المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أصول التربية والتزكية في الإسلام وقواعد السير إلى الله تعالى


سعيد النورسي
2013-11-07, 23:13
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته..

هذه أول مشاركة لي في هذا المنتدى المبارك

وأسأل الله تعالى أن تكون فاتحة خير ويُمن وتوفيق,,

كريستيان
2013-11-07, 23:20
اين الموضوع

strella2
2013-11-08, 19:03
بارك الله فيك.................

karimph
2013-11-09, 08:07
نسأل الله لك الخير هنا

سعيد النورسي
2013-11-13, 00:27
أخرج الإسلام رجالاً عظماء كُثُر في التاريخ الإسلامي.. عُرفوا بالأخلاق الحسنة وعلو الهمة والشخصية المصقولة.. وكانوا كلهم من الصوفية أو محبي الصوفية.. لأن التصوف هو علم تزكية النفس وتطهيرها من الأخلاق الذميمة وتحليتها بالأخلاق الفاضلة..
كان من هؤلاء العظماء : الفقهاء والعلماء.. وكان منهم المجاهدون.. وكان منهم التجار فاتحي البلاد الوثنية بحسن خلقهم فقط وأمانتهم في المعاملات المالية..
الصوفى قدم دار البقاء على دار الفناء وباع ما يزول بما يدوم
يقول الإمام أبو العزائم : (معلوم أن الأشياء كلها لها ظاهر وباطن وهو لبها، فكذلك الدنيا والآخرة، وللدنيا أبناء، وللآخرة أبناء، فأبناء الدنيا شغلوا بما تقتضيه حظوظهم، وشهواتهم، وأهواؤهم، وما يدعوهم إليه الحس والجسم، فرضـوا بالحياة الدنيا، واطمأنوا بها (وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع). فاستخدموا جوهر النفس النوراني، ونور العقل الروحاني لتحصيل كماليات الجسد الفاني، جهلا بالآخرة، أو تجاهلا.
والصوفي عرف قدر الدنيا بالتعليم، وتحقق زوالها بالتفكير، وأيقن أن بعدها دارا هي الدار حقا، لا يسعد فيها إلا من تخلى عن دنس الأجسام، وخبث الشياطين، ودناءة البهائم، وبلادة النباتات، وثقل الجمادات، حتى يتشبه بعالم الملكوت الأعلى.
الصوفي علم قدر الدنيا والآخرة، فقدم ما يبقى على ما يفنى، وباع ما يزول بما يدوم).
والله لا أخفيكم سراً : أنا حينما سلكت الطريق وانكشفت لي عيوب نفسي الأمارة, شعرت باليأس من إصلاحها لقوة سلطانها وطول العهد بمسالمتها دون مجاهدة.. ولكن مع الوقت ومع وصول المدد الباطني من سيدنا رسول الله ص, وباتباع توجيهات شيخي أكرمه الله وجزاه عني خيراً : تحسن الأمر كثيراً عما ذي قبل.

يتابع الإمام أبو العزائم كلامه فيقول
الصوفى جاهد نفسه وانسلخ من مقتضيات نقائصه
الصوفي رأى في نفسه عوائق تعوقه عن بلوغ كماله الحقيقى، تلك العوائق راسخة في فطرته، راسية في حقيقته، جواذبها إلى الرذائل قوية، ودوافعها عن نيل الخير شديدة، ومقتضياتها التي توبق في الدرك الأسفل من النار ملازمة..
ولكنه سطعت على جوهر نفسه أنوار تلك الكمالات من جانب الروح، وناداه الحق من قِبَله: (إني انا ربك) خلقتك لذاتى، وخلقت لك كل شىء، ومنحتك الحرية والإدراة، وبينت لك الشر، وأعددت لك النظر إلى وجهي، في دار كرامتي، وجوار الأطهار المقربين ممن اصطفيتهم من خلقي، فسمع ولبى، وحن واشتاق
ثم دعته فطرته الحيوانية في دار البلية، فنظر وفكر، وتـأمل وتدبر، فرأى الدنيا قد آذنته بزوالها، وأشهدته عملها في أبنائها، فرآهم بين راحل إلى القبور، وبين غافل عن الآخرة مغرور، فجاهد نفسه في الله حتى أطاعته، وانسلخ من مقتضيات نقائصه كما ينسلخ الليل من النهار.
الصوفي غريب بين أهله
الصوفي صغرت والله الدنيا في عينه حتى كره المُقام فيها بين أهله، لولا رحمته ببني جنسه ليدعوهم إلى الخير، واستوحش والله حتى من نفسه، وتمنى أن يكون نفسه الثانى في رمسه، شوقا إلى جوار حبيبه المختار، والأنس بالصفوة الأطهار، في مقعد صدق عند مليك مقتدر
رجع بكليته إلى الماضي (بالحال والأخلاق لا بالأحكام الشرعية وذهنية التحريم -نورسي) مسارعا إلى ما كان عليه أصحاب رسول الله ﴿ص﴾ من العقيدة والعبادة، والحال النبوية، والأخلاق الربانية، ومعاملتهم الله تعالى في خلقه، ورجع إلى الماضي من السنة السمحاء، والطريقة المستقيمة، فكان غريبا بين أهله، لجهلهم بالسنة، وتساهلهم بالمله، ولو ظهر بينهم رجل من الصحابة لأنكروا حاله، وجهلوا أعماله (وأولهم السلفية لأنه لا تسامح لديهم ولا وسطية -نورسي)، ولكن الصوفي قوي في دين الله، ولا تأخذه لومة لائم في الله، شهد الحق حقا فاتبعه مسارعاً، والباطل بـاطلا فاجتنبه فازعا، يغار لله، ولسنة رسول الله﴿ص﴾ .
الصوفي اتحد بالحق مفارقا للخلق وهو فيهم
الصوفي عمل بكتاب الله مجاهدا، وبسنة رسول الله ﴿ص﴾ مشاهدا، فَسَبَحَتْ نفسه الطاهرة في ملكوت الله، بين صفوف ملائكة الله، فرفعه الله قدراً؛ لأن الصوفى مجاهد والملائكة غير مجاهدين، ينازع بالمجاهدة فطرته، والملائكة على الخير مفطورون. قال الله تعالى: (وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيما) (النساء:95).
لم تقف همة الصوفي على السياحة في ملكوت الله الأعلى بل فرت إلى لوامع وميض أنوار قدس العزة والجبروت، فألهت إلى الإشراف على القدس الأعلى، فجذبتها العناية الأزلية، واختطفتها يد الحسنى بالسابقية، فأشرف على قدس العزة والجبروت، فأشرقت عليه أنوار مشاهد التوحيد العلية، فاتحد بالحق مفارقا للخلق، وهو في الخلق محفوظ الظاهر والباطن، فألهمه الله – تعالى - نور البيان في فهم القرآن، ومنحه المنة بذوق السنة، فكان أمة وحده.
جعل الله له نورا منه –سبحانه- حفظه به من دواعي النفس، ولوازم الطبع، ومقتضيات رتبته من مراتب الوجود، وجعله نورا لأهل عصره، يجمل بأعماله الأشباح، وبعلومه الأرواح، ويجذب القلوب إلى علام الغيوب، ألقى الله عليه محبة منه فأحبه كل شيء، إلا شياطين الإنس والجن، الذين جعلهم الله قطاعا لطريقه).
الإمام يقول : أن الصوفي يعطيه الله تعالى نوراً في قلبه يفهم به عن الله مراده وعن النبي ص دينه منهاجه كما فهم هو ص وكما أراد الله تعالى, ببركة هذا النور المحمدي الذي يفيضه الله على قلب طالب الصفاء. قال الله تعالى (واتقوا الله ويعلمكم الله) وقال (وعلمناه من لدنا علما). والتقوى ليست كلمة تقال على الألسنة, بل هي منهاج إسلامي يسمى التزكية له أصوله وقواعده ومدارسه وعلماءه ومجتهديه.. سمه التصوف سمه التزكية لا مشاحة في الاصطلاح.. المهم أن هناك منهج آخر معني بالتربية وإصلاح النفس, بعد منهج التعليم والفقه.
فإذا تربت النفس وتزكى القلب صار شفافاً غير ملطخ بسواد الذنوب ودخانها, فيصير عرشاً للرحمن يستوي عليه.. وفي الحديث القدسي : (ما وسعتني أرضي ولا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن) وصار قلبه يرى بالله ويسمع بالله فتنعكس صور عالم الملكوت فيه, فيكاشف بالجنة ويرى قصورها وحورها وأهلها يتنعمون فيها ويشعر بما يشعرون هناك من السعادة أثناء تلك اللحظات من الهدايا التي يمن الله بها على أحبابه وأوليائه المطهرة قلوبهم بالذكر والحب لله ورسوله.
وما هي الجنة إلا جنة الروح والشعور بالسعادة التي كنا نشعر بها ونحن أطفال صغار ونحن سليمي الفطرة بريئي المشاعر.. وكل أولياء الله تعالى قلوبهم هكذا كبراءة الأطفال.. كان سيدنا عيسى عليه السلام كذلك : شاهد لصاً يسرق فنهره فحلف اللص أنه لم يسرق, فقال سيدنا عيسى : آمنت بالله وكذبت بصري ! كأنه استعظم أن يحلف أحد بالله كاذباً... ولذلك صدّق آدم ابليس حينما حلف (وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ).. كذلك كان سيدنا عثمان بن عفان على قلب آدم عليه السلام فانخدع في بني أمية ولم يكن يفطن أنهم يخدعونه ويكذبون عليه, حيث لم يكن يتصور أن هناك بشر بهذا الكم من القدرة على لبس الأقنعة. والدليل أنه لما سمع أبا سفيان سيدهم وكبيرهم يقول في مجلس عثمان : تداولوها يا بني أمية تداول الكرة فوالله ما من حساب ولا جنة ولا نار !! ففزع عثمان وطرده.. ومع أن طيبة قلبه كانت سبباً في قتله وثورة الصحابة عليه, إلا أنها كانت سبباً لاعتماد سيدنا رسول الله ص له كواحد من أخص أصحابه البررة فزوجه ابنتيه وبشره يوم جيش العسرة قائلاً : ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم.. وذلك لأنه أثبت حين تبرع بتجهيز الجيش أنه محب لله ورسوله كريم النفس شهم الطبع سريع النجدة.. وهذه صفات رسول الله ص, فهو رضي الله عنه كان يشبه رسول الله ص ولذلك أحبه وزوجه ابنتيه رقية وأم كلثوم رضي الله عنهم جميعاً..
هذا الطريق طريق الصوفية : كله نِعَم ومنن ورحمات يُنْزِلها الله على أهله.. يعلم هذا من كان من غير أهله تلك الطريق ثم دخلها.. فيلحظ الفرق في تحسن نفسيته وأحواله على العموم.. فيعلم ويوقن أن لأهل هذا الطريق عناية خاصة من قبل الله تعالى كما قال عزوجل (إن الله يدافع عن الذين آمنوا) وقال (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون) جنة عاجلة في الدنيا.. يدخلونها هنا قبل مماتهم لأن اماتوا أنفسهم الأمارة بالسوء ومن مات دخل الجنة..
ولكي تعلموا يا أحبتي كيف أن هذا الطريق لا يمكن وصف عناية الله بأهله وسالكيه الذين وصف حالهم الإمام أبو العزائم أعلاه, فتظروا في هذا الكتاب العجيب للإمام الشعراني رحمه الله (لطائف المنن والأخلاق في التحدث بنعمة الله على الإطلاق) وهو عبارة عن تطبيق لقوله تعالى (وأما بنعمة ربك فحدث) العبارة المتكررة على طول الكتاب وعرضه هي "ومما منّ الله به عليّ" كذا وكذا.. ولكن حينما يتحدث شيخ صوفية القرن العاشر عن نعم الله عليه وعناية الله به : فهل يقل الكتاب عن ثمانمائة 800 صفحة ؟!! ليس غريباً أن نقول لا ونحن واثقون من أنفسنا لمن عرف هذا الطريق.. ومن ذاق عرف.

سعيد النورسي
2013-11-13, 00:37
أنصح الإخوة الكرام بقراءة كتاب (البطولة والفداء عند الصوفية) للباحث السوري الأستاذ أسعد الخطيب


يقول الصوفية :

التخلي ثم التحلي ثم التجلي

التخلي عن الأخلاق الذميمة ، والتحرر من قيود القوى الظلمانية في النفس من الشهوة والغضب والحسد، أخلاق الحيوانات والسباع والأبالسة.

