البشير بوكثير
2013-10-15, 22:46
* المقامة الكبشية
بقلم: البشير بوكثير
إهداء : إلى الذين لايجدون مايضحون به في العيد ، أرفع هذه المقامة .
حدثنا عمي السعيد ،عن رحلته مع كبش العيد قال:
صليتُ صلاة الفجر، بلارياء ولافخر، بعد أن هجرتُ الكرى والفراش ، وقصدت سوق الكباش برفقة أبي خراش، وأنا أحمل الحاسبة والكنّاش، تقدّمتُ من أول موّال، يظهر على سحنته أنّه مخادع غشّاش،يمزج الحقيقة بالخيال، ويدهنها بطلاء الخَبال، وما إن رآنا حتى أرسل هذا الموّال:
من أراد السّمنة مع الفطنة والتباهي بالكروش، وحيازة مُلك ساسان والعُروش ، فعليه بهذا "العَلّوش"، فلحمه طريّ، وصوفه بهيّ، يمشي بخيلاء، وينظر بعين حوراء، مثل التي تغزّل بها الشعراء ، في زمن هند ودعد وميساء.
قلت لصاحبي : مارأيك في هذا العلوش؟
ردّ على الفور:
هو أعرج أعور، وأحْول أعْسر ، وأنْحل أهزل ، و أعْجف أجْرب ، إذا اقتنيتَه تندم وتندب، على حظك الأسود المغشوش، أيها الغرّ البشوش ، لأنّه في الحقيقة لايساوي بضعة قروش.
استدار الموّال بعدما سمع الحوار والسّجال، وأحسّ بكشف الحقيقة من الخيال، ثمّ أرسل ثاني موّال:
إذا أردت أن تعيش يوم العيد بلامذلة ، وأن ترفل في أفخر حُلّة، وتقيم أروع حفلة ،فعليك باقتناء هذه "الرّخْلة"، التي ستنقلك إلى بلاد الفرات ودجلة، وتُعيدك على ظهر نخلة، لتتذوّق حلاوة الدّقلة، فهي "هايشة" لكنّها في بُلهنيّة عايشة ، تكتنز اللحم الكثير، والصّوف الوفير، ضرْعُها يدرّ الذهب ، ويشفي من الهبل والعطب، فلحمُها يزيل الكمد، لمن به نصَب وكَبَد، فلا تسألْني بعدها عن الرئة والكبِد، فهما إكسير الحياة ، وسرّ النجاة، بهما تنشرح الصدور، وتزول الشرور، من البيوت والدُّور والقصور ؟!
استفتيتُ كعادتي أبا خراش، خبير الخراف والكباش، وهازم الأحزاب والأوباش ، فردّ غاضبا ساخرا :
ألا ترى يا أعمى العينين، ويا فاقدَ التمييز بين النّجدين، كيف انتفخَ جسمُها، وضمُر لحمُها، وسيصيبك لامحالةَ سهمُها ؟!
فأنتَ يا صاحبي لاتُميّز بين اللحم والشحم ، وبين الصّحة والورم ، إذْ لم تكتشف مكمن الخداع ، يا صاحب الأسجاع ، فقد نفخَها صاحبُنا بالحيلة والهفّ ، حيث مزَج الخميرة بالعلف، وزادها حُقنة "البُفّ"، فصارت مثل البغل ، يا فاقد العقل !
شعرتُ بالدّوار، وبقيت مثل الهائم المحتار ، لاأرسو على قرار، ثمّ سألتُه عن "الحوْلي"، فقال:
خُذ هذا الحولي، حتى لايصيبك اليوم نحسي وويلي ، فقد أكثرتَ من الفضول، وحيّرت القلوب والعقول ،أيها الجبان الكسول.
إليك هذا الخروف، الذي سينسيك في السفّة والمسفوف، وسيحجّ بك ويطوف . ففكّرْ جيدا في البوزلوف !
ردّ أبو خراش: أيها الغشاش الملهوف ، تريد أن تحرمنا من الغرنوق والبوزلوف، وتوهمنا ببيع خروف، لكنّه في الحقيقة "مسخ خروف" ؟
وبعد سجال وجدال، وعراك ونِزال، غادرتُ رحْبة الأغنام، أجرّ الأوجاع والأسقام، وأبكي حال الفقراء والأيتام .
