سعودي17
2009-06-15, 09:18
تمهيد
تعتبر الدراسات التربوية المقارنة بين المجتمعات الإسلامية والمجتمعات الغربية محورا مهما في أصول التربية الإسلامية ولقلة الدراسات في هذا المجال برز فلاسفة الفكر الغربي في مجتمعاتنا الإسلامية ومثل هذه الدراسات تبرز أهمية دراسات علمائنا المسلمين أو كما أشار الغزالي في عنوان كتابه( إحياء علوم الدين) أي أننا بهذه الدراسة نحي علوم الدين ومن هذه الفكرة تبرز إشكال البحث أوالدراسة فلقد تم اختيار كل من الغزالي وابن خلدون كنموذجين عن الفكر الإسلامي وجون ديوي وروسو عن الجانب الغربي لإجراء مقارنة بين إسهامات المفكرين كل حسب انتمائه العرقي والتاريخي وانجازه الفكري بهدف الوصول إلى إبراز مكانة الفكر الإسلامي في التربية ونشأة الفرد المتعلم الشغوف بطلب العلم .
1-1 حدود الدراسة:
1-1-1 الحدود الزمنية :
أن تحدثنا عن أبو حامد الغزالي وابن خلدون كنموذجين في دراستنا عن الفكر الإسلامي فان الحدود الزمنية تعود إلى القرنين الحادي عشر والخامس عشر غير أن الفكر الغربي كان يمشي آنذاك في عصور الظلام إلى أن بدأت أفكار بعض المفكرين بالظهور أمثال ديوي وسارتر وروسو وباستلوزي أي في حدود القرن الثامن عشر أي فرق سبعة قرون على الأقل بين النموذجين ولقد راعت الدراسة ذالك .
1-1-2 الحدود المكانية :
الفكر الإسلامي نشا في مجتمعات شرقية تختلف ظروفه السياسية والاجتماعية والاقتصادية عن الفكر الغربي الذي نشا وسط مجتمعات غربية تعاني من الصراع بين الكنيسة والسياسة الحاكمة .
1-2 منهج البحث :
استخدمنا المنهج الوصفي لاستقراء أوجه الشبه والاختلاف بين الفكرين واستقراء نقاط الضعف والقوة لكلا الفكرين إلى جانب المنهج المقارن حسب طبيعة الأفكار المندرجة عن واقع الفكرين كما أن المنهج الوصفي يلائم الدراسات المقارنة .
1-3 مجالات المقارنة :
v معنى التربية :
تعرف التربية بأنها عملية نمو والنمو ظاهرة طبيعية يمر بها الإنسان كما أن هذا النمو تتشعب منحناياته وذالك لإحداث التفاعل الديناميكي المتعدد الجوانب كما تظهر نتائجه في الاستمرار والتقدم والزيادة والتحسن المرغوب فيه وإذا حاولنا الوصول إلى تحديد معنى التربية عند كل من جون ديوي وأبو حامد الغزالي فإننا نجد كل منهما يؤمن بهذا النمو بمفهومه الخاص فلو استرسلنا في الحديث عن التربية ومعناها عند الغزالي لوجدناه يحدد مفهومها كالتالي ( ... ومعنى التربية يشبه فعل الفلاح الذي يقلع الشوك ويخرج النباتات الأجنبية من بين الزرع ليحسن نباته ويكمل ريعه ) ¹
فهذا التشبيه الذي أقامه الغزالي بين عمل الفلاح وعمل المربي القصد منه هو تهيئة البيئة الصالحة بمفهومها الشامل المعنوي والمادي والطبيعي وذالك قصد الوصول إلى النمو الطبيعي الذي يحتاجه كل فرد .
ومن هذا التعريف الأولي نجد أن جون ديوي يشاطره الرأي في هذا فبعرف التربية على أنها ( … هي مساعدة الحيوان الصغير النامي العاجز لكي يصبح إنسانا سعيدا وذا أخلاق قادر فعال كفؤ ) ²
هذا ونجد الغزالي يؤكد على عملية النمو فيرجع بالتربية إلى أول النشا فيقول :
( … ينبغي أن يراقبه من أول مرة فلا يستعمل في حضانته وإرضاعه إلى امرأة صالحة متدينة تأكل الحلال فان اللبن الحاصل من الحرام لابكرة فيه فإذا وقع عليه نشا الصبي انعجنت طينته من الخبث فيميل طبعه إلى ما يناسب الخبائث ومهما رأى فيه مخايل التميز فينبغي أن يحسن مراقبته ) .
( … هذا تصريح في التحكيم بوراثة الأخلاق إذ لا يمكن أن تعتبر الرضاعة نوعا من الأدب والتدريب إذا كانت تسبق الإدراك والتمييز ويضاف إلى هذا أن الطفل قد يشاهد عليه الميل إلى الحياء وانه يجب استغلال هذه الغريزة فيه ومن الواضح انه لو كانت الفطرة جميعها خالصة من كل الميول لكان واجبا أن يغرس الحياء في الطفل بالتربية والرياضة لان ينمي غير الموجود ).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- أبو حامد الغزالي ،رسالة أيها الولد ، دار الشروق ط1، 1975م ص16 .
2- طيبي إبراهيم ، الفكر التربوي بين الغزالي وديوي ، ،أطروحة دكتوراه، الجزائر ،1982م ص56.
3- زكي مبارك ، الأخلاق عند الغزالي ، دار الكتاب العربي ، 1968 م ص142 .
وإذا كان الغزالي قد اعتبر مرحلة البدا في التربية منذ الميلاد فهذا نفسه ماذهب إليه جون ديوي حيث اكدهذا بقوله : ( ... أن كل تربية تبدأ عن طريق مشاركة الفرد في الشعور الاجتماعي للجنس البشري وهذه المشاركة تبدأ فـي الغالـب بصورة لا شعورية منذ الميلاد وهي تشكل باستمرار قوى الفرد وتشبع شعوره وتكون عاداته وتهذب آراءه ومبادئه وتثير إحساساته وانفعالاته وعن طريق هذه التربية اللاشعورية يشارك الفرد بالتدريج في الكنوز والذخائر العقلية والخلقية التي نجح المجتمع في جمعها ويصبح وريثا للمدينة كلها .).¹
وإذا كان جون ديوي يحدد هذا المعيار الذي يمكن من خلاله أن يدخل الفرد في الحياة الاجتماعية نجد من جهة أخرى الغزالي هو بدوره يؤكد على هذا بقوله:
( ...وينبغي صيانته بان يؤدبه ويهذبه ويعلمه محاسن الأخلاق .) ²
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- زكي مبارك ، نفس المرجع ، ص142.
2- أبو حامد الغزالي ، إحياء علوم الدين ، ج3 ،دار إحياء الكتب العربية ،دون سنة نشر .ص62
v الأساس الاجتماعي:
يؤكد لنا جون ديوي بأن للأساس النفسي لا قيمة له في حد ذاته ما لم تزودنا الحياة الاجتماعية بمتطلباتها و حاجياتها و ظروفها العامة والخاصة وهذا ما أكده بقوله:(...أن معرفة الظروف الاجتماعية المدنية الحاضرة ضرورية ولازمة لتفسير قوة الطفل تفسيرا صحيحا فالطفل غرائز و ميول لكن لا ندرك معناها وقيمتها إلا إذا أدركنا مرادفاتها العملية و آثارها في الحياة الاجتماعية ويجب أن يتمكن من ردها إلى ماضيها واصلها الاجتماعي....)¹
كذلك نجد جون ديوي يتفق مع الغزالي في الجانب الاجتماعي إذ أننا نجد الغزالي يحاول أن يحيط الطفل بكل العوامل التي تساعده على تكوينه في جوانب الحياة إذ يقول (...إذ رأيت صبيان النصارة لا يكون لهم نشؤ إلا على التنصر،وصبيان اليهود لا نشوء لهم إلا على التهود،وصبيان المسلمين لا نشوء لهم إلى على الإسلام .) ²
وفي قوله نلتمس أهمية الجانب الاجتماعي وأثره على التربية كون الصبي يولد ناقصا غير كامل لديه قابلية للتطور والنمو ذالك حسب قوة العوامل المحيطة به .
v أوجه الشبه والاختلاف بين الفكرين
من خلال استقراء أوجه الشبه لكلا الفكرين الإسلامي والغربي نلاحظ من خلال الدراسة النموذجية للعالمين مثل روسو والغزالي أنهما نشا يتيمي الأب وفقد حنان وعطف الوالدين وربما هذا الواقع الذي جعل هؤلاء يهتمون بالطفل والبيئة التي يعيش فيها وطريقة معاملته .
وفي عصريهما كثرت الصراعات والتناقضات السياسية والاجتماعية والثقافية فالغزالي عاش في العصر العباسي حيث قمة الصراع الشيعي السني أما روسو عاش في عصر الإصلاح والتنوير في أوربا حيث انتشر الظلم والفساد والشرور والحرب على الدين ،كما أن ابن خلدون عاش في وقت تلقى فيه عدة مصائب كفراق أهله وسجنه لعدة مرات كل هذه المشاكل الاجتماعية التي تركت اثر على رواد الفكر التربوي كان لها علاقة بلغة على كتابات هؤلاء كل حسب الأفكار الشخصية والبيئة التي يعيش فيها إذا كان مواليا لها .
حتى ربما كتابات هؤلاء العلماء كان لها هدف في مجال الفكر التربوي حيث كل واحد منهم بذل جهدا في طرح آراءه قصد إنارة الطريق وإيضاح السبيل للذين يأتون من بعدهم والغرض هو الإسهام في مجال الفكر التربوي.³
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- طيبي إبراهيم، مرجع سابق، ص61.
2- ابوحامد الغزالي ،مرجع سابق ،ص 63.
3- فيصل محمد عبد الوهاب ، تربية النشء بين الغزالي وروسو ، السودان سنة 2005
ولقد اتفق هؤلاء العلماء على أهمية تربية النشء ورعاية الصغار وأهمية الوالدين في التربية فنجد كل من رواد الفكرين أعطوا نظريات وأراء في هذا المجال فمثلا ابن خلدون كتب في التربية ،العلم والعلوم وقسمها وأعطى لكل مسماياتها كما نجد الغزالي من خلال كتاباته بين لنا طريقة تربية الأولاد ودور المعلم والإباء في تكوين شخصية الطفل ،كذالك روسو الذي كتب كتاب إميل وهو يوضح المراحل التي يمر بها إميل منذ صغره حتى يصير رجلا كما نجد ديوي ونظريته البرغماتية ومنهج النشاط الذي يساهم في تحديد أهمية المدرس والمدرسة بالنسبة للتلاميذ .
