المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من مواقف علماء الجزائر


ابو مريم الجزائري
2009-05-19, 10:09
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنقل هذا الموقف الذي قرأته في مجلة الشهاب لشيخين وعالمين عضوين في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين أزعم أنهما ضربا من خلاله مثلا في الأخلاق الإسلامية الرفيعة التي عزت في مثل أيامنا، فرحمهما الله رحمة واسعة، وجعل كل ما قدماه في ميزان حسناتهما، فلّله درّ هذا الخلق الرفيع، ولله درّ من هذبتهم السنن والآثار.
- بعد أن نشر الشيخ الإمام أبو يعلى الزواوي ( ت 1371 هـ - 1952 م ) كتابه " الخطب " أهدى نسخة منه إلى الإمام عبد الحميد بن باديس، هذا الأخير قام بكتابة مقالة للتعريف بهذا الكتاب في مجلة الشهاب، عرف فيه بالكتاب ونوه به وبصاحبه، ودعى القراء والمشتركين إلى اقتنائه لما يحتويه من علم نافع، ولم يمنعه علم الرجل وفقهه من أن ينبهه إلى تساهله في نقل القليل من الأحاديث الضعيفة، ويطلب منه أن يقوم بتخريجها أو العزو إلى الكتب التي أخذ منها، وإليكم المقالة كما جاءت في مجلة الشهاب العدد 34 السنة الثانية، الخميس 21 ذو الحجة 1344هـ/ 1جويلية 1926م. الصفحة 11 بعنوان
" خطب إمام جامع سيدي رمضان بالجزائر":
'' الشيخ السعيد الزواوي علامة سلفي، داعية إلى الإصلاح بالكتاب والسنة وعمل السلف الصالح، كان من محاسن أعماله لما ولي الخطابة بجامع سيدي رمضان بالجزائر أن أخذ يخطب على الناس خطبا حية مناسبة للمكان والزمان والحال على طريقة السلف المتقدمين .
ثم جمع بعضا من تلك الخطب وقدم لها مقدمة نفيسة وطبع الجميع في مجموع واحد سنة 1342هـ ، وقد أهدانا نسخة فألفيناها كما يشاء النصح وتقتضيه الإجادة فشكر الله صنعه وأحسن جزاءه.
وددنا لو ذكر مآخذ حديثه وزاد تحريا في تخريجها فإن فيها قليلا من الضعيف الذي كان يغني عنه الحسن والصحيح.
ومن أراد اقتناء هذه الخطب النفيسة فليخاطب صاحبها على عنوانه...''
والمعروف عن الإمام عبد الحميد بن باديس أنه كان من العلماء الذين يرون أن من ذكر إسناد الحديث فقد أعذر وبرئت ذمته ؛ لأنه يقدّم الوسيلة التي تمكِّن من كان عنده علم بهذا الفنِّ من معرفةِ حال الحديث صحةً أو ضعفاً ، بخلاف من حذف إسناده ، ولم يذكر شيئاً عن حاله ، فقد كتم العلم الذي عليه أن يبلِّغَه، كما أنه موقفه من رواية الحديث الضعيف وضحه في قولته:" لا نعتمد في إثبات العقائد والأحكام على ما ينسب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم من الحديث الضعيف لأنه ليس لنا به علم" الآثار (1/143).
- بعد أن أطلع أبو يعلى الزواوي على ما كتب عنه وعن كتابه " الخطب" من النقد والتصحيح، فرح واستبشر به، وأعتبره من باب النصيحة له وللمسلمين، فأرسل إلى نفس المجلة بجواب يدل على حرصه على إتباع الحق، متى ظهر له، وتقديمه إياه على حظوظ النفس مهما كانت، وهذا الموقف الكريم يدل على حسن خلق المسلم وشرف نفسه، وتواضع العالم، وصدق كلامه الذي يدل على إخلاص القلب الذي خرجت منه، وأنه لا يبغي إلا الحق ، لا يداهن فيه ولا يخجل منه، وبهذا حضروا وأعدوا – بفضل من الله وعونه- شعبا قاوم أعتى مستدمر فرنسي، وأخرجه يجر أذيال الخيبة والخذلان من أرض الإسلام الطاهرة المطهرة، فرحمة الله عليهم رحمة واسعة، وجزاهم الله عنا كل خير.
هذا بعض ما جاء في جواب الإمام أبو يعلى الزواوي في العدد 44 السنة الثانية ، الخميس 26 محرم 1345هـ/ 5 أوت 1962 الصفحة 10 بعنوان " إيراد الخطباء الحديث":
أشكر أصحاب " الشهاب " الأغر على تنويههم بخطبي في العدد الأخير، ويجوز لي أن أنشد :
إذا أنا لم أشكر على الخير أهله...ولم أذمم الوغد اللئيم المذمما
ففيم عرفت الخير والشر باسمه ...وشق لي المسامع والفمـا.
وهذا لجميع من نوهوا بها من جرائد هذا الوطن ومصر والشام، جعل الله ذلك لنا ولهم من خالص الخدمة للعلم والملة وأن قصدي في ذلك الكتاب مقدمته وقصدي من مقدمته قولي في خطبة الكتاب:
أردت تجديد طريقة السلف في إلقاء الخطب والرجوع إلى الأصل في ذلك ، وإحياء ما هنالك الخ قولي لو لم يكن لي من الأهلية إلا إحياء تلك السنة وأي سنة لكفى.
وأما إيراد بعض الأحاديث الضعيفة فلا أقول أنهم قالوا فلا بأس في الاستدلال بالحديث الضعيف في الوعظ وفضائل الأعمال، وإنما أقول أن الاستدلال بغير ما في الصحيحين ولو من بقية الأمهات الست فهو على خطر عظيم ... وكفى أن أبا حنيفة رحمه الله أبى أن يعتمد أكثر من بضعة عشر حديثا، وكذلك يوثق بأحاديث الموطأ، ولكن مع كل ذلك أقول ما قال الأول: وجدت آجرا وجصا فبنيت، ومكان القول ذا سعة، إذ ما أوردت من الأحاديث في كتابي لا يتعدى البخاري ومسلما، فإذا كان لهذين أصرح به، والطبري وإحياء علوم الدين للإمام الغزالي فإذا كان لهذين فلا أصرح بشئ، وفي علمي أن الغزالي قد حوى [كذا] في أحاديثه التي أثبتها في الأحياء ولكن شارحه المرتضى رحمه الله دافع عنها وصححها، وكذلك أخذت بعض الأحاديث من خطب الشرنوبي ومن الجامع الصغير، أخطأت في الأخذ من الجامع الصغير للسيوطي حاطب ليل الذي يدعي إثبات الأحاديث باستشارة النبي صلى الله عليه وسلم يقظة ومشافهة، وهو في القرن الثامن، وعلى أن شارحه الغريزي حكم بالضعف على أكثرها، فالحق – والحق أقول- إن اعتنائكم بالتنبيه على الأحاديث الضعيفة خدمة جليلة مفيدة وقد ألتزمت منذ أمد أن لا أفوه بالحديث فيما ينبني عليه حكم شرعي وخصوصا في الحلال والحرام أو الأمر والنهي إلا إذا كان ثابتا في الصحيحين والموطأ وفيما عدا ذلك العزو أي أعزوه، ثم أبحث عن الصحة وعدمها كما قال صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل وأهليهما: " (لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا: {آمنا بالله وما أنزل إلينا} [ العنكبوت:46 ] (( رواه البخاري))" الحديث
الجملة أن الاستدلال بالحديث على خطر عظيم إذ قد يقع المستبدل في الوعيد الوارد من ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " ثم بعد هذا كله نجد الكثير من العامة بل من الخاصة لا يبالون بقوله صلى الله عليه وسلم، ولو هو حديث خرافة، وقولي هذا حديث خرافة على سبيل المثل والمصطلح، وإلا فان خرافة ورد حديث فيه أنه رجل أخذه الجن فصار يحدث ذلك ا.هـ بالمعنى، وبالله التوفيق.
الزواوي إمام جامع سيدي رمضان- القصبة - الجزائر"
ملاحظة: كتاب « الخطب » طبع في الجزائر عام 1342 وهو يقع في 78صفحة من الحجم المتوسط، ذكرها أحمد توفيق المدني أثناء ذكرياته عن الإمام الزواوي :« ... وأذكره بإخراجه للخطب المنبرية من صبغتها التقليدية العتيقة إلى صبغة قومية مفيدة فهو يخطب للعامة ارتجالا في مواضيع إسلامية محلية مفيدة، ويعتبر خطابه درسا بحيث لا ينتهي منه إلا وقد اعتقد أن كل من بمسجد سيدي رمضان من رجال ونسوة قد فهموا جيد الفهم خطابه وأشهد أنه كان لتلك الخطب الأثر الفعال في النفوس».
فنسأل الله أن يزيدنا من فضله وأن يغفر لنا ولكم.

ابو مريم الجزائري
2009-05-20, 11:41
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

حملت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين لواء الإصلاح الديني والاجتماعي، وكان رئيسها الإمام عبد الحميد بن باديس يربط دائمًا بين الدين والأخلاق والعقل، ويرى أن قدرة المسلمين إنما تكون بالجمع بين العقائد الواضحة والأخلاق الطيبة والعلم، ولهذا فقد جعل جرائده ومجلاته منبرا لكشف، وفضح الطرق الصوفية المنحرفة، ومجالا لمقاومة المبتدعة والمضللين، فكانت المقالات الصحافية، والرسائل تتهاطل على إدارة جريدة "المنتقد" ثم "الشهاب" من علماء الجزائر وطلبة العلم فيها، وكذا من العلماء والمفكرين في تونس والمغرب، وحتى من مصر للمساهمة أو الاستفسار أو طلب رأي، وكان للطريقة العليوية وشيخها "أحمد بن عليوة" المتهم بالحلول ووحدة الوجود النصيب الأوفر من هذه الحملات الصحفية التي أدت دورا كبيرا في كشفه وفضحه هو وأتباعه، وهذا الموقف الذي أنقله اليوم يغني عن كل تعليق:
نشرت جريدة الشهاب في العدد 82 الصادر يوم الخميس 30 رجب 1345 هـ/ 3 فيفري 1927 م، استفسارا وتساؤلا من مواطن رمز لنفسه باسم (( مستبين)) تحت عنون: " طلب الحقيقة" ومما جاء فيه:
"... منذ اجتماع العلويين في جامع سيدي رمضان ونحن في حيرة والتماس حقيقة مما صدر من أحد أعيان العاصمة وهو الشيخ محمد الشريف الزهار الإمام بجامع جده ( رضي الله عنه) من وقوفه بذلك المحفل وإلقائه لتلك الخطبة التي كادت أن تنشق لها السموات ومدحه لذلك الشيخ مدحا مفرطا أدهش الحاضرين، ودونك أيها القارئ ملخص قوله: " أيها السادة إني قد كنت قبل الاجتماع بهذا الرجل العظيم أنكر عليه أقواله وأفعاله واقدح فيه واسبه وأقول لأتباعه أن شيخكم لَّدعي زنديق بل كافر، وما أشبه ذلك والآن لما اجتمعت به، والحمد لله فقد ظهر لي ما كان خافيا عني من الأسرار والأنوار وها أنا تائب مما قلته واشهد انه ولي كامل زاهد... الخ" .
فبالله متولي السرائر هل كانت حقيقة اعتقادك أيها الإمام في ذلك القطب ما فهمت به الجمهور أم كان نطق لسانك مغايرا لجنانك فأصدقنا أرشدك الله حتى ترتفع عنا الحيرة وننجو من الوقوع في المحذور اقتداء بك حيث كنت إمام مسجد شريفا بل نقيب الأشراف، وابن عائلة موصوفة بالصدق والكمال ، فكيف محضت في هذا المجال فعجل بالجواب على كل حال..."
ولم يكد يصدر العدد التالي رقم العدد 83 : الخميس 7 شعبان 1345هـ/ 10 فيفري 1927م، أي بعد أسبوع من صدور الاستفسار حتى جاء جواب الشيخ الإمام محمد الشريف الزهار يتضمن موقفا وخلقا إسلاميا راقيا، هو الاعتراف بالخطأ، والعودة إلى الحق، والرجوع إلى الصواب بكل شجاعة وإقدام، ليتبرأ من الشيخ المنحرف وطريقته الضالة المضلة.
كتب تحت عنوان: " الجواب بالبراءة" ما يلي حرفيا:
" الشهم الغيور مدير جريدة الشهاب الأغر... سلاما واحتراما
اطلعت في جريدتكم السمحا عدد 82 على سؤال عنوانه طلب الحقيقة بامضاء "مستبين" مضمنه اجتماع العلويين بمسجد سيدي رمضان وخطبتي في ذلك الاجتماع ومدحي لذلك الشيخ مدحا مفرطا وطلب مني الكاتب حقيقة اعتقادي الخ...
فأقول ولا أخشى لومة لائم لتظهر الحقيقة وضاحة الجبين، وأشهد الله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور أنني برئ من بدع المبتدعين وخزعبلات المتصوفين وشعوذة المشعوذين ونصرة السفاكين...أحب العلماء العاملين والأولياء المتقين طريقتي الكتاب والسنة.
بلغني عن الطائفة العليوية وشيخهم (المربي) من الأسرار والأنوار ما شوقني إلى مشاهدة رؤيتهم فاجتمعت بالشيخ وأصحابه في مسجد جدي محمد الشريف الزهار (رضي الله عنه)، فكان كلامه في الصلاح والإرشاد والوقوف على حدود الشريعة ونفع العباد
لا يغرنك لين من فتى ...إن للحية سم يقتل
فأعجبني ذلك وحمدت الله على وجود رجل مثل هذا في هذا الزمان، خطبت خطبتي التي لا أنكرها، ولكن لما أطلعت على حقيقة أمرهم وحللتها تحليل الحكيم الكيماوي، تمثلت بالمثل السائر ( ما أنت أول سار غره قمر) فتبين لي الرشد من الغي، وظهر الأمر على خلاف ما كنت أظن...من أمور مصادمة للشريعة لا ينبغي السكوت عنها، ولا يسع إنكارها، وبَّختهم عليها مشافهة وحذرتهم من سوء عاقبتها عملا بقوله تعالى:{ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ } [الذاريات: 55].
فأبو وأصروا على فعلها، فتكلمت مع الشيخ نفسه ليزجرهم عن ذلك فتبسم وسكت، فلما علمت أن القوم اتفقوا على الضلالة نبذتهم نبذ النواة، وهجرتهم وقطعتهم، وقلت لهم هذا فراق بيني وبينكم لأن الحب في الله والبغض في الله، فقد تحققت صدق ما هو شائع عنكم من هتك الدين باسم الدين، وحمدت الله حيث أخرجني من الظلمات إلى النور وشاهدت الأمر عيانا فليس من رأى كمن سمع.
فتأسفت على ما صدر مني واستغفرت الله عسى أن يغفر لي ورجعت إلى الحق أفضل من الباطل ، هذا هو اعتقادي أيها السائل، وهذا هو ديني الذي أدين الله به، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر..."
كتب بالعاصمة في 4 فبراير سنة 1927م
محمد الشريف الزهار.

غفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين والمسلمات

ابو مريم الجزائري
2009-05-24, 11:28
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كانت الطرق الصوفية المنحرفة توجه أتباعها من خلال المقولة الخطيرة "اعتقد ولا تنتقد"، فكان الإمام عبد الحميد بن باديس رحمه الله يردد عبارة "انتقد ولا تعتقد" التي جعلها شعارا لجريدته الإصلاحية " المنتقد" (03 جويلية سنة 1925 م) ، التي لم تعش طويلا، إذ صدر مرسوم حكومي استعماري بتعطيلها بعد أن دامت أربعة أشهر أصدرت خلالها ثمانية عشر عددًا، وقام الإمام بعدها بإصدار جريدة الشهاب (12 نوفمبر 1925م) التي كانت مقالاتها تدور في معظمها حول الإصلاح الديني والاجتماعي، فكانت تصوب سهامها تجاه قلاع الاستعمار من خلال الهجوم على الخرافات التي علقت بأذهان الناس وسلوكياتهم، وكشف أباطيل اعتقاداتهم في أدعياء التديّن من شيوخ التصوف الموالين للاحتلال،
وقد قُوبِلت هي الأخرى أيضا برفض شديد من قِبَل الكثير من شيوخ الطرق الصوفية وأتباعهم، وكذا بعض أذناب الاستعمار وذيوله، ومن بينهم أحد أدعياء الصحافة الذين تتلمذوا على يد الإمام عبد الحميد بن باديس، وممن شاركوه الكتابة في جريدة " النجاح " التي - ساهم الإمام في إصدارها سنة 1919م ، ثم تركها بعد أن لاحظ أنها لا تتماشى ومشروعه الفكري الإصلاحي ، فتركها ليؤسّس جريدة " المنتقد " - هذا الدعي اسمه مامي إسماعيل قام بكتابة مقالة في العدد 29 من جريدة " النجاح" الصادرة في ديسمبر 1926 م هاجم فيها الشيخ عبد الحميد بن باديس ونسب إليه زورا وبهتانا أقاويل وكلاما يحرض فيه السلطات ضده، كما يتهمه بالبحث عن الشهرة و الزعامة، وأنه يهدف من وراء تأسيسه لهذه الجرائد إلى زيادة رأس ماله التجاري وغيرها من الأباطيل والترهات...
وقد انبرى للرد عليه وتفنيد آرائه الكاذبةمجموعة من العلماء وكتاب جريدة الشهاب منهم أخ الإمام محمد المصطفى بن باديس - المفرنس اللغة بمقالة أجتهد في كتابتها باللغة العربية - وهو الذي سبق له الرد على كتابات المدعو مامي اسماعيل في العدد 11 من جريدة المنتقد الموقوفة، والشيخ مبارك الميلي، والعالم السلفي الطيب العقبي الذي كتب مقالة في منتهى الفصاحة والبلاغة عنوانها " وقد لحنت لكم لكيما" أنقلها حرفيا كما نشرتها جريدة الشهاب العدد 10 الصادر يوم 29 جمادى الثانية 1344هـ/ 14 جانفي 1926م الصفحة 10 -11.
(( اللؤم ضد الكرم، والكرم ضد اللؤم أيضا ...والتصريف بكلا اللفظين اليوم وقبله – ولا أقول وبعده – من باب ( السماء فوقنا والأرض تحتنا )، ولكن يدرك سر اللفظ في الأول منهما في قول من قولة الحق الذي لا يعاب – مشيرا إلى مثل نفس ذلك اللئيم ومنبها عليها- " أبت النفس اللئيمة أن لا تخرج من الدنيا حتى تسيء لمن أحسن إليها"
ونحن نسأل كل من يدعي الرشد لنفسه ويحشرها في زمرة الكتاب الذين يفهمون الخطاب ويحسنون رد الجواب..
هل المحسن إلى الغير هو اللئيم؟ أم المنكر لنعماء أساتذته عليه وأولياء نعمته من قبل؟ في حين يباجحهم فيه بقوارص الكلم، وينبزهم بما يعلم إليه، والخالون عن الغرض – إنهم هم وأتباعهم براء منهم، ومن كل ما رماهم ذلك الكويتب الزنيم وال...القديم...
فهل فهم ما قصدناه من لحن الخطاب؟ أم لا يزال جناب الشيخ غبيا، ولو فهم لقال: { يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً } [ سورة مريم: الآية 23]
اليد العاتية الأجنبية مثلك – يجب أن لا تكون من جسدك وهي شلاء، وبذلك يصح وصفها بما يوصف به الأغيار، سيما إذا كان مديرها أنبه منك شأنا واثبت جنانا، إما إذا كنت قبلا وبعدا في قبضته ( أو بالأحرى في قبضة من هو في قبضته) فبأي وجه تلقاه أنت ويلقاه زعيمك يا ترى؟؟..وسيفر في الهيجاء الجبان إذا التقى الجمعان وينادي عليكما معا [ كما في قوله تعالى]:
{ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان}
وهل بعد كل ما قيل ويقال تراه يأبه بك وبجسمك حتى يصير اليك عصابة الدعاية ويعمل على نقض مجموعة هي من جمهرة حثالته، ومما كانت قد جمعته تلك الأيدي من بني مفترق الآحاد والأزواج!..
فكما ان لكل مقام مقال، ولكل شيعة رجال، ولكن حبك لما أنت عليه هو الذي أعمى وأصم(وقد يحب الجعل الخبائث)، ويبغض دعاة الحق والإصلاح، سيبقى دائما مقطوع الرأس، مقصوص الجناح، فما أحقه بالحثو على صنوه وأنثاه، وما أجدره أيضا بأن يصفع على قفاه! !.
ولولا خشية الإطالة فيما لا طائل وراءه وخوف أن يولينا دبره لطارحناه حديث الفضولي ... ولقلنا له قد أزفت الأزفة، ودارت الدائرة عليكم، فهل علمت من أين تؤكل الكتف وقد أحتوشتك صناديد العرب ولا ملجأ لك غير جحرك الخرب؟...
فالبدار البدار! ! وهذا غيض من فيض ينبئك أن الإحجام في مذهبنا حرام، وإن لم تثب بعدها إلى رشدك فموعدك مع إخوانك في غير دار السلام:
سر في ذرى ذاك الحمى يا راعي ...ما أنت إلا صاحب الأطماع
مهما بدت صفراء سرك لونهـا... لكن بعض الصفر في الأفاعي
خور القلوب إذا نظرت هزيمـة ... تذر الرئيس كسائر الأتباع
لو تعلمون لدى الحديث شجونه...قذيت عيونكم يوم نزاع
مهلا رويدا لمجرميـن فإنما... هي جولة عند اللقاء بيراعي
ضاعت حلومكم وضل رشادكم...فإلى النهى التحكيم بالإجماع
مارستمو شهم الجنان فحاذروا...سهم الردى من مقول لذاع
أو ما علمتم أن من عاديتـم ... سباق غايات طويل الباع
ما سامه لدد المعانـد ذلـة... كلا! ورب السيد النفاع..
هذا الحديث إليكم وعليكـم ... وقد لحنت لكم فهل من واع؟

ابو مريم الجزائري
2009-05-26, 10:53
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

فتح الإمام الشيخ عبد الحميد بن باديس مجلاته وصحفه أمام العلماء والكتاب والأدباء ليبرزوا الإسلام الصحيح لقرائهم، وينشروا فيهم الوعي والثقافة النابعة من أصالتهم الإسلامية، بأسلوب صريح مدعم بالحجج التي لا تقبل النقض، مبينين لهم ضلالات وخرافات الطرقية الضالة، وقد تزعم الشيخ العقبي وبعض الكتاب هذه الحملات التي كان وقعها شديدا على مشايخ الطرق ومريديهم وأذنابهم، مما دعاهم إلى أن يفزعوا إلى الشيخ ابن باديس وإلى والده محمد المصطفى ابن باديس ليطلبا منهما توقيف هذا السيل الجارف من المقالات التي لم تميز بين جميع شيوخ الطرقية، ودعمهم في مطالبهم الشيخ أبو يعلى الزواوي، وكذا الشيخ المولود الحافظي الأزهري، كما كتب عبد الحفيظ بن الهاشمي مدير جريدة " النجاح " مقالات يحث فيها ابن باديس على توقيف تلك الحملات، فاستجابت لهم إدارة الشهاب، وكتبت مقالا تحت عنوان: " في سبيل الوفاق والتفاهم" تؤيد هذا المسعى وتطلب من كتابها التوقف مؤقتا عن هذه المقالات، ومما جاء فيه:

((... كانت مسألة إصلاح الزوايا أثارت حربا قلمية بين كتاب "حزب الإصلاح" والكتاب "المحافظين" وكثيرا ما بلغ الأمر ببعض الكتاب الى مشادة عنيفة، وان كانت هذه الصحيفة نشرته للفريقين وان كان اكثر ما نشرته لانصارها الاولين
...قد وقف السادة الكتاب "المحافظون" بإيقاف رصيفتنا " النجاح" الغراء لهم ، وها نحن نوافقها على ذلك ونرجو من حضرات كتاب "حزب الإصلاح" أن يقفوا مشكورين على ما أبدوه من الصراحة في الرأي والمقارعة بالحجة والقوة في الحق فهم ولا فخر أول من ظهر من الأمة الجزائرية مستكملا لهذه الصفات، يقفوا لتنتهي المعركة فتصفوا الصدور، وعساها حينئذ أن تسعى للوفاق والتفاهم)).
العدد 19 ، الخميس 11 رمضان 1344هـ / 25 مارس 1926م

تلاه في العدد 20 مقال آخر جاء فيه: ((... لنا مجتنيات مما تنتجه عقول الكتاب في الكتب والصحف والمجلات نريد أن نفيد الأمة بها، لنا شؤون عالمية نريد أن نطلع الأمة عليها ، وهذه اليوم أهم من مسألة إصلاح الزوايا التي أخذت حقها فوجب تركها والاشتغال بما هو أهم منها)).
ولما اطلع الكتاب على هذين المقالين، منهم من اقتنع ووافق، فتوقف عن الكتابة في هذا الموضوع، ومنهم من عارض الفكرة وثارت ثائرته، كالشيخ الطيب العقبي الذي أعتبر هذا الموقف من إدارة الجريدة ضعف من أهل الحق يؤدي إلى ضعف الحق أمام جحافل الباطل، و أعلن صراحة مقاطعته للجريدة وعدم الكتابة فيها، وكذا محمد العزوزي حوحو العقبي الذي نشرت له الشهاب مقالة بعنوان : " كم هي أبواب الإصلاح وانتم عنها غافلون" يلوم فيها الإدارة على هذا الموقف، ويحمل عليها واصفا إياها بالمستبدة، ورغم شدة كلامه وقوة معارضته، إلا أن الإمام عبد الحميد بن باديس نشر له هذه المقالة مما يدل على سعة باله وتقبله للنقد، وها هو المقال أنقله بنصه لما فيه من روح إصلاحية وثورية، وكذا لما احتواه من فوائد وعبر:

(( لقد أسكتنا الشهاب وكّم أفواهنا واستبد استبدادا دون استبداد القوم وتحكم تحكما ما كنا لنقبله لو وجدنا عنه مندوحة أو استطعنا إرجاعه عن عزمه.
حافظ على وعده ولا محافظة السموأل على أمانته، وأبى أن يسمع منا أي كلمة في الموضوع ، علما منه انه الوحيد.
تِهْ دلال يا شهاب انك وحدك الذي نيطت بك الآمال، وجعلتك ميدانها الرجال ، تظهر فيك ما لها من جلائل الأعمال، تِهْ دلال يا شهاب، انك الوحيد فينا ولولا وحدتك ما رضينا، انك القوي وإلا لما حسن منك الاستبداد، كل فرد محبوب، وكل عديم نظير مرغوب، فأنت انت المحبوب وأنت يا شهاب المرغوب!
ولئن ضربت على استرحاماتنا صفحا، وطويت عن احتجاجاتنا كشحا، فقد اهتدينا بنجومك، وسلمنا من رجومك، فالحمد لله على السلامة!
أعربت النخبة التي تصدر الشهاب بمنشورها الأخير على أنها لا تريد أن تكون صحيفتها لسان الحزب الإصلاحي الديني وإلا لما رأينا مقالها " في سبيل الوفاق " مدعية أن المسألة أخذت حقها!
مسألة أسست من اجلها الجمعيات، وتفرغت لمحاربتها المجلات، وكرس الأئمة الأعلام لنقدها الحياة، يقول لنا الشهاب أنها أخذت حقها، واستوفت من البحث قسطها، في أقل من ستة أشهر، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر...
آمنت بالله ورسله، وكفرت بما للشهاب من مقال غير مقبول !
ولكننا بظلمكم رضينا، لأن جريدتكم هي الوحيدة فينا.
للنخبة تمام الحرية في اختيار الطريقة التي تريد انتهاجها كما ان لها كل التصرف فيما يرد عليها، تقبل ما يوافق مشربها وترفض ما يخالفه، فيا ليت شعري من أي الفريقين يكون مقالي هذا؟
أحجمنا عن الكتابة وامتنعنا من التحرير وقلنا الشهاب مستبد، عاودنا قولنا وكررناه مرارا ولكن!! ولكن!
ولكن ماذا ؟ ها إني رجعت إليه خافضا جناح الذل صاغرا، عله ينشر مقالي
لا أكذبك أيها القارئ إني ما كنت لأنشر سطرا واحدا بالشهاب مع اعترافي بإخلاصه لوطنه واستقامة سيرته لو وجدت إلى ذلك سبيلا إما ولم أجد، فها أنا ارجع إليه مكرها ذليلا - وما أذلني إلا قومي – عله لا يحكم على مقالي وما سيليه بالإعدام، وينسى رفقتنا التي كنا عليها في أول العام...!
دع المزاح جانبا وعالى اكلمك جادا!
إذا أوصد الشهاب باب الإصلاح الديني أو بالأحرى الطرقي فقد فتح أبوبا أخر لا تقل فائدتها عن الأول فلنبادر للكتابة فيها.
علام نهجر السياسة ؟ ما لنا نخاف شبحها ونذعر عند سماع اسمها؟ هل تظنون أن الحكومة تعرف وحدها حاجياتكم ؟
نعم يكون ذلك لو أن الجرائد الفرنسوية وممثلي فرنسا بالجزائر يهتمون بشؤون الأهلي ويدرسون حاله درسا متقنا، أما والحالة على طرفي نقيض، فمن واجبنا الدفاع على أنفسنا، معربين عن حاجياتنا، متشبثين بحقوقنا – وما ضاع حق وراءه طالبه – جاعلين قول الحكيم نصب أعيننا:
إنما رجل الدنيا وواحدها ... من لا يعول في الدنيا على أحد
وقديما قيل : ما حك جلدك مثل ظفرك.
وعلى فرض علمها هل يدور يوما بخلدكم أنها تمنحكم طلبكم، وتعطيكم بغيتكم من غير أن تفتحوا شفاهكم، وتسمعوا صوتكم ؟.
طبع " أشعبي " وحماقة " ربيعية" ورب الكعبة !
كفى وعظا للمرء أيام دهره ... تروح له بالواعظات وتغتدي
...
لقد استيقظ النوم، وتنبه الغافلون، فالاحسان! وإلا ساء المآل وخابت الآمال!
كلمة مألوفة وعبارة غير غربية، وما أخرها إلا تقاعسكم، ولله در أعمى المعرة حين يقول:
إن المعاشر يعميها تغافيها
أفيقوا يا أبناء الجزائر، عار عليكم هذا الخمول في عصر النشاط، مخجل والله جهلكم في قرن المعارف، هبوا من رقدتكم ، وافتحوا أعينكم لا تفتروا بكل بارق ، إن الأيام حبلى يلدن ما تجهلون!
يا راقد الليل مسرورا بأوله ... إن الحوادث قد يطرقن أسحارا
يطول بي المقال إن انأ استمررت في تنبيهكم على ما لا يحسن بكل جزائري جهله، بله الذين نصبوا أنفسهم للإرشاد ورأوا أهليتهم للإصلاح !
هل من مجيب ؟ هل من مبرهن؟ هل من رجال؟ أم نحن كما قال الإمام علي " يا أشباه الرجال ولا رجال" !.؟
محمد العزوزي حوحو العقبي
العدد 28 الخميس 14 ذو القعدة 1344 هـ/ 28 ماي 1926م. ص 9-10.

------------
وقد كتب الإمام عبد الحميد بن باديس التعليق التالي تحت هذه المقالة:
(( للأديب العزوزي وغيره من رفاقنا أن يعتبوا أو يغضبوا ، فنحن لهم عاذرون، شاكرون ما داموا لا يسيئون الظن بإخوانهم المباشرين للادارة.
وإذا تمادوا في العتاب فاننا ننشدهم قول الشاعر:
ومستعجب مما يرى من أناتنا ... ولو زبنته الحرب لم يترمرم . ))

ابو مريم الجزائري
2009-06-07, 16:06
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعد أن لاحظ الإمام عبد الحميد بن باديس التفاف كوكبة من العلماء والأدباء ورجال الإصلاح حول جريدة الشهاب الغراء واهتمامهم بكل ما تنشره من مقالات، ودعوات للإصلاح ومحاربة البدع والشعوذة، والرجوع إلى الكتاب والسنة وهدي السلف الصالح، قام بنشر نداء أو دعوة في العدد الثالث من الشهاب موجه على كتابها ورجال العلم للتعاضد والتكاتف من اجل تحقيق الأهداف السامية التي سبق ذكرها، ومما جاء في هذا المقال الذي عنونه ب: " إلى الإصلاح الديني "

فلنحارب التخاذل المميت بسلاح التناصر العتيد
فهل لنا من سبيل إلى ذلك، وسلاحنا نبذ الانشقاق فرأب الصدع على قاعدة تقديم التخلية على التحلية؟
ذلك سبيلنا فيما نعلم وإلا نكصنا على الأعقاب فكان مثلنا مثل من قلد جيدا تراكمت عليه الأدران ، درة تخطف أشعة أنوارها الأبصار، أليس من المعرة أن يكون ذلك الجيد الذي يفوق جماله الطبيعي ورواؤه الفطري جمال أي درة عرضة لتهكم الساخرين ونكاية الشامتين؟
ما أحوجنا إلى رجال مخلصين يشدون الخناصر وراء السعي في تطهير النفوس المشوهة برين التفرق والتغابن ، وفي صقل وجه الدين الحنيف تلك الجوهرة التي أبى الله إلا أن تبقى صافية الأديم ولو عمل العابدون شهواتهم أحقابا على طمسها ، حتى لا تنعكس فيما يزعمون صور أعمالهم السيئة فيها، فيبوؤوا بغضب على غضب، ويسجل عليهم بالفضيحة وسوء المصير !!
وخليق بنا أن نواصل السعي في خلق رجال الإخلاص وايجادهم ولو كلفنا من الضحايا ما نبذل بسببه أنفسنا
...هذه سبيلنا فمن شاء أن يحبذ ويجيب ، ومن شاء أن يقبح ويدبر ولنا من الناصرين رجال الأقلام الحاملين لواء الدعوة إلى الدين الصحيح عصابة لا تعرف غير الصراحة وهي كافية لان ترشد المسترشدين وتأخذ بتلابيب المعرضين حتى يؤوبوا الى رشدهم بأي وسيلة.
العدد 3:
9 جمادى الاولى 1344هـ/ 26 نوفمبر 1925 م
--------------
وجاءت الردود من العلماء ورجال الاصلاح والادباء تترى، نختار منها ما يلي:

تحت عنوان: " لبيك يا حزب الإصلاح الديني لبيك!
ولبيكم يا رجال المنتقد والشهاب مرتين!! "
كتب الشيخ الطيب العقبي مقالا جاء فيه:
" ...فاني لا أزال أواليكم بكتاباتي وكتائبي الجرارة في محاربة البدع وأربابها فيقال في رجال الشهاب نفس رجال المنتقد الأحرار وروحهم الدينية
...فلي الشرف بان انظم إلى حزبكم (حزب الإصلاح الديني ) الذي أعلنتم عنه في العدد الثالث من الشهاب فاعتبروني من جملة أعضائه العاملين وشيدوا أساس ذلك الحزب على العمل الصالح والتقوى، وتباعدوا ملء التباعد عن سياسة الحكومة ومزاحمة الغير حتى نسلم ويسلم لنا حزبنا الإصلاحي وحسبي أن كل من شملته دعوتكم من العلماء يجيب دعاءكم ويلبي نداءكم مثلي
العدد 6 الخميس 30 جمادى الاولى 1344هـ/ 17 ديسمبر 1925م
-----------
كما كتب الشيخ الفلكي الميقاتي، خريج جامع الأزهر الشريف المولود بن الصديق الحافظي مقالا بعنوان: " حول اقتراح تأسيس حزب ديني إصلاحي" جاء فيه:
" نشر الشهاب بالعدد الثالث نداء للعلماء الجزائريين فحواه تأسيس حزب ديني يكون الغرض منه محاربة البدع وتطهير وجه الدين الحنيف مما التصق به وليس منه.
فنعم اقتراح هذا، ومرحبا به نود أن يتوفق رجالنا العلماء إلى هذا من زمن بعيد، إذ حالتنا الدينية قد أصبحت في آخر نقطة من الانحطاط، وداخلتنا البدع من حيث لا نشعر منذ زمن ليس بقليل فطال عليها العهد حتى أصبحت محل اعتقاداتها من الدين في كثير من العوام ومحل تهاون وتقصير في كثير من العلماء ...
العدد 9:
21 جمادى الثانية 1344هـ/ 7 جانفي 1926م-------------

عمي صالح
2009-06-08, 02:47
http://www.djelfa.info/vb/images/icons/flower2.gifبسم الله .الرحمن .الرحيم http://www.djelfa.info/vb/images/icons/flower2.gif
الحمدلله. رب.العالمين والصلاة والسلام على أشرف. الأنبياء والمرسلين وبعد:
http://www.djelfa.info/vb/images/icons/flower2.gifالسلام.عليكم ورحمة. الله وبركاته http://www.djelfa.info/vb/images/icons/flower2.gif
جزأك الله خيرا. http://www.djelfa.info/vb/images/icons/flower2.gifعلى الموضوع القيمhttp://www.djelfa.info/vb/images/icons/flower2.gif . و بارك الله فيك
http://www.djelfa.info/vb/images/icons/flower2.gifو السلام.عليكم ورحمة. الله وبركاتهhttp://www.djelfa.info/vb/images/icons/flower2.gif

ابو مريم الجزائري
2009-06-09, 09:35
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

[ بارك الله فيك عمي صالح وجزاك الله خيرا ]

ترتكز الدعوة الإصلاحية التي باشرتها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين على الدعوة إلى التوحيد الخالص لله العلي القدير والتحذير من الشرك ومظاهره، والعودة إلى الكتاب والسنة والاقتداء بالسلف الصالح، وكانت هذه الدعوة عن طريق بث وإلقاء الدروس والخطب والمحاضرات، وكذا كتابة المقالات في صحف الجمعية التي تهدم بها معاقل الطرقية والدجاجلة، وكان على رأس هؤلاء العلماء الائمة ابن باديس ومبارك الميلي والطيب العقبي وغيرهم...، هذا الأخير الذي اشتهر بتلك المقالات المؤثرة التي كان ينشرها دوريا في مجلة الشهاب منذ ظهورها بعنوان:"يقولون وأقول "، وهذا نموذج منها:
" يقولون وأقول!!..
يقولون إني عدو لأولياء الله الصالحين، وذلك لما بينته من عقيدتي في قصيدتي (إلى الدين الخالص)
وأقول لهم: ذلك الدين الخالص هو الذي قررته عقائد التوحيد وثبت في نصوص كتب الديانة الإسلامية وهو الذي أجمع عليه العلماء وأئمة الدين قديما وحديثا، ومن لم يرضه ذلك منكم فيليأتنا بحديث صحيح غيره إذ كان من الصادقين...
وأما أولياء الله والصالحون فإني أحبهم أكثر من كل أحد منكم وأسال الله أن يحشرني في زمرتهم ويميتني على محبتهم، وحسبي دليلا على ذلك أني أسلم عليهم جميعا مع نفسي في كل تشهد من صلاتي الفرض والنفل أكثر من خمس عشرة مرة في اليوم والليلة، فهل يكفيني مثل ذلك برهانا على محبتهم أم لا بد من أن أقدسهم بغير ما أذن الله فيه، وأعبدهم من دون الله، حتى أكون محبا لهم ومؤمنا بهم في نظر هؤلاء الملاحدة المجرمين؟؟..
يقولون وقد عجزوا عن معارضتي ببرهان وحجة (( إن ما أقوله كله حق وصحيح، ولكني غير مصيب في إعلان ذلك للعموم)) وتحدثي به مع كل أحد وإنكاري لبدعهم بشدة وتغليظ على المعارضين...
وأقول : إن الطريقة المتبعة في ديننا غير الطريقة المتبعة في الجمعيات السرية، ودين الإسلام يفتى به للخاص والعام، والناس كلهم منه على حد سواء، وأما ما أتوخاه في طريق الدعوة والإرشاد فإني أعمل فيه بقول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: " وقول لهم في أنفسهم قولا بليغا" ، وأما شدتي على المعارضين وإغلاظي عليهم فهو من باب قوله عز وجل: { يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم } فهل أنا المحق أم هم المحقون؟
يقولون إني جئتهم بما لم يأتهم به آباؤهم وعلماؤهم الأقدمون.. وأنا أقول لهم: راجعوا القرآن [ الكريم ] وكتب الدين، وأقرءوا العلم لعلكم تعقلون!
يقولون عني لو تصدى للتدريس وتعليم العلم بالطرق المألوفة عندهم وأعرض عن الكتابة في الجرائد لكان كالعلماء الذين تقدموا ولسميناه
عالما حقيقة.
وأقول لهم إني فعلت ذلك بادئ بدء فما أقبل علي منكم إلا أقل من القليل، وكتابتي لا تخرج عن حد نشر العلم والتدريس لأنها أيضا من هذا القبيل، وأما ما أردتموه من حملي على سلوك طرائقكم القديمة وتمسكي بعوائدكم وسيرة من مضى من مشايخكم، فلي في من هم أقدم منهم من رجال السلف الصالح أسوة حسنة، والرجوع إليهم خير من الرجوع إلى آبائكم الأقدمين...
ومتى أرضتم عن الصفق في الأسواق والجلوس في الحانات والقهاوي للهو ولعب القمار وغيره، وحرمتم الدخول إلى ( البراديل) [كلمة فرنسية يقصد بها بيت الدعارة حاشاكم ] وأقبلتم على المساجد تعمرونها بالصلاة وطلب العلم بها، ولم تجدوا عالما غيري يذكركم بالله ويعلمكم أمر دينكم واحتجتم في ذلك إلي - فإني لكم بالإقراء والتدريس ونشر ما علمنيه ربي بينكم- ضامن وكفيل، وأعدكم وعدا صادقا بأنه سيكون ذلك مني لكم مجانا وبدون ثمن لأني غني عنكم ولا أسألكم على دين الله أجرا، ولا أريد منكم جزاء ولا شكورا، فهل أنتم بنصيحتي لكم منتصحون، ولما أقوله لكم فاعلون؟؟.
يقولون لي دع الكلام على أولياء الله والجوامع وزرهم وتبرك بهم معنا ونحن نتبعك في كل ما تقول، ويعنون بالأولياء كل قبر يقدسونه ويعبدونه من دون الله أو مع الله، ويعنون بالجوامع ما يبنونه من تلك الأنصاب ولو على غير جثة مدفونة أو قبر يزار، وكذلك ما يبخرونه ويطوفون به ويوقدون عليه السرج من الأحجار والأشجار..
وأنا أقول لهم قال من قبلكم من مشركي العرب الكفار لمحمد صلى الله عليه وسلم: (( يا محمد هلم فاتبع ديننا ونتبع دينك، تعبد آلهتنا سنة، ونعبد إلهك سنة، فقال معاذ الله أن أشرك به غيره، قالوا فاستلم بعض ألهتنا نصدقك ونعبد إلهك، فنزلت عليه سورة :{ قل يا أيها الكافرون}.
فغدا إلى المسجد الحرام وفيه الملأ من قريش فقرأها عليهم فأيسوا منه عند ذلك وآذوه وأصحابه...)).
ويقولون لي أيضا عندما تنزل بي حادثة تروعني أو أمر يفزعني لو التجأت إلى قبر سيدي فلان، وسيدي فلان، وسلمت الأمر لرجال البلاد لفزت بقضاء حاجتك ورجعت ظافرا بنيل مقاصدك وكشف الضر عن جانبك وأقول لهم :
الله ربي واحـدا لا أرتجـى ... إلا هو عونا عند كل ملمة
وإليه أضرع في الشدائد كلها...لا للقبور ولا لصاحب عمة

العدد 11: الخميس 7 رجب الفرد 1344هـ/ 21 جانفي 1926م، ص 09.
و العدد 12: الخميس 14 رجب الفرد 1344هـ/28 جانفي 1926م، ص 08.

