سعودي17
2009-05-27, 23:44
(http://annajma.jeeran.com/index.htm)
مفاهيم فلسفية :المادية - المثالية والدياليكتيك
إن من بين الأخطار التي تواجه الماركسية على وجه الخصوص والفلسفة على وجه العموم هو خطر الفهم الخاطئ للمفاهيم والذي يكون إما عن جهل أو عن قصد. والهدف من خلال هذه المبادرة أن نعرف ولو بشكل مبسط وموجز بعض هذه المفاهيم التي لاغنى عنها لدراسة الفلسفة والكتابات الماركسية ومعرفتهما على القصد الصحيح.
المـــاديـــــــــــة :
ما الفلسفة المادية ؟
يفهم بشكل مبتذل بكلمة مادي، ذاك الذي لايفكر إلا بالملذات المادية. فعن طريق التلاعب بلفظ "المادية"الذي يحتوي على لفظ مادة يعطى للمادية معنى خاطئ تماما.
بدراستنا للمادية – بمعناها العلمي – سنعيد لها دلالتها الحقيقية، فكون الإنسان ماديا لايمنعه أبدا من أن يكون لديه مثل أعلى وأن يناضل من أجل انتصار.
تريد الفلسفة تفسير المشكلات الأكثر عمومية، إلا أنه عبر تاريخ البشرية لم يكن التفسير هو نفسه. فالأولون حاولوا شرح الطبيعة والعالم، ولكنهم لم يفلحوا، فالعلوم هي التي تتيح بالفعل تفسير العالم والظواهر التي تحيط بنا، والحال أن الاكتشافات التي سمحت بتقدم العلوم هي حديثة الظهور… ولذلك وبسبب هذا الجهل، نشاهد عبر التاريخ ظهور الأديان التي تريد تفسير العالم هي أيضا. ولكن بواسطة قوى فوق طبيعية وذلك شرح لاعلمي. والحال أن العلوم ستتقدم شيئا فشيئا عبر القرون وسيحاول الناس تفسير الكون بالواقع المادي انطلاقا من التجارب العلمية. ومن هنا، من هذه الإرادة التي تريد تفسير الأشياء بالعلوم ستولد الفلسفة المادية.
ومع أننا سندرس المادية في السطور القادمة إلا أنه علينا حفظ هذا المبدأ" المادية ليست سوى التفسير العلمي للكون".
ماهي مبادئ الفلسفة المادية؟
للإجابة علينا أن نعود إلى المسألة الأساسية في الفلسفة "العلاقة بين الوجود والفكر"
بالنسبة للماديين:الوجود هو الذي يحدد الفكر، والوجود والمادة هما الحقيقة الأولى والفكر والذهن هما الحقيقة الثانوية الخاضعة للمادة،"الذهن ليس سوى أعلى نتاج للمادة" لذلك إذا طرحنا السؤال: كيف يحدث أن الإنسان يفكر؟ أجاب الماديون لأن للإنسان دماغا. وأن الفكر هو نتاج الدماغ فلا فكر بدون مادة، بدون جسد.وحتى نوجز، نقول أن الماديين يؤكدون على أن:
1 - المادة هي التي تنتج الذهن وأننا علميا لم نصدق قط ذهنا بدون مادة.
2- أن المادة موجودة خارج كل ذهن وليست بحاجة له حتى توجد لأنها تملك وجودا خاصا بها.
3- أن باستطاعتنا معرفة العالم ولأفكار التي نكونها عن المادة والعالم تزداد صحة بما أننا نستطيع بواسطة العلوم تحديد ما نعرفه سابقا ونكتشف ما نجهله.
كيف تطورت المادية ولماذا؟
إن تاريخ الفلسفة المادية يظهر لنا في هذه الفلسفة شيئا حيا ودائم الحركة، على العكس مما يدعيه مناهضوها والذين يزعمون أن هذا المذهب لم يتطور منذ عشرين قرنا . لقد تقدمت المعارف الإنسانية العلمية عبر القرون،ففي بداية تاريخ الفكر في عصور الإغريق القديمة، كانت المعارف شبه معدومة وكان العلماء الأولون شبه فلاسفة في الوقت نفسه لأن الفلسفة كونت في هذه الحقبة مع العلوم الناشئة كلا متكاملا،كون الواحدة امتداد للأخرى ... بعد ذلك وإذا دخلت العلوم في تفسيراتها لظاهرات العالم تدقيقات أزعجت الفلسفة المثالية وحتى ناقضتها تولد نزاع بين الفلسفة والعلوم.
لكن الفلسفة التي ولدت مع العلوم وارتبطت بها وخضعت لها، تقدمت وتطورت معها لتتوصل مع المادية الحديثة، مادية ماركس وإنجلز إلى أن تجمع من جديد العلم والفلسفة في المادية الدياليكتيكية. وبذلك يمكن تقسيم تاريخ المادية إلى:
_ المادية الماقبل الماركسية وشملت عصور الإغريق القديمة بظهور تيار مادي جذب إليه أفضل المفكرين والفلاسفة على رأسهم هيراقليطس، الذي يدعى"أب الدياليكتيك". يقول هيراقليطس:<<لاشيء جامد،كل شيء يسيل،ولا نستحم أبدا في النهر ذاته مرتين ،لأنه في لحظتين متتاليتين لايكون أبدا هو نفسه
،لقد تغير من لحظة إلى أخرى وأصبح آخر>>.
وكان هيراقليطس أول من حاول تفسير الحركة والتغير، ورأى في التناقض أسباب تطور الأشياء. بعد ذلك ظهرت لنا المادية الإنجليزية بزعامة الأب الحقيقي لها"بيكون" ثم المادية الفرنسية والتي تحدد بوضوح ابتداء بديكارت (1596 -1650). وينتهي هذا القسم بمادية القرن 18. والاسم البارز في هذه الفلسفة هو ديدرو المولود في لانجر في سنة 1713. والمتوفى في باريس 1784.
- المادية الماركسية: والتي بدأت مع ماركس وإنجلز وتمتد إلى يومنا هذا وقد أعاد ماركس وإنجلز جمع المادية والعلم في صيغتها المادية الدياليكتيكية.والتي أوردت عيوب المادية الماقبل ماركسية وأيضا حسناتها. وعلى سبيل هذه العيوب نورد هذا المثال: كيف يشرح هؤلاء الماديون الفكر.إنهم يشرحونه كالآتي:"الدماغ يفرز الفكر كما يفرز الكبد الصفراء ".
إن مادية ماركس على عكس هذا، فهي تعطي سلسلة من التوضيحات فتقول أن أفكارنا لا تأتي فقط من الدماغ لأن علينا أن نرى لمذا نملك بعض الأفكار وبعض القيم ليس غيرها فنرى أن المجتمع والبيئة ... تختار أفكارنا. أي أن الوجود الاجتماعي هو الذي يحدد الوعي الاجتماعي. وبذلك فالماركسية هي تفتح المادية.
المثـــــالــــــــية:
المثالية الأخلاقية والمثالية الفلسفية:
لقد فضحنا الغموض الذي أوجدته اللغة المتداولة بالنسبة للمادية. هذا الغموض نفسه نجده بصدد المثالية.
علينا بالفعل أيضا أن لانخلط بين المثالية الأخلاقية والمثالية الفلسفية، فالمثالية الأخلاقية تقوم على أن ينذر الإنسان نفسه من أجل هدف ما ... من أجل مثال ما .