واتفقوا على أهمية النشاط وذم الكسل للمتعلم كما أنهم طالبوا بأهمية الشفقة واللين والرحمة في التربية للمتعلم وفي هذا القبيل تعد هذه النقطة حساسة لاعتبار أن التربية بالقوة لن تربي بل تحسب استبداد وفرض هيمنة علمية أو سلوكية ونحن نشاطرهم الرأي في أن الصغار لابد لهم من معاملة طيبة وهنا نجد مقولة عمر ابن الخطاب رضي الله عنه في تربية الصغار ( علمه سبعا واضربه سبعا وصاحبه سبعا ) نلاحظ انه في المرحلة الأولى من حياة الطفل تكون التربية بالرحمة والشفقة ثم بالتدريج بالضرب أثناء العصيان وتنتهي هذه المرحلة ببلوغ الطفل سن الرشد أو بالأحرى المراهقة حين لايقبل العنف والسيطرة والتوجيه وهنا تكون المصاحبة .
كما نجد أن الفكر التربوي الإسلامي انطلق من بيئة إسلامية أساسها كتاب الله وسنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم.
وبالمقابل نجد الفكر التربوي الغربي تأثر بالمجتمع الأوربي وسيطر ة الكنيسة .
ومن أوجه الخلاف التربية الدينية التي اعتبرها ابن خلدون والغزالي أساسية مهمة للمتعلم في حين قوبلت بالرفض من روسو.
كذالك الرضاعة التي اهتم بها الغزالي لأهميتها الكبيرة مع أن روسو أهملها تماما
ومن جوانب الخلاف التربية الخلقية منذ الطفولة في أراء الغزالي وابن خلدون في حين اعتبر روسو الأخلاق في المرحلة الثانية من نمو الطفل ( 5-12 سنة )
وفي المرحلة الرابعة ( 15-20 سنة ) فقط .
ومن نقاط الخلاف التربية العقلية والحواس يرى الغزالي أن العقل هو الأصل ومنبع العلم أكثر من الحواس ،بينما روسو اهتم بالحواس أكثر من العقل .
كما نجد الغزالي وابن خلدون ركزوا على أهمية المعلم باعتباره القدوة الحسنة للطفل على عكس المفكرين الغربيين خاصة روسو فهو يرى أن الطبيعة هي المعلم الأول .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيصل محمد عبد الوهاب ،نفس المرجع ،ص167 .
v نقاط نقدية:
· الفكر التربوي الإسلامي:
سنحاول في هذه النقاط إبراز بعض الآراء التي نبغ فيها المفكرون المسلمون مع ذكر النقائص أو بالأحرى الثغرات الفكرية التي بقيت دون شرح مفصل أو محل غموض في الفكر .
ينطلق الفكر التربوي الإسلامي من مصادر إسلامية القرآن والسنة .
يعطي مكانة للتربية والتعليم وقيمة عظمه وجعله من اشرف المهن.
كما اهتم المفكرون الإسلاميون بتصنيف العلوم من حيث القيمة والفائدة مقدمين العلوم الدينية على الدنيوية في ضرورياتها وأهميتها للمتعلم كما نادوا بضرورة التدرج في التعليم .
اهتموا بالمعلم وخصوه بوظائف عديدة ونادوا بآدابه وكرموه عن الجاهل .
اهتموا بالعقل وجعلوه مصدر للبحث عن الحقيقة لدى المتعلم.
اهتموا بالتربية الدينية والأخلاقية في كل مراحل عمره .
اظهروا الروابط بين المعلم والمتعلم ( الشفقة، الرحمة اللين...) .
تناولوا آداب الطعام واللباس من منطلق القيم الإسلامية.
وجعلوا الهدف من التربية والتعليم السعي لسعادة الإنسان في الدنيا والآخرة لذالك كانوا واقعيين وموضوعيين في أفكارهم التربوية .
اهتموا بتعليم المرأة وأعطوه مكانة اجتماعية من منطلق ديني .
· الفكر التربوي الغربي:
تميز الفكر الغربي بالثورية على الفساد في المجتمعات الأوربية والغربية حيث نجد روسو يعتبر التربية وسيلة الإصلاح الأولى .
شجعوا على تعلم المهارات اليدوية للأطفال بهدف تنمية ذكاءهم وغرس مبدأ الاعتماد على النفس وهذا الذي كان عليه ديوي في صغره نشء على الكسب الحر
الاهتمام بالنظريات التي تضع الأساليب ومحاور البناء الاجتماعي ونلتمس هذا في الفلسفة البرغماتية والفلسفة الطبيعية لروسو حيث يرى روسو أن طبيعة الطفل خيرة فلا بد من المحافظة عليها بحرية كاملة وان مصدر الشرور هو الإنسان والمجتمع كما اهتم بالحواس وأهميتها في التربية والعاطفة والإحساس في تربية المتعلم .
والفكر الغربي شجع على تعلم المهارات وشبهها بهواية التكدس وقت الضيق .
رفض المدينة ومجتمعها في تربية الأطفال على حد رأي روسو وطالب بالتربية في القرى والأرياف .
وضع الغرب مناهج للتربية وهذا مازاد في قيمتها مثل منهج النشاط لديوي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيصل محمد عبد الوهاب ، نفس المرجع ،ص 168
v نقد الفكر التربوي الإسلامي:
- تعدد المذاهب والفرق الدينية جعل شكا في صحة الآراء بين التشدد والتعصب واللين ،مثل الصوفية عند الغزالي الذي ينكره العلماء السنيون في وقتنا الحاضر .
-تعدد المذاهب والفرق الدينية جعل الشك في صحة الآراء بين التشدد واللين مثل الصوفية عند الغزالي والذي ينكره العلماء السنيون اليوم .
- إهمال تعليم المرأة على الرغم من أن الإسلام ينص على تعليم المرأة (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة)
- اختلاف حول إجارة المعلم رغم أن المعلم يحتاج إلى مصروف كغيره من الناس.
- الاهتمام بالعلوم الدينية وإهمال العلوم المهنية .
-التشدد على الأطفال في قضية المأكل والمشرب واللباس ونجد الغزالي ربما يمارسها في قوله اللباس الخشن والأكل الخشن والمنع من النوم نهارا لانه يولد الكسل لكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : قيلوا فان الشياطين لاتقيل
v نقد الفكر التربوي الغربي :
- اهتم بالفلسفات الطبيعية والنفعية إذ كانت تعتمد على أفكار خيالية بعيدة عن الواقع في تحقيق معنى التربية .
- إهمال الجانب الديني في التحقيق مبادئ التربية باعتبار أن هذا الأخير لا ينفصل عن ضروريات الضبط الاجتماعي .
- إهمال التربية العقلية والاعتماد على الحواس في التربية والاعتماد على منطلقات فلسفية.
- معظم الذين كتبوا في التربية فلاسفة ولم يكونوا علماء تربية وهذا ينقص من أهمية آراءهم ولتباع مبادئهم وتحقيق أهدافهم
-الخلفية التاريخية لبعض المفكرين بحيث نجد أن جون جاك روسو هو في حد ذاته عاش في الطرقات متشردا وأبناءه الخمسة عاشوا مشردين وبالتالي يتكلم في التربية ولم يحترم معناها حتى في أبناءه هذه تكون بمثابة ثغرة أو ركيزة أساسية ساقطة تهز قوة الفكر الغربي .
- إهمال الجانب الروحي حتى الدين والمعتقدات والانسلاخ القيم والاهتمام بالجانب النفعي المادي وهذا مستحيل أن تخرج التربية عن المعايير الاجتماعية ومجال القيم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيصل محمد عبد الوهاب ،نفس المرجع ، ص169
ومن أوجه الاختلاف بين الفكر التربوي الإسلامي والفكر التربوي الغربي نجد أن الفكر التربوي الإسلامي مر بمراحل عديدة في تطوره .
-المرحلة الأولى: مرحلة البناء
وتبدأ هذه المرحلة من ظهور الإسلام حتى نهاية الدواة الأموية واهم سماتها العامة في التربية في ذالك الوقت إنها كانت تربية عربية إسلامية خالصة وإنها استهدفت قواعد الدين الجديد وأنها شهدت ميلاد الفرق الكلامية والدينية وأنها اعتمدت على العلوم العقلية واللسانية وأنها اعتمدت على الكتاب والمسجد والمكتبة كمراكز للتعليم .
-المرحلة الثانية : مرحلة العصر الذهبي
وتبدأ بالعصر العباسي حتى انهيار الخلافة العباسية وسقوط بغداد واهم السمات العامة للتربية الإسلامية في هذه الفترة :
- دخول العلوم العقلية
- إنشاء المدارس
- ظهور الآراء التربوية المتميزة
-المرحلة الثالثة: مرحلة التدهور والانحطاط
تبدأ بالحكم التركي العثماني حتى استقلال البلاد العربية واهم السمات العامة للفكر الإسلامي في هذه الفترة هي :
- تجمد الفكر الإسلامي
- العودة إلى الاقتصار على العلوم النقلية
- جمود المؤسسات التعليمية
- هيمنة الثقافة التركية الغير إسلامية
-المرحلة الرابعة: مرحلة التجديد وإعادة البناء
وتشمل هذه الفترة بداية استقلال البلاد العربية من الحكم التركي وتمتد حتى العصر الحاضر واهم السمات العامة للتربية في هذه الفترة:
- اقتباس النظم التعليمية العربية
- العناية بالعلوم العقلية والحديثة
- تغلغل الثقافة الغربية
- محاولة تطوير مؤسسات التعليم التقليدية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سعد مرسي احمد، مرجع سابق، ص299
أما الفكر التربوي الغربي فقد مر بمرحلتين هامتين في تطوره.
المرحلة الأولى: التفكير اللاهوتي
هذه المرحلة تعود إلى ماقبل القرن السابع عشر وكانت تعتمد هذه المرحلة على تفسير الظواهر لاهوتيا واعتماد الكتابات على الأساطير والخرافات والاعتقادات المتناقلة بينهم وما يميز هذه الفترة :
- التقليد وإتباع الكتابات السابقة .
- مصدر الفكر من الكنيسة .
- هيمنة الإقطاع على كل القطاعات .
- الطبقية في التعليم .
المرحلة الثانية: مرحلة التفكير العقلي
وقد صاحبت هذه الفترة الثورة الفرنسية سنة 1789 م حيث تحول التفكير في هذه المرحلة من تفكير لاهوتي خرافي إلى تفكير عقلاني واقعي وتميزت هذه الفترة بما يلي:
- القضاء على النظام الإقطاعي .
- خروج الكنيسة واستقلالها عن النظام العام .
- استقلال العلوم.
- التربية الحديثة ونبذ العنصرية.
