السلفية الجزائرية
2013-08-16, 11:07
فـصـل فـي أنواع النصيحة ◄
ومن عُرف منه أنه أراد بردِّه على العلماء النصيحة لله ورسوله، فإنه يجب أن يُعامَل بالإكرام والاحترام والتعظيم كسائر أئمة المسلمين الذين سبق ذكرهم وأمثالهم ومن تبعهم بإحسان.
ومن عرف منه أنه أراد برده عليهم التنقص والذم، وإظهار العيب، فإنه يستحقُّ أن يُقابل بالعُقوبة ليرتدعَ هو ونظراؤه عن هذه الرذائل المحرمة.
ومن لم تظهر منه أماراتٌ بالكلية تدلُّ على شيء، فإنه يجب أن يُحمل كلامَهُ على أحسن مُحْمَلاتِهِ، ولا يجوز حمله على أسوأ حالاته. وقد قال عمر رضي الله تعالى عنه: ( لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المسلم سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملاً ).
► فــصل فـي كـيـفـيـتـهـا ◄
ومن هذا الباب أن يقال للرجل في وجهه ما يكرهُه، فإن كان هذا على وجه النصح فهو حسن، وقد قال بعض السلف لبعض إخوانه : ( لا تنصحني حتى تقول في وجهي ما أكره) .
ويحق لمن أُخبر بعيب من عيوبه أن يعتذر منها؛ إن كان له منها عذر.
فالتوبيخ والتعيير بالذنب مذموم وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تُثَرَّبَ الأمة الزانية مع أمره بجلدها، فتجلد حداً ولا تعير بالذنب ولا توبخ به.
وفي الترمذي وغيره مرفوعاً: « من عيَّر أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله ». وحُمل ذلك على الذنب الذي تاب منه صاحبه. قال الفضيل: ( المؤمن يستُرُ وينصَح، والفاجر يهتك ويُعيِّر ) .
فهذا الذي ذكره الفضيل من علامات النصح والتعيير، وهو أن النصح يقترن به الستر، والتعيير يقترن به الإعلان.
وكان يقال: ( من أمرَ أخاه على رؤوس الملأ فقد عيَّره ) أو بهذا المعنى.
وكان السلف يكرهون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على هذا الوجه، ويحبون أن يكون سراً فيما بين الآمر والمأمور، فإن هذا من علامات النصح، فإن الناصح ليس له غرض في إشاعة عُيوب من ينصحُ له، وإنما غرضه إزالة المفسدة التي وقع فيها.
وأما إشاعة وإظهار العيوب فهو مما حرمه الله ورسوله، قال الله تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾[النور:19]
والأحاديث في فضل السر كثيرةٌ جدَّاً.
فشتان بين من قصدُهُ النصيحة وبين من قصدُهُ الفضيحة، ولا تلتبس إحداهما بالأخرى إلى على من ليس من ذوي العقول الصحيحة.
► فـصـل فـي الـعـقـوبـة ◄
وعقوبة من أشاع السوء على أخيه المؤمن، وتتبع عيوبه، وكشف عوراته، أن يتَّبع الله عورته ويفضحه ولو في جوف بيته، كما رُوي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه وقد أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي من وجوه متعددة.
وأخرج الترمذي من حديث واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « لا تُظْهِر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك ». وقال: حسن غريب.
وخرَّج أيضاً من حديث معاذ مرفوعاً: « من عيَّر أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله » وإسناده منقطع .
وقال الحسن: ( كان يقال: من عيَّر أخاه بذنب تاب منه لم يمت حتى يبتليه الله به ).
ويُروى من حديث ابن مسعود بإسناد فيه ضعف: ( البلاء موكل بالمنطق فلو أن رجلاً عيَّر رجلاً برضاع كلبة لرضعها ).
وقد رُوي هذا المعنى عن جماعة من السلف.
ولما ركب ابن سيرين الدَّيْن وحبس به قال: ( إني أعرف الذنب الذي أصابني هذا عيَّرت رجلاً منذ أربعين سنة فقلت له : يا مفلس ) .
► فـصـل فـي الـتـعـيـيـر ◄
ومِن أظهرِ التعيير: إظهارُ السوء وإشاعتُه في قالب النصح وزعمُ أنه إنما يحمله على ذلك العيوب، إما عاماً أو خاصاً، وكان في الباطن إنما غرضه التعيير والأذى، فهو من إخوان المنافقين الذين ذمهم الله في كتابه في مواضع.
ومثال ذلك: أن يريد الإنسان ذمَّ رجل وتنقصه وإظهار عيبه لينفر الناس عنه؛ إما محبة لإيذائه أو لعداوته أو مخافة من مزاحمته على مال أو رئاسة أو غير ذلك من الأسباب المذمومة، فلا يتوصل إلى ذلك إلا بإظهار الطعن فيه بسبب ديني مثل: أن يكون قد ردَّ قولاً ضعيفاً من أقوال عالم مشهور فيشيع بين من يعظِّم ذلك العالم أن فلاناً يُبغِضُ هذا العالم ويذمُّه ويطعن عليه، فيغرُّ بذلك كل من يعظِّمه ويوهمهم أن بغض هذا الراد وأذاه من أعمال القُرب، لأنه ذبٌّ عن ذلك العالم ورفع الأذى عنه، وذلك قُربة إلى تعالى وطاعته، فيجمع هذا المظهر للنصح بين أمرين قبيحين محرَّمين :
أحدهما: أن يحمل ردُّ العالم القول الآخر على البغض والطعن والهوى وقد يكون إنما أراد به النصح للمؤمنين، وإظهار ما لا يحل له كتمانه من العلم .
والثاني: أن يظهر الطعن عليه ليتوصَّلَ بذلك إلى هواه وغرضه الفاسد في قالب النصح والذب عن علماء الشرع.
► فـصـل فـي الـعـــلاج ◄
ومن بُلي بشيء من هذا المكر فليتق الله ويستعن به ويصبر، فإن العاقبة للتقوى.
كما قال الله تعالى: بعد أن قصَّ قِصَّة يوسف وما حصل له من أنواع الأذى بالمكر والمخادعة: ﴿ وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ ﴾ [يوسف:21]، وقال الله تعالى حكاية عنه أنه قال لإخوته: ﴿ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا ﴾[يوسف: 90] ، وقال تعالى في قصة موسى عليه السلام وما حصل له ولقومه من أذى فرعون وكيده قال لقومه : ﴿ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا ﴾ [لأعراف:128] ، وقد أخبر الله تعالى أن المكر يعود وباله على صاحبه قال تعالى : ﴿ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ﴾[فاطر:43] ، وقال تعالى : ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا ﴾[الأنعام:123] ، والواقع يشهد بذلك فإن من سبر أخبار الناس وتواريخ العالم وقف على أخبار من مكر بأخيه فعاد مكره عليه، وكان ذلك سبباً في نجاته وسلامته على العجب العجاب.
لو ذكرنا بعض ما وقع من ذلك لطال الكتاب واتسع الخطاب، والله الموفق للصواب، وعليه قصد السبيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً.
(http://www.aborashed.com/)
من مجموع رسائل الحافظ ابن رجب الحنبلي ص 401
ومن عُرف منه أنه أراد بردِّه على العلماء النصيحة لله ورسوله، فإنه يجب أن يُعامَل بالإكرام والاحترام والتعظيم كسائر أئمة المسلمين الذين سبق ذكرهم وأمثالهم ومن تبعهم بإحسان.
ومن عرف منه أنه أراد برده عليهم التنقص والذم، وإظهار العيب، فإنه يستحقُّ أن يُقابل بالعُقوبة ليرتدعَ هو ونظراؤه عن هذه الرذائل المحرمة.
ومن لم تظهر منه أماراتٌ بالكلية تدلُّ على شيء، فإنه يجب أن يُحمل كلامَهُ على أحسن مُحْمَلاتِهِ، ولا يجوز حمله على أسوأ حالاته. وقد قال عمر رضي الله تعالى عنه: ( لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المسلم سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملاً ).
► فــصل فـي كـيـفـيـتـهـا ◄
ومن هذا الباب أن يقال للرجل في وجهه ما يكرهُه، فإن كان هذا على وجه النصح فهو حسن، وقد قال بعض السلف لبعض إخوانه : ( لا تنصحني حتى تقول في وجهي ما أكره) .
ويحق لمن أُخبر بعيب من عيوبه أن يعتذر منها؛ إن كان له منها عذر.
فالتوبيخ والتعيير بالذنب مذموم وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تُثَرَّبَ الأمة الزانية مع أمره بجلدها، فتجلد حداً ولا تعير بالذنب ولا توبخ به.
وفي الترمذي وغيره مرفوعاً: « من عيَّر أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله ». وحُمل ذلك على الذنب الذي تاب منه صاحبه. قال الفضيل: ( المؤمن يستُرُ وينصَح، والفاجر يهتك ويُعيِّر ) .
فهذا الذي ذكره الفضيل من علامات النصح والتعيير، وهو أن النصح يقترن به الستر، والتعيير يقترن به الإعلان.
وكان يقال: ( من أمرَ أخاه على رؤوس الملأ فقد عيَّره ) أو بهذا المعنى.
وكان السلف يكرهون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على هذا الوجه، ويحبون أن يكون سراً فيما بين الآمر والمأمور، فإن هذا من علامات النصح، فإن الناصح ليس له غرض في إشاعة عُيوب من ينصحُ له، وإنما غرضه إزالة المفسدة التي وقع فيها.
وأما إشاعة وإظهار العيوب فهو مما حرمه الله ورسوله، قال الله تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾[النور:19]
والأحاديث في فضل السر كثيرةٌ جدَّاً.
فشتان بين من قصدُهُ النصيحة وبين من قصدُهُ الفضيحة، ولا تلتبس إحداهما بالأخرى إلى على من ليس من ذوي العقول الصحيحة.
► فـصـل فـي الـعـقـوبـة ◄
وعقوبة من أشاع السوء على أخيه المؤمن، وتتبع عيوبه، وكشف عوراته، أن يتَّبع الله عورته ويفضحه ولو في جوف بيته، كما رُوي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه وقد أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي من وجوه متعددة.
وأخرج الترمذي من حديث واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « لا تُظْهِر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك ». وقال: حسن غريب.
وخرَّج أيضاً من حديث معاذ مرفوعاً: « من عيَّر أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله » وإسناده منقطع .
وقال الحسن: ( كان يقال: من عيَّر أخاه بذنب تاب منه لم يمت حتى يبتليه الله به ).
ويُروى من حديث ابن مسعود بإسناد فيه ضعف: ( البلاء موكل بالمنطق فلو أن رجلاً عيَّر رجلاً برضاع كلبة لرضعها ).
وقد رُوي هذا المعنى عن جماعة من السلف.
ولما ركب ابن سيرين الدَّيْن وحبس به قال: ( إني أعرف الذنب الذي أصابني هذا عيَّرت رجلاً منذ أربعين سنة فقلت له : يا مفلس ) .
► فـصـل فـي الـتـعـيـيـر ◄
ومِن أظهرِ التعيير: إظهارُ السوء وإشاعتُه في قالب النصح وزعمُ أنه إنما يحمله على ذلك العيوب، إما عاماً أو خاصاً، وكان في الباطن إنما غرضه التعيير والأذى، فهو من إخوان المنافقين الذين ذمهم الله في كتابه في مواضع.
ومثال ذلك: أن يريد الإنسان ذمَّ رجل وتنقصه وإظهار عيبه لينفر الناس عنه؛ إما محبة لإيذائه أو لعداوته أو مخافة من مزاحمته على مال أو رئاسة أو غير ذلك من الأسباب المذمومة، فلا يتوصل إلى ذلك إلا بإظهار الطعن فيه بسبب ديني مثل: أن يكون قد ردَّ قولاً ضعيفاً من أقوال عالم مشهور فيشيع بين من يعظِّم ذلك العالم أن فلاناً يُبغِضُ هذا العالم ويذمُّه ويطعن عليه، فيغرُّ بذلك كل من يعظِّمه ويوهمهم أن بغض هذا الراد وأذاه من أعمال القُرب، لأنه ذبٌّ عن ذلك العالم ورفع الأذى عنه، وذلك قُربة إلى تعالى وطاعته، فيجمع هذا المظهر للنصح بين أمرين قبيحين محرَّمين :
أحدهما: أن يحمل ردُّ العالم القول الآخر على البغض والطعن والهوى وقد يكون إنما أراد به النصح للمؤمنين، وإظهار ما لا يحل له كتمانه من العلم .
والثاني: أن يظهر الطعن عليه ليتوصَّلَ بذلك إلى هواه وغرضه الفاسد في قالب النصح والذب عن علماء الشرع.
► فـصـل فـي الـعـــلاج ◄
ومن بُلي بشيء من هذا المكر فليتق الله ويستعن به ويصبر، فإن العاقبة للتقوى.
كما قال الله تعالى: بعد أن قصَّ قِصَّة يوسف وما حصل له من أنواع الأذى بالمكر والمخادعة: ﴿ وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ ﴾ [يوسف:21]، وقال الله تعالى حكاية عنه أنه قال لإخوته: ﴿ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا ﴾[يوسف: 90] ، وقال تعالى في قصة موسى عليه السلام وما حصل له ولقومه من أذى فرعون وكيده قال لقومه : ﴿ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا ﴾ [لأعراف:128] ، وقد أخبر الله تعالى أن المكر يعود وباله على صاحبه قال تعالى : ﴿ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ﴾[فاطر:43] ، وقال تعالى : ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا ﴾[الأنعام:123] ، والواقع يشهد بذلك فإن من سبر أخبار الناس وتواريخ العالم وقف على أخبار من مكر بأخيه فعاد مكره عليه، وكان ذلك سبباً في نجاته وسلامته على العجب العجاب.
لو ذكرنا بعض ما وقع من ذلك لطال الكتاب واتسع الخطاب، والله الموفق للصواب، وعليه قصد السبيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً.
(http://www.aborashed.com/)
من مجموع رسائل الحافظ ابن رجب الحنبلي ص 401