ثم التحلي بالأخلاق الحميدة ،واستنارة القلب والنفس بنور سيدنا رسول الله وأهل بيته.

ثم تجلي أنوار الله سبحانه وتعالى لعين القلب بعد محو الحُجُب التي كانت تحجب القلب عن المشاهدة والتنعم بها. وهذا هو أعلى نعيم أهل الجنة، يكرم الله به خواص عباده المحبوبين له في هذه الدار، كلٌ بحسب حظه ونصيبه من أنوار سيدنا رسول الله ص وأهل بيته..

وفي الحديث ( من عرف نفسه عرف ربه ).. قال أهل التصوف : من عرف نفسه بالنقص والحاجة والعبدية، عرف ربه بالكمال والغنى والربوبية، ولكن قليل من يعرف نفسه بهذا المعنى ويراها على حقيقتها، فأغلب الناس ينازعون الربوبية ويعترضون على القدر ولا يرضون بحكم الله ويقل فيهم التوكل ويعتمدون بقلوبهم على الأسباب، فهي مشهدهم وموضع نظرهم، وليس مشهدهم أن الله تعالى هو المتصرف المعطي المانع.. أكثر الناس يعيشون أسرى نفوسهم.

ولذلك قال الصوفية (أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك) فلا سبيل لأحد إلى معرفة الله تعالى ما دامت فيه بقية من نفسه الأمارة بالسوء، لأنها أغلظ حجاب بين العبد وربه.. ولا سبيل إلى قطع واقتحام هذه العقبة إلا بشيخ من شيوخ الطريق، من خارجها، يصل السالك أو المريد مدد سيده رسول الله ص من خلال شيخه هذا، مدد يعينه على اقتحام عقبة نفسه الأمارة لتموت ويولد صاحبها ولادة أخرى (موتوا قبل أن تموتوا)، ومن الطبيعي أنه لا يمكن للنفس أن تسمح لصاحبها أن ينتصر عليها دون معين من خارجها من الكُمّل.. وقد سمعتُ شيخي يقول : ان النفس بها من النقائص بعدد ما لله من كمالات، ولذلك أقسم بها فقال (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها) ودعا إلى التفكر والنظر فيها (وفي أنفسكم أفلا تبصرون)، فهي مخلوق عظيم معقد جداً له أوجه عديدة، تجمع صفات الحيوانات والملائكة والسباع المفترسة والشياطين والنباتات والجمادات.. وقد تحدث الإمام أبو العزائم بالتفصيل عن هذا في مؤلفاته، ولكن موضع الشاهد هو أنه لا يمكن الانتصار على النفس الأمارة لتكون مطمئنة إلا بشيخ كامل مأذون بالتربية، قال تعالى (من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا).

وأهمية المرشد في طريق السير إلى الله لأن الطريق غامض غير واضح, ولذلك ندعو كل يوم في صلاتنا قائلين (اهدنا الصراط المستقيم) وعيوب نفس السالك أو المُريد غامضة.. وحيل الشيطان وحبائله بالنسبة للمبتدئ غامضة كذلك.. وفقه الأولويات وتقديم الأهم على المهم غامض.. والأهم من هذا كله : أن الانفراد في طريق الله مذموم لأنه ينفخ في النفس الكبر والزهو والعُجب والاعتماد على قدراتها وإمكاناتها.. وفي الحقيقة أنها لن تسمح لك بأن تخالفها دون مساعد ومعين من الخارج تتقوى به عليها.. والشيخ تستمد منه النور النبوي, والشيخ يستمد من روحانية رسول الله ص..

ولذلك مدح النبي ص السفر في جماعة وذم الانفراد فقال : (الراكب شيطان, والراكبان شيطانان, والجماعة ركْب).

وقال ( إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية) والشيطان ذئب الإنسان.. والنفس الإنسانية بطبيعتها تحتوي على قُوى شر شيطانية قد تتجاوز قُوى شيطان الجن بمراحل إذا أهمل الإنسان نفسه.. ولذلك قدّم الله تعالى الإنس على الجن في قوله : (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن).

لذلك يجب مواجهة تلك القوى الشريرة التي في النفس بقوة أكبر منها تتمثل في الشيخ المرشد.

سعيد النورسي
2013-11-13, 00:39
قال الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم
الطريق والحاجة إليه
ما احتياج المسلم إلى الطريق ؟
كل مسلم على يقين أنه مسافر إلى الدار الآخرة ، وأهل الإيمان منهم مسافرون إلى مقر رحمة الله ودار النعيم الأبدي ، وأهل الإحسان مسافرون إلى مقعد صدق عند مليك مقتدر ، وأهل الإيقان مسافرون فرارا من الكونين إلى المكون جل جلاله .
ولما كان المسافر إلى مكان ناء لا يخلو حاله : إما أن يكون عالما بالطريق متمرنا عليه أولا ، فإن كان عالما به احتاج إلى رفيق يعينه على مهام شئونه ، حتى يكون على يقين من أنه إذا نسى ذكره وإذا ذكر أعانه ، وفى الحكمة : ( الرفيق قبل الطريق ) وإن كان جاهلا بالطريق احتاج إلى دليل موثوق به مشهور بين الناس بتوصيل السفر.

هذا ولما كان المسافر لا بد أن يترك وراءه كل الآثار والمعالم التي تحول بينه وبين نيل المقصد من وطنه ، وأهله ، وأولاده ، وأقاربه ، حتى يتسنى له نيل هذا المقصد العظيم ، فكذلك المسافر إلى مقصد من المقاصد المتقدمة لا بد أن يفارق معالم وأثارا كثيرة تحجبه وتبعده عن مقصده ، والحُجُب في السفر المعنوي أكثف وأشد من الحُجُب في السفر الحسي .
فقد وصل العقل إلى مقدمات أنتجت له التكلم مع المحبوب النائي عنه بواسطة الموصل السلكي ( المسرة ) ، وأمكن العقل أن يضبط صدى صوت حبيبه محفوظا لديه، يسمعه متى شاء بآلة تعقيب الصدى الحاكي ( الفنغراف ) ولكن هذا المقصد ليس للعقل اقتدار أن يقربه بآلة أو بأداة ، بل لا بد من فادح المجاهدات ، وعظيم المكافحات ، حتى يفارق كل تلك القواطع والحجب مرة واحدة ، وبدون مفارقتها لا يصل كما وصل الحس بمجهودات العقل ، فسمع صوت حبيبه محفوظا أو ملفوظا ، وقد يرى حبيبه بالتصوير وهو متكيء على فراشه ينظر إليه في الصورة ويسمع صوته في الآلة ، وذلك لأن الذي يفارقه المسافر إلى الحق حقائق في ذات الشخص لا تفارقه إلا بفادح المجهود ، وما دامت تغشى جوهر النفس ، فالنفس في اللبس .

ولو حصل المسلم علوم الأولين والآخرين ولم يظفر بدليل في مقام جهالته بالطريق أو برفيق في مقام علمه به لا يصل إلى قصده ، ولو أن الله جل جلاله قدر ذلك في أزله لأظهر ذلك في ملائكته المجردين عن المادة ولوازمها ، أو منح ذلك رسله الكرام ، فإن الله تعالى ألزم الملائكة أن يتلقوا من آدم ، وأمر الرسل أن يتلقوا من جبريل ، وقد صحب جبريل رسول الله ﴿ ص وآله﴾ في إسرائه وفى سيره وهو من تعلم جلالة وقدرا حفظا للناموس الإلهي ، حتى ينفرد جل جلاله بالعلم بذاته لذاته.
هذا من حيث ما يتعلق بهذا الموضوع عقلا ، أما من حيث الذوق فيه، فإن العلم كالمال والعافية والجاه يكسب النفس غرورا وعلوا ، وهما العقبتان القاطعتان عن الله تعالى ، ولو أن العلم ينفع في السير إلى الله تعالى لكان أول منتفع به إبليس ، وهو من تعلم علما ومعرفة بقدر نفسه وعلمه ، ولما لم يكن له مرشد يرشده ضل وهوى.

إن الله أرسل الرسل وهو الحكيم العليم لأنه خلق الخلق خطائين بأنفسهم ، جهلاء بحسب حقائقهم ، وإنما المرشد للسالك منزل منزلة القوت للروح والعقل علما ، والغذاء للجسم عملا ، ومنزل للواصل منزلة الشمس المبينة للحقائق ، ومنزل لأهل التمكين بمنزلة الاتحاد ، حتى يكون المتمكن مع المرشد هو هو ، حالا وعقيدة وعملا وشهودا ، وأنت تعلم ياولدى أن الجسم الحي يفقد حياته بفقد الغذاء ، وأن العين المبصرة تخفى عليها الحقائق باحتجاب الشمس ، وأن المتمكن قربا من الله تعالى يفقد كرامة الله له بفقد ما به وصل إلى الله تعالى.
وإنما سميت مجاهدة النفس وتهذيبها ، وتجملها بمحاب الله ومراضيه طريقا ؛ لأن الإنسان في هذا المقام يفارق عوائده المهملة ، وأخلاقه الوحشية ، وهمته الإبليسية ، وصفاته البهيمية الشهوانية ، حتى يكون أشبه برسول الله ﴿ ص وآله﴾ . وما أعظم هذا الذي يفارقه وما أشد احتياجه إلى معين قوي مؤثر معتقد فيه.

وهناك فوق الذوق إشارة فسلم : إن الله تعالى ظهر لملائكته في مظهره ، وظهر جل جلاله للسالك المخلص آمرا ناهيا مبينا في مظهره الأكمل خاتم الأنبياء صلوات الله عليه وآله ، وظهر ﴿ ص وآله﴾ في المرشد فيصل لصاحبه حتى تبلغ العقيدة به مبلغ أنه يرى مخالفته مخالفة لرسول الله ﴿ ص وآله﴾.
لذلك كان لا بد من الرفيق في الطريق .
يقول ﴿ ص وآله﴾ : ( اللهم ارحم خلفائي ) وخلفاؤه ﴿ ص وآله﴾ هم العلماء الربانيون الذين يحيون سنته بعد مواتها . ويقول الله تعالى : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) النساء: ٨٣ وأولوا الأمر منهم هم الذين منحهم الله الفقه في دينه لأنهم أهل أمر الله تعالى ، ومن لم يعتقد أن له مرشدا يصحح عليه حاله فهو مغرور بعيد عن الحق .
وهنا أنبه السالك أن يحفظ الموازين مع أكمل المرشدين ، وألا يقبل من المرشد في كل مرتبة من مراتب السلوك إلا ما يعلمه من كتاب الله وسنة رسوله ﴿ ص وآله﴾ صريحا أو تأويلا ، حتى يبلغ مقام الإلهام، ولديها يجب أن يؤول للمرشد ، فإن لم يبلغ بتأويله فهم الحكم سلم له ، ووقف عن العمل ، حتى يمنحه الله نورا تستبين له به الحقيقة، فإن المرشد إنما يزكي نفوس المريدين ، فهو طبيب روحاني يجب على السالك أن يتعاطى عقاقيره التي لا تخرجه عن آداب الشريعة ، مهما كانت ؛ كما إذا أمره بالأسباب وهو في التجريد ، أو بالتجريد وهو في الأسباب ، وأمثال ذلك.

