المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقتطفات من التاريخ السوري (1) سورية عبر التاريخ


أبو يوشع
2013-10-08, 19:41
أثبتت الكشوف الأثرية التي تحققت خلال العقود الأخيرة، أمرين هامين: الأول أن هذه المنطقة التي تسمى عند العرب بلاد الشام تعتبر من أقدم مناطق العالم حضارة، وأن هذه الحضارة مترابطة عضوياً على الامتداد الجغرافي ومتكاملة. والأمر الثاني أن هذه البلاد تحمل بعداً سياسياً دولياً واسعاً لا يقاس بحجمها، إذ أن موقعها بين قارات ثلاث مازال ذو أهمية استراتيجية وتجارية عالمية، ولقد برزت هذه الأهمية تاريخياً منذ نشاط طريق الحرير الذي يبدأ من الصين مروراً بسواحلنا على البحر الأبيض المتوسط أو باتجاه جنوب سورية، عبر تدمر وحلب، وكانتا من المراكز الهامة في هذا الطريق. وكان الهلال الخصيب الذي يمتد رأسه الشرقي من الخليج العربي، وينتهي رأسه الغربي في سيناء، منطقة ازدهار اقتصادي وإشعاع حضاري عبر جميع العصور، يضاف إلى ذلك أهمية إشراف سورية على صدر البحر المتوسط الذي أفسح لها في العبور إلى جميع مرافئ البحر وإلى أنحاء أخرى من العالم، وأصبحت قادرة، من خلال تبادلاتها التجارية وتحركاتها العسكرية أن تصنع تاريخها وأن تشارك في صنع تاريخ هذا الجزء من العالم.
إن الأهمية الاستراتيجية لموقع سورية جعلها مليئة بالمدن العامرة والحواضر التي لعبت دوراً حضارياً كبيراً منذ العصور التاريخية القديمة.
ومازالت الحفريات الأثرية في أحواض الفرات والخابور والعاصي وحول المدن الكبرى وفي الساحل والجنوب، تكشف عن حواضر قديمة حددت بدايات التاريخ والحضارة الإنسانية على هذه الأرض. ولقد كانت شبكات الطرق بين هذه الحواضر والمدن متشعبة، مما جعل الوحدة الثقافية والعقائدية والاقتصادية أكثر رسوخاً واستمراراً.
بل كانت هذه الوحدة سبباً في التطلع المستمر لتحقيق وحدة سياسية، لولا صعوبة وسائل الانتقال والاتصال. ومع ذلك فإن المكتشفات الأثرية أبانت بوضوح محاولات الملك الأكادي "صارغون" لتحقيق وحدة سياسية من البحر الصغير الخليج العربي إلى البحر الكبير البحر المتوسط.
ومع أننا لا نستطيع تحديد تسمية سياسية شاملة لهذه المنطقة، يبقى من الممكن إطلاق تسميات حضارية وسمت المنطقة الجغرافية بسمة مشتركة، دون أن تكون ثمة قيادة سياسية ونظام حكم متماسك كما يفهم اليوم عند تحديد أسماء الممالك والدول. وإن كان ولاء بعض المدن الأخرى يعتبر مظهراً من مظاهر الوحدة السياسية.
إن وحدة هوية الإنسان الذي شكل حضارة هذه المنطقة هي التي تدفعنا إلى تحديد خرائط جغرافية تضم الحواضر التي احتوت فعاليات هذا الإنسان وحفظت آثاره وتراثه.
لابد أن نوضح أولاً أن الرأي القائل من أن جميع الأقوام التي شكلت حضارات فيما بين الرافدين والبحر المتوسط، قد هاجرت تباعاً وبصورة مباشرة من الجزيرة العربية لم يعد أساسياً في تحديد هوية هذه الأقوام. فإذا كان الأكاديون الأوائل منذ الألف الثالث قبل الميلاد قد هاجروا من مكان ما في الجزيرة العربية حاملين معهم لغة الجزيرة وعقائدها. فإن الآشوريين والعموريين والكنعانيين والآراميين والكلدان هم العرب الذين انتقلوا من الرافدين باتجاه الشمال والغرب ليشكلوا حواضر وحضارات أصبحت أكثر أبعادها واضحة بعد الحفريات الأثرية المتتالية.
لا يعني هذا أن الهجرات في منطقة الهلال الخصيب إنما ابتدأت بعد ازدهار الأكاديين والبابليين،بل إن الوجود العربي أو السامي في بلاد الرافدين قد يعود إلى الألف السادس قبل الميلاد، وإن تلك الهجرات تتابعت منذ ذلك التاريخ، لتشكل وحدة قومية.
ويكفي باعتقادنا أن تكون اللغة والعقائد هي مقياس هذه الوحدة وهذا الانتشار الأكادي العربي المتتالي، فلقد تبين أن الفروق بين اللهجات تتفق جداً مع الفروق بين المسافات المتباعدة عن المصدر الأساسي للوجود العربي.
وكما سنرى فإن الشعوب التي تعاقبت على المنطقة المحصورة فيما بين النهرين والبحر كانت تنتسب إلى قومية متقاربة لا تختلف عن بعضها إلا بالمطامح السياسية والاقتصادية وبالنفوذ الجغرافي، بل إنَّ العالم الأثري "مورتغات" يسمي الحضارات التي تعاقبت على هذه المنطقة منذ العموريين باسم "الحضارة الكنعانية" كتعبير عن وحدة قومية شاملة.
على أنه لا بد من الإشارة إلى أن تكوّن دولة بالمعنى الذي نفهمه اليوم لم يتم بوضوح، بل ثمة دولة ذات عاصمة واحدة أو أكثر كانت واسعة السلطان تفرض نفوذها على مدن كبيرة أو صغيرة أخرى قريبة، فتقوم بإلحاقها أو بتعيين ملوكها لتأكيد نفوذها عليها.
ومع ذلك نستطيع أن نحدد تسميات لهذه المنطقة التي نعرفها اليوم باسم سورية ولبنان وفلسطين والأردن، وذلك بالاعتماد على الخصائص الحضارية والسياسية لكل مرحلة من مراحل تاريخ هذه المنطقة،



http://pictures.msharkat.com/u/image-67566.gif (http://pictures.msharkat.com/u/image-67566.gif)
انا سوري وتاريخي يحكي عني ...

أبو يوشع
2013-10-08, 20:11
إذا كان سكان المنطقة الشمالية قد توطنوا واندمجوا في حضارة ذلك العصر، فإن الأعراب في البادية كان أكثرهم على بداوتهم في الجنوب. وفي أخبار "شاروكين" أو "صرغون الثاني الآشوري"، ذكر لاسم قبائل "شمو" و"عبابيدي" و"مرسيمانو" و"الخيافة"، وهم العرب البعيدون القاطنون في البادية، لا يعرفون حاكماً أو نظاماً ولم يؤدوا الجزية إلى أي ملك.علماً أن القبائل العربية في البادية كانت على اتصال بالممالك المتحضرة، ويذكر إن قبيلة عربية برئاسة الشيخ جندبو العربي كانت قد تعاونت مع ملك دمشق في موقعة "قرقر" عندما هاجم دمشق "شلمناصر الثالث" ملك آشور.
وتذكر العالمة الأثرية "شترومنغر" أن العرب لم يكونوا مجرد رعاة غنم وإبل، بل كانوا تجاراً أوصلتهم تجارتهم بقوافلهم إلى مناطق مستقرة وقد شاركوا في المعارك، إذ كانت بادية الشام مسرحاً لصراعات كبيرة بين الرافديين والآراميين والكنعانيين.
ونستطيع القول انه لا مبرر لربط الشعوب التي تكلمت لغة واحدة ذات لهجات مختلفة على أنها شعوب سامية بل هي من الشعوب العربية، لكن كلمة عرب مرتبطة بأذهان المستشرقين بمفهوم البدو الأعراب، مع أنها كلمة قديمة تعني شعوب هذه المنطقة الذين كانوا أعراباً في البادية وعرباً في الحضر. إن مبرر استعمال صفة العرب هو اللغة، فلقد تأكد علماء اللغة أن اللغة العربية الحالية قديمة جداً وترجع إلى بداية التاريخ، ولكنها كانت على شكل لهجات، الأكادية والإيبلائية والآرامية والكنعانية ثم النبطية فالعربية. ونظرة متفحصة للمعجم المقارن بين هذه اللهجات، تتوضح الأواصر اللغوية وأساس اللغة العربية. بل أساس الأمة العربية وقصة التاريخ العربي منذ بداية التاريخ.

انا سوري وتاريخي يحكي عني ...

أبو يوشع
2013-10-08, 20:15
سورية و البحر المتوسط - قصة أوربا بنت أجينور


يتجلى أثر حضارة الساحل السوري على أوربا من خلال انتقال عبادة الآلهة الكوكبية ومن خلال انتقال الأبجدية وتسمية القارة باسم أوربا ابنة الملك "أجينور" ملك صور ثم انتقال ملك صور قدموس شقيقها وتأسيس "قدميا" وتعليم اليونان الأبجدية.
وصورت هذه الانتقالات على شكل أسطورة ولكنها أصبحت عقيدة الأوربيين. تقول أسطورة أوربا. إن زيوس رب الأرباب في أثينا، علم بجمال وكمال أوربا ابنة أجينور ملك صور، فجاءها على هيئة ثور وكانت تلعب مع أترابها على شواطئ البحر المتوسط، فأغراها ودفعها إلى امتطاء ظهره وعبر بها عباب البحر، حتى إذا وصلا إلى اليونان أعلن زواجه منها، وهكذا حملت القارة اسم "أوربا".
وتفقد الملك أجينور ابنته، فأرسل ابنه قدموس للبحث عنها، وعندما وصل إلى طيبة استقبله الناس بالترحاب، وهناك علمهم الأبجدية الفينيقية وأنشأ مدينة "قدميا".

انا سوري وتاريخي يحكي عني ...