وتاريخ الحركة العمالية يعلمنا أن عددا لايحصى من الثوريين، من الماركسيين قد نذروا أنفسهم حتى التضحية بحياتهم من أجل مثل أعلى أخلاقي، مع كونهم خصوما للمثالية الفلسفية والتي تقول "أن الفكر هو العنصر الرئيسي الأول والأكثر أهمية " وبعبارة أخرى أن الروح هي التي تخلق المادة .
يقول باركلي أب المثالية "إن المادة ليست مانظنه عندما نظل أنها موجودة خارج ذهننا،نظن أن الأشياء موجودة لأننا نراها ،نلمسها .ولأنها تولد فينا هذه الإحساسات ،نعتقد بوجودها ،ولكن إحساساتنا ليست سوى أفكار نحملها في ذهننا ،فالأشياء التي ندركها بحواسنا ليست إذن غير أفكارلايمكنها أن توجد خارج ذهننا "
فالأشياء موجودة بالنسبة لباركلي وهو لاينكر وجودها وطبيعتها ،ولكنه يِؤكد أنها لاتوجد إلا بشكل إحساسات ،ثم يستنتج أن إحساساتنا والمواضيع ليست إلا شيء واحد. الأشياء موجودة مؤكدة ولكنها موجودة فينا في ذهننا وليست لها أي حقيقة واقعية خارج الذهن.
لنلاحظ مثلا لون وطعما ورائحة وشكل وصلابة معينة مجتمعة بعضها إلى بعض فنعتبر هذه المجموعة شيئا متميزا نطلق عليه "تفاحة" وتؤلف مجموعة أخرى في الأفكار مانسميه الحجر والشجرة والكتاب والأشياء الأخرى الملموسة.
نحن إذن ضحية وهم فلسفي عندما نظن أن بوسعنا معرفة الأشياء والعالم ،كأشياء خارجية لأن كل ذالك لاتوجد إلا في ذهننا.
وبرهن باركلي على هذا بعدة أمثلة فيقول.
"تصوروا إذن أن إحدى اليدين حارة والأخرى باردة .وأن الإثنتين مغموستان في وعاء مملوء بالماء المعتدل .الحرارة في الوقت نفسه .ألا يظهر أن الماء ساخن بالنسبة لإحدى اليدين وبار،بالنسبة للأخرى"
يقول أيضا:
"لنأخذ قطعة من القماش:تقولون أنها حمراء، هل هذا أكيد؟ أكنتم تظنون أن الأحمر في القماش نفسه أنتم تعلمون أن هناك حيوانات لها عيون مختلفة عن عيوننا ولا ترى هذا القماش أحمر.كذلك أن المصاب باليرقان يراها صفراءَ! تقولون أن هذا القماش خفيف، لندعه يقع على نملة، من المؤكد أنها ستجده ثقيلا. من هو على حق إذا؟ تظنون أنه حار؟ إذا كنتم محمومين ستجدونه بارد. هل هو إذا حار أم بارد؟"
حجج المثالية:
- الروح تخلق المادة.
- أن العالم لايوجد خارج أفكارنا.
- أفكارنا هي التي تخلق الأشياء:أن الأشياء هي انعكاس لفكرنا.
والاستنتاج الذي علينا أن نستنتجه من خلال الأطروحة: (كل شيء غير موجود إلا في ذهننا) هو أن العالم الخارجي غير موجود إلا في ذهننا أي أن العالم الخارجي لا وجود له، وهذا أيضا ما أكده أفلاطون حين رأى أن الواقع الذي نعيشه/المحيط الخارجي هو فقط نسخة مشوهة لواقع من الأفكار الدائمة والكاملة والخالدة.
المرجع : كتاب " مبادئ أولية في الفلسفة"
لجورج بولتزر
نقلته إلى العربية وقدمت له فهمية شرف الدين
عن مجلة أقلام تلاميذية العدد1
الدياليكتيك
عندما يدور الكلام على الدياليكتيك. فان ذلك يتم غالبا بغموض، ويقدم كشيء معقد، وهذا مايؤسف له ومما يدعو لارتكاب أخطاء يجب تجنبها.
إن لفظة الدياليكتيك في معناها اللغوي تعني ببساطة فن المناقشة، وهكذا نسمع غالبا أن الإنسان الذي يناقش طويلا ويتوسع ويحدث جيدا: هو إنسان دياليكتيكي.لدينا انطباع بأننا دائما كما نحن ومع ذلك يقول انجلز "المتماثل مختلف". نظن أننا مماثلون لأنفسنا في حين أننا تغيرنا كنا أطفالا وأصبحنا رجلا. وهذا الرجل لايبقى هو نفسه أبدا من الناحية الفيزيائية: هو يشيخ كل يوم.
التاريخ أيضا يثبت لنا أن الأشياء لاتبقى على ماهي عليه فليس المجتمع جامدا في أية لحظة, ان اول مجتمع عرفته العصور القديمة هو المشاعي البدائي, ثم مجتمع الرق(العبودي) وفيما بعد الإقطاعي الذي تلاه الرأسمالي... مشاعرنا أيضا تتغير وهذا ما لانفهمه جيدا, فنحن نرى إن ما كان مجرد تعاطف قد أصبح حنا, ثم تحول في بعض الأحيان الى كره.
وما نراه في مكان في الطبيعة وفي التاريخ وفي الفكر هو التغير والحركة. بهذه الملاحظة يبدأ الدياليكتيك.
يقول هيراقليطس الذي سمي "أبو المادية" لكل شيء يسير. فهيراقليطس أعطانا تصورا جدليا للعالم, أي انه وصف العلم بأنه متحرك وليس متحجرا ولكن هذا المنهج لم يستطع تأكيد ذاته الا بعد ذلك بوقت طويل لان العقل البشري ظل خضعا للتطور الميتافيزيقي مدة طويلة ولان المجال لايسمح بالتطرق وبشكل مفصل للسبب الذي أدى الى هذا الوضع.نكتفي بإعطاء هذا المثال/التوضيح/الشرح: "حينما نستمر فقط بتسمير الصناديق لمدة 25 سنة من عمرنا وفجأة يضعنا أمام آلات لاسلكية لنركبها, ومن المؤكد انه سيكون لدينا صعوبات كثيرة وستكون أيدينا ثقيلة وأصابعنا قليلة المهارة ولن نصل الى تليين أنفسنا وتحقيق هذا العمل إلا قليلا.
وكذلك بالنسبة للدياليكتيك نحن مرتكبون ومثقلون بالمنهج القديم في التفكير الميتافيزيقي وعلينا أن نحرر ليونة المنهج الدياليكتيكي ودقته، لأنه ليس سوى منهج في التفكير ذي دقة كبرى, وحتى نختصر:ما نقول"ميتافيزيقي" نقول "جمود" وعندما نقول "دياليكتيك" نقول حركة"
1-كيف ولدت المادية الدياليكتيكية:
إذا سألنا كيف جرى هذا التحول من المادية الميتافيزيقية الى المادية الدياليكتيكية نجيب عامة قائلين:
*كان هناك الدية الميتافيزيقية، مادية القرن 18
*العلوم تغيرت
*تدخل ماركس وانجلز، فقسما المادية الميتافيزيقية الى اثنين: أهملوا الميتافيزيقا وابقوا المادية مضيفين إليها الدياليكتيك.
) لقد تطر الدياليكتيك في الواقع على يد الفيلسوف الألماني المثالي"هيجل" 1831-1880 الذي عرف كيف يفهم التغيير المحدث( في العلوم، فقد لاحظ باستعادته لفكرة هيراقليطس القديمة. ولاحظ أن كل شيء في الكون هو حركة وتغير، فبفضل هيجل نتحدث اليوم عن حركة العالم الدياليكتيكية، وما فهمه هيجل أولا هو حركة الفكر ودعاها طبعا الدياليكتيك.
