تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : عبد الرحمن ابن خلدون


سعودي17
2009-06-15, 08:40
v حياته وآثاره :

ابن خلدون شخصية عربية أثارت الإعجاب والاهتمام فجذبت الباحثين والمفكرين فتناولوا آراءه من زوايا عدة منهم من كان معجب به له المديح ومنهم من تناوله بالنقد والتجريح أنصفه مفكرو المغرب وعرفوا كيف يفيدون من ارثه الفكري الضخم.

وهو عبد الرحمان بن محمد يكنى بابي زيد ويلقب بولي الدين ويعرف بابن خلدون يصل نسبه بوائل بن حجر اليمني احد أمراء كنده في حضر موت غير أن هذا النسب لم يدون قبل ابن حزم فبات موضع شك في نضر ابن خلدون نفسه .
ولد في تونس 732 ه -1332م انكب على العلم والتحصيل منذ نشأته الأولى وتتلمذ على يد أبيه في الدين والأدب وكانت تونس مقرا لعلماء المغرب فدرس على يد أشهر علمائها ونال العديد من الإجازات في التدريس والفقه وكان قد تعمق في الفقه المالكي والحديث واهتم بالفلسفة والمنطق وبرع في مجال العلوم العقلية .

· حياته :

بنفس القدر الذي كان ابن خلدون يسطع نجمه في التحصيل وفي حلقات الدرس وعند أئمة العلم كانت خبراته ودرايته بشؤون الحكم والمجتمع تنموا وتتزايد فتفتحت عيناه على المناصب السلطانية ودواوين الأمراء ومجالسهم والعلماء الذين كانوا يعيشونها وما ينالهم من الحظوة والعطاء وبالرغم مما كان يشوب هذه الحياة من منافسة ودسائس ووشايات أسر ابن خلدون على ركوب مركبها وخوض غمارها غير آبه بأخطارها ومزالقها.

حياته السياسية بدأت باستدعائه من قبل الوزير محمد بن تفركين وزير أبي إسحاق في تونس لكتابه «العلامة »عن السلطان المذكور ولم يطل به المقام في ديوان المستبد سلطان تونس وكانت أول خبرائه في شؤون السياسة والدواوين في عام755هـ فر من تونس إلى فارس اثر انهزام أبي إسحاق إمام جيش قسنطينة ولم يعد إليها إلا بعد ربع قرن من الزمن امضي في فاس 8 أعوام (755- 863هـ/1354-1363م)


عبد الأمير شمس الدين .الفكر التربوي عند ابن خلدون ابن الأزرق.الشركة العالمية للكتاب.1991ص11-12
حرص خلالها على مخالطة رجال الفكر وممارسة الخطابة والشعر إلى جانب السياسة ثم انتقل من فاس إلى تلمسان فوفد إلى سلطانها أبي عنان وأصبح كاتبه الخاص.
ادخل السجن مع أمير بجاية سنة755هـ ولكن بعد سنتين خرج منه ولم يخف ابن خلدون أن مركب السياسة سيعرضه باستمرار ليس إلى السجن فحسب بل إلى ماهو أسوا كالنفي والخوف والفرار عندما أراد الرجوع إلى تونس يقف السلطان (أبو سالم) مانعا رحيله ليختار ابن خلدون الأندلس في عام 774هـ لما يربطه بأميرها (أبي عبد الأحمر) من علاقة طيبة ويلاقي منه ومن وزيره (لسان الدين ابن خطيب) كل الترحيب والتكريم حتى قيل أن السلطان اهتز لقدومه آنذاك إذا وكل إليه القيام بمهام الوزير وقضاء حاجاته بالدولة لكن توتر العلاقات وظهور مناوشات في الأندلس لم يرتح لها ابن خلدون وبعدها يرجع إلى بجاية دعوة من عبدا لله بني واد وكان أميرا لبجاية .

وفي عام 772هـ حيث بلغ 42 من العمر هناك بدا إنتاجه الفكري والعلمي بعيدا عن مشاغل السياسة وفي قلعة بني سلامة بدا كتابه المقدمة التي شغلته 4 سنوات وما إن انتهى منه حتى أهدى منه نسخة إلى أمير تونس مما زاده حفاوة وتقربا عند هذا الأمير وفي 1382م يطلب من السلطان أن يسمح له بأداء فريضة الحج لكنه لم يذهب إلى الحج وإنما توجه إلى الإسكندرية ومنها إلى أسرته ولكن الأقدار حالت دون إن يلتقي حيث عاصفة على المركب الذي كان ينقلها فيغرق المركب بمن فيه.

