أمين المستغانمي
2013-10-15, 10:12
القول المفيد في اجتماع الجمعة مع العيد
محمود بن أحمد أبو مسلّم
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم , فهذا مبحث لطيف في اجتماع العيد مع الجمعة وكيف تصلّي الجمعة والعيد فيه ,
أولا أقوال العلماء في المسألة :
وفي الجملة , في المسألة أربعة أقوال :
الأول : أن الجمعة تجب ولا تسقط بالعيد أو إحداهما بالأخرى , ونقل في المغني هذا القول (1/404) عن أكثر الفقهاء .
الثاني :تسقط حضور الجمعة عمّن صلّى العيد , قال في المغني : وقيل هذا مذهب عمر , وعثمان , وعليّ , وسعيد , وابن عمر , قال الإمام أحمد : بشرط أن تصلّى الظهر (المجموع 4/359)
الثالث : تسقط الجمعة عن أهل العوالي البعيدين عن المدن والقرى , دون غيرهم من أهل المدن والأمصار, وهو قول عثمان رضي الله عنه ونقله في المجموع عن الجمهور .
الرابع : تؤخر صلاة العيد وتصلّى حين يرتفع النهار , ولا يصلي الجمعة ولا الظهر وهذا مذهب ابن الزبير وابن عباس , وهو داخل في القول الثاني من وجه سقوط أحد الصلاتين , وروي عن أحمد أنها تجزئه الأولى منهما , فتجزئه عن العيد وعن الظهر , ولا يلزمه شيء إلى العصر عند من جوّز الجمعة في وقت العيد ( المغني 1/404)
ثانيا : أدلة الأقوال ومناقشتها
(1) أما القول الأول , أن الجمعة والعيد لا تسقطان عن أحد , فقال المنتصرون لهذا القول :
- تجب الجمعة لعوم الآية , والأخبار الدالة على وجوبها , ولأنهما صلاتان واجبتان , فلم تسقط احداهما بالأخرى كالظهر مع العيد , (أي ان كان العيد في يوم غير الجمعة ) (المغني 1/404) ,
- وقال ابن المنذر (الأوسط ح 2185) أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى وُجُوبِ صَلاةِ الْجُمُعَةِ، وَدَلَّتِ الأَخْبَارُ الثَّابِتَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم عَلَى أَنَّ فَرَائِضَ الصَّلَوَاتِ خَمْسٌ، وَصَلاةُ الْعِيدَيْنِ لَيْسَ مِنَ الْخَمْسِ، وَإِذَا دَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالاتِّفَاقُ عَلَى وُجُوبِ صَلاةِ الْجُمُعَةِ، وَدَلَّتِ الأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم عَلَى أَنَّ فَرَائِضَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَصَلاةَ الْعِيدَيْنِ لَيْسَ مِنَ الْخَمْسِ، وَإِذَا دَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالاتِّفَاقُ عَلَى وُجُوبِ صَلاةِ الْجُمُعَةِ وَدَلَّتِ الأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم عَلَى أَنَّ صَلاةَ الْعِيدِ تَطَوُّعٌ، لَمْ يَجُزْ تَرْكُ فَرْضٍ بِتَطَوُّعٍ ا.هـ.
قلت : وهذا القول , وهو مروي عن علي بن أبي طالب أنه كان يصلي العيد مع الجمعة كما عند عبد الرزاق ( 5733) لكن سنده ضعيف ,
وهو قول أبي حنيفة : لا تسقط الجمعة عن أهل البلد ولا أهل القرى (المجموع 4/359)
وكذلك هو قول ابن حزم ( المحلّى 5/98-99) واستدلّ بضعف الآثار الواردة في الترخيص في ترك الجمعة ,
وهذا من أقوى الأقوال في الحقيقة , إلا أنه لم يجب عن حديث عثمان الآتي , أنه رخّص لأهل العالية , وسيأتي أنه في صحيح البخاري , ولم ينكر أحد من الصحابة على عثمان في هذا , وهو أصحّ ما روي في الباب , إلا ما جاء عند الشوكاني في النيل (2/295) أن قول عثمان لا يخصصّ قوله صلّى الله عليه وسلّم .ا.هـ.
قلت : هذا على العين والرأس لو صحّ الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ذلك , وسيأتي ان شاء الله ما فيه .
(2) أن حضور الجمعة يسقط , بشرط أن يصلي الظهر , واستدل أصحاب هذا القول
- بحديث إِيَاسِ بْنِ أَبِي رَمْلَةَ الشَّامِيِّ، قَالَ: شَهِدْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ يَسْأَلُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ، قَالَ: أَشَهِدْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم عِيدَيْنِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَكَيْفَ صَنَعَ؟ قَالَ: صَلَّى الْعِيدَ، ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: " مَنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُصَلِّ " ,
و نقل الحافظ بن حجر في التلخيص عن ابن المديني تصحيحه ,
وما وقفت على كلام ابن المديني إلا ما نقله عنه ابن عبد البرّ في الاستذكار (ح 9518) " وَقَالَ عَلِيُّ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: فِي هَذَا الْبَابِ غَيْرُ مَا حَدِيثٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ ا.هـ. , فلم يصرح بتصحيحه ,
و قال ابن المنذر : هذا الحديث لا يثبت وإياس بن أبي رمله راويه عن زيد مجهول ,
وقال ابن خزيمة لم يثبت فيه جرح ولا تعديل كما نقل عنه الحافظ في إتحاف المهرة , وهناك لفظ مغاير لهذا الحديث أخرجه البخاري في تاريخه الكبير (1/394) إشارة منه كعادته إلى تعليل لفظه المشهور به , ولفظه البخاري " ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ أَبِي رَمْلَةَ الشَّامِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ، يَسْأَلُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ هَلْ شَهِدْتَ الْعِيدَ مَعَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الْجُمُعَةَ ؟ قَالَ: " نَعَمْ، صَلَّى الْعِيدَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ " , وهذا موافق لحديث النعمان بن بشير كما سيأتي عند مسلم .
وواضح الفرق بين اللفظين , فلفظ البخاري معناه أنه ما رخص في ترك الجمعة , فالله أعلم .
- وضعّف الحديث كذلك ابن حزم في المحلّى (5/99) , واعترض عليه الشيخ أحمد شاكر وصحّحه , ولم يأت الشيخ بحجة قوية في تصحيحه , بل نقل تصحيح ابن المديني له , وقد تقدم ما فيه .
- واحتجوا كذلك بحديث أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " قَدِ اجْتَمَعَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ، فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ مِنَ الْجُمُعَةِ، وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ " , وهو حديث معلول , وصحّح ارساله الإمام أحمد والدارقطني (العلل 10/2015) وانظر (التلخيص الحبير 2/185) والعلل المتناهية (1/374) ,
وقال ابن عبد البرّ : وهذا الحديث لم يروه فيما علمت عن شعبة أحد من ثقات أصحابه الحفاظ، وإنما رواه عنه بقية بن الوليد، وليس بشيء في شعبة أصلا.وروايته عن أهل بلده: أهل الشام فيها كلام، وأكثر أهل العلم يضعفون بقية عن الشاميين وغيرهم، وله مناكير، وهو ضعيف، ليس ممن يحتج به , وَقَدْ رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رَفِيعٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، مُرْسَلا، قَالَ: اجْتَمَعَ عِيدَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " إِنَّا مُجَمِّعُونَ: فَمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يُجَمِّعَ فَلْيُجَمِّعْ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَرْجِعَ فَلْيَرْجِعْ ".فَاقْتَصَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى ذِكْرِ إِبَاحَةِ الرُّجُوعِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الإِجْزَاءَ، وَرَوَاهُ زِيَادٌ الْبَكَّائِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ بِمَعْنَى حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ، إِلا أَنَّهُ أَسْنَدَهُ , ثم أخرجه أبو عمر من طريق زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الطُّفَيْلِ الْبَكَّائِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: اجْتَمَعْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي يَوْمِ عِيدٍ، وَيَوْمِ جُمُعَةٍ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي الْعِيدِ: " هَذَا يَوْمٌ قَدِ اجْتَمَعَ لَكُمْ فِيهِ عِيدَانِ: عِيدُكُمْ هَذَا، وَالْجُمُعَةُ، وَإِنِّي مُجَمِّعٌ إِذَا رَجَعْتُ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَشْهَدَ الْجُمُعَةَ فَلْيَشْهَدْهَا، قَالَ: فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَمَّعَ بِالنَّاسِ " ثم قال أبو عمر : فقد بان في هذه الرواية، ورواية الثوري لهذا الحديث أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جمع ذلك اليوم بالناس، وفي ذلك دليل على أن فرض الجمعة والظهر لازم، وأنها غير ساقطة، وأن الرخصة إنما أريد بها من لم تجب عليه الجمعة ممن شهد العيد من أهل البوادي، والله أعلم.وهذا تأويل تعضده الأصول، وتقوم عليه الدلائل، ومن خالفه فلا دليل معه، ولا حجة له.ا.هـ.
وقد روي عن ابن عمر " قَالَ: اجْتَمَعَ عِيدَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم فَصَلَّى بِالنَّاسِ، ثُمَّ قَالَ: " مَنْ شَاءَ أَنْ يَأْتِيَ الْجُمُعَةَ فَلْيَأْتِهَا، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَتَخَلَّفَ فَلْيَتَخَلَّفْ " , وفي اسناده مندل بن علي , متروك الحديث , والراوي عنه جبارة بن مغلّس ضعيف أو متروك أيضا ( ابن ماجة ح 1312)
وكذلك استدلّ لهذا القول بحديث مرسل عن ذكوان بن صالح , أن عيدين اجتمعا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فصلى بهم صلاة العيد، وقال: " إنكم قد أصبتم ذكرا وخيرا، ونحن مجمعون إن شاء الله، فمن شاء منكم أن يجمع فليجمع، ومن شاء أن يجلس فليجلس ", أخرجه عبد الرزاق في مصنفه ( ح 5728)
قلت : فالحديث ضعيف أيضا , وهذا القول مروي عن :
علي بن أبي طالب كما عند ابن أبي شيبة (5837) وسنده صالح
وهو قول أحمد : تسقط الجمعة عن أهل القرى وأهل البلد ولكن يجب الظهر (المجموع 4/359) , وذهب إليه ابن تميمية كما في مجموع الفتاوى ( 24/ 210- 211 )0
قلت : وقيد أحمد هذا , يعني بعدم سقوط صلاة الظهر , لازم , وسيأتي بيانه عند الكلام عن القول الرابع .
(3) القول الثالث , : تسقط الجمعة عن أهل العوالي البعيدين عن المدن والقرى ممن لا تجب عليهم الجمعة فقط , إذ أنهم لا يسمعونها أصلا , وهذا قول عثمان رضي الله عنه , وقد أخرجه البخاري في صحيحه , من حديث الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ، أَنَّهُ شَهِدَ الْعِيدَ يَوْمَ الْأَضْحَى مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَصَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ، ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ نَهَاكُمْ عَنْ صِيَامِ هَذَيْنِ الْعِيدَيْنِ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَيَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَيَوْمٌ تَأْكُلُونَ مِنْ نُسُكِكُمْ "، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: ثُمَّ شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَصَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ، ثُمَّ خَطَبَ، فَقَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ هَذَا يَوْمٌ قَدِ اجْتَمَعَ لَكُمْ فِيهِ عِيدَانِ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْتَظِرَ الْجُمُعَةَ مِنْ أَهْلِ الْعَوَالِي، فَلْيَنْتَظِرْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ فَقَدْ أَذِنْتُ لَهُ "، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: ثُمَّ شَهِدْتُهُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَصَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ، ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ: " إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَاكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا لُحُومَ نُسُكِكُمْ فَوْقَ ثَلَاثٍ " .
والشاهد في قول عثمان : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ هَذَا يَوْمٌ قَدِ اجْتَمَعَ لَكُمْ فِيهِ عِيدَانِ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْتَظِرَ الْجُمُعَةَ مِنْ أَهْلِ الْعَوَالِي، فَلْيَنْتَظِرْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ فَقَدْ أَذِنْتُ لَهُ " .
وهذا أقدم الأقوال صحّة عن الصحابة , وأصحّها , ولا يعرف لعثمان رضي الله عنه مخالف في ذلك أو معترض من الصحابة رضوان الله عليهم ,
ونقله النووي في المجموع عن الجمهور (4/359) " قد ذكرنا أن مذهبنا وجوب الجمعة على أهل البلد وسقوطها عن أهل القرى وبه قال عثمان بن عفان وعمر بن عبد العزيز وجمهور العلماء .ا.هـ.
وذهب إلى هذا الحديث الطحاوي أيضا , كما في شرحه على مشكل الآثار (2/414) , وكذلك ابن عبد البرّ.
ويعضد هذا القول ما أخرجه مسلم (ح1452) من حديث حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ مَوْلَى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ ، وَفِي الْجُمُعَةِ بِـ « سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى » وَ « هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ » ، قَالَ : وَإِذَا اجْتَمَعَ الْعِيدُ وَالْجُمُعَةُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ يَقْرَأُ بِهِمَا أَيْضًا فِي الصَّلاتَيْنِ .
وهذا واضح وصريح أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يصلّي العيد والجمعة ,
نعم .. يبقى الأمر هل هو على الإيجاب أو الندب , فإذا انضم هذا إلى فعل عثمان , دلّ على أن المستثنى فقط هم أهل العالية , والله أعلم .
(4) القول الرابع , وهو أن الجمعة والظهر يسقطان عمّن صلّى العيد , قيل صلّى العيد فقط , وقيل العيد وبعده ركعتين ,
, وهذا قول ابن الزبير وابن عباس , وعطاء , واستدلّوا بما رواه أبوداود (907) عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: صَلَّى بِنَا ابْنُ الزُّبَيْرِ فِي يَوْمِ عِيدٍ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ أَوَّلَ النَّهَارِ، ثُمَّ رُحْنَا إِلَى الْجُمُعَةِ " فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْنَا فَصَلَّيْنَا وُحْدَانًا " وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالطَّائِفِ، فَلَمَّا قَدِمَ ذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: أَصَابَ السُّنَّةَ "
وهذا الأثر , ننقل كلام ابن عبد البرّ عليه فقد كفانا الردّ عليه , قال أبو عمر كما في التمهيد " فذهب عطاء بن أبي رباح إلى أن شهود العيد يوم الجمعة يجزئ عن الجمعة إذا صلى بعدها ركعتين على طريق الجمع.وروي عنه أيضا أنه يجزيه، وإن لم يصل غير صلاة العيد، ولا صلاة بعد صلاة العيد حتى العصر.وحكي ذلك عن ابن الزبير، وهذا القول مهجور، لأن اللَّه عزّ وجلّ افترض صلاة الجمعة في يوم الجمعة على كل من في الأمصار من البالغين الذكور الأحرار، فمن لم يكن بهذه الصفات، ففرضه الظهر في وقتها فرضا مطلقا، لم يختص به يوم عيد من غيره .. إلى أن قال " ليس في حديث ابن الزبير بيان أنه صلى مع صلاة العيد ركعتين للجمعة وأي الأمرين كان، فإن ذلك أمر متروك مهجور، وإن كان لم يصل مع صلاة العيد غيرها حتى العصر، فإن الأصول كلها تشهد بفساد هذا القول، لأن الفرضين إذا اجتمعا في فرض واحد، لم يسقط أحدهما بالآخر، فكيف أن يسقط فرض لسنة حضرت في يومه؟ هذا ما لا يشك في فساده، ذو فهم، وإن كان صلى مع صلاة الفطر ركعتين للجمعة، فقد صلى الجمعة في غير وقتها عند أكثر الناس، إلا أن هذا موضع قد اختلف فيه السلف: فذهب قوم إلى أن وقت الجمعة صدر النهار، وأنها صلاة عيد، وقد مضى القول في ذلك في باب ابن شهاب، عن عروة.وذهب الجمهور إلى أن وقت الجمعة وقت الظهر، وعلى هذا فقهاء الأمصار .. ثم قال " وأما القول الأول إن الجمعة تسقط بالعيد، ولا تصلى ظهرا، ولا جمعة فقول بين الفساد، وظاهر الخطأ، متروك مهجور، لا يعرج عليه، لأن اللَّه عزّ وجلّ، يقول:{ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ } ولم يخص يوم عيد من غيره، وأما الآثار المرفوعة في ذلك، فليس فيها بيان سقوط الجمعة والظهر، ولكن فيها الرخصة في التخلف عن شهود الجمعة، وهذا محمول عند أهل العلم على وجهين: أحدهما: أن تسقط الجمعة عن أهل المصر وغيرهم، ويصلون ظهرا.والآخر: أن الرخصة إنما وردت في ذلك لأهل البادية، ومن لا تجب عليه الجمعة .. ثم قال أبو عمر " وليس فيه دليل على سقوط الجمعة، وإنما فيه دليل أنه رخص في شهودها، وأحسن ما يتأول في ذلك أن الأذان رخص به من لم تجب الجمعة عليه ممن شهد ذلك العيد، والله أعلم.وإذا احتملت هذه الآثار من التأويل ما ذكرنا لم يجز لمسلم أن يذهب إلى سقوط فرض الجمعة عمن وجبت عليه، لأن اللَّه عزّ وجلّ يقول:{ يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ } ولم يخص اللَّه ورسوله يوم عيد من غيره من وجه تجب حجته، فكيف بمن ذهب إلى سقوط الجمعة، والظهر المجتمع عليهما في الكتاب والسنة والإجماع بأحاديث ليس منها حديث إلا وفيه مطعن لأهل العلم بالحديث ولم يخرج البخاري، ولا مسلم بن الحجاج منها حديثا واحدا، وحسبك بذلك ضعفا لها" ا.هـ.
قلت : يضاف على هذا , أن عمل عثمان رضي الله عنه السابق متقدّم عنه وكان الصحابة أشهر وأكثر , ولو كان فيهم من عنده علم بخلاف قول عثمان لاعترض , حتى لو ابن عباس رضي الله عنه , فعمل عثمان مقدّم ولا شكّ على عمل ابن الزبير عند التعارض , والغريب أن الشوكاني وغيره استدلّ لحديث ابن الزبير أن أحدا لم يعارضه من الصحابه , وهذه الحجة أولى أن تنسحب على قول وفعل عثمان رضي الله عنه .
- وأما قول ابن عباس أصاب السنّة , فقال ابن خزيمة في صحيحه (2/360) " قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَصَابَ ابْنُ الزُّبَيْرِ السُّنَّةَ، يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ سُنَّةَ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ سُنَّةَ أَبِي بَكْرٍ، أَوْ عُمَرَ، أَوْ عُثْمَانَ، أَوْ عَلِيٍّ، وَلا أَخَالُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَصَابَ السُّنَّةَ فِي تَقْدِيمِهِ الْخُطْبَةَ قَبْلَ صَلاةِ الْعِيدِ، لأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ خِلافُ سُنَّةِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ تَرْكَهُ أَنْ يَجْمَعَ بِهِمْ بَعْدَمَا قَدْ صَلَّى بِهِمْ صَلاةَ الْعِيدِ فَقَطْ دُونَ تَقْدِيمِ الْخُطْبَةِ قَبْلَ صَلاةِ الْعِيدِ ا.هـ .
قلت : ويردّ على ذلك بما قدّمنا , أن فعل عثمان رضي الله عنه متقدّم على ذلك , ولو كان فيه سنّة صحيحة ما خفيت على الصحابة , خاصّة وأن هذا أمر مشهود , ويحضره الجماعات من الناس , وكذلك ما ورد في الأثر أنه قدم الخطبة على الصلاة , وهذا ليس من سنة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولا الخلفاء من بعده , والله أعلم .
- وحديث ابن الزبير له طرق عنه من رواية أبي الزبير , وعطاء , ووهب بن كيسان , وقد أعلّه ابن عبد البرّ بالاضطراب , وفي حال صحّته , فهو معارض بفعل عثمان ,
وهذا أصحّ الأجوبة عن هذا الحديث من وجهة نظري .
تكملة :
و يروى عن أحمد قول هو من مفردات المذهب , قال في المغني (1/404) وإن قدم الجمعة فصلاها في وقت عيد , فقد روي عن أحمد قال : تجزئ الأولى منهما , فعلى هذا تجزئه عن العيد والظهر , ولا يلزمه شيء إلى العصر عند من جوّز الجمعة في وقت العيد .. وذكر أثر ابن الزبير , ثم قال , قال الخطابيّ : وهذا لا يجوز أن يحمل إلا على قول من يذهب إلى تقديم الجمعة قبل الزوال , فعلى هذا يكون ابن الزبير قد صلّى الجمعة فسقط العيد , والظهر , ولأن الجمعة اذا سقطت مع تأكدها , فالعيد أولى أن يسقط بها , أما إذا قدم العيد , فإنه يحتاج إلى أن يصلي الظهر في وقتها إذا لم يصلّ الجمعة ا.هـ.
قال إبراهيم النخعي كما في مصنف عبد الرزاق (5727) اذا اجتمعا عيدين يجزيء أحدهما عن الآخر وسنده صحيح ,
وكذلك هو مروي عن الشعبي كما عند ابن أبي شيبة (5897) , ولم أجد لهما سلفا أو دليلا على هذا القول , والغريب أن ابن أبي شيبة في مصنفه ترجم للمسألة بهذا فقال " في العيدين يجتمعان بجزيء أحدهما من الآخر "
النـتـيـجـة :
بعد هذا العرض , للأقوال والأدلّة , يظهر لنا ما يلي :
- لم يصحّ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حديثا في الباب .
