الوطن اغلى
2013-07-27, 09:04
****مضمون الإسلام في أحاديث وأحكام خطبة الوداع لخير الأنام**
(صفحة واحدة من رسالة الدكتور مقبل العمرى " مسئوليةالدولة عن أعمال السلطة التنفيذية في النظام الإسلامي")
يقصدبخطبة الوداع :
ما قرره الرسول الأعظم من مبادئ عظيمةمليئة بأسس الدين والمسئولية ، وذلك في خطبته النبوية الشريفة المشهورة بخطبة الوداع ، أو البلاغ ، وهي الخطبة التي أجمل فيها النبي الأمي في بلاغة لا نظيرلها خلاصة وقوام الدين أسه وفرعه. ([i])
ونظراًلأهمية هذه الخطبة النورانية التي تتذوق فيها حلاوة الأدب النبوي ، وحيث وردت في المراجع التاريخية والفقهية مجزأةً ، وفي محاولة للتوفيق بين تلك المصادر ، رأينا أن نوردها كاملة ،متمنين من المولى السداد والصواب ، في ترتيبها ترتيباً منطقيا حسناً يقارب الصحة ،أو يكاد ، وفيما يلي النص الكامل لخطبة([ii])الوداع :
1- النص الكامل لخطبة الوداع :
(1)" الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونتوب إليه ، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهد اللهفلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،وأن محمداً عبده ورسوله . أوصيكم عباد الله بتقوى الله وأحثكم على طاعته و أستفتح بالذي هو خير . أما بعد :
(2)أيها الناس : اسمعوا قولي فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا فيموقفي هذا ؟؟
أيها الناس : " أي يوم هذا؟ " ([iii])" أليس اليوم النحر ([iv])؟" ، " وأي شهر هذا ؟ " " أليس ذا الحجة؟ " ،" وأي بلد هذا؟ " ، " أليس البلد الحرام؟ " .
(3)أيها الناس : إن دماءكم ، وأموالكم ،وأعراضكم([v])عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا في بلدكم هذا ، وإنكم ستلقونربكم فيسألكم عن أعمالكم ، وقد بلغت . فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من إئتمنهعليها ، ألا لا ترجعوا بعدي كفاراً أو قال (ضلالاً) يضرب بعضكم رقاب بعض .
أيها الناس: لقد تركت فيكم ما إن تمسكتم([vi])به فلن تضلوا (بعدي)([vii])أبداً أمراً بيناً كتاب الله وسنة نبيه([viii]).
(4)أيها الناس : إن الله افترض عليكم خمس صلوات في اليوم والليلة ، وصوم رمضان ،وإخراج الزكاة ، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا .
(5)أيها الناس اسمعوا قولي واعقلوه : تعلمن أن كل مسلم أخ للمسلم وأن المسلمين أخوة فلا يحل لامرئٍ مال أخيه إلا عن طيب نفس منه ([ix])، فلا تظلمن أنفسكم اللهم هل بلغت ؟ اللهم فاشهد ، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد ، كلكم لآدم وآدم من تراب ، ] إن أكرمكم عند الله أتقاكم [ ([x])، الناس سواسيةكأسنان المشط لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى ، إياكم والظلم فإن الظلم ظلماتيوم القيامة ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد .
(6)أيها الناس : إن لنسائكم عليكم حقا ، ولكم عليهن حقٌ ، ألا يوطئن فرشكم غيركم ، ولا يدخلن أحداً تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم ، ولا يأتين بفاحشةٍ . فإن فعلن فإن الله أذن لكم أن تعضلوهن([xi])،وتهجروهن في المضاجع ، وتضربوهن ضربا غير مبرح ، فإن انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهنوكسوتهن بالمعروف ، وإنما النساء عندكم عوان([xii])لا يملكن لأنفسهن شيئا ، أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله .فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيراً ، ألا هل بلغت ؟ اللهم فاشهد .