وتعتبر هذه المرحلة مرحلة إشعاع علمي حيث أثرت الثورة الفرنسية على الأنظمة الديكتاتورية واعتبارها مرحلة تحرير علمي كان لها صدى في مختلف أنحاء العالم حيث مر فيها المجتمع الغربي من مرحلة الكساد إلى مرحلة التجديد ومن عصر الظلمات إلى عصر الأنوار
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سعد احمد مرسي، نفس المرجع، ص 300
من خلال استعراض أوجه الشبه والاختلاف وكذا النقاط النقدية لكلا المفكرين تندرج هذه الدراسة في إطار الكشف عن عملية التغير الاجتماعي وإسهامات المفكرين الغرب والعرب في مجال تطور الفكر التربوي عموما وهذا من خلال استدراج نقاط هامة لها صدى كبير في عملية التفاعل والتنشئة الاجتماعية لكلا الحضارتين الإسلامية والغربية على غرار أفكار كل من الغزالي وابن خلدون وديوي وجون جاك روسو في أهم النقاط التي أثير حولها الجدل والنقاش مثل تعليم المرأة آداب العلم والمتعلم تصنيف العلوم مسألة الأخلاق والدين إلى جانب التعرف على أسلوب التفكير المجتمعي لهذه الشعوب ولهؤلاء المفكرين بين واقعين متلازمين هما واقع الفكر الإسلامي والفكر الغربي بين أفكار مازالت ولازالت تبرز فكر صناعها رغم انقضاء قرون من بزوغها هذا ضمن متغيرات الحراك الاجتماعي والتغير الاجتماعي ومتطلبات الحياة اليومية .
إن الدراسات في الفكر التربوي تكون موجهة للتربية بما تحتويه هذه التربية من أفكار وتطورات وهذا لا يعني أنها تخص شعبا أو فئة معينة باعتبار التربية الوجه أوالموجه الحضاري الشامل للبشر وكان طرح الأفكار التربوية ابتداء من هذا المنطلق لكن هناك طرح أخر يقول بان الفكرة وان كانت قد ترجمت في فكر ما أو واقع ما وبعبارة اصح سواء أن كانت هذه الفكرة شرقية أو غربية من منطلق الغرب أو الشرق ،الإسلام أو المسيحية حتى انه بعض الأفكار الشرقية استلبت وأعلنت على أنها غربية .
علم الاجتماع نفسه واقعه ونشأته ووجوده عربي شرقي لكن أول من أعلن عن وجوده بهذه الصورة هم الغرب في شخص كونت سبنسر سان سيمون و إميل دوركايم والصراع بين الفكر الإسلامي والغربي محصلة لتغريب واغتراب واستلاب مما تموجت به الساحة الفكرية من أفكار علمية وتربوية .
والفكر الإسلامي لاعتباره أنموذجا حياتيا احدث ومازال يحدث – يبدع –لاعتباره الشرارة الروحية التي فجرت قوى الإبداع والتقدم الفكري على حد سواء فالتقدم يمثل الدوافع النفسية والمادية التي يعتبر الإسلام ممولها الحصري أن صح القول مما يقدمه من معطيات عن الإنسان والكون والرب على غرار الفكر الغربي الذي يمثل أنموذجا حياتيا من نوع أخر يستمد إسراره وأفكاره من الفلسفات الحياتية وأراء المفكرين التي أبرزت نقائص الغرب في عصور الظلام خاصة أوربا في العصور الوسطى .
إذا كنا أمام الفكر التربوي بين اتجاهين فكرين هما الفكر الإسلامي والفكر الغربي فإننا نقع في مشكلة الصراع بين الأفكار وهي ليست جديدة بل هي قديمة قدم الإنسان على البرية –الأرض-
o الفكرة الغربية تعود أصولها إلى العهد الإغريقي أي عند اليونان والرومان وصولا إلى ماهي عليه اليوم في ظل التكتلات السياسية والعرقية في المجتمع الغربي .
o الفكرة الإسلامية ترجع إلى العهد الفرعوني من رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون وصولا إلى رسالة خاتم الأنبياء والرسل محمد صلى الله عليه وسلم فحديثا عند الدول الذات طابع إسلامي .
والعلة أوالسبب ليس في أن الإسلام دين ولحد يشمل كل الأعراف والشعوب ويؤمن باله واحد فالديانة اليهودية تؤمن بإله واحد أيضا لكن أصابها التحريف والتغليط فأصبحت ديانة قومية .
ويمكن القول أن الفكر يرتبط بالثقافة أو الحضارة التي ينبع منها وهو يصدر أساسا من منطلق عقائدي ديني (الإسلام ، المسيحية ) وقد تتغلب النزعة الفردية على الفكر مثل جون ديوي النزعة البرغماتية والغزالي النزعة الصوفية ومنها قد يقاد الفكر التربوي إلى حالات وأوضاع تتطبع بتبطع الآراء والأفكار .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
علي خليل أبو العينين ، أصول الفكر التربوي الحديث ، دار الفكر العربي ، القاهرة ،دون سنة نشر ،ص46-47.
ومن أوجه الاختلاف بين الفكرين في تربية الطفل نجد أن الفكر التربوي الإسلامي ينصح بعدم تعويد الطفل على التنعم والراحة والرفاهية وفي هذا نجد الغزالي هو الذي طرح هذه الفكرة كما طالب بتعويد الصبي بالتواضع وعدم الافتخار على أقرانه واحترام منهم اكبر منه سنا .
أما الفكر الغربي فهو يهتم بتربية الطفل في رفاهية وسعادة ونلتمس هذه الفكرة في أراء روسو حيث يقول : ( أحبوا الأطفال يسروا لها ألعابها ومسراتها )
وفي هذا نلاحظ بان جون جاك روسو ربما بالغ بعض الشيء حيث نجد المقولة التي قالها أحبوا الأطفال ويسروا لها مسراتها تتنافى والوضعية التي يعيشها أطفاله الخمسة وماعانوه من حرمان من قبله ومن قبل الآخرين .
o الفكر التربوي الإسلامي نجد أفكاره تتحدث عن طاعة الوالدين وتعتبر الإسلام سبيل النجاة والنجاح في الدنيا والآخرة.
o أما الفكر الغربي فتغيب هذه الفكرة في كل المؤلفات فيتحدثون عن العلاقة بين الآباء والأبناء وبين الأمهات والأبناء ولا يتكلمون عن طاعة الأبناء للوالدين رغم أنها وجهة أخلاقية رفيعة تفصل بين الشخص الفاضل والرذيل ويركزون على العلاقة الحسنة ولو أن العلاقة الحسنة تحمل في طياتها الطاعة والاحترام لكن ليس بمعناها الكامل .¹
يتوافق الفكر التربوي الإسلامي والغربي في قضية أن التربية هي الطريقة الأساسية للتقدم والإصلاح الاجتماعي وهذا ما يقوله المفكر الأمريكي جون ديوي أما في الفكر الإسلامي فنجد الغزالي يقر بان التربية هي التي تسير الإنسان إلى الإصلاح والتقدم وكان ينزع إلى الواقعية في تفكيره ملقيا الأهمية إلى سعادة الدنيا والآخرة مع حرص شديد على نبذ الرذائل والتحلي بالفضائل ²
ومن هنا يمكن القول أن كلا الفكرين اتفقا على هذه الفكرة بان التربية سبب رئيسي للإصلاح الاجتماعي والتقدم كل حسب اعتقاده .
o الفكر التربوي الإسلامي يعتبر طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة وواجب وحق لكل فرد عاقل .
o أما الفكر الغربي فيعتبر العلم شيء مقدس ولا يمكن للفرد العيش من دون علم وان التقدم والتخلف مرهون بطلب العلم وفعلا هذه حقيقة واقعية، فعندما تمسكوا بالعلم وصلوا إلى مبتغاههم الذي أصابه من التخلف ما جعله يعجز عن تحقيق أمنه وهذا كله بسبب التخلي عن العلم والابتعاد عن الدين لان الله سبحانه وتعالى يقول :( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- سهام محمد بدر، مرجع سابق، ص 119-149
2- سعد مرسي احمد ، مرجع سابق ، ص302
o كما نجد الفكر التربوي الإسلامي هو نتاج عن تحديد تصور الإنسان ومهمته في الحياة فالتربية في الفكر الإسلامي تقوم على الإعداد للحياة بجميع متطلباتها المادية والمعنوية إلى جانب أنها تسير وفق معايير ثابتة آلا وهي كتاب الله وسنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم وهما صالحين لكل زمان ومكان وأمة ¹.
هذا وان دل على شيء هو أن التربية الإسلامية تسير وفق قواعد صحيحة ليست وضعية من وضع الإنسان أو أي فاعل أخر في الحياة وإنما مرجعها إلى الخالق .
o أما في الفكر الغربي نجد أن مفهوم التربية قائم على تصور الإنسان للحياة غير أننا نجد المفكر جون ديوي يقول : ( ... التربية ليست الإعداد للحياة وإنما هي الحياة نفسها .) ويقول أيضا ) النمو أو التجديد للخبرات استمرار هو الغاية الوحيدة )
يتأكد هنا الاختلاف بين الفكرين الإسلامي والغربي من ناحية الإعداد للحياة والتربية بصورة خاصة فالغزالي يرى أن التربية إعداد للحياة بجميع متطلباتها وجون ديوي يرى أن التربية هي الحياة نفسها ونلاحظ أن الغزالي ينظر إلى التربية من منظور الشمولية لمتطلبات الحياة وديوي يركز على الانتقال من المفهوم الكلي إلى الجزئي أي معايشة ظروف الحياة ويقول الغزالي (... وتيقن أن العلم المجرد لا يأخذ باليد ولو قرأ رجل مسالة علمية وتعلمها ولم يعمل بها لا تفيده إلا بالعمل )
ويزيد (... العلم بلا عمل جنون والعمل بغير علم لا يكون ) .²
v الأهداف التربوية :
نجد أن الهدف التربوي للفكر التربوي الإسلامي يتجلى بوضوح في خلق الإنسان الفاضل الناشئ على الأخلاق الإسلامية ونجد الدكتور محمد لبيب النجيحي يقول : ( الهدف من التربية عند الغزالي هو تكوين المؤمن الفاضل الذي يستطيع أن يتغلب على بدنه ومعوقاته ...) ³
هذا وان دل على شيء أن الفكر التربوي الإسلامي يقوم على تنشئة الفرد الصالح المتشبع بالخلاق الإسلامية ولقد جسد ذالك الدكتور محمد لبيب النجيحي في مقولته عن الغزالي .
أما عن الفكر الغربي فمعنى الهدف التربوي يقوم على أساس الاستبصار أو الديناميكية والفاعلية في مجال العمل .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- طيبي إبراهيم ، مرجع سابق ، ص66.
2- ابوحامد الغزالي ،أيها الولد ، مرجع سابق ، ص11.
3- محمد لبيب النجيحي ،مرجع سابق ،ص 91 .
ونجد جون ديوي يركز على أهمية العمل والنشاط وذالك من خلال منهج النشاط واعتماده على الفلسفة الاداتية التي تقدس العمل أي أن الهدف التربوي قائم على خلق فرد مؤمن بالعمل وبعبارة أخرى تقديس العمل
العمل عند جون ديوي غاية في حد ذاته أما عند الغزالي وسيلة للتقرب إلى الله سبحانه وتعالى .
جون ديوي يعرف العمل على انه ( ... العمل يعني ضرب من ضروب الشغل ) .