لكن هيجل مثالي حين ظن أن تغيرات الروح هي التي تحدث التغيرات في المادة، وبذلك فهو يخضع الدياليكتيك للمثالية.
) ماركس1883-1818) وانجلز (1895-1820 أتباع هيجل ولكنهما أتباعه الماديون. وبالتالي يعطون الأهمية الأولى للمادة. ( ويريان أن دياليكتيك هيجل أعطى إثباتات صحيحة ولكن بشكل مقلوب. يقول انجلز:"مع هيجل كان الدياليكتيك يقف على رأسه وتوجب اعاده ووضعه على رجله"
مما يعتقدان أن هيجل على حق في القول أن الفكر والكون هما في تغير دائم. ولكنه أخطأ بتأكيده أن التغيرات في الأفكار هي التي تحدد التغيرات في الأشياء بل على العكس فان الأشياء هي التي تعطينا الأفكار وإنما الأفكار تتعدل لأن الأشياء لاتتعدل.
سيأخذ ماركس وانجلز الدياليكتيك من هيجل لكنهما سيحولانه وسيفعلان الأمر نفسه بالمادية ليعطيانا المادية الدياليكتيكية. 2-قوانين الدياليكتيك.
*التغير الدياليكتيكي:(الحركة الدياليكتيكية)
قانون الدياليكتيك الأول يبدأ بملاحظة أن "لاشيء يبقى حيث هو، ولا شيء يظل ماهو " فمن يقول دياليكتيك يقول حركة وتغير، وبالتالي عندما يدور الكلام على تبني وجهة النظر الدياليكتيكية هذا يعني تبني وجهة نظر الحركة والتغير.فعندما نريد دراسة الأشياء وفقا للدياليكتيك، سندرسها في حركاتها وفي تغيرها. ولأجل تقريب المعنى نعرض المثال التالي:"هذه تفاحة: هناك طريقتان/منهجان لدراستها: ميتافيزيقية دياليكتيكية:
من وجهة نظر الأولى: نصف التفاحة وندرسها من حيث لونها وحجمها ثم نعدد خصائصها، ثم طعمها...الخ ونقارنها مع الإجاصة فنعرض تشابههما، وفي الأخير نستنتج أن التفاحة هي التفاحة والاجاصة .
أما من وجهة نظر الثانية(الدياليكتيك). لم تكن التفاحة ناضجة دائما على ماهي عليه. لقد كانت تفاحة خضراء من قبل، وكانت برعما قبل أن تصبح زهرة،وهكذا سنصعد الى حالة شجرة التفاحة في الزمن الربيع. التفاحة لم تكن إذن دائما على ماهي عليه، التفاحة لها تاريخ،وكذلك لن تبقى على ماهي عليه، ستسقط وتتحلل، وستتحلل البذور التي ستعطي نبتة، ثم شجرة، إذن مرة أخرى لم تكن التفاحة دائما على ماهي عليه ولن تبقى أبداكما هي.
هذا هو ما يسمى دراسة الأشياء من وجهة نظر الحركة هي الدراسة من وجهة الماضي والمستقبل.
وما يقال على مثال التفاحة ينطبق على التاريخ والمجتمع. إلا أن المجال لايسمح بالتفصيل في ذلك.
﴾ *السيرورة كلمة مشتقة من الآتينية وتعني: ﴿ سير الى الأمام
لمذا أصبحت التفاحة الخضراء ناضجة؟ بسبب ماتحتويه بسبب الترابط الداخلي الذي يدفع التفاحة الى النضوج. وطبيعي بل حتى أن تتغير حالتها. والآن فلننظر الى القلم الذي كان لوحا من الخشب، هل كان للوح أن يصير قلم لولا تدخل الإنسان، بالتأكيد لا، لأن ليس هناك قوى داخلية دينامية ذاتية تدفع نحو تحول اللوح الى قلم. لم يكن هناك من سيرورة فالذي يقول إذن "دياليكتيك،لايقول فقط حركة بل أيضا دينامية ذاتية." * ليس من شيء نهائي، مطلق، مقدس بالنسبة للدياليكتيك.
هذا يعني أنه كل شيء بالنسبة للدياليكتيك له ماض وسيكون له مستقبل –"لاشيء مطلق "(مطلق تعني: لايخضع لأي شرط.أي كلي، خالد، كامل) – "لاشيء مقدس" هذا لا يعنى أن الدياليكتيك يحتقر كل شيء، كلا،فالشيء المقدس هو شيء نعتبره ثابت ولا يجب لمسه أومناقشته بل احترامه فقط. يقول الدياليكتيك بأن لاشيء يفلت من الحركة، من التغير، من تحولات التاريخ.
اذن أن نتبنى وجهة نظر الدياليكتيك، هو أن نعتبر أن لاشيء خالد عدا التغير. وأن نعتبره أن ليس من شيء خاص يستطيع أن يكون خالدا إلا "الصيرورة"
: ماهي الصيرورة؟ _
رأينا أن للتفاحة تاريخا، للقلم أيضا تاريخه. هذا القلم الذي تآكل اليوم كان جديدا. صنع من لوح الخشب أصل هذا الأخير هو الشجرة. الشجرة كانت نبتة وهكذا من طور الى آخر. ولكن هل من فرق بين تاريخي التفاحة والقلم؟ طبعا!
التفاحة الخضراء أصبحت ناضجة، هل كانت تستطيع وهي خضراء- لو كان كل شيء على مايرام- أن تنضج؟ كلا،يجب أن تنضج، كما يجب أن تتعفن عندما تقع على الأرض وأن تحرر بذورها.
بينما الشجرة التي انبثق منها القلم يمكن أن يصير لوحا، وهذا اللوح يمكن أن لايصير قلما، وهذا الأخير يمكن أن يبقى تاما وأن لايبرى.
وبذلك لم يحدث في تاريخ التفاحة شيء طبيعي. بينما في تاريخ القلم نجد أنه يتحول من لوح الى قلم إلا بتدخل الإنسان –تدخل خارجي-وبذلك لاينجم طور عكس تتابع سيرورة طبيعية في تاريخ التفاحة.
*الفعل المتبادل: -ترابط السيرورات رأينا في معرض قصة التفاحة، ماهي السيرورة. فلنعد الى هذا المثال:
دراسة التفاحة ستقودنا الى دراسة الشجرة ومصائرها. ودراسة هذه الأخيرة تتوجب علينا طرح السؤال التالي: من أين أتت الشجرة؟ من التفاحة التي سقطت، تعفنت، تحللت،في التربة التي استطاعت أن تعطي فيها البذور نبتة... وهكذا قادتنا دراسة التفاحة الى فحص التربة عابرين من سيرورة التفاحة الى سيرورة الشجرة.. وهذه ترتبط بدورها مع سيرورة الأرض. لدينا ما يسمى "تبادل السيرورات"
لنأخذ على سبيل مثال آخر. عندما نطرح السؤال: من أين أتت الجامعة العمالية في باريس؟ في البدء سنجيب: في خريف 1932، قرر جمع من الرفاق تأسيس جامعة عمالية في باريس لدراسة الماركسية. ولكن كيف تكونت لدى هذه اللجنة من الرفاق فكرة تدريس الماركسية؟ طبعا لأن الماركسية موجودة. ولكن مم تتأتي الماركسية إذن؟ إذا بحثنا سنتوصل للملاحظة أن هذه النظرية الثورية هي وعي البروليتاريا.ثم من أين تأتي الماركسية؟ من المجتمع الرأسمالي وهكذا نبدأ في الانتقال من سيرورة الى أرى إن هدا هو "تبادل السيرورات"
* قانون التناقـــــض: رأينا أن الدياليكتيك يعتبر الأشياء وكأنها في تغير دائم أو بكلمة واحدة"الحركة الدياليكتيكية". هذه الحركة ممكنة لأن كل شيء ليس في اللحظة التي ندرسه فيها.
