تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : إلى مترشحي شهادة البكالوريا : ( الجزع )


زنيخري
2009-06-12, 17:34
هذه نظرة من نظرات المنفلوطي أردت أن أنقلها لمترشحي شهادة البكالوريا لعلهم يستفيدون منها .
يا صاحب النظرات :
لي صديق سقط في إمتحان البكالوريا هذه السنة فأثر فيه ذلك السقوط تأثيرا كبيرا ، فهو لاينفك باكيا
متألما حتى أصبحنا نخاف عليه الجنون ، وكلما عزيناه في مصابه يقول : كيف أستطيع معاشرة إخواني ومعارفي ؟
وكيف أستطيع مقابلة والدي وأهلي ؟ فهل لك أيها السيد أن تعالج نفسه بنظرة من نظراتك التي طالما عالجت بها قلوب المحزونين ؟؟؟

حقوقي
ليست المسألة مسألة صديقك وحده ، بل مسألة الساقطين أجمعين ، فإن المرء لايكاد يتناول نظره منهم في هذه الأيام إلا وجوها قد نسج الحزن عليها غبرة سوداء ، وجفونا تحار فيها مدامعها حيرة الزئبق الرجراج ، حتى ليخيل إليك إن نازلة من نوازل القضاء قد نزلت بهم وزلزلت أقدامهم، أو فاجعة من فواجع الدهر قد دارت عليهم دائرتها فأثكلتهم ذخائر نفوسهم ، وجواهر عقولهم ، وأقامت بينهم وبين سعادة العيش وهناءته سدل لاتنفذه المعاول ولا تنال من أيده الزلازل .
خفض عليك فليلا أيها الطالب ، فالأمر أهون مما تظن ، وأصغر مما تقدر ، وأعلم وما أحسبك إلا عالما أنك لم تسقط من قمة جبل شامخ إلى سفح متحجر فتبكي على شظية طارت من شظايا رأسك ، ولم يهو بك القضاء إلى هوة عميقة لا خلاص لك منها أبد الدهر
إنك قد سعيت إلى غرض فإن كنت هيأت له أسبابه وأعددت له عدته ، وبذلت له من ذات نفسك مايبذل مثله الباذلون في مثله ، فقد أعذرت إلى الله وإلى الناس وإلى نفسك ، فحري بك أن لاتحزن على مصاب لم يكن عملا من أعمال يديك ، ولا جناية من جنايات نفسك عليك ، وإن كنت قصرت في تلمس أسبابه ، ومشيت في سبيله مشية الضالع المتقاعس ، فما حزنك على فوات غرض كان جديرا بك أن تترقب فواته ؟ وما بكاؤك على مصاب كان خيرا لك أن تعلم وقوعه قبل يوم وقوعه ؟
مالك تبكي بكاء الواثق بمواتاة الأيام ، ومطاوعة الأقدار ؟ وهل تستطيع أن تبرز لنا صورة العهد الذي أخذته على الدهر أن يكون لك كما تحب وتشتهي ؟ وعلى الفلك أن لايدور إلا بسعدك ، ولا يجري إلا بجدك ؟ وعلى القلم أن لايكتب في لوحة إلا ما دللته عليه وأوحيت به إليه ؟
لاتجعل لليأس سبيلا إلى نفسك ، فلعل الأمر يعوض عليك في غدك ما خسرت في أمسك ، وامض لشأنك ولا تلتفت إلى ما ورائك ـ فإن تم لك في عامك المقبل من طلبك ما أردت فذاك ، أو لا ، فما فقدت إذ فقدت إلا ورقة كان كل ما تستفيده منها أن تشتري بها قيدا لرجلك ، وغلا لعنقك ، ثم ترتبط في سجن من سجون الحكومة بجانب رئيس من الرؤساء المدلين بأنفسهم ، يسومك من الذل والخسف ما لا يحتمله الأسراء في سجون الآسرين .
إن إعتدادك بهذه الورقة هذا الإعتداد كله وإكبارك إياها هذا الإكبار العظيم دليل على أنك كنت تريد أن تجعلها منتهى أملك ، وغاية همتك وأنك لاترى بعدها مزيدا من الكلام لمستزيد ، فإن صدقت فراستي فيك ، فاعلم أن الله قد خار لك في هذا المصير ، وساق إليك من الخير مالا تعرف السبيل إليه ، وأنه ما خيب رجاءك في هذا الكمال الموهوم إلا لتطلب لنفسك كمالا معلوما ، وما صرف عنك هذه الشهادة المكتوبة في صفحات الأوراق ، إلا لتسعى وراء السعادة المكتوبة في صفحات القلوب ،
إن كنت تبكي على الشرف فباب الشرف مفتوح بين يديك ، لاشأن للحكومة فيه ولا حاجب له عليه ، وما هو إلا أن تجد في التزيد من العلم والمعرفة ، واستكمال ما ينقصك من الفضائل النفسية ، فإذا أنت شريف في نفسك ، وفي نفوس الخاصة من الناس ،وإذا أنت في منزلة يحسدك عليها كثير من أرباب الشهادات والمناصب ، ولا حيا الله شرفا يحيى بورقة ويموت بأخرى ، ولا مجدا يأتي به سطر ويذهب به سطر ، وإن كنت تبكي على العيش ، ففي أي كتاب من كتب الله المنزلة قرأت أن ارزاقه وقف على الموظفين ، وحبائس على المستخدمين ؟ وأنه لايأمر بصرف درهم واحد من خزانته إلا إذا جاءته سقتجة من توقيع أمير ، أو إشارة وزير .
أيها الطالب :
قل لأبيك وأخيك وأهلك وأصدقائك ومعارفك بلا خجل ولا استحياء : أن الذي وهبني عقلي لم يسلبنيه ، وأن الذي صور لي أعضائي لم يحل بيني وبين الذهاب بها فيما خلقت له ، وأن الذي خلقني سوف يهدين ، إنه الرزاق ذو القوة المتين .
ــ المنفلوطي ــ
*** منقول ***