أبو يوشع
2013-10-09, 19:07
سورية و البحر المتوسط - أوغاريت والأبجدية السورية


كي نبدأ الحديث عن سورية الحضارة وما أعطته إلى الغرب، لابد أن نتحدث أولاً عن الأبجدية التي ابتكرها السوريون القدماء ونقلوها إلى الغرب.
في عام 1933م، عثر في مدينة أوغاريت "رأس الشمرة" قرب اللاذقية على رقيم صغير الحجم يحوي عدداً من الصيغ المسمارية وعددها ثلاثون شكلاً، تبين بعد الدراسة والتدقيق أن هذه الأشكال المسمارية ما هي إلا حروف أبجدية لم يعرف لها نظير، بل لقد تأكد للباحثين أن هذه الأبجدية هي الأولى في العالم وأنها ترجع إلى منتصف الألف الثاني قبل الميلاد.وكان العالم مونتيه قد عثر عام 1922 على أبجدية أخرى في جبيل منقوشة على ضريح أحيرام وترجع إلى زمن لاحق، القرن العاشر ق.م
وتبدو أهمية ضريح أحيرام هذا، والذي يرجع إلى القرن العاشر قبل الميلاد بما فيه من رسوم نافرة جميلة تمثل أحيرام والد أيشوبعل ملك جبيل الذي صنع الضريح له، وأمامه رتل من الباكيات الناحبات والعابدات، وبعضهن يمزقن ثيابهن علامة الحزن، فإن أهميته التي اشتهر بها ترجع في الواقع إلى النص المكتوب عليه بأحرف أبجدية مازالت تعتبر حتى الآن الشكل الأولي للأحرف الأبجدية العربية واللاتينية.
وكان الكنعانيون وهم قدماء العرب السوريين على ساحل البحر الأبيض المتوسط، قد تبنوا منذ العصور الأولى الكتابة التي نراها في أوغاريت، حيث كان من المألوف هناك استعمال الكتابة المسمارية التي كانت منتشرة في بلاد الرافدين، والتي استمرت وسيلة الأكاديين والعموريين العرب القدماء ثم سكان أوغاريت من الكنعانيين، وكان لابد من استعمال هذه الكتابة بسبب طريقة النقش على ألواح الطين بمسمار خاص، ولكن المهم في أوغاريت أنهم قد استعملوا الكتابة المسمارية على الرقم الفخارية وكانت غير أبجدية كالكتابة الصينية، ثم قاموا بحذف أكثر الإشارات التي كانت تلازم الكلمات ذات الدلالة الصوتية المختصرة، واكتفوا بصورة تناسب الصيغة الصوتية، فكانت الحروف الأبجدية الأوغاريتية وعددها ثلاثون حرفاً، هي أول أبجدية في العالم. ويقول أحد الباحثين "جورج بيرو":
إن ابتكار الأبجدية كان حدثاً هاماً جداً لا يمكن مقارنته بأي حدث آخر في تاريخ الجنس البشري، وهو أعظم من ابتكار الطباعة، إذ أن تحليل الكلام وإرجاعه إلى عناصره الأولية يحتاج إلى عمل فكري عظيم.".
يقدم لنا نقش أحيرام أبجدية كاملة مقروءة ومفهومة بوضوح، ذلك أن كل حرف يعتمد بصيغته وشكله على دلالته المادية لأشياء معروفة، فإذا كانت الإشارة يمكن أن تترك بعض الشك في هويتها بالنسبة للشكل المادي الذي يمثله الحرف، فإن اسم هذه الحروف يسعفنا في تثبيت هذه الدلالة.
وتسميات الحروف باللغات الكنعانية في ذاتها هي تسميات الحروف العربية لوحدة اللغتين، وهي تبين أن الحرف الأول "كما نراه في الجدول المرفق" يسمى ألف، وتعني رأس البقرة، ويرمز إليها بما يوضح خصائص البقرة، وهو الرأس ذو القرنين، وأن بيتا "الباء" وتعني المنزل أو البيت كما هو واضح ورمزها مخطط غرفة أو صحن دار، وجيمل "الجيم" أو الجمل ويمثل بسنم، وداليت "الدال" وتعني الدلاية أو مطرقة الباب وتأخذ هذا الشكل، وياد "الياء" وتعني اليد ورمزها الزند والساعد، وكوف "الكاف" وتعني الكف ورمزها مشابه لكف اليد، وراس "الراء" وتعني الرأس وتحمل شكل الرأس، وسن "السين" وتعني السن ويأخذ الحرف شكلاً مضرساً، وماء "الميم" وتعني الماء وتتجلى بشكل متموج، وهكذا..
ولقد انتقلت هذه الأبجدية إلى الكتابة الآرامية والنبطية، ومن ثم إلى العربية الأولى ثم العربية الحديثة.
كذلك انتقلت إلى الأحرف الإغريقية واللاتينية كما يبدو جلياً من الجدول المرفق.

ويقول المؤرخون، أن قدموس شقيق أوروبا وقد مضى إلى بلاد اليونان باحثاً عن أخته، وبعد أن وصل إلى (بيوتيه) أنشأ مدينة قدميا شمالي أثينا، وقام هناك بتعليم الناس أبجدية الكنعانيين، واستمرت هذه الأبجدية مستعملة مع بعض التحوير، وحاملة التسميات الكنعانية القديمة نفسها ، ثم انتشرت هذه الأبجدية في جميع الكتابات الغربية بعد أن تبناها الرومان.
ولقد عثر على نقد برونزي من عصر الإمبراطور غاليان يحمل في أحد وجهيه صورة قدموس يعلم أهل طيبة الأحرف الأبجدية الكنعانية، وهذا النقد محفوظ حالياً في المكتبة الوطنية في باريس.
و كتب هيرودوت ق5ق.م: "إن الفينيقيين القادمين مع قدموس جلبوا إلى الإغريق معارف كثيرة ومنها الحروف التي لم يكونوا يعرفونهها. وكان القدموسيون يستعملونها بادئ الأمر بشكلها الفينيقي المألوف. ومع الوقت أدخلوا عليها بعض التغييرات كما غيروا أيضاً في لسانهم، وآنئذ كان أكثر الإغريق الذين يحيطون بالفينيقيين من الأيونيين، فتعلموا منهم الحروف واستعملوها محرفة قليلاً ولكنهم استمروا على تسميتها بالكتابة الفينيقية تاريخ هيرودوت ج5ف58. ولقد أدخل الإغريق الأوائل على هذه الحروف، الحروف الصوتية.".
وحوالي عام 800ق.م ظهر الإتروسكيون في شمالي إيطاليا، ويعود أصلهم إلى الساحل السوري وكيليكيا، وقد نقلوا الأبجدية نفسها إلى الرومان وبدت باللغة اللاتينية، وقام كيريللوس بالاستفادة من هذه الحروف لوضع أسس الكتابة السلافية.


انا سوري وتاريخي يحكي عني ...

أبو يوشع
2013-10-09, 19:19
لم تكن سورية في الألف الثالث والثاني ق.م مستقلة سياسياً، ولكنها كانت ممالك مجزأة للعموريين كما ذكرنا وهم سكان الغرب، ولعلهم جاءوا من بلاد أكاد، وكانت عاصمتهم ماري التي قضى عليها حمورابي البابلي عام 1800ق.م.
لعب العموريون دوراً كبيراً في الشمال في الألف الثالث وأوائل الألف الثاني ق.م ثم انتقل نفوذهم إلى الجنوب، ولقد تعرضت بلاد عمورو لضغط الحثيين من الشمال، وضغط المصريين من الجنوب.
وقد عبد العموريون الإله "حدد" أو "أدد" ويعرف باسم "رمانو" أي صانع الصواعق وهو إله المطر والعواصف، ثم أصبح اسمه البعل الأعظم ثم الإله "رب". وعبدوا كذلك الإله "دجان" إله الحنطة. وكانت "عاشيرات" شريكة الإله "عمورو" وهي تشبه "عشتار". وكان رمز ديانتهم العمود المقدس يوضع في مكان ظاهر.
في بداية القرن 14ق.م تقدم الحثيون من الشمال لاحتلال سورية بقيادة "شوبيلو ليوماش"، فخضعت له جميع المناطق من الفرات إلى البحر ووصل إلى "قادش" التي كانت أقصى حدود سلطة مصر. و"قادش" النبي مندو تقع جنوب غرب حمص وكانت مملكة مستقلة.
ولأن الحثيين لم يستطيعوا الاستقرار في سورية بسبب حروبهم مع الميتانيين، عادوا إلى سورية في حرب ثانية للسيطرة على الميتانيين ولوضع حد نهائي لتدخلهم في سورية.
لقد أسس ملك الحثيين نظاماً جديداً في سورية يقوم على حكم الولايات من أهل البلاد، وكان لتقدم هؤلاء الحكام تحت جناح الحثيين أثره في إثارة مصر إذ كانت دمشق واقعة على حدود مصر أيام "أمنحوتب الرابع" أخناتون.
وفي عصر "مور شيليوش" ابن "شوبيلو ليوماش" الذي مات في عصر "توت عنخ أمون" عام 1310ق.م حافظت الإمبراطورية الحثية على حدودها. ولكن "سيتي الأول" تسلم الحكم في مصر وقاتل الحثيين لوقف توسع نفوذهم، ولعله لم يحسم النزاع، إذ أن ابنه "رمسيس الثاني" الذي استلم الحكم سنة 1290ق.م، قرر خوض الحرب ضد "مواتاليش" ملك الحثيين في "قادش"، وقد عرفت هذه المعركة أكثر من غيرها: كما كتب ورسم عنها في حينها.
ومن الرسوم المنقوشة ما نراه في معبد الأقصر على البوابة الكبرى الخاصة برمسيس الثاني، وعلى الحائطين الجنوبي والجنوبي الشرقي للردهة، وكذلك على الحائط الغربي من الخارج لردهة "أمنحوتب الثالث".
في معبد الكرنك، نقشت لوحة قادش على الحائط الخارجي لردهة العمد الكبرى، وعلى الحائط الخارجي بين البوابتين التاسعة والعاشرة. وفي معبد "الرامسيوم" نقشت هذه المعركة على البوابة الثانية.




انا سوري وتاريخي يحكي عني ...

أبو يوشع
2013-10-09, 19:28
هي رسائل على ألواح طينية اكتشفت عام 1887 في تل العمارنة التي كانت عاصمة "أخناتون" 1375-1358ق.م واسمها "أخت آتون". وكان هذا الفرعون قد نادى بالتوحيد متأثراً بالعقائد السورية القديمة، فنقل عاصمته من طيبة إلى العمارنة التي تقع جنوبي القاهرة. وهذه الألواح أو الرقم وجدت محفوظة في 1300 جرّة تشتمل على سجلات ملكية ورسائل من ملوك سورية إلى والده امنحوتب الثالث وإليه. وهي مدونة بالمسمارية وبلهجات رافدية قديمة. وأصبحت هذه الرسائل مصدراً تاريخياً هاماً عن الحقبة خلال القرنين الخامس عشر والرابع عشر ق.م. وقد نشرت هذه الرسائل بلغات مختلفة.







انا سوري وتاريخي يحكي عني ...

أبو يوشع
2013-10-09, 19:35
لعل الظروف الحربية القاسية في البلاد العمورية وبخاصة في إيبلا، كانت السبب في نزوح السكان إلى مصر على موجات متتالية، وكان العموريون يحتلون بعض المواقع مثل "قطنة" المشرفة شمال حمص، وكانت عاصمتهم "شكيم" نابلس و"أريحا" تل السلطان حتى استقر بهم الأمر في سيناء ومنها ساروا إلى مصر حيث تمكنوا من الاستيلاء على الحكم خلال 1785ق.م-1580ق.م. وكان المصريون يطلقون عليهم اسم "مينوساتي" أي رعاة آسيا، وأطلق عليهم اليونان فيما بعد اسم "الهكسوس" أي الملوك الرعاة، وجرى على هذا الاسم المؤرخون.

كان "الهكسوس" محاربين أشداء وكانت مواقعهم في سورية محصنة ومسورة ومحاطة بخنادق المياه. وفي مصر أقام زعيمهم "سلاطيس" أولا في "ممف" وفرض الجزية على مصر العليا والسفلى، وأقام فيها المعاقل لصد الآشوريين عن وادي النيل، ثم بنى مدينة "أوراس" في ولاية "حمان" وحصنها بالأبراج والقلاع والأسوار وأكثر من حاميتها التي بلغ عددها 240ألف مقاتل. وكان "سلاطيس" يأتي إليها صيفاً لجمع الحنطة ودفع رواتب الجند والإشراف على تنظيم الجيش وتدريبه لحماية سلطانه على مصر. وكان "الهكسوس" قد أدخلوا إلى مصر استعمال الخيل والعربات الحربية التي تجرها الخيول، مما ساعدهم على الفتح والاحتلال وفرض القوة والهيبة على المصريين الذين لم يألفوا هذا النوع من العتاد والسلاح، كالسيف المقوس المصنوع من الحديد والقوس المركب، كما أدخلوا تحسينات هامة في صناعة المعدن.

وكان اسم الإله "إيل" شائعاً عند "الهكسوس"، ولكنهم لم يفرضوه على المصريين، إلا أن العقيدة بالإله الواحد قد تسربت عنهم إلى المصريين، فكانت ثورة "أخناتون" التي جعلت "آتون" الإله الذي وراء الشمس وصانعها عوضاً عن "أمون" إله الشمس فقط.

وفي عام 1580ق.م استطاع الفرعون "أحمس الأول" أن يقضي على سلطان "الهكسوس" وينتهي حكمهم في مصر.

لعل الظروف الحربية القاسية في البلاد العمورية وبخاصة في إيبلا، كانت السبب في نزوح السكان إلى مصر على موجات متتالية، وكان العموريون يحتلون بعض المواقع مثل "قطنة" المشرفة شمال حمص، وكانت عاصمتهم "شكيم" نابلس و"أريحا" تل السلطان حتى استقر بهم الأمر في سيناء ومنها ساروا إلى مصر حيث تمكنوا من الاستيلاء على الحكم خلال 1785ق.م-1580ق.م. وكان المصريون يطلقون عليهم اسم "مينوساتي" أي رعاة آسيا، وأطلق عليهم اليونان فيما بعد اسم "الهكسوس" أي الملوك الرعاة، وجرى على هذا الاسم المؤرخون.