ما يناله السالك بانتسابه للطريق :
الطريق والصراط والمنهج ألفاظ مترادفة يراد بها ما يسهل به الوصول إلى المقصد ، آمنا سالكه على نفسه وماله من وعثاء السفر ، أو سوء المنقلب . وقد قررنا فيما سبق أن السالك إلى الله تعالى يفارق حقائق كثيرة ، لا يتسنى له الوصول ما دام واقفا عندها ، وكل حقيقة من تلك الحقائق كجبل سَدّ مَسلَكَ المسافر إلى الله تعالى .
ولما كانت أسس الدين أربعة : العقيدة ، والعبادة ، والمعاملة ، والأخلاق . وكانت النجاة متوقفة على الأساس الأول الذي هو العقيدة، وعلى قدر قوتها يكون الوصول ، فإن أصحاب رسول الله ﴿ ص وآله﴾ سبقونا بقوة الإيمان وسبقنا التابعون بوسعة العلم ونحن جئنا بكثرة العمل . ولا تسو بقوة الإيمان شيئا ، فنحن في حاجة إلى قوة الإيمان ولو جهلنا كل شيء إلا ما لا بد منه لنا ، وتركنا كل عمل إلا ما فرضه الله علينا ، إذ وسعة العلم وكثرة العمل مع ضعف الإيمان لا تجدي شيئا ، ولكن العقيدة الحقة تنتج العبادة الحقة والأخلاق الجميلة والمعاملة الحسنة ، والرعاية التي تجعل المسلم حاضرا مع الله أو موقنا بحضور الله معه ، يقول ﴿ ص وآله﴾ : " ....... فإن لم تكن تراه فإنه يراك ".
هذا والقائمون بالدعوة إلى الله أنواع ، فخيرهم وأنفعهم من جمله الله تعالى بقوة الإيمان ، وبمعرفته سبحانه ، وبعلم حكمته وأيامه وأحكامه ، وهذا هو وارث رسول الله ﴿ ص وآله﴾ ، وهو السعادة العظمى لمن سلم له ، وحصن الأمن لمن اقتدى به ، وهو المعنى بقوله ﴿ ص وآله﴾ في الحديث القدسي عن الله : ( من آذى لي وليا آذنته بالحرب ) ، لأنه الصورة الكاملة لرسول الله ﴿ ص وآله﴾ ، والخليفة القائم لله بالله ، مجدد المنهاج ، ومقيم الحجة ، ومبين المحجة، وهو المراد بقول الله تعالى : (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) فاطر: ٢٨.
ثم يلي هذا الفرد رجل منحه الله الورع في دينه والخشوع في عبادته ، وهو الزاهد العابد.
ثم يلي هذا رجل منحه الله الرحمة في قلبه والشفقة على عباد الله وهو من أهل المعاملة.
ثم يلى هذا رجل زكى الله نفسه ، وطهر أخلاقه حتى ذلت نفسه في عينه ، وهو المتخلق بالأخلاق الجميلة.

وكل واحد من هؤلاء يُجَمّل السالكَ على يده بما جمله الله به ، وكلنا نعلم أن الله يهب على الأخلاق ما لا يهبه على غيرها ، فكل مسلم لا يتربى على يد مرشد لا يذوق لذة الإيمان ، ولا لذة التقوى ، وربما اغتر بأعماله فأفسد إبليس عليه حاله ، وكم سالك زلت به قدمه ، وواصل ارتد على وجهه ، ولا أمان لمكر الله ، فالسالك على يد المرشد في حصون الأمن من وسوسة الشيطان وخدع النفس ، وبه ينال الرقي إلى مقامات اليقين من التوبة ، والخوف ، والرجاء ، والمحبة ، والتوكل ، والمشاهدة ، والرضا ، والصبر ، وغيرها ، حتى يبلغ مقام المقربين ، ويكون مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين .
إذا يتعين على كل مسلم أن يتلقى تلك الأسرار ، وأن يقتدي بالمرشد في الأعمال ليكون أشبه الناس برسول الله ﴿ ص وآله﴾ ، وكل مسلم لم يتلق العلم من العالم الرباني ولم يقتد بالمرشد الكامل يخشى عليه من الشرك الخفي ، أو الأخفى ، من الغرور بالنفس والعمل والنسب والجاه ، نسأل الله السلامة من الآفات في الهجرة إلى الله تعالى ، إنه مجيب الدعاء .



يتبع.

أم عُبيد
2013-11-13, 09:28
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته
شكرا على نصيحتك وبدوري أنصحك أن تقرأ كتاب : الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة لعبد الرحمن عبد الخالق .

كلمات مبعثرة
2013-11-13, 10:00
السالك إلى الله تعالى يفارق حقائق كثيرة ، لا يتسنى له الوصول ما دام واقفا عندها ، وكل حقيقة من تلك الحقائق كجبل سَدّ مَسلَكَ المسافر إلى الله تعالى .

جزاك الله خيرا

أم عُبيد
2013-11-13, 10:11
السالك إلى الله تعالى يفارق حقائق كثيرة ، لا يتسنى له الوصول ما دام واقفا عندها ، وكل حقيقة من تلك الحقائق كجبل سَدّ مَسلَكَ المسافر إلى الله تعالى .

جزاك الله خيرا

مرحبا بك أختي كلمات مبعثرة
أرجو الله أن تكوني في نعمة وعافية
بإذن الله سيكون لي معك وقفات (إن كان في العمر بقية ) لأني لمستُ عندك حيرة عقدية تتهربين من متابعتها خشية الإنزلاق في عالم الغيبيات .
من جهة معك حق (فعقيدة الواحد منا هي أنفس ما يمتلك ) ومن جهة أخرى من حق فطرتك عليك أن تستجيبي لها وتجلبي لها دواعي الطمأنينة
وتعقيبا على كلمة السالك الواردة في ردك يمكنني أن اضيف لك هذه المعلومة المتواضعة
السالك والمريد والعارف طرق يسلكها الصوفي للوصول إلى الله من منطلق (الفكر الصوفي ) وحبذا لو تتابعين دورات علمية في علم العقيدة لتزيلي الحيرة عنك . والله الهادي سبيل الرشاد .

سعيد النورسي
2013-11-15, 23:21
أشكر الإخوة والأخوات الكرام على المشاركة..

لا سيما الأخت "كلمات مبعثرة" فقد كتبت كلمات تعبر عن علم وفهم وتجربة, لا عن قراءة مجردة وسماع مجرد.

سعيد النورسي
2013-11-15, 23:22
موقف الإمام أحمد بن حنبل من التصوف والصوفية
الأستاذ / أسعد الخطيب

ما هو موقف الإمام الجليل أحمد بن حنبل (164- 241هـ) صاحب المذهب المشهور من التصوف والصوفية؟‏

لا شك أن أصول الصوفية الصحيحة المتفرقة في ثنايا الكتب اجتمعت في شخصية الإمام أحمد. وهو رضي الله عنه ممن تكلم بعلوم الصوفية كما صرح بذلك ابن تيمية حين قال في (رسالته الصوفية والفقراء): (وقد نقل التكلم به من غير واحد من الأئمة والشيوخ كالإمام أحمد وأبي سليمان الداراني وغيرهما).‏

ولذلك ليس غريباً أن نجد ترجمة الإمام أحمد مذكورة في معظم كتب تراجم الصوفية مثل حلية الأولياء وطبقات الأصفياء. والكواكب الدرية في تراجم السادة الصوفية. والطبقات الكبرى للشعراني. وفي كشف المحجوب للهجويري: (وكل السادة الصوفية من جميع الطبقات يعتقدون فيه البركة).




ولذلك ليس غريباً أن نجد ترجمة الإمام أحمد مذكورة في معظم كتب تراجم الصوفية مثل حلية الأولياء وطبقات الأصفياء. والكواكب الدرية في تراجم السادة الصوفية. والطبقات الكبرى للشعراني. وفي كشف المحجوب للهجويري: (وكل السادة الصوفية من جميع الطبقات يعتقدون فيه البركة...).‏


وقلَّ أن نجد كتاباً من كتب التراث الصوفي يخلو من أثر عن الإمام أحمد، خاصة في الرسالة القشيرية والفتوحات المكية وتنوير القلوب وإحياء علوم الدين. حتى إن البعض عند الكلام عنه وصفه بأنه: (مقتدى الطائفة).‏

علاقة الإمام أحمد مع صوفية عصره‏
لقد عاصر الإمام أحمد بن حنبل (164- 241هـ) طائفة من كبار الصوفية، وعلاقته معهم كانت قائمة على المودة والتقدير والاحترام المتبادل، وكان يقول: (صار القوم أئمة بالإخلاص وعند ذكرهم تتنزل الرحمة)

وعلى رأس هؤلاء القوم

1- بشر بن الحارث / ت 227هـ/ وقد سُئل عنه الإمام أحمد فقال: (هو رابع سبة من الأبدال)
وكان يقول: الطريق ما كان عليه بشر بن الحارث. وقال الحسن الرازي قيل لأحمد: يجيئك بشر بن الحارث قال: لا تعننِّ الشيخ، نحن أحق أن نذهب إليه. وقال بشر عن الإمام أحمد خلال محنته: إن ابن حنبل دخل الكير فخرج ذهباً أحمر. فبلغ ذلك الإمام أحمد فقال: الحمد لله الذي رضى بشر بما صنعنا. وقال عندما بلغه موت بشر: لم يكن له نظير. ونستنتج من أخبار المؤرخين عن هذين الشيخين الجليلين، أن البغداديين كانوا يرون أنهما في مرتبة واحدة.‏

وكانوا يقولون: مثل الإمام أحمد بن حنبل مثل دجلة، كل أحد يعرفها. ومثل بشر بن الحارث كمثل بئر عذبة مغطاة لا يقصدها إلا الواحد بعد الواحد.‏

2- أحمد بن أبي الحواري /ت 203هـ/ عن يحيى بن معين قال: التقى أحمد بن حنبل وأحمد بن أبي الحواري بمكة ودار بينهما الحوار حول قول أبي سليمان الداراني: (إذا اعتادت النفوس على ترك الآثام جالت في الملكوت، وعادت إلى ذلك العبد بطرائف الحكمة من غير أن يؤدي إليها عالم علماً). وتعجب الإمام أحمد من هذا القول ووجد ما يدعمه في قوله صلى الله عليه وسلم: "من عمل بما يعلم، ورثة الله علم ما لم يعلم" ثم قال لأحمد بن أبي الحواري: صدقت يا أحمد وصدق شيخك).‏
وفي قوت القلوب كان أحمد بن حنبل يقول: العلم ما جاء من فوق. قال يعني إلهاماً من غير تعليم.‏

3- حاتم الأصم /ت 237هـ/ لما دخل حاتم بغداد واجتمع إليه أهلها فقالوا: يا أبا عبد الرحمن أنت رجل أعجمي وليس يكلم أحد إلا قطعته، قال ذلك في ثلاث خصال إظهر بهن على خصمي: افرح إذا أصاب خصمي، واحزن إذا أخطأ، وأحفظ نفسي ألا أجهل عليه. فبلغ ذلك الإمام أحمد فقال: سبحان الله ما أعقله قوموا بنا إليه. فلما دخلوا عليه قيل له: يا أبا عبد الرحمن، ما السلامة من الدنيا؟ قال: يا أبا عبد الله لا تسلم من الدنيا حتى يكون معك أربعة خصال: تغفر للقوم جهلهم، وتمنع جهلك عنهم، وتبذل لهم شيئك، وتكون من شيئهم آيساً. فقال: يا حاتم إنها لشديدة، فقال حاتم: وليتك تسلم وليتك تسلم.‏

4- يحيى بن الجلاء / ت 258هـ/ عن الطرسوسي قال: ذهبت أنا ويحيى بن الجلاء إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل فسألته: يا أبا عبد الله، بم تلين القلوب؟ فقال: بأكل الحلال، فمررنا إلى بشر بن الحارث، فقلت له: بم تلين القلوب، قال ألا بذكر الله تطمئن القلوب. قلت له: إن ابن حنبل قال: بأكل الحلال فقال جاء بالأصل.‏

5- معروف الكرخي / ت 200هـ/ وصف معروفاً الإمام أحمد بعد أن رآه بأنه (فتى عليه أثار النسك)،‏
وكان أحمد بن حنبل يذهب إلى معروف ويسأله.
وقد سأل عبد الله والده أحمد مرة: هل كان مع معروف شيء من العلم؟ قال: كان معه رأس العلم وهو خشية الله.
وذكر يوماً في مجلس الإمام أحمد قول أحدهم عن معروف هو قصير العلم، فقال: أحمد: امسك عافاك الله، وهل يراد بالعلم إلا ما وصل إليه معروف؟!‏

6- سَرِيٌّ السَقَطِي / ت 253هـ/ وهو خال الإمام الجنيد وشيخه. قال الحسن البزار سألت أحمد بن حنبل عن السري بعد قدومه من الثغر، فقال: أليس الشيخ الذي يعرف بطيب الغذاء (أي أكل الحلال) قلت: بلا، فأثنى عليه.‏
وقد أراد السَرِيُّ السَقَطِيّ - وكان تاجراً- أن يوصل إلى أحمد شيئاً فرده، فقال له: يا أحمد احذر آفة الرد فإنها أشد من آفة الأخذ. فشرح أحمد صدراً بما قال السري، وأجاب: ما رددت ذلك إلا لأن عندي قوت شهر، فإذا كان بعد شهر فأنفذه إلي. وعلق صاحب كتاب (أحمد بن حنبل إمام أهل السنة) على ذلك بقوله: وأحمد يستفيد من كلام السري، ولا يلقي القول بإصرار رجل تستعبده آراؤه فتلك كبرياء على العلم والعلماء.‏