أما الغزالي فيقول عنه (... أيها الولد لا تكن من الأعمال مفلسا ولا من الأحوال خاليا ...) ¹
ونستخلص من هذا أن الغزالي لم يتطرق إلى العمل من وجهة المنفعة اوالعمل في حد ذاته وإنما من اجل التقرب إلى الله سبحانه وتعالى في حين جون ديوي أكد على المنفعة .
v من حيث المنهج :
المنهج هو الطريق المعبد الموصل إلى الغاية المنشودة وان كان في هذا خلاف بين المفكرين عبر تعاقب الزمن وتطور الفكر التربوي وتشعب العلوم وتعقدها ومع هذا وتبقى التربية ومناهجها هي الميزان الأول الذي نقيس به تقدم الإفراد وتطور الأمم والشعوب .
o نجد أن الفكر الإسلامي تبنى المنهج الإسلامي بصورة واضحة فكرا وتطبيقا لاسيما عند ابن خلدون والغزالي اللذان اعتبر المنهج الإسلامي الجوهر الذي لا يمكن الحياد عنه وهذا الجوهر الذي يقصده المفكرون الإسلاميون يحمل في طياته قوة الاعتراف بالله والخضوع له وهذا ماجعل التربية في الإسلام تتطبع بطبائع وشرائع الإسلام وقوامه ويتسم المنهج الإسلامي بعدة خصائص منها
- الثبات والديمومة وأنه مستنبط من الشرع .
- عدم حيلان الزمان والمكان فيه صالح لكل الأوقات والأمكنة .
o نجد الفكر الغربي يركز على تعدد المناهج في الدراسات الفكرية إذا أخذنا بالاعتبار أراء روسو وجون ديوي ،صاحب منهج النشاط فنجد المفكرين الغربيين اعتمدوا على نقاط في إرساء المنهج منها :
الخبرة : جون ديوي يرى ان الخبرة هي الحياة والحياة هي الخبرة وهما رد فعل مستمر للمحيط .
المنفعة : أي أهمية الشيء حسب القيمة التي يقدمها .
الديمقراطية : حق التعبير بكل حرية عن الأفكار والمعتقدات .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طيبي إبراهيم ،مرجع سابق ،ص84-85
v الطرق التربوية والتعليمية :
o نجد الفكر التربوي الإسلامي يضع أمام الفرد طرق تعليمية وتربوية تترجم الممارسات الحياتية تتمثل في قواعد عامة يطبقها الفرد للوصول إلى الكمال الإنساني ونقاء الروح .
1) الخضوع العام والكلي لشخصية المعلم والإيمان الشامل بكل ما يقدمه ويقوم به من أعمال والسبب يعود في رأي العلامة الغزالي إلى الدراية الشاملة للمعلم عن المعارف والعلوم ونجد جون ديوي يعقب ويوضح أراء الغزالي أو بمعنى أخر يوافق الغزالي في تجربة المربي وخبرته وأهمية الإتباع والتقليد له وذالك لقصور المتربي وعدم نضجه فيقول الغزالي ( ... ومهما أشار عليه المعلم بطريقة في التعلم فليقلده في التعلم وليدع رأيه فان أخطأ مرشده انفع له من صوابه )¹
2) التدرج في التعليم والترتيب من العلوم الإلهية وذات فرض كفاية وهذا ويمكننا القول ان المفكرين الإسلاميين أوحوا بطريقة مثلى في التعلم وعدم إرهاق فكر المتعلم ومرضاة الرب .
3) الترتيب المنطقي للعلوم بين جوانب وطرق التعلم
أولا: طبيعة الفرد واستعداداته .
ثانيا : المواد التي يتعلمها إلى جانب مراعاة مستوى التعلم.
o وعلى غرار الدراسات الفكرية الإسلامية نجد ان المفكرين الغربيين أمثال روسو وديوي ولوك وباستلوزي انطلقوا من طبيعة الفرد المتعلم كون الانتباه الموجه يكون جزئي وموزع يبقى مرهون بالمراقبة المستمرة .
كما أنهم ركزوا على الخبرة لان التربية الصحيحة تأتي من الخبرة حتى أننا نجد عندنا في شروط التوظيف يطلبون عامل الخبرة وركزوا أيضا على البناء التصوري كون عملية التربية في حد ذاتها عملية قائمة على التصور الإنساني للواقع المعاش – تصور الحقائق -
نرى ان المفكرين الإسلاميين ركزوا على الممارسات الفعلية للتعليم من قبل المعلم والخبرة إلى جانب التدرج في اكتساب العلوم والترتيب من العام الخاص في حين نجد ان الفكر التربوي الغربي يركز على الفوارق الفردية والمنفعة الخاصة هذا وان وجدنا بعض التفاهم بين الغزالي وديوي في نقطة الخبرة أي خبرة المعلم كونه المرشد الأساسي في العملية التربوية والتعليمية.
ويقول جون ديوي ان الطرق التعليمية خاضعة لتطور قوى الفرد وميوله كما يرى ان القانون الذي يجب ان يتماشى مع المعلم هو طبيعة المعلم نفسه ويعاب على ديوي انه أهمل الجانب الروحي والديني وامتثل لقوانين النفعية وهذا مايتنافى مع قواعد المجتمع الإسلامي فالإنسان ليس جماد بل هو يعي ماحوله ويميز بين الصحيح والمغلوط . ²
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – أبو حامد الغزالي ، إحياء علوم الدين ،مرجع سابق ، ص50
2- طيبي إبراهيم ، مرجع سابق ،ص 133-135
o أن الفكر التربوي الإسلامي قد اعتمد على بعض الفلسفات التربوية على غرار مفكريه الغزالي وابن خلدون فالغزالي هو من طوع الفلسفة للإسلام ولقد لقب بحجة الإسلام فالفكر الغربي وعلى رأسه جون ديوي هوجم من طرف عدة علماء قائلين : ( الفلسفة البرغماتية ليست فلسفة وإنما هي هروب من الفلسفة ) وهنا يتضح أن جهود المفكرين الإسلاميين تنصب حول تفسير الواقع وفق تصورات مرهونة بمطابقتها للشرائع وقوانين الإسلام في حين أن الغرب لا يراعون في تصوراتهم المذاهب الدينية وهذا ماتوحي به الصراعات بين الديانات المسيحية بين تشدد الكاثوليك وانفتاح البروتوستات .
وان لرجعنا إلى القيم والمثل الأخلاقية نجد ابن خلدون ركز على الجانب الأخلاقي للعلم والمتعلم واعتبر أن الأخلاق هي أساس الحياة والقيمة الصالحة التي تساعد الفرد على تكوين علاقة فعالة مع مجتمعه ومن حوله إلى أن جون ديوي يقول أن النفعية أخلاق وان معيار القيم في تغير وذالك قيم العهد السابق لتصلح عهد اليوم .
نجد هذه الأفكار الغربية تتنافى مع الواقع في المجتمعات النامية والعربية خاصة فالأخلاق هي العمود الأساسي في العملية التربوية نجد الفلاسفة القدماء على غرار أرسطو وكانط يركزون على أهمية الجانب الأخلاقي في التربية .¹
ومن المواضيع الأخرى التي تكلم عنها المربين المسلمين نجد مشكلة اللباس وخاصة التميز بين لباس النساء والرجال وهذا مالا نجده عند الغرب أو حتى في بلادنا العربية فاللباس الرجولي أصبح متداول لدى النساء واللباس النسوي عليه إقبال من الرجال وأصبح الصعب التمييز بين ماهو رجولي وأنثوي وفي هذا الصدد يقول ابوحامد الغزالي ( ... وان يحبب إليه من الثياب الأبيض دون الملون ،يقرر ذالك عنده شان النساء والمخنثين وان الرجال يستنكفون منه ويكرر ذالك عليه ومهما رأى على الصبي الذي تعود التنغم والرفاهية ولبس الثياب الفاخرة وعن مخالطة كل من يسمعه ما يرغب فيه )²
على عكس مانجده في الجانب الغربي فهو يشجع على الاختلاط فهو يرى في ذالك مصدر لا للتقدم والتطور حيث أننا نجد المجتمعات الغربية أن الطفل إذا بلغ سن المراهقة ولم يصحب صديقته إلى البيت معه ويقدمها إلى أهله انه مريض نفسي ويعرض على طبيب نفساني ويعتبر شخص غير طبيعي ومعقد .
أما الفكر الإسلامي فهو ينكر الاختلاط بين الذكور والإناث ويعتبره رذيلة يسموا عنها الإنسان المسلم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- سعد احمد مرسي، مرجع سابق، ص496.
2- د/ جمال معتوق، مرجع سابق، ص90
1-1 نتائج الدراسة :
أن الفكر التربوي الإسلامي على الرغم من أن الأفكار التي جاء بها سبقت الفكر الغربي بعدة قرون حسب النموذجين المتخذين في الدراسة ( الغزالي وابن خلدون )
تعتبر الأفكار والمنطلقات التي انطلق منه واقعية وموضوعية أكثر من أفكار الغرب في حدود دراستنا ( ديوي وروسو ) نجد ديوي ركز على الكسب الحر النفعي الأناني الخاص بالفرد دون المجتمع وروسو كذالك ركز على تربية الطفل في كتاب إميل وكانت أفكاره خيالية بعيدة عن الواقع مستنبطة حسب أرائه لا تستند على دليل أو حجة عكس الدراسات الإسلامية المستنبطة من الكتاب والسنة المطهرة حتى أننا نجد نظرية جون جاك روسو في التربية الطبيعية قد فشلت في تربية الغرب نفسه وليس كقاعدة عامة للمجتمعات الإنسانية بينما ظلت أفكار الغزالي وابن خلدون والموجودة في مؤلفاتهم على التوالي ( إحياء علوم الدين ، أيها الولد الاقتصاد في الاعتقاد ) ، ( ديوان العبر ) ...
مازالت إلى اليوم مصادر مهمة للعمل في شؤون الحياة اليومية العلمية والعملية حتى أن المقدمة ترجمت وأصبحت تدرس في الجامعات الغربية.
ومنه يمكن القول أن الغرب ليس المصدر الوحيد في الفكر التربوي فهناك مصادر أخرى للتربية في المجتمعات الإسلامية ومهملة مثل القابسي والزرنوجي وابن القيم الجوزية وغيرهم ...
وهذا لاينفي انجازات بعض المفكرين الغربيين في المجال التربوي والفكري فهناك عدة أعمال قيمة مثل أعمال دوركايم الذي طوع الدراسات الإنسانية للتجربة ( اعتبار الظواهر الاجتماعية كأشياء ) ( قواعد المنهج ) وجون ديوي ومؤلفه ( المدرسة والمجتمع ) .
غير أننا من خلال هذه الدراسة النموذجية المفكرين الغزالي وابن خلدون من الجانب الإسلامي وجون ديوي وروسو من الجانب الغربي اتضح لنا أن التربية الإسلامية تهتم بالعقل والتربية الغربية تهتم بالحواس والفكر الغربي أفاد بفلسفات التربية لكنه لم يطوعه للدين عكس الإسلام والذي استطاع الغزالي أن يطوع الفلسفة له والتربية في الإسلام هي أساس تكوين الفرد .