10 ذو الحجة 1434هـ / 15 أكتوبر 2013م.
بقلم: البشير بوكثير
إهداء : إلى الذين لايجدون مايضحون به في العيد ، أرفع هذه المقامة .
حدثنا عمي السعيد ،عن رحلته مع كبش العيد قال:
صليتُ صلاة الفجر، بلارياء ولافخر، بعد أن هجرتُ الكرى والفراش ، وقصدت سوق الكباش برفقة أبي خراش، وأنا أحمل الحاسبة والكنّاش، تقدّمتُ من أول موّال، يظهر على سحنته أنّه مخادع غشّاش،يمزج الحقيقة بالخيال، ويدهنها بطلاء الخَبال، وما إن رآنا حتى أرسل هذا الموّال:
من أراد السّمنة مع الفطنة والتباهي بالكروش، وحيازة مُلك ساسان والعُروش ، فعليه بهذا "العَلّوش"، فلحمه طريّ، وصوفه بهيّ، يمشي بخيلاء، وينظر بعين حوراء، مثل التي تغزّل بها الشعراء ، في زمن هند ودعد وميساء.
قلت لصاحبي : مارأيك في هذا العلوش؟
ردّ على الفور:
هو أعرج أعور، وأحْول أعْسر ، وأنْحل أهزل ، و أعْجف أجْرب ، إذا اقتنيتَه تندم وتندب، على حظك الأسود المغشوش، أيها الغرّ البشوش ، لأنّه في الحقيقة لايساوي بضعة قروش.
استدار الموّال بعدما سمع الحوار والسّجال، وأحسّ بكشف الحقيقة من الخيال، ثمّ أرسل ثاني موّال:
إذا أردت أن تعيش يوم العيد بلامذلة ، وأن ترفل في أفخر حُلّة، وتقيم أروع حفلة ،فعليك باقتناء هذه "الرّخْلة"، التي ستنقلك إلى بلاد الفرات ودجلة، وتُعيدك على ظهر نخلة، لتتذوّق حلاوة الدّقلة، فهي "هايشة" لكنّها في بُلهنيّة عايشة ، تكتنز اللحم الكثير، والصّوف الوفير، ضرْعُها يدرّ الذهب ، ويشفي من الهبل والعطب، فلحمُها يزيل الكمد، لمن به نصَب وكَبَد، فلا تسألْني بعدها عن الرئة والكبِد، فهما إكسير الحياة ، وسرّ النجاة، بهما تنشرح الصدور، وتزول الشرور، من البيوت والدُّور والقصور ؟!
استفتيتُ كعادتي أبا خراش، خبير الخراف والكباش، وهازم الأحزاب والأوباش ، فردّ غاضبا ساخرا :
ألا ترى يا أعمى العينين، ويا فاقدَ التمييز بين النّجدين، كيف انتفخَ جسمُها، وضمُر لحمُها، وسيصيبك لامحالةَ سهمُها ؟!
فأنتَ يا صاحبي لاتُميّز بين اللحم والشحم ، وبين الصّحة والورم ، إذْ لم تكتشف مكمن الخداع ، يا صاحب الأسجاع ، فقد نفخَها صاحبُنا بالحيلة والهفّ ، حيث مزَج الخميرة بالعلف، وزادها حُقنة "البُفّ"، فصارت مثل البغل ، يا فاقد العقل !
شعرتُ بالدّوار، وبقيت مثل الهائم المحتار ، لاأرسو على قرار، ثمّ سألتُه عن "الحوْلي"، فقال:
خُذ هذا الحولي، حتى لايصيبك اليوم نحسي وويلي ، فقد أكثرتَ من الفضول، وحيّرت القلوب والعقول ،أيها الجبان الكسول.
إليك هذا الخروف، الذي سينسيك في السفّة والمسفوف، وسيحجّ بك ويطوف . ففكّرْ جيدا في البوزلوف !
ردّ أبو خراش: أيها الغشاش الملهوف ، تريد أن تحرمنا من الغرنوق والبوزلوف، وتوهمنا ببيع خروف، لكنّه في الحقيقة "مسخ خروف" ؟
وبعد سجال وجدال، وعراك ونِزال، غادرتُ رحْبة الأغنام، أجرّ الأوجاع والأسقام، وأبكي حال الفقراء والأيتام .
10 ذو الحجة 1434هـ / 15 أكتوبر 2013م.