7- أبو حمزة الصوفي / ت 269هـ/ هو محمد بن إبراهيم اجتمع بالإمام أحمد كثيراً. وكان أحمد بن حنبل يجله ويعظمه، وإذا جرى في مجلسه شيء من كلام القوم يلتفت لأبي حمزه ويقول: (ما تقول فيها يا صوفي؟).‏
وجاء في تنوير القلوب: إن الإمام أحمد بعد أن اجتمع مع أبي حمزه، قال لولده: يا ولدي عليك بمجالسة هؤلاء القوم، فإنهم زادوا علينا بكثرة العلم والمراقبة والخشية والزهد.‏

8- الحارث المحاسبي / ت 243هـ/ وقد ذكر بعض المؤرخين، أنه في البداية كان بينه وبين الإمام أحمد جفاء بسبب مسائل في علم الكلام. واتفق أن الإمام أحمد أمر بعض صحبه أن يجلسه بحيث يسمع كلام الحارث ولا يراه، ففعل فتكلم الحارث وأصحابه يسمعون كأنما على رؤوسهم الطير، ثم أخذوا يبكون فبكى أحمد حتى أغمي عليه وقال لصاحبه: ما رأيت كهؤلاء ولا سمعت في علم الحقائق مثل كلام هذا الرجل، لكن مع ما وقفت من أحوالهم لا أرى لك صحبتهم.‏ قال السبكي في طبقاته: إنما قال له ذلك لقصوره عن مقامهم.‏

ولا ننسى أن نذكر أن المحاسبي كان يحمل التقدير لابن حنبل، مؤيداً موقفه من المحنة. وقال ابن تيمية: المحاسبي أعلم المتأخرين بالسنن والآثار.‏

9- أبو عثمان الوّراق / ت 260هـ/ وقد تخرج به أكثر نجوم البغداديين في التصوف وعنه أخذوا التجرد وسياسة النفوس كما قال أبو نعيم، وأضاف أن الإمام أحمد بن حنبل كان يحمد سيرته.‏

10- أبو بكر المغازلي / ت 282هـ/ ذكر الذهبي في ترجمته هو الإمام الولي الرباني كان من البدلاء، له أحوال عجيبة، وكان الخلال يقول: كان أبو عبد الله (أي الإمام أحمد) يقدمه ويكرمه ويقول: من مثله!.‏

11- أبو تراب النخشبي (أحد رجال الرسالة القشيرية)/ ت 245هـ/ وقد أخذ عنه الإمام أحمد. وقال ابن العماد: أبو تراب النخشبي دخل بغداد مرات واجتمع بالإمام أحمد بن حنبل.‏

12- أبو جعفر الطوسي / ت 254هـ/ وهو أستاذ الصوفيه المشهور أبي سعيد الخراز، قال أبو بكر المروزي: سألت أبا عبد الله عن أبي جعفر فقال: لا أعلم إلا خيراً.‏

13- أبو إبراهيم السائح: قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: كان في دهليز أبي دكان، فإذا جاءه إنسان يريد أن يخلو به أجلس عليه، فدخله أبو إبراهيم السائح، فقال لي أبي: سلّم عليه فإنه من خيار المسلمين وكبارهم.‏

14- أبو إسحاق النيسابوري: قال الذهبي: كان أحمد بن حنبل يغشاه ويحترمه ويجله ويقول عنه: إن كان ببغداد أحد من الأبدال، فأبو اسحاق النيسابوري.‏

15- ذو النون المصري / ت 246هـ/ قال المرزوي: دخلت على ذي النون أيام محنته وهو في السجن فقال لي: أي شيء حال سيدنا ؟ يعني أحمد بن حنبل. وقال الإمام أحمد لذي النون، لما سُمّي يحيى بن الجلاء بابن الجلاء، فقال: سميناه بذلك، لأنه إذا تكلم جلا قلوبنا.‏

16- موسى الجصاص / ت 251هـ/ قال الخطيب البغدادي عنه: (ورع متخل كان لا يحدث إلا بمسائل أبي عبد الله أحمد بن حنبل وشيء سمعه من أبي سليمان الداراني)، وقال غيره: هو من قدماء أصحاب الإمام أحمد: كان ذا زهد وورع وتأله.‏

17- زكريا الهروي / ت 255هـ/ قال الذهبي والجامي: هو من كبار مشايخ الصوفية وورعيهم. وكان أحمد بن حنبل يرفع من محله ويقول عنه: هو من الأبدال.‏

18- فتح بن شخرف / ت 273هـ/ كان يقول عنه الإمام أحمد (ما أخرجت خراسان مثله).‏

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: كتب لي الفتح بن شخرف الخراساني: (يقولون: علماء الأزمنة ثلاثة: ابن عباس في زمانه والشعبي في زمانه والثوري في زمانه، وأنا قلت للحارث المحاسبي: وابن حنبل في زمانه. فقال المحاسبي: نزل بالإمام أحمد ما لم ينزل بغيره.‏

19- وكيع بن الجراح / ت 200هـ تقريباً/ الكوفي الصوفي المحدث قيل: كان يصوم الدهر. قال أحمد بن حنبل: لو رأيت وكيعاً رأيت عجباً، حج أربعين حجة ورابط في عبادان أربعين ليلة. ولم يتلطخ بالسلطان.‏

- وهناك آخرون كثُر من العارفين لو سردنا أخبارهم هنا لطالت القائمة مثل أيوب الحمال وصفوان بن سليم ويحيى القطان وأحمد بن أبي بدر وإبراهيم النيسبوري وأبو يوسف الغسولي، وغيرهم. كان الإمام أحمد يقول عنهم: هم من خيار عباد الله يستنزل بذكرهم القطر. وما رأت عيناي مثلهم، وكان يطلق على بعضهم صفة الأبدال.‏

أفضلُ ختام لبحثنا هذا: دعاء للإمام أحمد بن حنبل كان يردده في سجوده (اللهم من كان على هوى أو على رأي وهو يظن أنه على الحق وليس هو على الحق، فرده إلى الحق حتى لا يضل من هذه الأمة أحد).‏

عاش الإمام أحمد 77 سنة، ودفن بعد وفاته في مقبرة باب حرب ببغداد، وصلى عليه خلائق لا يحصى عددهم.

قال صاحب مختصر طبقات الحنابلة:‏ وقبره ظاهر مشهور يزار ويتبرك به.‏

سعيد النورسي
2013-11-15, 23:26
قضايا التصوف وموقف الإمام أحمد منها
الأستاذ / أسعد الخطيب‏


1- التوسل : قال ابن تيمية في فتاواه: قال أحمد في نسكه الذي كتبه للمروزي صاحبه أنه يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في دعائه(5). وروى ابن مفلح في الآداب الشرعية عن أحمد بن حنبل أنه قال:‏

حججت فضللت الطريق وكنت ماشياً فجعلت أقول يا عباد الله دلوني على الطريق فلم أزل أقول ذلك حتى وقعت على الطريق(6). وقد ثبت عن الإمام أحمد أنه قال عند القحط وعند انقطاع المطر: يتوسل الداعي الذي يصلي صلاة الاستسقاء بالرسول صلى الله عليه وسلم. وقد ثبت أيضاً أن الإمام أحمد توسل بالإمام الشافعي رضي الله عنهما(7). حتى تعجب ابنه عبد الله من ذلك فقال له الإمام أحمد: إن الشافعي كالشمس للناس وكالعافية للبدن.‏

2- التبرك : جاء في خلاصة الوفاء للسمهودي وفي كتاب العلل والسؤالات لعبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: سألت أبي عن رجل يمس قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويفعل بالمنبر مثل ذلك فقال: لا بأس به(8).‏

ويعزز هذا الكلام قول الذهبي: أين المتنطع المنكر على أحمد، وقد ثبت أن عبد الله سأل أباه عمن يلمس رمانة قبر النبي ويمس الحجرة النبوية فقال: لا أرى بذلك بأساً. وختم الذهبي كلامه: أعاذنا الله وإياكم من رأي الخوارج والبدع(9).‏

وقال السندي الخواتيمي: سألت أبا عبد الله عن الرجل يأتي هذه المشاهد، فقال:‏

على ما كان يفعله ابن عمر يتتبع مواضع النبي صلى الله عليه وسلم وأثره، فليس بذلك بأساً أن يأتي الرجل المشاهد(10). وقال عبد الله بن أحمد: رأيت أبي آخذاً شعرة من شعر النبي صلى الله عليه وسلم فيضعها على فيه يقبلها وأحسب أني رأيته يغمسها بالماء ويشربه يستشفي به(11).‏

3- العزلة : قال الإمام أحمد رضي الله عنه: الخلوة أروح لقلبي(12). وقال مرة: أريد نزول مكة في شِعْب من تلك الشعاب حتى لا أعرف. وقال ابنه عبد الله: لا يمكن لأحد أن يقول: إنه رأى أبي في هذه النواحي يوماً إلا إذا خرج إلي الجمعة، وكان أصبر الناس على الوحدة، وبِشْرٌ رحمه الله لم يكن يصبر على الوحدة(13). وقيل لأحمد بن حنبل: ما حجتك في ترك الخروج إلى الصلاةَ في جماعة ونحن بالعسكر فقال: إن الحسن وإبراهيم التيمي خافا أن يفتنهما الحجاج وأنا أخاف أن أفتتن أيضاً(14)واستشهد رحمه الله بقول مطرف التابعي الكبير: (تفقهوا ثم اعتزلوا)(15) قال فتح بن نوح: سمعت أحمد يقول: أشتهي مكاناً لا يكون فيه أحد من الناس، طوبى لمن أخمل الله ذكره.‏

4- السماع : جاء في طبقات الحنابلة في ترجمة يحيى بن منده: حدثنا الخلفاني، قلت لأحمد بن حنبل: ما تقول في القصائد أي السماع الذي يتواجد عليه الصوفية؟ قال: مثل ماذا؟ قلت مثل:‏


إذا ما قال لي ربي * أما استحييت تعصيني‏

وتخفي الذين من غيري * وبالعصيان تأتيني‏

‏ قال: فرد الباب وجعل يردد هذا الشعر(16).‏

وقد نقل العلامة السفاريني الحنبلي عن إبراهيم القلانسي أن الإمام أحمد قال عن الصوفية: لا أعلم قوماً أفضل منهم. قيل: إنهم يستمعون ويتواجدون قال: دعوهم يفرحوا مع الله ساعة(17).‏

وطبعاً فإن الإمام أحمد رحمه الله يقصد هنا سماع الصوفيين الصادقين الذين هم خاصة الخلق كما وصفهم السبكي وليس أدعياء التصوف الذين تكاثر عددهم على مر الزمن.‏

5- الزهد : وتعريفه هو أن تكون مما في يد الله أوثق مما في يدك. ولأحمد بن حنبل كتاب خاص في الزهد شحن فيه أقوال الصحابة وكبار التابعين والصوفية أمثال إبراهيم بن أدهم ومالك بن دينار والفضيل بن عياض ومحمد بن واسع وسواهم وكان رضي الله عنه يقول: أسرّ أيامي أصبح ليس عندي شيء. ويستشهد بعبارة أحد الربانيين: اهتمامك برزق غد يكتب عليك خطيئة(18).‏

وقيل له: إن همة هؤلاء الصوفية كِسْرة وخرقة فقال: لا أعلم أعظم قدراً من هذه صفته.‏

قال صالح بن أحمد، رأيت أبي يأخذ الكسر (الخبز) وينفض الغبار عنها ثم يصب عليها الماء ثم يأكلها بالملح(19). وقد أرسل له مرة المتوكل طبيباً فقيل له: يا أمير المؤمنين إن أحمد بن حنبل ليس به علة في بدنه إنما هذا من قلة الطعام وكثرة الصيام والعبادة(20). فقد كان رحمه الله يقول: الخوف منعني من الطعام والشراب(21). وقال النحوي: رأيت الإمام أحمد وعليه ثياب غلاظ(22). وقال أبو طالب الشابي:‏