- أصحّ ما ورد عن الصحابة في ذلك أثر عثمان , وهو في صحيح البخاري , وأثر ابن الزبير وهو لا يعارض أثر ابن عثمان قوّة , لا في السند ولا في العمل , ولم يقل به أحد من الفقهاء ,
- قوة القول الثالث ظاهرة, وهو قول عثمان رضي الله عنه , في أنه رخّص لأهل العالية فقط الذين لا جمعة عليهم أصلا, ممن لا يسمع النداء يوم الجمعة عدم حضور الجمعة, وأما من سمع النداء داخل الأمصار , فحق عليه أن يحضر الجمعة وإن صلّى العيد , وهذا القول يجمع بين الأدلة كلها , خاصّة لو اجتمع معها حديث النعمان بن بشير عند مسلم كما قدّمناه , وهو أولى لأن كلّ الأقوال الأخرى استعمال أدلتها يبطل الأخرى , والله أعلم .
أمين المستغانمي
2013-10-15, 10:13
آداب العيد في الإسلام
إعداد / د : أحمد عرفة
معيد بجامعة الأزهر
إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وبعد:
إن الإسلام دين السماحة واليسر ، ومن يسر الإسلام وسماحته أن جعل للناس أيام فرح وسرور ، ومن هذه الأيام أيام عيد الفطر وعيد الأضحى فما أحوجنا إلى معرفة آداب الأعياد في الإسلام0
الأعياد في الإسلام عيدان اثنين لا ثالث لهما:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنه قال : « كان لأهل المدينة في الجاهلية يومان من كل سنة يلعبون فيهما ، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم : قال : كان لكم يومان تلعبون فيهما ، وقد أبدلكم الله بهما خيرا منهما : يوم الفطر ، ويوم النحر»([1])0
ففي هذا الحديث يبين لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الأعياد في الإسلام عيدين اثنين هما عيد الفطر المبارك ، وعيد الأضحى ، فلا يعرف الإسلام الأعياد الأخرى التى أحدثها الناس من عيد الربيع ، وعيد الحب ، وغيرهما من الأعياد
فينبغي على المسلم التزام ما أمر به الله عز وجل ، وما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ، والبعد عما نهى الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم عنه حتى يسعد في الدنيا والآخرة0
من آداب العيد:
إن للأعياد في الإسلام آداباً كثيرة أرشدنا إليها المصطفي صلى الله عليه وسلم وحثنا على التحلي بها ومنها:
1- أداء الصلاة قبل الخطبة:
عن ابن عمر رضي الله عنهما: « أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يصلون العيدين قبل الخطبة »([2])0
وعن جابر رضي الله عنه قال : « شهدت النبي صلى الله عليه وسلم يوم عيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة »([3])0
عن ابن عباس رضي الله عنه قال : « شهدت العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ومع أبي بكر وعمر فبدءوا الصلاة قبل الخطبة »([4])0
وعن أبي عبيد مولى عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال :
« شهدت عمر في يوم نحر بدأ بالصلاة قبل الخطبة ، ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن صيام هذين اليومين ، أما يوم الفطر ، ففطركم من صومكم وعيد للمسلمين » ، قال : ثم شهدت عثمان في فطر ويوم جمعة بدأ بالصلاة قبل الخطبة فقال : إن هذين عيدان اجتمعا في يوم »([5])0
2- يستحب للإمام تخيير الناس في الجلوس للخطبة أو الانصراف:
عن عبد الله بن السائب رضي الله عنه قال : حضرت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بنا العيد ، ثم قال : « قد قضينا الصلاة ، فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب »([6])0
3- الأكل والشرب في يوم العيد:
عن موسى بن علي عن أبيه أنه سمع عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن يوم عرفة ، ويوم النحر ، وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب »([7])
4- يستحب الاغتسال والتطيب في يوم العيد:
كان ابن عمر رضي الله عنهما: « كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى »([8])0
وعن عبيد الله بن عمر رضي الله عنه قال : أخبرني نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما: « كان يغتسل للعيدين ، ويغدو قبل أن يطعم »([9])0
وعن الجعد بن عبد الرحمن رضي الله عنه قال : « رأيت السائب بن يزيد يغتسل قبل أن يخرج إلى المصلى »([10])0
وعن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما: كان يغتسل ويتطيب يوم الفطر0
عن سعيد بن المسيب أنه قال : « سنة الفطر ثلاث : المشي إلى المصلى ، والأكل قبل الخروج ، والاغتسال »([11])0
5- يستحب الأكل في يوم عيد الفطر قبل الصلاة:
عن ابن المسيب قال : « كان المسلمون يأكلون يوم الفطر قبل الصلاة ، ولا يفعلون ذلك يوم النحر »([12])0
وعن ابن المسيب قال : « لا تغدوا ([13]) يوم الفطر حتى تأكلوا ، ولا تأكلوا يوم النحر ([14]) حتى تذكوا أو تنحروا ([15]) »([16])0
قال مالك : « وكان الناس يؤمرون أن يأكلوا قبل أن يغدوا يوم الفطر ، وعلى ذلك أدركت الناس »0
وعن أنس رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمراتٍ ، ويأكلهن وِتراً " ([17])0
قال المهلب: الحكمة في الأكل قبل الصلاة أن لا يظن ظان لزوم الصوم حتى يصلي العيد فكأنه أراد سد هذه الذريعة 0
وقال غيره: لما وقع وجوب الفطر عقب وجوب الصوم استحب تعجيل الفطر مبادرة إلى امتثال أمر الله تعالى ويشعر بذلك اقتصاره على القليل من ذلك ولو كان لغير الامتثال لأكل قدر الشبع([18])0
6- ليس لصلاة العيدين سنة قبلية ولا بعدية:
عن ابن عباس رضي الله عنهما : « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوم أضحى أو فطر فصلى ركعتين ، لم يصل قبلهما ولا بعدهما ، ثم أتى النساء ومعه بلال فأمرهن بالصدقة ، فجعلت المرأة تلقي خرصها ([19]) وتلقي سخابها ([20])»0
وعن جابر بن سمُرة رضي الله عنه: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيدين غير مرة ولا مرتين بغير أذانٍ ولا إقامة " ([21])0
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في يوم عيد أضحى ، فلم يصل قبلها ولا بعدها([22])0
عن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما: لم يكن يصلي يوم الفطر قبل الصلاة ولا بعدها([23])0
7- التكبير يوم العيد:
وهو من السنن العظيمة في يوم العيد؛لقوله-تعالى-:((ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون))(البقرة: 185).
وقت التكبير:
وجمهور العلماء على أن التكبير في عيد الفطر من وقت الخروج إلى الصلاة إلى ابتداء الخطبة0
أما في عيد الأضحى: فمن صبح عرفة إلى عصر أيام التشريق وهي: اليوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر من ذي الحجة0
حكمة التكبير:
1 - المقصود من ذكر الله وتكبيره وحمده هو إحياء عظمة الله وكبريائه في القلوب .. لتتوجه إليه وحده في جميع الأحوال .. وتقبل النفوس على طاعته .. وتحبه وتتوكل عليه وحده لا شريك له .. لأنه الكبير الذي لا أكبر منه .. والرازق الذي كل النعم منه .. والملك الذي كل ما سواه عبد له .. والخالق الذي خلق كل شيء: {ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل (102)} [الأنعام:102].
2 - إذا عرف القلب ذلك أقبل على طاعة الله، وامتثل أوامره، واجتنب نواهيه .. ولهج لسان العبد بذكر الله وحمده وشكره .. وتحركت جوارحه لعبادة الله بالمحبة والتعظيم والانكسار.
عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:«إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب»([24])([25])0
صيغ التكبير:
يسن للمسلم أن يكبر ربه في تلك الأوقات الشريفة بما شاء.
1 - إما أن يكبر شفعا فيقول: (الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد).
2 - أو يكبر وترا فيقول: (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد).
3 - أو يكبر وترا في الأولى، وشفعا في الثانية فيقول: (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد).
4 - أو يكبر شفعا في الأولى، ووترا في الثانية فيقول: (الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد).
يفعل هذا مرة، وهذا مرة، والأمر في ذلك واسع([26]).
8- مخالفة الطريق:
فقد ذهب أكثر أهل العلم إلى استحباب الذهاب إلى صلاة العيد في طريق، والرجوع في طريق آخر؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (كان النبي-صلى الله عليه وسلم- إذا كان يوم عيد خالف الطريق) ([27])0
قال الإمام المناوي رحمه الله:
(خالف الطريق) أي رجع في غير طريق الذهاب إلى المصلى فيذهب في أطولهما تكثيراً للأجر ويرجع في أقصرهما لأن الذهاب أفضل من الرجوع لتشهد له الطريقان أو سكانهما من إنس وجن أو ليسوي بينهما في فضل مروره أو للتبرك به أو لشم ريحه أو ليستفتى فيهما أو لإظهار الشعار فيهما أو لذكر الله فيهما أو ليغيظ بهم الكفار أو يرهبهم بكثرة أتباعه أو حذرا من كيدهم أو ليعم أهلهما بالسرور برؤيته أو ليقضي حوائجهم أو ليتصدق أو يسلم عليهم أو ليزور قبور أقاربه أو ليصل رحمه أو تفاؤلا بتغير الحال للمغفرة أو تخفيفا للزحام أو لأن الملائكة تقف في الطرق أو حذرا من العين أو لجميع ذلك أو لغير ذلك([28])0
9- التهنئة:
يُستحبُّ أن يهنأ المسلمُ أخاه المسلمَ بالعيدِ0
عن خالد بن معدان قال : لقيت واثلة بن الأسقع في يوم عيد , فقلت : تقبل الله منا ومنك , فقال : " نعم ، تقبل الله منا ومنك " , قال واثلة : " لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عيد فقلت : تقبل الله منا ومنك , قال : " نعم , تقبل الله منا ومنك "([29])0
وعن حبيب بن عمر الأنصاري ، أخبرني أبي قال : " لقيت واثلة يوم عيد فقلت : تقبل الله منا ومنك فقال : نعم ، تقبل الله منا ومنك "([30])0
وعن جبير بن نفير قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: (تقبل منا ومنك). قال الحافظ : إسناده حسن.
وجاء في المغني لابن قدامة : قال أحمد رحمه الله : ولا بأس أن يقول الرجل للرجل يوم العيد : تقبل الله منا ومنك 0
وقال حرب : سئل أحمد عن قول الناس في العيدين : تقبل الله منا ومنكم قال : لا بأس به ، يرويه أهل الشام عن أبي أمامة ، قيل : وواثلة بن الأسقع ؟ قال : نعم ، قيل : فلا تكره أن يقال هذا يوم العيد ؟ قال : لا .
وذكر ابن عقيل في تهنئة العيد أحاديث منها أن محمد بن زياد قال : كنت مع أبي أمامة الباهلي وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا إذا رجعوا من العيد يقول بعضهم لبعض : تقبل الله منا ومنك ، وقال أحمد : إسناد حديث أبي أمامة جيد([31])0
10- تشرع التوسعة على الأهل والعيال في أيام العيد:
شرع الإسلام في هذه الأيام إدخال السرور على الأهل والأولاد ولكن لا بد أن يكون ذلك بالضوابط الشرعية التى أرشدنا إليها ديننا الحنيف بعيداً عما يغضب الله تبارك وتعالى ، وقد جاء ما يدل على ذلك ومنه:
روته أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بُعاث ، فاضطجع على الفراش ، وحوَّل وجهه ، ودخل أبو بكر فانتهرني ، وقال : مِزمارةُ الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم ؟! فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " دعهما " ، فلما غفل غمزتهما فخرجتا . رواه البخاري ومسلم . جاء في رواية : " يا أبا بكر ، إن لكل قومٍ عيداً ، وهذا عيدنا[32] ".0
وفي رواية : أن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ : " لِتَعْلَمَ اليهود أنَّ في ديننا فسحة ، إني أُرسلت بحنيفية سمحة ([33])0
أيها الأخوة الكرام:
كانت هذه بعض السنن والآداب التي ينبغي للمسلم أن يحافظ عليها في أيام العيد حتى يحصل من وراء الحسنات والأجر والثواب الجزيل من الله تبارك وتعالى
واسأل الله تعالى أن يجعل هذه الكلمات خالصة لوجهه الكريم وأن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال إنه ولى ذلك والقادر عليه0
والله من وراء القصد
وهو حسبنا ونعم الوكيل
للتواصل مع الكاتب
00201119133367
Ahmedarafa11@yahoo.com
http://ahmedarafa11.-- # وصلة ممنوعة 1057 # -- (http://ahmedarafa11.--%20#%20%D9%88%D8%B5%D9%84%D8%A9%20%D9%85%D9%85%D9% 86%D9%88%D8%B9%D8%A9%201057%20#%20--)/
---------------------------------------
([1]) أخرجه أبو داود - كتاب الصلاة- تفريع أبواب الجمعة - باب صلاة العيدين حديث:972 وصححه الألبانى في صحيح سنن أبى داود حديث رقم 1134 0
([2])صحيح البخاري - كتاب الجمعة- أبواب العيدين - باب الخطبة بعد العيد حديث:934 ، وأخرجه مسلم في صحيحه - كتاب صلاة العيدين حديث:15180
([3])أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب الجمعة- أبواب العيدين - باب المشي والركوب إلى العيد حديث:929 ، وأخرجه مسلم في صحيحه - كتاب صلاة العيدين- حديث:15130
([4]) أحكام العيدين للفريابي - باب ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمى- حديث:60
([5])أحكام العيدين للفريابي - باب ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمى حديث:70
([6])أخرجه أبو داود في سننه - كتاب الصلاة - تفريع أبواب الجمعة - باب الجلوس للخطبة حديث:988 وصححه الألبانى في صحيح سنن أبى داود حديث رقم 1155 0
([7]) أخرجه أبو داود في سننه - كتاب الصوم- باب صيام أيام التشريق - حديث:2079 وصححه الألبانى في صحيح سنن أبى داود حديث رقم 2419 0
([8]) أخرجه مالك في الموطأ - كتاب العيدين- باب العمل في غسل العيدين - حديث:430 ، أحكام العيدين للفريابي - باب ما روي في الاغتسال للفطر حديث:130
([9]) أحكام العيدين للفريابي - باب ما روي في الاغتسال للفطر حديث:14 0
([10]) أحكام العيدين للفريابي - باب ما روي في الاغتسال للفطر حديث:150
([11]) أحكام العيدين للفريابي - باب ما روي في الاغتسال للفطر حديث:17 0
([12])السنن الكبرى للبيهقي - كتاب صلاة العيدين- باب : يترك الأكل يوم النحر حتى يرجع - حديث:57630
([13]) الغدو : السير والذهاب والتبكير أول النهار0
([14])يوم النحر : يوم عيد الأضحى وذبح الأضحية وهدي الحجيج0
([15])النحر : الذبح0
([16]) أحكام العيدين للفريابي - باب ما روي في الأكل قبل الخروج إلى العيد يوم الفطر- حديث:190
([17])أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب الجمعة- أبواب العيدين - باب الأكل يوم الفطر قبل الخروج- حديث:9240
([18])فتح البارى : جـ 2 صـ447 0
([19])الخرص : الحلقة من الذهب أو الفضة0
([20])السخاب : قلادة تتخذ من قرنفل ومحلب وسك ونحوه، وليس فيها من اللؤلؤ والجوهر شيء0
([21])أخرجه مسلم في صحيحه - كتاب صلاة العيدين حديث:1517
([22]) أحكام العيدين للفريابي - باب ماروي أنه لا صلاة يوم العيد قبل صلاة العيد ولابعدها حديث:1430
([23]) أحكام العيدين للفريابي - باب ماروي أنه لا صلاة يوم العيد قبل صلاة العيد ولابعدها حديث:1440
([24])أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب الإيمان- باب فضل من استبرأ لدينه - حديث:52 ، صحيح مسلم - كتاب المساقاة- باب أخذ الحلال وترك الشبهات - حديث:30810
([25])موسوعة الفقه الإسلامي: محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري جـ2 صـ664 0
([26])المرجع السابق: جـ2 صـ665 0
([27])صحيح البخاري - كتاب الجمعة- أبواب العيدين - باب من خالف الطريق إذا رجع يوم العيد- حديث:9570
([28])فيض القدير : جـ5 صـ201 0
([29])السنن الكبرى للبيهقي - كتاب صلاة العيدين- باب ما روي في قول الناس يوم العيد بعضهم لبعض : - حديث:5918 وضعفه الألبانى انظر: السلسلة الضعيفة حديث رقم 5666 0
([30])أخرجه الطبراني في الكبير - بقية الميم- باب الواو - من اسمه واثلة- واثلة بن الأسقع الليثي حديث:179910
([31])المغني لابن قدامة 2 / 399 ، وكشاف القناع 2 / 60 .
([32]) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب الجمعة- أبواب العيدين - باب الحراب والدرق يوم العيد- حديث:921 ، وأخرجه مسلم في صحيحه - كتاب صلاة العيدين- باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد - حديث:15270
([33])أخرجه أحمد في مسنده - مسند الأنصار- الملحق المستدرك من مسند الأنصار - حديث السيدة عائشة رضي الله عنها- حديث:24330 وصححه الألبانى في صحيح الجامع حديث رقم 2319
أمين المستغانمي
2013-10-15, 10:14
(أحكَامُ العِيدَيْن) للشَّيخِ "مُصطَفى العَدويّ"
أبو همام السعدي
(أَحْكَامُ النِّسَاءِ فِي الحَجِّ) و (أحكَامُ العِيدَيْن) للشَّيخِ "مُصطَفى العَدويّ" (http://saaid.net/mktarat/hajj/222.htm)
* إن العيدَ أطلقَ عليهِ " عيدا " لأنه يعود ويتكرّر كلَّ عام بالفرح والسعادة على المسلمينَ, هذا وليعمل أن الله شرع الأعيادَ ولم يشرعها البشر قال تعالى [لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ] ولما قدم النبي -عليه السلام- ووجدهم يلعبون فسألهم عن ذلك فقالوا: هذا يوم عيد يار سول الله. فقال: إن الله قد أبدلكم خيرا منه " الفطر والأضحى " .
فدر أن العيد عيدان " عيد الفطر " أول يوم من شوال و " عيد الأضحى " العاشر من ذي الحجة, ويطلقُ يومَ الجمعة " عيد " باعتبارِ اجتماعِ المسلمينَ فيهِ.
*ولا عيدَ في غير ما ذُكر , فلم يحدث النبي عيداً للنصرِ يوم بدر ولا في الانتصار من حنين ولا في فتح مكة ولم يفعله الصحابة ولا السلف من عيد الأم والأسرة والمسيح وغيرها من الأباطيل.
والعيد يوم يحمل السرور والفرحَ مع ذكر الله تعالى فيهِ , وفيه الاستمتاع بالمباح لأن النبي كان يرى الحباش يلعبون يوم العيد وعائشة تنظر منن شق الباب إليهم وهم يلعبون, ودخل أبو بكر على رسول الله وعنده جاريتان تغنيان بغناءِ (بعاث) وهذه معركة كانتْ بينَ الأوسِ والخزرجِ حصل بينهما قتال عظيم من الطائفتينِ فكانتِ الجاريتانِ تغنيان بغناء هذه المعركة فزبرهما أبو بكر فقال –عليه السلام-دعهما يا أبا بكرٍ فإن هذا يوم عيد .
* ويشرع التجمل والتزين يوم العيد , فقد رأى عمر –رضي الله عنه- حلة من حرير فقال للنبي: اشترها تلبسها يوم العيد. فقال هليه السلام:لا ينبغي هذه للمتقين. فرد هذا النبي من بابِ حرمةِ لبس الحرير لا من بابِ التجمل له .
* ويحرم الصوم يوم العيد كما أجمعتْ عليهِ أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- بل يكون فيه الأكل والشرب والاستمتاعِ وصدقة الفطر إذ قال النبي عن الفقراء:أغنوهم عن السؤال.وأما عيد الأضحى: فهو يكون فيه إطعام آآكد كما قال تعالى[وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ]وقال [وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ] .
* ويشرعُ الاغتسال يوم العيدِ فقد كان ابن عمر –رضي الله عنهما- يستحب الاغتسال للعيدِ, وقد ذكرَ رفعَهَ إلى النبي –عليه السلام- وكذا التطيب ولبسِ أجملِ اللباسِ سيراً وليس هذا من خوارم المروءةِ بل على ما كانَ عليه النبي والصحابة والسلف. ومن باب اللطيفِ: أنَّ ابن دقيق العيد العالم المعروف لقبَ بذلك لشدةِ بياضهِ, فكانوا يصنعونَ للعيدِ من الدقيق الكعكَ ومشتقاته فليسَ من البدعِ بل من الأمور المباحة التي تدخل في قلوب المسلمين.
*ويشرع الإكثار من ذكرِ الله تعالى. قال تعالى في شأنِ عيد الفطر[وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ]فأخذَ فريق من الشافعية والحنابلة مشروعية التكبير بمجرد رؤية هلال شوال إلى صلاةِ العيدِ وقال تعالى في شأنِ عيد الأضحى [ليَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ]فيستحبُّ التكبير طيلةَ أيامِ الأضحى, وكانَ ابن عمر وأبي هريرة يخرجانِ إلى الأسواق فيكبِّران ويكبر الناس بتكبيرهما, أما التكبير دبر الصلواتِ فمن العلماءَ قال أنه يستمر التكبير إلى اليوم "الثالث عشر من ذي الحجة" كما نقلَ ذلكَ عن الأئمةِ الأربعة بل حكيَ الإجماع عليه, ولا بأسَ بالذكرِ فرادى وجمعاً, قال الشافعي: أستحبُّه فرادى وجماعى وفي الطريق وفي البيوتِ, ولكننا نجدَ بعض إخواننا من يشنِّع القولَ في التكبير الجماعي وهو غلطٌ بينٌ, والأدلة على جوازه:
(1) ما في الصحيحينِعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ نَخْرُجَ يَوْمَ الْعِيدِ حَتَّى نُخْرِجَ الْبِكْرَ مِنْ خِدْرِهَا حَتَّى نُخْرِجَ الْحُيَّضَ فَيَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ فَيُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِهِمْ وَيَدْعُونَ بِدُعَائِهِمْ يَرْجُونَ بَرَكَةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَطُهْرَتَهُ.
(2)كانَ عمر –رضي الله عنه- يكبر في منى ويكبر الناسُ بتكبيره, لأن التكبير من شعار الأعياد.
(3)وردَ عن ابن عمر وأبي هريرة معلقاً عند البخاري يخرجانِ إلى الأسواق فيكبِّران ويكبر الناس جميعاً بتكبيرهما.
(4)قال –عليه السلام-:أتاني جبريل يوم العيد فأعلمني: أن مر أصحابكَ يرفعوا أصواتهم بالتكبير.
* لم يرد عن النبي –عليه السلام- صيغة من صيغ التكبيرِ, بل تعدد فعل ذلك من السلفِ –رضوان الله عليهم- ممَّا عليه النَّاس اليومِ, فلا إلزامَ بصيغةٍ معيَّنةٍ .
* وصلاة العيد سنة مستحبة عند جماهير العلماءِ, لأن حديث الإسراءِ يعلمُ أن الفرائض خمسٌ, لكن لا تترك من عند المسلمين, ومن فاتته صح منه أداءها في بيته, كما أن جمهور العلماء على سنية التكبير أثناء المسير إلى يومِ العيدِ كما كانَ يفعل ذلك الصحابة.
* وليسَ للعيدِ أذانٌ ولا إقامةٌ ولا قول " الصلاة جامعة " فلم يرد عن النبي ولا عن الصحابة شيء من ذلك.
* وليس لها سنة قبلية وبعدية .
* ويستحب أن تكون الصلاة في الفضاءِ, كما أن السنة أن يحضر النساء ببعدٍ عن الرجالِ, لأن النبيَّ –عليه السلام- لم يسمع النساء مرة فأتاهن فتوكَّا على يد بلال فوعظهنَّ وأمرهن .
* وتكون الصلاة قبل الخطبة كما كان عليه –عليه السلام- وصحابته, إلاَّ أن أحد الخلفاء الأمويين وهو " مروان بن الحكم " قد جعل الصلاة بعد الخطبة , وأنكرَ عليه ذلك أبو سعيد الخدري –رضي الله عنه- .
* وهي ركعتان بإجماع العلماء, يُحرم للصَّلاة ثم يكبر سبع تكبيراتٍ –وهنَّ سنة- في الركعة الأولى, وفي الثانية خمسُ تكبيراتٍ من غير الانتقالية, ويرى كثير من أهل العلماء جواز رفع الأيدي مع كل تكبيرة, ولم يرد ما يقالُ بين التكبيراتِ, ويسنّ قراءة سورة الأعلى بعد الفاتحة في الأولى, وسورة الغاشية بعد الفاتحة في الثانية, أو سورة (ق) بعد الفاتحة في الأولى, وسورة القمر بعد الفاتحة في الثانية.
* ويرى الأئمة الأربعة والإمام ابن حزمٍ أن في الجمعةِ خطبتانِ قياساً على صلاةِ الجمعةِ .
* ويسن مخالفة الطريق عند الرجوع من صلاة العيد من غير الطريق الذي ذهبت منه, كما يسن صلة الأرحام وحسن الوئام والمصافحة .
, وتمَّ في شهرِ رجب الموافق (1431هـ) ,
, والله المعلِّم الهَادي ,
أمين المستغانمي
2013-10-15, 10:15
من أحكام العيدين
إبراهيم بن محمد الحقيل
بسم الله الرحمن الرحيم
للمسلمين ثلاثة أعياد لا رابع لها وهي :
الأول : عيد الأسبوع ، وهو يوم الجمعة ، خاتمة الأسبوع ، هدى الله له هذه الأمة المباركة ، بعد أن عمي عنه أهل الكتاب اليهود والنصارى فكان لهم السبت والأحد .
قال ابن خزيمة رحمه الله تعالى : (باب الدليل على أن يوم الجمعة يوم عيد ، وأن النهي عن صيامه إذ هو يوم عيد) حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : (إن يوم الجمعة يوم عيد ؛ فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا قبله أو بعده) [1] .
الثاني : عيد الفطر من صوم رمضان ، وهو مرتب على إكمال صيام رمضان ، الذي فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر ، وهو يوم الجوائز لمن صام رمضان فصان الصيام ، وقام فيه فأحسن القيام ، وأخلص لله تعالى في أعماله ، وهو يوم واحد أول يوم من شهر شوال .
الثالث : عيد النحر : وهو ختام عشرة أيام هي أفضل الأيام ، والعمل فيها أفضل من العمل في غيرها ، حتى فاق الجهاد في سبيل الله تعالى الذي هو من أفضل الأعمال ، كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال : (ما من الأيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر ، فقالوا : يا رسول الله ، ولا الجهاد ؟ قال : ولا الجهاد ؛ إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء) [2] .
وهذا العيد هو اليوم العاشر من ذي الحجة ، وقبله يوم عرفة وهو من ذلك العيد أيضاً ، وبعده أيام التشريق الثلاثة وهي عيد أيضاً ، فصارت أيام هذا العيد خمسة ؛ كما في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : (يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب) [3] .
وهذا العيد أعظم من عيد الفطر ، قال ابن رجب رحمه الله تعالى : وهو أكبر العيدين وأفضلهما وهو مرتب على إكمال الحج [4] . وقال شيخ الإسلام بعد ذكره قول الله تعالى : { اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً } [المائدة : 3] : (ولهذا أنزل الله هذه الآية في أعظم أعياد الأمة الحنيفية ؛ فإنه
لا عيد في النوع أعظم من العيد الذي يجتمع فيه المكان والزمان وهو عيد النحر ، ولا عين من أعيان هذا النوع أعظم من يوم كان قد أقامه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعامة المسلمين) [5] .
وقال أيضاً : (أفضل أيام العام هو يوم النحر ، وقد قال بعضهم : يوم عرفة ، والأول هو القول الصحيح ؛ لأنّ في السنن عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال : (أفضل الأيام عند الله يوم النحر ، ثم يوم القر) [6] ، لأنه يوم الحج الأكبر في مذهب مالك والشافعي وأحمد ؛ كما ثبت في الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال : (يوم النحر هو يوم الحج الأكبر) [7] .
أحكام تتعلق بالعيد :
أولاً : حكم صلاة العيد :
اختلف العلماء في ذلك ، ولهم ثلاثة أقوال :
أ -أنها واجبة على الأعيان وهو قول الأحناف [8] .
ب - أنها سنة مؤكدة ، وهو قول مالك وأكثر أصحاب الشافعي [9] .
ج - أنها فرض كفاية ، وإذا تمالأ أهل بلد على تركها يُقاتلون وهو مذهب الحنابلة ، وقال به بعض أصحاب الشافعي [10] .
والذي يظهر رجحانُه القولُ بالوجوب لما يلي :
1- أمر الله تعالى بها : { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } [الكوثر : 2] والأمر يقتضي الوجوب ، وأمره-النساء أن يخرجن إليها .
2- مواظبة النبي -صلى الله عليه وسلم- عليها وعدم تخلفه عنها .
3- أنها من أعلام الدين الظاهرة ، وأعلام الدين الظاهرة فرض كالأذان وغيره [11] .
قال شيخ الإسلام : ولهذا رجحنا أن صلاة العيد واجبة على الأعيان . وقول من قال : (لا تجب) في غاية البعد ؛ فإنها من شعائر الإسلام ، والناس يجتمعون لها أعظم من الجمعة ، وقد شرع لها التكبير ، وقول من قال : (هي فرض كفاية) لا ينضبط ؛ فإنه لو حضرها في المصر العظيم أربعون رجلاً لم يحصل المقصود ؛ وإنما يحصل بحضور المسلمين كلهم كما في الجمعة [12] .
واختار القول بالوجوب ابن القيم والشوكاني وابن سعدي وابن عثيمين [13] .
وعلى هذا القول فإن المفرطين في حضورها آثمون خاسرون في يوم الفرح والجوائز .
ثانياً : حكم التنفل قبل صلاة العيد وبعدها :
أ - عن ابن عباس رضي الله عنهما : (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج يوم الفطر فصلى ركعتين لم يصلّ قبلها ولا بعدها .. ) [14] .
ب - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : (كان رسول -صلى الله عليه وسلم- لا يصلي قبل العيد شيئاً ؛ فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين) [15] .
فمن خلال هذين الحديثين يظهر ما يلي :
1-أن صلاة العيد ليس لها راتبة لا قبلية ولا بعدية ؛ لحديث ابن عباس .
2- أنه لو صلى بعدها في البيت أصاب السنة إن كان من عادته أن يصلي الضحى ، لحديث أبي سعيد .
3- إذا كانت صلاة العيد في المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين لحديث أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : (إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس) [16] .
4- إذا كانت صلاة العيد في المصلى فلا يجلس حتى يصلي ركعتين ؛ لأن مصلى العيد له حكم المسجد بدليل أمره -صلى الله عليه وسلم- الحيّض أن يعتزلن المصلى ، وهذا على رأي بعض العلماء [17] .
5- التنفل المطلق لا يخلو من حالتين :
أ - إما أن يكون قبل العيد في وقت النهي ؛ فلا يجوز لعموم النهي عن ذلك .
ب - وإما أن يكون قبل العيد ولكن ليس في وقت النهي كما لو أخروا صلاة العيد ، أو بعد العيد وهذا هو الذي وقع فيه الخلاف بين العلماء ، فمنهم من أجازه مطلقاً ، ومنهم من منعه مطلقاً ، ومنهم من أجازه قبل صلاة العيد ، ومنهم من أجازه بعدها ، ومنهم من أجازه للمأموم دون الإمام ، ومنهم من أجازه في المسجد لا في المصلى .
والذي يظهر والله أعلم الجواز لعدم الدليل على المنع ، وأما حديث ابن عباس رضي الله عنهما فهو يحكي فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو إما ينتظر إذا حضر صلى بهم ، وإذا انتهى انصرف كما في الجمعة ، ثم لا يدل عدم فعله على المنع منه .
قال ابن عبد البر : (الصلاة فعل خير فلا يجب المنع منها إلا بدليل لا معارض له فيه ، وقد أجمعوا أن يوم العيد كغيره في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها ، فالواجب أن يكون كغيره في الإباحة) [18] .
وقال الحافظ ابن حجر بعد أن عرض الخلاف : (والحاصل أن صلاة العيد لم يثبت لها سنة قبلها ولا بعدها خلافاً لمن قاسها على الجمعة ، وأما مطلق النفل فلم يثبت فيه منع بدليل خاص ؛ إلا إن كان في وقت الكراهة الذي في جميع الأيام ، ورجّح عدم المنع ابن المنذر) [19] .
ولكن إذا كان التنفل قبل صلاة العيد فقد ترك صاحبه الفاضل إلى المفضول ؛ لأن عبادة التكبير في وقته المأمور به أفضل من مطلق النفل .
ثالثاً : صلاة العيد في المصلى :
علل الشافعي رحمه الله تعالى خروج النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الصحراء لصلاة العيد بكون مسجده -صلى الله عليه وسلم- لا يتسع لهم ؛ بدليل أن أهل مكة يصلون في المسجد الحرام ، ومقتضى ذلك أن العلة تدور على الضيق والسعة لا لذات الصحراء ؛ لأن المطلوب حصول عموم الاجتماع فإذا حصل في المسجد مع أفضليته كان أوْلى [20] .
والذي يظهر أن ذلك مرجوح ، ومقابل لفعله -صلى الله عليه وسلم- ، قال ابن قدامة : (ولنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يخرج إلى المصلى ويدع مسجده وكذلك الخلفاء من بعده ، ولا يترك النبي -صلى الله عليه وسلم- الأفضل مع قربه ، ويتكلف فعل الناقص مع بعده ، ولا يشرع لأمته ترك الفضائل .. ثم ذكر أن ذلك إجماع المسلمين [21] .
وأما صلاة أهل مكة في المسجد الحرام فلأن مكة جبال والصحراء فيها بعيدة [22] .
رابعاً : وقت صلاة العيد :
وقتها : من ارتفاع الشمس قيد رمح إلى الزوال ، قال ابن بطال : (أجمع الفقهاء على أن صلاة العيد لا تُصلى قبل طلوع الشمس ولا عند طلوعها ، وإنما تجوز عند جواز النافلة) [23] .
وقال ابن القيم : (وكان -صلى الله عليه وسلم- يؤخر صلاة عيد الفطرويعجل الأضحى ، وكان ابن عمر مع شدة اتباعه للسنة لا يخرج حتى تطلع الشمس) [24] .
وقد علل ابن قدامة تقديم الأضحى وتأخير الفطر بأن لكل عيد وظيفة ، فوظيفة الفطر إخراج الزكاة ووقتها قبل الصلاة ، ووظيفة الأضحى التضحية ووقتها بعد الصلاة [25] .
خامساً : لا نداء لصلاة العيد :
أ - روى ابن عباس وجابر رضي الله عنهما قالا : (لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى) [26] .
ب - وروى جابر بن سمرة قال : (صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العيدين غير مرة ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة) [27] .
قال مالك : وتلك هي السّنة التي لا اختلاف فيها عندنا [28] ، ونقل الإجماع عليه ابن قدامة [29] ، ولم يكن يُنادى لها بالصلاة جامعة أو غير ذلك ، بل كان عليه الصلاة والسلام إذا انتهى إلى المصلى صلى [30] .
ورجّح ابن عبد البر أن أول من فعل الأذان للعيدين معاوية -رضي الله عنه- [31] .
سادساً : تقديم الصلاة على الخطبة :
نقل الإجماع على ذلك ابن قدامة [32] ، وقال ابن المنذر : (فقد ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه بدأ بالصلاة قبل الخطبة في يوم العيد ، وكذلك فعل الخلفاء الراشدون المهديون ، وعليه عوام علماء أهل الأمصار) [33] .
وأول من قدم الخطبة على الصلاة قيل عثمان [34] ، وقيل ابن الزبير [35] رضي الله عنهما ، قال ابن قدامة : ولم يصح عنهما [36] ، وقيل : معاوية -رضي الله عنه- [37] .
ولو ثبت ذلك عن أي منهم فهو اجتهاد منهم رضي الله عنهم لا يقابل النص الثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال ابن عباس رضي الله عنهما : (شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة) [38] .
سابعاً : التكبير في الصلاة :
قال شيخ الإسلام : واتفقت الأمة على أن صلاة العيد مخصوصة بتكبير زائد [39] .
1- عدد التكبيرات : يُكبّر في الأولى سبعاً دون تكبيرة الركوع ، وفي الثانية خمساً دون تكبيرة النهوض . وهذا مذهب الفقهاء السبعة [40] .
وجاء فيه حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كبر ثنتي عشرة تكبيرة : سبعاً في الأولى ، وخمساً في الأخرى) [41] .
وورد عن الصحابة رضي الله عنهم اختلاف في عدد التكبيرات ، ولذلك وسع فيه الإمام أحمد [42] .
2- يكبر المأموم تبعاً للإمام . قاله شيخ الإسلام [43] .
3- يرفع يديه مع كل تكبيرة ، وفيه حديث وائل بن حجر أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يرفع يديه مع التكبير [44] ، فهذا عام في العيد وغيره . وورد في تكبيرات الجنازة والعيد مثلها عن ابن عمر مرفوعاً وموقوفاً [45] . وذكر الحافظ ثبوت رفع اليدين عن ابن عباس رضي الله عنهما [46] ، وهو قول عطاء والأوزاعي والشافعي وأحمد [47] .
4- الذكر بين التكبيرات : لم يرد فيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- شيء ، وإنما قال عقبة بن عامر : سألت ابن مسعود عما يقوله بعد تكبيرات العيد قال : (يحمد الله ويثني عليه ، ويصلي على النبي) [48] . قال البيهقي رحمه الله تعالى : (فتتابعه في الوقوف بين كل تكبيرتين للذكر إذا لم يرد خلافه عن غيره)[49].
وقال شيخ الإسلام : يحمد الله بين التكبيرات ويثني عليه ويدعو بما شاء [50].
5- حكم التكبيرات الزوائد : قال ابن قدامة : (سنة وليس بواجب ، ولا تبطل الصلاة بتركه عمداً ولا سهواً ، ولا أعلم فيه خلافاً) [51].
لكن إن تركه عمداً ، فقد تعمد ترك سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وفاته خيرها .
6- إذا دخل المأموم مع الإمام وقد فاته بعض التكبيرات الزوائد فإنه يكبر مع الإمام ويمضي مع الإمام ، ويسقط عنه ما فاته من التكبيرات [52].
ثامناً : القراءة في صلاة العيد :
السنة أن يقرأ في صلاة العيد :
أ - في الركعة الأولى بسورة (ق) وفي الثانية بسورة (القمر) ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- قرأ بهما في العيدين كما في حديث أبي واقد الليثي[53].
ب - أو في الركعة الأولى بسورة (الأعلى) وفي الثانية بسورة (الغاشية) لحديث النعمان بن بشير -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ بهما في العيد .
ج - إذا اجتمع عيد وجمعة في يوم واحد فلا مانع أن يقرأ بهما في العيد وفي الجمعة لأنهما سنة في كلا الصلاتين ؛ ولما جاء في حديث النعمان السابق : (وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد يقرأ بهما في الصلاتين) [54].
تاسعاً : قضاء صلاة العيد :
أ- إذا لم يعلموا بالعيد إلا بعد زوال الشمس صلوا من الغد ، لحديث عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار قال : (غُمّ علينا هلال شوال فأصبحنا صياماً ، فجاء ركب في آخر النهار فشهدوا أنهم رأوا الهلال بالأمس ، فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يفطروا يومهم ، وأن يخرجوا غداً لعيدهم) [55] .
ب- إذا أدرك الإمامَ في التشهد جلس معه ، فإذا سلم قام فصلى ركعتين يأتي منهما بالتكبير [56] .
ج- إذا فاتته صلاة العيد مع الإمام فقيل :
1- يقضيها أربع ركعات وهو قول أحمد والثوري وسندهم قول ابن مسعود رضي الله عنه : (من فاته العيد مع الإمام فليصل أربعاً) [57] .
2- يقضيها ركعتين ، قال البخاري : باب إذا فاته العيد يصلي ركعتين ، وكذلك النساء ومن كان في البيوت والقرى لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- : (هذا عيدنا أهل الإسلام) وأمر أنس بن مالك مولاهم ابن أبي عتبة بالزاوية فجمع أهله وبنيه ، وصلى كصلاة أهل المصر وتكبيرهم) . اهـ [58] وقال به عطاء والحسن ، وهو رواية عن أحمد [59] .
وكان أنس إذا فاته العيد مع الإمام جمع أهله فصلى بهم مثل صلاة الإمام في العيد [60] .
3- هو مخير بين القضاء وعدمه ، وإذا قضاها فهو مخير بين ركعتين وأربع ركعات ، والتخيير بين ركعتين أو أربع رواية عن أحمد [61] .
4- إن صلاها في جماعة أخرى فركعتين وإلا فأربعاً . وهو قول إسحاق [62] .
5- لا يقضيها ؛ لأنها إذا فاتت لا تصلى إلا بدليل يدل على قضائها إذا فاتت ، وليس هناك دليل على قضائها إذا فاتت ، ولا يصح قياسها على الجمعة ؛ لأن من فاتته الجمعة يصلي الظهر فرض الوقت . وأما العيد فصلاة اجتماع إن أدرك الاجتماع فيها وإلا سقطت عنه . حكاه العبدري عن أبي حنيفة ومالك والمزني وداود [63] ، ورجحه الشيخ العثيمين [64] .
عاشراً : صلاة العيد في السفر :
أ- لو كان مسافراً وحضر الناس وهم يصلون فله أن يصلي معهم مثل الجمعة .
ب- لو سافر جماعة فليس لهم أن يقيموا لا الجمعة ولا العيد ؛ لأنها ليست مشروعة في السفر ، ومن شرطِ وجوبها الاستيطان .
قال شيخ الإسلام : تنازع الناس في صلاة الجمعة والعيدين : هل تشترط لهما الإقامة ، أم تفعل في السفر ؟ على ثلاثة أقوال :
1- من شرطهما جميعاً الإقامة ؛ فلا يشرعان في السفر ، وهذا قول الأكثرين وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد في أظهر الروايتين عنه .
2- يشترط ذلك في الجمعة دون العيد وهو قول عن الشافعي وأحمد في الرواية الثانية عنه .
3- لا يشترط لا في هذا ولا هذا كما يقوله من يقوله عن الظاهرية ؛ وهؤلاء عمدتهم مطلق الأمر ولقوله : (إذا نودي) ونحو ذلك .. ثم قال : والصواب بلا ريب القول الأول وهو أنه ليس بمشروع للمسافر ؛ فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يسافر أسفاراً كثيرة ، قد اعتمر ثلاث عمر سوى عمرة حجته ، وحج حجة الوداع ومعه ألوف مؤلفة ، وغزا أكثر من عشرين غزاة ولم ينقل عنه أحد قط أنه صلى في السفر لا جمعة ولا عيداً . اهـ [65] .
حادي عشر : إذا اجتمع جمعة وعيد :
أ- عن إياس بن أبي رملة قال : شهدت مع معاوية بن أبي سفيان وهو يسأل زيد بن أرقم قال : أشهدتَ مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عيدين اجتمعا في يوم ؟ قال : نعم ! قال فكيف صنع ؟ قال : صلى العيد ثم رخص في الجمعة ، فقال : (من شاء أن يصلي فليصلّ) [66] .
ب- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال : (قد اجتمع في يومكم هذا عيدان ؛ فمن شاء أجزأه من الجمعة ؛ وإنّا مُجمِّعون) [67] .
ج- عن عطاء قال : (صلى بنا ابن الزبير في يوم عيد في يوم جمعة أول النهار ، ثم رحنا إلى الجمعة فلم يخرج إلينا فصلينا وحدنا ، وكان ابن عباس بالطائف ، فلما قدم ذكرنا ذلك له ، فقال : أصاب السنة) [68] .
وبناء على ما سبق فإن من صلى العيد تكفيه عن الجمعة على الصحيح ، ولكن بعض العلماء اشترط أن يصلي الظهر ؛ لأن فرض الظهر لا تسقطه صلاة العيد ، ويعكر على هذا فعل ابن الزبير وتصويب ابن عباس له ، وأجابوا عنه بأنه لا يمنع أن يكون ابن الزبير صلى في بيته فرض الظهر ، والأحوط أن يصلي الظهر . والله أعلم .
ثاني عشر : أحكام خطبة العيد :
1- حكم حضورها :
حكم حضورها سنة على الصحيح لحديث عطاء عن ابن السائب قال : شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العيد فلما قضى الصلاة قال : (إنا نخطب ؛ فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ، ومن أحب أن يذهب فليذهب) [69] .
2- خطبة أم خطبتان ؟
ذكر الفقهاء أنه يخطب خطبتين يجلس بينهما لحديث جابر قال : (خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم فطر أو أضحى فخطب قائماً ، ثم قعد قعدة ثم قام) وهذا حديث ضعيف [70] .
والذي يظهر أنها خطبة واحدة لما روى جابر رضي الله عنه : (قام النبي - صلى الله عليه وسلم- يوم الفطر فصلى ، فبدأ بالصلاة ثم خطب ، فلما فرغ نزل فأتى النساء فذكّرهن وهو يتوكأ على يد بلال .. ) [71] . فذكر في هذا الحديث خطبة واحدة ، ولا يمكن أن تعد موعظة النساء خطبة ثانية ؛ لأنه إنما نزل إليهن ليسمعهن موعظته ؛ إذ المتصور كثرة الجمع في العيد مما يجعل النساء في بُعد عنه لا يسمعن خطبته .
قال الشيخ العثيمين : ومن نظر في السنة المتفق عليها في الصحيحين وغيرها تبين له أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يخطب إلا خطبة واحدة [72] .
3- التكبير في الخطبة :
وفيه مسألتان :
أ- افتتاح الخطبة بالتكبير : الأولى بتسع والثانية بسبع ؛ لما روى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال : (السنة التكبير على المنبر يوم العيد ؛ يبتدئ خطبته الأولى بتسع تكبيرات قبل أن يخطب ، ويبدأ الآخرة بسبع ) [73] وعبيد الله تابعي ، وهذا اجتهاد منه رحمه الله تعالى وإلا فإن السنة أن يفتتحها بحمد الله تعالى . قال شيخ الإسلام : لم ينقل أحد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه افتتح خطبة بغير الحمد لا خطبة عيد ، ولا خطبة استسقاء ، ولا غير ذلك [74] .
قال ابن القيم : وكان يفتتح خطبه كلها بالحمد لله ، ولم يحفظ عنه في حديث واحد أنه كان يفتتح خطبتي العيدين بالتكبير [75] . وقال أيضاً : وأما قول أكثر الفقهاء : إنه يفتتح خطبة الاستقساء بالاستغفار ، وخطبة العيدين بالتكبير فليس معهم فيه سنة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- البتة ، وسنته تقتضي خلافه وهو افتتاح جميع الخطب بـ (الحمد لله) . اهـ [76] .
ب- التكبير في تضاعيف الخطبة وفيه حديث عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد المؤذن : حدثني أبي عن أبيه عن جده قال : (كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكبر بين أضعاف الخطبة ، يكثر التكبير في خطبة العيدين) وهو حديث ضعيف [77] .
ومن قال بامتداد وقت التكبير إلى ما بعد خطبة العيد فللتكبير في أضعافها وجه ، ومن اعتبر أنه من جملة الذكر المحمود في الخطبة فحسن ، لكن الإشكال في تخصيص خطبة العيد به دون غيرها ، ولعلهم يستأنسون بقول الزهري : كان الناس يكبرون في العيد حيث يخرجون من منازلهم حتى يأتوا المصلى حتى يخرج الإمام ، فإذا خرج سكتوا ، فإذا كبر كبروا) [78] ولكن هذا في الصلاة ولا يدل على التكبير في الخطبة .
4- موضوع الخطبة :
جاء في حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال : (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى ، فأول ما يبدأ به الصلاة ثم ينصرف ، فيقوم مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم ، فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم ، وإن كان يريد أن يقطع بعثاً قطعه ، أو يأمر بشيء أمر به ، ثم ينصرف) [79] .
واستحسن جمعٌ من الفقهاء أن يكون موضوعها في الفطر عن الفطرة وثوابها ، وقدر المخرَج وجنسه وعلى من تجب .. وفي الأضحى عن الأضحية وأحكامها[80] ، وذكر الأضحية في الأضحى جيد ، وأما ذكر الفطرة فلا فائدة منه ؛ لأن وقتها انتهى بالصلاة ، والحديث لم يخصص شيئاً ، بل يعظهم بما يناسب الحال ويصلح المآل .
5- موعظة النساء :
السنة أن يخصص للنساء موعظة لما جاء في حديث جابر رضي الله عنه : (.. فلما فرغ نزل فأتى النساء فذكّرهن وهو يتوكأ على بلال) [81] .
السنن والمندوبات في العيد :
أولاً : التكبير في العيد :
يستحب للناس التكبير في ليلتي العيدين في مساجدهم ومنازلهم وطرقهم مسافرين كانوا أو مقيمين ؛ لظاهر الآية : { وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ } [البقرة : 185] [82] ، ويكبرون في الطريق إلى العيد ، ويرفعون أصواتهم به ، وقد جاء فيه آثار كثيرة جداً عن الصحابة والتابعين [83] .
والنساء يكبرن ولكن بخفض الصوت ، لما جاء في حديث أم عطية : ( ..حتى نخرج الحُيّض فيكُنّ خلف الناس ، فيكبرن بتكبيرهم ويدعنّ بدعائهم ... ) [84] .
ثانياً : الغسل والزينة :
قال البخاري : باب في العيد والتجمل فيه ، ثم ساق فيه حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : (أخذ عمر جبة من إستبرق تباع في السوق ، فأخذها فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال : يا رسول الله ، ابتع هذه تجمّل بها للعيد والوفود ... ) الحديث [85] .
قال ابن قدامة : وهذا يدل على أن التجمل عندهم في هذه المواضع كان مشهوراً [86] .
وكان ابن عمر يلبس في العيد أحسن ثيابه [87] .
وقال مالك : سمعت أهل العلم يستحبون الطيب والزينة في كل عيد [88] .
وفي الغسل ورد أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى [89] .
والتجمل يكون في اللباس والهيئة من إحفاء الشوارب وتقليم الأظافر ولبس أحسن الثياب ؛ وذلك يختلف باختلاف الناس واختلاف البلاد [90] .
ثالثاً : الأكل قبل العيد :
أ- قال أنس بن مالك رضي الله عنه : (كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات) وفي رواية : (ويأكلهن وتراً) [91] .
ب- وفي لفظ آخر قال أنس : (ما خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم فطر حتى يأكل تمرات ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً) [92] قال الحافظ : وهو صريحفي المداومة على ذلك [93] .
ج- وعن بريدة رضي الله عنه : (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم ، ولا يطعم يوم النحر حتى ينحر) [94] .
فدلت الأحاديث السابقة على أنه كان يداوم على الأكل في الفطر قبل الصلاة ، ويؤخر الأكل يوم النحر حتى ينحر ليأكل من أضحيته .
قال الإمام أحمد : وإذا لم يكن له ذبح لم يبالِ أن يأكل [95] .
وقال ابن المنير : وقع أكله- في كل من العيدين في الوقت المشروع لإخراج صدقتهما الخاصة بهما ، فإخراج صدقة الفطر قبل الغدو إلى المصلى ، وإخراج صدقة الأضحية بعد ذبحها [96] .
وتلمّس الحافظ بعض الحِكَم لتعجيل الأكل يوم الفطر ، ومنها :
1- حتى لا يظن اتصال الصيام إلى صلاة العيد .
2- المبادرة إلى امتثال أمر الله تعالى بالفطر [97] .
ويرى بعض العلماء أنه لو أكل التمرات بعد طلوع الفجر وقبل صلاة الفجر حصل المقصود ؛ لأنه أكلها في النهار ، والأفضل إذا أراد الخروج للعيد [98] .
رابعاً : التبكير في الخروج للعيد :
أ- قال الله تعالى : { فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ } [المائدة : 48] . والعيد من أعظم الخيرات ، وقد دلت النصوص على فضيلة التبكير إلى الجماعات والجمعات ، والدنو من الإمام ، وفضيلة الصف الأول ؛ والعيد يدخل في ذلك .
ب- قال البخاري : باب التبكير إلى العيد ، ثم ساق حديث البراء رضي الله عنه قال : خطبنا النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم النحر فقال : (إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ... ) [99] .
قال الحافظ : هو دال على أنه لا ينبغي الاشتغال في يوم العيد بشيء غير التأهب للصلاة والخروج إليها ، ومن لازِمِهِ أن لا يُفعَل قبلها شيءٌ غيرها ، فاقتضى ذلك التبكير إليها [100] .
خامساً : خروج النساء والصبيان :
أ- أما النساء ففيه حديث أم عطية : أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نخرجهن في الفطر والأضحى : العواتق وذوات الخدور ، فأما الحُيّض فيعتزلن الصلاة ، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين [101] .
ويجب عليهن التستر وعدم السفور والطيب والزينة التي فيها فتنة للرجال ، وذلك لنصوص أخرى ليس هذا مجال سردها .
ولم يُصِبْ من رأى منعهن في الأزمنة المتأخرة لكثرة الفساد ، ولو حصر المنع في السافرات المتساهلات بالحجاب لكان صحيحاً ، أما التعميم فلا ؛ لأمرِ النبي ؛ حتى قال شيخ الإسلام : وقد يقال بوجوبها على النساء [102] .
ب- وأما خروج الصبيان فقد بوّب عليه البخاري ثم ساق حديث ابن عباس رضي الله عنهما : خرجت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم فطر أو أضحى فصلى ثم خطب [103] ... وفي رواية : ( ولولا مكاني من الصغر ما شهدته ) [104] أي لولا منزلتي عند النبي -صلى الله عليه وسلم- ما شهدته .
واشترط ابن بطال في خروج الصبي أن يضبط نفسه عن العبث ، وأن يعقل الصلاة ويتحفظ مما يفسدها .. وتعقبه الحافظ : بأن مشروعية إخراج الصبيان إلى المصلى إنما هو للتبرك وإظهار شعائر الإسلام بكثرة من يحضر منهم ، ولذلك شرع للحُيّض ؛ فهو شامل لمن تقع منهم الصلاة أو لا [105] .
سادساً : المشي إلى المصلى :
جاء في المشي إلى المصلى ثلاثة أحاديث مرفوعة وكلها ضعيفة كما قال الحافظ [106] ، وورد عن علي رضي الله عنه قوله : (من السنة أن يأتي العيد ماشياً) [107] قال الترمذي : والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهـل العلم يستحبون أن يخرج الرجل إلى العيد ماشياً ، وأن يأكل شيئاً قبل أن يخرج .اهـ[108] .
وفي سُنّية المشي إلى العيد حديثان مرسلان صحيحان عن ابن المسيب والزهري [109] .
قال مالك : نحن نمشي ومكاننا قريب ، وإن بَعُدَ ذلك عليه فلا بأس بالركوب [110] .
وقال أحمد : يستحب أن يذهبوا رَجّالة إلى العيدين والجمعة [111] .
وقال ابن المنذر : المشي إلى العيد أحسن وأقرب إلى التواضع ولا شيء على من ركب [112] .
سابعاً : التهنئة بالعيد :
أ- عن جبير بن نفير قال : (كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض : تقبّل الله منا ومنك) [113] .
ب- وعن محمد بن زياد الألهاني قال : (كنت مع أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه وغيره من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فكانوا إذا رجعوا يقول بعضهم لبعض : تقبل الله منا ومنك) [114] .
وصيغة التهنئة بالعيد تكون بحسب عرف أهل البلد ما لم تكن بلفظٍ محرم أو فيه تشبه بالكفار ؛ كأن يأخذ ألفاظ تهنئتهم بعيدهم .
ثامناً : مخالفة الطريق :
روى جابر رضي الله عنه : (كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا كان يوم عيد خالف الطريق) [115] .
وفعله -صلى الله عليه وسلم- تلمّس له العلماء حِكَماً عديدة جمع الحافظ منها أكثر من عشرين حكمة [116] .
وذكر منها :
1- لإظهار شعائر الإسلام . 2 - ليشهد له الطريقان .
3- لإظهار ذكر الله -تعالى- . 4- لإغاظة المنافقين أو اليهود .
5- السلام على أهل الطريقين . 6- أو تعليمهم .
7- أو الصدقة . 8- أو ليصل رحمه .
قال ابن القيم بعد ذكر عدد من الحِكَم : وقيل وهو الأصح : إنه لذلك كله ولغيره من الحِكَم التي لا يخلو فعله عنها [117] .
تاسعاً : الفرح بالعيد :
أ- روت عائشة رضي الله عنها : (دخل عليّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعندي جاريتان تغنيان بغناء بُعاث فاضطجع على الفراش وحوّل وجهه ، ودخل أبو بكر فانتهرني ، وقال : مزمارة الشيطان عند النبي ؟ ! فأقبل عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال : (دعهما) فلما غفل غمزتهما فخرجتا) [118] وفي رواية : (تغنيان بدف) [119] .
قال الحافظ : وفي هذا الحديث من الفوائد مشروعية التوسعة على العيال في أيام الأعياد بأنواع ما يحصل لهم من بسط النفس وترويح البدن من كلف العبادة ، وأن الإعراض عن ذلك أوْلى ، ومنه أن إظهار السرور في الأعياد من شعائر الدين [120] .
فتأمل فضل الله تعالى : يفرح المسلمون بالعيد ويؤجرون على هذا الفرح ؛ لأنه من شعائر الدين . ولكن ليُعلمْ أن هذا الفرح يجب أن يكون في حدود المشروع ، وأما إشغال الأعياد بالمنكرات والغناء فليس من الفرح المشروع بل من نزغ الشيطان ، ألا تراه في الرواية الأخرى قال : (تغنيان بدف) فيقتصر على ذلك ، والزيادة عليه ممنوعة لنصوص أخرى ليس هنا مجال ذكرها .
ب- اجتماع الناس على الطعام في العيد سنة ؛ لما فيه من إظهار هذه الشعيرة العظيمة ، قال شيخ الإسلام : جمع الناس للطعام في العيدين وأيام التشريق سنة وهو من شعائر الإسلام التي سنها رسول الله [121] .
--------------------
(1) صحيح ابن خزيمة ، 3/315 ، رقم (2161) ، وأخرجه أحمد ، 2/ 303 ، والحاكم وصححه ، 1/437 ، والبزار كما في كشف الأستار ، 1069 ، وحسنه الهيثمي في الزوائد ، 3/199 ، وصححه الشيخ شاكر في شرح المسند (8012) .
(2) أخرجه أبو داود في الصوم (2438) والترمذي في الصوم (757) .
(3) أخرجه أبو داود في الصوم (2419) ، والترمذي في الصوم (773) والنسائي في المناسك (5/252) .
(4) لطائف المعارف (482) .
(5) اقتضاء الصراط المستقيم ، 1/482 .
(6) أخرجه أحمد ] 4/350) ، وأبو داود في المناسك (1765) ، وابن خزيمة (4/294) ، وصححه ابن حبان (2800) .
(7) أخرجه مسلم في الحج (1347) ، وانظر : مجموع فتاوى شيخ الإسلام . (25/288) .
(8) انظر : المبسوط (2/37) ، وبدائع الصنائع (1/274) ، وتحفة الفقهاء . (1/275) .
(9) انظر : الشرح الصغير (1/523) ، والقوانين الفقهية (85) ، والأم (1/ 240) والمهذب (1/163) .
(10) انظر : المغني (3/253) وكشف القناع (2/55) .
(11) انظر المغني (3/254) .
(12) مجموع فتاوى شيخ الإسلام (23/161) .
(13) انظر : كتاب الصلاة ، لابن القيم (11) ، ونيل الأوطار (4/180) والمختارات الجلية ، للسعدي
(82) والشرح الممتع ، للعثيمين (5/151) .
(14) أخرجه البخاري في العيدين (989) ، ومسلم في العيدين (884) .
(15) أخرجه ابن ماجة في إقامة الصلاة (1293) ، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي (1/297) وصححه البوصيري في الزوائد (1/423) ، وحسنه الحافظ في البلوغ (517) .
(16) أخرجه مالك (1/162) ، والبخاري في الصلاة (444) ، ومسلم في صلاة المسافرين (714) وأهل السنن إلا ابن ماجه .
(17) انظر الشرح الممتع ، (5/204) .
(18) الاستذكار (7/95) .
(19) فتح الباري (2/552) ، وانظر الإجماع الأوسط لابن المنذر (4/270) ، وانظر الخلاف والحجج في هذه المسألة : فتح القدير لابن الهمام (1/424) ، والدر المختار (1/777) ، وبداية المجتهد (1/212) ، والمهذب (1/119) ، ومغني المحتاج (1/213) ، والمغني (3/280) ، وكشاف القناع
(2/62) ، والشرح الممتع (5/203) .
(20) كتاب الأم (1/389) ، وانظر فتح الباري (2/522) .
(21) المغني (3/260) .
(22) الشرح الممتع (5/162) .
(23) فتح الباري (2/530) .
(24) زاد المعاد (1/442) .
(25) المغني (3/267) .
(26) أخرجه البخاري في العيدين (960) ، ومسلم في العيدين (886) .
(27) أخرجه مسلم في العيدين (887) ، وأبو داود (1148) ، والترمذي (532) .
(28) انظر الاستذكار (7/10) .
(29) المغني (3/267) .
(30) انظر : زاد المعاد (1/442) .
(31) الاستذكار (7/21) .
(32) المغني (3/276) .
(33) الأوسط (4/271) .
(34) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (3/283) ، وابن أبي شيبة في المصنف (2/171) ، وابن المنذر في الأوسط (2171) ، عن الحسن البصري رحمه الله تعالى أن عثمان هو أول من قدم الخطبة على الصلاة وصححه الحافظ في الفتح (2/524) ، وعثمان -رضي الله عنه- إنما فعل ذلك اجتهاداً منه لما رأى الناس يتأخرون فتفوتهم الصلاة فحرصاً منه عليهم قدم الخطبة حتى يدركوا الصلاة ، انظر : فتح الباري (2/425) .
(35) أخرجه ابن أبي شيبة (2/170) وابن المنذر (2149) .
(36) المغني (3/276) .
(37) أخرجه عبد الرزاق (3/284) .
(38) أخرجه البخاري في العيدين (262) ، وفيه عن ابن عمر رضي الله عنهما نحوه (263) .
(39) مجموع الفتاوى (24/225) .
(40) المغني (3/271).
(41) أخرجه أحمد (2/180) ، وأبو داود (1152) ، وابن ماجه (1278) ، ونقل الحافظ تصحيحه عن أحمد وعلي بن المديني وقال الترمذي : سألت عنه البخاري فقال : هو صحيح ، انظر التلخيص(2/90) ، ونصب الراية (2/217) ، والاستذكار (7/49) .
(42) الشرح الممتع (5/178) .
(43) مجموع الفتاوى (24/220) .
(44) أخرجه أحمد (4/316) ، وحسنه الألباني في الإرواء (641) .
(45) أما المرفوع فأعله الدارقطني بعمر بن شيبة كما في نصب الراية (2/ 285) ، وجوّد إسناده سماحة الشيخ ابن باز ؛ لأن عمر ثقة وزيادته مقبولة إذا لم تكن متنافية ولا تنافي انظر الشرح الممتع (5/426) وأما الموقوف فأخرجه البخاري في الصحيح معلقاً ، ووصله في جزء رفع اليدين في الصلاة (105) ، وأخرجه أحمد في المسند (6/266) ، وصححه الحافظ بعد أن عزاه للبيهقي انظر : التلخيص (2/154) .
(46) انظره في التلخيص (2/154) وعزاه لسعيد بن منصور .
(47) انظر : المجموع (5/26) ، ومسائل أبي داود (59) ، والأوسط (4/ 282) .
(48) أخرجه البيهقي في السنن (3/291) ، وصححه الألباني في الإرواء(642) .
(49) السنن الكبرى (3/291) .
(50) مجموع الفتاوى (24/219) .
(51) المغني (3/275) .
(52) أسئلة وأجوبة في العيدين ، للشيخ ابن عثيمين (7) .
(53) أخرجه مسلم في العيدين (891) ، والترمذي (534) والنسائي (3/ 184) ، وابن ماجه (1291) .
(54)أخرجه مسلم في العيدين (878) ، والترمذي (533) ، والنسائي (3/ 184) ، وابن ماجه (1281) ، وانظر أيضاً حديث سمرة عند أحمد (5/7) ، وحديث ابن عباس عند ابن ماجة (1283) .
(55) أخرجه أحمد (5/57) وأبو داود (1157) والنسائي (3/180) وابن ماجه (1653) وصححه البيهقي في السنن الكبرى (3/316) والخطابي في معالم السنن (1/252) والنووي في المجموع (5/27) والحافظ في البلوغ (510) قال الخطابي : حديث أبي عمير صحيح فالمصير إليه واجب ، وكذا قال ابن المنذر في الأوسط (4/195) .
(56) انظر المغني (3/285) .
(57) أخرجه عبد الرزاق (5713) وابن أبي شيبة (2/183) وسعيد بن منصور كما في الفتح وصححه الحافظ (2/550) وعزاه الهيثمي للطبراني في الكبير وقال : ورجاله ثقات (1/223) .
(58) انظر : فتح الباري (2/550) .
(59) انظر : معرفة السنن والآثار (5/103) وشرح الزركشي على مختصر الخرقي (2/234) .
(60) أخرجه البيهقي في معرفة السنن والآثار (5/103) وانظر الفتح (2/ 551) .
(61) انظر شرح الزركشي (2/234) ، والإنصاف (2/234) .
(62) فتح الباري (2/550) وانظر المجموع (5/35) .
(63) انظر : شرح فتح القدير (2/78) ، والمبسوط (2/39) والمجموع (5/ 35) .
(64) الشرح الممتع (5/207) .
(65) مجموع الفتاوى (24/177- 178) وانظر أيضاً (26/170) .
(66) أخرجه أبو داود في الجمعة (1070) والنسائي في العيد (1592) وابن ماجه في الصلاة (1310) وصححه ابن خزيمة كما في البلوغ (483) .
(67) أخرجه أبو داود في الجمعة (1073) وابن ماجة في الصلاة (1311) وصححه البوصيري في الزوائد ، والألباني في صحيح أبي داود (948) .
(68) أخرجه أبو داود في الجمعة (1071) والنسائي في العيدين (1593) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (946) وقد حمل الخطابي فعل ابن الزبير على مذهب من يرى جواز صلاة الجمعة قبل الزوال كما هو مذهب ابن مسعود وعطاء ، ثم قال : فعلى هذا يشبه أن يكون ابن الزبير صلى الركعتين على أنهما جمعة وجعل العيد في معنى التبع لها ا هـ من معالم السنن بحاشية سنن أبي داود (1/647 648) وللمزيد في هذه المسألة انظر : مصنف عبد الرزاق (3/ 305) ومصنف ابن أبي شيبة (2/187) والأوسط (4/289) والأم (1/239) والتمهيد (10/274) والاستذكار (7/24) والمغني (3/242) .
(69) أخرجه أبو داود (1155) والنسائي (3/151) وابن ماجة (1290) قال أبو داود : هذا مرسل عن عطاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وقال النسائي : هذا خطأ والصواب أنه مرسل ، قال ابن التركماني : الفضل بن موسى ثقة جليل روى له الجماعة ، وقال أبو نعيم : هو أثبت من ابن المبارك وقد زاد ذكر ابن السائب فوجب أن تقبل زيادته انظر : الجوهر النقي (3/301) والحديث صححه الحاكم على شرطهما ووافقه الذهبي (1/295) .
(70) أخرجه ابن ماجة في العيدين (1289) وفي سنده إسماعيل بن مسلم المكي ، قال أبو زرعة : ضعيف وقال أحمد : منكر الحديث ، وقال النسائي : متروك ، وقد أجمعوا على ضعفه وفي سند الحديث أيضاً أبو بحر عبد الرحمن بن عثمان ضعفه أحمد وابن المديني وابن معين وغيرهم ، وانظر الميزان (1/248) والتهذيب (3/392) والزوائد (1/422) .
(71) أخرجه البخاري في العيدين (987) ومسلم في العيدين (885) .
(72) انظر الشرح الممتع (5/192) .
(73) اخرجه عبد الرزاق (5672) وابن أبي شيبة (2/190) والبيهقي (3/ 299) .
(74) مجموع الفتاوى (22/393) .
(75) زاد المعاد (1/447) .
(76) زاد المعاد (1/186) .
(77) أخرجه ابن ماجة في العيدين (1287) وراوي الحديث عبد الرحمن بن سعد ضعفه ابن معين ، وقال البخاري : فيه نظر انظر التهذيب (3/366) رقم . (4417) وأبوه وجده لا يعرف حالهما .
(78) مرسل صحيح أخرجه ابن أبي شيبة ، انظر الإرواء (3/121) .
(79) أخرجه البخاري في العيدين (956) ومسلم في العيدين من حديث جابر (885) .
(80) انظر : المغني (3/278) .
(81) أخرجه البخاري في العيدين (978) ومسلم في العيدين (885) .
(82) المغني (3/255) .
(83) انظر مثلاً : الأوسط (4/249) والسنن الكبرى (3/279) والأم (1/ 231) .
(84) أخرجه البخاري في العيدين (971) ومسلم في العيدين (890) .
(85) صحيح البخاري ، كتاب العيدين (948) وأخرجه مسلم في اللباس (2068) .
(86) المغني (3/257) .
(87) أخرجه البيهقي (3/281) وعزاه الحافظ لابن أبي الدنيا وصححه انظر : الفتح (2/510) .
(88) انظر الأوسط (4/265) والمغني (3/258) .
(89) أخرجه مالك (177) وعبد الرزاق (3/310) والبغوي في شرح السنة (2/167) .
(90) انظر : الشرح الممتع (5/166) .
(91) أخرجه البخاري في العيدين (953) وابن ماجه (1754) وابن خزيمة(1429) .
(92) أخرجه ابن حبان (2814) ، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي (1/ 294) .
(93) فتح الباري (2/518) .
(94) أخرجه أحمد (5/352) والترمذي في الصلاة (542) وابن ماجة (1756) والدارمي (1/375) وصححه ابن حبان (2812) والحاكم (1/284) ونقل الحافظ تصحيح ابن القطان له انظر التلخيص (2/90) .
(95) المغني (3/259) .
(96) فتح الباري (2/520) .
(97) فتح الباري (2/518) .
(98) الشرح الممتع (5/161) .
(99) صحيح البخاري كتاب العيدين (968) وفي الباب عن أبي سعيد عند البخاري (956) ومسلم (889) .
(100) فتح الباري (2/530) .
(101) أخرجه البخاري في العيدين (974) ومسلم في العيدين (890) .
(102) الاختيارات الفقهية (82) .
(103) أخرجه البخاري في العيدين (975) ومسلم في العيدين (884) .
(104) هذه الرواية للبخاري في العيدين (977) .
(105) فتح الباري (2/540) .
(106) انظر سنن ابن ماجه (1/114) أرقام (1294- 1295- 1297) وانظر الفتح (2/523) .
(107) أخرجه الترمذي وحسنه (530) وابن ماجه (1296) والبيهقي (3/ 281) .
(108) جامع الترمذي (2/410) .
(109) أما مرسل سعيد فأخرجه الفريابي في أحكام العيدين (18) وأما مرسل الزهري فأخرجه الفريابي [27] والبيهقي في معرفة السنن والآثار (5/57) رقم (6834) وصححهما الألباني في الإرواء (3/103 104) .
(110) الأوسط (4/264) وفي المغني نسبه لأحمد (3/262) .
(111) مسائل أحمد لابنه عبد الله (128) .
(112) الأوسط (4/264) .
(113) قال الحافظ : رويناه في المحامليات بإسناد حسن انظر : الفتح (2/ 517) .
(114) قال الإمام أحمد : إسناده جيد كما نقله ابن التركماني في الجوهر النقي . (1/253) وانظر في الذيل على السنن للبيهقي (3/320) وحسنه السيوطي في وصول الأماني [19] وانظر إعلاء السنن للتهانوي (8/120) وفتاوى شيخ الإسلام (24/253) .
(115) بوب عليه البخاري في صحيحه كتاب العيدين ثم ذكره (986) .
(116) فتح الباري (2/548) .
(117) زاد المعاد (1/449) .
(118) أخرجه البخاري في العيدين (949) ومسلم في العيدين (892) .
(119) هذه الرواية لمسلم (892) .
(120) فتح الباري (2/514) .
(121) مجموع الفتاوى (25/298) .
(( مجلة البيان ـ العدد [135] صــ 8 ذو القعدة 1419 ـ مارس 1999 ))
(( مجلة البيان ـ العدد [136] صــ 18 ذو الحجة 1419 ـ أبريل 1999 ))
أمين المستغانمي
2013-10-15, 10:16
صيغ وألفاظ نكبيرات العيد
أحمد إسكينيد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ....
أما بعد :
فهذه صيغ تكبيرات العيد التي وردت عن بعض الصحابة الكرام ، والتي اختارها بعض أهل العلم ...
قال تعالى ((ولتكبروا الله على ما هداكم ))
قال النووي :
\"إن قال ما أعتاده الناس فهو حسن وكل هذا على التوسعة ولا حجر في شيءٍ منها\"
[الأذكار (202) طبعة دار التقوى] .
وقال الصنعاني :
\"وفي الشرح صفات كثيرة عند عدة من الأئمة وهو يدل على التوسعة في الأمر والإطلاق في الآية يقتضي ذلك\"
[سبل السلام (2/101) طبعة دار الحديث] .
وجاء في التكبير آثار متعددة عن الصحابة بألفاظٍ متنوعة فمن ذلك :
((الله أكبر الله أكبر لاإله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد))
\"روي عن سعيد بن جبير ومجاهد وعبد الرحمن بن أبي ليلى\"
[لطائف المعارف (ص364) طبعة دار الحديث] .
وقال إبن قدامة :
\"وهو قول عمر وعلي وابن مسعود وبه قال الثوري وابو حنيفة وأحمد واسحاق\"
[المغني (3/290) طبعة دار الهجرة] .
وممن أختار هذا القول :
الحافظ ابن رجب الحنبلي [لطائف المعارف (ص364) طبعة دار الحديث] .
شيخ الإسلام ابن تيمية [مجموع الفتاوى (24/220) طبعة إدارة البحوث العلمية والإفتاء] .
الشيخ الألباني [تمام المنة (ص356) طبعة دار الراية] .
الشيخ ابن عثيمين [الشرح الممتع (5/225) طبعة مؤسسة آسام للنشر] .
الشيخ عبد المحسن العباد [كتب ورسائل عبد المحسن العباد (5/262) طبعة دار التوحيد] .
((الله أكبر كبيراً الله أكبر كبيرا الله أكبر وأجل الله أكبر ولله الحمد))
رواه الدارقطني في سننه [(2/25) (1721) طبعة المكتبة العصرية] .
وصححه الألباني في الإرواء [(3/126) طبعة المكتب الإسلامي] .
واختاره الشيخ الفوزان [الملخص الفقهي (220) طبعة دار الآثار] .
((الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً))
اختاره النووي في الأذكار [الأذكار (ص202) طبعة دار التقوى] .
((الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد))
[رواه إبن ابي شيبة في مصنفه (2/165) طبعة دار الفكر] .
((لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد))
قال الشوكاني :
\"جاء عن عمر وابن مسعود\"
[نيل الأوطار (3/330) طبعة دار الحديث] .
((الله أكبر الله أكبر الله أكبر))
وبه قال مالك والشافعي [المغني (3/290) طبعة دار الهجرة] .
((الله أكبر اله أكبر الله أكبر كبيراً))
رواه البيهقي عن سلمان [السنن الكبرى (3/316) طبعة دار المعرفة] .
واختاره ابن حجر [فتح الباري (2/462) طبعة المكتبة العصرية] .
والشوكاني [نيل الأوطار (3/330) طبعة دار الحديث] .
((الله أكبر الله اكبر الله اكبر ولله الحمد الله اكبر واجل الله أكبر على ما هدانا))
رواه البيهقي عن إبن عباس [السنن الكبرى (3/315) طبعة دار المعرفة] .
وقال الألباني سنده صحيح [الإرواء (3/125) طبعة المكتب الإسلامي] .
((الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد))
أجازها إبن تيمية [مجموع الفتاوى (24/220) طبعة إدارة البحوث العلمية والإفتاء] .
وابن عثيمين [الشرح الممتع (5/225) طبعة مؤسسة آسام للنشر] .
((الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله اكبر الله اكبر ولله الحمد))
أجازها ابن عثيمين [الشرح الممتع (5/225) طبعة مؤسسة آسام للنشر] .
أمين المستغانمي
2013-10-15, 10:17
الجواب السديد لمن سأل عن تكبيرات صلاة العيد
أحمد إسكينيد
مقدمة .....
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ...
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ...
َيا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ...
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً ...
فإن خير الحديث كلام الله، وخير الله الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فهذه أجوبة مختصرة ، عن بعض الأسئلة التي تخص تكبيرات الزوائد في صلاة العيد ....
السؤال الأول :
متى تقال التكبيرات ؟
الجــــواب :
اختلف الفقهاء في موضع هذه التكبيرات على قولين :
القول الأول :
تُقال بعد دعاء الاستفتاح .
أي أن المصلي يبدأ في التكبير بعد دعاء الاستفتاح وقبل التعوذ والقراءة .
وهذا قول الحنفية [حاشية ابن عابدين (2/172)] ، والشافعية [الأم (1/395)] ، ورواية عن أحمد [شرح الزركشي (2/223)] .
واستدلوا :
أن دعاء الاستفتاح شُرع للصلاة ، فيكون في أول الصلاة ، ويأتي بعدها التكبيرات ثم التعوذ ثم القراءة .
قال النووي : \"مذهبنا أن تكبيرات الزوائد تكون بين دعاء الاستفتاح والتعوذ\" [المجموع (5/20)] .
وقال أيضاً :\"ويكون التكبير في الأولى بين دعاء الإستفتاح وبين التعوذ وفي الثانية قبل التعوذ\" [الأذكار (ص202)] .
واختار هذا القول الإمام السرخسي [المبسوط (2/42)] .
وأختار هذا القول أيضاً الشيخ بن باز [شرح بلوغ المرام (519)] .
والشيخ الفوزان [الملخص الفقهي (ص213)] .
وبذلك أفتت اللجنة الدائمة [فتاوى اللجنة الدائمة (1732)] .
القول الثاني :
تُقال قبل دعاء الاستفتاح .
أي أن المصلي يبدأ في تكبيرة الإحرام ثم يُكبر ثم يدعوا دعاء الاستفتاح ويتعوذ ويقرأ .
وهذه رواية عن أحمد [التمام (1/243)] .
وقالوا : إن الاستفتاح يليه الاستعاذة وهي قبل القراءة .
القول الثالث :
أن المُصلي مُخير في ذلك .
وهي رواية عن أحمد حكاها المرداوي [الإنصاف (5/341)] .
الراجـــــــح :
الأمر فيه سعة فإن أخذ بالقول الأول فلا حرج عليه .
وإن أخذ بالقول الثاني فلا حرج عليه .
السؤال الثاني :
كم عدد التكبيرات في صلاة العيد ؟
الجــــواب :
اختلف الفقهاء في عدد التكبيرات في صلاة العيد على ثلاثة أقوال :
القول الأول :
يُكبَر ثلاث تكبيرات بعد تكبيرة الإحرام ، وثلاث تكبيرات في الثانية بعد القراءة وقبل الركوع .
وهذا قول الحنفية [حاشية إبن عابدين (2/172)] ، ورواية عن أحمد [الإنصاف (2/341)] .
واستدلوا :
بما روي عن إبن مسعود رضي الله عنه أنه كبر أربعاً ثم قرأ ثم كبر فركع ، ثم يقوم في الثانية ثم يُكبر أربعاً .
[رواه ابن عبد الرزاق في مصنفه (5687) كتاب العيدين باب التكبير في الصلاة ، وصححه ابن حزم في المحلى (5/83)] .
وبما روي عن إبن عباس رضي الله عنه أنه كبر أربعاً ثم قرأ ثم كبر فركع ، ثم يقوم في الثانية ثم يُكبر أربعاً .
[رواه ابن عبد الرزاق في مصنفه (5687) كتاب العيدين باب التكبير في الصلاة] .
القول الثاني :
يُكبر سبع تكبيرات مع تكبيرة الإحرام ، وستة مع تكبيرة القيام للركعة (أي قبل القراءة) .
وهذا قول مالك [المدونة (1/169) ، الكافي (1/264)] ، ومذهب الحنابلة[المغني(3/271)] .
واختاره هذا القول شيخ الإسلام إبن تيمية [مجموع الفتاوى (20/365)] ، وتلميذه إبن القيم [زاد المعاد (1/444)] .
واستدلوا :
بما روي عن إبن عمر أنه شهد الضحى والفطر مع أبي هريرة فكبَرَ في الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة ، وفي الآخرة ستَ تكبيرات قبل القراءة .
[رواه أبي داود في سننه (1151) كتاب الصلاة باب التكبير في العيدين ، والترمذي في جامعه (536) كتاب الجمعة باب ما جاء في التكبير في العيد ، وابن ماجة في سننه (1297) كتاب إقامة الصلاة باب ما جاء في تكبير الإمام في صلاة العيد] .
قال مالك \"وهو الأمرُ عندنا\" [الموطأ (ص115) ، وشرح الزرقاني على الموطأ (1/513)] .
وقال ابن عبد البر \"وعليه جرا عمل أهل المدينة\" [الاستذكار (8/53) ] .
وبما روي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُكبر في الفطر والأضحى في الأولى سبع تكبيرات ، وفي الثانية خمس تكبيرات سوى تكبيرة الركوع .
[رواه أبي داود في سننه (1149) (1150) كتاب الصلاة باب التكبير في العيد ، وابن ماجة في سننه (1280) كتاب إقامة الصلاة باب ما جاء في تكبير الإمام في صلاة العيد ، والدار قطني في سننه (2/46) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1019)] .
وأختار هذا القول الشيخ عبد العزيز بن باز [شرح بلوغ المرام (519)] .
وأختار هذا القول أيضاً الشيخ عبد المحسن العباد [كتب ورسائل عبد المحسن العباد (5/260)] .
القول الثالث :
يُكبر سبع تكبيرات بعد تكبيرة الإحرام ، وخمس تكبيرات بعد تكبيرة القيام .
وهو قول الشافعية [الأم (1/395)] ، واختاره ابن عبد البر [الكافي (1/264)] ، وابن حزم [المحلى (5/83)] .
واستدلوا :
بما روي عن إبن عمر أنه شهد الضحى والفطر مع أبي هريرة فكبَرَ في الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة ، وفي الآخرة ستَ تكبيرات قبل القراءة .
مع قولهم :
أن الراوي حكى التكبيرات بدون تكبيرة الإحرام ، ولا تكبيرة القيام للركوع .
الراجـــــــح :
مما سبق ، وبعد النظر في الأدلة يتبين اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في عدد التكبيرات .
فيُرجح أنها كلها جائزة .
قال أحمد \"والكل جائز\" [الفروع لأبن مفلح (2/139)] .
واختار قول الإمام أحمد الشيخ ابن عثيمين [الشرح الممتع على زاد المستنقع (5/179)] .
السؤال الثالث :
هل يرفع يديه عند التكبيرات أم لا يرفع ؟
الجــــواب :
اختلف الفقهاء في رفع اليدين لتكبيرات في صلاة العيد عل قولين :
القول الأول :
يرفع المصلي يداه مع التكبيرات .
وهذا قول الحنفية [حاشية ابن عابدين (1/174)] ، ومذهب الشافعية [فتح العزيز (5/51)] ، ومذهب الحنابلة [المغني (3/272)] ، وقول مالك [عقد الجواهر (1/421)] .
واستدلوا :
قياساً أن التكبيرات وقعت في حال القيام فأشبهت تكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع .
وبما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يرفع يديه مع كل تكبيرة في الجنازة والعيدين[رواه البيهقي في الكبرى (3/293)] .
وبما روي عن ابن عمر كان يرفع يديه على كل تكبيرة من تكبيرات الجنائز [رواه البيهقي في الكبرى (4/44)] .
ووجه الدلالة هنا :
أنهم قاسوا تكبيرات العيد بتكبيرات الجنائز والمعروف في أصول الفقه :
((أن القياس الصحيح هو إلحاق فرع بأصل لعلة تجمع بينهما ، فمتى نص الشارع على مسألة ووصفها بوصف ، ثم وجد ذلك الوصف في مسألة أخرى لم ينص الشارع على عينها من غير فرقٍ بينها وبين المنصوص وجب إلحاقُها بها في حكمها ، لأن الشارع الحكيم لا يُفرق بين المتماثلات في أوصافها)) [رسالة لطيفة جامعة في أصول الفقه المهمة (ص22)] .
واستدلوا بما روي عن عطاء أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة ومن خلفه يرفعون أيديهم [مصنف ابن أبي شيبة (2/491) (11382) ] .
وممن اختار الرفع الإمام النووي [المجموع (5/26)] .
والجوزجاني [الأصل (1/338)] .
وابن قدامة المقدسي [المغني (2/119)] .
وابن القيم [زاد المعاد (1/443)] .
والطحاوي [مختصر أخلاق الفقهاء (1/373)] .
واستحب ذلك سيد صادق [فقه السنة (1/319) ] .
والشيخ بن باز [التعليق على فتح الباري (3/266)] .
واللجنة الدائمة [فتاوى اللجنة الدائمة (10577)] .
والفوزان [الملخص الفقهي (ص214)] .
وجاء عن مالك بن أنس أنه قال \"أرفع يديك في كل تكبيرة\" [أحكام العيدين للفريابي (ص182)] .
وجاء عن يحيى بن معين أنه قال \"أرى أن تُرفع الأيدي في كل تكبيرة\" [سؤلات الدوري (3/464)] .
وقال ابن قدامة \"وجملته أنه يُستحبُ أن يرفع يديه\" [المغني (2/119)] .
وقال ابن القيم \"وكان ابن عمر مع تحريه للإتباع يرفع يديه مع كل تكبيرة\" [زاد المعاد (1/443)] .
وقال الشيخ بن باز عن حديث ابن عمر \"ويكفي ذلك دليلاً على شرعية رفع اليدين\" [التعليق على فتح الباري (3/190)] .
وقال أيضاً \"ودلالة رفع اليدين في جميع التكبيرات كما رفع كما فعل عمر رضي الله عنه\" [شرح منتقى الأخبار (1673)] .
القول الثاني :
لا يرفع يديه مع التكبيرات .
وهو قول المالكية [عقد الجواهر (1/421)] .
واستدلوا :
أنه ليس في رفع اليدين مع التكبيرات سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وقال مالك \"ولا يرفع يديه في شيءٍ من تكبيرات صلاة العيدين إلا في الأولى\" [المدونة (1/169)] .
واختار ذلك ابن حزم الظاهري [المحلى (5/128)] .
وضعف الألباني ما روي عن ابن عمر أنه كان يرفع يديه على كل تكبيرة من تكبيرات الجنازة [إرواء الغليل (3/112)] .
ورد رحمه الله على الشيخ بن باز في تصحيحه لرواية ابن عمر [أحكام الجنائز (148)] .
وقال رحمه الله \"وأما تصحيح بعض العلماء الأفاضل لرواية الرفع في تعليقٍ له على فتح الباري (3/190) فهو خطأ ظاهر كما لا يخفى على العارف بهذا الفن\" [أحكام الجنائز (148)] .
وقال أيضاً \"لا يُسن ذلك لأنه لم يثبُت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وكونه روي عن عمر وابنه لا تجعله سنة\" [تمام المنة (348)] .
وقال أيضاً \"ولم نجد في السنة ما يدلُ على مشروعية الرفع في غير التكبيرة الأولى فلا نرى مشروعية ذلك وهو مذهب الحنفية وغيرهم واختاره الشوكاني وإليه ذهب ابن حزم\" [أحكام الجنائز (ص148)] .
وقال الشيخ عبد المحسن العباد \"ولم أقف على دليل يدل على رفع اليدين في تكبيرات العيد\" [كتب ورسائل عبد المحسن العباد (5/260)] .
وقال الشيخ يحيى الحجوري \"أما رفع اليدين فلم يثبُت فيه دليل عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا تكبيرة الإحرام\" [إتحاف الكرام بأجوبة أحكام الزكاة والحج والصيام (ص404)] .
\"ولم يثبُت عن النبي صلى الله عليه وسلم رفع اليدين في صلاة العيد مع التكبير شيء ، وإنما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما واسناده ضعيف\" [تيسير حفظ صفة صلاة النبي (ص28)] .
الراجـــــــح :
الراجح والله أعلم هو القول الثاني القائل بعدم الرفع لعدم ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ومع ذلك إذا رفع يديه فلا حرج عليه .
وسمعت الشيخ صالح اللحيدان يقول \"إن رفع فلا حرج وإن لم يرفع فلا حرج\" [من دروس الحرم المكي (1424هـ)] .
السؤال الرابع :
إذا رفع المصلي يداه مع التكبيرات هل يسدل أم يقبض بعد أن يُكبر ؟
الجواب :
إذا قلنا أن المصلي أخذ بقول الحنفية والشافعية والحنابلة وإبن القيم وإبن قدامة والنووي والطحاوي وبن باز والفوزان .
وكما أسلفنا أنه لا حرج عليه في ذلك ...
لكن إذا رفع هل عندما يُنزل يديه هل يقبض أم يُرسل .
فالجواب على ذلك أن الفقهاء اختلفوا في ذلك :
فمنهم من قال يقبض وهو قول الحنفية [حاشية إبن عابدين (2/175)] .
ومنهم من قال لا يقبض بل يُرسل وهو قول الشافعية [الحاوي (3/116)] .
الراجـــــــح :
الراجح في هذه المسألة أن الأمر واسع ، فإن شاء قبض وإن شاء أسدل .
السؤال الخامس :
ماذا يقول بين التكبيرات ؟
الجواب :
اختلف الفقهاء في ماذا يقول المصلي بين التكبيرات على قولين :
القول الأول :
لا يُقال شيء .
وهو قول الحنفية [حاشية ابن عابين (2/175)] ، والمالكية [عقد الجواهر (1/241)] .
قال إبن عبد البر \"وليس بين التكبير ذكر ولا دعاء لا قول إلا السكوت دون حد\" [الكافي (1/264)] .
القول الثاني :
يُستحب للمصلي أن يهلل الله تعالى ويُكبره ويحمده .
وهذا قول الشافعية [الحاوي (3/116) ، الأم (1/395)] ، والحنابلة [المغني(3/274)] .
واستدلوا :
بما روي عن عبد الله بن مسعود أنه سُئل ماذا يُقال بين التكبيرات فقال \"يُحمد الله ويُثنى عليه ويُصلى على النبي صلى الله عليه وسلم\"
[رواه الطبراني في المعجم الكبير (2/37) ، وصححه الألباني في الإرواء (642)] .
وأختار ذلك الشوكاني [نيل الأوطار (3/314)] .
واللجنة الدائمة [فتاوى اللجنة الدائمة (10557)] .
والشيخ الفوزان [الملخص الفقهي (ص214)] .
وقال \"يُسن أن يقول بين التكبيرات الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً وصلى الله على محمد النبي وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً\" [الملخص الفقهي (214)] .
فصل :
هل يجوز أن يقول ذكراً آخراً غير هذه الأذكار ؟
الجواب :
أفتت اللجنة الدائمة \"لا نعلم فيها سنة ثابتة\" [فتاوى اللجنة الدائمة (7287)] .
وقال الفوزان \"وان أراد أن يذكر غير هذا فلا بأس لأنه ليس فيه ذكر معين\" [الملخص الفقهي (ص214)] .
السؤال السادس :
ماذا يفعل المصلي إذا نسي التكبيرات ؟
الجواب :
إذا بدأ المُصلي في القراءة ونسي التكبيرات فاختلف الفقهاء في ماذا يفعل الإمام على قولين :
القول الأول :
يرجع ويُكبر التكبيرات ويُعيد القراءة ويسجد للسهو .
وهو قول الحنفية [بدائع الصنائع (1/378)] ، والمالكية [عقد الجواهر (1/244)] ، والشافعية [فتح العزيز (5/16)] ، والحنابلة [الشرح الكبير (5/356)] .
واختار ذلك الكسائي [بد الصنائع (1/278)] .
وإبن عبد البر [الكافي (1/264)] .
واستدلوا :
أن محل التكبير القيام ، فلم يفوت محله بعد ، فيُمكن الرجوع إليه .
القول الثاني :
لا يرجع ، وإن شاء سجد للسهو ، وإن شاء لا يسجد .
وهو قول للشافعية واختاره النووي [المجموع (5/18) ، الأذكار (ص202)] .
وقول للحنابلة واختاره ابن قدامة [المغني (3/375)] .
واستدلوا :
أن التكبيرات قبل القراءة فإذا شرع في القراءة فات محلهن ، وهو ذكر مسنون مثل دعاء الاستفتاح فإذا فات محله لم يرجع إليه .
الراجـــــــح :
الراجح في هذه المسألة والله أعلم هو القول الثاني .
قال الشوكاني \"والظاهر عدم وجوب التكبير كما ذهب إليه الجمهور لعدم وجود دليل يدل عليه\" [نيل الأوطار (3/314)] .
واختار ذلك الشيخ الفوزان [الملخص الفقهي (ص213) (ص215)] .
أمين المستغانمي
2013-10-15, 10:18
العيد: لُّحمةٌ ورحمة
أحمد بن عبد المحسن العساف
العيدُ يومٌ جديدٌ يُفيضُ على الحياةِ معنىً جديداً لمْ يكُ حاضراً فيها منْ قبل، فالعيدُ يومٌ واحدٌ يختلفُ عنْ باقي الأيَّام؛ وزمنٌ قصيرٌ قدْ يُقضى فيه مالا يكونُ في عمرٍ طويل، وهذا منْ فضلِ اللهِ على النَّاسِ يومَ شرعَ لهم الأعياد وجعلَها موضعَ اتفاقٍ بينهم، وهي أعيادٌ شرعيةٌ تجيءُ بعدَ مواسمَ فاضلةٍ فيها البركاتُ والرَّحمات؛ فما أعظمَ فضلَ اللهِ على عبادِه حينَ جعلَ توديعَهم للمواسمِ في يومي عيدٍ لا مثيلَ لهما؛ فقدْ جاءا بوحيٍ ربَّاني على النَّبي الخاتمِ -صلى الله عليه وسلم- ولذا اتَّصلا بالسماءِ في معانيهِما الجميلةِ واتَّصفا بخيرٍ مشهودٍ للفردِ والمجتمع.
ولأنَّ العيدَ يحوي كثيراً منْ القيمِ النبيلةِ يفرحُ بهِ الجميع؛ فلكلِّ واحدٍ فيه مطلبٌ وأمنيةٌ يسعى في تحقيقِها اقتباساً منْ خيراتِه، غيرَ أنَّ أسمى المطالبِ ما كانَ خالصاً لوجهِ الله ونافعاً للكافَّةِ دونَ تحجيرٍ على رغباتِ الأفرادِ مادامتْ شرعيةً ومقبولة؛ إذْ لا يخلو فكرٌ منْ غايةٍ ولا تنفكُّ نفسٌ عنْ بُغية.
ومنْ المعاني التي يأتي بها العيد: معنى اللُّحمةِ والوحدةِ وشعورِ الجسدِ الواحد؛ فكمْ نحنُ بحاجةٍ للتَّلاحمِ على مستوى الأمَّةِ الكبيرةِ وعلى مستوى الأقطارِ المختلفةِ فما دونها، ومنْ أعظمِ صورِه أنْ يكونَ المرجعُ الأعلى للتَّحاكمِ وحلِّ الخلافاتِ واحداً، ومنْ اللُّحمة أنْ لا يبخسَ الحاكمُ حقوقَ شعبهِ وألاَّ يتكاسلَ الشَّعبُ عنْ أداءِ حقوقِ ولاةِ الأمرِ والأمَّة، ومنها فتحُ البابِ والقلبِ والعقلِ لأيِّ رأيٍ سديدٍ أوْ قولٍ وجيهٍ بلا تثريبٍ أوْ عقاب، وألاَّ تُظلمَ فئاتٌ بسببٍ إقليمي أوْ اجتماعي أوْ طائفي معْ مراعاةِ أحكامِ الشريعةِ ومقتضياتِ المصلحةِ العامَّةِ، وما أجلَّ تعميمَ الحرصِ على وحدةِ الصَّفِ بمقتضى الشريعةِ المطهرة، وأيُّ حلمٍ لذيذٍ ذاكَ الذي يقودُ لتوحيدِ المجاهدينَ في البلدانِ المحتلَّةِ تحتَ رايةٍ شرعيةٍ واحدةٍ ولغايةٍ ساميةٍ مشتركةٍ تتلَّخصُ في طردِ المعتدي وتحكيمِ أمرِ الله، وما أجملَ أنْ يصيرَ العيدُ يوماً لرأبِ صدعِ الأسرِ وإصلاحِ ذاتِ البينِ وإعادةِ معنى السكنِ لحياةِ الزَّوجيةِ المتعثرة.
ومن معاني العيد: معنى الرَّحمةِ والرِّفق، وما أسعدَ المجتمعَ إذْ يتراحمُ أهلُه، فكمْ بيننا منْ فقيرٍ ومعوزٍ لا يجدُ قوتَ بعضِ يومهِ ولا يعرفُ جواباً يسكتُ بكاءَ صغاره؛ وبالرَّحمةِ الفطريةِ لا يبقى على ظهرِها فقيرٌ يتضوَّرُ وفينا مَنْ يعيشُ في بحبوحةٍ باذخةٍ لا يمكنُ تصوُّرها فضلاً عنْ تصويرِها، وفي مجتمعِ المسلمينَ أيتامٌ فقدوا العائلَ بحنانِه ونصحِه وحدبه؛ ومعْ ما للمؤسساتِ المعنيةِ منْ جهودٍ مباركةٍ إلاَّ أنَّ كفالةَ اليتيمِ ورحمتَه والإحسانَ إليه وجبرَ كسرِه فضائلٌ نعرفُها لكنَّنا قدْ ننساها على أرضِ الواقع، وفينا أراملٌ ومطلَّقاتٌ ينهشُ الوقتُ نضارتهنَّ وتقتلُ أنظارُ النَّاسِ البقيةَ الباقيةَ منْ سعادتهن، ومعْ كثرةِ جمعياتِ الزَّواجِ وعظمِ بركتِها إلاَّ أنَّ الالتفاتَ لهذينِ الصنفينِ منْ النِّساءِ معدومٌ أوْ محدودٌ حتى باتا نهباً لغيرِ الجادِّينَ منْ الرِّجالِ في سوقِ التجرِبةِ وموتِ المروءة، وفي السجونِ والمعتقلاتِ أناسٌ حُرموا فرحةَ العيدِ وأنسَ القربِ منْ الأهل؛ حيثُ تمنعُ القضبانُ البهجةَ منْ الزِّيارة؛ ويزحفُ اليومُ على المظلومِ منهم بتثاقلٍ كليلٍ طويلٍ لمْ ينجلِ بصبحِ عدلٍ أوْ فجرِ شهامة.
وليسَ للعيدِ مذاقٌ بلا وحدةٍ ولحُّمة؟ وأيُّ جمالٍ لعيدٍ بلا تسامحٍ ورحمة؟ ومنْ خيرِ التَّلاحمِ ما ترعاه وسائلُ الإعلامِ والتوجيه؛ فهلْ ستنضجُ منابرُنا الثقافيةِ لتعينَ على الاتحاد؟ وهلْ سنرى يداً "تشترى حسنَ الثناءِ بفعالها" تعيدُ للإعلامِ توازنَه وترحمُ مجتمعنَا ممَّنْ يحاولُ تجريدَه منْ دينهِ وتبديلَ قيمهِ وتشطيرَ أهله؟ وهلْ سنعيشُ تلاحماً شعبياً ورسمياً في سبيلِ إشاعةِ معاني الرَّحمةِ واللُّحمةِ في المجتمعِ حتى لا تقومَ قائمةٌ للسوءِ أيَّاً كانَ لبوسه؛ وحتى ننعمَ بثمارِ دعوةِ نبي الله إبراهيمَ دونَ إفسادِ مجاهرٍ أوْ تنغيصِ غالٍ أوْ غوايةِ وسيلةٍ أوْ غثاثةِ مرجف؟ ألا يكونُ فينا رجالٌ ونساءٌ يحملونَ همَّ المجتمعِ في كلِّ طبقاته وفئاته للإصلاحِ والبناءِ والتطويرِ ولو طالَ الزَّمانُ وتطاولَ الباطل، فللحقِّ دوماً بعدَ الخفوتِ ظهورٌ وبعدَ الذَّهابِ أوبة، وليسَ بعزيزٍ على الله أنْ يرتقي العملُ الاجتماعيُ المباركُ ليدخلَ كلَّ حيٍّ وحارةٍ وبيتٍ حاملاً معه بذورَ الرَّحمةِ وجذورَ اللُّحمةِ لننطلقَ إلى أفقٍ رحبٍ من العملِ والتَّصحيحِ.
أحمد بن عبد المحسن العسّاف-الرِّياض
الجمعة 28 من شهرِ رمضانَ الكريمِ عام
1430
أحكام العيد وآدابه
خالد بن سعود البليهد
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. وبعد فإن الله شرع لهذه الأمة عيدين عظيمين لإظهار الفرح والسرور وشكر الله على إتمام العبادة. قال ابن رجب: ( العيد هو موسم الفرح والسرور وأفراح المؤمنين وسرورهم في الدنيا إنما هو بمولاهم إذا فازوا بإكمال طاعته وجازوا ثواب أعمالهم بوثوقهم بوعده لهم عليها بفضله ومغفرته كما قال تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ). قال بعض العارفين: ما فرح أحد بغير الله إلا بغفلته عن الله فالغافل يفرح بلهوه وهواه والعاقل يفرح بمولاه).
يسن ليلتي العيد التكبير وذكر الله حتى يؤدي الصلاة في عيد الفطر قال ابن قدامة في المغني: (ويظهرون التكبير في ليالي العيدين وهو في الفطر آكد، لقول الله تعالى: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) وجملته أنه يستحب للناس إظهار التكبير في ليلتي العيد في مساجدهم ومنازلهم وطرقهم مسافرين أو مقيمين، لظاهر الآية المذكورة). وثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما (أنه كان يكبر يوم العيد حتى يأتي المصلى ويكبر حتى يأتي الإمام). رواه الفريابي. وأما في عيد الأضحى فيمتد التكبير إلى آخر أيام التشريق لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله). رواه مسلم. وقال البخاري في صحيحه: (وكان عمر رضي الله عنه يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل السوق حتى ترج منى تكبيرا. وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام، وخلف الصلوات، وعلى فراشه، وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه، تلك الأيام جميعا).
.
ولا تخص ليلتي العيدين بمزيد قيام أو فضل ولا يشرع لها اجتماع لأنه لم يرد في الشرع ما يدل على تخصيصهما وما روي في ذلك منكر لا يصح منه شيء فهما كسائر الليالي ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه تخصيصها بشيء وإنما روي إحيائهما عن طائفة من التابعين وهو قول مرجوح وهذا اجتهاد منهم لأن الناس تغفل غالبا عن العبادة في تلك الليلة ولا حرج على أحد في الصلاة فيها منفردا لمن كانت له عادة أو وجد نشاطا لكن لا يجوز الاعتقاد بأن لها مزية أو فضل مخصوص في الشرع. قال ابن القيم في بيان هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في ليلة الأضحى: (ثم نام حتى أصبح ولم يحي تلك الليلة ولا صح عنه في إحياء ليلتي العيد شيء).
ويحرم صوم يومي العيد لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين يوم الفطر ويوم النحر). رواه مسلم. ومن صام فيهما كان آثما وبطل صومه ولم يجزئه.
ويسن أداء صلاة العيد في الفطر والأضحى وينبغي للمسلم أن يواظب عليها إلا من عذر. والصحيح من أقوال الفقهاء أن صلاة العيد سنة مؤكدة لا يلزم فعلها ولا يأثم المسلم بتركها لحديث طلحة بن عبيد الله وفيه: (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس صلوات في اليوم والليلة فقال هل علي غيرها فقال لا إلا أن تطوع). متفق عليه. وأما ما روي من أمر النساء بالخروج إليها فمحمول على الندب والاستحباب بدليل أن الحيض ما يؤمرون بالصلاة ولعدم وجوب الصلوات الخمس عليهن في الساجد.
ويسن أكل تمرات قبل الذهاب إلى صلاة الفطر لما روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات وقال ويأكلهن وترا). رواه البخاري. أما الأضحى فالسنة الأكل بعد الصلاة لحديث عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي) رواه الترمذي .
ويستحب التنظف والتطيب ولبس أحسن الثياب لأنه يوم اجتماع وزينة كالجمعة روى نافع: (أن عبد الله بن عمر كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى). رواه مالك. وعن عبد الله بن عمر قال: (أخذ عمر جبة من استبرق تباع في السوق فأخذها فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ابتع هذه تجمل بها للعيد والوفود). رواه البخاري.
ويسن الذهاب إلى صلاة العيد ماشيا إن كان قريبا لقول علي رضي الله عنه : (من السنة أن تخرج إلى العيد ماشيا وأن تأكل شيئا قبل أن تخرج). رواه الترمذي. أما إن كان المصلى بعيدا في بلوغه مشقة فليركب.
ويسن له مخالفة الطريق في ذهابه وإيابه لحديث جابر رضي الله عنه قال : (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق). رواه البخاري.
ويسن إخراج النساء حتى الحيض إلى مصلى العيد ليشهدن الخير ودعوة المسلمين ويعتزلن مصلى الرجال لحديث أم عطية رضي الله عنها قالت : (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى العواتق والحيض وذوات الخدور فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين . قلت : يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب قال : لتلبسها أختها من جلبابها). رواه مسلم. ويجب على النساء إذا خرجن أن يلتزمن الحجاب الشرعي ويتركن التبرج والسفور من طيب وإظهار زينة ولباس عاري وغيره. وليحرصن على عدم الاختلاط بالرجال في الطرقات.
والسنة في مصلى العيد أن يكون في الصحراء خارج البلد قريبا منه لما في الصحيحين من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى). فإن دعت الحاجة للصلاة في الجوامع لبرد ووحل وخوف وغيره فلا حرج في إقامتها في مساجد المدينة والأمر في ذلك واسع.
وصفة صلاة العيد ركعتان يكبر الإمام في الأولى سبعا وفي الثانية خمسا لحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (كان يكبر في الفطر والأضحى في الأولى سبع تكبيرات وفي الثانية خمسا). رواه أبو داود.. ويقرأ في الأولى بعد الفاتحة بالأعلى والثانية بالغاشية يجهر فيهما لما روى النعمان بن بشير رضي الله عنه : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين ويوم الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية). رواه مسلم. ويقرأ بسورة ق واقتربت كما ثبت في السنة. والتكبيرات الزوائد سنة ولا يشرع ذكر بينها ومن فاتته تابع إمامه ولم يأت بها.
ولا يشرع أذان وإقامة فيها لقول جابر بن سمرة رضي الله عنه : (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم العيد غير مرة ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة). رواه مسلم.
ولا يشرع لصلاة العيد سنة قبلها أو بعدها لما روى ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر فصل ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها ومعه بلال). رواه البخاري. ولا يصلي ركعتين عند دخوله لأن التحية من خصائص المسجد فإن أقيم العيد في مسجد صلى ركعتين عند دخوله.
ويستحب الجلوس للخطبة بعد الفراغ من الصلاة ولا يجب لحديث عبد الله بن السائب قال: (شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد فلما قضى الصلاة قال: إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب). رواه أبو داود.
ومن فاتته صلاة العيد استحب له قضاؤها من اليوم أو الغد على الصحيح نهارا قبل الزوال على صفتها ركعتين مع التكبيرات الزوائد ويصليها منفردا أو مع جماعة بدون خطبة لما ثبت عن أنس رضي الله عنه: (أنه لم يشهد العيد فجمع مواليه وولده فأمر مولاه عبد الله بن أبي عتبة فصلى بهم كصلاة أهل المصر). رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار.
وإذا اجتمع في يوم واحد صلاة العيد وصلاة الجمعة سقطت الجمعة عمن شهد العيد لما روى أبو داود عن أبي هريرة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعون). رواه أبو داود. ولأنهما عيدان فاكتفي بأحدهما عن الآخر. لكن يجب عليه أداء صلاة الظهر ولا تسقط عنه والقول بسقوطها قول شاذ مهجور عند أهل العلم قال ابن عبد البر: (وأما القول الأول أن الجمعة تسقط بالعيد ولا تصلى ظهرا ولا جمعة فقول بين الفساد وظاهر الخطأ متروك مهجور لا يعرج عليه).
وينبغي التوسعة على العيال في النفقة واللهو المباح لأنه يسن إظهار الفرح والسرور في هذا اليوم. ويباح للنساء خاصة في يومي العيدين الضرب بالدف لما ثبت في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: (دخل عليَّ أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث ، قالت : وليستا بمغنيتين ، فقال أبو بكر : أمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وذلك في يوم عيد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا بكر ، إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا).
وتباح التهنئة بالعيد بين المسلمين لما روي عن بعض الصحابة ورخص فيها جمهور الفقهاء وهي من العادات الحسنة التي لم ينكرها الشرع فيقول تقبل الله منكم أو كلمة نحوها تدل على التهنئة بأي صيغة مالم يكن فيها محظور ولا حرج في قبولها وردها قال الإمام أحمد: (ولا بأس أن يقول الرجل للرجل يوم العيد تقبل الله منا ومنك). ومحل التهنئة بعد تحقق دخول العيد لا قبله وما يفعله كثير من الناس من التهنئة قبل العيد بليلتين خلاف الأولى. و لا حرج في تبادل التهاني عن طريق الرسائل والبطاقات وكروت المعايدة لأنها من الوسائل التي تستعمل لغرض مأذون فيه شرعا ولا يظهر أنها من خصائص الكفار فلا يدخل في معنى التشبه المذموم.
ولا يجوز للمسلم أن يفرح في هذا اليوم بالملاهي المحرمة والأمور المنهية من اختلاط واستماع معازف وإسراف وبذخ وخيلاء وغير ذلك مما نهى عنه الشرع لأن ذلك كفران للنعم واستعمالها في معصية الله.
ولا يسن زيارة الأموات في هذا اليوم لأنه لم يرد تخصيص يوم العيد وليلته بالزيارة فهو عمل محدث لا أصل له في الشريعة والمشروع في هذا اليوم إظهار الفرح لا الحزن وزيارة القبور تكدر الخاطر وتجلب الحزن للقلب وليس هذا مقامه.
وينبغي للمسلم في هذا اليوم أن يحرص على بر والديه وصلة الأرحام وزيارة الجيران وصلة الأحباب والخلان وتطهير قلبه من الهموم والأحزان والغل والحرص على سلامة القلب والتصافي مع إخوانه المسلمين.
خالد بن سعود البليهد
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة
أمين المستغانمي
2013-10-15, 10:20
ثلاث مسائل فقهية
- في حكم صلاة العيدين
- اجتماع العيد والجمعة
- ترك الجمعة والظهر إذا وافقهما العيد
http://saaid.net/book/images/msword.gif (http://saaid.net/mktarat/eid/43.doc)
أبي حفص الجزائري
إبراهيم الرحماني رحمه الله
لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
هذه ورقات في ثلاث مسائل فقهية في حكم صلاة العيدين، واجتماع العيد والجمعة، وترك الجمعة والظهر إذا وافقهما العيد ، وما ورد في هذه المسائل من أحاديث وآثار وذكر واختلاف علماء السلف في هذه المسائل جميعا اختلافا بينا، وسوق سبب الاختلاف وأقوال المذاهب فيها، و إيجابيات المخالف و ذكر بعض الفوائد الحديثية و اللطائف العلمية ثم بيان ما ترجح لدى أئمة التحقيق من علماء القرون المتأخرة و ذلك لتيسير العمل بهذه الأحكام خروجا من دائرة الخلاف الذي اتسعت له صدور المتقدمين، وضاق به ضرعا المتأخرون، و ليكون العامل بهذه الأحكام على دراية بمستندها الشرعي من الكتاب و السنة و الإجماع.
و في مقدمة هذه الورقات ذكر للأحاديث الواردة في الباب فيما يتعلق بحكم اجتماع الجمعة و العيد وبيان تام إن شاء لدرجة هذه الأحاديث منصوصا عليها من أئمة هذا الشأن.
باب ما جاء في اجتماع العيد والجمعة
1. الحديث الأول : روى أحمد وأبو داود و النسائي وابن ماجة والحاكم وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي: عن إياس بن أبي رملة وقال شهدت معاوية بن أبي سفيان و هو يسأل زيد بن أرقم رضي اللّه عنه هل شهدت مع رسول اللّه "ص" عيدين اجتمعا؟ قال: نعم ، صلى رسول اللّه "ص" العيد أول النهار، ثم رخص في الجمعة، فقال: " من شاء أن يصلي فليصل " وفي رواية : " من شاء أن يجمع فليجمع " والحديث أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف والطحاوي في مشكل الآثار والبيهقي في السنن.
وصححه على بن المديني وابن خزيمة والحاكم في المستدرك وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وله شاهد على شرط مسلم ، وقال الذهبي في الترخيص : صحيح وشاهده على شرط مسلم.
وهذا الحديث صححه الأئمة الثلاثة المذكورون وسكت عن هذا التصحيح الشيخ الألباني رحمه الله تعالى كما في التعليمات على الروضة الندية، وفي سنده إياس عن أبي رملة الشامي، قال فيه الذهبي في الميزان برقم 1025: في حديث زيد بن أرقم حين سأله معاوية قال ابن منذر: لا يثبت هذا فإن إياسا مجهول. أهـ
وقال المزي في التهذيب: سمع معاوية يسأل زيد بن أرقم عن اجتماع العيد والجمعة.أ هـ
قال حافظ في تهذيب التهذيب برقم 716: قلت: ذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن المنذر: إياس مجهول وقال ابن القطان: هو كما قال.أهـ
قال الحافظ في التقريب، رقم 669: مجهول من الثالثة / روى له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
تنبيه: الحلبي في تعليقاته لندية على الروضة الندية [ 1/ 373 ] قال: وصححه الحاكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وليس كما قال، فإن الحاكم قال فيه: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وليس فيه على شرط الشيخين والله أعلم. وهو قول المحدث أحمد شاكر رحمه الله.
ومدار الحديث حديث زيد بن أرقم في جميع رواياته على إياس بن أبي رملة وقد تقدم بيان حاله.
قال ابن حزم في [ 0/89 ] : مسألة: وإذا اجتمع عيد في يوم جمعة صلى للعيد ثم للجمعة ولابد، ولا يصح أثر بخلاف ذلك، لأن في رواته – يعني حديث زيد بن أرقم المتقدم – إسرائيل وعبد الحميد بن جعفر، ولا مؤنة على خصومنا من الاحتجاج بهما إذا وافق ما روياه تقليدهما، وهنا خالفا روايتهما، ثم ذكر حديث زيد بن أرقم.
قال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المحلى: كلا بل هو حديث صحيح وأعله بعضهم بأن إياس بن أبي رملة مجهول، وأما إسرائيل فإنه ثقة حجة. أهـ
وإعلال ابن حزم الحديث بالثقة من أمثال إسرائيل [ هو ابن يونس ابن أبي إسحاق السبيعي، أبو يوسف الكوفي، قال فيه الحافظ: ثقة تكلم فيه بلا حجة ] وحديثه عن الجماعة كلهم، وعبد الحميد بن جعفر [ هو ابن عبد الله ابن الحكم بن رافع الأنصاري، قال فيه الحافظ: صدوق رمي بالتشيع وربما وهم ] ، حديثه عن البخاري في التاريخ الكبير ومسلم في الصحيح، وعند أصحاب السنن، وإغفاله حال ابن أبي رملة المجهول ليس بجيد.
وقول الشيخ أحمد شاكر " هو حديث صحيح وأعله بعضهم بأن إياس بن أبي رملة مجهول" غير مستقيم أيضا، إذ المجهول أو الجهالة في السند علة قادحة عند جميعهم لا يختلفون في ذلك.
وحديث زيد بن أرقم هذا وإن صححه الأئمة من أمثال ابن المديني وابن خزيمة والحاكم يكدر هذا التصحيح جهالة ابن أبي إياس، والحديث به غير مستقيم. والله أعلم
وله شاهد:
2- الحديث الثاني: روى أبو داود والبيهقي والحاكم قال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي، و ورواه البغوي في شرح السنة عن أبي هريرة عن رسول الله ( ص ) قال: قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون.
وفي إسناده بقية بن الوليد الكلاعي، قال الحافظ في التقريب برقم 724: صدوق كثير التدليس عن الضعفاء، لكنه صرح هاهنا بالتحديث فقال: حدثنا شعبة، في رواية محمد بن عبد الله الصفار عنه.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، فإن بقية ابن الوليد لم يختلف في صدقه إذا روى عن المشهورين، وهذا حديث غريب عن حديث شعبة والمغيرة [ هو ابن مقسم الضبي ] وعبد العزيز بن رفيع، وكلهم لن يجمع حديثه. أهـ
وصرح بقية بالتحديث في رواية محمد بن المصفى عند أبي داود، قال: حدثنا شعبة، لكن رواية عمر بن حفص الوصابي عنه أبي داود أيضا قال فيها عمر – يعني عن بقي - : عن عمر.
والحديث صحيح الإمام أحمد والدار قطني إرساله.
ورواه البيهقي موصولا بأهل العوالي، وإسناده ضعيف. أهـ
3- الحديث الثالث: روى أبو داود والنسائي عن عطاء بن أبي رواح قال: " صلى بنا الزبير في يوم جمعة أول النهار – يعني صلاة العيد – ثم رحنا إلى الجمعة ، فلم يخرج إلينا ، فصلينا وحدنا ، وكان ابن عباس بالطائف . فلما قدم ذكرنا ذلك له ، فقال: أصاب السنة ". قال الحافظ: رجاله رجال الصحيح.
4- الحديث الرابع: روى أبو داود عن ابن جريح قال: " اجتمع يوم جمعة ويوم فطر على عهد ابن الزبير فقال: عيدان اجتمعا في يوم واحد، فجمعهما جميعا فصلاهما ركعتين بكرة، لم يزد عليهما حتى صلى العصر".
وفي سنده ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي مولاهم، الملكي، قال فيه الحافظ في التقريب برقم 4695 : ثقة فقيه فاضل ، وكان يدلس ويرسل.أهـ
ولم يصرح هاهنا بالسماع والعطاء.أهـ
5- الحديث الخامس: روى أبو داود والنسائي: عن وهب بن كيسان قال: " اجتمع عيدان على عهد بن الزبير فأخر الخروج حتى تعالا النهار، ثم خرج فخطب ثم نزل فصلى، ولم يصلي للناس يوم الجمعة، فذكرت ذلك لابن عباس فقال : " أصاب السنة ".
6- الحديث السادس : رواه أحمد وابنه عبد الله والحاكم في المستدرك : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي من حديث عبد الحميد بن جعفر النصاري حدثني وهب بن كيسان قال : " شهدت ابن الزبير بمكة وهو أمي، فوافق يوم فطر أو أضحي يوم جمعة، فأخر الخروج حتى ارتفع النهار، فخرج وصعد المنبر، فخطب وأطال، ثم صلى ركعتين، ولم يصلي الجمعة، فعاتبه عليه ناس من بني أمية بن عبد شمس فبلغ ذلك ابن عباس ، فقال أصاب ابن الزبير السنة، فبلغ ابن الزبير رأيت عمر ابن الخطاب إذا اجتمع عيدان صنع مثل هذا ".
7- الحديث السابع:روى مال عن أبي عبيد سعد بن عبيد مولى عبد الرحمان بن أزهر قال: " شهدت العيد مع عثمان بن عفان فصلى ثم خطب فقال: إنه قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن أحب من أهل العالية أن ينظر الجمعة فلينتظرها، ومن أحب أن يرجع فليرجع، فقد أذنت له ".
سعد بن عبيد هو الزهري مولاكم يكنى أبا عبيد، قال الحافظ في التقريب برقم 2477: ثقة. أهـ
8- الحديث الثامن: ورواه البخاري في التاريخ عن عثمان من قوله.
9- الحديث التاسع: ورواه ابن ماجة عن ابن عباس، فقال الحافظ: وهو وهم.
10- الحديث العاشر: ورواه ابن ماجة عن ابن عمر أيضا وإسناده ضعيف وقال الحافظ.
11- الحديث الحادي عشر: ورواه الطبراني من وجه آخر عن ابن عمر.
12- الحديث الثاني عشر: ورواه الحاكم من قول عمر ابن الخطاب، قال الحافظ. أهـ
المسائل
1- المسألة الأولى: حكم صلاة العيد.
اختلف الأئمة قديما في حكم صلاة العيدين، هل هي واجبة أم سنة ؟
فذهب الهاسدي والقاسم وأبو حنيفة إلى أن صلاة العيدين من فرائض الأعيان، واستدلوا على ذلك بـ:
1- الحديث الأول: روى أحمد وأصحاب السنن وابن حبان وصححه ابن المنذر وابن السكن والخطابي وابن حزم وابن حجر في بلوغ المرام: عن أبي عمير عن أنس ابن مالك عن عمومة له من الأنصار رضي الله عنهم قالوا : " غم علينا هلال شوال، فأصبحنا صياما، فجاء ركب من آخر النهار، فشهدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمر الناس أن يفطروا من يومهم، وأن يخرجوا لعيدهم من الغد "
وفي لفظ أبي داود : " أن ركبا جاءوا النبي صلى الله عليه وسلم يشهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم أن يفطروا فإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاهم ".
والحديث أخرجه ابن أبي شيبة والطحاوي والبيهقي وقال : هذا إسناد صحيح والدار قطني، وقال: إسناد حسن ثابت، وقال الحافظ في التلخيص : وعلق الشافعي القول به على صحة الحديث، فقال ابن عبد البر: أبو عمير مجهول، كذا قال وقد عرفه من صحح له.
وقال الشيخ الألباني في الإرواء: وكذا عرفه من وثقه مثل ابن السعد وابن حبان، وبهذه يتم الجواب عن تجهيل من جهله. أهـ
وفيه دليل على جواز صلاة العيد من الغد وفيه قال الأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وهو قول للشافعي.
وروى الخطابي عن الشافعي أنهم إن علموا بالعيد قبل الزوال صلوا وإلا لم يصلوا يومهم ولا من الغد، لأنه عمل في وقت فلا يعمل في غيره، قال: وكذا قال مالك وأبو ثور.
قال الخطابي: سنة النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالإتباع، وحديث أبي عمير صحيح، فالمصير إليه واجب. أهـ
2- الحديث الثاني: روى الجماعة والدار قطني والبيهقي عن أم عطية الأنصاري
رضي الله عنهما قالت: " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضاحي العواتق والحيض وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة [ وفي لفظ ويشهدان الخير ودعوة المسلمين ] قلت: يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها جلباب، قال: لتلبسها أختها من جلبابها ".
ولمسلم وأبي داود : " والحيض يكن خلف الناس يكبرن مع الناس ".
وللبخاري قالت أم عطية : " كنا نؤمر أن نخرج الحيض، فيكبرن بتكبيرهم ".
قالوا : ولو لم تكن صلاة العيدين واجبة لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء بالخروج وأكد على إخراج العواتق وذوات الخدور، بل والحيض أيضا، وحتى المرأة لا تجد جلبابا تلبسها أختها من جلبابها لتشهد الصلاة.أهـ
وفي الباب أحاديث:
1- الحديث الأول : روى ابن ماجة عن ابن عباس رضي اله عنهما قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج بناته ونسائه في العيدين ".
وفي إسناده حجاج بن أرطأة الكوفي، القاضي أحد الفقهاء ، صدوق كثير الخطأ والتدليس، من السابعة، مات سنة 145 ، / روى له البخاري له في الأدب المفرد ومسلم في الصحيح وأصحاب السنن الأربعة، أهـ
2- الحديث الثاني: روى أحمد عن جابر قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في العيدين ويخرج أهله ".وفي إسناده حجاج بن أرطأة ليس بذاك القوي، وهو مدلس وقد عنعن.
3- الحديث الثالث: روى أحمد وابن أبي شيبة وابن ماجة والطبراني والبيهقي عن ابن عباس قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بناته ونسائه أن يخرج في العيدين " وفي إسناده حجاج بن أرطأة.
قال الشيخ شعيب في تخريج المسند: صحيح لغيره. أهـ
4- الحديث الرابع: روى أحمد وابن أبي شيبة ، عن عائشة رضي الله عنها قالت: " قد كانت الكعاب تخرج لرسول الله صلى الله عليه وسلم من خدرها في الفطر والأضحى ".
قال الحافظ العراقي: رجاله رجال الصحيح، ولكنه من رواية أبي قلابة عن عائشة، وقد قال أبو حاتم أنها مرسلة، وفيه أن أبا قلابة أدرك علي بن أبي طالب ، وقد قال أبو حاتم أن أبا قلابة لا يعرف له تدليس.
ورواية أبي قلابة: [ هو عبد الله بن زيد ابن عمرو الجرمي البصري قال فيه الحافظ في التقريب برقم 3690: ثقة فاضل كثير الإرسال، قال العجلي: فيه نصب يسير، من الثالثة، مات بالشام هاربا من القضاء سنة 104 وقيل بعدها، / روى له الجماعة كلهم ] عن عائشة في صحيح مسلم والترمذي والنسائي ثابتة، بل هو أدرك حذيفة بن اليمان ومات حذيفة سنة ستة وثلاثين في أول خلافة علي، وعائشة إنما ماتت سنة 57 على الصحيح، ومنع الذهبي أن يكون أبو قلابة أدرك حذيفة، وقال: لم يلحقه.
وهو يروي عن ثابت بن الضحاك بن خليفة الأشهلي الصاحبي المشهور، وقد توفي سنة 35 قاله الحافظ، وقال الفلاس: والصواب سنة 64، وحديثه عن الضحاك في البخاري ومسلم.
وهو يروي عن سمرة بن جندب في النسائي وقد مات سمرة سنة 58.
وعد الحافظ رواية أبي قلابة عنها مرسلة.
وقال أبو حاتم لا يعرف لأبي قلابة تدليس، وهذا بخلاف ما قاله الذهبي: وهو يدلس وكان من أئمة الهدى، وقال مرة معنى هذا أنه إذا روى شيئا عن عمر او أبي هريرة مثلا مرسلا لا يدري من حدثه به، بخلاف تدليس الحسن البصري، فإنه كان يأخذ عن كل ضرب ثم يسقطهم كعلي بن زيد تلميذه.
فائدة:
قال ابن عبد البر في مقدمة التمهيد : واختلفوا في حديث الرجل عمن لم يلقيه، مثل مالك عن سعيد بن مسيب الثوري عن إبراهيم النخعي وما أشبه هذا، قالت فرقة هذا تدليس لأنهما لو شاء لسمّيا من حدثهما، قال أبو عمر فإن كان هذا تدليسا فما اعلم أحدا سلم منه في قديم الظهر ولا في حديثه، اللهم إلا شعبة بن حجاج ويحي بن سعيد القطان.
وأما التدليس عندهم وهو يحدث الرجل عن الرجل الذي قد لقيه وأدرك زمانه وأخذ عنه وسمع منه وحدث عنه بما لم يسمعه منه، وإنما سمعه من غيره عنه ممن ترضى حاله أو لا ترضى هذا هو التدليس عند جماعتهم لا إخلاف بينهم في ذلك.
وقالت طائفة من أهل الحديث : ليس من ذكرنا يجري عليه لقب التدليس وإنما هو إرسال، قالوا وكما جاز أن يرسل سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر وعمر، وهو لم يسمع منهما كذلك عن سعيد بن المسيب، ولم يسم أحد من أهل العلم ذلك تدليسا.
بواعث الإرسال:
1- أن يكون الرجل سمع ذلك الخبر من جماعة عن المعزي إليه الخبر وصح عنده ووقر في نفسه فأرسله عن المعزي علما بصحة ما أرسله.
2- أن يكون المرسل للحديث نسي من حدثه به وعرف المعزي إليه، فذكره عنه، فهذا لا يضر، إذا كان أصل مذهب المرسل ألا يأخذ إلا عن ثقة، كمالك وشعبة.
3- إن تكون مذاكرة، فربما ثقل معها الإسناد وخف الإرسال، إما لمعرفة المخاطبين بذلك الحديث واشتهاره عندهم أو لغير ذلك من الأسباب.
الضابط:
والأصل في هذا الباب اعتبار حال المحدث، فإن كان هو في نفسه ثقة، ولا يأخذ عن ثقة وجب قبول حديث مرسله ومسنده.
وإن كان يأخذ عن الضعفاء ويسامح نفسه في ذلك، وجب التوقف عما أرسله حتى يسمي من الذي أخبره.
وإذا كان لمن عرف بالتدليس المجتمع عليه، وكان من المسمحين في الأخذ عن كل أحد لم يحتج بشيء مما رواه حتى يقول حدثنا أو أخبرنا أو سمعت.أهـ
فالإمام الذهبي ذكر أبا قلابة أنه كان يدلس وعنى بذلك الإرسال ، وليس هذا معدودا في التدليس البتة، والرجل كان من أولياء الله، فيه تلك الغفلة المذكورة عن الصالحين ،نعم هو كثير الإرسال، لا يذكر بغيره ، وتقدم قول الحافظ فيه.
5.الحديث الخامس: روى الطبرانى في الأوسط عن عائشة قالت:(سئل رسول الله، هل تخرج النساء في العيدين؟قال:نعم، قيل: فالعواتق؟ قال نعم، فإن لم يكن لها ثوب تلبسه فلتلبس ثوب صاحبتها). وفي إسناده مطيع بن ميمون، قال ابن عدي:له حديثان غير محفوظين.قال العراقي:وله هذا الحديث فهو ثالث.
أما مطيع بن ميمون فهو العنبري أبو سعيد البصري( قال فيه الحافظ في التقريب برقم7570 :لين الحديث ، من السابعة، روى له أبو داود و النسائي )، فمثله يكتب حديثه و يعتبر،وإما أن يكون حديثه هذا ثالث أحاديته غير المحفوظة فبعيد ، إذ كيف لا يكون محفوظا واصله في الصحيح، يشهد له حديث أم عطية عند الجماعة و كذا حديث محفوظ، بلا ريب ، وإنما يأتي أمثال مطيع هذا من قبل التفرد، أم وقد ثبت حديثه عند الأئمة من طرق أخرى فلا يكون غير محفوظ، ومطيع هذا قال فيه على بن المذني : ذات شيخ عندنا ثقة ، والله اعلم .
6.الحديث السادس: روى احمد وأبو يعلى والطبراني في الكبير:عن امرأة من عبد القيس عن عمرة بنت رواحة الأنصارية(أن النبي ص قال:وجب الخروج على كل امرأة ذات نطاق ـزاد أبو يعلى ـ:في العيدين)، وقال عند أبي يعلى:سمعت رسول الله ص فذكره.
وقد تقدم للحديث شواهد، وعمرة هي أخت عبد الله بن رواحة،وهي زوجة بشير بن سعد والد النعمان وهي التي سألت بشيرا أن يخص ابنها بعطية دون إخوته، فرد النبي ص ذلك، والحديث في الصحيحين،قاله الحافظ في الإصابة.
.والمرأة من عبد القيس التي تروي عن عمرة لا يدرى من هي، وللحديث شواهد ذكرناها.اهـ
7- الحديث السابع: روى الطبراني عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: ( إن النبي ص أمر بإخراج العواتق والحيّض ـ يعني في العيدين ـ).وفي إسناده يزيد بن شداد وعتبة بن عبد الله وهما مجهولان.
8- الحديث الثامن: روى الطبراني عن ابن عمر قال: قال رسول الله ص( ليس للنساء نصيب في الخروج إلا المضطرة،ليس لها خادم، إلا في العيدين الأضحى والفطر ).
وفي إسناده سواه ابن مصعب وهو متروك.
هذا وبمثله قال القائلون بالوجوب فإذا كان خروج النساء في العيدين واجبا فإنهن لا يخرجن إلا لواجب.
- وخالف في ذلك الشافعي وجمهور أصحابه، قال النووي وجماهير العلماء، فقالوا أنها سنة، وبه قال زيد بن علي والناصر والإمام يحي وداود بن علي وابن حزم، وحجتهم في ذلك الحديث المتفق عليه " هل علي غيرها، قال : لا إلا أن تطوع " ، وأجابوا على الأحاديث التي احتج بها القائلون بالوجوب ، منها أن غاية ما في الأحاديث ترغيب النسائي في الخروج إلى العيدين لشهود الخير ودعوة المسلمين ، وهذه الحائض لا تشهد الصلاة بل تمنع من الذكر وقد أذن لها في التكبير في هذه الحالة خاصة دون غيرها، وأما أمره لهن بالخروج فإنه لم يوجب عليهن الخروج إلا لواجب فمردود إذ هو صلى الله عليه وسلم لم يوجب على النساء الخروج للصلوات الخمس المكتوبات في اليوم، أن تكون الصلوات الخمس غير واجبة لأنه لم يأمرهن بشهودها ؟.
- وللشافعي مذهب آخر ثان في حكم صلاة العيدين،حيث عقد إسقاط الجمعة في حق أهل العوالي والبوادي خاصة دون غيرهم، وحجته في ذلك حديث عثمان الذي رواه مالك في الموطأ وفيه أن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه إذن لأهل العالية بالانصراف وعدم شهود الجمعة إن شاءوا ، فهذا في حقهم دون غيرهم.
لكن يعطر على هذا المعنى أنه صلى الله عليه وسلم إذن لأهل العوالي والبوادي ألا يصلوا و الجمعة معه، وأن يجمعوا حيث كانوا، فيكون قول عثمان رضي الله عنه هذا ، غاية ما فيه أنه أذن لهم أن يرجعوا إلى بيوتهم ومساجدهم ويصلوا الجمعة فيها، إذ لم يكن يصحوا أبدا أن يصلوا معه العيد، ثم يرجعوا إلى حييهم من غير أن يستأذنوه في الانصراف إلى مساجدهم وهو أمير الناس يومها، ألا تراه قال لهم ومن أحب أن يرجع فليرجع فقد أذنت له، رفعا للحرج عنهم، وإسقاط لكلفة الانتظار من طلوع الشمس إلى الظهيرة وهو وجه قوي، فيكون هذا منه إذن لهم أن يجمعوا حيث أحيائهم. أهـ
فإذا : وهاهنا أكثر الناس من الاحتجاج به، وفيه ما معناه لزوم مسجد الحي دون مجاوزته أو تخطيه إلى غيره من المساجد، وهذه زيادة بيان لهذه المسألة المهمة.
الحديث:
1- السند الأول: روى تمام الرازي : عن بقية بن الوليد حدثنا مجاشع بن عمرو حدثني منصور بن أبي الأسود عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : " ليصلي أحدكم في المسجد الذي يليه ولا يتبع المساجد " ورواه أبو الحسن الحربي في جزء من حديثه من طريق بقية عن منصور بن أبي الأسود فأسقط مجاشع يبنه وبين منصور عنعنه.
علل السند: 1- بقية بن الوليد الكلاعي أبو يحمد الحميري ثم تميمي الحمصي قال فيه ابن المبارك: بقية كان صدوقا، لكنه كان يكتب عمن أقبل وأدبر. وقال بن عيينة: لا تسمع من بقية ما كان في سنة، واسمعوا منه ما كان في ثواب غيره. وقال ابن خزيمة: لا احتج ببقية. قلا الذهبي: قلت: وهو أيضا ضعيف الحديث إذا قال عن فإنه مدلس.
وهو في السند الأول شرح بالتحديث عن من لا يزن حبة وفي الثاني أسقطه ثم عنعنه، وعنعنه المدلس تهمة له.
2- مجاشع بن عمرو قال فيه ابن معين : أحد الكذابين.
فهو ممن لا تحل الرواية عنه إلا على وجه التعجب والنكير.
3- وأما منصور بن أبي الأسود الليثي الكوفي ويقال اسم أبيه حازم، قال فيه الحافظ في التقريب برقم 7762 : صدوق رمي بالتشيع ، / روى له أبو داود والترميذي والنسائي.
4- والحديث مع ما في سنده من علة قادحة شديدة ، إذ هو سند لا يقوم البتة فيه بقية المدلس ومجاشع الكذاب، فهو موقوف أيضا من قول ابن عمر، وليس فيه التصريح بالرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
السند الثاني: روى الطبراني في الكبير والأوسط حدثنا محمد بن أحمد بن نصر الترمذي حدثنا عبادة بن زياد الأسدي حدثنا الزهير بن معاوية عن عبيد الله بن عمر به.
علل السند: 1- محمد بن احمد بن نصر الترمذي، كمان ثقة اختلط اختلاطا عظيما.
2- عبادة بن زياد الأسدي ضعيف.
3- الوقف، إذ ليس فيه التصريح بالرفع عن النبي صلى الله عليه وسلم.
تنبيه: قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في السلسلة الصحيحة [ 5 / 234 الحديث رقم 2200 ]:وفي كلام الطبراني ما يشير إلا ابن نصر الترمذي لم يتفرد به فالسند جيد.أهـ
كذا قال: وجوب الإسناد باعتبار مجرد الإشارة من الإمام ليست من مسالك تقوية الحديث بوجه، كيف وقد اتفقوا على أن قول الأمام حدثني الثقة، لا يعتد به حتى يعلم هذا الذي وثقه من يكون ثم إن محمد بن نصر الترمذي اختلط اختلاطا عظيما ، فكيف يكون حديثه جيد بمجرد الإشارة من الإمام أنه لم يتفرد به ؟ اللهم إلا أن يكون المراد من إشارة الإمام وهي مبهمة في سياقها وسوقها، يراد به الإسناد الثالث لهذا الحديث وهو ما:
3- رواه العقيلي في الضعفاء حدثنا محمد بن زكريا البلخي حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حبيب بن خالد عن العوام بن حوشب عن إبراهيم التيمي عن ابن عمر به.
وقال العقيلي: وقال البخاري: غالب بن حبيب أبو غالب اليشكري عن العوام بن حوشب، منكر الحديث.أهـ
قال العقيلي: هكذا ترجم البخاري بغالب بن حبيب وقد حدثنا عن قتيبة هذا الشيخان، ما من هما إلا صاحب حديث ضابط، فكلاهما قالا عنه: حبيب بن غالب، ولا أحسب الخطأ إلا من البخاري. أهـ
قال الذهبي: هو مجهول.
وبقية رجال السند إثبات ثقات إلا إبراهيم بن يزيد بن شريك [ من تيم الرباب ] و هو مع إمامته وعبادته وفقهه، إلا أن الحافظ قال: في التقريب برقمين 300: ثقة إلا انه كان يرسل ويدلس.اهـ
وهذا إسناد ثالث ليس بشيء إذ البخاري كثيرا ما يطلق لفظ كمنكر الحديث على الهلكي الذين لا يحتج بحديثهم وحسبك به بلية في هذا السند، فإذا أضيفت إليه عنعنة ابراهيم التيمي لم يكن للسند ج ليقوم بعد.
هذه هي أسانيد هذه الحديث الذي ولج به الناس الموافز جاعلين منه زادا يتكثرون به وليس بزاد لمن أمعن النظر بوجه، بل أسانده واهية جدالا تقوم في الاعتبار بزنة حبة، فكيف بالأصول المقدمة التي عليها مدار الأمر والنهي.
ثم إن الحديث مع شأن ضعف أسانيده مخالف للأحاديث المرغبة في كثرة الخطى إلى المساجد و فضل الأبعد فالأبعد.
و في الباب أحاديث:
1.الحديث الاْول:روى مسلم عن أبي موسي الأشعر رضية الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إ ن اعظم الناس في الصلاة أمرا أبعدهم إليها مشي).
2. الحديث الثاني: روى الجماعة إ لا النسائي عن ابي هريرة رضية الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه خمسا وعشرين درجة ذلك بأن الرجل إذا توضأ فأحسن الوضوء، واتى المسجد لا يريد إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفع بها درجة وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد )
3.الحديث الثالث :روى مسلم عن جابر قال:(خلت البقاع حول المسجد، فاْراد بنو مسلمة أن ينتقلوا إلى قرب المسجد،فبلغ ذلك رسول الله ص فقال لهم:إنه بلغني أنكم تريدون ان تنتقلون قرب المسجد قالوا:نعم يا رسول الله قد أردنا لك ،فقال:يا بني سلمة،دياركم تكتب آثاركم دياركم تكتب آثاركم فقالوا ما يصرنا اْنا كنا تحولنا)
4.الحديث الرابع:روى ابو داود عن سعيد بن المسيب عن رجل من الصحابة أن النبي ص قال:(اذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج إلى الصلاة ،لم يرفع قدمه اليمنى إلا كتب الله عز وجل له حسنة ولم يضع قدمه اليسرى إلا حط الله عنه سيئة،فليرتقب أحدكم او ليبعد
5.الحديث الخامس:روى أبو داود وابن ماجة :عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله ص:( الأبعد فالأبعد من المسجد أعظم أجرا)
وأخرجه ابن أبي شيبة وعبد بن حميد ،وعلقة البخاري في الأدب المفرد.
6.الحديث السادس:ورواه أحمد وأبو داود والحاكم والبيهقي والخطيب في تاريخ بغداد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ص:(الأبعد فالأبعد أفضل أجرا عن المسجد)
قال الشيخ شعيب في تخريج المسند :حسن لغيره.
هذا الحديث مداره على عبد الرحمان بن مهران مولى الأزد وقيل مولى مزينة وقيل مولى أبي هريرة،هو أبو محمد المدني رواه مرة عن أبي هريرة بلا واسطة ومرة رواه عن عبد الرحمان بن سعد المدني عن ابي هريرة.
فأما عبد الرحمان بن مهران فيروي عن ابي هريرة وأبي مروان السلمي، يروي عنه سعيد المقبري، وسعيد الجريري، ونافع بن سلمان، والوليد بن كثير.
قال أبو حاتم: صالح الحديث وذكره ابن حبان في الثقات له عند مسلم حديثا واحدا ( أحب البلاد إلى الله مساجدها ) وروى له النسائي حديثا واحدا في قول الميت إذا وضع على السرير.
وقال الحافظ: وقال أبو الفتح الأزدي: مجهول، وقال البرقاني عن الدار قطني شيخ مدني يعتبر به.
قال الحافظ في التقريب برقم 4497 : مقبول روى له مسلم والنسائي.أهـ
وقال في مقدمة التقريب: السادسة من ليس له من الحديث إلا القليل ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، والإشارة بلفظ مقبول حيث يتابع، وإلا فلين الحديث.
وعبد الرحمان بن مهران روى عنه جمع من الثقات، وللحديث شواهد يرتقي بها.
وأما عبد الرحمان بن سعد المدني، فيروي عن بن عمر ابن عمر وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وأبي بن كعب، وعنه عبد الرحمان بن مهران، وابن أبي ذئب وهشام بن عروة، وأبو الأسود، قال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في ثقات. له عند مسلم وأبي داود في الرجل يفضي إلى امرأته ثم يفشي سرها، وفي الأكل بثلاث أصابع، وعند أبي داود وابن ماجة في أجر التعبد في المسجد، قال الحافظ : وقال العجلي : تابعي ثقة. قال : فيحتمل أنه هذا ويحتمل أنه المقعد.
قال الحافظ في التقريب برقم : 4323 : عبد الرحمان بن سعد بن المدني مولى ابن سفيان، ثقة / روى له مسلم وأبو داود وابن ماجة، قال : ويحتمل أنه عبد الرحمان بن سعد الأعرج مولى بني مخزوم أبو حميد المدني المقعد، وثقة النسائي / روى له مسلم.أهـ
وهذه الأحاديث فيها التصريح بأن أجر من كان مسكنه بعيدا من المسجد أعظم ممن كان قريبا منه، وقد روى مال وأحمد ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أنا أدلكم على ما يمحوا الله به الخطايا ويرفع الدرجات ؟
قالوا: بلى يا رسول الله، قال : إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطى إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط ).
- وقال أبو سعيد الاصطخاري من الشافعية أنها فرض كفاية، وحكاه المهدي في البحر عن الكرخي، وأحمد بن حنبل وأبي طالب وأحد قولي الشافعي، وحجتهم في ذلك أنها شعار كالغسل والدفن، وبالقياس على صلاة الجنازة بجامع التكبيرات.
- قال الشيخ الألباني في تمام المنة - ص 344 - في تعليقه على قول سيد سابق: وهي سنة مؤكدة واظب النبي صلى الله عليه وسلم عليها وأمر الرجال والنساء أن يخروا لها. قال : فالأمر المذكور يذل على الوجوب فإذا وجب الخروج وجبت الصلاة من باب أولى كما لا يخفى، فالحق وجوبها لا سنتها فحسب، ومن الأدلة على ذلك أنها مسقطة للجمعة إذا اتفقتا في يوم واحد، وما ليس بواجب لا يسقط واجبا كما قال صديق خان في الروضة الندية.أهـ
ويعكر على هذا الكلام أمور، منها أئمة وعلماء السلف اختلفوا في حكمها، بل أكثرون على أنها سنة، وأما الاحتجاج بوجوب الخروج إلى العيدين أنه يصير الصلاة واجبة فقد رده الشافعي قديما، حيث أن عدم إيجابه صلى الله عليه وسلم الخروج إلى الصلاة الخمس على النساء لا يصير المكتوبة سنة.
ثم إن الحكم على صلاة العيدين أنها فرض على الأعيان لأنها أسقطت الجمعة غير مسلم فقد رده الشافعي ومنع من ذلك ومعه جمهور كبير من الفقهاء، فلكي يحكم على أنها أسقطت الجمعة لا بد أن يكون هذا الحكم مجمعا عليه أو يكاد. والله أعلم
قال الشيخ الشوكاني : والظاهر ما قاله الأولون أنها فرض عين لأنه قد انظم إلى تلك الأدلة ملازمته صلى الله عليه وسلم لصلاة العيد على جهة الاستمرار وعدم إخلاله بها مع الأمر بالخروج إليها بل ثبت كما تقدم أمره صلى الله عليه وسلم بالخروج للعواتق والحيض وذوات الخدور وبالغ في ذلك حتى أمر من لها جلباب أن تلبس من لا جلباب لها، ولم يأمر بذلك في الجمعة ولا في غيرها من الفرائض، بل ثبت الأمر بصالة العيد في القرآن كما صرح بذلك أئمة التفسير في تفسير قول الله تعالى ( فصل لربك وأنحر ) فقالوا المراد صلاة العيد ونحر الأضحية.
من مقويات القول بأن إسقاطها لصلاة الجمعة كما تقدم، والنوافل لا تسقط الفرائض في الغالب.
المسألة الثانية : حكم صلاة الجمعة في يوم العيد.
قال الشيخ محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني في سبل السلام [ 2 / 112 ] : والحديث – يعني حديث زيد بن أرقم – دليل على أن صلاة الجمعة بعد صلاة العيد تصير رخصة يجوز فعلها وتركها، وهو خاص ممن صلى العيد دون من لم يصلها، وإلى هذا ذهب الهادي وجماعة، إلا في حق الإمام وثلاثة معهم.
- ومنع من ذلك الشافعي وجماعة هم أكثر فقهاء أنها لا تصير رخصة لأن دليل وجوبها عام لجميع الأيام، وما ذكر من الأحاديث والآثار لا يقوى على تخصيصها لما في أساندها من مقال.
- قال الشوكاني في نيل الأوطار [ 2/273 ] : ويدل على عدم الوجوب أن الترخيص عام لكل أحد، ترك ابن الزبير للجمعة وهو الإمام إذ ذاك ، وقول ابن عباس " أصاب السنة " رجاله رجال الصحيح وعدم الإنكار عليه من أحد من الصحابة.
قال : وأما قول البعض فرض كفاية، فإنه خلاف معنى الرخصة، وأما حديث عثمان فإنه لا يخصص قوله صلى الله عليه وسلم .أهـ
والحق أن حديث الترخيص لترك الجمعة مطلقا لا تقوى على مقاومة أحاديث وجوب الجمعة، فإذا رجعت إلى حديث زيد بن أرقم وحديث أبي هريرة، وجدته صلى الله عليه وسلم اختار لنفسه أن يصلي الجمعة، حيث قال: " فمن شاء أجزأه من الجمعة وإن مجمعون " والحديث شاهد حديث زيد وبه يتقوى إذا سلم من الإرسال وهو فعل أمير المؤمنين رضي الله عنه فاختار لنفسه وأصحابه أن يصلوا الجمعة وأذن لغيرهم.
وأما قول ابن عباس " أصاب السنة" و رواية ابن الزبير لهذا الفعل عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، و المراد به ترك الجمعة مطلقا لنفسه و للناس كغير المسلم، إذ هو يقدم الخطبة على الصلاة بخلاف فعل النبي صلى الله عليه و سلم، و يؤذن للعيدين و يقيم بخلاف فعله صلى الله عليه و سلم، فيكون فعل ابن الزبير في تركه الجمعة مطلقا، سائر مع اجتهاده، ف فهم رخصة رسول الله صلى الله عليه و سلم و يكون قول ابن عباس إنها السنة، أي في الترخيص في الترك لا مطلق الترك، فهما منه صلى الله عليه و سلم لرخصته صلى الله عليه و سلم كما فهم قوله صلى الله عليه و سلم "صوموا لرؤيته" على أنه لكل بلد رؤية، كما روى ذلك مسلم عنه حيث قال: "هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم" بل الذي عليها الجماهير أن الرؤية واحد للعامة.
المسألة الثالثة: إسقاط صلاة الظهر عند اجتماع الجمعة و العيد.
قول عطاء لم يزد عليهما حتى صلى العصر ظاهره أنه لم يصلي الظهر.
قال الشيخ الشوكاني و فيه أن الجمعة إذا سقطت سقطت بوجه من الوجوه المسوغة لم يجب على من سقطت عنه أن يصلي الظهر و إليه ذهب عطاء، حكى ذلك عنه في البحر و الظاهر أنه يقول بذلك القائلون بأن الجمعة الأصل، و أنت خبير بأن الذي افترضه الله تعالى على عباده في يوم الجمعة هو صلاة الجمعة فإيجاب صلاة الظهر على من تركها أي الجمعة لعذر أو لغير عذر محتاج إلى دليل، و لا دليل يصلح للتمسك على ذلك فيما اعلم. اهـ
إذن ظاهر حديث ابن الزبير على أنه رخص لهم في الجمعة و لم يأمرهم بصلاة الظهر، لأن الجمعة أصل و الظهر بدل، فإذا سقط وجوب الأصل مع إمكان أدائه سقط البدل.
قال الشيخ الصنعاني في سبل السلام [2/113] : قلت : لا يخفى أن عطاء أخبر أنه لم يخرج ابن الزبير لصلاة الجمعة، و ليس ذلك بنص قاطع أنه لم يصل الظهر في منزله، فالجزم غير صحيح لاحتمال أنه صلى الظهر في منزله، بل في قول عطاء أنهم "صلوا وحدانا" أي الظهر ما يشعر بأنه لا قائل بسقوطه [إذ لا حاجة أن يذكر عطاء أنهم صلوا النافلة وحدانا فلا يبقى إلا أنهم صلوا الظهر وحدانا]
و لا يقال أن مراده صلوا الجمعة وحدانا فإنها لا تصح إلا في جماعة إجماعا.
ثم القول بأن الأصل في يوم الجمعة صلاة الجمعة و الظهر بدل، قول مرجوح، بل الظهر هو الفرض الأصلي المفروض ليلة الإسراء، و الجمعة متأخر فرضها، ثم إذا فاتت وجب الظهر إجماعا، فهي البدل عنه.
و صلى الله على محمد و آله وسلم
في يوم عرفة 9 ذي الحجة 122 هـ
تمت بحمد الله تعالى