- الأشياء تتحول الى ضدها.
الميتافيزيقيون يقابلون الأضداد لكن الواقع يبين لنا أن الأضداد تتحول واحدها في الآخر، وأن الأشياء لاتبقى هي ذاتها بل تتحول الى أضدادها.
إذا قلنا،(هاك أنها تمطر) يحصل في بعض الأحيان أننا لاننهي كلامنا حتى تكون قد توقفت عن المطر، هذه الجملة صحيحة عندما بدأناها ثم تحولت الى خطأ بعد مرور مدة من الوقت ولذلك قال اليونانيون "حتى لانخطىء يجب أن لانقول شيء". 3
كذلك التفاحة نقول هذه تفاحة ناضجة، بعد مرور وقت وهي في الأرض تتعرض للتعفن، تحولت الحقيقة الى خطأ. كذلك بالنسبة للحياة والموت فنجد أن الأولى في الثانية والثانية في الأولى. فإذا لاحظنا عن كثب نجد أن الكائن الحر مركب من خلايا، وتحتاج هذه الأخيرة الى التجدد ويقتضي هذا موت ثم حيات لهذه الخلايا في هذا الكائن الحي. ونعرف أيضا أن الميت تتابع النمو، كذلك الأظافر والشعر. في الإتحاد السوفياتي ولظروف خاصة كانوا يحفظون دم جثة لاستخدامه في نقل الدم. وهكذا بدم ميت نعيد صنع حي. نقول أنه في أحشاء الموت، وحتى نوجز نقول ما قاله ماركس (في أيامنا هذه كل شيء يولد ضده) فكل شيء يتضمن نفسه وضده في آن واحد.
*إثبات نفي، ونفي النفي:
علينا بادئ أن نميز هنا بين ما يسمى بالمناقضة الكلامية التي تفي (عندما يقال نعم_ يقال لا) والتناقض الذي رأيناه للتو والذي دعوناه التناقض الدياليكتيكي يعني التناقض في الواقع وفي الأشياء. عندما نتكلم عن التناقض الموجود في قلب المجتمع الرأسمالي، فهذا لايعني أن هناك من نعم وبعض يقول لا في بعض النظريات، بل يعني أن هناك تناقض في الواقع وأن هناك قوتين تتحارب: برجوازية وبروليتاريا، لأن لايمكن للبرجوازية أن تكون دون أن تخلف ضدها، أي البروليتاريا، ولذلك يقول ماركس "إن البرجوازية تنتج قبل كل شيء حفاري قبرها"
وكما في البيضة، نجد نطفتها تتحول الى صوص هذا الصوص بدوره يصير دجاجة. وبذلك نقول:
_ إثبات/ الأطروحة
_ نفي/الأطروحة النقيض
_ نفي النفي/ التوليف/ التركيب.
ولمثال البيضة:
_ الإثبات: النطفة
_ النفي: الصوص(نفي للنطفة)
_ نفي النفي: الدجاجة(نفي للصوص)
* وحدة الأضداد:
سبق وأن قلنا أن في الشيء ذاته ونقيضه في الوقت ذاته، وإليك هذا المثال(الجهل والعلم/ المعرفة).
ومن وجهة نظر الميتافيزيقا: الجاهل ليس بعالِم والعالِم ليس بجاهل. ولكن نحن نرى أن في البدء كان الجهل مخيما ثم قدم العلم فتحول الى علم. ليس من جهل بدون علم وليس من جهل مائة بالمائة، فالفرد مهما يكن جاهلا لابد وأن يكون عالِما بكثير من الأمور. هناك دائما حصة للعلم في الجهل. لن ننظر الآن الى العلم هل من الممكن وجود العلم مائة بالمائة؟ كلا نحن دائما نجهل شيء/ أشياء ما . يقول لينين "موضوع المعرفة لاينضب). لاوجود للعلم المطلق، فكل معرفة وكل علم يتضمن قسما من الجهل. وما يوجد في الواقع علم وجهل نسبيان: أي خليط بينهما. وبذلك نجد أن الأضداد في شيء واحد نفسه. وما يقال عن مثال العلم والجهل، يقال مثلا علا الحقيقة والخطأ. الحيات والموت –الجمال والقبح…
*القانون الرابع:
_التحول من الكم الى الكيف/ التقدم بالقفز.
الأشياء ففي تحولها تخضع في نهاية الأمر لتغير نوعي، فتتحول الكمية الى كيفية. وحتى نشرح ذلك نورد هذا المثال: مثال الماء
« لننطلق من درجة الحرارة 0 ونرفع درجة الحرارة صعودا من 1 الى 2 ال 10 حتى 98 درجة، التغير هنا متصل (تغير فقط في الكمية، كمية الماء، تغير كمي) هل بإمكاننا أن نستمر في هذا، بالطبع نعم. ولكن ما إن تصل درجة الحرارة الى 100 حتى يحدث تغير سريع:( الماء يتحول الى بخار، وهذا تحول نوعي لأنه يخضع الماء الى تغير في نوعه من ماء سائل الى بخار (غاز)) .
إذا نظرنا الى المسألة بصورة عكسية من الدرجة 99 الى1 سنحصل من جديد على تغيرمتصل ولكن لن نستطيع الزوال الى ما لانهاية لأنه في درجة الصفر يتحول الماء الى ثلج (تغير نوعي) وللإيجاز نقول أن تغير درجة الحرارة بين 0 و99 من الأعلى الى الأسفل أو العكس فقط تغير كمي لأنه يجيبنا على سؤال (كم؟) وما فوف الدرجة 99 أو تحت الدرجة 0 تغير نوعي (كيفي يغير طبيعة الماء (غاز- ثلجا) أي أن هذا يعتبر ثورة. فلنطبق هذا على المجتمع الرأسمالي: لوأردنا أن نحقق اهدافنا ومقاصدنا التي نرى أنها لن تتحقق الا في المجتمع الاشتراكي ثم فيما بعد الشيوعي. ونحن في المجتمع الرأسمالي.
مهما قمنا وأنجزنا من إصلاحات في هذا المجتمع الرأسمالي إلا أنه سيظل مجتمع رأسمالي بكل ما يتميز به من تناقضات. وبذلك في ظله لن نحقق أهدافنا ونعيش حياتنا الكريمة.أي أن التغيرات الكمية لن تفضي الى تحقيق وتجسيد أهدافنا. ومن ثمة لايد لنا من تغير نوعي كيفي وهو الذي يأتي بعد الثورة (التغير النوعي) الذي يغير لنا نوع المجتمع من رأسمالي الى اشتراكي، ولأن التجربة التاريخية والسياسية برهنت على أن المتثبتين بمواقع السلطة لايتنازلون عنها ببساطة (الديمقراطية) يبقى الحل البديل والوحيد هو الثورة التي تنتزع منهم هذه السلطة وتجعلها في يد العمال.
نتمنى أن يكون هذا الشرح الموجز لهم خصائص المنهج الدياليكتيكي، قد أزاح الكثير من الغموض في سبيل معرفة الأشياء على حقيقتها والانتصار للعلم بدل الأعلم- التفكير الخرافي والمثالي: المخمور.