في مصر نجده يتولى إلى جانب التدريس في الأزهر أمر القضاء مرات عديدة كما أوكل إليه منصب قاضي القضاة المالكية ولكون هذا المنصب يقع دائرة التأثيرات السياسية نجد ابن خلدون يتعرض للعزل والعودة أكثر من4 مرات.









عبد الأمير شمس الدين .نفس المرجع.ص12-14
ومن مقام برحلاته المشهورة إلى الحجاز789هـ/1387م ثم إلى القدس 802هـ/1399م والى دمشق803هـ/1400م وهو الوقت الذي كان تيمور لينك يستعد للاستيلاء على بلاد الشام وكانت تلك حين الرحلة الأخيرة في مسيرة ابن خلدون ومغامرة السياسية ويعود بعدها ليستقر في القاهرة إلى حين وفاته 808هـ/1406م ويدفن في إحدى المقابر الصوفية.

· آثاره:

لابن خلدون عدة كتب ذكرها لسان الدين الخطيب في كتابه «الإحاطة بأخبار غرناطة» وهي رسالة في المنطق وأخرى في الحساب وتلخيص لبعض الكتب ابن رشد وشرح لقصيدة البردة وتلخيصا مختصر الإمام فخر الدين الرازي وشرح لزجر لسان الدين ابن الخطيب في أصول الفقه ولم يصل ألينا شيء من هذه الكتب والرسائل ويظهر أنها لم تكن معروفة في ذلك العهد وأشهر الكتب ابن خلدون التي وصلت ألينا(كتاب العبر) الذي أهداه إلى أمير المؤمنين أبا فارس بن عبد العزيز بن أبي الحسن المر يني وهو يعد بالرغم من تفاوت فصوله إلى الجودة والإتقان أهم مصدر لتاريخ عصره...

أما ما تضمنه هذا الكتاب من تاريخ البربر فيعد أعظم مصدر تاريخي لحياة القبائل العربية والبربرية في القرون الوسطى.¹

v المنهج التعليمي والتربوي :

المتعلم هو الغرض وطبيعته هي محور العلمية التربوية والتعليمية.
· في الطرق التعليمة والتربوية :
يقر ابن خلدون النتائج الحضارية المحصلة لمجتمع ما إلى صناعة التعليم ازدهارا أو ركودا( إقبالا أو إحجاما، فشلا أو نجاحا ) والى القائمين عليها من حيث إدراكها وقوانينها من ناحية ومن حيث تطبيقهم لهذه القوانين والمبادئ عمليا من ناحية أخرى يضع أمامنا ابن خلدون منهجية تعليمية وتربوية يجد فيها صوابا في التعليم العلوم ونقلها موضحا طرق الإفادة منها ومن المبادئ التي يرها ضرورية²


1عبد الأمير شمس الدين ، نفس المرجع ، ص17/18
2 جمال معتوق ، مرجع سابق ، ص162
§ التدرج والتكرار التصاعدي بما يناسب الطالب والموضوع معا:

يشير على المعلم أن يتدرج مع الطالب لتلقينه مسائل من كل بابه أصول تلك الباب دون إن يدخل معه في التفصيل بادئة للبدا ومراعيا قدرته وقابليته على فهم مايلقى عليه وبعد ذالك وفي المرحلة الثانية يكون الدخول مناسبا في بعض التفاصيل لدراسة جزئيات الموضوع الأكثر ارتباطا به .
ثم تأتي المرحلة الثالثة حيث يبتعد المعلم عن العموميات ويخرج عن الإجمال ولا يترك عويصا ولا مغلقا إلا وضحه وفتح مقفلة.

وهكذا يكون التدرج بالعلم مع القالب متعلقا بالطالب واستعداداته من جهة وبالموضوع ومتطلباته من جهة أخرى وفي آن واحد فالطالب له مقدرات واستعدادات معينة على المعلم أن يعيها ويحسن التعامل معها كما أن للموضوع أو للفن جزئيات واختلافات على المعلم أن يراعيها أيضا ويتدرج في عرضها وتقديمها للطالب على النحو الذي يناسب الطالب والموضوع معا لأنه ادر كان القبول المعلم واستعدادات لفهمه تنشأ تدريجيا ويكون المتعلم أول الأمر عاجزا عن الفهم للجملة.