سئُل أحمد ما الزهد في الدنيا فقال: قصر الأمل والإياس مما في أيدي الناس.‏

أما ابن القيم فيذكر أن الزهد عند الإمام أحمد ثلاث أنواع: الأول: ترك الحرام وهو زهد العوام. والثاني: ترك الفضول من الحلال وهو زهد الخواص. والثالث: ترك ما يشغل عن الله وهو زهد العارفين(23).‏

6- الإخلاص : قال رحمه الله: هو الخلاص من آفات الأعمال فخلص أعمالك من الغرور والشرك ومما يلائم نفسك(24) والشرك الذي كان يحذر منه الإمام أحمد ذكره في مسنده عندما أورد قول شداد بن أوس للرسول صلى الله عليه وسلم: أتشرك أمتُك من بعدك؟ قال: نعم أما إنهم لا يعبدون شمساً ولا قمراً ولا حجراً ولا وثناً ولكن يراؤون بأعمالهم(25).‏

وهناك حديث يتكرر كثيراً في مصنفات الصوفية وذكره الإمام أحمد في مسنده هو، قوله عليه الصلاة والسلام: (ما أخلص عبد قط أربعين يوماً إلا ظهرت ينابيعُ الحكمة من قلبه على لسانه)(26).‏

7- الحديث الضعيف : قيل إن أحمد بن حنبل كان يحفظ ستمائة ألف حديث ما بين الصحيح والحسن والضعيف. وفسر الإمام أحمد ذلك قائلاً: (إذا روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحلال والحرام والسنن والأحكام تشددنا في الأسانيد، وكذلك إذا جاء الحديث في الكفارات والحدود والفرائض وإذا روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضائل الأعمال وثوابها وترغيبها وما لا يضع حكماً ولا يرفعه تساهلنا في الأسانيد)(27). وهو يستدل بكلام أحد زهاد التابعين: (إن للحديث ضوءاً كضوء النهار تعرفه، وظلمة كظلمة الليل تنكره)(28).‏

8- الأبدال : لا نعلم أحداً من الفقهاء الأربعة المشهورين أكثر من ذكر الأبدال مثل الإمام أحمد، مثال على ذلك: ما جاء في مسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الأبدال بالشام وهم أربعون رجلاً كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً يسقى بهم الغيث وينتصر بهم على الأعداء ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب(29).‏

9- تقبيل القبر الشريف: أجاز الإمام أحمد تقبيل القبر. قال الحافظ العراقي: أخبرني أبو سعيد العلاني قال: رأيت في كلام ولد أحمد بن حنبل في جزء قديم أن الإمام أحمد سئل عن تقبيل قبر النبي صلى الله عليه وسلم وتقبيل غيره، فقال: لا بأس بذلك، فأريناه ابن تيمية فصار يتعجب من ذلك(30).‏

وروى الإمام أحمد (وجد مروان بن الحكم رجلاً واضعاً وجهه على القبر الشريف فأخذ مروان برقبته ثم قال: هل تدري ما تصنع؟ قال: نعم إنما جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم آت الحجر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله، ولكن ابكوا على الذين إذا وليه غير أهله)(31).‏

10- تقبيل المصحف : قال الإمام أحمد ما سمعت فيه شيئاً، ولكن روي عن عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه أنه كان يفتح المصحف ويضع وجهه عليه ويقول: كلام ربي كلام ربي(32).‏

11- تقبيل اليد : سُئل عنها الإمام أحمد فقال: لا أرى بها بأساً عن طريق التدين، وكرهها عن طريق الدنيا(33) وقال الخلال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: رأيت كثيراً من العلماء والفقهاء والمحدثين يقبلون يد أبي ويعظمونه تعظيماً(34).‏

12- قراءة القرآن على الميت: قال أبو بكر المروزي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: إذا دخلتم المقابر فاقرؤوا آية الكرسي وثلاث مرات قل هو الله أحد ثم قولوا: اللهم اجعل فضله لأهل المقابر(35).‏

قال ابن تيمية: إنه يجوز إهداء ثواب العبادات إلى موتى المسلمين كما هو مذهب أحمد.‏

13- كتابة التمائم وتعليقها: ذكر ابن القيم في زاد المعاد، أن الإمام أحمد سُئل عن التمائم تعلق بعد نزول البلاء فقال: أرجو أن لا يكون به بأساً. وقال ابن تيمية: نقلوا عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه كان يكتب كلمات من القرآن والذكر ويأمر بأن تسقى لمن به داء، ونص الإمام أحمد على جوازه(36).‏

14- الذكر : أورد الإمام أحمد في مسنده قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (أكثروا ذكر الله حتى يقولوا مجنون)(37) وفي المسند أيضاً قال صلى الله عليه وسلم لجعفر بن أبي طالب: (أشبهت خَلْقي وخلُقي فحَجَل)(38). قال ابن حجر العسقلاني: حجل أي وقف على رجل واحدة، وهو الرقص بهيئة مخصوصة.‏

15- مناجاته : كان أحمد بن حنبل يناجي الله عز وجل مناجاة الصوفية فيقول:‏

اللهم، إن كنت تعلم أني أحبك خوفاً من نارك فعذبني بها، وإن كنت تعلم أني أحبك طمعاً في جنتك فاحرمنياها، وإن كنت تعلم أني أعبدك حباً مني إليك وشوقاً إلى وجهك الكريم فابحنياه مرة واصنع ما شئت(39).‏

16- أدبه : قال إبراهيم الحربي: كان أحمد بن حنبل وفّق للأدب، كان يجتمع في مجلس أحمد زهاء خمسة آلاف، خمسمائة يكتبون والباقون يتعلمون منه حسن الأدب(40). وكان مرة متكئاً من علة، فذكر عنده أحد الصالحين فاستوى جالساً وقال: لا ينبغي أن يذكر الصالحون فيتكأ.‏

وقد روى الإمام النووي أن الإمام أحمد عندما رأى أحد هؤلاء الصالحين وثب إليه وأكرمه فلما مضى قال له ابنه عبد الله: يا أبت تعمل به مثل هذا العمل، فقال: يا بني، لا تعارضني في مثل هذا(41).‏

قال ابن المنادي: سمعت جدي يقول: كان أحمد بن حنبل من أحسن الناس عشرة وأدباً، كثير الإطراق والسكوت، لا يسمع منه إلا المذاكرة بالحديث وذكر الصالحين والزهاد.‏

17- الكرامات : ذهب الإمام أحمد إلي جواز الكرامات للأولياء وضلّل من ينكرها(42).‏

قال التاج السبكي: فإن قلت: ما بال الكرامات في زمن الصحابة قليلة وبعدهم على يد الأولياء أكثر، فالجواب ما قاله الإمام أحمد بن حنبل: لأن قوة إيمانهم لا يحتاج معها إليها. ولأن الزمن الأول كان كثير النور، ألا ترى أن القنديل لا يظهر نوره بين القناديل، والنجوم لا يظهر لها نور مع ضوء الشمس(43). وقد وقعت للإمام أحمد كرامات عديدة، قال صاحب الجوهر: المحصل في مناقب الإمام أحمد بن حنبل له رضي الله عنه كرامات مشهورة ودعوات بالإجابة مبرورة، منها ما ظهر في حياته ومنها ما كان بعد مماته. جاء مرة حفيده ينزف من منخريه وعجز الطبيب عن ذلك، فجعل الإمام أحمد يحرك يديه ويدعو له فانقطع الدم(44). وحدّث أبو حرارة، قال: كانت أمي مقعدة نحو عشرين سنة، فقالت لي يوماً: اذهب إلى أحمد بن حنبل فاسأله أن يدعو الله لي. فذهبت إليه ودعا لها وعدت إلى البيت، فوجدت أمي تمشي على رجليها(45).‏

وقال عبد الله بن موسى: خرجت أنا وأبي في ليلة مظلمة نزور أحمد فاشتدت الظلمة، فقال أبي: يا بني، تعال نتوسل إلى الله تعالى بهذا العبد الصالح. فدعا أبي، فأضاءت السماء كأنها ليلة مقمرة(46) حتى وصلنا إليه.‏

18- في مصطلحات أخرى: المحبة: قال رضي الله عنه: سل عنها بشر الحافي لأني لا أجيبك عنها ما دام حياً. الرضا: قال: لكل شيء كرم، وكرم القلوب الرضا عن الله(47). وقال أيضاً: الرضا ثلاثة أشياء: ترك الاختيار وسرور القلب بمر القضاء وإسقاط التدبير من النفس(48).‏

المريد: قال: أن يكون مع الله كما يريد، وأن يترك كل ما يريد لما يريد.‏

الفتوة: قال: هي ترك ما تهوى لما تخشى(49).‏

التواضع: مثال على ذلك قوله: أخذنا هذا العلم بالذل(50)‏

المجاهدة: قال المجاهد: من جاهد نفسه في ذات الله.‏

التوكل: قال: هو الثقة بالله وقال أيضاً: التوكل هو استشراف باليأس من الناس(51).‏

وهذا قريب من كلام الإمام الجُنيد رضي الله عنه: التصوف الأخذ بالحقائق واليأس مما في أيدي الخلائق.‏

_________________________________________


(5) ج1 ص 140.‏

(6) الصواعق الإلهية ص 76 لسليمان بن عبد الوهاب.‏

(7) الدرر السنية ص 45 لأحمد زيني دحلان.‏

(8) اقتضاء الصراط المستقيم ص 401. تصحيح مفاهيم خاطئة لابن علوي المالكي ص 29.‏

(9) سِيرَ أعلام النبلاء للذهبي ج 11 ص 54.‏

(10) اقتضاء الصراط المستقيم ص 339.‏

(11) سير أعلام النبلاء ج 11 ص 212‏

(12) مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص 351.‏

(13) تاريخ دمشق ج 7 ص 258، سير أعلام النبلاء ترجمة رقم 1810.‏

(14) أحياء علوم الدين للغزالي ج2 ص 166 ط دار الفكر.‏

(15) الزهد للإمام أحمد ص 140.‏

(16) طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى ج3 ص 132.‏

(17) غذاء الألباب لابن مفلح ج1 ص 120.‏

(18) الورع للإمام أحمد ص 46.‏

(19) المختار في مناقب الأبرار لابن الأثير الجذري (مخطوط 61 ب).‏

(20) طبقات الحنابلة ص 7.‏

(21) سير أعلام النبلاء ج 11 ص 216.‏

(22) تاريخ دمشق ج 7 ص 216.‏

(23) مدار ج السالكين ج 2 ص 12. الرسالة القشيرية ج1 ص 413.‏

(24) كشف المحجوب ص 144.‏

(25) ج2 ص 633. مسند أحمد رقم 16671.‏

(26) الرسالة القشيرية ج2 ص633.‏

(27) شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي وفيات (241هـ) طبقات الحنابلة ج1 ص 113.‏

(28) الزهد للإمام أحمد ص 320.‏

(29) ج 1 ص 112.‏

(30) الرد المحكم المتين لصديق الغماري ص 273.‏

(31) خلاصة الوفا للسمهودي ص 127.‏

(32) أحمد بن حنبل إمام أهل السنة لعبد الحليم الجندي ص 177.‏

(33) الجوهر المحصل في مناقب أحمد بن حنبل ص 113 لمحمد بن سعدي الحنبلي.‏

(34) سير أعلام النبلاء ج 11 ص 58.‏

(35) إحياء علوم الدين ج2 ص 147. المجموعة اليوسفية في بيان أدلة الصوفية للشيخ خطار ج1 ص 443.‏

(36) مسائل كنز النقاش حولها للشيخ سيد بن الدين آل سميط ص 20.‏

(37) ج 3 ص 68.‏

(38) ج 1 ص 98، 108.‏

(39) إسلام بلا مذاهب ص 461 نقلاً عن طبقات الحنابلة.‏

(40) سير أعلام النبلاء ج 11 ص 216.‏

(41) الترخيص بالقيام للنووي ص 48.‏

(42) اعتقاد الإمام أحمد بن حنبل (مخطوط 12 أ) مكتبة الأسد الوطنية.‏

(43) الكواكب الدرية في تراجم السادة الصوفية للمناوي (المقدمة)‏

(44) مناقب الإمام أحمد بن حنبل ص 369.‏

(45) تاريخ دمشق ج 7 ص 259، سير أعلام النبلاء وغيره (باختصار).‏

(46) مناقب الإمام أحمد ص 372.‏

(47) تاريخ دمشق ج 7 ص 268.‏

(48) المقدمة في التصوف للسلمي ص 45.‏

(49) طبقات الحنابلة ج 1 ص 86‏

(50) سير أعلام النبلاء ج 11 ص 231.‏

(51) مناقب الإمام أحمد ص 198.‏

سعيد النورسي
2013-11-15, 23:35
شرح قول سادتنا الصوفية "وجودك ذنب لا يقاس به ذنبُ"

زمان أيام الطفولة كنا لا نرى أنفسنا ولذلك كنا سعداء..

