنة المتواترة إلى قطعي الدلالة وظني, فما كان قطعيا خاليا من التعارض مع عقولهم فإنهم يحتجون به في مسائل العقيدة, وما كان ظني الدلالة مخالفا لعقولهم فإنه لا يفيد اليقين, بل يصار إلى التأويل بما يوافق العقل, أو تفويض معانيها لله تعالى, مع الاضطراب في الترجيح بين التأويل والتفويض.

أما حديث الآحاد فهو يفيد الظن بطبيعة الحال عندهم, فلا يحتج به في العقائد, وإنما مجاله الأحكام الشرعية إن واقفت العقل أو التأويل, وإلا ردت تلك الأحاديث, وهو مخالف لما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وأصحابه.

3- وجوب معرفة الله تعالى بالعقل قبل ورود السمع: واعتبروا ذلك أول واجب على المكلف, ولا يعذر بتركه ويعاقب عليه ولو قبل بعثة الأنبياء, وهو قول ظاهر المخالفة للقرآن والسنة, قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} الإسراء/15
4- التحسين والتقبيح العقليين: حيث قالوا بإدراك العقل حسن الأشياء وقبحها دون ورود الشرع, بينما مذهب أهل السنة والجماعة على أن الحسن والقبح لا يدرك إلا بالشرع.
5- قولهم أن المجاز واقع في اللغة والقرآن والحديث: ويقصدون بالمجاز اللفظ المستعمل في غير ما وضع له, وهو قسيم الحقيقة عندهم, ويعتمدون عليه في تأويل النصوص دفعا –في ظنهم– لشبه التجسيم والتشبيه, وهو أمر مبتدع ليس له أصل في اللغة أو الشرع.
6- أثبتت الماتريدية ثمان صفات لله تعالى فقط, وأنكرت الصفات التي دل عليها القرآن والسنة (الصفات الخبرية) من صفات ذاتية أو فعلية, لأنها –بزعمهم– لا تدخل في نطاق العقل, بينما أثبت أهل السنة والجماعة كل الصفات واعتبرتها توقيفية, فيؤمنون بإثبات بلا تشبيه وتنزيه بلا تعطيل مع تفويض الكيفية لله تعالى.
7- قولهم بأن القرآن ليس بكلام الله تعالى على الحقيقة, وإنما هو كلام الله النفسي, وهو قول مبتدع مخالف لما عليه القرآن والسنة وسلف الأمة.
8- قولهم بأن التصديق بالقلب فقط وأضاف بعضهم اللسان, ومنعوا زيادته ونقصانه, بينما الإيمان عند أهل السنة والجماعة اعتقاد بالجنان وإقرار باللسان وعمل ابأركان, يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان.

كما أن هناك بعض الأفكار والمعتقدات الموافقة لأهل السنة والجماعة ومنها على سبيل المثال:

1- أثبتوا لله تعالى أسماءه الحسنى, وقالوا: لا يسمى الله تعالى إلا بما سمى نفسه وجاء به الشرع, مع مخالفتهم بإدخال بعض الأسماء في أسمائه تعالى: كالصانع والقديم.
2- وافقوا أهل السنة والجماعة في الإيمان بالسمعيات: كأحوال البرزخ وأمور الآخرة من الحشر والنشر والميزان والصراط والشفاعة وغيرها.
3- وافقوا أهل السنة في القول في الصحابة, وبأن ما وقع بينهم كان خطأ عن اجتهاد منهم, ولذا يجب الكف عن الطعن فيهم, لأن الطعن فيهم كفر أو بدعة أو فسق.
4- وافقوا أهل السنة في القول بالقدر والقدرة والاستطاعة، على أن كل ما يقع في الكون بمشيئة الله تعالى وإرادته، وأن أفعال العباد من خير وشر من خلق الله تعالى, وأن للعباد أفعالاً اختيارية يثأبون عليها ويعاقبون عليها، وأن العبد مختار في الأفعال التكليفية غير مجبور على فعلها.

لقد انتشرت الماتريدية بكشل كبير في الشرق كالصين وبنغلادش وباكستان وأفغانستان, كما انتشرت في تركيا والروم وفارس وبلاد ما وراء النهر والمغرب, وقد ساعد على انتشارها الكثير من الأسباب والعوامل منها:

1- المناصرة والتأييد من الملوك والسلاطين لعلماء المذهب وخاصة سلاطين الدولة العثمانية.
2- المدارس الماتريدية التي انتشرت في الهند وباكستان وغيرها.
3- النشاط الكبير لهم في ميدان التصنيف بعلم الكلام, وردهم على الفرق الباطلة الأخرى كالجهمية والمعتزلة والروافض.
4- انتشابهم للمذهب الحنفي وكثرة الحق الذي عندهم بالنسبة للباطل الذي عند غيرهم من أهل البدع.

لقد حاول الماتريدية التوسط في الاعتقاد بين أهل السنة والجماعة من جهة, وبين المعتزلة وأهل الكلام من جهة أخرى, ومع عدم نجاحهم الكبير في ذلك, إلا أن لهم جهودا كبيرة في الرد والذود عن الإسلام, في مواجهة الفرق الضالة والباطلة, لا يجب أن تنكر, كما أن لهم جهودا كبيرة في خدمة كتب الحديث يجب أن لا تغفل, ويبقى مذهب أهل السنة والجماعة في النهاية, هو المذهب الأصفى والأصح عقيدة وفكرا.

ــــــــ

أهم مراجع التقرير

1- الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات: شمس الأفغاني السلفي.
2- منهج الماتريدية في العقيدة: د . محمد بن عبد الرحمن الخميس.
3- الاستقامة: شيخ الإسلام ابن تيمية.
4- الماتريدية: رسالة ماجستير لأحمد بن عوض اللهيبي الحربي.


كان عليك أن تأتي بأقوال من كتب أهلها و ليس من كتب أعدائها
لكن هذا ديدنكم أيها الوهابيون يتكلمون عن الشاعرة و الماتردية و ما قرأت لهم كتاب.
هل تقبل أن أعرف بمنهج الوهابيين اعتمادا على كتب مخالفيهم ؟!!