syrus
2013-08-13, 18:21
الرفــــق بالمسـنـيــــن و قــــيمة الرحـــمــة :
كنت قد زرت كنيسة القديس أوغسطين في عنابة مرتين , في الزيارة الثانية للكنيسة كان لي حديث مطول مع راهبة تشرف على اقامة المسنين التابع للكنيسة و هو مبنى كبير يقيم فيه عدد من المسنين الذين لا أهل لهم أو ممن تخلى عنهم ذووهم ... أثناء الحديث تجولنا في أنحاء الإقامة و قامت الراهبة بإطلاعنا على مختلف أقسام المبنى . غرف المقيمين و المطبخ و قاعة الطعام و المصلى و قاعة التلفاز ...الخ ... المكان كان في قمة النظافة و الترتيب . خاصة المطعم و قاعة الطعام ... و من الامور التي قالتها لنا الراهبة انها تفاجئت في الجزائر أن الناس يأتون في المناسبات و في غير المناسبات لزيارة المقيمين الذين لا تربطهم اي صله بهم و يحضرون معهم كل انواع الطعام , و ان هذا الأمر لا يحدث في أماكن اخرى و انها مسرورة بالتواجد بالجزائر و سعيدة بيد العون التي يقدمها لهم السكان ... الحقيقة لقد كانت أمرأة بشوشة و نشطة , و لم يبدو لي انها شخص سيئ على الإطلاق بالرغم من اختلافنا البين في العقيدة و قد تركت في نفسي انطباعا جيدا ... ثم مرت أيام لأقرأ على جريدة la Croix الفرنسية مقالا عن احتفالات عيد الميلاد في عنابة و في المقال تقول مسؤولة الراهبات "نحن نعيش من كرم المسلمين , من دونهم لا يمكننا ان نصنع شيئا" ...
http://im31.gulfup.com/IzqwG.jpg
صورة لكنيسة القديس أوغسطين بعنابة و إقامة المسنين هي المبنى الابيض خلف الكنيسة (يسار الصورة)
رغم هذا الاعتراف الجميل من تلك الراهبة بفضل المسلمين و التبرعات و الإعانات و الزيارات , تبقى المفارقة واضحة بين ما شاهدنه بعينيي من مستوى الرعاية الحسنة المقدمة للمسنين في هذه الإقامة و بين الذي اعتدنا سماعه أو القراءة عنه من تدهور الأوضاع في دور المسنين الحكومية ... ربما كان الفرق نابعا من كون الراهبات وهبن حياتهن لهذا الأمر و يقمن به تطوعا في حين أن العامل في دور المسنين الحكومية وجد نفسه هناك من اجل الوظيفة لا غير ...لكن لا يصح هذا ان يكون مبررا ... فالمشكلة لا تتعلق بالوظيفة و التطوع فقط بل بثقافة العمل و قيم الرحمة ...
الكثير من الامور تروى عن سوء المعاملة و الإهمال الذي يلقاه المسنون في المراكز الحكومية المخصصة لرعايتهم , لكن يبدو ان هذا الامر لا يقتصر علينا فقط ... ففي احد الحصص استضاف Therry Ardisson سيدة لنقاش حول كتاب لها تتناول فيه الاوضاع المزرية للمسنين في فرنسا . و من اجمل ما قيل في تلك الحصة ما قاله "طارق رمضان من " ان كرامة المجتمع تقاس ايضا بطبيعة تعامله مع المسنين الذين صنعوا و أسسوا ذلك المجتمع" ...
http://www.youtube.com/watch?v=C5NKD4rrL2w
ما يحدث هو ان النزعة المادية و طغيان البعد الإقتصادي (الإنتاج / الاستهلاك) على نظام القيم يجعل الناس ينظرون للمسنين بوصفهم عبأ , و لذلك يسعون للتخلص من ذلك العبأ بمختلف الطرق . قد يكون الأمر بإيداعهم المراكز المخصصة , و هذه المراكز لا يمكنها ان تقدم لهم دفء الأسرة و لا يمكن ان تعوضهم عن حرارة الأجواء العائلية . أو يكون بإهمالهم و سوء معاملتهم في البيت و هو ما يجرح كرامتهم و يشعرهم بالأسى ... و في كلا الامرين نحن نتجرد من إنسانيتنا عندما نتعامل مع المسنين بوصفهم عبأ بدل اعتبارهم "بركة" كما هو المألوف في ثقافتنا ...
***
و هذا الموضوع قد يدفعنا للتساؤل عن قيمة الرحمة فينا كمجتمع ... فما يحدث في المستشفيات من أهمال و الادارات من تعسف و استهتار بمصالح الناس لا يمس بصلة لقيمة الرحمة . و من المؤسف أن أقول أن أغلب مظاهر الرحمة الموجودة عندنا هي مظاهر اجتماعية و تقاليد و ليست قيم تسكن القلوب ... من الخطير ان نكتشف اننا نرحم الغير بقدر الرقابة الاجتماعية المسلطة علينا , أي لإتقاء كلام الناس أو لكسب رضاهم , و هذا ما يفسر بالنسبة لي التناقضات و الانفصام الحاد الذي يميز السلوكات الجتماعية و الاخلاقية عندنا...