§ عدم إرهاق فكر الطالب والإحاطة بطبيعة هذا الفكر :

كان ابن خلدون يدرك تماما أن الفكر الإنساني ينمو ويتطور تدريجيا ويتأثر بما يكتسبه من المعلومات والمهارات وما يعرض له خبرات .

هذه جميعها تتحكم كما وكيفا في سلامة هذا النمو واتجاهه سلبا وإيجابا لذل لزما أن تراعي في المتعلم تلك الطبيعة التي تتهيأ وتزداد استعدادا للفهم والقبول بالتدريج وكما اكتسب فنا جديدا أو علما جديد يزيدها استعدادا ( للفهم والقبول ) لتقبل علوم وفنون أخرى كم تتضح عنده أهدافها ومراميها أيضا بالتدرج و إذ لم ترعا هذه الطبيعة وألقيت عليه الغايات في البدايات وهو حين إذن عاجز عن فهم والوعي وبعيد عن الاستعداد له كل ذهنه عنها وحسب ذالك من صعوبة العلم في نفسه فتكاسل عنه وانحرف عن قبوله وتمادى في هجرانه.




عبد الأمير شمس الدين، مرجع سابق ص 79/80
§ عدم الانتقال من فن إلى أخر قبل فهمه :

بصرف النضر عن المرحلة التعليمية التي وصل إليها الطالب يؤكد ابن خلدون على المعلم ضرورة عدم نقل الطالب إلى الجديد إلى بعد التأكد من فهم ماسبقه .

§ النسيان آفة العلم تعالج بالتتابع والتكرار:

يريد ابن خلدون بمنهجه أن يربي ملكات لدى الطالب وتربية الملكة عند الإنسان تتطلب الاحتفاظ بما اكتسبه الطالبليكون قادر على استحضاره عند الحاجة وهذا يحتاج إلى الزمن فالزمن عامل سلبي في الذاكرة فيعالج هذه السلبية بعدم تفريق المجالس أو تقطيع ما بينها لأنه ذريعة إلى النسيان فيعسر حصول ملكته بتفريقها وإذا كانت أوائل العلم وأواخره ،حاضره عند الفكرة مجانية للنسيان كانت الملكة أيسر حصولا واحكم ارتباطا واقرب صيغة لان الملكات إنما تحصل بتتابع الفعل وتكراره .

· المبادئ التربوية عند ابن خلدون :

1/ أن ترعا المقدرة العقلية للمتعلم من حيث الكيف والكم ولا تقدم له في بداية عهده بالتعلم في المسائل الصعبة فالاستعداد للمعلم عنده ضروري ومهم يتم تدريجيا .
2/ يتم التعامل بالتدريج ويمر المتعلم في رأيه بمراتب ثلاث يقدم له في المرتبة الأولى بسائط العلم وفي المرتبة الثانية جوامعه وفي الثالثة مشكلاته ومعضلاته .

ومن أراء ابن خلدون الأخرى مايلي :

- يرى متابعة الدروس وعدم الفصل بينها حتى لا يكون الانقطاع مدعاة للنسيان.

- يرى تجنب الشدة لأنها تفسد معاني الإنسانية عند الإنسان وتؤدي إلى الانصراف عن العلم والانحراف في السلوك .



عبد الأمير شمس الدين ، نفس المرجع ص 80/81
ركز على المناقشة والمحاورة فقال : أيسر الطرق لهذه الملكة فتق اللسان بالمحاورة والمناظرة في المسائل العلمية فهو الذي يقرب شأنها ويحصل مرامها كما أهتم ابن خلدون بربط الأفكار بتطبيقاتها فقال : وجعل للإنسان غموضا من ذالك كله الفكر و اليد، فاليد مهيأة للصنائع بخدمة الفكر والصنائع تحصل له الآلات التي تنوب له عن الجوارح المعدة في سائر الحيوانات للدفاع ولعلا من الشواهد التي تتضح فيها امتزاج الفكر بالعمل وتكاملها قوله : ( الصناعة هي ملكة في أمر عملي فكري وبكونه عمليا هو جسماني محسوس وللأحوال الجسمانية المحسوسة فنقلها بالمباشر أوجب لها وأكمل ) .