تعتبر الدراسات التربوية المقارنة بين المجتمعات الإسلامية والمجتمعات الغربية محورا مهما في أصول التربية الإسلامية ولقلة الدراسات في هذا المجال برز فلاسفة الفكر الغربي في مجتمعاتنا الإسلامية ومثل هذه الدراسات تبرز أهمية دراسات علمائنا المسلمين أو كما أشار الغزالي في عنوان كتابه( إحياء علوم الدين) أي أننا بهذه الدراسة نحي علوم الدين ومن هذه الفكرة تبرز إشكال البحث أوالدراسة فلقد تم اختيار كل من الغزالي وابن خلدون كنموذجين عن الفكر الإسلامي وجون ديوي وروسو عن الجانب الغربي لإجراء مقارنة بين إسهامات المفكرين كل حسب انتمائه العرقي والتاريخي وانجازه الفكري بهدف الوصول إلى إبراز مكانة الفكر الإسلامي في التربية ونشأة الفرد المتعلم الشغوف بطلب العلم .
1-1 حدود الدراسة:
1-1-1 الحدود الزمنية :
أن تحدثنا عن أبو حامد الغزالي وابن خلدون كنموذجين في دراستنا عن الفكر الإسلامي فان الحدود الزمنية تعود إلى القرنين الحادي عشر والخامس عشر غير أن الفكر الغربي كان يمشي آنذاك في عصور الظلام إلى أن بدأت أفكار بعض المفكرين بالظهور أمثال ديوي وسارتر وروسو وباستلوزي أي في حدود القرن الثامن عشر أي فرق سبعة قرون على الأقل بين النموذجين ولقد راعت الدراسة ذالك .
1-1-2 الحدود المكانية :
الفكر الإسلامي نشا في مجتمعات شرقية تختلف ظروفه السياسية والاجتماعية والاقتصادية عن الفكر الغربي الذي نشا وسط مجتمعات غربية تعاني من الصراع بين الكنيسة والسياسة الحاكمة .
1-2 منهج البحث :
استخدمنا المنهج الوصفي لاستقراء أوجه الشبه والاختلاف بين الفكرين واستقراء نقاط الضعف والقوة لكلا الفكرين إلى جانب المنهج المقارن حسب طبيعة الأفكار المندرجة عن واقع الفكرين كما أن المنهج الوصفي يلائم الدراسات المقارنة .
1-3 مجالات المقارنة :
v معنى التربية :
تعرف التربية بأنها عملية نمو والنمو ظاهرة طبيعية يمر بها الإنسان كما أن هذا النمو تتشعب منحناياته وذالك لإحداث التفاعل الديناميكي المتعدد الجوانب كما تظهر نتائجه في الاستمرار والتقدم والزيادة والتحسن المرغوب فيه وإذا حاولنا الوصول إلى تحديد معنى التربية عند كل من جون ديوي وأبو حامد الغزالي فإننا نجد كل منهما يؤمن بهذا النمو بمفهومه الخاص فلو استرسلنا في الحديث عن التربية ومعناها عند الغزالي لوجدناه يحدد مفهومها كالتالي ( ... ومعنى التربية يشبه فعل الفلاح الذي يقلع الشوك ويخرج النباتات الأجنبية من بين الزرع ليحسن نباته ويكمل ريعه ) ¹
فهذا التشبيه الذي أقامه الغزالي بين عمل الفلاح وعمل المربي القصد منه هو تهيئة البيئة الصالحة بمفهومها الشامل المعنوي والمادي والطبيعي وذالك قصد الوصول إلى النمو الطبيعي الذي يحتاجه كل فرد .
ومن هذا التعريف الأولي نجد أن جون ديوي يشاطره الرأي في هذا فبعرف التربية على أنها ( … هي مساعدة الحيوان الصغير النامي العاجز لكي يصبح إنسانا سعيدا وذا أخلاق قادر فعال كفؤ ) ²
هذا ونجد الغزالي يؤكد على عملية النمو فيرجع بالتربية إلى أول النشا فيقول :
( … ينبغي أن يراقبه من أول مرة فلا يستعمل في حضانته وإرضاعه إلى امرأة صالحة متدينة تأكل الحلال فان اللبن الحاصل من الحرام لابكرة فيه فإذا وقع عليه نشا الصبي انعجنت طينته من الخبث فيميل طبعه إلى ما يناسب الخبائث ومهما رأى فيه مخايل التميز فينبغي أن يحسن مراقبته ) .
( … هذا تصريح في التحكيم بوراثة الأخلاق إذ لا يمكن أن تعتبر الرضاعة نوعا من الأدب والتدريب إذا كانت تسبق الإدراك والتمييز ويضاف إلى هذا أن الطفل قد يشاهد عليه الميل إلى الحياء وانه يجب استغلال هذه الغريزة فيه ومن الواضح انه لو كانت الفطرة جميعها خالصة من كل الميول لكان واجبا أن يغرس الحياء في الطفل بالتربية والرياضة لان ينمي غير الموجود ).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- أبو حامد الغزالي ،رسالة أيها الولد ، دار الشروق ط1، 1975م ص16 .
2- طيبي إبراهيم ، الفكر التربوي بين الغزالي وديوي ، ،أطروحة دكتوراه، الجزائر ،1982م ص56.
3- زكي مبارك ، الأخلاق عند الغزالي ، دار الكتاب العربي ، 1968 م ص142 .
وإذا كان الغزالي قد اعتبر مرحلة البدا في التربية منذ الميلاد فهذا نفسه ماذهب إليه جون ديوي حيث اكدهذا بقوله : ( ... أن كل تربية تبدأ عن طريق مشاركة الفرد في الشعور الاجتماعي للجنس البشري وهذه المشاركة تبدأ فـي الغالـب بصورة لا شعورية منذ الميلاد وهي تشكل باستمرار قوى الفرد وتشبع شعوره وتكون عاداته وتهذب آراءه ومبادئه وتثير إحساساته وانفعالاته وعن طريق هذه التربية اللاشعورية يشارك الفرد بالتدريج في الكنوز والذخائر العقلية والخلقية التي نجح المجتمع في جمعها ويصبح وريثا للمدينة كلها .).¹
وإذا كان جون ديوي يحدد هذا المعيار الذي يمكن من خلاله أن يدخل الفرد في الحياة الاجتماعية نجد من جهة أخرى الغزالي هو بدوره يؤكد على هذا بقوله:
( ...وينبغي صيانته بان يؤدبه ويهذبه ويعلمه محاسن الأخلاق .) ²
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- زكي مبارك ، نفس المرجع ، ص142.
2- أبو حامد الغزالي ، إحياء علوم الدين ، ج3 ،دار إحياء الكتب العربية ،دون سنة نشر .ص62
v الأساس الاجتماعي:
يؤكد لنا جون ديوي بأن للأساس النفسي لا قيمة له في حد ذاته ما لم تزودنا الحياة الاجتماعية بمتطلباتها و حاجياتها و ظروفها العامة والخاصة وهذا ما أكده بقوله:(...أن معرفة الظروف الاجتماعية المدنية الحاضرة ضرورية ولازمة لتفسير قوة الطفل تفسيرا صحيحا فالطفل غرائز و ميول لكن لا ندرك معناها وقيمتها إلا إذا أدركنا مرادفاتها العملية و آثارها في الحياة الاجتماعية ويجب أن يتمكن من ردها إلى ماضيها واصلها الاجتماعي....)¹
كذلك نجد جون ديوي يتفق مع الغزالي في الجانب الاجتماعي إذ أننا نجد الغزالي يحاول أن يحيط الطفل بكل العوامل التي تساعده على تكوينه في جوانب الحياة إذ يقول (...إذ رأيت صبيان النصارة لا يكون لهم نشؤ إلا على التنصر،وصبيان اليهود لا نشوء لهم إلا على التهود،وصبيان المسلمين لا نشوء لهم إلى على الإسلام .) ²
وفي قوله نلتمس أهمية الجانب الاجتماعي وأثره على التربية كون الصبي يولد ناقصا غير كامل لديه قابلية للتطور والنمو ذالك حسب قوة العوامل المحيطة به .
v أوجه الشبه والاختلاف بين الفكرين
من خلال استقراء أوجه الشبه لكلا الفكرين الإسلامي والغربي نلاحظ من خلال الدراسة النموذجية للعالمين مثل روسو والغزالي أنهما نشا يتيمي الأب وفقد حنان وعطف الوالدين وربما هذا الواقع الذي جعل هؤلاء يهتمون بالطفل والبيئة التي يعيش فيها وطريقة معاملته .
وفي عصريهما كثرت الصراعات والتناقضات السياسية والاجتماعية والثقافية فالغزالي عاش في العصر العباسي حيث قمة الصراع الشيعي السني أما روسو عاش في عصر الإصلاح والتنوير في أوربا حيث انتشر الظلم والفساد والشرور والحرب على الدين ،كما أن ابن خلدون عاش في وقت تلقى فيه عدة مصائب كفراق أهله وسجنه لعدة مرات كل هذه المشاكل الاجتماعية التي تركت اثر على رواد الفكر التربوي كان لها علاقة بلغة على كتابات هؤلاء كل حسب الأفكار الشخصية والبيئة التي يعيش فيها إذا كان مواليا لها .
حتى ربما كتابات هؤلاء العلماء كان لها هدف في مجال الفكر التربوي حيث كل واحد منهم بذل جهدا في طرح آراءه قصد إنارة الطريق وإيضاح السبيل للذين يأتون من بعدهم والغرض هو الإسهام في مجال الفكر التربوي.³
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- طيبي إبراهيم، مرجع سابق، ص61.
2- ابوحامد الغزالي ،مرجع سابق ،ص 63.
3- فيصل محمد عبد الوهاب ، تربية النشء بين الغزالي وروسو ، السودان سنة 2005
ولقد اتفق هؤلاء العلماء على أهمية تربية النشء ورعاية الصغار وأهمية الوالدين في التربية فنجد كل من رواد الفكرين أعطوا نظريات وأراء في هذا المجال فمثلا ابن خلدون كتب في التربية ،العلم والعلوم وقسمها وأعطى لكل مسماياتها كما نجد الغزالي من خلال كتاباته بين لنا طريقة تربية الأولاد ودور المعلم والإباء في تكوين شخصية الطفل ،كذالك روسو الذي كتب كتاب إميل وهو يوضح المراحل التي يمر بها إميل منذ صغره حتى يصير رجلا كما نجد ديوي ونظريته البرغماتية ومنهج النشاط الذي يساهم في تحديد أهمية المدرس والمدرسة بالنسبة للتلاميذ .
