المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الادب والعلوم


حمادة حمادي
2009-05-24, 17:38
علاقة الادب بالعلوم الاخرى :
الأدب والفكر: يشترك الأدب والفكر (الفلسفة ضمناً) في أنهما نتاجان إنسانيان، (فمنتجهما إنسان)، وأن أداتهما أداة إنسانية هي اللغة الطبيعية (http://www.arab-ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=11932&vid=18) (مع اختلاف وظيفتها في كل منهما) وأن كلاً منهما يحمل وجهة نظر منتجة في الإنسان والحياة والكون على نحو مباشر أو غير مباشر وأنهما يتبادلان التأثير فيما بينهما على نحو شامل وعميق.
فأما عن كون منتجهما إنساناً فأمر بين. وكثيراً ما يجمع بين الأدب والفكر في إنتاجه، والأدباء - المفكرون، والمفكرون - الأدباء ظاهرة شائعة في مختلف الأزمنة شيوعها في مختلف التقاليد الثقافية (التوحيدي [ر] والمعرفي [ر] وابن حزم [ر] وأفلاطون [ر] ودانتي [ر] وكولريدج [ر] وروسو [ر] وماركس [ر] وإليوت [ر] وسارتر [ر] وماوتسي تونغ [ر] وغيرهم كثير).
والحقيقة أن المتتبع لتاريخ الآداب المختلفة، والأوربية منها على نحو خاص، يرى أن الارتباط بين الأدب والفكر والفلسفة «آخذ بالازدياد والتعمق، بل إنه يأخذ اليوم طابعاً منظماً يعرفه التاريخ الأدبي من قبل، والصراع الأدبي في العالم اليوم تابع - ولو جزئياً - للصراع الفكري، وأن أي تاريخ أدبي لأوربة (على سبيل المثال )، لا بد أن يكون شديد الالتصاق بتاريخ الأفكار».
وأما أداتهما واحدة، فإن كليهما يستخدمان اللغة الطبيعية، وإن كان توظيفهما لها متبايناً. ففي حين تسود الوظيفة الجمالية الوظائف الأخرى في لغة الأدب، تسود لغة الفكر أي وظيفة أخرى. ذلك أن اللغة الطبيعية (http://www.arab-ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=11932&vid=18) في الفكر أداة للتفكير وللتعبير عن هذا التفكير في آن معاً. فهي أداة يفكر بها مثلما هي أداة يوصف بها هذا التفكير، إنها من جانب ما لغة، ومن جانب آخر اصطلاح لغة عن اللغة أو ****- ********.
وأما أن كلاً منهما يحمل وجهة نظر منتجة فذلك أمر في غاية الوضوح. فالأدب وجهة نظر في الحياة والإنسان والكون تتخذ لنفسها لبوس الفن، والفكر وجهة نظر في الحياة والإنسان والكون تقدم نفسها مباشرة على الرغم من تألقها فنياً في بعض الأحيان. وعلى هذا فإن الأدب، وإن انطوى على فكر عميق، يغلب عليه التضمين والإيحاء وعدم المباشرة، في حين تطغى على الفكر الصراحة والمباشرة اللتان قد تقتلان الفن، وعلى الرغم من أن الفكر قد يعزز بعض القيم الفنية كالتعقيد والتماسك، فإنه يمكن أن يكون عبئاً غير مرغوب فيه في العمل الأدبي، وخاصة إذا لم يكن متمثلاً. وعلى نحو مماثل فإن الأدب يمكن أن يسهل سبل انتشار الفكر في كثير من الأحيان (كما هو الشأن في كثير من المؤلفات التي كانت تبشر بالوجودية مثلاً)، إلا أنه يمكن أن يدفع الثمن غالياً فيعرض عنه القراء بوصفه أدباً وفكراً معاً، عندما يعرضون عنه بصفته فكراً تجاوزته الشروط التاريخية.
الأدب والمجتمع: كل ما في الأدب يكاد يكون اجتماعياً. فالأدب بداية ظاهرة اجتماعية لا تنهض إلا في مجتمع. وهو ممارسة اجتماعية يتخذ من اللغة أداة له، واللغة مؤسسة اجتماعية. وهذه الممارسة تستند إلى أعراف وقيم ومقاييس ومعايير وقوانين فنية وجمالية لا تنبثق إلا في مجتمع، أي إنها اجتماعية في جوهرها، وهي كذلك لا تتم إلا ضمن مؤسسات اجتماعية. والأديب فضلاً عن ذلك «عضو في مجتمع، وذو وضع اجتماعي معين، إنه يتلقى مقداراً ما من الاعتراف والمكافأة الاجتماعيين وهو يخاطب جمهوراً مهما كان هذا الجمهور افتراضياً» وكذلك «فإن للأدب وظيفة اجتماعية، أو فائدة لا يمكن أن تكون فردية صرفة. ولذا فإن الكثرة الكاثرة من المسائل التي تثيرها الدراسة الأدبية مسائل اجتماعية على الأقل في النهاية أو ضمناً: مسائل التراث والعرف، والمعايير والأجناس، الرموز والأساطير».
لذا فإن من الطبيعي أن يتبادل الأدب التأثير مع المجتمع الذي ينتج فيه، وأقل مسوغ لهذا التأثير المتبادل كون الأدب جزءاً لا يتجزأ من الممارسات الاجتماعية للفرد التي تكون مجموع صلاته بالمجتمع الذي يعيش فيه، ولعل هذا كان وراء نشوء حقل معرفي خاص بهذه الصلة الوثيقة هو علم اجتماع الأدب sociology of literature الذي يدرس مسائل مختلفة مثل الأصول الاجتماعية للكاتب، وعلاقات الإنتاج والاستهلاك في الأدب، والمضامين الاجتماعية للأدب، وتأثير الأدب في المجتمع وغيرها. وعلى الرغم من إقرار المرء بهذه الصلة بين الأدب والمجتمع فإن عليه أن يذكر دوماً «أنّ للأدب مسوغه وغرضه الخاصين به»، ولا يمكن أن يكون بديلاً من علم الاجتماع، كما يظن من يحاول أن يستخدمه بوصفه وثيقة اجتماعية، أو علم السياسة، فإن له منطقه الخاص حتى في أكثر وجوهه اجتماعية.
الأدب وعلم النفس: من الطبيعي أن تكون علاقة الأدب بعلم النفس وثيقة جداً، وأن يكون التأثير المتبادل بينهما واسعاً وجوهرياً في آن معاً. وعندما احتُفل فرويد [ر]، بمناسبة عيد ميلاده السبعين، بأنه مكتشف اللاوعي، أنكر هذا اللقب وصحح الكلام بقوله: «إن الشعراء والفلاسفة قبلي اكتشفوا اللاوعي، وما اكتشفته هو المنهج العلمي لدراسة اللاوعي».
والحقيقة أنه بمقدار إفادة علم النفس (الفرويدي بوجه خاص) من الآثار الأدبية المختلفة في تصوراته عن النفس الإنسانية ومناطقها وآليات عملياتها المختلفة بما فيها عملية الخلق الفني، وعن عقدها وغير ذلك، فإن استبصارات علم النفس قد عززت الكثير من جوانب الممارسة الأدبية، ولاسيما في الشعر، والرواية، والسيرة، والمسرحية، والكتاب (http://www.arab-ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=3580&vid=18) اليوم يمارسون عملهم مستندين إلى أرضية أكثر رسوخاً في دراستهم النفس الإنسانية التي هي المحور الذي يدور حوله الأدب. وأكثر من هذا فإن كون منتج الأدب ومتلقيه إنساناً عزز الصلة الوثيقة بين الأدب وعلم النفس الذي انصرف في جانبه الأدبي أو ما يسمى بعلم نفس الأدب psychology of literature، إلى العناية بعملية الخلق الفني لدى الكاتب من جهة، وآليات الاستقبال لدى المتلقي من جهة ثانية، ولعل ذلك يتضح أكثر ما يتضح في الاتجاه النقدي والموسوم بالنقد الاستقبالي receptionist criticism، أو نقد استجابات القارئ reader- response criticism الذي غدا واحداً من أبرز اتجاهات النقد المعاصر على جانبي الأطلسي. وفضلاً عما تقدم فإن عالم الأدب ولاسيما في جانبه النفسي أصبح، مع استخدامات معطيات علم النفس في مقاربته، أكثر إثارة وغنى ومتعة وفائدة، وهذا ما عزز تفهم الإنسان لنفسه ولغيره وساعده في تواصله معه.
الأدب والتاريخ: «الشعر (http://www.arab-ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=161975&vid=18) ديوان العرب» الذين اتخذوا من شعرهم سجلاً لهم: لأنسابهم من جهة، ووقائعهم وأيامهم من جهة ثانية، ومواجهاتهم مع ما يحيط بهم من أمم من جهة ثالثة. والحقيقة أن الصلة بين الأدب والتاريخ قديمة قدم الأدب نفسه، وكثير من نصوص الأدب القديم: المصري، والآشوري، والبابلي، والسومري، والآرامي، واليوناني هي مصادر في التاريخ السياسي والعسكري والاجتماعي والاقتصادي مثلما هي مصادر في التاريخ الأدبي، والملاحم القديمة (غلغامش، الإلياذة، والأوذيسة، والإنيادة (http://www.arab-ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=159484&vid=18) وغيرها) أمثلة بينة على ذلك.