كان "الهكسوس" محاربين أشداء وكانت مواقعهم في سورية محصنة ومسورة ومحاطة بخنادق المياه. وفي مصر أقام زعيمهم "سلاطيس" أولا في "ممف" وفرض الجزية على مصر العليا والسفلى، وأقام فيها المعاقل لصد الآشوريين عن وادي النيل، ثم بنى مدينة "أوراس" في ولاية "حمان" وحصنها بالأبراج والقلاع والأسوار وأكثر من حاميتها التي بلغ عددها 240ألف مقاتل. وكان "سلاطيس" يأتي إليها صيفاً لجمع الحنطة ودفع رواتب الجند والإشراف على تنظيم الجيش وتدريبه لحماية سلطانه على مصر. وكان "الهكسوس" قد أدخلوا إلى مصر استعمال الخيل والعربات الحربية التي تجرها الخيول، مما ساعدهم على الفتح والاحتلال وفرض القوة والهيبة على المصريين الذين لم يألفوا هذا النوع من العتاد والسلاح، كالسيف المقوس المصنوع من الحديد والقوس المركب، كما أدخلوا تحسينات هامة في صناعة المعدن.

وكان اسم الإله "إيل" شائعاً عند "الهكسوس"، ولكنهم لم يفرضوه على المصريين، إلا أن العقيدة بالإله الواحد قد تسربت عنهم إلى المصريين، فكانت ثورة "أخناتون" التي جعلت "آتون" الإله الذي وراء الشمس وصانعها عوضاً عن "أمون" إله الشمس فقط.

وفي عام 1580ق.م استطاع الفرعون "أحمس الأول" أن يقضي على سلطان "الهكسوس" وينتهي حكمهم في مصر.


انا سوري وتاريخي يحكي عني ...

أبو يوشع
2013-10-09, 19:39
تعود أولى المنشآت في ماري على الفرات، إلى 2900ق.م وكانت ماري محاطة بسور قطره 1.9كم ولم نعرف
شيئاً عن مبانيها ولكن منذ 2350ق.م أعيد إنشاء المدينة وكان من أبرز منشآتها القصر الكبير وحرمه ومعابد: "عشتار" و"نيني زازا" و"عشتارات" و"شماش" وفيها عثر على عدد من التماثيل الهامة وعدد من الأختام الأسطوانية التي نقشت عليها رموز الحرب والسلام والعبادة والأساطير.
كان قصر ماري أشبه بمتحف للتماثيل والرسوم الجدارية التي تمثل جنوداً وصيادين، مع مناظر القربان والتضحية للآلهة ومشاهد تتويج ملك ماري، نقل بعضها إلى اللوفر.
تم اكتشاف ما يقرب من 25 ألف رقيم في مكتبة القصر في ماري، أبانت مدى ازدهار هذه الحاضرة ومدى توسع نفوذها، والحروب التي دخلتها مع جاراتها لتحقق الوحدة بزعامتها، ولقد استفادت ماري من موقعها الهام بوصفها ملتقى طرق المواصلات الكبيرة التي تصل البحر المتوسط والأناضول وغربي سورية من جهة، وسورية الوسطى والجنوبية من جهة أخرى، وكانت علاقتها التجارية تصل إلى "حاصور" في فلسطين وإلى "كريت" وقبرص و"حاتوشا" في الأناضول وإلى "دلمون البحرين على الخليج العربي. وكانت تستورد النحاس من قبرص والقصدير من شمالي إيران لصنع الأسلحة المتطورة.
وهكذا اختلطت الفعاليات التجارية مع الفعاليات العسكرية لتحقيق ثروة ماري ونفوذها وتوسعها الجغرافي، وكان قصر الملك الواسع جداً مقراً للسلطة التجارية والتي تتوضح من خلال الصور الجدارية في باحة القصر، وكانت لوحات جصية ملونة تمثل تقديم القرابين للآلهة شكراً على انتصار أو تحرر، أو تمثل العبادة.


انا سوري وتاريخي يحكي عني ...

أبو يوشع
2013-10-09, 19:46
مقتطفات من التاريخ السوري (7)

أبو يوشع
2013-10-09, 19:52
تعود أولى المنشآت في ماري على الفرات، إلى 2900ق.م وكانت ماري محاطة بسور قطره 1.9كم ولم نعرف
شيئاً عن مبانيها ولكن منذ 2350ق.م أعيد إنشاء المدينة وكان من أبرز منشآتها القصر الكبير وحرمه ومعابد: "عشتار" و"نيني زازا" و"عشتارات" و"شماش" وفيها عثر على عدد من التماثيل الهامة وعدد من الأختام الأسطوانية التي نقشت عليها رموز الحرب والسلام والعبادة والأساطير.
كان قصر ماري أشبه بمتحف للتماثيل والرسوم الجدارية التي تمثل جنوداً وصيادين، مع مناظر القربان والتضحية للآلهة ومشاهد تتويج ملك ماري، نقل بعضها إلى اللوفر.
تم اكتشاف ما يقرب من 25 ألف رقيم في مكتبة القصر في ماري، أبانت مدى ازدهار هذه الحاضرة ومدى توسع نفوذها، والحروب التي دخلتها مع جاراتها لتحقق الوحدة بزعامتها، ولقد استفادت ماري من موقعها الهام بوصفها ملتقى طرق المواصلات الكبيرة التي تصل البحر المتوسط والأناضول وغربي سورية من جهة، وسورية الوسطى والجنوبية من جهة أخرى، وكانت علاقتها التجارية تصل إلى "حاصور" في فلسطين وإلى "كريت" وقبرص و"حاتوشا" في الأناضول وإلى "دلمون البحرين على الخليج العربي. وكانت تستورد النحاس من قبرص والقصدير من شمالي إيران لصنع الأسلحة المتطورة.
وهكذا اختلطت الفعاليات التجارية مع الفعاليات العسكرية لتحقيق ثروة ماري ونفوذها وتوسعها الجغرافي، وكان قصر الملك الواسع جداً مقراً للسلطة التجارية والتي تتوضح من خلال الصور الجدارية في باحة القصر، وكانت لوحات جصية ملونة تمثل تقديم القرابين للآلهة شكراً على انتصار أو تحرر، أو تمثل العبادة.


انا سوري وتاريخي يحكي عني ...

أبو يوشع
2013-10-09, 19:56
تقع إيبلا في محافظة إدلب، وكانت المدينة العاصمة الكبيرة لشمالي سورية ما بين 2400-2300ق.م لقد سيطرت على طرق التجارة الواسعة باتجاه البحر غرباً والأناضول شمالاً وبلاد الرافدين شرقاً، ومنذ عام 1974 اكتشفت وثائق القصر الملكي المؤلفة من آلاف الألواح الفخارية المنقوشة مسمارياً بلهجة إيبلا التي ترتبط باللهجة الأكادية الشرقية واللهجة الأوغاريتية الساحلية، وهذه اللهجات هي أصل اللغة العربية.
وتتألف المدينة من القصر الكبير والقصر الجديد والقصر الشمالي وركن معبد عشتار. ولقد عثر في هذه المنشآت وفي بئرين أيضاً على كثير من اللقى الهامة من تماثيل وحلي وأباريق، ويحيط المدينة سور يشمل القلعة.
كان النظام السياسي في إيبلا قائماً على الأمن والتوسع للسيطرة على التجارة في المنطقة من خلال تحقيق وحدة سياسية. وكان الملك يقف على رأس هذا النظام، وكان للملكة والشيوخ نفوذ مساعد، وكان ولي العصر الابن البكر يقوم بمهام السفارة أو يقوم بحكم بعض المناطق النائية، أو يتولى الشؤون الداخلية وحفظ النظام. وتذكر وثائق إيبلا أسماء ستة ملوك، وفي الحقبة التي حكم فيها آخرهم، كانت مدينة ماري خاضعة لإيبلا وتدفع لها الجزية التي وصلت إلى 2193ميناً من الفضة و134ميناً من الذهب، أي حوالي 1052كغ من الفضة و64.5كغ من الذهب.
ولكن إيبلا كانت في بداية عصر السلالات الملكية قد تحملت عمليات حربية توسعية من سلالة "صارغون" الأكادي الذي ادعى أن الإله "دجن" ومقره "توتول" وهو تل البيعة بالقرب من الرقة قد منحه هذه الأرض من ماري إلى إيبلا.
ولعل "صارغون" أو حفيده "نارام سين" كما ادعى هو الذي قضى على إيبلا حول 2300ق.م ثم نهضت إيبلا فيما بعد لتقوي علاقاتها مع جيرانها في الشرق. ويعود بناء تاريخ القصر المكتشف في أسفل المدينة شمالاً إلى هذا الدور. ولقد اكتشف في عام 1994 بئران يحتويان على كمية من الطاسات والأباريق، وكذلك تماثيل ثعابين وثيران، وعلى أساور وخرزات من معادن وأحجار ثمينة و مشخصات أنثوية فخارية، وبقايا أضاحي حيوانية كانت قد ألقيت في البئرين في أزمان مختلفة بين 1900-1750ق.م.
في لوح اكتشف في مدينة "أور" يذكر "نارام سين": في جميع العصور. منذ خلق الإنسان، لم يقم ملك من الملوك بتدمير أراضي أرمانوم لعلهاحلب وإيبلا. وعندما فتح الإله "نرجال" الطريق أمام "نارام سين" الشجاع دفع بارمانوم وإيبلا إلى يديه، ومنحه أيضاً جبال الأمانوس وجبل الأرز والبحر الأعلى المتوسط.
هكذا يقول نارام سين الشجاع ملك الجهات الأربع.
في عام 1990 تم التنقيب في منطقة سور المدينة الذي يعود إلى العصر السوري القديم. وكان الهدف تحديد أبعاد القلعة المقترحة، فاكتشفت عن ثلاثة أبنية ضخمة لها علاقة بمدخل المدينة.
لقد سيطرت إيبلا على ماري ثانية خلال حكم ملوك إيبلا "ايبيريوم" و"أبي سيبيش" و"دبوحوعدا"، وتم آنئذ تنصيب "شورا دامو" الإيبلائي ملكاً على ماري.
كانت سيطرة إيبلا قد وصلت حتى كركميش جرابلس، مما دفع حفيد "صارغون" إلى احتلال إيبلا، وقد صرح أنه احتل مدينتين، "إيبلا" و"أرمانوم" لعلها حلب التابعة لإيبلا التي لم يسبق لأحد غيره أن فتحها". على أن الدراسات الأخيرة تتجه إلى اعتبار احتلال إيبلا قد تم أيام "صارغون" نفسه.
أوضحت قراءة وثائق إيبلا التوازن في القوى بين دولة أكاد ودولة إيبلا. هاتان القوتان العظيمتان ذات الحضارة العريقة، في أكاد الرافدين وفي إيبلا السورية، التي نعرف مكانها وحجم حضارتها بينما لم نكتشف بعد مكان مدينة أكاد.
لقد توسع نفوذ إيبلا، وليس من السهل تحديد خارطة نفوذها، إذ أن بعض المدن كان يديرها أحد قادة إيبلا ويسمي نفسه ملكاً عليها كما يتم في ماري. وبعض المدن يحكمها ملك من أهلها ولكنها تربط بمعاهدة سياسية مع إيبلا كما تم في "أبارسال" وآشور وحماة، وبعض المدن تخضع لنفوذ إيبلا عن طريق دفع الجزية، مثل أكاد وكانيش.
أبانت الوثائق أيضا أن لغة إيبلا كانت واحدة من اللهجات التي يمكن وضعها تحت التسمية العربية، وإن كانت تكتب بالخط المسماري السومري مثل لهجة أكاد، وإن لهجة إيبلا تقف في منتصف الفارق بين لهجتي أكاد وكنعان على الساحل السوري.
كما أن عقائدها وآلهتها تتوسط مفهوم الإله "أنليل وأنكي" في أكاد مع الإله أيل في كنعان. وتبدو هذه العقائد متقاربة تتجه نحو التوحيد. فلقد حفلت أسماء شخصيات إيبلا بإضافة اسم "أيل" في آخرها، مما يدل على سعي للتقرب من هذا الإله وتلمس حمايته، ومع ذلك فإن بعض الآلهة كانت مشتركة في المنطقة كلها، مثل الإله دجن.
في هذا العصر، سيطرت إيبلا على مدن كبرى كانت تشكل مع ضواحيها ممالك. وهكذا فإن ماري على الفرات كانت حاضرة مستقلة واسعة سجلت بعض أسماء حكامها في قائمة ملوك سومر، وحسب وثائق إيبلا يتضح لنا المركز القوي الذي كانت تتمتع به ماري. وذلك عند الحديث عن الحرب التي شنها "أنا دجن" أحد قادة "إيبلا" على "إيبلول إيل" ملك ماري ونصب نفسه ملكاً عليها بعد أن احتل "إيمار".
ولسوف تقدم لنا الدراسات المقبلة حول وثائق إيبلا ووثائق ماري الكثير من المعلومات العسكرية الجديدة في هذا العصر.
دلتنا وثائق إيبلا أن "أنا دجن" في أيام ملك "إيبلا" لم يكن وحده قد نصب ملكاً على ماري، بل صار "شورا داموا" ملكاً أيضاً على ماري في زمن ملك إيبلا "أبي سيبيش". وفي رقيم من إيبلا ذكر ملك إيبلا الذي حكم بعد "آرانيوم" وأنه عقد معاهدة مع دولة آشور التي أصبحت خاضعة لنفوذ إيبلا.
تذكر وثائق إيبلا أسماء المدن التي خضعت لإيبلا، من بينها مدينة "كانيش" في الأناضول ومدينة "أكاد" ذاتها عاصمة الأكاديين في الرافدين. وثمة رقيم يذكر أسماء المدن التي كانت مهراً لزواج أميرة إيبلا إلى ملك "إيمار" وهي مدينة كانت مرفأ على الفرات تقع في مكان مسكنة التي غمرتها مياه سد الفرات.
في رقيم آخر تقرأ رسالة وجهها ملك إيبلا "اركب دامو" إلى "زيزي" ملك حمازي الواقعة في مكان ما شرقي دجلة، يطلب فيها أن يمده ببعض "جنوده الأبرار" ولقد تم الكشف على أسماء بعض الملوك وهم "إغريش حلم"، "أركب داموو آرانيوم"، "إلى سيبش" المعاصر لنارام سين و"دبوحوعدا".
ولعل الرقيم الكبير 24×21سم الذي عثر عليه في القصر والذي ينص على معاهدة بين ملك إيبلا وملك آخر يعتقد أنه ملك "أبار سال"، هو أقدم معاهدة تكشف عن ذهنية سياسية وحربية متقدمة تفرض شروطاً والتزامات، تعطي إيبلا حق التصرف بمقدرات السكان والممتلكات في "أبار سال"، تحت ضغط وسلطان إله الشمس وإله الطقس الذين سيقومان بإنزال أشد العقوبات على سكان "أبار سال" في حال مخالفة شروط المعاهدة.
إن مفهوم المعاهدة والحلف الذي نقرأه في الألواح الطينية يتمثل بوضوح في النحت الرائع المنقوش بارزاً على حوض يعود إلى عام 1800ق.م، وعليه يبدو مجموعة من الرجال يتصافحون ويتعاهدون على حلف أو معاهدة لا ندري مع من تم الاتفاق عليها، وفي الوجه الآخر للحوض تماثيل آلهة لعلها آلهة إيبلا التي مثلت لتحمي هذا التحالف، لقد عثر على هذا الحوض في معبد إيبلا الواقع في سهل المدينة، وهو محفوظ في متحف حلب.
هكذا كانت إيبلا في ظل ملكها "آرانيوم" تعيش حقبة توسع وازدهار، فالسيطرة على ماري تعني الهيمنة على أعالي الرافدين، مما دفع "صارغون" إلى التحرك باتجاه إيبلا للحد من مطامحها.