المرجع : كتاب " مبادئ أولية في الفلسفة"
لجورج بولتزر نقلته إلى العربية وقدمت له فهمية شرف الدين
مفاهيم فلسفية :المادية - المثالية والدياليكتيك
إن من بين الأخطار التي تواجه الماركسية على وجه الخصوص والفلسفة على وجه العموم هو خطر الفهم الخاطئ للمفاهيم والذي يكون إما عن جهل أو عن قصد. والهدف من خلال هذه المبادرة أن نعرف ولو بشكل مبسط وموجز بعض هذه المفاهيم التي لاغنى عنها لدراسة الفلسفة والكتابات الماركسية ومعرفتهما على القصد الصحيح.
المـــاديـــــــــــة :
ما الفلسفة المادية ؟
يفهم بشكل مبتذل بكلمة مادي، ذاك الذي لايفكر إلا بالملذات المادية. فعن طريق التلاعب بلفظ "المادية"الذي يحتوي على لفظ مادة يعطى للمادية معنى خاطئ تماما.
بدراستنا للمادية – بمعناها العلمي – سنعيد لها دلالتها الحقيقية، فكون الإنسان ماديا لايمنعه أبدا من أن يكون لديه مثل أعلى وأن يناضل من أجل انتصار.
تريد الفلسفة تفسير المشكلات الأكثر عمومية، إلا أنه عبر تاريخ البشرية لم يكن التفسير هو نفسه. فالأولون حاولوا شرح الطبيعة والعالم، ولكنهم لم يفلحوا، فالعلوم هي التي تتيح بالفعل تفسير العالم والظواهر التي تحيط بنا، والحال أن الاكتشافات التي سمحت بتقدم العلوم هي حديثة الظهور… ولذلك وبسبب هذا الجهل، نشاهد عبر التاريخ ظهور الأديان التي تريد تفسير العالم هي أيضا. ولكن بواسطة قوى فوق طبيعية وذلك شرح لاعلمي. والحال أن العلوم ستتقدم شيئا فشيئا عبر القرون وسيحاول الناس تفسير الكون بالواقع المادي انطلاقا من التجارب العلمية. ومن هنا، من هذه الإرادة التي تريد تفسير الأشياء بالعلوم ستولد الفلسفة المادية.
ومع أننا سندرس المادية في السطور القادمة إلا أنه علينا حفظ هذا المبدأ" المادية ليست سوى التفسير العلمي للكون".
ماهي مبادئ الفلسفة المادية؟
للإجابة علينا أن نعود إلى المسألة الأساسية في الفلسفة "العلاقة بين الوجود والفكر"
بالنسبة للماديين:الوجود هو الذي يحدد الفكر، والوجود والمادة هما الحقيقة الأولى والفكر والذهن هما الحقيقة الثانوية الخاضعة للمادة،"الذهن ليس سوى أعلى نتاج للمادة" لذلك إذا طرحنا السؤال: كيف يحدث أن الإنسان يفكر؟ أجاب الماديون لأن للإنسان دماغا. وأن الفكر هو نتاج الدماغ فلا فكر بدون مادة، بدون جسد.وحتى نوجز، نقول أن الماديين يؤكدون على أن:
1 - المادة هي التي تنتج الذهن وأننا علميا لم نصدق قط ذهنا بدون مادة.
2- أن المادة موجودة خارج كل ذهن وليست بحاجة له حتى توجد لأنها تملك وجودا خاصا بها.
3- أن باستطاعتنا معرفة العالم ولأفكار التي نكونها عن المادة والعالم تزداد صحة بما أننا نستطيع بواسطة العلوم تحديد ما نعرفه سابقا ونكتشف ما نجهله.
كيف تطورت المادية ولماذا؟
إن تاريخ الفلسفة المادية يظهر لنا في هذه الفلسفة شيئا حيا ودائم الحركة، على العكس مما يدعيه مناهضوها والذين يزعمون أن هذا المذهب لم يتطور منذ عشرين قرنا . لقد تقدمت المعارف الإنسانية العلمية عبر القرون،ففي بداية تاريخ الفكر في عصور الإغريق القديمة، كانت المعارف شبه معدومة وكان العلماء الأولون شبه فلاسفة في الوقت نفسه لأن الفلسفة كونت في هذه الحقبة مع العلوم الناشئة كلا متكاملا،كون الواحدة امتداد للأخرى ... بعد ذلك وإذا دخلت العلوم في تفسيراتها لظاهرات العالم تدقيقات أزعجت الفلسفة المثالية وحتى ناقضتها تولد نزاع بين الفلسفة والعلوم.
لكن الفلسفة التي ولدت مع العلوم وارتبطت بها وخضعت لها، تقدمت وتطورت معها لتتوصل مع المادية الحديثة، مادية ماركس وإنجلز إلى أن تجمع من جديد العلم والفلسفة في المادية الدياليكتيكية. وبذلك يمكن تقسيم تاريخ المادية إلى:
_ المادية الماقبل الماركسية وشملت عصور الإغريق القديمة بظهور تيار مادي جذب إليه أفضل المفكرين والفلاسفة على رأسهم هيراقليطس، الذي يدعى"أب الدياليكتيك". يقول هيراقليطس:<<لاشيء جامد،كل شيء يسيل،ولا نستحم أبدا في النهر ذاته مرتين ،لأنه في لحظتين متتاليتين لايكون أبدا هو نفسه
،لقد تغير من لحظة إلى أخرى وأصبح آخر>>.
وكان هيراقليطس أول من حاول تفسير الحركة والتغير، ورأى في التناقض أسباب تطور الأشياء. بعد ذلك ظهرت لنا المادية الإنجليزية بزعامة الأب الحقيقي لها"بيكون" ثم المادية الفرنسية والتي تحدد بوضوح ابتداء بديكارت (1596 -1650). وينتهي هذا القسم بمادية القرن 18. والاسم البارز في هذه الفلسفة هو ديدرو المولود في لانجر في سنة 1713. والمتوفى في باريس 1784.
- المادية الماركسية: والتي بدأت مع ماركس وإنجلز وتمتد إلى يومنا هذا وقد أعاد ماركس وإنجلز جمع المادية والعلم في صيغتها المادية الدياليكتيكية.والتي أوردت عيوب المادية الماقبل ماركسية وأيضا حسناتها. وعلى سبيل هذه العيوب نورد هذا المثال: كيف يشرح هؤلاء الماديون الفكر.إنهم يشرحونه كالآتي:"الدماغ يفرز الفكر كما يفرز الكبد الصفراء ".
إن مادية ماركس على عكس هذا، فهي تعطي سلسلة من التوضيحات فتقول أن أفكارنا لا تأتي فقط من الدماغ لأن علينا أن نرى لمذا نملك بعض الأفكار وبعض القيم ليس غيرها فنرى أن المجتمع والبيئة ... تختار أفكارنا. أي أن الوجود الاجتماعي هو الذي يحدد الوعي الاجتماعي. وبذلك فالماركسية هي تفتح المادية.
المثـــــالــــــــية:
المثالية الأخلاقية والمثالية الفلسفية:
لقد فضحنا الغموض الذي أوجدته اللغة المتداولة بالنسبة للمادية. هذا الغموض نفسه نجده بصدد المثالية.
علينا بالفعل أيضا أن لانخلط بين المثالية الأخلاقية والمثالية الفلسفية، فالمثالية الأخلاقية تقوم على أن ينذر الإنسان نفسه من أجل هدف ما ... من أجل مثال ما .
وتاريخ الحركة العمالية يعلمنا أن عددا لايحصى من الثوريين، من الماركسيين قد نذروا أنفسهم حتى التضحية بحياتهم من أجل مثل أعلى أخلاقي، مع كونهم خصوما للمثالية الفلسفية والتي تقول "أن الفكر هو العنصر الرئيسي الأول والأكثر أهمية " وبعبارة أخرى أن الروح هي التي تخلق المادة .