(7)أيها الناس : إن كل ربا في الجاهلية موضوع ، ] وأن لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون[ ([xiii])، وإن ربا العباس بن عبد المطلب موضوع كله ، وإن كل دم في الجاهلية موضوع ، وأول دم أضعه دم عامر بنربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ([xiv])، وإن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية . والعمد قود ، وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر وفيه مائة بعير ، فمن زاد فهو من أهل الجاهلية .
(8)أيها الناس : إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه أبدا ، ولكنه رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم فاحذروه على دينكم .
(9)أيها الناس : ] إنما النسيئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاماًليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ماحرم الله [ ([xv])ويحرموا ما أحل الله، ألا وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، وإن عدة الشهورعند الله اثنا عشر([xvi])في كتاب الله يوم خلق الله السموات والأرض منها أربعة حرم ، ثلاث متواليات ، وواحد فرد : ذو القعده ، وذو الحجة ، ومحرم، ورجب (مضر)([xvii])الذي بين جماد وشعبان .
(10)أيها الناس : إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث ولا تجوز وصيةلوارث ، ولا تجوز وصية في أكثر من الثلث ، والولد للفراش ، وللعاهر الحجر([xviii])، من ادعى إلى غير أبيه ، أو تولى غير مواليه ، فعليه لعنة الله ، والملائكة ،والناس أجمعين ، لا يقبل منه صرف ولا عدل .
(11)أيها الناس : لا يأتي من بعدي نبي ، ولا رسول ، ولا دين جديد ألا هل بلغت؟اللهم فاشهد، ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب، فلعل بعض من يبلغه أوعى له من بعض من سمعه ألا هل بلغت ؟ اللهم نعم ،
والسلام عليكم ورحمة الله ([xix]).
ويلاحظ الباحث عالمية الخطاب في هذا الدستور النبوي ، حيث وجهه صلى الله عليه وسلم إلى العالم كافة باعتباره رسولاً ورحمة للعالمين ، وقد بين عموميةالخطاب في لفظ (الناس) الذي ألتزمه صلى الله عليه وسلم إلى نهاية الخطبة ، فبدأ بقوله أيها الناس وانتهى بقوله أيها الناس . ومن ذلك قوله " إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب " ، وقوله صراحة " الناس سواسية لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى " ،
ولذلك اعتبرنا هذه الخطبة أول إعلان عالمي لحقوق الإنسان في ظل الشريعة العامة للإسلام .
كمانعتبر أن هذه الخطبة هي مضمون الإسلام كمانفهمه ونعلمه ونطبقه ، فمن كان عنده إسلام آخر غير فهذا شأنه "ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين" صدق الله العظيم
هوامش:
---------------------------------------------------------------------------------
([i])انظر : الشيخ محمد الخضري - نور اليقين في سيرة سيد المرسلين – المرجع السابق –صـ376 .
([ii])ألقيت هذه الخطبة في اليوم التاسع من شهر ذي الحجة سنة (10هـ/632) ، وذلك في وادي أورانا جبل عرفات.
([iii])كان الناس يرددون بعد هذا التساؤل النبوي : (الله ورسوله أعلم) ويسكت الرسول صلى الله عليه وسلم قليلاً حتى قالوا في كل مرة : (فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه)، وفي بعض المصادر قالوا : (يوم حرام) ، وقالوا : (شهر حرام) ،وقالوا : (بلد حرام) .
([iv])وكان الناس يقولون بعد هذا التساؤل: (بلى) .
([v])قال ابن سعد في ا لطبقات الكبرى : أحسبه قال : (وأعراضكم) .
([vi])وردت في مراجع أخرى (اعتصمتم) ، (وأخذتم) به لن تضلوا بعدي .. كتاب الله وسنة نبيه.
([vii])ووردت أيضا لن تضلوا بعده كتاب الله ولم يذكر السنة . ، وصح في بعض المصادر "كتاب الله وعترتي أهل بيتي "، ولكننا نعتقد أن هذا اللفظ هو من ألفاظ حديث الثقلين والذي قاله النبي الكريم في خطبته الشهيرة في غدير خم ، وليس في حجة الوداع.