وكما أن الفكر ضروري للقيام بأعمال يدوية فهو كذلك ضروري لكل فكر جديد وهكذا وقد اهتم ابن خلدون بالناحية التطبيقية في العملية التعليمة فليس المهم معرفة القواعد والقوانين والإصلاحات في حد ذاتها وإنما المهم المقدرة على استخدامها والاستفادة منها عمليا فلقد فرق بين صناعة اللغة التي تكون قواعدها وقوانينها ومصطلحاتها بدون أن يطبقها يكون مثل الشخص الذي يتقن صناعته من صناعات علميا ولا يكون له أي دراية ومعرفة بهذه الصناعة عمليا ...

ولم يقتصر ابن خلدون على ربط العلم بالعمل بل تعداهما إلى النواحي السلوكية فيرى أن المفيد هو الناحية العملية ويشرح هذه الفكرة بشاهد من الواقع المعاش فكثير منا يعلم ويعرف أن العطف والحنان والتصدق على المسكين قربة إلى الله تعالى يدرك انه مطالب من الشريعة باتخاذ هذا الموقف نحو اليتيم ومع ذلك نرى الكثير من الناس لا يطبق هذا في معاملاته مع المجتمع .

ومما سبق نلاحظ أن ابن خلدون قد ساوى بين التعليم النظري و التعليم العملي من حيث القيمة وضرورة المجتمع وساوى بينهما من حيث ( تكوين الملكة في كل منهما ) .








احمد الفنيش ، مرجع سابق ، ص204/205
v الأهداف التربوية للفكر التربوي عند ابن خلدون:

· الرحلة في طلب العلم ولقاء المشيخة مزيد في كمال التعلم:

والسبب في ذلك أن البشر يأخذون معارفهم وأخلاقهم وما يتحلون به من المذاهب تارة علما وتعليما والقاءً وتارة أخرى محاكاة وتلقينا بالمباشرة إلا أن حصول الملكات على المباشرة والتلقين أشد استحكاما وأقوى رسوخا فعلى قدر كثرة الشيوخ يكون حصول الملكات ورسوخها وللإصلاحات أيضا في تعليم العلوم المخلطةعلى المتعلم حتى يظن كثير منهم أنهم جزءا من العلم ولا يدفع عن ذلك إلا مباشرته الطرق فيها من المعلمين خلفاء أهل العلوم وتعدد المشايخ يفيده تمييز الإصلاحات بما يراه من اختلاف طرقهم فيها فيجرد العلم عنها ويعلم أنها أنحاء تعليم وطرق توصيل وتنهض قواه إلى الرسوخ والاستحكام في الملكات ويصحح معارفه ويميزها عن سواها مع تقوية ملكته بالمباشرة والتلقين وكثرتهما من المشيخة عند تعددهم وتنوعهم وهذا لمن يسر الله عليه طرق العلم والهداية فالرحلة لابد منها في طلب العلم لاكتساب الفوائد والكمال بلقاء المشايخ ومباشرة الرجال .

· الشدة على المتعلمين مضرة بهم:

وذلك أن الإرهاق في التعليم مضر بالمتعلم لاسيما في صغر الولد لأنه من سوء الملكة ومن كان مربياه بالعنف والقهر من المعلمين والمماليك أو الخدم سطا به القهر وضيق على النفس في انبساطها وذهب بنشاطها ودعا إلى الكسل وحمل على الكذب والخبث وهو التظاهر بغير مافي ضميره خوفا من انبساط الأيدي بالقهر عليه وعمله بالمكر والخديعة لذلك وصارت هذه عادة وخلقا وفسدت معاني الإنسانية التي له من حيث الاجتماع و تمرن وهي الحمية ومدافعة عن نفسه ومنزلته وصار عالة على غيره ذلك بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل فانقبضت عن غايتها ومدى إنسانيتها فارتكس وعاد إلى أسفل السافلين وهكذا أوقع لكل امة حصلت في قبضة القهر





عبد الرحمان ابن خلدون ، المقدمة،دار العودة ،بيروت ، الجزء الأول ،1981 ،ص450
فينبغي للمعلم في متعلمه والوالد في ولده أن لا يستبدوا عليهم في التأديب كما ينبغي لمؤدب الصبيان أن يزيد في ضربهم إذا احتاجوا إليه على ثلاثة اشرط شيئا ومن كلام عمر رضي الله عنه « من لم يؤدبه الشرع لأدبه الله » حرصا على صون النفوس عن مذلة التأديب وعلما بأن المقدار الذي عينه الشرع لذلك أملك له فانه أعلم بمصلحته ومن أحسن مذاهب التعليم ماتقدم به الرشيد لمعلم ولده محمد الأمين ويقول ابن خلدون فقال يا احمد إن أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه وثمرة قلبه فصير يدك عليه مبسوطة وطاعته لك واجبة فكله بحيث وضعك أمير المؤمنين ،اقرأه القرآن وعرفه الأخبار وروه الإشعار وعلمه السنن وبصره بمواقع الكلام وبدئه وامنعه من الضحك لا في أوقاته وخذه بتعظيم مشايخ بني هاشم إذا دخلوا عليه ورفع مجالس القواد إذا حظروا مجلسه ولا تمرن بك ساعة إلا وأنت مغتنم فائدة تفيده إياها من غير أن تحزنه فتميت ذهنه ولا تمعن في مسامحته فيستحلي الفراغ ويألفه وقومه ما استطعت بالقرب والملاينة فان أباها فعليك بالشدة والغلظة ¹.

v الأهداف التربوية :

حدد ابن خلدون للتربية أهداف كثيرة متعددة تحقق مايلي:
تربية الملكات :
يقول إن الملكات صفات للنفس ألوان فلا تزدحم دفعة ومن كان على الفطرة كان أسهل لقبول الملكات وأحسن استعدادا لحصولها وهذه الملكات سواء«فكرية » أو« حركية » هي النواة التي سوف ينتج عنها صناعة أي صناعة سيمتهنها الفرد كوسيلة له للارتزاق ( العيش ) من ناحية ومن ناحية أخرى ستسهم في العمران البشري والبناء الحضاري للمجتمعات كما سبق ذكره والملكة كما تصورها ابن خلدون هي المهارة التي يكتسبها المرء ( في أمر فكري عملي ) إذن هي شيء لا يكون موجودا يصبح موجودا بالاكتساب .²







1- ابن خلدون ، نفس المرجع ، ص 449/450
2- عبد الأمير شمس الدين ، مرجع سابق ، ص 85/86
ويبدأ عن طريق الحواس أي من المحسوسات ويترقى إلى الفكر وعليه يشير ابن خلدون إلى طبيعة الملكات وخصائصها.

v دور العلم والمعلم في صناعة التعليم:

· أهم الأفكار التربوية عند ابن خلدون:
نجده قد خصص فصلا كاملا في المقدمة جاءت تحت عنوان في العلوم وأصنافها والتعليم وطرقه وسائر وجوهه وما يعرض في ذلك كله من أحوال وفيه مقدمة ولواحق.

ابن خلدون رجل علم ومنهجية وأفكاره كلها تتبع خطة دقيقة عمد من ورائها على إيضاح كل صغيرة وكبيرة تخص مسألة التربية والتعليم ولهذا نجده ينطلق من العلاقة الجدلية بين العلم والتعليم من جهة والعمران البشري من جهة أخرى.

· العلم والتعليم طبيعي في العمران البشري :

وجاء فيه وذلك أن الإنسان يشبه جميع الحيوانات في حيوانيته من الحس والحركة والغذاء والسكن وغير ذلك وإنما تميز عنها بالفكر الذي يهتدي به لتحصيل معاشه والتعاون عليه مع أبناء جنسه والاجتماع المهيأ لذلك التعاون والقبول ما جاءت به الأنبياء عن الله تعالى وإتباع صلاح أخراه فهو مفكر في ذلك كله دائما فلا يفتر عنه الفكر فيه طرفة عين بل اختلاج الفكر من لمح البصر وعن هذا الفكر تنشأ العلوم قومناه من الصنائع ثم لأجل هذا الفكر يتم تحصيل ما ليس عنده من الأدراكات فيرجع إلى من سبقه بعلم أو زاد عليه بمعرفة أو إدراك أو أخذه ممن تقدمه من النبي الذين يبلغونه لمن تلقاه فيلقن ذلك عنهم ويحرص على أخذه وعلمه .¹

ولقد افترض ابن خلدون أن التعلم صناعة، نجاحها وفشلها مرتبط بالقائمين عليها، وأن المعلمين هم سند هذه الصناعة، لذا لابد أن تتوفر فيهم شروط وآداب وقوانين.²


1-جمال معتوق. مرجع سابق. ص 163
2-عبد الأمير شمس الدين.مرجع سابق.ص75
· دور المعلم في صناعة التعليم:

يقول ابن خلدون أن المعلم هو الطريق الأساسي لصناعة التعلم وانجاز برامجه وطريقة حشو معارفه بألفاظ مختصرة وسهلة ويعود الفضل لمن حذق منهم في توفير معلمين ملمين مبرزين بصناعة التعليم لأنه يكون قادرا على توفير الشروط القادر والحاذق ضرورة أولى في التعليم لأنه يكون قادر على توفير الشروط الأساسية للمتعلم وإلا لا يكون التعلم بالمعنى الذي يريده ابن خلدون ويذكر لنا هذه الشروط:

أ‌- قيام الجدل والحوار بين المعلم والمتعلم وكما رأى ابن خلدون أن بعض ممن ارتحل عاد وبعد ذهاب الكثير من أعمارهم في مجالسة المجالس العلمية لاينطقون ولا يفاوضون ، وعنايتهم بالحفظ أكثر من الحاجة ولقد عاد هؤلاء دون طائل لأنهم لم يحسنوا التصرف بالعلم والتعليم وأن حصلوا شيئا فهو قاصر ويعلل ابن خلدون ذلك لعدم سند التعليم وهو المعلم.

ب‌- الاختيار الأنسب للمتعلم من الفن الواحد وبهذا يوجب للمعلمين أن يختاروا طلابهم ما يفي بالغرض ويحقق الهدف ، ويكون ذلك بأن يقتصر المعلمون للمتعلمين على المسائل الأساسية فقط دون الدخول في الشروحات المتنافرة والمتفارقة .

ت‌- محاولة تقريب الأهداف للطالب وتوضيحها وجد ابن خلدون ضررا في لجوء المعلمين إلى التلخيص والاختصار ذلك أن حشو كثير من المعاني في قليل من الكلمات مما يعسر على الفهم ومنه فساد في التعليم وإقلال التحصيل وتخليط على المبتدئ وضياع الغايات من العلم وهو لم يستعد لقبولها بعد ثم أن ذلك تشتيت لفكر الطالب وانشغاله بما لا يفيد الأهداف .
ث‌- مراعاة مقدرة الطالب ومساعدته على الفهم واجب المعلم أن يعطي حسب قدرات الطالب من المعلومات ومساعدته على استيعابها وبالتالي عدم تعريضه لنسيان ولا يجوز للمعلم أن يخلط على الطالب بين علمين في أن واحد




عبد الأمير.شمس الدين . نفس المرجع. ص76-77
· الطرق التعليم الواجب إتباعها من طرف المعلم:
نجده يؤكد على:

1. أن تلقين العلوم للمتعلمين نجده مفيدا إذا كان عليه،تدريج شيئا فشيئا وقليلا فقليلا.

2. يراعي في ذلك قوة عقله واستعداده بقبول ما يرد عليه .

3. لايخلط المعلم مسائل الكتاب بغيرها حتى يعيه أوله بآخره ويحصل أغراضه ويستولي منه على الملكة بما ينفذ في غيره، لأن المتعلم إذا حصل ملكة ما في علم من العلوم استعد بها لقبول مابقي وحصل له نشاط في طلب المزيد والنهوض إلى ما فوق.

4. ينبغي لك أن لا تطول على المتعلم في الفن الواحد بتفريق المجالس وتقطيع ما بينهما لأنه ذريعة إلى النسيان وانقطاع مسائل الفن بعضها من بعض فيعسر حصول الملكة بتفريقها وإذا كانت أوائل العلم وأواخره حاضرة عند الفكرة مجانية للنسيان كانت الملكة أيسر حصولا.
5. أن لا يخلط على المتعلم علمان معا فانه حينئذ قل أن يظفر بواحد منهم.

· كثرة الاختصارات المؤلفة في العلوم مخلة بالتعليم:

يقول ابن خلدون في هذا الباب ذهب كثير من المتأخرين إلى اختصار الطرق والإنحاء في العلوم يولعون بها ويدونون منها مختصرا في كل علم يشتمل على حصر مسائله أدلتها باختصار في الألفاظ وحشو القليل منها في المعاني.