يقول باركلي أب المثالية "إن المادة ليست مانظنه عندما نظل أنها موجودة خارج ذهننا،نظن أن الأشياء موجودة لأننا نراها ،نلمسها .ولأنها تولد فينا هذه الإحساسات ،نعتقد بوجودها ،ولكن إحساساتنا ليست سوى أفكار نحملها في ذهننا ،فالأشياء التي ندركها بحواسنا ليست إذن غير أفكارلايمكنها أن توجد خارج ذهننا "
فالأشياء موجودة بالنسبة لباركلي وهو لاينكر وجودها وطبيعتها ،ولكنه يِؤكد أنها لاتوجد إلا بشكل إحساسات ،ثم يستنتج أن إحساساتنا والمواضيع ليست إلا شيء واحد. الأشياء موجودة مؤكدة ولكنها موجودة فينا في ذهننا وليست لها أي حقيقة واقعية خارج الذهن.
لنلاحظ مثلا لون وطعما ورائحة وشكل وصلابة معينة مجتمعة بعضها إلى بعض فنعتبر هذه المجموعة شيئا متميزا نطلق عليه "تفاحة" وتؤلف مجموعة أخرى في الأفكار مانسميه الحجر والشجرة والكتاب والأشياء الأخرى الملموسة.
نحن إذن ضحية وهم فلسفي عندما نظن أن بوسعنا معرفة الأشياء والعالم ،كأشياء خارجية لأن كل ذالك لاتوجد إلا في ذهننا.
وبرهن باركلي على هذا بعدة أمثلة فيقول.
"تصوروا إذن أن إحدى اليدين حارة والأخرى باردة .وأن الإثنتين مغموستان في وعاء مملوء بالماء المعتدل .الحرارة في الوقت نفسه .ألا يظهر أن الماء ساخن بالنسبة لإحدى اليدين وبار،بالنسبة للأخرى"
يقول أيضا:
"لنأخذ قطعة من القماش:تقولون أنها حمراء، هل هذا أكيد؟ أكنتم تظنون أن الأحمر في القماش نفسه أنتم تعلمون أن هناك حيوانات لها عيون مختلفة عن عيوننا ولا ترى هذا القماش أحمر.كذلك أن المصاب باليرقان يراها صفراءَ! تقولون أن هذا القماش خفيف، لندعه يقع على نملة، من المؤكد أنها ستجده ثقيلا. من هو على حق إذا؟ تظنون أنه حار؟ إذا كنتم محمومين ستجدونه بارد. هل هو إذا حار أم بارد؟"
حجج المثالية:
- الروح تخلق المادة.
- أن العالم لايوجد خارج أفكارنا.
- أفكارنا هي التي تخلق الأشياء:أن الأشياء هي انعكاس لفكرنا.
والاستنتاج الذي علينا أن نستنتجه من خلال الأطروحة: (كل شيء غير موجود إلا في ذهننا) هو أن العالم الخارجي غير موجود إلا في ذهننا أي أن العالم الخارجي لا وجود له، وهذا أيضا ما أكده أفلاطون حين رأى أن الواقع الذي نعيشه/المحيط الخارجي هو فقط نسخة مشوهة لواقع من الأفكار الدائمة والكاملة والخالدة.
المرجع : كتاب " مبادئ أولية في الفلسفة"
لجورج بولتزر
نقلته إلى العربية وقدمت له فهمية شرف الدين
عن مجلة أقلام تلاميذية العدد1
الدياليكتيك
عندما يدور الكلام على الدياليكتيك. فان ذلك يتم غالبا بغموض، ويقدم كشيء معقد، وهذا مايؤسف له ومما يدعو لارتكاب أخطاء يجب تجنبها.
إن لفظة الدياليكتيك في معناها اللغوي تعني ببساطة فن المناقشة، وهكذا نسمع غالبا أن الإنسان الذي يناقش طويلا ويتوسع ويحدث جيدا: هو إنسان دياليكتيكي.لدينا انطباع بأننا دائما كما نحن ومع ذلك يقول انجلز "المتماثل مختلف". نظن أننا مماثلون لأنفسنا في حين أننا تغيرنا كنا أطفالا وأصبحنا رجلا. وهذا الرجل لايبقى هو نفسه أبدا من الناحية الفيزيائية: هو يشيخ كل يوم.
التاريخ أيضا يثبت لنا أن الأشياء لاتبقى على ماهي عليه فليس المجتمع جامدا في أية لحظة, ان اول مجتمع عرفته العصور القديمة هو المشاعي البدائي, ثم مجتمع الرق(العبودي) وفيما بعد الإقطاعي الذي تلاه الرأسمالي... مشاعرنا أيضا تتغير وهذا ما لانفهمه جيدا, فنحن نرى إن ما كان مجرد تعاطف قد أصبح حنا, ثم تحول في بعض الأحيان الى كره.
وما نراه في مكان في الطبيعة وفي التاريخ وفي الفكر هو التغير والحركة. بهذه الملاحظة يبدأ الدياليكتيك.
يقول هيراقليطس الذي سمي "أبو المادية" لكل شيء يسير. فهيراقليطس أعطانا تصورا جدليا للعالم, أي انه وصف العلم بأنه متحرك وليس متحجرا ولكن هذا المنهج لم يستطع تأكيد ذاته الا بعد ذلك بوقت طويل لان العقل البشري ظل خضعا للتطور الميتافيزيقي مدة طويلة ولان المجال لايسمح بالتطرق وبشكل مفصل للسبب الذي أدى الى هذا الوضع.نكتفي بإعطاء هذا المثال/التوضيح/الشرح: "حينما نستمر فقط بتسمير الصناديق لمدة 25 سنة من عمرنا وفجأة يضعنا أمام آلات لاسلكية لنركبها, ومن المؤكد انه سيكون لدينا صعوبات كثيرة وستكون أيدينا ثقيلة وأصابعنا قليلة المهارة ولن نصل الى تليين أنفسنا وتحقيق هذا العمل إلا قليلا.
وكذلك بالنسبة للدياليكتيك نحن مرتكبون ومثقلون بالمنهج القديم في التفكير الميتافيزيقي وعلينا أن نحرر ليونة المنهج الدياليكتيكي ودقته، لأنه ليس سوى منهج في التفكير ذي دقة كبرى, وحتى نختصر:ما نقول"ميتافيزيقي" نقول "جمود" وعندما نقول "دياليكتيك" نقول حركة"
1-كيف ولدت المادية الدياليكتيكية:
إذا سألنا كيف جرى هذا التحول من المادية الميتافيزيقية الى المادية الدياليكتيكية نجيب عامة قائلين:
*كان هناك الدية الميتافيزيقية، مادية القرن 18
*العلوم تغيرت
*تدخل ماركس وانجلز، فقسما المادية الميتافيزيقية الى اثنين: أهملوا الميتافيزيقا وابقوا المادية مضيفين إليها الدياليكتيك.
) لقد تطر الدياليكتيك في الواقع على يد الفيلسوف الألماني المثالي"هيجل" 1831-1880 الذي عرف كيف يفهم التغيير المحدث( في العلوم، فقد لاحظ باستعادته لفكرة هيراقليطس القديمة. ولاحظ أن كل شيء في الكون هو حركة وتغير، فبفضل هيجل نتحدث اليوم عن حركة العالم الدياليكتيكية، وما فهمه هيجل أولا هو حركة الفكر ودعاها طبعا الدياليكتيك.