انا سوري وتاريخي يحكي عني ...

أبو يوشع
2013-10-09, 20:02
تقع مدينة "توتول" عند ملتقى نهر الفرات برافده نهر البليخ وتسمى اليوم تل البيعة، ورد ذكر مدينة "توتول" في أخبار "صارغون" الذي استمد سلطته من إله "توتول" "داغان" الذي منحه البلاد العليا سورية والأناضول12
من "توتول" انطلقت فتوحات "صارغون"، ذلك لما تتمتع به هذه المدينة من ميزات تعبوية، فهي غنية بالغذاء لزراعتها المتطورة. ولقد ذكر أن أفراد جيش "صارغون" المؤلف من /4800 شخص/ كانوا يأكلون يومياً بحضرته. وبفضل الإله "دجن" حامي "صارغون". تحققت له سطوة لا منافس لها في كل البلاد.
وفي إحدى كتابات رقم ماري إشارة إلى اسم ملك "توتول" ياخلو كوليم. ولم تكن "توتول" مستقرة كي تستطيع صد أطماع مملكة "يمحاض" حلب ومملكة ماري والسيطرة عليهما.
وعندما حاول ملك "توتول" التحالف مع شيخ البدو لاعوم ومعه العشائر يدعمهم ملك "يمحاض" قام ملك ماري بمقاومة هذا التحالف في مدينة "حماتوم" تل الحمام وهدم أسوار "توتول"، وأصبح يلقب باسم ملك ماري و"بلاد هانار".
وفي فترة حكم "زيميري ليم" ملك ماري، استمر سلطان ماري على "توتول" وكان حاكمها "لاناسوم"، وفي عصره ثار سكان "توتول" بقيادة "باشوب دجن" ضد الحاكم المعين من ملك ماري، وكان ملك "زلبا" حمام التركمان قد ساعد في هذه الثورة، ولكن ملك ماري دعم الحاكم وأخمد هذه الثورة بعد أن أرضى السكان بتغيير الحاكم، وأصبح "عبدوما دجن" حاكماً، ولعله قام بإصلاحات حسنت من المدينة وأعاد إليها ازدهارها، مما دفعه في إحدى الرسائل، أن يغري ملك ماري "زيميري ليم" بالإقامة فيها، واقتنع الملك، ولكنه اكتفى ببناء حصن سكنت فيه حاشية مختارة من مدينة "رابيكوم" القريبة من "توتول".
ولقد اجتاح "حمورابي" ملك "بابل"، "توتول" مع ماري و"إيمار" ومع أنها عادت إلى الظهور حتى 1300ق.م فإن أخبارها لم تعرف حتى الآن.
لقد بينت التنقيبات الأثرية الأخيرة(12)، إن مدينة "توتول" كانت مسورة ولقد تم بناء سور جديد بعد أن توسعت المدينة في عصر "يخدون ليم"، وأصبح السور الجديد خلف الأسوار القديمة مشيداً باللبن بسماكة لا تتجاوز الأربعة أمتار.
وفي المدينة ثمة قصر ضلعه 42م، وكانت جدرانه منيعة والغرفة الرئيسية بمساحة 24.10م تتصل من الجنوب بحجرة طينية لعلها كانت هيكلاً للعبادة. أما المعبد فكان مستقلاً عن المباني الأخرى في الجهة الغربية وكانت له ردهة وممرات. وكانت المباني من اللبن خالية من النوافذ للأمن، ولكنها مفتوحة على الفناء الداخلي، وكانت أزقة المدينة ضيقة، واستمر دفن الموتى تحت أرضية المنازل.
وتم العثور على معبد آخر قديم يشبه بطرازه المعابد السورية في "إيبلا" و"إيمار" و"تل الخويرة".
ولأن "توتول" تقع عند التقاء مياه نهرين، كانت وسائل الانتقال الأساسية هي السفن، وكانت أنواع هذه السفن مختلفة، وتركت لنا الكتابات الأكادية ذكر أسمائها المختلفة باختلاف مظهرها وطرق استعمالها، وما إذا كانت تصعد عكس مجرى النهر أو مع المجرى هابطة مع التيار، وما إذا كانت تُستعمل للعبور أو للترفيه أو للإنقاذ، وهكذا كانت "توتول" تشتهر بصناعة السفن، التي تنقل البضائع بين الممالك والمدن. وكذلك كانت السيطرة على الطريق المائي من الأمور التي تثير النزاعات والحروب. وكثيراً ما حاول ملوك ماري وإيبلا السيطرة على المدن والمرافئ النهرية لتأمين سلامة الطريق المائي.
وهكذا فلقد كانت منطقة الفرات مشغولة بالحركات العسكرية، مما أوجب نشوء ثغور وحصون عسكرية مستقرة كانت موئلاً للتجار الباحثين عن الأمن لتنشيط تجارتهم، وهكذا تتحول هذه الثغور والحصون أو المحطات العسكرية إلى مدن عامرة ومثالها "دورا أوروبوس" و"حلبيا" و"زلبيا".
هكذا كان للفرات دور في نقل الجيوش على السفن، كما فعل "سنحريب" الذي ذكر "أرسلت جنود جيوشي الشجعان إلى المعركة عن طريق السفن بينما سرت أنا قريبا منهم برا".



انا سوري وتاريخي يحكي عني ...

أبو يوشع
2013-10-09, 20:12
لقد سمح نهر الفرات بظهور حياة التمدن والمدن والحواضر التي يجري اكتشافها اليوم والتي كانت تتبادل العلاقات التجارية، تربطها ببعضها وشائج اللغة الموحدة. ولكن حركات الوحدة السياسية والاقتصادية التي كانت تتم بالقوة والقهر أو بالحوار والمعاهدات، كانت تجعل هذه الحواضر بحالة التأهب والتحصين والاستعداد العسكري، وإذا كانت "ماري" هي من أهم هذه الحواضر على الفرات، فإن "تل حلف" و"إيبلا" في الداخل و"أوغاريت" على الساحل، مع امتدادات هذه المواقع على مساحات واسعة، شكلت هذه الحواضر حدود سورية القديمة التي لم تكن ثابتة، بل وصلت إلى الجزيرة والأناضول والساحل المتوسط حتى سيناء.


ولقد وصلت سورية إلى أوج ازدهارها في زمن السلالات العمورية التي تعرضت لحروب مختلفة، بعضها مع ملوك الحواضر المجاورة التي تتفق معها باللغة والعقيدة، وبعضها مع الغزاة من الميتانيين والكاشيين والحثيين الغرباء عن السكان باللغة والعقيدة والحضارة. والحق أن سورية في هذه الحقبة ورغم ازدهارها كانت حلبة الصراع والحروب، وكانت أكثر المواقع محصنة بأسوار الحماية من الأعتداءات المتكررة.


في "تل البيعة" "توتول" حصن بلغت سماكته 8.3متر ولبوابة البرج أو الحصن المنيع ممر بطول 20 متراً. وفي "تل بيدر" على العويج - الخابور، تحصينات دائرية تعود إلى الألف الثالث، وكان السور يحيط بالموقع برمته، تخترقه مجموعة من الأبواب.


وفي "تل عشارة" ترقا وهي مدينة هامة على الفرات في الألف الثالث ظهرت آثار أسوار ضخمة.


استمر بناء التحصينات في حوض الفرات، وفي تل بازي عثر على شبه جزيرة محاطة بسور يعود إلى القرن 14-12ق.م، وليس بعيداً عن هذا الموقع مواقع مسورة أخرى مثل "إيمار" و"فاقوص" و"القيطار"، وكانت قلاعاً محصنة ضد غزوات الميتانيين والحثيين، وفي هذا الموقع عثر على أدوات حربية برونزية هي خنجر بقبضة يد برونزية بطول 30سم.


ويجب أن يكون واضحاً أن المدن الأولى التي ظهرت في هذه المنطقة، لم تستطع تحقيق وحدة سياسية، بسبب ضعف وسائل الاتصال، ولكن ثمة وحدة حضارية تتمثل باللغة والعقيدة والفن، كانت الصفة العامة في توضيح هوية سكان المنطقة التي تمتد من الفرات إلى البحر. ويعتمد المؤرخون على هذه الوحدة الحضارية للتفريق بين الحضارات والأمم.