كنت قد زرت كنيسة القديس أوغسطين في عنابة مرتين , في الزيارة الثانية للكنيسة كان لي حديث مطول مع راهبة تشرف على اقامة المسنين التابع للكنيسة و هو مبنى كبير يقيم فيه عدد من المسنين الذين لا أهل لهم أو ممن تخلى عنهم ذووهم ... أثناء الحديث تجولنا في أنحاء الإقامة و قامت الراهبة بإطلاعنا على مختلف أقسام المبنى . غرف المقيمين و المطبخ و قاعة الطعام و المصلى و قاعة التلفاز ...الخ ... المكان كان في قمة النظافة و الترتيب . خاصة المطعم و قاعة الطعام ... و من الامور التي قالتها لنا الراهبة انها تفاجئت في الجزائر أن الناس يأتون في المناسبات و في غير المناسبات لزيارة المقيمين الذين لا تربطهم اي صله بهم و يحضرون معهم كل انواع الطعام , و ان هذا الأمر لا يحدث في أماكن اخرى و انها مسرورة بالتواجد بالجزائر و سعيدة بيد العون التي يقدمها لهم السكان ... الحقيقة لقد كانت أمرأة بشوشة و نشطة , و لم يبدو لي انها شخص سيئ على الإطلاق بالرغم من اختلافنا البين في العقيدة و قد تركت في نفسي انطباعا جيدا ... ثم مرت أيام لأقرأ على جريدة la Croix الفرنسية مقالا عن احتفالات عيد الميلاد في عنابة و في المقال تقول مسؤولة الراهبات "نحن نعيش من كرم المسلمين , من دونهم لا يمكننا ان نصنع شيئا" ...
http://im31.gulfup.com/IzqwG.jpg
صورة لكنيسة القديس أوغسطين بعنابة و إقامة المسنين هي المبنى الابيض خلف الكنيسة (يسار الصورة)
رغم هذا الاعتراف الجميل من تلك الراهبة بفضل المسلمين و التبرعات و الإعانات و الزيارات , تبقى المفارقة واضحة بين ما شاهدنه بعينيي من مستوى الرعاية الحسنة المقدمة للمسنين في هذه الإقامة و بين الذي اعتدنا سماعه أو القراءة عنه من تدهور الأوضاع في دور المسنين الحكومية ... ربما كان الفرق نابعا من كون الراهبات وهبن حياتهن لهذا الأمر و يقمن به تطوعا في حين أن العامل في دور المسنين الحكومية وجد نفسه هناك من اجل الوظيفة لا غير ...لكن لا يصح هذا ان يكون مبررا ... فالمشكلة لا تتعلق بالوظيفة و التطوع فقط بل بثقافة العمل و قيم الرحمة ...
الكثير من الامور تروى عن سوء المعاملة و الإهمال الذي يلقاه المسنون في المراكز الحكومية المخصصة لرعايتهم , لكن يبدو ان هذا الامر لا يقتصر علينا فقط ... ففي احد الحصص استضاف Therry Ardisson سيدة لنقاش حول كتاب لها تتناول فيه الاوضاع المزرية للمسنين في فرنسا . و من اجمل ما قيل في تلك الحصة ما قاله "طارق رمضان من " ان كرامة المجتمع تقاس ايضا بطبيعة تعامله مع المسنين الذين صنعوا و أسسوا ذلك المجتمع" ...
http://www.youtube.com/watch?v=C5NKD4rrL2w
ما يحدث هو ان النزعة المادية و طغيان البعد الإقتصادي (الإنتاج / الاستهلاك) على نظام القيم يجعل الناس ينظرون للمسنين بوصفهم عبأ , و لذلك يسعون للتخلص من ذلك العبأ بمختلف الطرق . قد يكون الأمر بإيداعهم المراكز المخصصة , و هذه المراكز لا يمكنها ان تقدم لهم دفء الأسرة و لا يمكن ان تعوضهم عن حرارة الأجواء العائلية . أو يكون بإهمالهم و سوء معاملتهم في البيت و هو ما يجرح كرامتهم و يشعرهم بالأسى ... و في كلا الامرين نحن نتجرد من إنسانيتنا عندما نتعامل مع المسنين بوصفهم عبأ بدل اعتبارهم "بركة" كما هو المألوف في ثقافتنا ...
***
و هذا الموضوع قد يدفعنا للتساؤل عن قيمة الرحمة فينا كمجتمع ... فما يحدث في المستشفيات من أهمال و الادارات من تعسف و استهتار بمصالح الناس لا يمس بصلة لقيمة الرحمة . و من المؤسف أن أقول أن أغلب مظاهر الرحمة الموجودة عندنا هي مظاهر اجتماعية و تقاليد و ليست قيم تسكن القلوب ... من الخطير ان نكتشف اننا نرحم الغير بقدر الرقابة الاجتماعية المسلطة علينا , أي لإتقاء كلام الناس أو لكسب رضاهم , و هذا ما يفسر بالنسبة لي التناقضات و الانفصام الحاد الذي يميز السلوكات الجتماعية و الاخلاقية عندنا...