([viii])وجاء في سنن ابن ماجة : كتاب الله فقط ولم يرد ذكر السنة ، وورد بعده قوله عليه الصلاة والسلام : " وأنتم مسئولون عني فما ذا أنتم قائلون ؟ " وقولهم : " نشهدأنك قد بلغت وأديت ونصحت" فقال وقد أشار بإصبعه السبابة إلىالسماء ونكبها إلى الناس " اللهم! اشهد ! ثلاث مرات " . انظر :ابن ماجه – المرجع السابق – رقم الحديث (3074) – جـ2 – كتاب المناسك –ص1025.
([ix])وفي بعض المصادر: " إنما المؤمنون أخوة ولا يحل لامرئٍ مال أخيه إلا بطيب نفس منه " ، الحديث : أخرجه البخاري – في كتاب الديات – المرجع السابق –ص526 ، وأخرجه بهذا اللفظ أبو داود – في كتاب القسامة رقم الحديث : (3334) .
([x])من الآية : (13) من سورة الحجرات .
([xi])تعضلوهن : أي تحبسوهن وتضيقواعليهن.
([xii])عوان : جمع عانية وهي الأسيرة شبهت بها المرأة لضعفها.
([xiii])من الآية ( 279) من سورة البقرة (مد) ، استدل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
([xiv])وكان عامر بن ربيعة بن الحارث - مسترضعا في بني ليث فقتله بنوهذيل.
([xv])نص الآية : (37) من سورة التوبة (مد) استشهد بها الرسول الأعظم في خطبته ، والنسيئُ: مشتق من نسأه وأنسأه إذا أخره ، وكان العرب يتضررون من توالي الأشهر الحرم فتعظم فاقتهم ، وتشتد حاجتهم إلى السلب ، والنهب ، والحروب ، والغنائم ، فكانوا يؤخرون الحرمة ، فيقاتلون في شهر حرام ويحرمون غيره لاحقاً ، فإذا قاتلوا في المحرم حرموابعده شهر صفر . قال الكميت :
السنا الناسئين على معدٍ شهورالحل نجعلها حراما ؟
([xvi])يعني : أن العرب كانوا يخلطون الشهور لما مر من النسيئ ، فكانوا يحجون عاماً ، ويتركون عاماً ، ويحجون عاما في موعده وعاما في العشرين منه، فلما أمرالرسول صلى الله عليه وسلم أبا بكر بالحج بالناس العام السابق لحجة الوداع وقف في عرفة يوم التاسع من ذي الحجه ، وحجا لرسول الأعظم بالناس في هذا الموعد من ذي الحجة وانتظمت الشهور ، والمواعيد على هذا النحو كما قررها المولى سبحانه ،وعددها في كتابه يوم خلق الله الأرض ومن عليها ، فكان ختامه مسك وهو القضاء على فوضى الجاهلية ، في ترتيب الشهور ومراعاة ما يحل فيه وما يحرم بالعودة إلى سنةالله في الخلق وعدد السنين والحساب .
([xvii])وردت في بعض المصادر : ورجب مضر ، وفي بعضها : ورجب الذي بين جمادوشعبان ، وفي البعض الثالث: ثلاث متواليات وواحد فرد .
([xviii])أي أن الولد لأبيه وللزاني الحجر : أي الرجم بالحجارة حدا.
([xix])انظر في مصادر خطبة الوداع وما سبق من شروح وتعليقات بالتفصيل : صحيح مسلم– المرجع السابق – كتاب القسامة – رقم الأحاديث (29) ، (30) ، (31) ، وابن ماجه –كتاب المناسك رقم (3074) وكتب السنن الستة ، وانظر : سيرة النبي - لابن هشام -المرجع السابق -جـ4-ص275-276، والكامل في التاريخ – لابن الأثير –المرجع السابق –جـ2- ص170 ، والطبقات الكبرى – لابن سعد- جـ1- ص186 . وانظر لمزيد من التدقيقوالتفصيل : لماذا محمد صلى الله عليه وسلم هو الأفضل؟ - كتيب- بقلم ميشال هارت -تمهيد وتقديم ونشر - الداعية الإسلامي-أحمد ديدات ، المشار إليه - ديدات - هارت - المرجع السابق ، ص 25 ، وما بعدها.