وهكذا فإن حضارات هذه المنطقة كانت عربية ، فهي عربية بحسب اللفظ القديم الذي يعني سكان الحواضر مما يميزهم عن سكان البوادي الأعراب كما في القرآن الكريم، أما النعت السامي فهو توراتي لا ينطبق مع الواقع والتاريخ. ولقد أوضح المؤرخون خطأ تصنيف الأمم التوراتي الذي أصبح مهملاً.


إن أقدم بيئة حضارية عربية، هي البيئة الأكادية، وأكاد مدينة لا يعرف موقعها تماماً بين الرافدين، ولكن هويتها التي تتجلى من خلال اللغة والعقيدة وعلاقتها بالحواضر الممتدة نحو الغرب حتى البحر، تجعلنا نبدأ الحديث عنها وعن الأحداث القديمة، وهي حركات توحيدية أو تضامنية مع شعوب الحواضر الأخرى، تمت غالباً بالقوة العسكرية المنظمة.


كان السومريون سكان جنوب الرافدين قد حكموا بقوة وكان "لوكال زاغيزي" ملك "أوروك" ويمتد ملكه من البحر الأسفل أي الخليج إلى الأعلى أي المتوسط. ولم نستطع تحديد هوية السومريين لاختلاف لغتهم عن أصل العربية، لكن الملك "صارغون الأكادي" الذي يعد أول زعيم لأمة تتكلم أصل اللغة العربية، أنهى حكم "زاغيزي"، وكان لدوره أثر كبير في بناء قصة تاريخ الشرق القديم.


وليس بين أيدينا وثائق عن ظروف حملة "صارغون" أوشاروم كين ويعني اسمه الملك الشرعي، ولكننا نعرف نتائجها ومن أولها إنشاء مدينة أكاد، وأصبح "صارغون" سيداً على "جهات العالم الأربع"وهي "عمورو" وتعني الغرب و"سوبارتو" في الشمال و"سومر" و"أكاد" في الجنوب و"عيلام" في الشرق.


ومن سومر الواقعة جنوب العراق كانت لاغاش تللو هي العاصمة. وفيها اكتشف نصب حجري أطلق عليه اسم مسلة العقبان، وعليه نقش مسماري يتضمن ذكر معاهدة بين الملك "ايناتوم" وملك "أوما".


أما المشهد التمثيلي فيتضمن جنود الأعداء المهزومين تنهشهم سباع الجو وتفقأ عيونهم. وفي الوجه الخلفي يبدو الملك بخوذته الجلدية ومئزره الصوفي كوناكس يسير في مقدمة جنوده المشاة الذين تسلحوا بالتروس الثقيلة وبالرماح الطويلة. يسيرون فوق جثث أعدائهم، وفي المشهد الأسفل يُرى الملك يقود عربته الحربية الثقيلة ذات العجلات الأربع مسلحاً برمح طويل وجعبة نبال.


تذكر الحوليات أن "صارغون" ولد من أب عربي -بالمعنى الذي ذكرناه- وكانت أمه ابنة الآلهة، ولدته وأنكرته فوضعته في سلة من القصب وتركته في نهر الفرات فعثر عليه الساقي "أكى"، فرباه حتى إذا شب وقعت الآلهة عشتار بحبه فرفعت من مركزه وسلطانه.


و تمكنت أسرة "صارغون" الأكادية من الحكم مدة 180 عاماً وكانت قوتهم العسكرية الداعمة لإمبراطوريتهم الواسعة، والصامدة أمام العدوان، السبيل لتحقيق وحدة واسعة سياسياً وحضارياً.


بعد "نارام سين" كان ثمة ملوك ضعاف مما أدى إلى تفكك هذه الإمبراطورية وإعادة ظهور مدن سومرية مثل "لاغاش" التي رأسها "غوديا" و"أور" التي حكمها "أورنامو". وفي متحف اللوفر مجموعة من التماثيل التي تمثل "غوديا" ملك "لاغاش" تمثيلاً حقيقياً، وهو من العشرين إلى الأربعين من عمره، قصير القامة له رقبة قصيرة ويرتدي رداءً حتى قدمه وعلى رأسه قلنسوة أشبه باللفة العراقية الحالية.


مرت بالأكاديين أحداث انتقامية من السومريين، ولقد استطاعت شعوب تنتمي أيضاً إلى الأرومة الأكادية العربية أن تسترد الحكم في المناطق التي ساد فيها السومريون، فكانت "لارسا" في الرافدين وماري على الفرات مركز حضارة جديدة، كما كانت إيبلا في وسط سوريا مركزاً حضارياً صرفاً ظهرت فيه سمات الهوية العربية من خلال اللغة والعقيدة والفنون.








انا سوري وتاريخي يحكي عني ...

أبو يوشع
2013-10-09, 20:15
في نهاية النصف الأول من الألف الثاني ق.م ابتدأ ظهور الآراميين في سورية ، وبعد أن تم استقرارهم انتشروا في أنحاء واسعة مشكلين ممالك متجانسة في اللغة والحضارة والعقيدة،
· مملكة فدان آرام وعاصمتها حران.
· مملكة صوبا في سهل البقاع.
· مملكة آرام النهرين بين الفرات والخابور.
· مملكة بيت بخياني وعاصمتها غوازانا تل حلف في حوض الخابور.
· مملكة بيت عديني وعاصمتها تل بارسيب تل أحمر في شمال الجزيرة.
· مملكة بيت آغوشي وعاصمتها أرباد تل رفعت وتشمل منطقة حلب.
· مملكة شمأل عند سفوح جبال الأمانوس.
· مملكة حماة.
· مملكة بيت رحوب عند مجرى الليطاني.
· مملكة آرام معكا في الجولان.
· مملكة جشور بين دمشق ونهر اليرموك.
· مملكة دمشق، وهي من أقوى الممالك.
لعل عين دارة الواقعة غربي حلب طريق اعزاز-عفرين هي من أهم المواقع الأثرية الآرامية التي تحمل آثار النزاع مع الحثيين. يتألف هذا الموقع من مرتفع هو الحي الملكي وتحته يقع الحي الشعبي، ولقد كان هذا الموقع محمياً بسور منيع مبني بالحجارة واللبن يحيط المدينة كلها وتنفتح فيه بوابات تحيط بها من الجانبين أبراج، وتقوم بوابة المدينة الرئيسية عند تمثال الأسد المكتشف هناك. ولقد سكن هذا الموقع في جميع العصور حتى عصر الحمدانيين... وهذا الموقع لم يحدد اسمه القديم بعد، ولكنه يبقى بآثاره الضخمة مرشحاً أن يكون عاصمة لمملكة آرامية. وعلى هذا فإننا لا نستطيع الحديث عن أحداث عسكرية تمت فيه.
ومن أهم الممالك الآرامية بيت بخياني ومملكة صوبا ومملكة دمشق. أما بيت بخياني فكانت عاصمتها غوزانا تل حلف التي اكتشفت حضارتها الغابرة في الألف الخامسة وتقع قرب "رأس العين" على الحدود التركية.
وأما صوبا ومعناها النحاس بالسريانية نحشا، فكان موضعها "عنجر" في البقاع وصلت حتى دمشق. ومملكة دمشق هي أقوى الممالك الآرامية، لعبت دوراً هاماً في عصر ملكها "ابن حدد" بنهدد 879-843ق.م حيث فرضت نفوذها على البلاد المجاورة وعقدت معها أحلافاً ضد أطماع الآشوريين، واستطاع خلفه صد هجومين قاما بهما شلمناصر الثالث سنة 843ق.م و838ق.م إلى أن احتلها "تغلات بلاصر" الثالث 732ق.م بعد حصار سنتين ثم قتل ملكها رصين وقضى على الحكم الآرامي الدمشقي.


انا سوري وتاريخي يحكي عني ...

مسلم سني
2013-10-10, 15:39
السلام عليكم
شكرا لك أخي
أبو يوشع على المعلومات
أتمنى أن تكون بخير
حفظ الله سوريا وشعب سوريا
احترماتي

أبو يوشع
2013-10-11, 17:46
الشكر لمرورك الكريم أخي وصديقي

أبو يوشع
2013-10-11, 18:09
تعرضت سورية بوصفها قلب المنطقة العربية الأم، لأحداث عسكرية هامة، أولها هجوم الغوتيين على مملكة أكاد في الألف الثالث قبل الميلاد. وفي منتصف الألف الثاني قبل الميلاد تعرضت لاحتلال مؤقت من قبل الكاشيين ثم الحثيين، وفي أواخر الألف الثاني قبل الميلاد أغار عليها الحثيون وشعوب البحر وتصدت لهم مصر وسورية، وفي النصف الأول من الألف الأول قبل الميلاد كانت البلاد مسرحاً لشعوب كثيرة، ثم احتل الفرس الأخمينيون البلاد بسبب خيانة الكهنة البابليين بعد أن احتلوا بابل 539ق.م بقيادة "قورش".
وهكذا انتهت وحدة سورية التي دامت سبعين عاماً وكانت خارطة سورية تمتد من الخليج إلى البحر ومن جبال طوروس حتى سيناء وشبه الجزيرة العربية.
ولكن هذا الانتصار الواسع الذي تم للفرس الأخمينيين، لم يحل دون استمرار الحضارة السورية المتمثلة باللغة الآرامية وآدابها والتي انتشرت في بلاد فارس ذاتها. حتى أطلق على "دارا الأول" لقب "الملك الآرامي الكبير" فقد كان رئيس ولايات موحدة "أومرزبانات" ، نرى رموزها في لوحات بارزة على واجهات قصر "بيرسيوبوليس".
ظهر الأخمينيون الفرس في أعقاب الميديين وأسس "قورش" أو "سيرهوس" 559-529ق.م دولتهم، ثم جاء بعده "قمبيز" الذي استولى على سورية ومصر، وكان مستبداً أشبه بالمجانين.
ثم جاء "داريوس" أو "دارا الأول" بن "هيستاسيس" سنة 523ق.م، فوسع نطاق الإمبراطورية وأصبحت تمتد من جبال الهندوس شرقاً وأعلى مصر غرباً، وقسمها إلى عشرين ولاية أو سترابه أو مرزبانه وتتمتع بحكم ذاتي مع سلطة مركزية. وقد تضمنت نقوش "بهايستون" أسماء 23 ولاية، أما نقوش رستم فقد تضمنت أسماء 28 ولاية، وكانت ولاية "أسورا عربايا" تمتد من حران شمالاً إلى سيناء جنوباً، وهي جزء من الإقليم الخامس المسمى مرزبانه عبر نهرا. ويقول "استرابون" إن دمشق كانت المدينة الأكثر أهمية في العصر الفارسي هذا. وكانت "اصطخر" برسيوبوليس عاصمة "دارا"، وفيها قصره العظيم.
كانت أسورا عربايا تضم قبرص أيضاً، وكانت أرواد وجبيل وصيدا وصور تتمتع بالحكم الذاتي. وثارت صيدا العاصمة على الفرس. وقام الفينيقيون بطرد الفرس من تسع مدن ولكن الفرس دمروا صيدا واستعادوا سلطانهم.
وكانت عبادة "أهورا مازدا" قد وحدت بلاد فارس الواسعة، لكن اللغات الرسمية كانت ثلاث وكانت الآرامية هي الرابعة انتشرت من الهند إلى مصر. وعلى واجهات قصر الملك في "بيرسيوبوليس" منحوتات بارزة تمثل وفود "المرزبانات" التابعة للفرس، ومنها كانت "مرزبانا أسوارا عربايا" التي كانت تعني سورية، وكانت تضم القسم الشمالي "آثورا" والقسم الجنوبي عربايا. وهذه التسمية هي الأولى التي حملتها البلاد، ولقد مثل الوفد السوري هذا وهو يقدم أعمال الصناع المشهورين والمنتجات المعدنية والخيول التي كانت البلاد مشهورة بتربيتها وإنتاجها، منقوشة في هذه المنحوتات.


انا سوري وتاريخي يحكي عني ...

