علي النموشي
2009-06-04, 21:48
المقامة الوظيفية
حدثنا عباس النموشي قال : شكى لي أحد الرفاق حاله ، عن أمر يشغل باله ، في ديوان الوالي صاحب المبنى العالي و القدر الغالي ، و قال : صرت كالحمل الوديع وسط الذئاب ، و كثر علي الكلام و العتاب من تلك الأذناب الماصة للدماء كالبعوض و الذباب ، و زادني السباب من الأهل و الأصحاب ، فكرهت كل الأقطاب بالسلب و الإيجاب ، و صار العمل و الوظيفة لي شبحا ، بعدما كان زادا و ربحا ، فكلما دخلت الديوان أبصرت إبليس يتوسطه جمع نسوان بكل الألوان ، و يبدأ ذاك الشيطان بإلقاء دروس الوعظ على حاشية و البعض منهم كاره له ، و في أحد المرات مع قلة المسرات جاءني بشديد العبارات ، و بذيء الكلام بنبرات ، فقلت له أف و على وجهه تف ثم كف ، فحمى بيننا الهراش ، فلكمته و ألزمته الفراش ، و بعد فترة النقاهة ، رجعت إليّ البداهة ، وحكّمت سلطان العقل ، و جاء منهم أمر النقل ، إلى عمل جديد ، و رجع ذاك العنيد من بعيد ، فلازمني ملازمة الغريم ، و الكلب لأصحاب الرقيم ، فاعوج أمامي عيني ّالصراط المستقيم ، و خرجت من صفة الإنسان إلى البهيم ، فأقسمت أن أصير في الديوان سوس ، و أنسيهم حرب البسوس ، و أشربهم ماءا أجاجا بدل المسوس ، و أكون عليهم صعلوكا ، و انسيهم عيش الملوك ، فحولوني إلى البريد ، و كان عمله شديد جهيد ، مرة أكتب الرسالات ، و أخرى أطبع الحوالات ، ثم أملا السجلات بأرقام البرقيات ، و كان رئيس البريد شيطانا مريدا ، مراوغا عربيدا في لباس الناسك الزهيد ، يحسب نفسه فرعون أو سوريد ، فتمنيت ذبحه من الوريد إلى الوريد ، و أن أجعل لحمه قديد و آكله مع الثريد ، ثم حولوني إلى إتحاد العمال فربطت فيه كل الآمال ، فكنا كمن يكوي الجمال ، أثناء عدوى الجرب ، فعاودني همّ الكرب ، من دخول هذا السرب ، فرئيسته من الحريم تهوى الخرافات و الخزعبلات ، و علم التنجيم ، ينادونها عقيلة و ليست لها أي فصيلة ، إلا على نفسها طبعا ، فإن هي غضبت ضبعا ، و إن شبعت تتبدل سبعا ، فمللت منهم النفاق ، لأنه وصل أقصى الأفاق ، و صار له يدا و ساقا ، فما منهم إلا خبيث يدعوا للحرام و على الرشوة حثيث ، حتى قامت القيامة ، وكرهت تلك الندامة ، لأني أصبحت كالودامة ، ففاضت قطرة الكأس ، فطلبت منهم عساس ، خير من عمل النخاس ، التاجر للرقيق و النحاس ، و اليوم أصبحت في الديوان أطوف ، و أضحى أمري في المكشوف ، و قد أعلمني أحدهم أنهم سيبعثونني قريبا إلى تندوف .
حدثنا عباس النموشي قال : شكى لي أحد الرفاق حاله ، عن أمر يشغل باله ، في ديوان الوالي صاحب المبنى العالي و القدر الغالي ، و قال : صرت كالحمل الوديع وسط الذئاب ، و كثر علي الكلام و العتاب من تلك الأذناب الماصة للدماء كالبعوض و الذباب ، و زادني السباب من الأهل و الأصحاب ، فكرهت كل الأقطاب بالسلب و الإيجاب ، و صار العمل و الوظيفة لي شبحا ، بعدما كان زادا و ربحا ، فكلما دخلت الديوان أبصرت إبليس يتوسطه جمع نسوان بكل الألوان ، و يبدأ ذاك الشيطان بإلقاء دروس الوعظ على حاشية و البعض منهم كاره له ، و في أحد المرات مع قلة المسرات جاءني بشديد العبارات ، و بذيء الكلام بنبرات ، فقلت له أف و على وجهه تف ثم كف ، فحمى بيننا الهراش ، فلكمته و ألزمته الفراش ، و بعد فترة النقاهة ، رجعت إليّ البداهة ، وحكّمت سلطان العقل ، و جاء منهم أمر النقل ، إلى عمل جديد ، و رجع ذاك العنيد من بعيد ، فلازمني ملازمة الغريم ، و الكلب لأصحاب الرقيم ، فاعوج أمامي عيني ّالصراط المستقيم ، و خرجت من صفة الإنسان إلى البهيم ، فأقسمت أن أصير في الديوان سوس ، و أنسيهم حرب البسوس ، و أشربهم ماءا أجاجا بدل المسوس ، و أكون عليهم صعلوكا ، و انسيهم عيش الملوك ، فحولوني إلى البريد ، و كان عمله شديد جهيد ، مرة أكتب الرسالات ، و أخرى أطبع الحوالات ، ثم أملا السجلات بأرقام البرقيات ، و كان رئيس البريد شيطانا مريدا ، مراوغا عربيدا في لباس الناسك الزهيد ، يحسب نفسه فرعون أو سوريد ، فتمنيت ذبحه من الوريد إلى الوريد ، و أن أجعل لحمه قديد و آكله مع الثريد ، ثم حولوني إلى إتحاد العمال فربطت فيه كل الآمال ، فكنا كمن يكوي الجمال ، أثناء عدوى الجرب ، فعاودني همّ الكرب ، من دخول هذا السرب ، فرئيسته من الحريم تهوى الخرافات و الخزعبلات ، و علم التنجيم ، ينادونها عقيلة و ليست لها أي فصيلة ، إلا على نفسها طبعا ، فإن هي غضبت ضبعا ، و إن شبعت تتبدل سبعا ، فمللت منهم النفاق ، لأنه وصل أقصى الأفاق ، و صار له يدا و ساقا ، فما منهم إلا خبيث يدعوا للحرام و على الرشوة حثيث ، حتى قامت القيامة ، وكرهت تلك الندامة ، لأني أصبحت كالودامة ، ففاضت قطرة الكأس ، فطلبت منهم عساس ، خير من عمل النخاس ، التاجر للرقيق و النحاس ، و اليوم أصبحت في الديوان أطوف ، و أضحى أمري في المكشوف ، و قد أعلمني أحدهم أنهم سيبعثونني قريبا إلى تندوف .