واتفقوا على أهمية النشاط وذم الكسل للمتعلم كما أنهم طالبوا بأهمية الشفقة واللين والرحمة في التربية للمتعلم وفي هذا القبيل تعد هذه النقطة حساسة لاعتبار أن التربية بالقوة لن تربي بل تحسب استبداد وفرض هيمنة علمية أو سلوكية ونحن نشاطرهم الرأي في أن الصغار لابد لهم من معاملة طيبة وهنا نجد مقولة عمر ابن الخطاب رضي الله عنه في تربية الصغار ( علمه سبعا واضربه سبعا وصاحبه سبعا ) نلاحظ انه في المرحلة الأولى من حياة الطفل تكون التربية بالرحمة والشفقة ثم بالتدريج بالضرب أثناء العصيان وتنتهي هذه المرحلة ببلوغ الطفل سن الرشد أو بالأحرى المراهقة حين لايقبل العنف والسيطرة والتوجيه وهنا تكون المصاحبة .
كما نجد أن الفكر التربوي الإسلامي انطلق من بيئة إسلامية أساسها كتاب الله وسنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم.
وبالمقابل نجد الفكر التربوي الغربي تأثر بالمجتمع الأوربي وسيطر ة الكنيسة .
ومن أوجه الخلاف التربية الدينية التي اعتبرها ابن خلدون والغزالي أساسية مهمة للمتعلم في حين قوبلت بالرفض من روسو.
كذالك الرضاعة التي اهتم بها الغزالي لأهميتها الكبيرة مع أن روسو أهملها تماما
ومن جوانب الخلاف التربية الخلقية منذ الطفولة في أراء الغزالي وابن خلدون في حين اعتبر روسو الأخلاق في المرحلة الثانية من نمو الطفل ( 5-12 سنة )
وفي المرحلة الرابعة ( 15-20 سنة ) فقط .
ومن نقاط الخلاف التربية العقلية والحواس يرى الغزالي أن العقل هو الأصل ومنبع العلم أكثر من الحواس ،بينما روسو اهتم بالحواس أكثر من العقل .
كما نجد الغزالي وابن خلدون ركزوا على أهمية المعلم باعتباره القدوة الحسنة للطفل على عكس المفكرين الغربيين خاصة روسو فهو يرى أن الطبيعة هي المعلم الأول .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيصل محمد عبد الوهاب ،نفس المرجع ،ص167 .
v نقاط نقدية:
· الفكر التربوي الإسلامي:
سنحاول في هذه النقاط إبراز بعض الآراء التي نبغ فيها المفكرون المسلمون مع ذكر النقائص أو بالأحرى الثغرات الفكرية التي بقيت دون شرح مفصل أو محل غموض في الفكر .
ينطلق الفكر التربوي الإسلامي من مصادر إسلامية القرآن والسنة .
يعطي مكانة للتربية والتعليم وقيمة عظمه وجعله من اشرف المهن.
كما اهتم المفكرون الإسلاميون بتصنيف العلوم من حيث القيمة والفائدة مقدمين العلوم الدينية على الدنيوية في ضرورياتها وأهميتها للمتعلم كما نادوا بضرورة التدرج في التعليم .
اهتموا بالمعلم وخصوه بوظائف عديدة ونادوا بآدابه وكرموه عن الجاهل .
اهتموا بالعقل وجعلوه مصدر للبحث عن الحقيقة لدى المتعلم.
اهتموا بالتربية الدينية والأخلاقية في كل مراحل عمره .
اظهروا الروابط بين المعلم والمتعلم ( الشفقة، الرحمة اللين...) .
تناولوا آداب الطعام واللباس من منطلق القيم الإسلامية.
وجعلوا الهدف من التربية والتعليم السعي لسعادة الإنسان في الدنيا والآخرة لذالك كانوا واقعيين وموضوعيين في أفكارهم التربوية .
اهتموا بتعليم المرأة وأعطوه مكانة اجتماعية من منطلق ديني .
· الفكر التربوي الغربي:
تميز الفكر الغربي بالثورية على الفساد في المجتمعات الأوربية والغربية حيث نجد روسو يعتبر التربية وسيلة الإصلاح الأولى .
شجعوا على تعلم المهارات اليدوية للأطفال بهدف تنمية ذكاءهم وغرس مبدأ الاعتماد على النفس وهذا الذي كان عليه ديوي في صغره نشء على الكسب الحر
الاهتمام بالنظريات التي تضع الأساليب ومحاور البناء الاجتماعي ونلتمس هذا في الفلسفة البرغماتية والفلسفة الطبيعية لروسو حيث يرى روسو أن طبيعة الطفل خيرة فلا بد من المحافظة عليها بحرية كاملة وان مصدر الشرور هو الإنسان والمجتمع كما اهتم بالحواس وأهميتها في التربية والعاطفة والإحساس في تربية المتعلم .
والفكر الغربي شجع على تعلم المهارات وشبهها بهواية التكدس وقت الضيق .
رفض المدينة ومجتمعها في تربية الأطفال على حد رأي روسو وطالب بالتربية في القرى والأرياف .
وضع الغرب مناهج للتربية وهذا مازاد في قيمتها مثل منهج النشاط لديوي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيصل محمد عبد الوهاب ، نفس المرجع ،ص 168
v نقد الفكر التربوي الإسلامي:
- تعدد المذاهب والفرق الدينية جعل شكا في صحة الآراء بين التشدد والتعصب واللين ،مثل الصوفية عند الغزالي الذي ينكره العلماء السنيون في وقتنا الحاضر .
-تعدد المذاهب والفرق الدينية جعل الشك في صحة الآراء بين التشدد واللين مثل الصوفية عند الغزالي والذي ينكره العلماء السنيون اليوم .
- إهمال تعليم المرأة على الرغم من أن الإسلام ينص على تعليم المرأة (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة)
- اختلاف حول إجارة المعلم رغم أن المعلم يحتاج إلى مصروف كغيره من الناس.
- الاهتمام بالعلوم الدينية وإهمال العلوم المهنية .
-التشدد على الأطفال في قضية المأكل والمشرب واللباس ونجد الغزالي ربما يمارسها في قوله اللباس الخشن والأكل الخشن والمنع من النوم نهارا لانه يولد الكسل لكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : قيلوا فان الشياطين لاتقيل
v نقد الفكر التربوي الغربي :
- اهتم بالفلسفات الطبيعية والنفعية إذ كانت تعتمد على أفكار خيالية بعيدة عن الواقع في تحقيق معنى التربية .
- إهمال الجانب الديني في التحقيق مبادئ التربية باعتبار أن هذا الأخير لا ينفصل عن ضروريات الضبط الاجتماعي .
- إهمال التربية العقلية والاعتماد على الحواس في التربية والاعتماد على منطلقات فلسفية.
- معظم الذين كتبوا في التربية فلاسفة ولم يكونوا علماء تربية وهذا ينقص من أهمية آراءهم ولتباع مبادئهم وتحقيق أهدافهم
-الخلفية التاريخية لبعض المفكرين بحيث نجد أن جون جاك روسو هو في حد ذاته عاش في الطرقات متشردا وأبناءه الخمسة عاشوا مشردين وبالتالي يتكلم في التربية ولم يحترم معناها حتى في أبناءه هذه تكون بمثابة ثغرة أو ركيزة أساسية ساقطة تهز قوة الفكر الغربي .
- إهمال الجانب الروحي حتى الدين والمعتقدات والانسلاخ القيم والاهتمام بالجانب النفعي المادي وهذا مستحيل أن تخرج التربية عن المعايير الاجتماعية ومجال القيم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيصل محمد عبد الوهاب ،نفس المرجع ، ص169
ومن أوجه الاختلاف بين الفكر التربوي الإسلامي والفكر التربوي الغربي نجد أن الفكر التربوي الإسلامي مر بمراحل عديدة في تطوره .
-المرحلة الأولى: مرحلة البناء
وتبدأ هذه المرحلة من ظهور الإسلام حتى نهاية الدواة الأموية واهم سماتها العامة في التربية في ذالك الوقت إنها كانت تربية عربية إسلامية خالصة وإنها استهدفت قواعد الدين الجديد وأنها شهدت ميلاد الفرق الكلامية والدينية وأنها اعتمدت على العلوم العقلية واللسانية وأنها اعتمدت على الكتاب والمسجد والمكتبة كمراكز للتعليم .
-المرحلة الثانية : مرحلة العصر الذهبي
وتبدأ بالعصر العباسي حتى انهيار الخلافة العباسية وسقوط بغداد واهم السمات العامة للتربية الإسلامية في هذه الفترة :
- دخول العلوم العقلية
- إنشاء المدارس
- ظهور الآراء التربوية المتميزة
-المرحلة الثالثة: مرحلة التدهور والانحطاط
تبدأ بالحكم التركي العثماني حتى استقلال البلاد العربية واهم السمات العامة للفكر الإسلامي في هذه الفترة هي :
- تجمد الفكر الإسلامي
- العودة إلى الاقتصار على العلوم النقلية
- جمود المؤسسات التعليمية
- هيمنة الثقافة التركية الغير إسلامية
-المرحلة الرابعة: مرحلة التجديد وإعادة البناء
وتشمل هذه الفترة بداية استقلال البلاد العربية من الحكم التركي وتمتد حتى العصر الحاضر واهم السمات العامة للتربية في هذه الفترة:
- اقتباس النظم التعليمية العربية
- العناية بالعلوم العقلية والحديثة
- تغلغل الثقافة الغربية
- محاولة تطوير مؤسسات التعليم التقليدية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سعد مرسي احمد، مرجع سابق، ص299
أما الفكر التربوي الغربي فقد مر بمرحلتين هامتين في تطوره.
المرحلة الأولى: التفكير اللاهوتي
هذه المرحلة تعود إلى ماقبل القرن السابع عشر وكانت تعتمد هذه المرحلة على تفسير الظواهر لاهوتيا واعتماد الكتابات على الأساطير والخرافات والاعتقادات المتناقلة بينهم وما يميز هذه الفترة :
- التقليد وإتباع الكتابات السابقة .
- مصدر الفكر من الكنيسة .
- هيمنة الإقطاع على كل القطاعات .
- الطبقية في التعليم .
المرحلة الثانية: مرحلة التفكير العقلي
وقد صاحبت هذه الفترة الثورة الفرنسية سنة 1789 م حيث تحول التفكير في هذه المرحلة من تفكير لاهوتي خرافي إلى تفكير عقلاني واقعي وتميزت هذه الفترة بما يلي:
- القضاء على النظام الإقطاعي .
- خروج الكنيسة واستقلالها عن النظام العام .
- استقلال العلوم.
- التربية الحديثة ونبذ العنصرية.