والشأن نفسه في الملاحم الشعبية وفي الكثير من نصوص الأدب الشعبي (http://www.arab-ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=1292&vid=18) وشعر الفتوح الإسلامية بصفة خاصة. ففضلاً عن القيمة الأدبية لهذه النصوص ثمة قيمة فوق - أدبية extra- literary تتمثل أساساً في تلك الإشارات الكثيرة إلى حوادث وتواريخ ووقائع في حياة الأمة في مختلف العصور.
وإذا تجاوز المرء غنى المصادر الأدبية بالإشارات التاريخية، وهو أمر ملحوظ في مختلف التقاليد الأدبية من جهة، وعلى امتداد العصور من جهة أخرى، فإنه يجد أن هذه الصلة تطرح نفسها على نحو صارخ في جنسين أدبيين مهمين في العصور المتأخرة لمختلف الآداب وهما الرواية (http://www.arab-ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=808&vid=18) والسيرة، كما طرحت نفسها من قبل على نقاد الاتباعية (http://www.arab-ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=162748&vid=18) الجديدة في قضية المسرحية التاريخية.
فطبيعة كل من هذين الجنسين المهمين تثير مسألة صلة الأدب بالتاريخ ولاسيما في الرواية (http://www.arab-ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=808&vid=18) التاريخية والسيرة الذاتية. ودارس الرواية (http://www.arab-ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=808&vid=18) التاريخية على سبيل المثال لا يسعه إلا أن يقارن بين الوقائع التاريخية المستلهمة كما تعرضها كتب التاريخ، والوقائع التاريخية نفسها كما تقدمها الرواية (http://www.arab-ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=808&vid=18). وهذا التوازي المفترض أو المزعوم أو الواقع فعلاً ليس كل شيء فثمة مسائل أخرى جديرة بالتوقف عندها مثل مشروعية استخدام التاريخ في الرواية، ومقدار حرية الروائي في تطويع هذا التاريخ على النحو الذي يخدم رؤيته للعالم، ودرجة معقولية التفسيرات التي ينطوي عليها استلهامه للوقائع التاريخية ومقدار اتساقها الداخلي، وغير ذلك.
أما السيرة فإن وقائع حياة موضوعها تؤلف المادة الأساسية لمحتواها، وكاتبها لا يسعه تجاهل البعد التاريخي لما يقوم به، مثلما لا يستطيع تجاهل التداخل الذي يواجهه في عمله بين ممارسة الأديب وممارسة المؤرخ. فالسيرة «جنس أدبي قديم. فهي أولاً - من ناحية التسلسل الزمني ومن الناحية المنطقية - جزء من علم التاريخ».
و«مشكلات كاتب السيرة هي ببساطة مشكلات المؤرخ. إن عليه أن يفسر وثائقه، ووسائله، وتقارير شهود العيان، والذكريات، وبيانات السير الذاتية، وأن يقرر في مسائل تتصل بما هو أصلي أو غير ذلك، وبوثوقية شهود العيان وما شابهها. وفي الكتابة الفعلية للسيرة، يواجه مشكلات العرض الزمني، والانتقاء، والتكتم أو التصريح. والعمل الواسع بالأحرى الذي تم في السيرة بوصفها جنساً يتناول مسائل كهذه، ليست بأي حال أدبية من الناحية النوعية» على حد تعبير مؤلفي نظرية الأدب (http://www.arab-ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=160993&vid=18).
وإشكاليات هذا التداخل المعقد والمثير بين ممارسة الكتابة الأدبية وممارسة الكتابة التاريخية، ربما تغدو أكثر تعقيداً وصعوبة في كتابة السيرة الذاتية التي يكون موضوعها ومؤلفها واحداً، نتيجة صعوبة انسلاخ المؤلف عن موضوعه، واستحالة ترك فسحة بينهما تتيح مقداراً كافياً من التأمل الموضوعي في العمل المؤدى، وهي مسائل تظفر باهتمام متزايد من قبل الباحثين المعاصرين في نظرية الأدب (http://www.arab-ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=160993&vid=18) والنقد من مختلف الاتجاهات.
حبيبكم حمادة حمادي
ضع ردا من فضلك

هوني لخضر
2009-05-25, 07:50
مشكور أخي الكريم على المجهود و بارك الله فيك

امير الجود
2009-05-25, 18:21
شكرا لك على الافادة بالتوفيق ان شاء الله

لوز رشيد
2009-05-25, 18:49
بارك الله فيك على الموضوع

ب.علي
2009-06-19, 01:23
مشكور أخي الكريم حمادةعلى المجهود و بارك الله فيك