(صفحة واحدة من رسالة الدكتور مقبل العمرى " مسئوليةالدولة عن أعمال السلطة التنفيذية في النظام الإسلامي")
يقصدبخطبة الوداع :
ما قرره الرسول الأعظم من مبادئ عظيمةمليئة بأسس الدين والمسئولية ، وذلك في خطبته النبوية الشريفة المشهورة بخطبة الوداع ، أو البلاغ ، وهي الخطبة التي أجمل فيها النبي الأمي في بلاغة لا نظيرلها خلاصة وقوام الدين أسه وفرعه. ([i])
ونظراًلأهمية هذه الخطبة النورانية التي تتذوق فيها حلاوة الأدب النبوي ، وحيث وردت في المراجع التاريخية والفقهية مجزأةً ، وفي محاولة للتوفيق بين تلك المصادر ، رأينا أن نوردها كاملة ،متمنين من المولى السداد والصواب ، في ترتيبها ترتيباً منطقيا حسناً يقارب الصحة ،أو يكاد ، وفيما يلي النص الكامل لخطبة([ii])الوداع :
1- النص الكامل لخطبة الوداع :
(1)" الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونتوب إليه ، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهد اللهفلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،وأن محمداً عبده ورسوله . أوصيكم عباد الله بتقوى الله وأحثكم على طاعته و أستفتح بالذي هو خير . أما بعد :
(2)أيها الناس : اسمعوا قولي فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا فيموقفي هذا ؟؟
أيها الناس : " أي يوم هذا؟ " ([iii])" أليس اليوم النحر ([iv])؟" ، " وأي شهر هذا ؟ " " أليس ذا الحجة؟ " ،" وأي بلد هذا؟ " ، " أليس البلد الحرام؟ " .
(3)أيها الناس : إن دماءكم ، وأموالكم ،وأعراضكم([v])عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا في بلدكم هذا ، وإنكم ستلقونربكم فيسألكم عن أعمالكم ، وقد بلغت . فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من إئتمنهعليها ، ألا لا ترجعوا بعدي كفاراً أو قال (ضلالاً) يضرب بعضكم رقاب بعض .
أيها الناس: لقد تركت فيكم ما إن تمسكتم([vi])به فلن تضلوا (بعدي)([vii])أبداً أمراً بيناً كتاب الله وسنة نبيه([viii]).
(4)أيها الناس : إن الله افترض عليكم خمس صلوات في اليوم والليلة ، وصوم رمضان ،وإخراج الزكاة ، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا .
(5)أيها الناس اسمعوا قولي واعقلوه : تعلمن أن كل مسلم أخ للمسلم وأن المسلمين أخوة فلا يحل لامرئٍ مال أخيه إلا عن طيب نفس منه ([ix])، فلا تظلمن أنفسكم اللهم هل بلغت ؟ اللهم فاشهد ، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد ، كلكم لآدم وآدم من تراب ، ] إن أكرمكم عند الله أتقاكم [ ([x])، الناس سواسيةكأسنان المشط لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى ، إياكم والظلم فإن الظلم ظلماتيوم القيامة ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد .
(6)أيها الناس : إن لنسائكم عليكم حقا ، ولكم عليهن حقٌ ، ألا يوطئن فرشكم غيركم ، ولا يدخلن أحداً تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم ، ولا يأتين بفاحشةٍ . فإن فعلن فإن الله أذن لكم أن تعضلوهن([xi])،وتهجروهن في المضاجع ، وتضربوهن ضربا غير مبرح ، فإن انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهنوكسوتهن بالمعروف ، وإنما النساء عندكم عوان([xii])لا يملكن لأنفسهن شيئا ، أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله .فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيراً ، ألا هل بلغت ؟ اللهم فاشهد .
(7)أيها الناس : إن كل ربا في الجاهلية موضوع ، ] وأن لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون[ ([xiii])، وإن ربا العباس بن عبد المطلب موضوع كله ، وإن كل دم في الجاهلية موضوع ، وأول دم أضعه دم عامر بنربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ([xiv])، وإن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية . والعمد قود ، وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر وفيه مائة بعير ، فمن زاد فهو من أهل الجاهلية .