لكن هيجل مثالي حين ظن أن تغيرات الروح هي التي تحدث التغيرات في المادة، وبذلك فهو يخضع الدياليكتيك للمثالية.
) ماركس1883-1818) وانجلز (1895-1820 أتباع هيجل ولكنهما أتباعه الماديون. وبالتالي يعطون الأهمية الأولى للمادة. ( ويريان أن دياليكتيك هيجل أعطى إثباتات صحيحة ولكن بشكل مقلوب. يقول انجلز:"مع هيجل كان الدياليكتيك يقف على رأسه وتوجب اعاده ووضعه على رجله"
مما يعتقدان أن هيجل على حق في القول أن الفكر والكون هما في تغير دائم. ولكنه أخطأ بتأكيده أن التغيرات في الأفكار هي التي تحدد التغيرات في الأشياء بل على العكس فان الأشياء هي التي تعطينا الأفكار وإنما الأفكار تتعدل لأن الأشياء لاتتعدل.
سيأخذ ماركس وانجلز الدياليكتيك من هيجل لكنهما سيحولانه وسيفعلان الأمر نفسه بالمادية ليعطيانا المادية الدياليكتيكية. 2-قوانين الدياليكتيك.
*التغير الدياليكتيكي:(الحركة الدياليكتيكية)
قانون الدياليكتيك الأول يبدأ بملاحظة أن "لاشيء يبقى حيث هو، ولا شيء يظل ماهو " فمن يقول دياليكتيك يقول حركة وتغير، وبالتالي عندما يدور الكلام على تبني وجهة النظر الدياليكتيكية هذا يعني تبني وجهة نظر الحركة والتغير.فعندما نريد دراسة الأشياء وفقا للدياليكتيك، سندرسها في حركاتها وفي تغيرها. ولأجل تقريب المعنى نعرض المثال التالي:"هذه تفاحة: هناك طريقتان/منهجان لدراستها: ميتافيزيقية دياليكتيكية:
من وجهة نظر الأولى: نصف التفاحة وندرسها من حيث لونها وحجمها ثم نعدد خصائصها، ثم طعمها...الخ ونقارنها مع الإجاصة فنعرض تشابههما، وفي الأخير نستنتج أن التفاحة هي التفاحة والاجاصة .
أما من وجهة نظر الثانية(الدياليكتيك). لم تكن التفاحة ناضجة دائما على ماهي عليه. لقد كانت تفاحة خضراء من قبل، وكانت برعما قبل أن تصبح زهرة،وهكذا سنصعد الى حالة شجرة التفاحة في الزمن الربيع. التفاحة لم تكن إذن دائما على ماهي عليه، التفاحة لها تاريخ،وكذلك لن تبقى على ماهي عليه، ستسقط وتتحلل، وستتحلل البذور التي ستعطي نبتة، ثم شجرة، إذن مرة أخرى لم تكن التفاحة دائما على ماهي عليه ولن تبقى أبداكما هي.
هذا هو ما يسمى دراسة الأشياء من وجهة نظر الحركة هي الدراسة من وجهة الماضي والمستقبل.
وما يقال على مثال التفاحة ينطبق على التاريخ والمجتمع. إلا أن المجال لايسمح بالتفصيل في ذلك.
﴾ *السيرورة كلمة مشتقة من الآتينية وتعني: ﴿ سير الى الأمام
لمذا أصبحت التفاحة الخضراء ناضجة؟ بسبب ماتحتويه بسبب الترابط الداخلي الذي يدفع التفاحة الى النضوج. وطبيعي بل حتى أن تتغير حالتها. والآن فلننظر الى القلم الذي كان لوحا من الخشب، هل كان للوح أن يصير قلم لولا تدخل الإنسان، بالتأكيد لا، لأن ليس هناك قوى داخلية دينامية ذاتية تدفع نحو تحول اللوح الى قلم. لم يكن هناك من سيرورة فالذي يقول إذن "دياليكتيك،لايقول فقط حركة بل أيضا دينامية ذاتية." * ليس من شيء نهائي، مطلق، مقدس بالنسبة للدياليكتيك.
هذا يعني أنه كل شيء بالنسبة للدياليكتيك له ماض وسيكون له مستقبل –"لاشيء مطلق "(مطلق تعني: لايخضع لأي شرط.أي كلي، خالد، كامل) – "لاشيء مقدس" هذا لا يعنى أن الدياليكتيك يحتقر كل شيء، كلا،فالشيء المقدس هو شيء نعتبره ثابت ولا يجب لمسه أومناقشته بل احترامه فقط. يقول الدياليكتيك بأن لاشيء يفلت من الحركة، من التغير، من تحولات التاريخ.
اذن أن نتبنى وجهة نظر الدياليكتيك، هو أن نعتبر أن لاشيء خالد عدا التغير. وأن نعتبره أن ليس من شيء خاص يستطيع أن يكون خالدا إلا "الصيرورة"
: ماهي الصيرورة؟ _
رأينا أن للتفاحة تاريخا، للقلم أيضا تاريخه. هذا القلم الذي تآكل اليوم كان جديدا. صنع من لوح الخشب أصل هذا الأخير هو الشجرة. الشجرة كانت نبتة وهكذا من طور الى آخر. ولكن هل من فرق بين تاريخي التفاحة والقلم؟ طبعا!
التفاحة الخضراء أصبحت ناضجة، هل كانت تستطيع وهي خضراء- لو كان كل شيء على مايرام- أن تنضج؟ كلا،يجب أن تنضج، كما يجب أن تتعفن عندما تقع على الأرض وأن تحرر بذورها.
بينما الشجرة التي انبثق منها القلم يمكن أن يصير لوحا، وهذا اللوح يمكن أن لايصير قلما، وهذا الأخير يمكن أن يبقى تاما وأن لايبرى.
وبذلك لم يحدث في تاريخ التفاحة شيء طبيعي. بينما في تاريخ القلم نجد أنه يتحول من لوح الى قلم إلا بتدخل الإنسان –تدخل خارجي-وبذلك لاينجم طور عكس تتابع سيرورة طبيعية في تاريخ التفاحة.
*الفعل المتبادل: -ترابط السيرورات رأينا في معرض قصة التفاحة، ماهي السيرورة. فلنعد الى هذا المثال:
دراسة التفاحة ستقودنا الى دراسة الشجرة ومصائرها. ودراسة هذه الأخيرة تتوجب علينا طرح السؤال التالي: من أين أتت الشجرة؟ من التفاحة التي سقطت، تعفنت، تحللت،في التربة التي استطاعت أن تعطي فيها البذور نبتة... وهكذا قادتنا دراسة التفاحة الى فحص التربة عابرين من سيرورة التفاحة الى سيرورة الشجرة.. وهذه ترتبط بدورها مع سيرورة الأرض. لدينا ما يسمى "تبادل السيرورات"
لنأخذ على سبيل مثال آخر. عندما نطرح السؤال: من أين أتت الجامعة العمالية في باريس؟ في البدء سنجيب: في خريف 1932، قرر جمع من الرفاق تأسيس جامعة عمالية في باريس لدراسة الماركسية. ولكن كيف تكونت لدى هذه اللجنة من الرفاق فكرة تدريس الماركسية؟ طبعا لأن الماركسية موجودة. ولكن مم تتأتي الماركسية إذن؟ إذا بحثنا سنتوصل للملاحظة أن هذه النظرية الثورية هي وعي البروليتاريا.ثم من أين تأتي الماركسية؟ من المجتمع الرأسمالي وهكذا نبدأ في الانتقال من سيرورة الى أرى إن هدا هو "تبادل السيرورات"
* قانون التناقـــــض: رأينا أن الدياليكتيك يعتبر الأشياء وكأنها في تغير دائم أو بكلمة واحدة"الحركة الدياليكتيكية". هذه الحركة ممكنة لأن كل شيء ليس في اللحظة التي ندرسه فيها.