أبو يوشع
2013-10-11, 18:14
بعد موت الاسكندر المكدوني في سنة 323ق.م اقتسم كبار الضباط التابعين له الممالك الواسعة التي استولى عليها الاسكندر، فكان نصيب "انتيغون" مكدونيا وآسيا الصغرى، وكان نصيب "بطليموس" مصر وفلسطين، وكان نصيب "سليقوس نيكاتور" سورية وبابل وفارس، وفي المنطقة الواقعة عند مصب العاصي أنشأ "انتيغون" مدينة الاسكندرونة أطلق عليها اسم الاسكندر سنة 317ق.م، وتقع بين العاصي ومخرج بحيرة أنطاكية، ثم قام "سليقوس نيكاتور" باحتلال هذه المدينة سنة 301، وأقام مدينة أطلق عيلها اسم "أنطاكية"، نسبةً إلى اسم أبيه "أنطوخيوس"، كما أنشأ مدينة أخرى باسم أمه "لاثوديسيا" لاذقية ثم أنشأ مدينة أفاميا باسم زوجته "أباميا".
واهتم "سليقوس" بمدينة أنطاكية فنقل إليها أنقاض مدينة "انتغونا" التي هدمها وشجّع الناس على سكن أنطاكية بأن منحهم حقوق اليونانيين وامتيازاتهم، فازدهرت وصارت عروس الشرق وعاصمة الممالك السلوقية الممتدة من البحر المتوسط إلى حدود الهند.
كان عصر هذا الملك مزدهراً وقوياً، فقد استعان بأفيال الهند في حروبه وخاصة عندما حاول الاستيلاء على مصر من بطليموس. ودخل بلاد الشام من الجنوب. ولكنه فوجئ بتدخل الرومان الذين نازلوه. وابتدأ حكمهم في سورية.
تعاقب على سورية في عصر السلوقيين 18 ملكاً كانوا في صراع مستمر مع البطالمة، ولقد أطلق المؤرخون الإغريق على هذه الحروب اسم الحروب السورية التي انتهت بسيطرة البطالمة على دمشق 276ق.م وعلى أنطاكية 246ق.م. وفي عام 150ق.م كان في سورية ممالك عربية تحاول التحرر والاستقلال، كمملكة الأباجرة في "الرها" أديسا وإمارة أذينة في تدمر وإمارة شمسيغرام في حمص والرستن وإمارة الأيتوريين في البقاع عنجر. ودولة الأنباط الذين دخلوا دمشق عام 85ق.م. زمن الحارث الثالث. وهكذا أصبح السلوقيون في مأزق حتى انتهى عصرهم على يد الرومان.

انا سوري وتاريخي يحكي عني ...

أبو يوشع
2013-10-11, 18:15
ابتدأ هذا العصر بعد انتصار الاسكندر في موقعة إيسوس على الفرس:
كان "دارا" الثالث ملك فارس يملك قدرات واسعة، فكان عدد رجاله يفوق عدد رجال الاسكندر المكدوني وكانت أمواله في "سوسا" هائلة وجاهزة وكان قصره في "برسيوبوليس" عامراً، وكان لديه أسطول كبير يحمي شواطئ آسيا الصغرى وسورية ومصر. ولكنه لم يكن قائداً ممتازاً.
أما جيش الاسكندر فكان مكوناً من 40 ألف رجل مع 12 ألف مكدوني من المشاة و7 آلاف من كورنثا و5 آلاف من المرتزقة و8 آلاف من حملة الأقواس وراشقي المقاليع. وكانوا من تراقيا أما الفرسان فقد بلغ عددهم 5 آلاف منهم 1800 من أشراف المملكة، كما كان يصحبه عدد من المهندسين المختصين بفن الحصار، وكان بصحبته الفيلسوف أرسطو معلمه، أما أسطوله فكان مؤلفاً من 180 سفينة.
عبر "دارا الثالث" الفرات على رأس جيشه وكان قد حضر بنفسه متحدياً الاسكندر وطموحه، وكان الاسكندر قد أخضع آسيا الصغرى.
وقرب أيسوس تأخر الاسكندر في "قلقيلية" عن قتال "دارا"، وكان لهذا التأخير أثر كبير في انتصاره إذ تقدم "دارا" إلى "قرب أيسوس" وقتل المرضى والشيوخ الذين تركهم الاسكندر. ولكنه في ذلك وضع نفسه في كماشة.
تقدم الاسكندر على طريقته المألوفة في تنظيم الجيش، فقد كانت فرق المشاة في الوسط والخيالة إلى اليمين ومنها هاجم الاسكندر ميسرة الجيش الفارسي، بينما تقدم المشاة ببطء، وعندما عبروا النهر ارتبك خط القتال وتعرضوا لضغط الخيالة الفرس، ولكن وحداتهم الخيالة ساعدتهم في القضاء على جناح العدو. وبعد ذلك أدار الاسكندر المعركة باتجاه المكان الذي كان فيه دارا على عربته الحربية وحوله بطانته وقواده. ورغم إصابة الاسكندر في ساقه، طارد "دارا" الذي فر مع ميسرة جيشه، مما أرعب جيشه فتقهقروا باتجاه الشمال.
كان "دارا" مذعوراً حتى أنه نسي أمه وزوجه فكانتا معه في معسكره في أيسوس. وحينما وصل إلى جبال الأمانوس ترك وراءه عربته ودرعه ورداءه الملكي، وامتطى فرساً لينجو بحياته. وعندما احتل الاسكندر معسكر "دارا" وكانت معه هذه الغنائم، اعتقد نساء "دارا" وأهله أنه مات.
ولكن الاسكندر أحسن معاملتهم وطمأنهم على سلامته، وعاد "دارا" إلى بلاده وكتب إلى الاسكندر طالباً استرداد أهله وعقد معاهدة معه. ولكن الاسكندر وعده بإعادة نسائه، ولكنه طلب إليه الاعتراف بسيادته على جميع أرجاء المنطقة.
وكان انتصار الاسكندر في أيسوس قد فتح له الباب لاجتياح سورية ومصر، فلم يجد مقاومة كبيرة إذ كانت مدن الساحل السوري مفككة، لقد استسلمت جبيل بيبلوس التي حلت مكان صيدا وأرواد للاسكندر حتى أن ملك صور أمر بنحت تابوت الاسكندر وعلى جداره نقش معركة أيسوس، وقد صور الاسكندر وعلى رأسه غطاء من جلد الأسد والتف حوله الجند. وفي الوجه الآخر من التابوت صور الاسكندر مشتركاً في صيد السباع والوعول. وقد عثر على هذا التابوت العالم "مونته" وهو محفوظ في متحف استانبول.
ومن دمشق حصل الاسكندر على كنوز "دارا" التي كان قد أودعها هناك خوفاً عليها من الضياع أثناء عبوره ممرات الأمانوس.
كان حصار صور صعباً تطلب حيلاً هندسية وكان لسقوط هذه المدينة أثره في الاستيلاء على كامل سورية ومصر بعد استيلائه على دمشق وغزة. ثم توجه إلى بابل وفي عام 331ق.م جابه "دارا" وجيشه في معركة ضخمة، انتصر فيها الاسكندر و دخل بابل وأعاد إليها استقرارها بسرعة، لكي يتابع فتحه ملاحقاً "دارا" في "أكبادانا" عاصمة "ميديا"، ولكن "دارا" هرب إلى "بلخ" حيث قتله حاكمها (بلخ) حماية لما بقي من بلاد الأخمنيين. ثم عثر الاسكندر على الجثة فدفنها رسمياً في "برسيوبوليس".
تابع الاسكندر فتحه الهند، وعند عودته إلى بابل عام 323 توفي وهو في الثانية والثلاثين من عمره


انا سوري وتاريخي يحكي عني ...

أبو يوشع
2013-10-11, 18:25
ليس بعيداً عن تل براك. اكتشف "تل حبوبه كبيرة" على الضفة اليمنى للفرات الأوسط والذي يعود إلى 3500-3300ق.م مع موقعين آخرين هما "قناص" و"جبل عرودة"، وهذه المواقع تعتبر من أهم المواقع الأثرية في الشرق الأدنى.
لقد بدا مخطط "حبوبة" واضحاً تماماً بعد عمليات التنقيب التي تمت منذ عام1969. فعلى ضفة الفرات وخلف أسوار منيعة ظهرت المدينة بمخططها المنتظم وأبنيتها الآجرية مقسمة إلى أحياء سكنية، وأحياءً للمشاغل ومنطقة إدارية فيها أثر للقصر والمعبد وإلى الجنوب امتدت بساتين مروية(9).
بلغ عرض سور "حبوبه" ثلاثة أمتار مدعم بالأبراج التي تنتهي بمحارس في أعلاها، وعلى السور أفاريز أو نتوءات أمامية وخلفية على مسافات متساوية تذكرنا بأسوار قلعة حلب، وأمام السور الرئيسي يقوم سور آخر أضعف وأقل عرضاً. وكان للسور بوابتان. ولم يبق من هذا السور الحصين إلا المداميك السفلى، أما في الجنوب فلقد زالت آثاره، بسبب العوامل الجوية والأمطار، ولعل السور كان ممتداً حول مساحة 18هكتاراً.
لقد عاشت "حبوبه" ما يقرب 150عاماً، ويدل السور على وجود تهديد خارجي أدى إلى هجرة السكان. ومضت قرون عديدة حتى عاد الإنسان لاستيطان هذا التل.
لقد عثر في تل "حبوبة" على كثير من اللقى، منها أختام لربطات أكياس مختومة على الطين تمثل أسوداً وطيوراً وثعابين وعقارب لطرد الشر والأذى والعدوان، وعليها أرقام رمزية استخدمت لأول مرة في التاريخ.
لقد كانت هذه الأختام الطينية تمسك رباط الأكياس التي تحمل البضائع والرسائل، فلا تفتح دون كسر هذه الأختام.
ولقد عثر على بعض التمائم التي تمثل حيوانات رمزية تستخدم كتعاويذ وتصنع من الأحجار الكريمة. وكان معناها الرمزي يرمي إلى الحماية من الأخطار والعدوان.
ولمثل هذا الهدف كانت تقدم القرابين إلى الآلهة تقرباً وسعياً وراء حمايتها، وقد عثر على أباريق على أشكال مختلفة منها شكل قنفد وقد صمم بشكل يحاكي أشكال الفن الحديث.


انا سوري وتاريخي يحكي عني ...

أبو يوشع
2013-10-11, 18:29
قبل أن نتحدث عن إيبلا وماري والدخول في بداية التاريخ، لابد أن نعرض للحديث عن تل براك الذي يقع غربي نهر "جغجغ" أحد روافد نهر الخابور وعلى بعد 42 كم من مدينة الحسكة. و على هذا التل كان مقر "نارام سين" وكان قوي التحصين منيعاً.
ولقد شهد هذا التل أحداثاً عسكرية هامة، امتدت خلال حقبة طويلة من الزمن أي من الألف السادس إلى الألف الثاني ق.م، وفي هذا التل عُثر على بناء مدرج ومعبد وفيه عُثر على محتويات هامة، ففي المعبد عُثر على تماثيل حيوانات وأقنعة بشرية وعيون أصنام حتى سمي بمعبد العيون ، وتعود الى الحقبة 3500 - 3300 ق.م.

وفي معبد "تل براك" هذا عُثر على مئات من التماثيل وآلاف من الكسر الحجرية والرخامية تمثل أشخاصاً لم يعرض منها إلا الكتفان والرقبة والعينان البارزتان جداً، مما يدل على استخدام سحر الإصابة بالعين، فهي إذن تمائم لتحمي من الشر والعدو. ولعلها تعاويذ قدمها السكان إلى المعبد تعبيراً عن تفانيهم لصد العدوان المحتمل الذي يهدد المدينة. وثمة تمائم عُثر عليها في المعبد في شرفة العيون، تمثل حيوانات كالضفدع والقنفد والدب والأسد.


انا سوري وتاريخي يحكي عني ...