ابو مريم الجزائري
2009-06-09, 14:51
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كانت جمعية العلماء المسلمين تخوض معاركها الإصلاحية ضد الإستدمار الفرنسي وأذنابه، وضد دعاة الطرقية والدجالين والمشعوذين في أرجاء القطر الجزائري، وهذا لم يمنعها من الاهتمام والمشاركة بما يجري في العالم الإسلامي، وخاضت لذلك معارك ضد تيارات التغريب والمسخ في بلدان المشرق والمغرب، تجلى ذلك في الردود المتنوعة و تنبيه الناس وقراء صحفها ومجلاتها إلى مخاطر عملاء الاستعمار ودعاة الغزو الثقافي المباشر، الذي تزعمه خريجي مدارس التبشير أمثال سلامة موسى وهدى شعراوي، وأصحاب مجلة (المقتطف) وجريدة (المقطم): (يعقوب صروف، وأمين شميل، وشبلي شميل، وشاهين مكاريوس)، وأضرابهم ممن وهبوا أنفسهم للمحتل وثقافته، ومارسوا التبشير بثقافته وحضارته والتشكيك بهوية الأمة وحضارتها وقيمها وحتى كتابها، وهذا نموذج من رد الإمام ابن باديس على مقال نشر بمجلة (المقتطف) لصاحبها الدكتور يعقوب صرُّوف ( 1852-1927م ):
ما هكذا عهدنا أدب صروف
وقفت في جزء فيفري الماضي من مجلة "المقتطف" الكبرى على مقال من قلم تحريرها تحت عنوان " مفاخر الكلدانيين " جاء فيه قول كاتبه: " ...لقد جاء في بعض الخرافات العربية القديمة أن عاصفة من الرمل طمرت مدينة عاد فأصبحت بعد العاصفة ولا عين لها ولا أثر".
لا نشك أن كاتب المقال ليس مسلما كما لا نرتاب أنه لا يجهل أن قصة عاد من قصص القرآن [ الكريم ] فتعبيره عنها بالخرافة من سوء الأدب الذي ما عهدنا في الدكتور صروف الذي كان في علمه وفلسفته وشدة تحقيقه ديِّنًا صحيح التدين محترما لكتب الأديان الأخرى غير المسيحية، هذا من الوجهة الأدبية، وأما من الوجهة العلمية فإن الحكم على قصة مشهورة متواترة عند أمة بأنها خرافة بدون بحث ولا تدليل ليس من شان العلماء المحصلين.
ثم – بعد هذا- نقول في تحقيق هذه القصة القرآنية : إن القرآن العظيم كما يسلك في أدلته العقلية أقرب طريق وأوضحه كذلك يسلك في تذكيره أصدق المواعظ وأبلغها، وأنه كان يخوف العرب أن يحل بهم ما حل بالأمم قبلهم، ولقد خلت أمم قبلهم كثيرة جاءتهم رسلهم بالبّينات فكذبوا فأخذهم الله بالعذاب الشديد ، ولكن القرآن [ الكريم] كان يذكرهم ويخوفهم بمن هم قرب الأمم إليهم ممن كانوا في أرضهم العربية قد تواترت لديهم أخبارهم، ومثلت أمامهم آثارهم من قوم عاد سكان الأحقاف وقوم ثمود سكان الحجر.
وقد كان للتذكير بأحوال تلك الأمم التي هي في أرضهم ومن جنسهم ابلغ الأثر في نفوسهم كما كان من حديث عتبة بن ربيعة الذي رواه أصحاب السير: تلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم حم فصلت إلى قوله تعالى { صاعقة مثل صاعقة عاد و ثمود } [ سورة فصلت: 13 ]: فامسك عتبة بيده على فم النبي صلى الله عليه وسلم وناشده الرحم أن يكف، وما كان محمد الرجل العظيم والمصلح الحكيم والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ليجعل تذكيره الذي يريد التأثير به على سامعيه مما لا حقيقة له، ولو انه خاطبهم بما لا يعرفونه من أخبار تلك الأمم وتيقنوه لأسرعوا إلى تكذيبه فيما يقول، فسكوتهم – وهم أسرع الناس إلى مجادلته بالباطل- دليل قاطع على أن القصة كانت عندهم مما هو معلوم بالقطع من تواتر الخبر، ومشاهدة الأثر.
مجلة الشهاب: غرة ذي القعدة 1348هـ
الجزء الثالث المجلد السادس (6/177).

ابو مريم الجزائري
2009-06-10, 14:44
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وممن تجرد العلماء للكتابة عنهم وكشف دسائسهم ومكرهم الشعوبي الكبير وتلميذ المستشرقين الحاقدين طه حسين وقد كتبت " المنتقد" و" الشهاب" فصولا طويلة في نقد كتبه وخاصة كتاب " في الشعر الجاهلي " وهذا نموذج من كتابات عبد الحميد بن باديس
دسائس طه حسين على السيرة النبوية الشريفة" ألف طه حسين آخر ما ألف كتابا أسماه " على هامش السيرة " يعني السيرة النبوية الطاهرة فملأه من الأساطير اليونانية الوثنية وكتب ما كتب في السيرة الكريمة على منوالها، فاظهرها بمظهر الخرافات الباطلة والاساطير الخيالية حتى ليخيل للقارئ ان سيرة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ما هي إلا اسطورة من الاساطير، وفي هذا من الدس والبهت ما فيه، ومن العجب ان قام احد الكتاب بمجلة "الرسالة" يطري في هذا الكتاب ويجعله الدليل القاطع على ان طه حسين ما يزال ازهريا رغم كل شيئ !؟ فيقوم طه حسين في العدد التالي من الرسالة فيصدق ذلك الكاتب فيما ادعاه له من رسوخ أزهريته وديانته حتى ليظن القارئ للمقالين أنهما ولدا في مجلس واحد ، فالدكتور طه حسين الذي كان يقول عن الاسلام ما شاء ولا يبالي بالمسلمين ، اصبح اليوم بعدما - اخرج من الجامعة – يحسب للمسلمين حسابا فلا يكتب شيئا الا وهو يقول ويكرر أنه مسلم وأنه يعظم الاسلام، ولكن ما انطوى عليه صدره يأبى عليه الا الظهور كما بدا جليا في كتابه الاخير...
ذي القعدة 1352هـ ص 120 ( 10/130).

وقد كتب أحد علماء مستغانم الشيخ مصطفى بن حلوش مقالا يتساءل فيه عن حقيقة دسائس طه حسين بعنوان:
"أسئلة حول مقال دسائس طه حسين " ذ
كر فيه بأنه بعد أن أطلع على ما كتبته الشهاب قرر أن يتحقق من هذا الأمر ومما قاله : "... رجعت الى الكتاب نفسه لأعلم ما الذي ذكر هذا طه، وكيف كتب عن اساطير اليونان وكيف كتب عن السيرة النبوية، وهل حقا انه دس عليها وبهتها؟
قرأت الفصول الثلاثة الاولى وهي حفر زمزم، والتحكيم، الغذاء فاذا طه لم يتجاوز ا نحكى لنا ما ورد في سيرة ابن هشام وغبره من كتب السير والتاريخ الا انه في بيان اروع واسلوب ابدع!
ثم قرأت الفصلين بعدهما فاذا هو أيضا لا يتجاوز ما كتب غيره ...
وتجاوزت الخمسة فصول كلها الى فصلي القضاء والردة، فاذا هو لا يتجاوز ايضا ما ذكره المؤرخون من خروج تبع غازيا وبلوغه المشرق والمغرب ...
أنا لا ادافع عن طه حسين ولكني اريد ان افهمه ، ولا ارد على خصومه ولكني اريد ان اقف على ما ينتقدون عليه من هذا الاعتداء على العرب والمسلمين
مستغانم 17 ذي القعدة 1352هـ مصطفى بن حلوش.
- وكان رد الإمام عبد الحميد كالتالي:
" اذا اراد الكاتب الفاضل أن يعرف كيف كان راي الدكتور طه حسين في العرب والاسلام ، وكيف صار؟ فما عليه الا ان يقرأ كتابه " في الشعر الجاهلي" وما كتبه عليه الاستاذان محمد بك أحمد المغراوي، ومحمد جمعة لطفي المحامي، الاول في كتابه " النقد التحليلي" والثاني في كتابه " الشهاب الراصد" ثم يقرأ كتابه هذا في السيرة، ولا يمكن ان يُعرف الرجل بغير هذه السبيل، واما انه يدس في كلامه ما يجب الاحتراز منه، فإننا لا نتولى إثباته إلا بما قاله دكتور أخر من اصدقائه واعرف الناس به وبمناحي كلامه، هو الدكتور زكي مبارك ، قال في كتابه على كتاب طه حسين "على هامش السيرة " عدد " البلاغ" الصادر في 10 شوال الماضي: "...وأنا اوصي قرائي بأن يقرأوا هذا الكتاب بروية ، فإن فيه نواحي مستورة من حرية العقل عرف الدكتور كيف يكتمها عن الناس بعد أن راضته الأيام على (( إيثار الرمز في التأليف))".

الشهاب: محرم 1353 هـ/افريل 1934م ص 209 ( 10/230)

ابو مريم الجزائري
2009-06-14, 11:41
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بعد أن فتح الإمام الشيخ عبد الحميد بن باديس مجلاته وصحفه أمام العلماء والكتاب والأدباء ليبرزوا الإسلام الصحيح لقرائهم، وينشروا فيهم الوعي والثقافة النابعة من أصالتهم الإسلامية، بأسلوب صريح مدعم بالحجج التي لا تقبل النقض، مبينين لهم ضلالات وخرافات الطرقية الضالة، وقد تزعم الشيخ العقبي وبعض الكتاب هذه الحملات التي كان وقعها شديدا على مشايخ الطرق ومريديهم وأذنابهم، مما دعاهم إلى أن يفزعوا إلى الشيخ ابن باديس وإلى والده وأخيه محمد المصطفى ابن باديس ليطلبا منهما توقيف هذا السيل الجارف من المقالات التي لم تميز بين جميع شيوخ الطرقية، ودعمهم في مطالبهم الشيخ أبو يعلى الزواوي، وكذا الشيخ المولود الحافظي الأزهري، كما كتب عبد الحفيظ بن الهاشمي مدير جريدة " النجاح " مقالات يحث فيها ابن باديس على توقيف تلك الحملات، فاستجابت لهم إدارة الشهاب، وكتبت مقالا تحت عنوان: " في سبيل الوفاق والتفاهم" تؤيد هذا المسعى وتطلب من كتابها التوقف مؤقتا عن هذه المقالات، لكن هذه الدعوة لقيت معارضة شديدة من طرف العلماء والمصلحين، وكان على رأس المعارضين الشيخ الطيب العقبي، ومحمد العزوزي حوحو والسعيد الزاهري، وغيرهم
فما كان من الامام عبد الحميد بن باديس الا الاستجابة لمطالبهم، والسماح لهم بالكتابة عن الطرقية الكاذبة، ومهاجمة الدجالين ودعاة التصوف المزيفين، وعادت الاقلم للكتابة ومنها هذه المقالة بعنوان: " ها نحن نعود والعود أحمد "
" ما هذا السكوت؟ وما هذا الخمول ؟ هل استحالت تلك الشعلة إلى رماد؟ وكيف ارتضت تلك النفس الثائرة المتمردة عيش الجماد؟
هذا ما كتب لي به أخ من إخواني الذين بيني وبينهم الفيافي الشاسعة ولا يسعني الآن إلا أن اكتب ولا يسع "الشهاب" لسان الشباب إلا أن تنشر ما أكتب.
يا أخي!
لقد ظننت أن أخاك سكت وأن ناره استحالت رمادا، وأن ذلك الذي تعرفه أصبح جمادا...؟ ظننت شرا قبل أن تسأل على الخبر ! وفاتك أن بعض الظن إثم.
لا يا أخي!
أنا ناطق وإن بدا لك أني ساكت، ومشتعل وإن رأيتني في صورة خامد! وكونك لن تعلم ليس الذنب فيه ذنبي، بل ذنب قوة لا قبل لي بمقاومتها.
تسألني عن هذه القوة؟ ذلك ما ستجده في غضون مقالي هذا إن سمحت تلك القوة نفسها ولا أخالها إلا من الفاعلين!.
دخلت – كما تعلم – في غمار الكتاب وخمارهم ورميت معهم بسهم ولست أدري ماذا كان حظ رمايتي من الإصابة، إلا أني قضيت أمرا واجبا وأرحت ضميرا مضطربا، فكنت اكتب بحرية لا تشوبها شائبة جبن وملق، وصراحة انتقاد لا ترتد أمام من دان الناس بتعظيمه واجمعوا على إجلاله إن ظهر لي أن أمره خلاف ذلك...بغيتي الحقيقة أقررها وصورة أفكاري أبرزها غير حاسب لرضى السواد وسخطهم أي حساب، وكان أول ما استلفت نظري مشهدان وقفت عندهما آسفا حزينا ولما أتزحزح عنهما قيد شبر
أولهما مشهد الدين
رأيته منقوص الأساس، ضئيل النبراس، مختنق الأنفاس، بعد أن استنار بنوره ...
ولا تسل عما لقيت من في سبيل الإصلاح والإرشاد فقد سلقت بألسنة حداد ووصمت بوصمة الكفر والإلحاد! الخ مما كان لي مدعاة ثبات وحديا يحدوني إلى الأمام ... ! ولطالما رأيت من وراء وجوه اسودت من الغيض وعيون تعرف عن كره وبغض ما عليهما من مزيد ابتسامة ملكية توحي إلى : أن سر في سبيلك ولا تبتئس فانك غريب وطوبى للغرباء، وانك مهتد والمهتدون قليلون، وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين!
وبينما نحن مغتبطون بعملنا، ثملون بخمرة انتصارنا وقول الناس من ورائنا جري المذكيات غلاب، إذ بالشهاب – عفا الله عنه- يقف في وجوهنا، مشفقا على المبطلين من أقلامنا وليته وقف عند هذا الحد ولكنه ...ولكنه...ولكن دع ما فات فقد مات...
إذ ذاك وضعت – مع من كان على شاكلتي- القلم وأخلينا الميدان لفرسانه، والمثل المضروب (( إن يبغ عليك قومك لا يبغ عليك القمر)) سلوتنا:
ألبس لكل حالة لبوسها ...إما نعيمها وإما بوسها
فهل عذرت إذ وقفت على الحقيقة يا صديقي؟
والآن وقد عاد الشهاب إلى الإصلاح فها نحن نعود والعود أحمد!؟.