وتعتبر هذه المرحلة مرحلة إشعاع علمي حيث أثرت الثورة الفرنسية على الأنظمة الديكتاتورية واعتبارها مرحلة تحرير علمي كان لها صدى في مختلف أنحاء العالم حيث مر فيها المجتمع الغربي من مرحلة الكساد إلى مرحلة التجديد ومن عصر الظلمات إلى عصر الأنوار
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سعد احمد مرسي، نفس المرجع، ص 300
من خلال استعراض أوجه الشبه والاختلاف وكذا النقاط النقدية لكلا المفكرين تندرج هذه الدراسة في إطار الكشف عن عملية التغير الاجتماعي وإسهامات المفكرين الغرب والعرب في مجال تطور الفكر التربوي عموما وهذا من خلال استدراج نقاط هامة لها صدى كبير في عملية التفاعل والتنشئة الاجتماعية لكلا الحضارتين الإسلامية والغربية على غرار أفكار كل من الغزالي وابن خلدون وديوي وجون جاك روسو في أهم النقاط التي أثير حولها الجدل والنقاش مثل تعليم المرأة آداب العلم والمتعلم تصنيف العلوم مسألة الأخلاق والدين إلى جانب التعرف على أسلوب التفكير المجتمعي لهذه الشعوب ولهؤلاء المفكرين بين واقعين متلازمين هما واقع الفكر الإسلامي والفكر الغربي بين أفكار مازالت ولازالت تبرز فكر صناعها رغم انقضاء قرون من بزوغها هذا ضمن متغيرات الحراك الاجتماعي والتغير الاجتماعي ومتطلبات الحياة اليومية .
إن الدراسات في الفكر التربوي تكون موجهة للتربية بما تحتويه هذه التربية من أفكار وتطورات وهذا لا يعني أنها تخص شعبا أو فئة معينة باعتبار التربية الوجه أوالموجه الحضاري الشامل للبشر وكان طرح الأفكار التربوية ابتداء من هذا المنطلق لكن هناك طرح أخر يقول بان الفكرة وان كانت قد ترجمت في فكر ما أو واقع ما وبعبارة اصح سواء أن كانت هذه الفكرة شرقية أو غربية من منطلق الغرب أو الشرق ،الإسلام أو المسيحية حتى انه بعض الأفكار الشرقية استلبت وأعلنت على أنها غربية .
علم الاجتماع نفسه واقعه ونشأته ووجوده عربي شرقي لكن أول من أعلن عن وجوده بهذه الصورة هم الغرب في شخص كونت سبنسر سان سيمون و إميل دوركايم والصراع بين الفكر الإسلامي والغربي محصلة لتغريب واغتراب واستلاب مما تموجت به الساحة الفكرية من أفكار علمية وتربوية .
والفكر الإسلامي لاعتباره أنموذجا حياتيا احدث ومازال يحدث – يبدع –لاعتباره الشرارة الروحية التي فجرت قوى الإبداع والتقدم الفكري على حد سواء فالتقدم يمثل الدوافع النفسية والمادية التي يعتبر الإسلام ممولها الحصري أن صح القول مما يقدمه من معطيات عن الإنسان والكون والرب على غرار الفكر الغربي الذي يمثل أنموذجا حياتيا من نوع أخر يستمد إسراره وأفكاره من الفلسفات الحياتية وأراء المفكرين التي أبرزت نقائص الغرب في عصور الظلام خاصة أوربا في العصور الوسطى .
إذا كنا أمام الفكر التربوي بين اتجاهين فكرين هما الفكر الإسلامي والفكر الغربي فإننا نقع في مشكلة الصراع بين الأفكار وهي ليست جديدة بل هي قديمة قدم الإنسان على البرية –الأرض-
o الفكرة الغربية تعود أصولها إلى العهد الإغريقي أي عند اليونان والرومان وصولا إلى ماهي عليه اليوم في ظل التكتلات السياسية والعرقية في المجتمع الغربي .
o الفكرة الإسلامية ترجع إلى العهد الفرعوني من رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون وصولا إلى رسالة خاتم الأنبياء والرسل محمد صلى الله عليه وسلم فحديثا عند الدول الذات طابع إسلامي .
والعلة أوالسبب ليس في أن الإسلام دين ولحد يشمل كل الأعراف والشعوب ويؤمن باله واحد فالديانة اليهودية تؤمن بإله واحد أيضا لكن أصابها التحريف والتغليط فأصبحت ديانة قومية .
ويمكن القول أن الفكر يرتبط بالثقافة أو الحضارة التي ينبع منها وهو يصدر أساسا من منطلق عقائدي ديني (الإسلام ، المسيحية ) وقد تتغلب النزعة الفردية على الفكر مثل جون ديوي النزعة البرغماتية والغزالي النزعة الصوفية ومنها قد يقاد الفكر التربوي إلى حالات وأوضاع تتطبع بتبطع الآراء والأفكار .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
علي خليل أبو العينين ، أصول الفكر التربوي الحديث ، دار الفكر العربي ، القاهرة ،دون سنة نشر ،ص46-47.
ومن أوجه الاختلاف بين الفكرين في تربية الطفل نجد أن الفكر التربوي الإسلامي ينصح بعدم تعويد الطفل على التنعم والراحة والرفاهية وفي هذا نجد الغزالي هو الذي طرح هذه الفكرة كما طالب بتعويد الصبي بالتواضع وعدم الافتخار على أقرانه واحترام منهم اكبر منه سنا .
أما الفكر الغربي فهو يهتم بتربية الطفل في رفاهية وسعادة ونلتمس هذه الفكرة في أراء روسو حيث يقول : ( أحبوا الأطفال يسروا لها ألعابها ومسراتها )
وفي هذا نلاحظ بان جون جاك روسو ربما بالغ بعض الشيء حيث نجد المقولة التي قالها أحبوا الأطفال ويسروا لها مسراتها تتنافى والوضعية التي يعيشها أطفاله الخمسة وماعانوه من حرمان من قبله ومن قبل الآخرين .
o الفكر التربوي الإسلامي نجد أفكاره تتحدث عن طاعة الوالدين وتعتبر الإسلام سبيل النجاة والنجاح في الدنيا والآخرة.
o أما الفكر الغربي فتغيب هذه الفكرة في كل المؤلفات فيتحدثون عن العلاقة بين الآباء والأبناء وبين الأمهات والأبناء ولا يتكلمون عن طاعة الأبناء للوالدين رغم أنها وجهة أخلاقية رفيعة تفصل بين الشخص الفاضل والرذيل ويركزون على العلاقة الحسنة ولو أن العلاقة الحسنة تحمل في طياتها الطاعة والاحترام لكن ليس بمعناها الكامل .¹
يتوافق الفكر التربوي الإسلامي والغربي في قضية أن التربية هي الطريقة الأساسية للتقدم والإصلاح الاجتماعي وهذا ما يقوله المفكر الأمريكي جون ديوي أما في الفكر الإسلامي فنجد الغزالي يقر بان التربية هي التي تسير الإنسان إلى الإصلاح والتقدم وكان ينزع إلى الواقعية في تفكيره ملقيا الأهمية إلى سعادة الدنيا والآخرة مع حرص شديد على نبذ الرذائل والتحلي بالفضائل ²
ومن هنا يمكن القول أن كلا الفكرين اتفقا على هذه الفكرة بان التربية سبب رئيسي للإصلاح الاجتماعي والتقدم كل حسب اعتقاده .
o الفكر التربوي الإسلامي يعتبر طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة وواجب وحق لكل فرد عاقل .
o أما الفكر الغربي فيعتبر العلم شيء مقدس ولا يمكن للفرد العيش من دون علم وان التقدم والتخلف مرهون بطلب العلم وفعلا هذه حقيقة واقعية، فعندما تمسكوا بالعلم وصلوا إلى مبتغاههم الذي أصابه من التخلف ما جعله يعجز عن تحقيق أمنه وهذا كله بسبب التخلي عن العلم والابتعاد عن الدين لان الله سبحانه وتعالى يقول :( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- سهام محمد بدر، مرجع سابق، ص 119-149
2- سعد مرسي احمد ، مرجع سابق ، ص302
o كما نجد الفكر التربوي الإسلامي هو نتاج عن تحديد تصور الإنسان ومهمته في الحياة فالتربية في الفكر الإسلامي تقوم على الإعداد للحياة بجميع متطلباتها المادية والمعنوية إلى جانب أنها تسير وفق معايير ثابتة آلا وهي كتاب الله وسنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم وهما صالحين لكل زمان ومكان وأمة ¹.
هذا وان دل على شيء هو أن التربية الإسلامية تسير وفق قواعد صحيحة ليست وضعية من وضع الإنسان أو أي فاعل أخر في الحياة وإنما مرجعها إلى الخالق .
o أما في الفكر الغربي نجد أن مفهوم التربية قائم على تصور الإنسان للحياة غير أننا نجد المفكر جون ديوي يقول : ( ... التربية ليست الإعداد للحياة وإنما هي الحياة نفسها .) ويقول أيضا ) النمو أو التجديد للخبرات استمرار هو الغاية الوحيدة )
يتأكد هنا الاختلاف بين الفكرين الإسلامي والغربي من ناحية الإعداد للحياة والتربية بصورة خاصة فالغزالي يرى أن التربية إعداد للحياة بجميع متطلباتها وجون ديوي يرى أن التربية هي الحياة نفسها ونلاحظ أن الغزالي ينظر إلى التربية من منظور الشمولية لمتطلبات الحياة وديوي يركز على الانتقال من المفهوم الكلي إلى الجزئي أي معايشة ظروف الحياة ويقول الغزالي (... وتيقن أن العلم المجرد لا يأخذ باليد ولو قرأ رجل مسالة علمية وتعلمها ولم يعمل بها لا تفيده إلا بالعمل )
ويزيد (... العلم بلا عمل جنون والعمل بغير علم لا يكون ) .²
v الأهداف التربوية :
نجد أن الهدف التربوي للفكر التربوي الإسلامي يتجلى بوضوح في خلق الإنسان الفاضل الناشئ على الأخلاق الإسلامية ونجد الدكتور محمد لبيب النجيحي يقول : ( الهدف من التربية عند الغزالي هو تكوين المؤمن الفاضل الذي يستطيع أن يتغلب على بدنه ومعوقاته ...) ³
هذا وان دل على شيء أن الفكر التربوي الإسلامي يقوم على تنشئة الفرد الصالح المتشبع بالخلاق الإسلامية ولقد جسد ذالك الدكتور محمد لبيب النجيحي في مقولته عن الغزالي .
أما عن الفكر الغربي فمعنى الهدف التربوي يقوم على أساس الاستبصار أو الديناميكية والفاعلية في مجال العمل .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- طيبي إبراهيم ، مرجع سابق ، ص66.
2- ابوحامد الغزالي ،أيها الولد ، مرجع سابق ، ص11.
3- محمد لبيب النجيحي ،مرجع سابق ،ص 91 .
ونجد جون ديوي يركز على أهمية العمل والنشاط وذالك من خلال منهج النشاط واعتماده على الفلسفة الاداتية التي تقدس العمل أي أن الهدف التربوي قائم على خلق فرد مؤمن بالعمل وبعبارة أخرى تقديس العمل
العمل عند جون ديوي غاية في حد ذاته أما عند الغزالي وسيلة للتقرب إلى الله سبحانه وتعالى .
جون ديوي يعرف العمل على انه ( ... العمل يعني ضرب من ضروب الشغل ) .