أبو يوشع
2013-10-11, 18:36
قام "صارغون الأكادي" بتنظيم الجيش وبتجديده وتحديث عتاده، وجعل على كل منطقة خاضعة لنفوذه حاكماً يسمى "عبد الملك" وجعل عاصمته مدينة "أكاد" وامتد سلطانه إلى جميع بلاد الشام حتى البحر.
وفي "نينوى" تم اكتشاف رأس برونزي محفوظ في متحف بغداد، يمثل رأس هذا الزعيم العربي الأول الذي عاش في النصف الثاني من الألف الثالث وحكم ما يقرب من نصف قرن، وقد بدا وجهه حازماً وعلى فمه ابتسامة هادئة رقيقة وربط شعره بعصابة وبدت لحيته منظمة. بشكل خصلات تعبر عن العظمة والقوة، وعلى رأسه خوذة معدنية دلالة على صفته الحربية. ولقد سجلت بعض انتصارات هذا الملك على لوحة من حجر الديوريت موجودة في متحف اللوفر في باريس.
وترى لوحة أخرى تمثل معركة قادها ابنه "ريموش" الذي حكم تسع سنوات، ثم جاء بعده أخوه "مانشتوسو" الذي حكم خمسة عشر عاماً، وترك لنا مسلة حجرية نقشت عليها أعماله الحربية. ثم جاء "نارام سين" الشهير حفيد "صارغون" الذي حكم ما يقرب من أربعين سنة واشتهر كمحارب وبناء.
كونت أسرة "صارغون" إمبراطورية واسعة كانت تضم معظم أقطار الهلال الخصيب وبعض مقاطعات آسية الصغرى ووصلت إلى البحر، بل إن "صارغون" غزا جزيرة كريت وبعض جزر البحرين دلمون.
كان "نارام سين" من أبرز أعضاء هذه الأسرة، وفي موقع "تل براك" بمنطقة الخابور كان مقره ومن هناك انطلق بجيوشه في معارك النصر. وخلد بعض انتصاراته في لوحة محفوظة في اللوفر وتمثل انتصاره في "سيبار" مدينة الإله "شماش".
وهذه اللوحة الشهيرة هي من الحجر الوردي وفيها ما يزيد عن عشرين محارباً في جيشين، وفي أحد المشهدين تسعة جنود يقابلون تسعة جنود من الأعداء وبينهم "نارام سين" واقفاً في منطقة ذات مرتفعات تغطيها الغابات. ويُرى المحاربون الأكاديون في صفين من المشاة يلاحقون أعداء هم الفارين أمامهم، ويطأ "نارام سين" تحت قدمه جثتين ويحمل قوساً حربياً بيده اليسرى، بينما سقط عدو آخر من حافة الجبل، فيبدو مسجى وبيده القوس الحربي، وكان "نارام سين" يحمي رأسه بخوذة تشبه ما تتحلى به الآلهة لوجود قرنين ظاهرين في طرفيها.
وخلف هذا المشهد يسطع في السماء نجمان يشيران إلى الآلهة التي ساعدته في انتصاره.
لقد كان هدف حروب "صارغون" وأولاده وحفيده "نارام سين"، توحيد البلاد وإبراز شخصية تلك الشعوب المتقاربة في جنسها وطبائعها وأهدافها.


انا سوري وتاريخي يحكي عني ...

أبو يوشع
2013-10-11, 18:51
كانت روما مدينة محدودة الإمكانيات تتطلع إلى استجداء الشرق أو اغتنام ما تستطيع لدعمها. ودخلت إلى الشرق عن طريق البطالمة في مصر الذين استنجدوا بالمرتزقة في حربهم ضد السلوقيين في سورية، وكان من قادة الرومان "بومبيه" الذي استولى على سورية في عام 64ق.م .ووضع حدا لسيطرة "تيجران الأرمني". مما أثار حفيظة زميله قيصر الذي قاتله فهرب منه إلى مصر حيث قتله أتباع قيصر، الذي دخل إلى مصر حليفاً وتزوج من كليوباترا أخت الملك المصري، واتفق مع البطالمة على تجهيز حملة للتوسع في الشرق حيث الحكم السلوقي. وقتل قيصر بخيانة "بروتوس" وأصبح "أكتافيوس" مسيطراً على مصر. ولم تكن سلطة الرومان على سورية شديدة الاستقرار، فلقد كان الضغط الفارسي متزايداً مما دفع الرومان لتعيين قائد سوري "أفيديوس كاسيوس"، كي يدافع عن بلاده ضد الفرس، بل قام باقتحام "طيسفون" و"سلوقية".
واكتسبت سورية طابعاً استقلالياً تقريباً في عصر أسرة "سيفيروس" السورية التي اعتلت سلطة الإمبراطورية 211-235م وجاء بعدها فيليب العربي وكان لهؤلاء الأباطرة دور في حماية وجود الإمبراطورية الرومانية أمام الخطر الفارسي.
يقوم العرب التدمريون بنصرة الإمبراطور "فاليريان" ومحاولة إنقاذه من الأسر الفارسي في عصر ملك تدمر أذينة، الذي هزم الفرس الساسانيين وهدد عاصمتهم.
كانت سورية في العصر الروماني مجزأة إلى ولايات. وكانت تدمر حاضرة مستقلة واسعة عملت على توسيع حدودها حتى وصلت إلى الأناضول وإلى الاسكندرية.
ولقد حاولت بعض الولايات الاستقلال، ولكنها بقيت تدين بالولاء إلى روما. وفي بداية القرن الثاني الميلادي أصبحت سورية أكثر ازدهاراً بفضل التنظيمات الإدارية والتطور الاقتصادي، نرى آثاره في منطقة الكتلة الكلسية حيث ازدهرت زراعة الزيتون الوافرة، ونراه في تدمر التي كانت مركز التبادلات التجارية مع المدن المجاورة، بل مركزاً هاماً على طريق الحرير الواصل من الشرق الأقصى إلى البحر المتوسط والغرب.
وفي بداية القرن الثالث لعبت سورية دوراً هاماً في سياسية روما، عندما حكمت روما الأسرة السورية من حمص ثم حكم فيليب العربي من شهبا 242-249م.
وعلى الرغم من قضاء "أورليان" على نفوذ تدمر، عام 272م فإن سورية عادت إلى الاستقرار بظل الرومان، وكانت الإصلاحات التي تمت في القرن الثالث وبداية القرن الرابع قد وطدت الإدارة السياسية والنشاط الثقافي فيها والإعمار الذي حمل طابع الأسلوب الإغريقي الروماني. ويجب أن نذكر بكثير من الاعتزاز نبوغ المعماريين السوريين في إقامة المنشآت السورية، بل لقد امتد نشاطهم إلى روما وأوربا. وكان أبو للودور الدمشقي أشهر معمار ترك آثاراً معمارية هامة مازالت ماثلة حتى الآن.
وفي مجال التصوير والنحت فإن جميع الشواهد التي عثر عليها في تدمر، ومنبج وحوران وفي الساحل، هي من صنع الفنانين السوريين الذين كرروا التماثيل القديمة وابتكروا بطابع محلي صرف تماثيل تحمل الطابع السوري المتميز، ولعل تدمر شاهد قوي على الهوية الفنية السورية الصرفة. وفي مجال الفسيفساء فإن الشواهد الرائعة التي عثر عليها في جميع أنحاء سورية والمحفوظة في متحف دمشق ومتحف السويداء ومتحف أفاميا ومتحف المعرة، تجعل من سورية أكبر مركز على البحر المتوسط لابتكار وتنفيذ الفسيفساء الذي بقي مزدهرا في العصر البيزنطي وبداية العصر الإسلامي.
وتأكد هذا التأثير عندما استلمت أسرة سورية زمام الحكم في روما وهي عائلة "سيفيروس"، التي حكمت الإمبراطورية من عام 211-235م.


انا سوري وتاريخي يحكي عني ...

أبو يوشع
2013-10-11, 18:53
يرأس الأسرة السورية "سبتيموس سيفيروس " الليبي من لبدة، وكان يتكلم الفينيقية وتزوج من جوليا دومنه الحمصية التي تتكلم الآرامية شقيقة الكنعانية، وكانت جوليا ابنة "باسيان" الحمصي الكاهن الأعظم في معبد إله الجبل "إيلاغبال" في حمص، وكانت ابنته جوليا على جانب عظيم من الذكاء والجمال والثقافة، وتزوجت من "سبتيموس" عام 175م وكان من كبار الموظفين. ثم أصبح إمبراطوراً على روما عام 211م، فبنى قصراً على هضبة "البالاتين". وكانت زوجته قد فرضت سلطانها إذ رافقت زوجها في انتصاراته وفي حكمه. فمنحتها روما لقب "أم الوطن" ولقب "أم مجلس الشيوخ" ولقب "أم الجيوش" وفتحت أبواب قصرها إلى السوريين الذين وفدوا إليها كعلماء ومفكرين وفلاسفة ورجال دين(14).
و استعانت "جوليا دومنه" بعدد من السوريين، أمثال قريبها الفقيه "بابيان" ثم "أولبيان" و"ديوجين" كاتب التراجم و"ديو كاشيوس" المؤرخ و"فيلو سترات" السفسطائي.

كما اعتمدت على شقيقتها "جوليا ميزا" _التي جاءت معها من حمص مع ابنتيها الشابتين الجميلتيين.
و ولدت جوليا دومنا ولدين، الأول باسيان وأصبح إمبراطورا تحت اسم "مارك أوريل" أو "كارا كالا" والثاني "جيتا" الذي قتله أخوه بعد موت أبيه ليرث مكانه في الحكم.
وعندما قتل ابنها "كارا كالا" غدراً، حزنت عليه وامتنعت عن الطعام حتى ماتت ودفن رمادها في مدفن أوغست في روما باحتفال مهيب.
و"جوليا ميزا" كانت أكثر تأثيراً في السياسية والعقيدة وتحويل المجتمع الروماني نحو الحياة الشرقية ونشر العادات والتقاليد السورية. وهي أرملة أحد السوريين ولها منه ابنتان جميلتان هما "جوليا سوميا" التي تزوجت ابن خالتها "كارا كالا". و"جوليا ماميا" التي تزوجت ابن "كارا كالا" الإمبراطور "إيلاغبال".