وربما عمدوا إلى الكتب الأمهات المطولات في فنون التفسير والبيان فاختصرها تقريبا للحفظ وهو فساد في التعليم وفيه إخلال بالتبعد وظلم لأنه فيه تلخيص على المبتدئ بإلقاء الغايات من العلم عليه وهو لم يستعد لقبولها بعد وهو من سوء التعليم كما سيأتي فيه



جمال معتوق مرجع سابق.ص169
فيه من ذلك شغل كبير على المتعلم بتتبع ألفاظ الاختصار العويصة للفهم بتزاحم المعاني عليها وصعوبة استخراج المسائل من بينها لان الألفاظ المختصرات تجدها لجل ذلك صعبة عويصة فينقطع فيها فهمها حظ صالح من الوقت ثم بعد ذلك فالملكة الحاصلة من التعليم في تلك المختصرات إذا تم على سداده ولم تعقبه آفة ملكة قاصرة على الملكات التي تحدث من الموضوعات البسيطة المطولة بكثرة ما يقع في تلك من التكرار وإحالة المفيدين بحصول الملكة التامة ، وإذا اقتصر على التكرار قصرت الملكة لقلته كشأن هذه الموضوعات المختصرة، فقصدوا إلى تسهيل الحفظ على المتعلمين فاركبوهم صعبا بقطعهم عن تحصيل الملكات النافعة وتمكنها .
























جمال معتوق.نفس المرجع.ص168
v تصنيف العلوم عند ابن خلدون:

· تقسيم العلوم عند ابن خلدون:
قسم عبد الرحمن محمد ابن خلدون العلوم إلى ثلاثة أصناف:

1. العلوم اللسانية: وهي علوم اللغة والنحو والبيان والأدب والشعر.

2. العلوم النقلية: وهي تدور حول قراءة القران الكريم وتفسيره وإسناد الحديث الصحيح واستنباط قوانين الفقه.

3. العلوم العقلية: وهي العلوم التي يطلق عليها علم المنطق والطبيعيات والإلهيات وعلوم المقادير من هندسة وهيئة وعلم السحر.

· أهمية العلوم عند ابن خلدون :
رتب عبد الرحمن محمد ابن خلدون العلوم حسب أهميتها للمتعلم وقسمها حسب أهميتها إلى:
1. العلوم الشرعية
2. العلوم الفلسفية كالطبيعيات والإلهيات
3. العلوم الآلية المساعدة لعلوم الدين كاللغة والنحو
4. العلوم الآلية المساعدة لعلوم الفلسفية كالمنطق
كما انتقد عبد الرحمن ابن خلدون طرق التدريس التي كانت سائدة في عصره وجه الصواب في تعليم العلوم وطرق الإفادة منها:
1. أن يبدأ التعليم بالسهل ولا يبدأ بالصعب
2. أن يتعلم الفرد البسيط الذي يمكن أن يتقبله عقله.
3. عدم تكليف المتعلم فوق طاقته واستعداده في المراحل الأولى من العمر
4. عدم تحفيظ الأطفال القران إلا بعد تحصيل قسطا معلوما من التعليم حيث يجعله قادرا على فهم معانيه.
5. عدم التعامل بشدة مع الدارس حيث أن ذلك معذبهم.



فؤاد بسيوني متولي .مرجع سابق.ص86

6. عدم إعطاء فترات راحة طويلة بين الدروس حيث أن ذلك ادعى للنسيان.

7. اهتم ابن خلدون بتعليم اللغة حيث يبدأ التعليم بالكتابة والقراءة ثم الربط بالمعاني والألفاظ ثم بالتجريد.

8. رأى ابن خلدون أن يعبر الفرد عن نفسه بلغة دارجة يكون مقبولا.

9. فرق بين التعليم النظري والتعليم العملي حيث أكد رقي التعليم النظري.






















فؤاد بسيوني متولي ، نفس المرجع ، ص 86

خلاصة الفصل




من خلال ماسبق يتضح أن لكلا المفكرين أراء تربوية وفكرية تنوه عن الواقع الذي عاش فيه كل منهما فالغزالي عافي العصر العباسي وابن خلدون عاش في بلاد المغرب والأندلس إلا أنهما اتفقا على شروط العالم والمتعلم وآداب كل منهما حتى تصنيف العلوم كان له نصيب من ذالك بين العلوم الدينية والدنيوية بغض النظر عن تقيمهم لها إلى جانب تحديدهما لمصادر التربية الإسلامية ألا وهي الكتاب والسنة .

سعودي17
2012-04-25, 20:50
اين انتم يا اصحاب علم الاجتماع