(8)أيها الناس : إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه أبدا ، ولكنه رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم فاحذروه على دينكم .
(9)أيها الناس : ] إنما النسيئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاماًليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ماحرم الله [ ([xv])ويحرموا ما أحل الله، ألا وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، وإن عدة الشهورعند الله اثنا عشر([xvi])في كتاب الله يوم خلق الله السموات والأرض منها أربعة حرم ، ثلاث متواليات ، وواحد فرد : ذو القعده ، وذو الحجة ، ومحرم، ورجب (مضر)([xvii])الذي بين جماد وشعبان .
(10)أيها الناس : إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث ولا تجوز وصيةلوارث ، ولا تجوز وصية في أكثر من الثلث ، والولد للفراش ، وللعاهر الحجر([xviii])، من ادعى إلى غير أبيه ، أو تولى غير مواليه ، فعليه لعنة الله ، والملائكة ،والناس أجمعين ، لا يقبل منه صرف ولا عدل .
(11)أيها الناس : لا يأتي من بعدي نبي ، ولا رسول ، ولا دين جديد ألا هل بلغت؟اللهم فاشهد، ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب، فلعل بعض من يبلغه أوعى له من بعض من سمعه ألا هل بلغت ؟ اللهم نعم ،
والسلام عليكم ورحمة الله ([xix]).
ويلاحظ الباحث عالمية الخطاب في هذا الدستور النبوي ، حيث وجهه صلى الله عليه وسلم إلى العالم كافة باعتباره رسولاً ورحمة للعالمين ، وقد بين عموميةالخطاب في لفظ (الناس) الذي ألتزمه صلى الله عليه وسلم إلى نهاية الخطبة ، فبدأ بقوله أيها الناس وانتهى بقوله أيها الناس . ومن ذلك قوله " إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب " ، وقوله صراحة " الناس سواسية لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى " ،
ولذلك اعتبرنا هذه الخطبة أول إعلان عالمي لحقوق الإنسان في ظل الشريعة العامة للإسلام .
كمانعتبر أن هذه الخطبة هي مضمون الإسلام كمانفهمه ونعلمه ونطبقه ، فمن كان عنده إسلام آخر غير فهذا شأنه "ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين" صدق الله العظيم
هوامش:
---------------------------------------------------------------------------------
([i])انظر : الشيخ محمد الخضري - نور اليقين في سيرة سيد المرسلين – المرجع السابق –صـ376 .
([ii])ألقيت هذه الخطبة في اليوم التاسع من شهر ذي الحجة سنة (10هـ/632) ، وذلك في وادي أورانا جبل عرفات.
([iii])كان الناس يرددون بعد هذا التساؤل النبوي : (الله ورسوله أعلم) ويسكت الرسول صلى الله عليه وسلم قليلاً حتى قالوا في كل مرة : (فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه)، وفي بعض المصادر قالوا : (يوم حرام) ، وقالوا : (شهر حرام) ،وقالوا : (بلد حرام) .
([iv])وكان الناس يقولون بعد هذا التساؤل: (بلى) .
([v])قال ابن سعد في ا لطبقات الكبرى : أحسبه قال : (وأعراضكم) .
([vi])وردت في مراجع أخرى (اعتصمتم) ، (وأخذتم) به لن تضلوا بعدي .. كتاب الله وسنة نبيه.
([vii])ووردت أيضا لن تضلوا بعده كتاب الله ولم يذكر السنة . ، وصح في بعض المصادر "كتاب الله وعترتي أهل بيتي "، ولكننا نعتقد أن هذا اللفظ هو من ألفاظ حديث الثقلين والذي قاله النبي الكريم في خطبته الشهيرة في غدير خم ، وليس في حجة الوداع.
([viii])وجاء في سنن ابن ماجة : كتاب الله فقط ولم يرد ذكر السنة ، وورد بعده قوله عليه الصلاة والسلام : " وأنتم مسئولون عني فما ذا أنتم قائلون ؟ " وقولهم : " نشهدأنك قد بلغت وأديت ونصحت" فقال وقد أشار بإصبعه السبابة إلىالسماء ونكبها إلى الناس " اللهم! اشهد ! ثلاث مرات " . انظر :ابن ماجه – المرجع السابق – رقم الحديث (3074) – جـ2 – كتاب المناسك –ص1025.
([ix])وفي بعض المصادر: " إنما المؤمنون أخوة ولا يحل لامرئٍ مال أخيه إلا بطيب نفس منه " ، الحديث : أخرجه البخاري – في كتاب الديات – المرجع السابق –ص526 ، وأخرجه بهذا اللفظ أبو داود – في كتاب القسامة رقم الحديث : (3334) .
([x])من الآية : (13) من سورة الحجرات .
([xi])تعضلوهن : أي تحبسوهن وتضيقواعليهن.
([xii])عوان : جمع عانية وهي الأسيرة شبهت بها المرأة لضعفها.
([xiii])من الآية ( 279) من سورة البقرة (مد) ، استدل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
([xiv])وكان عامر بن ربيعة بن الحارث - مسترضعا في بني ليث فقتله بنوهذيل.
([xv])نص الآية : (37) من سورة التوبة (مد) استشهد بها الرسول الأعظم في خطبته ، والنسيئُ: مشتق من نسأه وأنسأه إذا أخره ، وكان العرب يتضررون من توالي الأشهر الحرم فتعظم فاقتهم ، وتشتد حاجتهم إلى السلب ، والنهب ، والحروب ، والغنائم ، فكانوا يؤخرون الحرمة ، فيقاتلون في شهر حرام ويحرمون غيره لاحقاً ، فإذا قاتلوا في المحرم حرموابعده شهر صفر . قال الكميت :
السنا الناسئين على معدٍ شهورالحل نجعلها حراما ؟
([xvi])يعني : أن العرب كانوا يخلطون الشهور لما مر من النسيئ ، فكانوا يحجون عاماً ، ويتركون عاماً ، ويحجون عاما في موعده وعاما في العشرين منه، فلما أمرالرسول صلى الله عليه وسلم أبا بكر بالحج بالناس العام السابق لحجة الوداع وقف في عرفة يوم التاسع من ذي الحجه ، وحجا لرسول الأعظم بالناس في هذا الموعد من ذي الحجة وانتظمت الشهور ، والمواعيد على هذا النحو كما قررها المولى سبحانه ،وعددها في كتابه يوم خلق الله الأرض ومن عليها ، فكان ختامه مسك وهو القضاء على فوضى الجاهلية ، في ترتيب الشهور ومراعاة ما يحل فيه وما يحرم بالعودة إلى سنةالله في الخلق وعدد السنين والحساب .
([xvii])وردت في بعض المصادر : ورجب مضر ، وفي بعضها : ورجب الذي بين جمادوشعبان ، وفي البعض الثالث: ثلاث متواليات وواحد فرد .
([xviii])أي أن الولد لأبيه وللزاني الحجر : أي الرجم بالحجارة حدا.
([xix])انظر في مصادر خطبة الوداع وما سبق من شروح وتعليقات بالتفصيل : صحيح مسلم– المرجع السابق – كتاب القسامة – رقم الأحاديث (29) ، (30) ، (31) ، وابن ماجه –كتاب المناسك رقم (3074) وكتب السنن الستة ، وانظر : سيرة النبي - لابن هشام -المرجع السابق -جـ4-ص275-276، والكامل في التاريخ – لابن الأثير –المرجع السابق –جـ2- ص170 ، والطبقات الكبرى – لابن سعد- جـ1- ص186 . وانظر لمزيد من التدقيقوالتفصيل : لماذا محمد صلى الله عليه وسلم هو الأفضل؟ - كتيب- بقلم ميشال هارت -تمهيد وتقديم ونشر - الداعية الإسلامي-أحمد ديدات ، المشار إليه - ديدات - هارت - المرجع السابق ، ص 25 ، وما بعدها.