كنا كفراشات حفيفة لا ترى لها اعتماداً إلا على الأب والأم, فكنا خارجين عن حولنا وقوتنا إلى حول الله وقوته والثقة التامة الكاملة بالوالدين اللذان يمثلان نعمته الكبرى علينا.. ولذلك كنا سعداء.

فلما كبرنا رأينا نفوسنا فاحتبسنا فيها وبعدنا عن الله.. لأن نفسك هي أكبر حجاب بينك وبين الله.. وأكبر جبل يجب أن تقطعه لكي تصل إلى الله..

وجودك ذنب لا يقاس به ذنب :) ! كيف..

وجودك : قال ( أنا ) خير منه .. أكثر مخلوق يرى (الأنا ) هو إبليس .. ولذلك أعمته أناه عن شهود عظمة ربه .. وقد قال سادتنا الصوفية : (أعظم حجاب بينك وبين الله : نفسك التي بين جنبيك) .. ولذلك فإن لهم ذكر معروف على عكس ( أنا ) : هو..

ولا يعرف قدر ما عند الصوفية إلا مسلم من ذرية العترة النبوية , يساعده على فهم مقاصدهم : ما يحمله من نور بالوراثة..

كيف تعرف موقفك من ( أنا ) ؟

عن طريق الاختلاط بالناس , عن طريق الاحتكاك ... وتأمل في نفسك : ستجد أنك مشغول على طول الخط بنقد الناس وتتبع عوراتهم مع تزكية نفسك .. كل هذا في حديث داخلي ... وهذه هي ( أنا خير منه ) !

هذا على مستوي معاملة الخلق ..

وأما على مستوى معاملة الحق : فإن الـ ( أنا ) لو لم تنمحي تماماً وتتلاشى , فإن الله تعالى لن يقبلك .. فإن القمر إذا ادعى ظهوره بالنهار في وجود الشمس وسطوعها فهو كاذب ومفتري .. كذلك أنت أيها العبد المخلوق المستحدث , يجب أن ترى نفسك عدماً مع الله تعالى, فلو صليت أو صمت أو تعبدت فلا ترى أنه فعلك ( والله خلقكم وما تعملون ) قد صليت وصمت وحججت بقدرته هو سبحانه وتعالى التي أقرضك إياها ... بقدرته وسمعه وبصره وعلمه وبقية صفاته التي أقرضك إياها أيها العبد , وأنت تظن أنها ملكك أنت وليست كذلك !

ذنب لا يقاس به ذنب : لأنك حينئذ تكون قد ادعيت الربوبية وأشركت بالله تعالى دون أن تدري .. فإن الموجود المطلق هو الله تعالى بلا أول ولا آخر , وأما أنت فقد كانت الدنيا تضج بالحياة وأنت لم تولد بعد , وهو موجود , وهو من أوجدك ... فعترف بهذا ولا تنسب الفضل إلا لأهله ولا تكذب على نفسك وعلى الله ..

قد تصلي وتعجبك صلاتك وتزهو نفسك فيكون هذا عصياناً لأنه وجود, وقد تعصي الله فتنكسر وتشهد وجوده هو وتنسى نفسك فيكون هذا من أكمل الطاعات لأنه اعتراف بأنك غير موجود ولا شئ قياساً بالوجود الأصلي المطلق الذي أوجدك..

المهم هو شهودك.. ما الذي تشهده ؟ هل تشهد وجوده هو وقدرته عليك وعلى جميع الخلق ؟ أم تشهد نفسك وتعيش مع نفسك ولا ترى غيرها ؟

الإمام أبو العزائم يقول : (أمح أنا.. وأثبت أنا.. تلق المسرة والهنا). امح أنا : أي نفسك, وأثبت أنا : أي الله. تلق المسرة والهنا.

انس كلمة : لماذا يارب.. ولم أنا دون غيري.. امح هذه الكلمات الشركية من قاموسك, تصل إلى الله أسرع من البرق !

لأنك محوت نفسك الأمارة بالسوء.. وأثبتّ الحق, لأن الله هو الحق الخالص, وكل قضائه حق لا ظلم فيه.. فإذا رضيت بالحق ولو على نفسك : ظهر فيك الحق وكنت صورة منه.. صورة من النبي ص.

وهذا هو معنى قول سادتنا الصوفية : موتوا قبل أن تموتوا.

فمن مات موتاً معنوياً دخل جنة الدنيا المعجلة. لأنه وحّد الله تعالى بالوجود.. هو وحده لا أنا..

وعلى هذا النهج تدور فلسفة الشيح الأكبر سيدي محيي الدين بن عربي رحمه الله تعالى التي ييئ فهمها عنه خصوم الصوفية فيقولون أنه يقول بوحدة الوجود وأن الخالق والمخلوق واحد ! وهذا منهم جهل لمرامي كلامه, ولا يفهم كلام الصوفية إلا من عاش معهم.

أطع أمرنا نرفع لأجلك حـجبنا * فإنا منحنا بالرضا من أحبنا

ولذ بحمانا و احتمِ بجنابنا * لنحميك مما فيه أشرار خلقنا

وعن ذكرنا لا يشغلنك شـاغل * و أخلص لنا تلق المسرة والهنا

وسلم إلينا الأمر في كل ما يكن * فما القرب والإبعاد إلا بأمرنا

سعيد النورسي
2013-11-15, 23:38
يقول الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم

أنواع الإنسان أربعة :
إنسان كلي : وهو رسول الله ﴿ ص وآله﴾ .
وإنسان كامل : وهم الرسل القائمون مقامه ﴿ ص وآله﴾ ، قبل إشراق شمسه المحمدية في عالم الإمكان ، وأبداله صلوات الله عليه المجددون لسنته بعد رفعه عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى .
وإنسان روحاني : وهم السالكون المقتدون .
وأما الرابع : فحيواني عاص من المسلمين ، أو شيطاني غاو كافر أو منافق .

وقد اقتضت الحكمة الإلهية أن يخلق الإنسان وسطا بين العالمين ، وأن يخفى عنه ما به سعادته الروحانية ، وأن يلهمه ما به سعادته الدنيوية ، قال سبحانه : (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) النحل: ٧٨. ومعلوم أن السمع والأبصار والأفئدة آلات لتحصيل العلم بالله وبأيام الله وبأحكام الله ، فالأذن تصغى للحكمة ، والعين تشهد أنواع الآيات في الكائنات والقلب يفقه تلك العلوم . أما ما يتعلق بالضروري والكمالي من الدنيا ، فلا يتوقف تحصيله على مرشد ، لأن كل أنواع الحيوان ألهمت بالفطرة طريق تحصيل ما لا بد لها منه ، والولد يولد من بطن أمه عالما بما به حفظ حياته من الرضاع إلهاما من الله تعالى.

ولما كانت العلوم والأعمال التي بها نيل مراضي الله ومحابه ليس للعقل أن يحصلها إلا بمرشد ، اقتضت الإرادة الإلهية أن يبعث الرسل مبشرين ومنذرين . ولما كان ما جاء به الرسل صلوات الله وسلامه عليهم ، قد يخفى فهمه على أكثر الناس بعد رفعهم إلى الرفيق الأعلى تفضل الله تعالى فأناب عنهم أبدالا لهم ، يقيمون حججه ويوضحون محاجه ، ويبينون للناس سبله سبحانه ، لنحكم على عجز العقل عن نيل ما به السعادة ، بل وعن هجومه على الغيب المصون ، قال تعالى : (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) القيامة: ١٩ فهو المبين سبحانه ، ولكن يتفضل تنزلا فيبين لكل مرتبة من المراتب على قدر ما تطيقه القلوب ، قال تعالى : (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا) الأنعام: ٩ وقال عليه الصلاة والسلام : (رحم الله خلفائي) وقال صلوات الله عليه وسلامه : ( يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها ) .

ومعلوم أن السالك في طريق الله تعالى إذا لم يؤسس سيره على محبة الله ، ومحبة رسوله ﴿ ص وآله﴾ ، وحب الخير لخاصة المسلمين وعامتهم لم ينل خيرا ، والسالك الذي لا يقوم بإخلاص عاملا لله على هدى رسول الله ﴿ ص وآله﴾ قل أن يصل إلى مقصوده. ولما كانت محبة الله تعالى لا يظفر بها السالك إلا بسماع ما له علينا سبحانه من النعم ، وفهم أنوار جماله وأسرار بهائه ، وعظمة جلاله ، وسواطع أنواره ، وإدراك مراتب الوجود ، ونسبته في مرتبته ، وما تفضل الله به عليه من خلقه بيديه ، ومن نفخته فيه من روحه ، وسر سجود الملائكة لآدم ، وحكمة جعله خليفة عنه في الأرض ، وعنايته سبحانه بالإنسان حتى أعد له مالا عين رأت ولا أذن سمعت في جوار قدسه ، ومنازل الأطهار من خيرة خلقه, وبذلك يحصل له الحب الجذاب إلى حضرة القرب من الله تعالى . . وكان كل ذلك لا بناله السالك إلا بصحبة لمرشد القائم مقام رسول الله ﴿ ص وآله﴾ كان لا بد لكل سالك من مرشد ، فالمرشد في الحقيقة هو صورة رسول الله صلوات الله عليه المجملة بجماله المحمدي إلا أنه لا يوحى إليه ، انطوت النبوة بين جنبيه ، حفظ الله قلبه ولسانه ، لأنه ممد من روح العصمة ، فهو النجم المضيء لأهل عصره ، وقد جعل ﴿ ص وآله﴾ المرشدين في مقام التمكين إخوانا له في الحديث الطويل : " وددت لو رأيت إخوانى الذين لما يأتوا بعد " بسند مالك بن أنس في موطئه ، فأنزلهم منه صلوات الله عليه منزلة الإخوان لأن الله تعالى أكرمهم بأن جعلهم ورثة أنبيائه .

وللمرشد اقتباس من مشكاة رسول الله ﴿ ص وآله﴾ تنكشف به غياهب البدع ، وظلمات الفتن في كل زمان ، فهو حجة الله تعالى القائم للحي القيوم ، وهو الإنسان المجمل بجمال الصديقين قولا وعملا وعلما وخلقا وعبادة ومعاملة وعقيدة ، كما قال ﴿ ص وآله﴾ : " الولى من إذا رؤي ذكر الله لرؤيته " وقال أيضا : " الولى إذا دخل بلدا كمل إيمان أهلها " .

المرشد ينوع الأفكار ويقوي اليقين الحق ، وتزكو به النفوس ، وتنشط الأبدان للعبادة ، ومن أكمل صفاته: أن الله يلقي عليه محبة منه فلا يراه مؤمن إلا أحبه ، ولا منافق إلا هابه ، ولا كافر إلا خاف منه ، فهو صورة رسول الله ﴿ ص وآله﴾ والمرآة التي أشرقت فيها معانيه المحمدية.
_____________________

الإمام أبو العزائم هنا لا يعني بالمرشد أي شيخ صوفي والسلام, وإنما المرشد في هذا الموضع يعني به الوارث المحمدي الفرد الجامع في عصره.. الذي يحل محل سيدنا رسول الله ص في الأمة, وهو شخص واحد فقط في كل جيل على رأس كل قرن, ولا تخلو الأرض من وارث لرسول الله ص.

سعيد النورسي
2013-11-15, 23:40
قال الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم رضي الله عنه في كتابه النفيس (الطهور المدار على قلوب الأبرار) :


من هو السالك ؟ :
هو إنسان مسلم منحه الله النور الذي يقبل به الخير, والنور في اصطلاحنا هو القابل وحفظه سبحانه وتعالى من فعل ما يخالف ما أنزل الله على نبيه ﴿ ص وآله﴾ وإن قبله في بدايته من غير المرشد الكامل ألهمه الله الفرار إليه سبحانه ودله على المرشد ، فكان من خيرة أصحابه ، لأن ما يجعله الله من النور في قلب السالك إليه جل جلاله يستبين به الحق والباطل ، فيجذبه الله إلى الحق بدليل قوله تعالى : اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ البقرة: ٢٥٧ وقوله ﴿ص وآله﴾ : ( يد المؤمن في يمين الله كلما وقع أقامه ) .