خلدت روما ذكرى الإمبراطور "كارا كالا" بالحمامات الكبيرة التي مازالت آثارها قائمة حتى الآن، وهي تمتد على مساحة قدرها أحد عشر هكتاراً، وكانت تتسع لألف وستمائة زائراً، تمارس فيها جميع أنواع الرياضة وتضم مكتبة ضخمة فكانت مركزاً ثقافياً ورياضياً وليس مجرد حمام للاستحمام.
وكانت الحمامات مزينة بالفسيفساء ومكسوة بالرخام المرمر والتماثيل الرائعة، وتحيطها الحدائق والمنتزهات والمرافق الأخرى.
ويعد "كارا كالا" من أبرز الأباطرة الرومان الذين تركوا آثاراً اجتماعية هامة، إذ اصدر مرسوم "كارا كالا" الشهير الذي جعل بموجبه جميع سكان روما سواسية يخضعون لقانون واحد ضمن حدود الحرية والحقوق الأساسية التي منحت إليهم. وكان "كارا كالا" يضرب المثل بتواضعه وحسن معاملته للشعب والجنود، فيعيش معهم ويأكل من أكلهم ويستمع إلى طلباتهم ويحل مشاكلهم. ولكنه قتل في حران شمالي سورية وهو في ريعان عمره وفي قمة مجده. ولقد حمل "كارا كالا" هذا الاسم لأنه يرتدي الكاراكال، وهو رداء سوري يشبه العباءة.
بعد موت "كارا كالا" قتلاً وموت أمه "جوليا دومنا" حزناً عليه، حصلت في روما اضطرابات تزعزع النفوذ السوري على أثرها، إلا أن الفرقة الغالية الثالثة المؤلفة من الجنود السوريين المرابطة قرب مصياف، وبتأثير "جوليا ميزا" أعلنت "أفتينوس" إمبراطوراً على روما تحت اسم "إيلاغبال" وهو ابن "جوليا سوميا" و"كارا كالا"، وكانت جدته "جوليا ميزا" قد استردت مكانتها وقيادتها للأمور ودعمت الإمبراطور الصغير 14عاماً وابنتها بحامية سورية جديدة.
كان "أفتينوس" قد ورث صفة الكاهن الأعظم في معبد حمص، وكان الحجر الأسود الهرمي الذي يرمز إلى الإله "إيلاغبال" الشكل المقدس في العبادة السورية، فنقل الحجر الأسود إلى روما، وأنشأ له معبداً خاصاً وميزه على سائر الأشكال المقدسة وبنى قربه مذبحاً، وكان الإمبراطور يمارس الطقوس والشعائر في المعبد على الطريقة السورية، ويتبعه في ذلك جميع رجال الدولة.
ثم أنشأ معبداً آخر في ضواحي روما، وجعل الحجر الأسود ينتقل بين المعبدين على عربة محلاة بالذهب والأحجار الكريمة وباحتفال رسمي.
ولقد أثار هذا التحول العقائدي المتعصبين من القادة الرومان، فتآمروا على الإمبراطور وأمه "جوليا سوميا" وكثيراً من رجال الحاشية السورية، وألقوا بجثثهم في نهر التيبر 229م وهدموا المعبدين وأعادوا الحجر الأسود إلى سورية.
لم يكن "إيلاغبال" قد سمع إلى نصائح "جوليا ميزا" الحكيمة القديرة، وكانت تنتظر لحفيدها هذه النهاية المحزنة، وتسعى إلى استبداله بحفيدها الآخر "الكسيانوس" ابن "ماميا" ابنتها الثانية، الذي أصبح إمبراطوراً بعد مقتل "إيلاغبال"، واعتلى العرش تحت اسم "اسكندر سيفيروس".
لقد استمر "اسكندر سيفيروس" على علاقته بسورية كسلفه "إيلاغبال"، وكلاهما كانا يشغلان منصب الكاهن الأعظم في حمص، واستمر ذلك حتى أثناء اعتلائهما العرش.
وكان اسكندر قد أيد الديمقراطية وجعل الأمر شورى معتمداً على مجلس المستشارين. ولعل اعتماده على القانون والعدل وتركيزه على ممارسة الديمقراطية لم يكن يرضي بعض الفئات التي كانت تعيش على المنح والميزات. فقتلوه في خيمته عام 235م مع أمه "ماميا" وكان حكمه قد امتد ثلاثة عشر عاماً.


انا سوري وتاريخي يحكي عني ...

أبو يوشع
2013-10-11, 18:57
أما "فيليب العربي" فهو الشخصية السورية الأكثر أهمية والتي وصلت عن جدارة إلى قمة الحكم في إمبراطورية روما الواسعة الأرجاء.
ولد فيليب العربي عام 204 في شهبا وهي بلدة صغيرة قريبة من بصرى تقع في الولاية العربية Provincia Arabia، وكان والده أحد شيوخ العرب رئيساً لقبيلة اتسع نفوذها وازداد عدد أفرادها حتى أصبحت قوة لها دورها في دعم الإمبراطورية، التي أصبح رعاياها على اختلاف انتماءاتهم مواطنين لهم جميع الحقوق، وهذا التحول كان قد أجراه "كاراكالا" الإمبراطور السوري الذي حكم روما 211-217م، حمل والد فيليب اسم جوليوس مارينوس وحمل ابنه اسم فيليب الذي شب في بيئة عربية صرفة تؤمن بالحرية ويدفعها الطموح إلى العمل والنشاط. وعندما أصبح فيليب ضابطاً في الجيش استطاع أن يثبت ذاته كقائد ناجح، حتى أصبح قائداً للحرس الإمبراطوري. وعندما تمرد جنود جيش الشرق على الإمبراطور جورديان الثالث أصبح فيليب إمبراطوراً 242-249م. باشر إنجازات هامة في تحسين الجيش لمتابعة قتال الفرس أو لعقد معاهدة صلح معهم وهذا ما حصل، وتعلق بمبادئ الشرعية فقوى من سلطة مجلس الشيوخ وحاول أن يضع حداً لتدخل الجيش في السلطة والتمرد على الإمبراطور. وناصر الحرية الفردية. وكان ابنه فيليب الثاني قد نما على أخلاق ومثل أبيه، فشاركه في الحكم عندما شب ونضج، حتى بدا اسم الابن مقترناً باسم الأب على نقود الإمبراطورية، كما أن زوجته مارينا سيفير ولعلها من أسرة سيفيروس الحمصية قد ساعدته في حكمه، وظهرت نقود تحمل صورتها تمجيداً وتكريماً.
ومع أن الوثنية هي عقيدة روما، إلا أن فيليب العربي كان من مناصري المسيحية، مكرراً ما فعله سلفه كاراكالا. كان فيليب العربي شديد الولاء لوالده، حتى أنه رفع من شأنه إلى مرتبة الإله، وعلى نقود عثر عليها يبدو نسرٌ باسط جناحيه يرفع صورة الأب إلى مصاف وناصر الأرباب. وإثر فتن المتمردين قتل فيليب العربي عام 249م في معركة ضدهم قرب مدينة فيرونا. وكان في حياته شديد الاهتمام بمدينته الأولى، فأنشأ فيها كثيراً من المباني التي ماتزال حتى اليوم ومنها مدفن الفيليبيوم الذي لم يدفن فيه.


انا سوري وتاريخي يحكي عني ...

أبو يوشع
2013-10-11, 19:01
اشترك عدد من المعماريين السوريين اشتركوا في بناء الأوابد الضخمة في الإمبراطورية الرومانية، ذلك أن المعمار السوري كان قد أنجز ببراعة خارقة أوابد ضاهت بروعتها أوابد روما، ونحن مازلنا نرى آثار دمشق وأفاميا وتدمر وبصرى وشهبا وآثار بعلبك وجرش، وكلها من بناء المعمار السوري أو الشامي. وقد وصلت إلى أعلى مراتب الكمال والروعة المعمارية. ولقد ورث المعمار السوري عن أجداده تقليد إنشاء الأقواس والقباب مما لم يضارعه في ذلك معمار آخر، وأخذت العمارة الرومانية فيما أخذت من تقاليد العمارة السورية، بناء القوس والقبة حتى إن قبة "البانتيون" وهي أشهر قبة في العالم كان قد بناها المعمار السوري أبو للودور الدمشقي Apollodor de Damas. فنحن نعرف أن هذا الصرح الضخم كان قد أنشئ عام 27 في عصر "أوغست" من قبل المعمار "فاليريوس". ثم أعيد بناؤه بعد أن تهدم، في عصر الإمبراطور "أدريان" عام 138م. وقد صمم قبته ونفذها أبو للودور الدمشقي الذي اشتهر في ذلك الوقت كأبرع معمار. وترتفع القبة عن الأرض 43.50متراً، ويبلغ قطرها نفس ارتفاعها وليس لهذه القبة رقبة أو نوافذ، بل فتحة عليا قطرها 9 أمتار. وهي اليوم مدفن للعظماء، فيها قبر "رافائيل" المصور الشهير، و"ماكيافيلي الفيلسوف".
أبو للودور الدمشقي الذي ولد على ما يبدو في دمشق عام 80 للميلاد، كان قد اختص بالعمارة الضخمة، وقد صارت له شهرة واسعة مما دعا الإمبراطور "تراجان" إلى استدعائه إلى روما لبناء فوروم روما الذي مازالت آثاره واضحة حتى اليوم في عاصمة إيطاليا روما.
وقد تم إنجاز هذا الفوروم عام 114م وهو ساحة تحيطها بوائك مخصصة لرجال الحكم والاقتصاد، يتبادلون بها أفكارهم وبضائعهم ويحلون مشاكلهم، وعادة ينشأ الفورم في مركز المدينة المتروبول التي أخذته هذه عن الإغريق وتسمى أغورا.
ولقد أنشأ "أبو للودور" أيضاً منشآت أخرى، وهي قصر للعدل ومكتبتين وبازليك أولبيا وعموداً تذكارياً ضخماً هو عمود تراجان، والذي مازال قائماً حتى يومنا هذا في مدينة روما. وهو عمود كالمئذنة الأسطوانية ارتفاعه 43 متراً وهو مؤلف من ثمانية عشر جزءاً وداخله سلم لولبي، ويغطى العمود بنقوش بارزة تمثل ما يقرب من ألفي محارب عدا الآليات ومعدات الحرب، وداكيا من حرب تراجان المنتصرة في بلاد داشيا، وفي قاعدة العمود مكان أودع فيه رماد جثة الإمبراطور، وقد وضعت في وعاء من الذهب.
لقد أدهش فن "أبو للودور" الأباطرة الرومان، وبخاصة تراجان، وكان صديقاً "لأبو للودور" فاحتل هذا المعمار السوري في عصره مرتبة عليا من التقدير، وبعد وفاة تراجان عام 135م اعتلى العرش "أدريان" الذي ابتدأ متمسكاً برعايته "لأبو للودور"، فكلفه ببناء قبة "البانتيون"، ثم أقام كمهندس للجسور ببناء أضخم جسر أنشئ في تاريخ روما وهو جسر "دبروجا" على نهر الدانوب، فكان معجزة هندسية رائعة، ثم كلفه ببناء معبد كبير. ومات "أبو للودور" قبل إنجازه، وكان موته غامضاً، إثر اختلافه مع الإمبراطور. لقد كان "أبو للودور" قمة في فن العمارة عبر التاريخ، ويحق لنا أن نزهو بعبقرية هذا الفنان المعمار الذي اصبح قدوة فيما بعد، أخذ عنه ميكل أنجلو في بناء قصر فارنزه في فلورنسه. وأخذ عنه المعمار الفرنسي في إنشاء عمود فاندوم في باريس أيام نابليون.


انا سوري وتاريخي يحكي عني ...

أبو يوشع
2013-10-11, 19:03
كان التدمريون من عرب البادية الذين استقروا في واحة تتمتع بموقع استراتيجي هام، وكانت تحكمهم أسرة حيران العربية. ومنذ أن أصبحت الأسرة السورية حاكمة في روما ابتدأ الاهتمام بسورية وبخاصة تدمر فأعلنها كاراكالا مستعمرة رومانية وأعفاها من الضرائب.
كان مركز تدمر التجاري سبب ازدهارها، فكانت البضائع من عاج وحرير وعطور تمر من الشرق عبرها، وكانت التماثيل والزجاجيات الفينيقية تصدر إلى الشرق عن طريقها وكانت مركزاً هاماً من مراكز طريق الحرير القادم من الصين.
وارتفع مستوى الحياة الاجتماعية فيها وازداد العمران وتعددت المنشآت تحمل الأسلوب الروماني مع بعض الملامح المتميزة وبخاصة في التماثيل والقبور. وكانت التماثيل التي اعتلت أعمدة الشارع المستقيم تنم عن ارتفاع مستوى الطبقة الحاكمة من قادة أو شيوخ، كذلك كانت تماثيل القبور توضح المستوى الراقي الذي كان عليه الشعب بلباسه وجواهره وطراز معيشته، وبتكريم الراحلين بإقامة أجمل التوابيت والقبور.
كانت تدمر زاهرة بحضارتها قوية بجيشها الذي استقطب المقاتلين في البادية، وكانت علاقتها الحسنة مع روما تدفعها إلى تقديم الفرسان والأدلاء لمؤازرة الجيوش الرومانية، بل كانت تدمر الثغر الحامي لأقصى شرق الإمبراطورية الرومانية من الخطر الساساني المتربص لروما دائماً. هكذا لعبت تدمر دوراً كبيراً في سياسة الشرق كله، وبخاصة بعد أن وصلت جيوشها إلى الأناضول والإسكندرية. ولكن طموحها بالوصول إلى روما لم يتحقق بل دفعت ثمن ذلك نهايتها القاسية المتمثلة بأطلالها القائمة حتى اليوم.


انا سوري وتاريخي يحكي عني ...

أبو يوشع
2013-10-19, 14:03
أضحى مبارك للجميع
أعاده الله علينا وعليكم بالخير والصحة

AMARAGROPA
2013-10-19, 23:51
تم حذف العديد من الردود التي تعتبر خارجة عن النص .

الأخ أبو يوشع واصل ...