محمد العزوزي حوحو
الشهاب العدد 77
الخميس 25 جمادي الثانية 1345هـ/ 30 ديسمبر 1926 م ص 12.

الكرزازي
2009-06-14, 13:24
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..... أيها الكاتب لهذه السطور وما حشوته فيها من المغالطات والمخالفات هداك الله ...... ألم يُعلمك مشائخك حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( أذكروا محاسن موتاكم ) رواه الإمام الترميذي وهو حسن لشواهده ، أولم يطرق مسامعك حديث الصادق المصدوق : ( كفوا عن أهل لا إله إلا الله ) رواه الإمام الطبراني ...... فكيف بي أراك أسرفت في الرد على السادة الصوفية عليهم رضوان الله ووصفتهم بالشعوذة والسحر ...... وما إلى ذلك من توهماتك ، فلو كنت قصدت الجاهلين منهم لكنا معك في ذلك بل لا يخلو أي جاهل من أي طائفة من التخريف والتخبط ، أما وقد تعديت إلى ذكر الأئمة منهم كالإمام العلاوي والسادة العلاوين فهذا مما لا يوافقك ولا يقرك عليه منصف ...... و لقد استشهدت في هجومك على الإمام العلاوي رضي الله عنه بقول محمد الشريف هذا وهو مغمور لا يُعرف ..... فهل لك أن ترجع إلى شهادة علماء الأمة للإمام العلاوي بالفضل والتبحر في العلم واتباع السنة تجد فيها ما يروي الغليل وشهادتهم مسطورة في كتاب( شهايد وفتاوي )وكتاب (القول المعتمد للإمام العلاوي)وكتاب ( مطالع اليقين في مدح الإمام المبين )، وإلى المنصفين بعض الأسماء على سبيل الإختصار فمنهم : العلامة الهاشمي بن بكار المعسكري مفتيها والعلامة المؤرخ عبد الرحمان بن زيدان العلوي المكناسي والعلامة الفقيه النوازلي العباس بن أبي بكر بن العربي بناني والعلامة المشارك محمد بن عبد الكبير الفاسي والعلامة الحافظ المحدث محمد الحافظ التيجاني المصري والعلامة سيدي محمد المدني التونسي والعلامة الكبير محمد بن هاشم الخطيب الدمشقي والعلامة الداعية عبد الله الحكيمي اليمني والعلامة الفقيه محمد بن علي التادلي والعلامة الحسن البوزيدي الأزهري والشيخ الفقيه العلامة محمد بن محمد بن الموقت المراكشي .......، ومن تلاميذ الإمام العلاوي : العالم المشارك سيدي الحاج عدة بن تونس والعلامة الفقيه سيدي محمد المدني التونسي والعلامة الداعية سيدي حسن الطرابلسي والعلامة الفقيه الداعية سيدي علي البودليمي _ وهذا الشيخ كان ممن يدعون الإصلاح ثم تركهم وأخذ عن الإمام العلاوي وهو أشهر من أن يترجم له _ والسيد مصطفى حافظ والشيخ العلامة سيدي محمد الهاشمي التلمساني نزيل دمشق والشيخ عبد الرحمان بو عزيز القبائلي .........ففضل الإمام العلاوي أسنى من أن يسيء إليه مثلك ومثل أسيادك ولله در القائل :
وإذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني كامل
وفي الأخير أريد أن أهمس في أذنك يا هذا وأقول لك إن سبب بغضك أنت وطائفتك للإمام العلاوي والسادة العلاويين عليهم رضوان الله كونهم وقفوا في وجوه أسيادك ممن يدعون الإصلاح في زمن الإستعمار وهم من هم ؟؟ ...... من كان يؤيد السفور والتجنيس و تأييد العلمانيين الذين أطاحوا بالخلافة الإسلامية في تركيا ومن كانوا يصفون المجاهدين الصوفية الذين قاوموا الإستعمار الفرنسي من أمثال الأمير عبد القادر والشيخ بوعمامة بأسوأ الأوصاف !!!!!! فمواقفهم تدل على حقيقتهم وقلب المؤمن دليله ودعك من المغالطات والهجمات اليائسة على رموز الأمة و التفت إلى ما يهمك وما تلقى به ربك خير لك من الإدعاء...... وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه ووراثه آميــن .

ابو مريم الجزائري
2009-06-15, 08:48
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اهتمت جمعية العلماء بحركة التأليف والنشر في الجزائر والعالمين العربي والإسلامي، فكانت تكتب وتُعرف الجزائريين بأعمال ومؤلفات الكتاب والأدباء، كما قامت بالمساهمة في إنشاء المطبعة الإسلامية بقسنطينة، وهذا إيمانا منها بأن عملية النشر تعكس مستوى التطور الثقافي والعلمي في المجتمعات والدول،كما أنها أحد المؤشرات المهمة للحكم على الوعي الحضاري فيها، وهذا نموذج عن تشجيع العلماء لحركة النشر والتأليف في المغرب العربي وتدعيمها بالحوافز المعنوية والمادية في هذا المجال:

" جائزة لتنشيط حركة التأليف العربي في شمال أفريقيا"
10000 فرنكا كل سنة
... إني أرى أن قطرنا المغربي لا يمكنه أن ينمو النمو الذي يوصله إلى المقام المحمود إلا إذا جعل نهضته هذه ترتكز على أسس أربعة: الإسلام الصحيح، والعربية الفصحى، والوطنية الصادقة، والعلوم العملية الحديثة.
وهل ينشر كل ذلك غير الكتب العربية القيمة التي يخرجها الناس أبناء الأمة الأبرار ومفكريها الأحرار؟ لذلك كانت حركة التأليف عندنا جديرة بالإعانة المادية والتأييد الفعلي، ...فعزمت على تأسيس جائزة ابتداء من سنة 1349 [ هـ ] التي تتخطى أعتابها المباركة، وستكون كل عام ألفا من الفرنكات، يمكن أن تزيد ولا يمكن أن تنقص، وينالها آخر كل سنة هجرية الكتاب الذي تتفق لجنة الجائزة على أنه أكثر الكتب فائدة لشعب شمال أفريقيا مما طبع خلال السنة، بشرط أن يكون مؤلفه من شمال أفريقيا، وان يكون مطبوعا بهذه الديار، أما اللجنة فتتركب من عشرة أعضاء، ثلاثة من تونس، وثلاثة من الجزائر، وثلاثة من المغرب الأقصى، وعندما تنتخب اللجنة الكتاب المجاز تعلن عن ذلك في سائر الصحف العربية في شمال أفريقيا، وترسل لصاحب الكتاب شعار الجائزة وقيمتها.
الجزائر في غرة المحرم الحرام 1349 هـ
الشهاب: الجزء الثالث المجلد السادس (6/342).

ابو مريم الجزائري
2009-06-16, 08:43
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يعتبر الشيخ محمد خير الدين رحمه الله من قادة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ومن رجال الإصلاح المرموقين، فقد كان من أعضاء المجلس الإداري منذ السنوات الأولى لتأسيسها، كما تولى منصب المراقب العام ثم نائب رئيس الجمعية، وقد تفضل بكتابة ونشر ذكرياته مع الجمعية وأعماله ومساهماته في ثورة التحرير ضد المستدمر الفرنسي الغاشم في كتاب من جزئين منفصلين تحت عنوان " مذكرات" نقتطف منه بعض المواقف:
"[b] حوار بيني وبين الأب شارل دو فوكو"
انتشرت في الصحراء أنباء الحركة الإصلاحية وزيارة الشيخ عبد الحميد بن باديس لبسكرة [ سنة 1931 م ] مما دعا رئيس المركز الثقافي للمبشرين المسيحيين بمدينة ورقلة إلى زيارتي والتحاور معي حول الدين والعقيدة الإسلامية، وهو نوع من أنواع الجدل الديني تصدت له النهضة الإصلاحية ورجالها لتصحيح مفاهيم الإصلاح وإقناع خصومه بالحجة والبرهان ، ورئيس هذا المركز لبناني الأصل، مسيحي متعصب متمكن من اللغة العربية مطلع على ما يردده أعداء الإسلام وأعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
زارني عدة مرات في مكتبي بمدرسة الإخاء ببسكرة ودارت بيننا مناقشات حول بعض آيات القرآن الكريم وما يعارضها حسب زعمه من تعاليم الإنجيل ، وتكررت اللقاءات وطال الجدل، فاقترحت عليه أن يقدم لي آراءه مكتوبة وأجيب عنها كذلك لان المشافهة تمضي والكلام المدون يبقى شاهد عدل بين المتناظرين، اقتنع بذلك وقدم لي كراسة تتضمن آرائه فأجبته بكراسة مماثلة تنقض آرائه.
ومع الأسف الشديد فقد ضاعت هذه الكراسة من بين ما ضاع من كتبي ومذكراتي عندما استولت السلطة الاستعمارية على مكتبي ببسكرة أيام حرب التحرير.
وكان آخر سؤال وجهته له كتابة وطلبت منه الإجابة كتابة أيضا:
أعرض عليك قائمة %

ابو مريم الجزائري
2009-06-21, 09:10
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نواصل سرد بعض المواقف التي ذكرها الشيخ خير الدين رحمه الله، كتب في مذكراته عن علاقات الاخوة والصداقة، والمحبة التي كانت تربط بين علماء الجمعية، ومنها:

- يروي لنا الأستاذ محمد بن الشيخ مبارك الميلي قصة تعكس مدى العلاقة الوثيقة بين أعضاء هذه الجمعية حيث يقول في كتابه " عروبة اين باديس
":
(( ...وذات ليلة بينما كان معنا والدنا الشيخ محمد الميلي، فتوقف فجأة عن الضحك وعلت وجهه سحابة من الكآبة والحزن لمحت خلالها دمعة جاهد في إخفائها فلم تظهر للآخرين، ثم أرسل زفرة حارة لم نأبه لها أن تعكر الجو، وقال أنا بين أهلي وأولادي والشيخ البشير الإبراهيمي هناك منفى في أعماق الصحراء بعيدا عن أهله وذوبه !! ولم نر منه بعد ذلك ابتسامة وأكمل السهرة معنا وكأنه غائب لا بسمع لقول ولا يهم بسؤال.
أليس هو شعور الصداقة الذي يسيطر مرة أخرى على هذه العلاقة التي تربطه بأقرانه في الجهاد)).
- ... ويتابع الأستاذ محمد بن مبارك الميلي حديثه فيقول:
((... ولو أردت أن استرسل في هذا الموضوع لما أعجزني الحديث، فانا اذكر جيدا فرحته العظمى حين رآني ذات يوم قد دخلت الدار حاملا برقية، كأنه أدرك ما فيها قبل أن اخبره فبادرني بالسؤال: ألبس قد أطلق سراح الشيخ العربي التبسي؟ ولما أجبته أن نعم، مدّ إلي يده بنقود كأني أنا السبب في ذلك، ولا يزال ذلك اليوم مصحوبا في ذهني بصورة لأكلة شهية صنعت لنا احتفالا بهذه المناسبة، وأرجو أن لا يفهم القارئ أن فرح الصبي الذي هو أنا بالأكلة كان أكثر من فرحته بالشيخ العربي التبسي.
كما اذكره حيرته ذات يوم وقد تملكه الغضب وصار يعاملنا بلون من القسوة ونوع من الشدة لم نعهده منه، حتى إذا لمحت علي جدتي شيئا من الدهشة لهذه الثورة المفاجئة، قالت لي في همس: لا تعجب فقد صدر الأمر بنفي الشيخ خير الدين."

مذكرات الشيخ محمد خير الدين - الجزء 1 / ص 102
مؤسسة الضحى الجزائر، الطبعة الثانية 2002.