والسالك يشتاق إلى الحق ، والمشتاق إلى الحق قوي المسارعة إلى الحكمة ، ولشوقه إلى الحق إذا سمع كلمة حكمة تلقاها ولو من عدو الله ، قال رسول الله ﴿ ص وآله﴾ : " الحكمة ضالة المؤمن يلتقطها أنى وجدها ".

وسماع الحكمة يجعل النفوس تعظم حاملها ، ولكن قد يكون حامل الحكمة غير الحكيم يحفظها ولا يفقهها ، قال تعالى : مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا الجمعة: ٥ ، فإذا نطق الناطق بالحكمة قبلها السالك منه ، ثم وزن أحواله بهذا النور المجعول له من الله ، قال الله تعالى : وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ النور: ٤٠. فإذا اطمأن لها قلبه ، وشهد من الحكمة العمل بها أحبه واقتدى بعلمه ، وعمله ، وحاله . وإذا لم يطمئن قلبه ولم يشهد عمله بالحكمة أخذ منه الحكمة وفارقه . فليس كل محصل للعلم عالما ، ولا كل مبين للأحكام بدلا من أبدال الرسل ، قال الله تعالى وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا الأعراف: ١٧٥ وقال ﴿ ص وآله﴾ : " قراء آمتى فساقها ".

إذا فهمت ياولدي هذا ؛ فلا يعتبر السالك سالكا في طريقنا إلا إذا جمله الله بكل تلك المعاني ، وأنت تعلم يابني أن أصحاب رسول الله ﴿ ص وآله﴾ كان بينهم المنافق ، والشاك ، والمتردد في دينه ، والمظهر الإيمان لغرض من الأغراض ، وكلهم يرون من رسول الله الميل والتأليف ، مع إعلام الله إياه بحقيقة ما انطوت عليه قلوبهم ، قال ﴿ ص وآله﴾ : " أمرت بمدارة الناس " وقد أمرنا ﴿ ص وآله﴾ أن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر .

فالسالك حقا من منحه الله التسليم وقدر له صحبة المرشد الكامل ، فأفرده بالقصد دون غيره من الخلق، حبا في أن يفوز بمعية رسول الله ﴿ ص وآله﴾ بنيل صحبة أشبه الناس به شوقا إليه عليه الصلاة والسلام ، ويكون في الحقيقة في معية النبي عليه الصلاة والسلام ، بمعنى أنه لا يعتبر للمرشد وجودا فيعظم أمره ونهيه ، وإنما يكون وجوده في معية الحبيب المصطفى ، فيقبل من المرشد ما يعلم أنه من السنة ، ويرد ما لا يفقهه قلبه من القول والعمل ، معتقدا أن السلوك هو العمل بصريح السنة والكتاب ، حتى يمنحه الله تعالى المراقبة أو المشاهدة ، فهو لا ينكر على المرشد الكامل ما لا يفقهه قلبه مما يعتقد أنه حق في مرتبة المرشد ما دام المرشد لا يفعل محرما ولا يقول بضلال.

مثال ذلك : أن المرشد إذا ترك الأسباب أو عمل عملا يقتضي مهانة من تغيير هيئة ، أو فرار إلى الغابات ، أو فارق النساء والمشتهيات ، أو مالت نفسه إلى السماع ، أو زار الملوك والأمراء ، مما حصل للأفراد المرشدين ، فلا يقلده السالك في ذلك ولا ينكر عليه. أما إذا فعل محرما ، أو أمر به ، أو ترك فريضة وجب على السالك مفارقته بسرعة ولو كان المرشد يريد امتحان السالك في طاعته أو يريد امتحانه في يقينه برسول الله ﴿ ص وآله﴾ وعلى السالك في مثل هذه الحال أن يستبين الأمر منه جليا مع التمنع عن الوقوع فيما يأمره به .

أما السالك الذي لا بصيرة له إذا قلد المرشد في عمله المتقدم ، أو سلم له فيما يعلم حرمته فلا يعتبر عندنا فقيرا من فقراء الطريق ، فإن المراد بالسلوك تجاوز عقبة الإلحاد والانتشال من وحلة التوحيد والتخلي عن نظر النفس ونزوعها ، حتى يكون السالك إنسانا مسلما مقبلا على الله بكليته .

وأهم صفات السالك إلى الله تعالى :
1- إيثاره إخوانه على نفسه .
2 - الزهد فيما في أيدي الناس إلا لضرورة مقتضية .
3 - المسارعة إلى أن يكون نافعا لإخوانه بقدر استطاعته .
4 - السمع والطاعة لله ولرسوله ﴿ ص وآله﴾ وللمرشد ما دام آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر .

ومن أخص علاماته :
قبول ما لا يلائم نفسه بانشراح صدر وفرح ، والوقوف عند أدبه مع المرشد مهما أثنى عليه ورفعه ، وعدم الغرور بنفسه ولو أقبل عليه العالم أجمع ، ما دامت شمس المرشد مشرقة في أفقه حتى يبلغ اليقين الحق .



السالك المصاحب للمرشد: لم يبلغ درجة المرشد من العرفان . والمعرفة بها كمال التحقق في العبودية ، وقد ترى بعض السالكين يعمل ما يخالف الشريعة مظهرا أنها من المعرفة ، ولو أن المعرفة تبيح مخالفة الشريعة لكان أولى بذلك الخلفاء الراشدون ، والمرشدون الكاملون ، ومعرفة تبيح مخالفة الشريعة معرفة ولكنها معرفة الشيطان وإلهام ولكنه من إبليس ومخالفة المرشد دليل على الخيبة.

ما هي المعرفة ؟
المعرفة أن تعرف نفسك ، فتعرف بمعرفتها ربك ، وهل المعرفة التي تفقد العبد حقيقته حتى يكون إلها أو مخالفا لأحكام الإله معرفة ؟ هي ظلومية وجهولية ، إنما المعرفة حفظ الأدب في الطلب ، وكشف الحقيقة للحفظ من العطب ، ومتى كان العبد المقهور يصير ربا قادرا ؟

والسالك يقف موقف الأدب مع المرشد فيعادي شهوده إن خالف عبارة المرشد ، ويكره إلهامه إن أخرجه عن الأدب مع المرشد ، وإنما السالك في طريقنا هذا ميت أحياه الله وجعل له نورا يمشي به في الناس من غير شك ولا إلباس ، وإشارات المرشد كأشعة أنوار الشمس تظهر ما حسن ، وما قبح ، فتستبين النفوس الإبليسية من النفوس الملكوتية مع المرشد ، وقد قال الله تعالى : يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ البقرة: ٢٦ .


وللسالك أخلاق روحانية وآداب إحسانية ، فهو في الحقيقة عين المرشد وإن كان مريدا , ومرادا لله تعالى وإن كان بعيدا , فإن السالك ليست له إرادة ولكنه مراد من الأزل .

حفظني الله وإخوتي المؤمنين جميعا من صحبة المضلين ، ومن الإصغاء إلى الجاهلين
وبين لنا كتابه وسنة نبيه بلسان وعمل أفراده المحصنين بحصون أمنه ، إنه مجيب الدعاء.

سعيد النورسي
2013-11-16, 13:42
قال الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم
في كتابه النفيس "الصوفية والتصوف"


مدارس الصوفية لا خلاف بينها في كل زمان ومكان
الصوفية لا خلاف بينهم في كل زمان ومكان، وبدايتهم تزكية النفـوس من أدرانها، وتطهير الأجسام من نجاساتها المعنوية، والاتصال بالمرشد الكامل الذي يتلقون عنه العقيدة الحقة، ويتشبهون به في الأعمال السنية، والأخلاق المرضية، والمعاملات المقربة إلى الله تعالى؛ لأن المرشد وارث رسول الله ﴿ص﴾ ورسول الله صلوات الله وسلامه عليه لم يورث درهما ولا ديناراً، ولا أطيانا وعقارا، ولكنه ﴿ص﴾ ورث نوراً وهدى، وحكمة وبيانا قال الله تعالى:
(كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ)

فهذه الخيرات هي ميراث سيدنا رسول الله ﴿ص﴾ التي ورثها الله بفضله من شاء من عباده.


الصوفية هم أنصار الله ورسوله ﴿ص﴾ في كل زمان ومكان
الصوفية هم أنصار الله، وأنصار رسوله ﴿ص﴾ في كل زمان ومكان.. سترهم الله عن أعين الجهلاء، وأخفاهم عن أهل الظلم والطغيان، ولكنهم هم النجدة عند الشدة، والقوة عند الضعف، والحصون عند الخوف.

ذلوا، ولانوا، وخشعوا، واختفوا، وتستّروا، نعم.. ولكنهم إذا غضبوا لله غضب الله لهم، وإذا دعاهم الحق لبّوه، رخيصة دماؤهم عليهم حنينا إلى الموت في سبيله، والقتل في إعلاء كلمته، متى تحركوا لله لا يسكنوا حتى يظهر الحق، أو يتصلوا بدار الحق، كم لهم من صولة لله بالله، أزالوا بها باطلا تعسر زواله على الجيوش الجرارة، فهم الأنوار التي تسطع في حالك الظلمات فتمحوها

وقد أثبت التاريخ ما أظهره الله تعالى بهم، منهم آل بدر أنصار الله المهاجرون، استضعفوا في أوطانهم ففروا إلى الله تعالى، والفقراء من الأنصار الذين خرجوا ليقابلوا تجارا من الشام فقابلوا صناديد العرب وجمراتها، فكان كل رجل منهم كأنه جيش جرار.

غضبوا لله – تعالى - غضبةً مَحَتِ الكفر وأهله، وفي كل عصر وزمان قام فيه أهل الطغيان ليطفئوا نور الله بأفواههم.. أشرقت أنوار الصوفية فمحت الظلمات، هم الذين نشروا تلك الأنوار في سائر الأقطار، بالقرآن والسنان، شوقا إلى لقاء ربهم، وحبا في إعلاء كلمة الحق.

أهل الصُّفة هم مصدر بث الروح العالية في كل الحوادث
وأهل الصفة رضي الله عنهم هم الذين بثوا تلك الروح العالية في كل الحوادث..
أقبل جيش الروم عندما قام الصحابة لفتح القسطنطينية، وكانوا رضى الله عنهم قليلين، وجيش الروم يناهز الستمائة ألف مقاتل، فهجم رجل من التابعين على قلب الجيش منفردا، فناداه آخر قائلا: ارجع فإن الله يقول: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) !

فصاح سيدنا أبو أيوب الأنصاري من كبار أئمة الصوفية قائلا: ويحك ! لقد نزلت فينا، وأنا أعلم سبب نزولها، ليست التهلكة الإقدام على هذا الجيش، وإنما التهلكة الإحجام، فإن المؤمن إذا أقبل فاستشهد أحياه الله الحياة الحقة، وإذا أحجم هلك، ثم كبر رضي الله عنه وهجم على الجيش كله منفردا، فاخترق صفوفه، وأقبل المسلمون بعزيمة ماضية وراءه، فهزم الله جيش الروم، وكادت تُفْتَح القسطنطينية، لولا موت معاوية ورجوع أمير الجيش وقواده.

فكان الصوفي في وقت الغيرة لله، يجعل من معه مشاهداً فردوس الله، ليس بينه وبينها إلا أن يطعن بسنان، أو يضرب بسيف، فهم رضي الله عنهم زهدوا في الدنيا، ورغبوا في الآخرة، ولكنهم عند المقتضيات يقومون لله، رغبة لإعلاء كلمته سبحانه، وهم الذين إذا أقدموا لم يحجموا.

يعملون ولا يقولون، كثرت أعمالهم وقلت أقوالهم، خافوا مقام ربهم، ونهوا النفس عن الهوى، لهم جانب مع الله تعالى إذا سألوه استجاب لهم، ولهم أعمال خالصة لذات الله تعالى إذا قاموا بها كان الله معهم ولهم.

الصوفية حملوا راية الإسلام إلى كل مكان بالمعرفة والسلوك
لم تقم دولة من دول الإسلام إلا وهم مؤسسوها، ولم تقم فتنة من أعداء المسلمين إلا وهم مطفئوها. أول الخلفاء بعد رسول الله ﴿ص﴾ إمامهم، ودام الأمر فيهم إلى سيدنا الحسن السبط رضي الله عنه, ومدتهم عمر الخلافة، حتى انتقلت إلى المُلك العضوض.