- الأشياء تتحول الى ضدها.
الميتافيزيقيون يقابلون الأضداد لكن الواقع يبين لنا أن الأضداد تتحول واحدها في الآخر، وأن الأشياء لاتبقى هي ذاتها بل تتحول الى أضدادها.
إذا قلنا،(هاك أنها تمطر) يحصل في بعض الأحيان أننا لاننهي كلامنا حتى تكون قد توقفت عن المطر، هذه الجملة صحيحة عندما بدأناها ثم تحولت الى خطأ بعد مرور مدة من الوقت ولذلك قال اليونانيون "حتى لانخطىء يجب أن لانقول شيء". 3
كذلك التفاحة نقول هذه تفاحة ناضجة، بعد مرور وقت وهي في الأرض تتعرض للتعفن، تحولت الحقيقة الى خطأ. كذلك بالنسبة للحياة والموت فنجد أن الأولى في الثانية والثانية في الأولى. فإذا لاحظنا عن كثب نجد أن الكائن الحر مركب من خلايا، وتحتاج هذه الأخيرة الى التجدد ويقتضي هذا موت ثم حيات لهذه الخلايا في هذا الكائن الحي. ونعرف أيضا أن الميت تتابع النمو، كذلك الأظافر والشعر. في الإتحاد السوفياتي ولظروف خاصة كانوا يحفظون دم جثة لاستخدامه في نقل الدم. وهكذا بدم ميت نعيد صنع حي. نقول أنه في أحشاء الموت، وحتى نوجز نقول ما قاله ماركس (في أيامنا هذه كل شيء يولد ضده) فكل شيء يتضمن نفسه وضده في آن واحد.
*إثبات نفي، ونفي النفي:
علينا بادئ أن نميز هنا بين ما يسمى بالمناقضة الكلامية التي تفي (عندما يقال نعم_ يقال لا) والتناقض الذي رأيناه للتو والذي دعوناه التناقض الدياليكتيكي يعني التناقض في الواقع وفي الأشياء. عندما نتكلم عن التناقض الموجود في قلب المجتمع الرأسمالي، فهذا لايعني أن هناك من نعم وبعض يقول لا في بعض النظريات، بل يعني أن هناك تناقض في الواقع وأن هناك قوتين تتحارب: برجوازية وبروليتاريا، لأن لايمكن للبرجوازية أن تكون دون أن تخلف ضدها، أي البروليتاريا، ولذلك يقول ماركس "إن البرجوازية تنتج قبل كل شيء حفاري قبرها"
وكما في البيضة، نجد نطفتها تتحول الى صوص هذا الصوص بدوره يصير دجاجة. وبذلك نقول:
_ إثبات/ الأطروحة
_ نفي/الأطروحة النقيض
_ نفي النفي/ التوليف/ التركيب.
ولمثال البيضة:
_ الإثبات: النطفة
_ النفي: الصوص(نفي للنطفة)
_ نفي النفي: الدجاجة(نفي للصوص)
* وحدة الأضداد:
سبق وأن قلنا أن في الشيء ذاته ونقيضه في الوقت ذاته، وإليك هذا المثال(الجهل والعلم/ المعرفة).
ومن وجهة نظر الميتافيزيقا: الجاهل ليس بعالِم والعالِم ليس بجاهل. ولكن نحن نرى أن في البدء كان الجهل مخيما ثم قدم العلم فتحول الى علم. ليس من جهل بدون علم وليس من جهل مائة بالمائة، فالفرد مهما يكن جاهلا لابد وأن يكون عالِما بكثير من الأمور. هناك دائما حصة للعلم في الجهل. لن ننظر الآن الى العلم هل من الممكن وجود العلم مائة بالمائة؟ كلا نحن دائما نجهل شيء/ أشياء ما . يقول لينين "موضوع المعرفة لاينضب). لاوجود للعلم المطلق، فكل معرفة وكل علم يتضمن قسما من الجهل. وما يوجد في الواقع علم وجهل نسبيان: أي خليط بينهما. وبذلك نجد أن الأضداد في شيء واحد نفسه. وما يقال عن مثال العلم والجهل، يقال مثلا علا الحقيقة والخطأ. الحيات والموت –الجمال والقبح…
*القانون الرابع:
_التحول من الكم الى الكيف/ التقدم بالقفز.
الأشياء ففي تحولها تخضع في نهاية الأمر لتغير نوعي، فتتحول الكمية الى كيفية. وحتى نشرح ذلك نورد هذا المثال: مثال الماء
« لننطلق من درجة الحرارة 0 ونرفع درجة الحرارة صعودا من 1 الى 2 ال 10 حتى 98 درجة، التغير هنا متصل (تغير فقط في الكمية، كمية الماء، تغير كمي) هل بإمكاننا أن نستمر في هذا، بالطبع نعم. ولكن ما إن تصل درجة الحرارة الى 100 حتى يحدث تغير سريع:( الماء يتحول الى بخار، وهذا تحول نوعي لأنه يخضع الماء الى تغير في نوعه من ماء سائل الى بخار (غاز)) .
إذا نظرنا الى المسألة بصورة عكسية من الدرجة 99 الى1 سنحصل من جديد على تغيرمتصل ولكن لن نستطيع الزوال الى ما لانهاية لأنه في درجة الصفر يتحول الماء الى ثلج (تغير نوعي) وللإيجاز نقول أن تغير درجة الحرارة بين 0 و99 من الأعلى الى الأسفل أو العكس فقط تغير كمي لأنه يجيبنا على سؤال (كم؟) وما فوف الدرجة 99 أو تحت الدرجة 0 تغير نوعي (كيفي يغير طبيعة الماء (غاز- ثلجا) أي أن هذا يعتبر ثورة. فلنطبق هذا على المجتمع الرأسمالي: لوأردنا أن نحقق اهدافنا ومقاصدنا التي نرى أنها لن تتحقق الا في المجتمع الاشتراكي ثم فيما بعد الشيوعي. ونحن في المجتمع الرأسمالي.
مهما قمنا وأنجزنا من إصلاحات في هذا المجتمع الرأسمالي إلا أنه سيظل مجتمع رأسمالي بكل ما يتميز به من تناقضات. وبذلك في ظله لن نحقق أهدافنا ونعيش حياتنا الكريمة.أي أن التغيرات الكمية لن تفضي الى تحقيق وتجسيد أهدافنا. ومن ثمة لايد لنا من تغير نوعي كيفي وهو الذي يأتي بعد الثورة (التغير النوعي) الذي يغير لنا نوع المجتمع من رأسمالي الى اشتراكي، ولأن التجربة التاريخية والسياسية برهنت على أن المتثبتين بمواقع السلطة لايتنازلون عنها ببساطة (الديمقراطية) يبقى الحل البديل والوحيد هو الثورة التي تنتزع منهم هذه السلطة وتجعلها في يد العمال.
نتمنى أن يكون هذا الشرح الموجز لهم خصائص المنهج الدياليكتيكي، قد أزاح الكثير من الغموض في سبيل معرفة الأشياء على حقيقتها والانتصار للعلم بدل الأعلم- التفكير الخرافي والمثالي: المخمور.
المرجع : كتاب " مبادئ أولية في الفلسفة"
لجورج بولتزر نقلته إلى العربية وقدمت له فهمية شرف الدين