أما الغزالي فيقول عنه (... أيها الولد لا تكن من الأعمال مفلسا ولا من الأحوال خاليا ...) ¹
ونستخلص من هذا أن الغزالي لم يتطرق إلى العمل من وجهة المنفعة اوالعمل في حد ذاته وإنما من اجل التقرب إلى الله سبحانه وتعالى في حين جون ديوي أكد على المنفعة .
v من حيث المنهج :
المنهج هو الطريق المعبد الموصل إلى الغاية المنشودة وان كان في هذا خلاف بين المفكرين عبر تعاقب الزمن وتطور الفكر التربوي وتشعب العلوم وتعقدها ومع هذا وتبقى التربية ومناهجها هي الميزان الأول الذي نقيس به تقدم الإفراد وتطور الأمم والشعوب .
o نجد أن الفكر الإسلامي تبنى المنهج الإسلامي بصورة واضحة فكرا وتطبيقا لاسيما عند ابن خلدون والغزالي اللذان اعتبر المنهج الإسلامي الجوهر الذي لا يمكن الحياد عنه وهذا الجوهر الذي يقصده المفكرون الإسلاميون يحمل في طياته قوة الاعتراف بالله والخضوع له وهذا ماجعل التربية في الإسلام تتطبع بطبائع وشرائع الإسلام وقوامه ويتسم المنهج الإسلامي بعدة خصائص منها
- الثبات والديمومة وأنه مستنبط من الشرع .
- عدم حيلان الزمان والمكان فيه صالح لكل الأوقات والأمكنة .
o نجد الفكر الغربي يركز على تعدد المناهج في الدراسات الفكرية إذا أخذنا بالاعتبار أراء روسو وجون ديوي ،صاحب منهج النشاط فنجد المفكرين الغربيين اعتمدوا على نقاط في إرساء المنهج منها :
الخبرة : جون ديوي يرى ان الخبرة هي الحياة والحياة هي الخبرة وهما رد فعل مستمر للمحيط .
المنفعة : أي أهمية الشيء حسب القيمة التي يقدمها .
الديمقراطية : حق التعبير بكل حرية عن الأفكار والمعتقدات .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طيبي إبراهيم ،مرجع سابق ،ص84-85
v الطرق التربوية والتعليمية :
o نجد الفكر التربوي الإسلامي يضع أمام الفرد طرق تعليمية وتربوية تترجم الممارسات الحياتية تتمثل في قواعد عامة يطبقها الفرد للوصول إلى الكمال الإنساني ونقاء الروح .
1) الخضوع العام والكلي لشخصية المعلم والإيمان الشامل بكل ما يقدمه ويقوم به من أعمال والسبب يعود في رأي العلامة الغزالي إلى الدراية الشاملة للمعلم عن المعارف والعلوم ونجد جون ديوي يعقب ويوضح أراء الغزالي أو بمعنى أخر يوافق الغزالي في تجربة المربي وخبرته وأهمية الإتباع والتقليد له وذالك لقصور المتربي وعدم نضجه فيقول الغزالي ( ... ومهما أشار عليه المعلم بطريقة في التعلم فليقلده في التعلم وليدع رأيه فان أخطأ مرشده انفع له من صوابه )¹
2) التدرج في التعليم والترتيب من العلوم الإلهية وذات فرض كفاية وهذا ويمكننا القول ان المفكرين الإسلاميين أوحوا بطريقة مثلى في التعلم وعدم إرهاق فكر المتعلم ومرضاة الرب .
3) الترتيب المنطقي للعلوم بين جوانب وطرق التعلم
أولا: طبيعة الفرد واستعداداته .
ثانيا : المواد التي يتعلمها إلى جانب مراعاة مستوى التعلم.
o وعلى غرار الدراسات الفكرية الإسلامية نجد ان المفكرين الغربيين أمثال روسو وديوي ولوك وباستلوزي انطلقوا من طبيعة الفرد المتعلم كون الانتباه الموجه يكون جزئي وموزع يبقى مرهون بالمراقبة المستمرة .
كما أنهم ركزوا على الخبرة لان التربية الصحيحة تأتي من الخبرة حتى أننا نجد عندنا في شروط التوظيف يطلبون عامل الخبرة وركزوا أيضا على البناء التصوري كون عملية التربية في حد ذاتها عملية قائمة على التصور الإنساني للواقع المعاش – تصور الحقائق -
نرى ان المفكرين الإسلاميين ركزوا على الممارسات الفعلية للتعليم من قبل المعلم والخبرة إلى جانب التدرج في اكتساب العلوم والترتيب من العام الخاص في حين نجد ان الفكر التربوي الغربي يركز على الفوارق الفردية والمنفعة الخاصة هذا وان وجدنا بعض التفاهم بين الغزالي وديوي في نقطة الخبرة أي خبرة المعلم كونه المرشد الأساسي في العملية التربوية والتعليمية.
ويقول جون ديوي ان الطرق التعليمية خاضعة لتطور قوى الفرد وميوله كما يرى ان القانون الذي يجب ان يتماشى مع المعلم هو طبيعة المعلم نفسه ويعاب على ديوي انه أهمل الجانب الروحي والديني وامتثل لقوانين النفعية وهذا مايتنافى مع قواعد المجتمع الإسلامي فالإنسان ليس جماد بل هو يعي ماحوله ويميز بين الصحيح والمغلوط . ²
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – أبو حامد الغزالي ، إحياء علوم الدين ،مرجع سابق ، ص50
2- طيبي إبراهيم ، مرجع سابق ،ص 133-135
o أن الفكر التربوي الإسلامي قد اعتمد على بعض الفلسفات التربوية على غرار مفكريه الغزالي وابن خلدون فالغزالي هو من طوع الفلسفة للإسلام ولقد لقب بحجة الإسلام فالفكر الغربي وعلى رأسه جون ديوي هوجم من طرف عدة علماء قائلين : ( الفلسفة البرغماتية ليست فلسفة وإنما هي هروب من الفلسفة ) وهنا يتضح أن جهود المفكرين الإسلاميين تنصب حول تفسير الواقع وفق تصورات مرهونة بمطابقتها للشرائع وقوانين الإسلام في حين أن الغرب لا يراعون في تصوراتهم المذاهب الدينية وهذا ماتوحي به الصراعات بين الديانات المسيحية بين تشدد الكاثوليك وانفتاح البروتوستات .
وان لرجعنا إلى القيم والمثل الأخلاقية نجد ابن خلدون ركز على الجانب الأخلاقي للعلم والمتعلم واعتبر أن الأخلاق هي أساس الحياة والقيمة الصالحة التي تساعد الفرد على تكوين علاقة فعالة مع مجتمعه ومن حوله إلى أن جون ديوي يقول أن النفعية أخلاق وان معيار القيم في تغير وذالك قيم العهد السابق لتصلح عهد اليوم .
نجد هذه الأفكار الغربية تتنافى مع الواقع في المجتمعات النامية والعربية خاصة فالأخلاق هي العمود الأساسي في العملية التربوية نجد الفلاسفة القدماء على غرار أرسطو وكانط يركزون على أهمية الجانب الأخلاقي في التربية .¹
ومن المواضيع الأخرى التي تكلم عنها المربين المسلمين نجد مشكلة اللباس وخاصة التميز بين لباس النساء والرجال وهذا مالا نجده عند الغرب أو حتى في بلادنا العربية فاللباس الرجولي أصبح متداول لدى النساء واللباس النسوي عليه إقبال من الرجال وأصبح الصعب التمييز بين ماهو رجولي وأنثوي وفي هذا الصدد يقول ابوحامد الغزالي ( ... وان يحبب إليه من الثياب الأبيض دون الملون ،يقرر ذالك عنده شان النساء والمخنثين وان الرجال يستنكفون منه ويكرر ذالك عليه ومهما رأى على الصبي الذي تعود التنغم والرفاهية ولبس الثياب الفاخرة وعن مخالطة كل من يسمعه ما يرغب فيه )²
على عكس مانجده في الجانب الغربي فهو يشجع على الاختلاط فهو يرى في ذالك مصدر لا للتقدم والتطور حيث أننا نجد المجتمعات الغربية أن الطفل إذا بلغ سن المراهقة ولم يصحب صديقته إلى البيت معه ويقدمها إلى أهله انه مريض نفسي ويعرض على طبيب نفساني ويعتبر شخص غير طبيعي ومعقد .
أما الفكر الإسلامي فهو ينكر الاختلاط بين الذكور والإناث ويعتبره رذيلة يسموا عنها الإنسان المسلم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- سعد احمد مرسي، مرجع سابق، ص496.
2- د/ جمال معتوق، مرجع سابق، ص90
1-1 نتائج الدراسة :
أن الفكر التربوي الإسلامي على الرغم من أن الأفكار التي جاء بها سبقت الفكر الغربي بعدة قرون حسب النموذجين المتخذين في الدراسة ( الغزالي وابن خلدون )
تعتبر الأفكار والمنطلقات التي انطلق منه واقعية وموضوعية أكثر من أفكار الغرب في حدود دراستنا ( ديوي وروسو ) نجد ديوي ركز على الكسب الحر النفعي الأناني الخاص بالفرد دون المجتمع وروسو كذالك ركز على تربية الطفل في كتاب إميل وكانت أفكاره خيالية بعيدة عن الواقع مستنبطة حسب أرائه لا تستند على دليل أو حجة عكس الدراسات الإسلامية المستنبطة من الكتاب والسنة المطهرة حتى أننا نجد نظرية جون جاك روسو في التربية الطبيعية قد فشلت في تربية الغرب نفسه وليس كقاعدة عامة للمجتمعات الإنسانية بينما ظلت أفكار الغزالي وابن خلدون والموجودة في مؤلفاتهم على التوالي ( إحياء علوم الدين ، أيها الولد الاقتصاد في الاعتقاد ) ، ( ديوان العبر ) ...
مازالت إلى اليوم مصادر مهمة للعمل في شؤون الحياة اليومية العلمية والعملية حتى أن المقدمة ترجمت وأصبحت تدرس في الجامعات الغربية.
ومنه يمكن القول أن الغرب ليس المصدر الوحيد في الفكر التربوي فهناك مصادر أخرى للتربية في المجتمعات الإسلامية ومهملة مثل القابسي والزرنوجي وابن القيم الجوزية وغيرهم ...
وهذا لاينفي انجازات بعض المفكرين الغربيين في المجال التربوي والفكري فهناك عدة أعمال قيمة مثل أعمال دوركايم الذي طوع الدراسات الإنسانية للتجربة ( اعتبار الظواهر الاجتماعية كأشياء ) ( قواعد المنهج ) وجون ديوي ومؤلفه ( المدرسة والمجتمع ) .
غير أننا من خلال هذه الدراسة النموذجية المفكرين الغزالي وابن خلدون من الجانب الإسلامي وجون ديوي وروسو من الجانب الغربي اتضح لنا أن التربية الإسلامية تهتم بالعقل والتربية الغربية تهتم بالحواس والفكر الغربي أفاد بفلسفات التربية لكنه لم يطوعه للدين عكس الإسلام والذي استطاع الغزالي أن يطوع الفلسفة له والتربية في الإسلام هي أساس تكوين الفرد .