وهم الذين قلبوا دولة بني أمية، وأعادوا الدولة لبنى هاشم، وهم الذين أيدوا دولة آل عثمان، حتى شُيّدَت المساجد في بودابست، وفي بولونيا، ولم يبق إلا أن تصير أوروبا إسلامية كما كان أولا.

وهم الذين ردوا الصليبيين عن الثغور الإسلامية في زمان صلاح الدين الأيوبي، عندما غار والله غيرة سلبت عقول الإفرنج، حتى أصبح الحليم سفيها، ولا غرابة! فإن درويشا لم يبلغ خدمة المرشدين، غار لله هو ودراويشه غيرة قهرت ملك الحبشة وجيوش الطليان، وجنود فرنسا، والجيش المصري، والإنجليزى، حتى مات منصورا ظافراً، وجيشه على أبواب مصر، ولكن غادرته المنية وقام بالأمر غير الدراويش، فاختلفت القلوب وتغيرت, والتفت الصوفية إلى خلواتهم وتجريدهم، عند ما رأوا أنه لا حاجة لهم لقوة سلطان المسلمين.

اهـ

التصوف يا أحبابي ليس منهاجاً مستقلاً عن أهل السنة والجماعة, والصوفية ليسوا فرقة من الفرق الثلاث والسبعين

ومن ظن هذا فلا علم له بقواعد العلوم الإسلامية وتاريخ المسلمين.. فإن تاريخ المسلمين يقول بأن التصوف هو أحد أعمدة حضارة الإسلام, وأنه المنهاج النبوي في تزكية النفس وإصلاح الأخلاق, الذي أخرج لنا كافة المجاهدين الذين حرروا بلادنا من الاستعمار, الإمام أبي الحسن الشاذلي والعز بن عبد السلام وإبراهيم الدسوقي وأحمد البدوي, ثم من بعدهم سيدي عبد القادر الجزائري وعمر المختار ومحمد بن عبد الكبير الكتاني ومحمد بن عبد الكريم الخطابي والإمام شامل الداغستاني وبديع الزمان النورسي التركي الخ.

وعلوم الإسلام تقوم على حسب حديث جبريل كما يلي :

مرتبة الإسلام : عبادات الجوارح من صلاة وصيام وزكاة وحج وجاد الخ , والعلم الذي يدرسها هو علم (الفقه).

مرتبة الإيمان : عبادات الفكر والعقل والإيمان, والعلم الذي يدرس هذه المرتبة هو علم (العقيدة)

مرتبة الإحسان : عبادات وأعمال القلوب, تخلية وتحلية, تخلية القلب من الحقد والحسد والكبر والشح والعجب والحرص الخ, حتى يصفو القلب ويتأهل للتحلية بأعمال أهل الله من المقربين وأصحاب اليمين من المحبة والخوف والرجاء والتوكل والرضا والصبر والشكر, الخ.
والعلم الذي يدرس هذه المرتبة هو علم (التصوف)

من لا يعلم هذه التقسيمة يقول أن التصوف بدعة !
ولا ينتبه إلى أن كل مرنبة من مراتب الدين لابد لها من علم وعلماء وأهل تخصص ومجتهدين
ولا يحث لمن ليس من أهل التخصص أن يرمي أهل التخصص بالبدعة
لأن كل من جهل شيئاً عاداه
والتصوف كغيره من علوم الإسلام, لحق به دخَن ودُخَلاء
والحكمة هي أن نحفظ الدين بتنقية علومه من البدع لا بإلغاء علومه وحرمان المسلمين منها

وأنصح الإخوة والأخوات الكرام بقراءة كتاب "ربانية لا رهبانية"
للعلامة السيد أبي الحسن الحسني الندوي
رحمه الله تعالى

NEWFEL..
2013-11-16, 15:40
بارك الله فيك ...................................

سعيد النورسي
2013-11-17, 12:42
وفيكم بارك الله أخي الكريم..

سعيد النورسي
2013-11-17, 13:15
قال الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم

الصوفية أيقظوا الشرق من غفلته لكي ينال حريته
أولاً: الصوفية هم القائمون بواجب الوقت
الصوفية هم المقبلون بكليتهم على الحق، الملتفتون عن جانب الغرور والفناء إلى اليقين الحق والبقاء، وهم الرجال الذين عرفوا قدر الدنيا والآخرة، وفروا إلى الله تعالى مع حفظ الأدب مع الله –تعالى- بالوقوف عند الأسباب التي وضعها الحق مرتبطة بعضها ببعض، قال رسول الله ﴿ص﴾: (نِعْمَةُ ٱلدُّنْيَا مَطِيَّةُ ٱلْمُؤْمِنْ) [أورده الغزالي في الإحياء، وقال القارىء قلت معناه صحيح، ورواه الديلمى في الفردوس عن ابن عمر مرفوعاً وذكره الصنعانى، والعقيلى وابـن لال عن طارق بن أشيم، والحاكم وصححه]. وفيها ينال الإنسان أرقى مراتب السعادة في الآخرة، وهي مهبط وحي الله، ودار رسل الله، ومحلة العمل لله، والمسارعة في محابه ومراضيه –سبحانه- قال تعالى (وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا).

علموا مقدار الدنيا، وما ينال فيها من الرضوان الأكبر، والفضل العظيم، وحسن الثناء، فبذلوا النفس والنفائس فيما لا يحصل إلا في الدنيا، فهم رجال العمل للخير الحقيقى، قاموا بواجب الوقت ومقتضاه تلبية لداعي الحق شرعا وقدرا، فهم العاملون وإن ترك الناس، والقائمون إذا أهمل الناس، ولكنهم حكماء حلماء، جملهم الله تعالى بالأناة والحلم، وحب الاستخارة والمشورة، حتى يطمئن القلب بإخلاص العمل لله، فإذا حركتهم العناية للقيام بعمل هو خير في الحقيقة ونفس الأمر أقبلوا بالكلية، محافظين على آداب السنة، غيرة لله سبحانه، فلهم في كل شأن من شئون الدنيا نظر سديد، وبحث بعيون الفكرة والرَوِيّة، حتى يستنبطوا حكم الله في هذا الشأن. قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)(العنكبوت: 69). وقال الله سبحانه(اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ)(البقرة : 257).

ثانيا: اتحاد الآراء المختلفة والمذاهب المتباينة.
وقد آن أن يظهر سر تلك الشئون، وتلوح غيوب تلك الحوادث، قال الله تعالى:(قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (آل عمران: 26).
ومتى أراد الله شيئا هيأ أسبابه، وهو سبحانه مقلب القلوب، له -سبحانه وتعالى- شئون يبديها ولا يبتديها، يرفع قوما ويخفض آخرين.

تنبه الشرق من غفلته، وقام من نومة جهالته بعد السُبات الطويل، فلم يبق قلب إلا وتقلب، ولا لسان إلا ونطق، ولا جسم إلا وتحرك من غير داع يدعو، ولا آلات وأدوات تشجع، حتى اتحدت الآراء المختلفة والمذاهب المتباينة، على غرض واحد، فترى البراهمي والبنياني والمسلم في جنوب آسيا ينادون بصوت واحد، طلبا لقصد واحد، والرافضي والشيعى والسني في بلاد الفرس يسارعون إلى مطلب واحد، والزيدي والسني في بلاد اليمن يطلبون مطلبا واحد، والمسلم والقبطي في مصر يتنافسون في نيل غرض واحد، بل سرت تلك الروح فجددت نشوة لم تكن منتظرة، وأحيت أشلاء رميمة، فلم يبق سوقة في حقير المهنة، ولا عالم في رفيع الرتبة، ولا بطرك فما دونه، ولا أمير إلا والكل قد جذبتهم تلك العناية الربانية إلى اليقظة لحقوق لم تكن تخطر على البال، ومطالب لم يتصورها الخيال.

ثالثا: واجب رجال التصوف
والصوفية مقبلون بالكلية على الحق، يرون واجبهم المقدس في مثل تلك الحوادث الابتهال إلى الله – تعالى- أن يحفظ المجتمع من الفتن المضلة، وأن يدفع عن عبيده وعباده نتائج غضبه، من الهرج والمرج، والظلم والتظالم، حتى دعا واجب الوقت أن يكونوا عمالا لله – تعالى- قياما بمقتضى الوقت، والوقت يوجب علينا أن نحرص كل الحرص على العمل لرد ضالتنا المنشودة، حتى نكون كما خلقنا الله - تعالى – أحراراً, متنعمين بنعمة الدين والدنيا والآخرة.

فإن مسرات النفس بنيل الشرف والمجد فوق مسرات الجسم بنيل الشهوات والملاذ، ومسرات الروح بنيل رضوان الله الأكبر، والقيام له - سبحانه وتعالى - بما يحب يرضى، فوق مسرات النفس بالمجد والشرف، ولا سبيل إلى نيل خير الروح والنفس والجسم إلا التمتع بالحرية المطلقة، التي يكون بها الإنسان آمنا على دينه ودنياه وحياته، وإذا عشنا في تلك الدار الدنيا، لا حرية لنا، ولا رأي، يضيع الحق بيننا، فلا يمكننا أن نقوم به.

تلك الحياة ليست حياة إنسانية، بل هي أشبه بحياة أسفل الأنواع؛ فإن الله -سبحانه وتعالى- خلق الإنسان حرا مريدا، وكان قادرا، سبحانه أن يقهره بوضع أسباب تحيط به، فكيف يرضى الإنسان لنفسه أن يكون آلة صماء تحت إنسان نظيره.

ولا بد لكل صوفي - في كل أقطار الأرض - من أن يعلن أنه لا يرضى لأي إنسان مهما كانت درجته دينا وعلما أن يرى إنسانا نظيره فوقه إلا بالحق، كما يرى الأبناء آباءهم الرحماء، وكما يرى التلاميذ معلميهم الأتقياء، وكما ترى الأمة وُلاة الأمور الأبرار الأخيار، فيكون الحق سبحانه وتعالى هو العلي الكبير، الحكم العدل، وتكون منزلة الإنسان للإنسان بقدر قيامه للحق بالحق، وقد آن لكل صوفي أن يعلن هذا الإعلان، رغبة في نيل رضوان الله تعالى، وحبا في الخير.

ولما كانت تلك المهمة وجداناً روحانياً كان القائم الداعي إليه داعيا إلى الحق كائناً من كان، وإني أدعو رجال الصوفية الذين هم أصدق قلوباً، وأخلص نيةً، وأسرع إقبالا على الحق، أن يتوجهوا إلى الله بقلوبهم؛ ليُغيثَ العباد من هذا الفساد، وأن ينبهوا العامة والخاصة إلى التوبة والإنابة إلى الله تعالى، ليكون الله تعالى معنا، بخفى لطفه، وسريع إغاثته،وعجائب قدرته، فإنه قال سبحانه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)(البقرة:186). وأن يرفعوا أصواتهم بعد الحلم والأناة، والاستخارة والمشورة، حتى ينظر الله تعالى إلى عباده بعين رحمته وحنانه، ويُمِدّهُم سبحانه بعطفه وفضله، وقوته وإحسانه.

ويحْسُنُ أن يكون لكبار رجال الصوفية، ومشايخ البيوت، وحضرة شيخ المشايخ اجتماعات يرفعون فيها الأمر إلى الله تعالى، ويكثرون تلاوة الأدعية المأثورة، وينبهون على المريدين أن يصوموا أياما لله، ويسهروا ليالى لله، ليتجلى الله سبحانه لعباده بما هو أهله من الكرم والإحسان، والعفو والعافية، والحفظ والسلامة.

وإني -والحمد لله- قد شرح الله صدري لأن أكون أول من يدعو إلى هذا الخير، وأُلَبّى من دعاني إليه، والله أسأل أن يجعلنا من عماله المخلصين، ومن الذين يهمهم هم إخوانهم، وخصوصا في هذه الشؤون العظيمة، والحوادث الهائلة، حفظنا الله وإخوتنا من الفتن، والهرج والمرج، ومكّن لنا في الأرض بالحق إنه مجيب الدعاء.

habib-bess
2013-11-17, 16:21
بركة الله فيك جزاك خير و اسكنك الجنة

habib-bess
2013-11-17, 23:14
بارك الله فيك

moh140
2013-11-17, 23:19
مفتــــــــــاح الجــنة
لا إلـــــــــه إلا الله

اتبع طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين
وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين