تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حوار أدبي شيق وممتع حول قلب اللوز, والزلابية, والقهوة الزنجية.


سمير زمال
2009-06-09, 00:28
هذه حوار رائع وممتع بين الشيخ أبو يزيد المدني والأخ الفاضل أبو وائل حسان حول قلب اللوز, والزلابية, والقهوة الزنجية. أبدع فيه كلا الطرفين وساقا العديد من الفوائد والنوادر والدرر ..أترككم مع الحوار


أبو وائل حسان :

إليكم هذه الدرر:


عليك بشرب البنّ في كل حالة *** ففي البنّ للشرّاب خمس فوائد
نشاط وتهضيم وتحليل بلغم *** وتطييب أنفاس وعون لعابد

والمثل الغربي يقول:

une tasse de cafe par jour sa fait du bon sante


اعذرني يا إخوان عهدي بهذه اللغة بعيد جدا فإن أصبت فالحمد لله وإن كانت الأخرى فأمروها كما جاءت، ومن صحح فهو خير له( ابتسامة )


الشيخ أبو يزيد :
جزاك الله خيرا أخي حسّان, فقد هيجت ما كان ساكناً, وبعثت من كان في الرمس نائماً.
فاجتمعت في القلب لوعتان, لوعة للقهوة السوداء التي أغرمنا بها زمناً, ثم حرمنا منها أزماناً يوم قدمنا طيبة الطيبة, فصرنا لا نجد إلا قهوة شهباء مرّ مذاقها, صعب مراسها.
وكنا ولا زلنا نفرح بالوفود, ونسأل منه من يجود بقهوة زنجية, فإن السود في القهوة محمود, والشهب فيها مذموم.

وهذا رجاء من أخيكم لكل وافد ومعتمر ألا ينسانا من القهوة السوداء, فإني في القهوة على مذهب القائل:

لا أشتهي الأبيض المنفوخ من سمن......وإنما أشتهي السمر المهازيل.

وأما اللوعة الثانية: فهي لوعة لعهد تليد قد مضى أيام كنا بالجنوب, ننهل من المتون, ولم تكن لنا حينها سلوى ولا استراحة إلا مع الأشعار.
فكنا نلعب لعبة كنا نسميها لعبة القوافي, حيث تعقد الدائرة ويتوسطها أشعرنا, ثم يبتدئ البيت الأول على أن يأتي من يليه ببيت يبدأ بحرف قافية الأول, ومن عجز يطرد, إلا أن ينفرد الحافظ الشاعر.

وهذه ملح من الشعر أهديها للشيخ حسّان أولاً, ولأهل المنتدى ثانياً عن القهوة والبنّ.

يقول كاظم الأزدي في مدح القهوة السوداء, وذمّ القهوة الشهباء:
هي القهوة السوداء فانعم بشربها......ودع عنك شمطاء طوتها دهورها
فإن بياض العين للعين ظلمة...... وإن سواد العين للعين نورها

وقال ابن معصوم -في وصف القهوة حال يقظته من منامه-:
تعالي فأحييني بفنجانِ قهوةِ......إذا الصبحُ حيّا من نوافذِ غرفةِ
وأيقظني الدِّيكُ الفخورُ بفيقهِ...... فقمتُ نشيطاً بعد أطيب هَجعة
فللجسمِ بعد النومِ عزمٌ وقوةٌ......وللنفسِ آمالٌ بعودِ الأشعَّة
ونفحتُها للقلبِ ألطفُ نفحةٍ......وحمرتُها للعينِ أجملُ حمرة
ضَعي فوقها المقهاةَ حتى إذا غَلت......ضَعي البنَّ وائتينا بأطيَب قهوة
كزنجيَّةٍ بعد العبوسِ تبسَّمَت......وغَنَّت وقد حنَّت بوحشيِّ لهجة
وصفِّي الفناجينَ اللطيفةَ واسكُبي...... لِننشَقَ ريحَ المسكِ من غيرِ فأرة

وقال محمد جواد البغدادي, في مدح القهوة الشهباء (الحجازية) وهي تؤخذ بدون سكر, ولكن تكسر حدتها بالتمر, ولذلك قال شيخنا العلامة المحدّث حمّاد الأنصاري رحمه الله, قهوة بلا قدوع ( والقدوع هو التمر عند الحجازيين) مثل صلاة بلا خشوع:

أرى البنّ قد رام اجتماعاً بسكّر......وهيهات ما الضدّان يتّفقان
فقلنا له كيف السبيل وقد غدا...... رفيقك قيسياً وأنت يماني

الأخ الفاضل أبو وائل حسان

بدأ يحلو معك يا شيخ سليم السمر

القهوة في الأصل تطلق على الخمر، وعلى هذا وردت أشعارهم، ولعلّ إنما سميت قهوتنا الزنجية ـــ كما يحلو للشيخ سليم أن يسمّيها ـــ باسم الخمر، بجامع ما تحققه من نشوة، ولكونها كانت في الأصل شراب الأثرياء، فالفقير يحتاج إلى ما يملي بطنه، لا إلى ما يشعل عقله

قال ابن قنيبة في أدب الكتاب( قيل في ضبطه الكُتَّاب، والكِتَاب):

( والقَهْوَةُ ) الخمر سُمِّيَت بذلك لأنها تُقْهِي أي : تَذْهَبُ بشهوة الطعام

قال الكسائي : يقال قد أَقْهَى الرَّجُلُ إذا قَلَّ طُعْمُهُ.اهـ (ص139)

وفي نهاية الأرب في فنون الأدب:

وقيل: سميت خمراً لأنها تخامر العقول فتخلطها.

وقالوا: لأنها تخمر في الإناء، أي تغطى وهي مؤنثة.

ويقال لها: القهوة، لأنها تقهى عن الطعام والشراب،

يقال: أقهى عن الطعام وأقهم عنه إذا لم يشتهه. (ص 418)

وفي القاموس:

و القَهْوَةُ الخَمْرُ، والشَّبْعَةُ المُحْكَمَةُ، واللبنُ المَحْضُ، كالقِهَةِ، كعِدَةٍ، والرائِحةُ. والقَهْوانُ التَّيْسُ الضَّخْمُ القَرْنَيْنِ المُسِنُّ. وأقْهَى دامَ على شُرْبِ القَهْوَةِ.(3/467)

وأما كونها شراب الأغنياء، ففي تهذيب اللغة للأزهري أن القهوة من الرفاهية، وهذا لاشك فيه، فالأصل أن القهوة شراب زائد عن الضروريات والحاجيات، فهو من التحسينيات.

فقد قال الأزهري: وقال الليث: القاهِيُّ: الرجلُ المُخْصَب في رَحْله، وإنه لفي عيشٍ قاهٍ: أي رَفِيهٍ بين القُهُوَّة والقَهْوَةِ . (2/346).

وممّا قالوه فيها على أنها خمر:

وقهوة من فم الإبريق صافية ... كدمع مفجوعة بالإلف مِعْبار

كأن إبريقنا والراح في فمه ... طير تناول ياقوتا بمنقار


وقال أحدهم:

وليلةٍ بتُّ في ظلماتها طرباً ... يسعى إلي بشمس القهوة القمرُ
سهرتها سهراً من طيب لذته ... وددت لو أن عمري كله سهر

ُوقال التنيسي:

واسفك دم القهوة الصهباء تحي به ... روحي فإن دم الصهباء مطلول

يا خائف الإثم فيها حين تشربها ... لا تقنطن فعفو الله مأمول

قم فاسقني النض مما حرموه ولا ... تعرض لما كثرت فيه الأقاويل

من قهوة عتقت في دنها حقبا ... كأنها في سواد الليل قنديل

عروس كرم أتت تختال في حلل ... صفر على رأسها للمزح إكليل

قرى الضيف(1/451)

وممن ابتلي بشربها من الخلفاء:

الوليد بن يزيد بن عبد الملك، ذهب به الشراب كل مذهب، حتى خلع وقتل، وله في ذلك حكايات وأشعار. منها:

أنه سمع بشراعة بن الزندبوذ الكوفي، وكان من أهل البطالة المشهورين باللعب وإدمان الشراب، فاستدعاه بالكوفة إلى دمشق فحمل إليه فلما دخل عليه قال له:
يا شراعة ما أرسلت إليك لأسألك عن كتاب الله ولا سنة نبيه (صلى الله عليه وسلم)
قال: لو سألتني عنهما لوجدتني فيهما حماراً،
قال: وإنما أرسلت إليك لأسألك عن القهوة،
قال: أنا دهقانها الخبير، ولقمانها الحكيم، وطبيبها الماهر،
قال: فأخبرني عن الشراب
قال: سل عما بدا لك
قال: ما تقول في الماء قال: لا بد منه، والحمار شريكي فيه.
قال: فاللبن؟ قال: ما رأيته إلا استحييت من طول ما أرضعتني أمي به،
قال: فالسويق؟ قال: شراب الحزين والمستعجل والمريض.
قال: فشراب التمر؟ قال: سريع الامتلاء، سريع الانفشاش.
قال: فنبيذ الزبيب؟ قال: حاموا به على الشراب،
قال: فالخمر؟ قال: تلك والله صديقة روحي،
قال: وأنت والله صديق روحي،
قال: فأي المجالس أحسن؟
قال: ما شرب فيه على وجه السماء

ومن شعر الوليد:

خذوا ملككم لا ثبت الله ملككم ... ثباتاً يساوي ما حييت عقالا
دعوا لي سلمى والنبيذ وقهوة ... وكأساً، ألا حسبي بذلك مالا

((وهاهنا لغز فقهي)):


فلو سأل سائل وقال: هل من التحسينيات ما يمكن أن يرقى إلى أن يصبح من الضروريات؟

قلنا: نعم القهوة، هي في الأصل من التحسينيان، ومع الإدمان تصبح من الضرويات.

وللفائدة: الإدمان يدل على ضعف شخصية صاحبه، إذ كيف يتحكّم فيه مخلوق ضعيف كالقهوة، ومن باب أولى الدخان، وما شابه ذلك


استراحة مع القهوة(ابتسامة)

لكن هذا، لما كان شاربها يشعر بفائدة شربها، كما ذكرنا في الأبيات السابقة:

عليك بشرب البن في كلّ حالة *** ففي البن للشرّاب خمس فوائد

نشاط(1) وتهضيم(2) وتحليل بلغم(3) *** وتطيب أنفاس(4) وعون لعابد(5)

لكن بعدما صارت تخلط بالحمّص، والبوا كاسي، والعدس، والأرز ، وما قرّب إليها من حبوب و بهارات

أصبحنا نشعر من جراء شربها، بالخمول والبلادة، فكثر النائمون، وزاد في المدارس عدد الراسبون، وضاقت شوارعنا بالعطّالون البطالون.


والحذّاق من حمّاص القهوة يقولون: لقهوة شهيّة بهيّة نديّة، خذ لتحضيرها هذه الوصفة الطبية:

* 20% عربية(أربيكا)
* 80% برازيلية( تروبيكا)


محبكم
أبو وائل حسّان شعبان


الشيخ أبو يزيد

بارك الله فيك أخي حسّان أجدت وأفدت, فالقهوة كما ذكرت هي في الأصل تطلق على الخمر عند العرب.

قال أبو نواس في وصف القهوة الخمرية:

يا خاطِبَ القَهوَةِ الصَهباءِ يَمهُرُها......بِالرَطلِ يَأخُذُ مِنها مِلأَهُ ذَهَبا
قَصَّرتَ بِالراحِ فَاِحذَر أَن تُسَمِّعَها......فَيَحلِفَ الكَرمُ أَن لا يَحمِلَ العِنَبا
إِنّي بَذَلتُ لَها لَمّا بَصُرتُ بِها......صاعاً مِنَ الدُرِّ وَالياقوتِ ما ثُقِبا
فَاِستَوحَشَت وَبَكَت في الدَمنِ قائِلَةً...... يا أُمُّ وَيحَكِ أَخشى النارَ وَاللَهَبا
فَقُلتُ لا تَحذَريهِ عِندَنا أَبَداً...... قالَت وَلا الشَمسَ قُلتُ الحَرُّ قَد ذَهَبا
قالَت فَمَن خاطِبي هَذا فَقُلتُ أَنا......قالَت فَبَعلِيَ قُلتُ الماءُ إِن عَذُبا
قالَت لِقاحي فَقُلتُ الثَلجُ أُبرِدُهُ......قالَت فَبَيتي فَما أَستَحسِنُ الخَشَبا
قُلتُ القَنانِيَّ وَالأَقداحُ وَلَّدَها......فِرعَونُ قالَت لَقَد هَيَّجتَ لي طَرَبا

ويقول الستالي أيضاً في وصفها:

يا حبَّذا متعةُ الدّنيا وملْعَبها......وحبّذا القهوة العذراء نشربها
حمْرآء في يد ساقيها معتَقة......كأنها دم خِشف حين يسْكُبَها
ترى لها في فم الابريق بارقة......ليلاً إذا ما هوى في الكوب كوْكبُها

وممن جمع القهوة بمعنييها: (الخمر, والبنّ) المفتي فتح الله, حيث يقول:

عَلَيكَ بِالقَهوَةِ السّوداءِ تَشرَبُها......وَدَع لِرَشفِ الطّلى مَولودَة العِنَبِ
كَم غابَ عَن عَقلِهِ بِالخَمرِ شارِبها......وَشارِبُ القَهوَةِ السّوداءِ لَم يَغِبِ

قلت: وهذا ما يفسر إعراض الناس عن القهوة الزنجية (أو البنّ) عند أوّل اكتشافها, بل ذهب بعض العلماء -حينها- إلى تحريمها, وفي ذلك يقول العمريطي في أرجوزة له:

الحمد لله الذي قد حرما .... على العباد كل مسكر وما.
يضر في عقل ودين أو بدن ....وما يجر للفساد والمحن.
اعلم بان القهوة المشهورة..... كريهة شديدة المرورة.

قلت: ولعلّ السبب في تحريم العلماء لها أولاً عند ظهورها, هو اشتباهها بالخمر التي كانت تسمى قهوة عند العرب, هذا من جهة, ومن جهة أخرى لعدم تبيّن نفعها للجسم, حيث اعتقد أكثرهم أنها مضرة بالأبدان.
ولكن بعد أن استقرّ أمرها, وشاع ذكرها, وتبيّن وجه منفعتها, وافتراقها عن القهوة الخمرية, زالت شبهة التحريم, وغدت من أطايب الشراب.

وقد ردّ ابن معصوم (ت: 1119 هـ) الأديب وشنّع على من حرّم القهوة الزنجية, حيث قال:

يا قائِلاً إِنَّ قشرَ البُنِّ قد حَرُما......لكونه مُفسداً عقلَ الَّذي طَعِما
إِفسادُه العقلَ مَمنوعٌ كما شَهِدَت...... به التَجاربُ فاِسأل من به عَلما
وإِن بتحريمِهِ أَفتى مكابرةً......أَبو كثيرٍ فدَعهُ والَّذي زَعَما
فَلَيسَ تحريمُه يوماً بضائِرنا......إِذ كانَ إفسادُه للعقل قد عُدِما
وَما يحلِّلُ شَيئاً أَو يحرِّمُه......إلا الَّذي خلقَ الأَشياءَ لا العُلَما

قلت: "وقوله قشر البنّ, لأنّ أهل اليمن كانوا وما زالوا يشربون قشر البنّ لا البنّ.

محبكم: ابو يزيد المدني


الشيخ أبو يزيد

ياشيخ سليم القهوة سلفية والزلابية بدعة محدثة.

أمّا القهوة الحجازية، وإن شئت فقل العربية، فأنا لا أشاطرك الرأي يا شيخ سليم فيها،

فو الله إنّي لمن عشاقها، خاصة النّجدية، إذا ما اكتحلت بزعفران إيراني، وتطيّبت بالهيل الأمريكي، واستوت على جمر صحراوي، فلا تسل عن تلك النكهة، وذلك المذاق، وتلك الرائحة الفوّاحة

و والله لا أعلم في حياتي أني شربت شيئا مُرّا بمحض إرادتي من غير إكراه إلا هذه القهوة العربية، وبعدها يأتي الدواء الذي يشرب بشق الأنفس..

وللنّاس فيما يعشقون مذاهب، وقد قال الشاعر الأسطورة أبو الطيب :


لا تعذل المشتاق في أشواقه * * * حتى يكون حشاك في أحشائه

((أمّا قولنا في الزلابية))


فأقول: عفا الله عنك يا شيخ سليم (ابتسامة)

أنا تكلمت على شيء سلفي( القهوة )،

لا على شيء محدث مبتدع ( الزلابية)...

فأنت ترى أنّي أوردت النثر والشعر عن سلف هذه الأمة عن القهوة وما قيل فيها في كتب المعاجم والأدب، كما أنّك فعلت ذلك أيضا.

لكن الزلابية هذا المخلوق العجيب، الذي لا يدرى أوله من آخره، بدعة محدثة في العصر الحديث، فمن جاء بها هو من يطالب بالاستدلال لها، فأنا لا علم لي بها.

اللهم إلاّ ما روّينا أن أصل خلقة هذا المخلوق بسبب غلطة لإحدى ناقصات العقل والدّين، حيث أنها كانت تريد أن تصنع كعكا(gateau)، فسقطت منها قطعة من العجين خطأ في المقلى، فيها زيت تغلي، فخرج هذا المخلوق العجيب، بسبب زلة، فقالت:

زلّة بيّ، أي: وقعت منّي زلّة، فَجَرَتْ تسميتها، بزلابية،

هكذا قيل، والله أعلم.

وإن كان أخونا عبد المؤمن حفظه الله يقول:

أنا أشعر أني أكبر وأنا آكلها.

فلذلك أنا لست من هواتها، فإن كان ولابدّ: فعليك يا شيخ سليم بزلابية بوفاريك، من باب دفع الضرر الأكبر بالضرر الأصغر.

محبكم
أبو وائل حسّان شعبان

.......يتبع بإذن الله

meriem22
2009-06-09, 00:30
جزاك الله خيرا أخي

أمجد الجلفـة
2009-06-09, 23:41
مشكووووووووووووورة