ابو مريم الجزائري
2009-06-23, 09:21
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

زيارة وفد الجمعية الى مدينة بسكرة ومواقف الامام ابن باديس من حاكمها وأذنابه، مع العلم أن مدينة بسكرة في تلك الفترة الاستدمارية كانت تحت الحكم العسكري حيث عين لها حاكم برتبة رائد - كومندان - له كامل الصلاحيات ( لا تطبق فيها الا الاحكام العسكرية، ويطبق فيها منع التجول، ويمنع فيها اجتماع اكثر من ثلاثة أشخاص... وغيرها من الاحكام التعسفية)

((...قدم وفد العلماء على رأسهم الإمام الشيخ عبد الحميد بن باديس إلى الصحراء للقيام بجولة فيها عام 1931م، فقوبل بالحفاوة والترحيب الحار في كل مكان حل به، زار هذا الوفد بسكرة وأقام بها عدة أيام حفلت بالنشاط وإلقاء دروس الوعظ والإرشاد في المساجد، وتدفقت وفود الطلاب والأعيان كالسيل المنهمر للمشاركة في الترحيب والاستماع إلى الدروس وكان هذا التدفق يعبر عن روح جديدة وآمال عريضة تبشر بالخير وتطمئن النفوس على الحركة الإصلاحية في هذه الناحية وتعكس مقدار عمقها في نفوس الشعب الجزائري المسلم.
وأثناء هذه الزيارة قدم وفد من طلبة سيدي عقبة وأعيانها وأعربوا عن رغبتهم ورغبة مواطنيهم في هذه الناحية أن يزورهم الإمام عبد الحميد بن باديس، فلبى دعوتهم شاكرا فضلهم، وفي صبيحة اليوم الثاني سافر فريق العلماء والطلبة صحبة الإمام إلى بلدة سيدي عقبة فوجدوا السكان قد خرجوا عن بكرة أبيهم يترقبون قدوم الشيخ وصحبه، فنزل الشيخ ورفاقه وصافحوا المستقبلين ثم مشى ابن باديس وسارت الحشود خلفه رافعين أصواتهم بالتكبير والتهليل إلى أن وصل الموكب إلى باب المسجد الكبير حيث دفن الصحابي الجليل عقبة بن نافع، فوجدنا باب المسجد مغلقا بأمر من حاكم المنطقة.، ووجدنا الحاكم نفسه أمام الباب ومعه مترجميه وأعوانه من الفرنسيين والعرب.وبادر المترجم وقال لابن باديس أن الوالي العام للقطر الجزائري أمر بإغلاق باب الجامع ومنعك من الدخول، فجلس الشيخ على الارض، وكان يرتدي ثيابا من الصوف الأبيض والأرض مليئة بالغبار الذي تثيره الرياح وقال للحاكم خبر الوالي العالم بان ابن باديس جالس على الأرض في هذا المكان ولا يرجع حتى يدخل الجامع " وجلس إلى جوار ابن باديس بعض مرافقيه من العلماء.
اضطرب الحاكم وبدا القلق على وجهه ثم اتجه إلى إدارة البريد لتبليغ الوالي العام بهذا الأمر ويطلب رأيه بحل المشكل، وبعد قليل عاد الحاكم إلى مكانه أمام الباب وقال للشيخ " إن الوالي العام أذن لكم بالدخول للزيارة فقط ، ومنعك من إلقاء الخطبة، فأجابه الشيخ بصوت ينم عن عدم المبالاة وأشار بيده كأنه يأمره بالفتح قائلا: " افتح ...افتح"، ثم دخل الشيخ واندفع الشعب خلفه ووقف الشيخ أمام الضريح ولم يجلس كعادته أثناء إلقاء الدروس، وأخذ يتحدث قرابة الساعة كاملة ، وألقى درسه فتلا قوله تعالى " المص كتاب انزل إليك فلا يكن في ....للمؤمنين " الأعراف الآيتان 1و2)
وكان هذا الدرس من أعظم الدروس التي تعوَّد الشيخ ارتجالها كلما جد الجد.
...
وكان للشيخ الطيب العقبي بستان قريب من الجامع فأمرت الشباب بفتح البستان وإحضار البسط وبعض المقاعد وطاولة واعددنا المكان للاجتماع العام ، وانتظرت حتى انتهى الشيخ من الدرس وصحبته إلى البستان وتبعنا الناس وأغلقنا الباب في وجه المستعمرين كما حاولوا إغلاق باب الجامع في وجوهنا من قبل، وكانت واحدة بأخرى أشد وأنكل.
كان يوما عظيما تلت فيه آيات من القرآن [ الكريم] وألقيت فيه دروس وخطب، أعاد الى الأذهان جهاد البطل الفاتح والصحابي الجليل عقبة بن نافع وتحريره للشمال الإفريقي من الحكم الصليبي والاستعمار الروماني الذي دام قرابة ستة قرون.
ثم رجع الشيخ وصحبه الى قسنطينة فرحين مستبشرين بما لقوا من نصر وتأييد،، وما تركته هذه الرحلة من صدى في نفوسهم بان حركة الإصلاح تحققت وازدهرت أثارها البعيدة المدى في مستقبل الشعب وحياته، وعمت الفرحة قلوب المسلمين في سائر الصحراء.
أما أعداء الاسلام والمسلمين من الحكام العسكريين والمبشرين المسيحيين فقد اهتزوا فزعا من هذه الزيارة التي جسدت في عيونهم حياة الشخصية الجزائرية ووضعها في إطارها الأصيل الصحيح وهو انها عربية مسلمة ، تلك الشخصية التي حاول الاستعمار طمسها أو القضاء عليها منذ وطأت أقدامه أرض الجزائر.
مذكرات الشيخ محمد خير الدين - الجزء 1 / ص 82 -- 83.
مؤسسة الضحى الجزائر، الطبعة الثانية 2002.

ابو مريم الجزائري
2009-06-27, 09:22
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اشتهر الإمام عبد الحميد بن باديس بأنه كان طرازا وحده في الحركة الاصلاحية والتعليمية، من خلال وضعه لمناهج التربية والتعليم، حيث مزج بين النظريات القديمة والحديثة، دون أن ينسى أن يكون واقعيا في تطبيقاته للمناهج والبرامج الدراسية حسب متطلبات العصر، وظروف الجزائر التي كانت ترزخ تحت نير الاستدمار الفرنسي.
ويشهد لهذه العبقرية كل من كتب أو أطلع على تاريخ حركته الاصلاحية، وكذا شهادات وكتابات تلامذته الكثيرين، وتعجبني ونحن في مقام الحديث عن إبداعات هذا الامام الهمام، تلك المبادرات التي كان يتخذها لتشجيع طلبته وتلامذه وتعويدهم على المشاركة بكتاباتهم في جرائد وصحف جمعية العلماء المسلمين، وهذه نماذج منها مع تعليقات أو تعقيبات الامام.
كان الإمام ابن باديس يكتب في ركن " ثمار العقول والمطابع" بمجلة الشهاب يعرف من خلاله قرائها على الكتب والمجلات التي تصدر في مختلف بقاع العالم الاسلامي، أو التي يرسلها أصحابها هدية للمجلة، ونظرا لكثرة أشغاله، وتشجيعا منه لأحد تلامذه النجباء، فقد كلفه بتحرير هذا الركن بدلا عنه، فكتب ابن باديس في تقديم تلميذه ما يلي:
" "كثيرا ما قعدت بنا الدروس عن القيام بالواجبات الكتابية، ومنها تقريظ ما يهدي للشهاب من الكتب والصحف والمجلات، وقد وفقت بحمد الله للقيام بهذا الواجب بإسناده لابني وصديقي الكبير المفكر الحر الشيخ محمد بن العالم الخير الشيخ العابد الجلالي، وقد تفضل فقبل بهذا التكليف عن نشاط وأريحية ، وسيكون في كتاباته مثالا للحرية والأدب والإخلاص ، أعانه الله وأفاد منه".
وأجاب التلميذ الشيخ بما يلي:
" عهدت لي إدارة تحرير الشهاب فحص الكتب والمجلات التي ترد عليها من أصدقائها بطريق الإهداء أو المبادلة، والكتابة عنها بما يؤدي واجب الشكر لأصدقائها وبما يقوم بنقدها وإظهار الفائدة منها، وهو حق ثان لقرائها، ويجب أن يعلم القراء أن لمنشئ هذه المجلة علي حق الأستاذية ولمديرها حق الصداقة، فمن لي بقوة أقدر بها على حمل هذه الواجبات كلها؟ وثم حق خامس ربما يكون أشد خطورة من جميعها ، وهو حق الوجدان ومعنى خطورته أنه إذا ديس فقد ديس معه شرف الإخلاص ، وأعوذ بالله من عمل يثمر هذه النتيجة المرة، نتيجة إهمال الوجدان وطرح حلية الإخلاص، وأي شيء يبقى في الضمير بعد خلوه من الإخلاص إلا الغش والكذب، وهو ما لا يرضاه لنفسه عاقل.
الشهاب: السنة العاشرة، شوال 1353 هـ/ جانفي 1934م ص80
(10/86).

ابو مريم الجزائري
2009-07-06, 09:18
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لم تكن نشاطات الإمام عبد الحميد بن باديس ( وغيره من رجال جمعية العلماء) التعليمية والتربوية مقتصرة على المساجد والمدارس في مدينة قسنطينة فقط، فقد امتد نشاطه إلى المدن الجزائرية الأخرى فكانت له زيارات ورحلات إلى معظم أنحاء القطر الجزائري رغم المضايقات والحواجز التي كان يضعها المستدمر الفرنسي وأذنابه في طريقه، ورغم بعد الشقة وطول المسافة، فقد تنقل في القطار وفي السيارة وفي أية وسيلة يجدها متوفرة في سبيل نشر الوعي وزرع الفهم الصحيح للإسلام على هدي السلف الصالح، وهذه نماذج من تسجيلات وكتابات بعضها بقلم الإمام، وبعضها بقلم تلامذته في وصف المدن والقرى التي زارها أو زاروها:

مدينة عين البيضاء [ ولاية أم البواقي حاليا]:

عاصمة الحراكتة ومركز تجارتهم، حللتها ضيفا على الأديب السيد العربي موسوي الصايغي الوكيل الشرعي بها وانزلني ببيت الضيوف من جامعها الذي كانت توسعته وتأثيثها من آثار هذا الرجل ومن آزره من أهل الخير والدين، كما ضفت عند فضيلة الشيخ القاضي سيدي عبود الونيسي أخ شيخي وأستاذي العلامة الفقيه سيدي حمدان الونيسي دفين طيبة الطيبة عليه الرحمة والرضوان، وعند الشاب السري السيد عبد الرحمن بن الشيخ الكامل بن عزوز رحمه الله.
في هذه البلدة جماعة من أهل العلم والأدب منهم الشيخ السعيد الزموشي المدرس تطوعا بجامعها، ومنهم الشيخ حسن بولحبال ومنهم الشيخ الطاهر بن الامين ومنهم السيد العربي المذكور ومنهم الشيخ عبود الونيسي قاضيها والشيخ زواوي بن معطي إمام الجامع وغيرهم ، وبها نشء علمي متهيئ لطلبه.
اقترح الأستاذ السعيد الزموشي علي إلقاء درس في قوله تعالى: { لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَآءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَآءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ} فألقيت درسا بالجامع في الآية المذكورة فبينت دعوة الله عباده إليه ودعوة الخلق إلى خالقهم، ودعوتهم خالقهم وان الدعاء عبادة، وأن العبادة لا تكون إلا لله، فالدعاء لا يكون إلا لله فدعاء غير الله ضلال ودعاء غيره معه شرك، وسأل الشيخ المدني الخنقي عن التوسل وهو قول الداعي: " اللهم إني أتوسل إليك بفلان" فاجبنا بجواز ذلك في حق النبي صلى الله عليه وآله وسلم لحديث الأعمى، وأما غيره فلا نقيسه عليه، وبينت أن المراد من دعاء الكافرين عبادتهم ودعاؤهم لطواغيتهم، وأما دعاء الكافر إذا كان مظلوما فإنها مستجابة كدعوة كل مظلوم، لأن الله تعالى حرم الظلم من كل أحد، على أي أحد.

مسكيانة [ ولاية أم البواقي حاليا
]أخذني من البيضاء الى مسكيانة الشاب المهذب الماجد السيد السعيد بن زكري خوجة حاكمها ونزلت في بيت جامعها، ولقيت مزيد عناية من إمامه الشيخ مامي الشريف وأضافنا قائدها السيد إبراهيم آل بن بوزيد بيت الحراكتة من قديم، والسيد أحمد بن فجني معين الطبيب، وبالغ أهلها في الاحتفاء والاعتناء وكانت لنا مجالس في عدد من محلاتهم التجارية لم تخل من تعليم وتذكير، وألقيت بجامعها بعد العشاء الليلة الأولى درسا في قوله تعالى " َيا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)} فذكرت حاجة الأعمال العظيمة إلى الجد والنهوض والصبر والثبات وان أعظم محصل للصبر هو إخلاص العمل لله، وما يجب لله من تكبير، وما يجب للخلق من نفع، وما يجب للنفس من تطهير حسي ومعنوي وما في الآية من بديع الترتيب، وألقيت في الليلة الثانية درسا في قوله تعالى: { هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ} وذكرت شرف هذا الاسم وهذه التسمية، وما تقتضيه من صفات السلم والسلامة والإسلام، أي الانقياد بالأعمال الشرعية لله والإخلاص فيها له.

بقلم عبد الحميد بن باديس.
مجلة الشهاب: الجزء التاسع، المجلد الخامس، جمادى الأولى 1348هـ/ أكتوبر 1929م. ( 5/469 - 470).
-----------------

مليانة [ ولاية عين الدفلى حاليا]

" ممن عرفنا بها المفتي الشيخ وكال محمد، عالم قرأ سنوات بالأزهر وأعجبني منه أنني وجدته يطالع شرح تجريد أحاديث البخاري فشكرت له عنايته بالسنة، وقلت له إننا نعرف عقلية الرجل من معرفتنا بالكتب التي يطالعها فمن لا نرى له عناية بكتب السنة فإننا لا نثق بعلمه في الدين.
واجتمعنا بالعالم المفكر المثقف الثقافة الصحيحة الشيخ السبيع الباش عدل ، وبالعالم الزكي الخبير الشيخ أحمد آل الحاج حمو القاضي وبغيرهما من الفضلاء، وأضافنا الشيخ السبيع والسيد عبد القادر بن عبد الوهاب وكانت مجالس التذكير في بيت الشيخ المفتى أولا، ثم كان قبيل المغرب بالمسجد ، وقد ظهر لي أن عامة مليانة قليلة الرغبة في العلم فيها فتور وخمود قيض الله لهم من يوقضهم.خميس مليانة:
" ممن عرفنا بها السيد عليش من طلبة العلم النشيطين وهو داعية من دعاة النهوض للعلم في تلك النواحي بعقل صحيح وعقيدة سليمة، والشيخ الفقيه ابن علي الإمام بالمسجد، وأممنا المسجد فكان المجلس غالبا معمورا بالسامعين ، وكان الشيخ ابن علي متصديا لإلقاء الأسئلة العديدة المتنوعة بأسلوب هو غاية في الأدب واللطف وعقدنا مجلسا عاما للتذكير حضره جم غفير من الناس فأزال عنا ما شاهدناه في الخميس من النشاط والرغبة والإقبال ما حملناه من الهم من فتور عامة مليانة وخمودهم.
وأضافنا بالخميس السيد عليش والسيد بن علي والسيد عمر بن خلادي والسيد بوكراع الحاج محمد النائب البلدي.

الاصنام [ الشلف ]:
" ممن عرفنا من فضلائها مفتيها العالم الماجد الشيخ الوانوغي بن الشيخ بومزراق الزعيم المقراني المشهور، والشيخ يمثل شهامة أسرته وكرمهم وهمتهم إلى معارف أكسبته إياها الأسفار والتجارب، وهو القائم بالخطبة والتدريس في جامعها، والعلامة الألمعي طالب شعيب القاضي بها( والقاضي الآن بالعاصمة) فما شئت من علم وأخلاق وفصاحة واطلاع على شؤون الوقت وعدالة ونزاهة، وعقدنا مجلس التذكير بساحة الجامع مساء بحضرة الشيخ المفتى والعلامة الشيخ ابن عشيط، واغتنم الشيخ المفتى فرصة الاجتماع فذكر للشيخ ابن عشيط مسائل شاذة جدا كان يقول فيها وناقشه فيها فأبى الشيخ ابن عشي إلا التمسك بها، فقلت له إنني أعظمك واحبك ولتلك المحبة ارغب منك أن تسكت عن هذه المسائل فلا تذكرها ولا تتحمل مسؤوليتها ، فرأيت من حضرته انعطافا لقولي وقبولا له.
وبلدة الأصنام بلدة تجارية وفي أهلها ذكاء وفهم وقبول للتعليم.
وأضافنا فيها قاضيها ومفتيها المعظمان.بقلم عبد الحميد بن باديس.
مجلة الشهاب: عدد رجب 1350 هـ/ نوفمبر 1931م
الجزء: 11 المجلد: 7 ، ص 664 - 665.(7/726).

ابو مريم الجزائري
2009-07-17, 18:15
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نواصل مع الامام عبد الحميد وصف رحلاته وزياراته
غيليزان:
"أول من اجتمعنا به من فضلائها الأخ الشيخ مولاي محمد احد أهل العلم وشيخ الزاوية بها، وهذا من شيوخ الزوايا الذين لهم رغبة في نشر العلم وهداية الناس وسعة صدر في سماع الحق وأدلته وذهب بنا إلى دكان التاجر النشيط المهذب السيد ابن منصور مصطفى التلمساني ثم اجتمعنا بقاضي البلد العالم الماجد الهمام الشيخ بوخلوة آل بوعبد الله رجل شهامة وعمل وكرم، واجتمعنا بالسيد المنور كلال رجل يتقد ذكاء ويفيض معرفة ويفوح ادبا ولطفا، وكنت مشتاقا للاجتماع بسيدي الحاج العربي التواتي وبلغني انه كان بغيليزان ثم بلغني انه سمع بنا ورآنا ولم يشأ أن يجتمع بنا، فعجبنا لذلك وأسفنا، ثم زال عجبنا لما بلغنا أن في قلبه شيئا على جمعية العلماء - وقاها الله شر كل ذي شر - وقلنا ليته تنازل فاجتمع بنا فكنا لا نفترق - بإذن الله - إلا على محبة وخير ورجوع للحق، ولهذا الأخ الشيخ العربي كتاب عندنا يعاتبنا فيه على دعوتنا للتوحيد ويخلط فيه بين دعاء المخلوق وطلب المؤمن الدعاء من أخيه، ولعلنا نجد فرصة لنشر هذا الكتاب والتعليق عليه، ووجدنا بغيليزان السيد مهدي بن الشيخ بوعبد الله آل بوعبد الله في انتظارنا وهو شاب نجيب تلميذ بجامع الزيتونة فرافقنا إلى تمام الرحلة بوهران، ورأينا منه آدابا وأخلاقا شريفة ، وزارنا في النزل الأخ العالم الفاضل الشيخ محمد آل سيدي عدة فأكد علينا في القدوم الى تيارت، وقد كنت عازما على الذهاب إليها من قبل واستدعانا إلى النزول ضيوفا عندهم فشكرنا له كرمه ولطفه ووعدناه بالقدوم إليهم. وبلدة غليزان مثل بلدة الأصنام من ناحية التجارة بل أكثر ومثل مليانة من ناحية المعارف، وقد أضافنا فيها فضيلة الشيخ القاضي والشيخ مولاي محمد.
مستغانم:
قصدنا من المحطة الى مسجد الأخ الشيخ بلقاسم بن حلوش لما بيننا من سابق المعرفة بالمكاتبة وروابط المودة المتأكدة ولأن ابنه الشيخ مصطفى أحد مريدينا ومن أعزهم علينا فتلقيانا بالحفاوة والسرور الزائدين وانزلنا على الرحب والسعة ومن غده دعا للعشاء معنا أعيان البلد منهم فضيلة الشيخ المفتى سيدي عبد القادر بن قارة مصطفى وسماحة الشيخ احمد بن عليوة شيخ الطريقة المشهورة ، وكان هذا أول تعرف بحضرتهما فكان اجتماعا حافلا بعدد كثير من الناس ولما انتهينا من العشاء ألقيت موعظة في المحبة والأخوة ولزوم التعاون والتفاهم على أساسهما وان لا نجعل القليل مما نختلف فيه سببا في قطع الكثير مما نتفق عليه، وان الاختلاف بين العقلاء لا بد ان يكون ، ولكن الضار والممنوع المنع البات هو ان يؤدي بنا ذلك الاختلاف إلى الافتراق، وذكرنا الدواء الذي يخفف من الاختلاف ويعصم من الافتراق وهو تحكيم الصريح من كتاب الله والصحيح من سنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فاستحسن الشيوخ الحاضرين ذلك وحل من الجميع محل القبول، والحق يقال أن اغلب الناس ممن رأينا صاروا يشعرون بألم الافتراق وينفرون منه ويصغون الى دعوة الوفاق والتحاب.
...أهل مستغانم أهل ذكاء وحسن نية وإقبال على العلم والشيخ مصطفى بن حلوش قائم في مسجده بالتعليم والإرشاد للعامة بدروس ليلية وساع في تحصيل رخصة من الحكومة لتعليم الصغار، وقد اضافنا فيها الشيخ ابن حلوش ابو مثوانا والشيخ الحاج الأعرج والشيخ احمد بن عليوة والسيد الجيلاني التادلوتي عائلة دين وفضل وعمل، ولو اتسعت المدة لكنا تشرفنا بكثير غيرهم منهم صاحب الفضيلة الشيخ المفتي العالم المطلع المنصف الذي كاد ان لا يسامحنا بالسفر في اليوم الذي عيناه.
زاوية الشيخ ابن طيكوك:
لزاوية الشيخ ابن طكوك في مستغانم وكيل بلغه أنني ارغب في الذهاب إلى الزاوية للتعرف بأهلها وتعريفهم بالجمعية ومقاصدها فجاءنا بالسيارة إلى النزل فامتطيناها إلى الزاوية في بوقيرات فتلاقانا السيد الحاج مصطفى احد الإخوة الثلاثة أصحاب الزاوية وشيخ الزاوية السيد عبد القادر كان غائبا وأخوه الشيخ محمد كان متمرضا فأكرم نزولنا وبتنا ليلة وودعناهم في صبيحتها، وحدثناه عن الجمعية فاظهر ابتهاجه بها وقدم مائتي فرنك لإعانتها.

مجلة الشهاب عدد رجب 1350 هـ/ نوفمبر 1931م
ج11 م 7 ص 664 (7/726).

ابو مريم الجزائري
2009-07-26, 10:07
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
تتمة رحلات وزيارات الامام عبد الحميد بن باديس بقلمه

قرية آرزيو: نزلنا ضيوفنا على الاديب العالم الشيخ ابو عبد الله آل ابي عبد الله ، عالم فصيح اللسان صحيح الادراك مستقيم الفكرة مهيب الطلعة معترف له بالعلم والفضل، وصادف قدومنا يوم الجمعة فصلينا خلفه والقينا درسا اثرها وتوافد الناس علينا مساء من تلك النواحي فوسعهم كلهم كرم الشيخ ابي عبد الله وباتوا في ضيافته وقدم الينا فضيلته قصيدة بليغة في ذكر جمعية العلماء سنحلي بها بعض الأجزاء القادمة.

وهران:
لما وصلنا وجدنا في انتظارنا جما من اعيانها منهم فضيلة الشيخ الحبيب بوخالفة وفضيلة الشيخ الطيب المهاجي وغيرهما. وكانت حفلة الفطور في بيت آل المهاجي الكريم، وكانت حفلة العشاء عند الجمعية الخيرية الاسلامية بمحلها، وكانت حفلة حفلى دعيت اليها طبقات الناس وكنا يومنا الثاني في ضيافة الشيخ المفتى وكنا في كل حفلة من هذه الحفلات نلقي ما يسر الله من الوعظ والتذكير وخصوصا في حفلة الجمعية الخيرية وكان الذي افتتح الحفلة مرحبا بالضيوف بلسان الجمعية العالم الالمعي السلفي الشيخ الطيب المهاجي، وقد رايت من اهل هذه العاصمة الغربية لقطرنا الجزائري تعطشا للعلم واقبالا على سماعه ، ولقيت فيها نخبة الفضلاء ذوي المعارف المتعلمين بالفرنسية على جانب من الدين والقومية.
وما كان اليومان اللذان أقمناهما بتلك العاصمة الكبيرة ليكفيا في التعرف عليها وكمال الغرض من الاجتماع بفضلاء اهلها وقفلنا منها الى الجزائر العاصمة لنحضر اجتماع مجلس ادارة جمعية العلماء

مجلة الشهاب عدد شعبان 1359هـ/ ديسمبر 1931
ج 11 م 7 ص 773 (7/842)
--------------
البليدة:

بلدة الورد والماء البارد العذب وفي اهلها من هذين طيبة وعذوبة رأيتهما في طبقة طلبتها وخاصة فضيلة مفتيها وفي باقي طبقاتها، وقد اكرموا مثوانا واخسنوا الضيافة واظهروا من الاقبال على العلم والرغبة في سماعه ما لا مزيد عليه ولما القينا درسا بالجامع الاعظم في قوله تعالى: { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا ...} الآية باقتراح من بعض المريدين امتلأ الجامع حتى لم تبق فيه بقعة فارغة، ورغم ما عندهم من تفرق طرقي وتعصب عليه، وقديم عهد موروث فيه، وما يسمعونه من بعض دعاته ومؤيديه - فإنهم تلقوا درسنا بمزيد من القبول والتأثر بفضل الله - وفي اليوم الثاني حسبوا اني القي درسا آخر فبلغني ان جماعة ممن لم يكونوا ياتون المسجد تطهروا وجاءوا للمسجد لسماع الدروس وقدر الله تعالى انني كنت متمرضا يومها فلم اذهب للمسجد وما بلغني ما ذكرته من امر المتطهرين الا بعد فوات الوقت ولو شاء الله وبلغني قبله لكان سروري به يبعث في نشاطا لا يقاومه مرض ولكن كل شيئ بامر الله مقسوم.

مجلة الشهاب عدد رمضان 1350 هـ/ جانفي 1932م / ج 1 م 8 ص 60 (8/62)

♥ وآثقة الخطــــى ♥
2009-08-24, 14:25
شكرا جزيلا

جزاك الله خيرا

ووبارك الله فيك

ابو مريم الجزائري
2010-02-17, 19:56
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

من المدن المرابطة في سبيل الله مدينة قالمة المجاهدة التي قاومت الإستدمار الفرنسي منذ أن وطئت أقدامه ارض الجزائر الطاهرة، وداس بخيوله تراب هذه الولاية، وما مجازر (حوادث) 8 ماي 1945 ببعيدة والتي كان لولاية قالمة ومدنها وقراها النصيب الأوفى من بطش الطغاة قاتلهم الله، وقد عرفت جمعية العلماء المسلمين ما لهذه المدينة من أهمية فأنشأت فيها شعبة لجمعيتها، وقد زار مدينة قالمة الإمام عبد لحميد بن باديس يوم الخميس 29 محرم 1357 هـ / 31 مارس 1937م، وكان يوما حافلا في تاريخ الحركة الإصلاحية بالمدينة، وهذا مقال من جريدة الشهاب تضمن وصفا لهذه الزيارة الميمونة:

((... على الساعة العشرة صباحا نزل بقالمة فضيلة الأستاذ الجليل الشيخ عبد الحميد بن باديس رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين قادما من قسنطينة إلى قالمة بقطار الضحى إجابة لدعوة أهل المدينة.وقد تلقاه بالمحطة عند النزول بعض أعيان المدينة وطلبتها، وبعد التحية والترحيب بفضيلته توجه الجميع إلى مركز شعبة الجمعية حيث تقرر على إثر الوصول برنامج أعمال الرئيس الذي قدم خصيصا لها في ذلك اليم وليلتة المقبلة.
ونظرا ضيق حجم هذه المجلة وكثرة موادها فإني استسمح لقراء الكرام أن أغفلت وصف مهرجانات الاحتفاء والاحتفال بقدوم الرئيس العظيم الأستاذ ابن باديس إلى قالمة وإكرامهم مثواه فقد كان إقتبال أهل قالمة له وسرورهم به بالغا الغاية وكان لما أسدى إليهم اليوم من نصائح وإرشادات قيمة في محاضرته ودرسه الجامعين المانعين الأثر الحميد في نفوسهم،والى القراء الأفاضل خلاصة المقصود من زيارة الأستاذ إلى قالمة وما عمله بها.
إن القصد من زيارة الأستاذ إلى قالمة – وفق رغبة سكانه المسلمين – هو حث عامة هذه النواحي على التآخي والتعاون على الخير ونصرة المشاريع الإسلامية النافعة والتضامن في كل ما يهم المسلمين ونبذ كل خلاف ينسيهم روابط الأخوة الإسلامية التي جمعهم الله بها على الهدى والحق، وان يعلموا حق العلم ان لا حزبية بينهم إزاء القضايا العمة والمشاريع الهامة التي هم مسؤولون أمام الله ورسوله [ صلى الله عليه وسلم] والناس أجمعين عن حقها عليهم وما حقها عليهم سوى تعاونهم على إحيائها تعاونا مستمدا من وحي الضمير.
بعد ظهر اليوم المذكور نادى مناد في المينة أن الأستاذ ابن باديس يلقي محاضرة بفسحة السينما بعد صلاة العصر، وما أزفت الساعة المعينة حتى اكتظت ردهة المحل وشغلت جميع كراسيه بالوافدين الذين من بينهم من جاؤوا من أماكن بعيدة لسماع محاضرة الأستاذ وعلى اثر ذلك صعد فضيلته منصة الخطابة وشرع يمتع السامعين بما تهفو إليه أرواحهم وتنجذب إليه عواطفهم وتستعذبه مشاعرهم من خالص النصح وسديد الإرشاد وبديع الخطب.
بدأ الأستاذ محاضرته بحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تطرق إلى التحدث لسامعيه عن محاسن الإسلام التي تجل عن الوصف فأبان لهم ما يجب عليهم للمحافظة على الإسلام الثمين وكتابه الإلهي ذي اللسان العربي المبين، بيانا هو الشمس وضوحا والحق نورا فقال: " إن هذا الإسلام هو رحمة من الله لبني آدم فانظروا رحمكم الله قوله تعالى: { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ () الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ () الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} كيف كرر الله عز وجل لفظ الرحمة أربع مرات في موطن واحد ولم يقل لنا " القهار الجبار" مع أنه عز وجل قهار جبار كل ذلك لنستشعر سعة رحمة الله بخلقه، فإذا كان رب الناس الذي هو المالك لهم على الحقيقة يعامل عباده بمقتضى هذه الرحمة التي وسعت كل شيء فأحرى أن يتخلق عباده بأخلاقه وتظهر عليه هذه الأخلاق في معاملة بعضهم لبعض وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من لا يَرحم لا يُرحم".
ثم إن السلام بقدر ما فيه من رحمة للبشرية ورأفة واحترام لها فهو يمقت الظلم والجبروت والطغيان أشد المقت ويندد بالمتصفين بهذه الصفات من العباد أمر تنديد، فهو لا ربوبية فيه باسم الدين، بل الربوبية الحقيقية هي لرب العالمين وحده على عباده، وهذا هو السر في سرعة انتشار الإسلام في جل أقسام المعمورة في مدة 25 عاما، وبفضل هذا الإسلام.
أيها السادة اهتدى أوائلنا العظام واهتدينا نحن، لما تضمنته مبادئه السامية من رحمة وسماحة وعدل يغبط عليه، نعم بفضل هذه الخصال الكريمة ونظرائها في الإسلام تحول العرب من الجهل إلى العلم، و[ من] القسوة إلى الدين، ومن الهمجية إلى المدنية التي مدنوا بها الأمم يومئذ، وكان للعرب بها لأفضل على سواهم رم أنف من جحد منهم وما يجحد بها إلا كل أَفَّاكٍ أَثِيمٍ، وفي ما كان للعرب من رحمة اكسبها اياهم الاسلام السمح، قال غوستاف لوبون: ( لم يعرف التاريخ فاتحا أرحم من المسلمين)! فهذا الإسلام أمانة عندنا وبه سعادتنا وعزنا فلنحافظ عليه وذلك بالمحافظة على كتابه الكريم ولسانه العربي المبين تعلما وتعليما، ايها السادة كما تلقيناه عن آبائنا وأجدادنا، وكل من عارضنا في هذا التعليم رددنا معارضته ردة الأباة الكرام وأولى الناس بالمحافظة على القرآن [ الكريم] هم حفاظه الذين استحقوا به لقب " السياد " إن علموا!.
إن قواعد الاسلام التي شرعها الله لعباده جعلت عواطفنا وشعورنا مطبوعة على أن لا نحس إلا إحساسا متحدا { صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ } [ البقرة: (138)] فالصائمون مثلا يحسون إحساسا واحدا بما ينشأ لهم من جوع وعطش، وقس على ذلك فديننا دين الرحمة والاتحاد على الخير ونحن مسلمون لا نتحد على الشر أبدا ولا نضمره لأحد من الناس، كما لا نقبله من أي أحد منهم كائنا من كان"
هذه محاضرة الأستاذ ابن باديس نقلناها نقلا اختزاليا أثناء إلقائها على المنصة، وحافظنا على ألفاظها ومعانيها حتى لا يفلت من ذلك شيء، وهي نفس الخطاب الذي ألقاه ليلا بنادي الشباب الإسلامي القالمي بعد أن أفرغها في قالب يناسب طبع الشباب ومزاجه الكهربائي الذي عبر عنه الأستاذ بالشعلة المقدسة وتفنن فيه ما شاء له البيان وأراد وزاد على ذلك مخاطبا الشباب ومرغبا في الاستزادة من العلم النافع بأي لغة كان ومن أي شخص جد، والاعتراف بجميل من يكون لهو واسطة في نيل العلم خالصا من شوائب المس والدس، فقال: " إن طلاب العلم عندنا ثلاثة أقسام، قسم طلبوا العلم من الغير فنالوه إلا أن الغير طبعه بطبعه، فهو عوض أن يأتونا به مطبوعا بطابعنا الفطري الذي هو بل الاتصال بين أفراد أمتنا وبين جامعتهم القومية أصبحوا متأثرين بطابع الغير.
وقسم نالوا العلم ولم يحسنوا التصرف فيه لنفع مجتمعهم ووسطهم، وقسم نالوا العلم من الغير وأحسنوا التصرف فيه ونفعوا به بلبادهم وقومهم، فهذا الفريق هو الذي نحتاجه اليوم وعلى يديه يكون رقي البلاد وخيرها.
فأرجوكم أيها الشباب الحازمون أن تأخذوا العلم بأي لسان كان وعن أي شخص وجدتموه وأن تطبعوه بطابعنا لننتفع به الانتفاع المطلوب كما أخذه الأوروباويون من أجدادنا وطبعوه بطابعهم النصراني وانتفعوا به وهم إذ أنكر بعضهم اليوم فضلنا عليهم فذلك شأنهم، أما نحن فلا ننكر فضل من أسدى إلينا الخير الخالص ونعترف له بالجميل الذي لا يراد به سوى الجميل ولا علينا فيمن: { يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [ الصف:(8)]
ولا يكن في صدرنا من حالهم حرج، فصدورنا بالإيمان بالله والثقة به أوسع وعقولنا أرجح وديننا أرحم وأكمل"

(........)[لم يذكر الناقل لهذا الخطاب اسمه]

- البصائر عدد 109 السنة الثالثة، قسنطينة يوم الجمعة 2 صفر 1357 هـ الموافق 22 أفريل 1938 م الصفحة 3 كلها

حميدة90
2010-04-14, 12:47
بارك الله فيك

لظفار بوعلام
2010-05-07, 15:24
بارك الله فيك يااخي
وجعله الله في ميزان حسناتك
وننتظر منك المزيد
تقبل مروري

نينا الجزائرية
2010-05-08, 16:29
بارك الله فيك

ابو مريم الجزائري
2010-05-10, 11:06
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لم يقتصر الإمام عبد الحميد بن باديس رحمه الله في نشر الوعي الصحيح، وتعريف الأمة بمبادئ دينها الحنيف، على دروس الوعظ والإرشاد في المساجد وجور العبادة، أو في المدارس العربية الحرة للجمعية، ولكنه بتوفيق من الله عز وجل أدرك أن هناك شرائح من المجتمع لابد أن تخاطَب بوسائل إعلامية أخرى، فدخل ميدان الصحافة، و"... أنشأ صحافة عربية كانت منبرًا رحبًا، يعلن في عزم وثقة أن الحركة الإصلاحية الجزائرية، حركة شعبية أصيلة، تعمل لإحياء التراث الثقافي للأمة، وتنقيته من الشوائب التي علقت به، وتنشر الوعي الديني والاجتماعي والوطني، وهكذا أصدر جريدة (المنتقد) عام 1925م، ثم صحيفة (الشهاب الأسبوعي)، التي حولها إلى مجلة الشهاب الشهرية، منذ فبراير 1939م، ومجلات أخرى منها (الشريعة)، و(السنة)، و(الصراط)، و(البصائر).. وقد قامت هذه الصحافة بعمل إيجابي ضخم في مجال اليقظة الفكرية والوعي الوطني، والإصلاح الديني، وإحياء اللغة العربية، محبطًا بذلك كله مخططات الاستعمار الرامية إلى تشويه الشخصية الجزائرية في كل ميدان) [مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير، ص482].
وهذا نموذج من كتاباته الصحفية، تتجلى فيه شجاعته وصرامته في الحق،
فقد عُرِفَ عن الشيخ ابن باديس أنه كان في كثير من مواقفه ليّنًا من غير ضعف، لكنه حين تمس مبادئ الدين الحنيف، ويحس بأن هناك كيدا لجمعية العلماء المسلمين ينقلب إلى ليث هصور وثابٍ غير هيابٍ، فينطبق عليه ما وصفه به أحد رفاقه:" فهو في الحق صارم... وحين تخور العزائم، فهو شجاع شجاعة مَن لا يخاف في الله لومة لائم، ولا غطرسة ظالم متجبّر".
وهذا المقال الذي يرد فيه على خطاب ألقاه في مجلس النواب المدعو " علي ابن غراب " أحد النواب الجزائريين من علماء وأذيال فرنسا الإستدمارية، وقد هاجم فيه الحركة الاصلاحية ممثلة في جمعية العلماء المسلمين، داعيا السلطات الفرنسية إلى التضييق على نشاطاتها وغلق مدارسها وتوقيف صحفها.
وقد نشر هذا الرد في صحيفة " الصراط السوي " التي كانت تطبع وتصدر بمدينة قسنطينة وهي التي خلفت صحيفة الشريعة [ وقد صدر العدد الأول من صحيفة " الصراط السوي " يوم الاثنين 21 جمادى الأولى 1352 هـ/ 11 سبتمبر 1933م، وقد أصابها ما أصاب أخواتها من تضييق ومصادرة، فتوقفت هي الأخرى نهائيا، وكان آخر عدد يصدر عنها بتاريخ 22 رمضان 1352 هـ/ 08 جانفي 1934م.]
[ انظر " ابن باديس: حياته وآثاره ، الدكتور عمار طالبي ، دار الغرب الاسلامي بيروت، الطبعة الثانية 1403 هـ/ 1983م " ( 1 / 87) ]

نشر هذا الرد على دفعتين في العددين الأول والثاني من صحيفة " الصراط السوي ".

تحت عنوان : "رد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين على خطاب ابن غراب"

" لو كان هذا الرجل وجه على الجمعية أضعاف ما وجه عليها من تهم واعتدى عليها بأضعاف ما اعتدى به عليها من سب وإذاية من عند نفسه، وفي مجلس من أي مجالس مثله، لكان محققا من الجمعية ألا تسمعهن ولو سمعته لكان حقا عليها أن لا تقول له إلا " سلاما" ... ولكن الرجل كان - عن رضى واختيار- آلة هدم وتخريب، وبوق شر وفساد، في مجلس رسمي قد استدعى الناس له الناس ويحتج بأقوالهم، فلهذا تنازلت الجمعية لرد افتراءات النائب واعتداءاته.
زعم أن الفتنة والقلاقل والمشاغب منتشرة في الوطن، وأن سببها هو الجمعية وكذب في الاثنين.
فأما الزعم الأول: فإن المشاهد في الوطن كله هو السير المعتاد في الأعمال دون تظاهر ولا تجمهر ولا مصادمة بين قوتين ولا توقف عن أداء حكومي ولا تصدي لأحد بسوء، وإنما الموجود في الوطن حركة هادئة عامة نحو ما وعدت فرنسا الجزائريين من حقوق تعطى لهم في القريب، ولعمر الحق إن تسمية هذا فتنة وقلاقل ومشاغب لمن الكذب الحبريت وقلب للحقائق اللذين لا يصدران إلا عن ذمة خربة وقلب مريض ونفس شريرة لا تبالي ماذا تجني، أو جاهلة لا تدري ماذا تقول، وإذا كنا نسمي توجه الجزائريين بمطالبهم في هدوء ونظام إلى فرنسا فتنة، فبماذا نسمي ما قام به أصحاب الأعتاب من التظاهر في بلدان عديدة بعنف وشدة وتهديد حتى عطلوا إحدى الجلسات في النيابة المالية لإظهار استيائهم؟
إن الأشياء - يا هذا - لا تخرج عن حقائقها بما يخلع عليها من الأسماء حسب الأغراض والأهواء.
وأما الزعم الثاني: فان حركة الجزائريين نحو مطالبهم من دولتهم إنما سببه ما علموه من عناية بعض رجال فرنسا بها، وما بلغهم من بروجي م قرني وبروجي م فيوليت [ الحاكم العام الفرنسي صاحب المشروع المشهور] ، ثم ما شاهدوه من حزم بعض نوابهم وذهابهم إلى فرنسا، أولا بصورة فردية، وثانيا بصورة عمومية، ثم كان ما كان من استياء من أن نوابهم ردوا ولم يقبلوا وفهموا من عدم قبول نوابهم عدم قبول مطالبهم ثم أحسوا بضغط من ناحية وضعف من الناحية الأخرى فرجعوا إلى سكوتهم كسابق عادتهم واستعصموا بالانتظار الذي تعودوه من أمد طويل، فهم ساكتون منتظرون.
هذه هي الأسباب المنطقية التي يؤيدها الحس ويجسمها الواقع لما كان من حركة في الأمة ولن يستطيع تمويه غراب ومن لقنه أن يزيد عليها أو ينقص منها.
وزعم أن الحكومة ساعدت أولا الجمعية ورخصت لها، والحكومة ما عرفت منها الجمعية مساعدة خاصة لا أولاً ولا أخيرا، وأي مساعدة شاهدناها من الحكومة وقد أقرت قرار بريفي [ كلمة فرنسية معناها الحاكم أو الوالي الفرنسي] الجزائر الذي يمنع الجمعية من وعظ العامة وإرشادهم في المساجد، وأي مساعدة والحكومة قد أغلقت مكاتب وأمتنعت من الترخيص في مكاتب أخرى لمجرد انتماء المعلمين أو الطالبين للتعليم للجمعية، فمن الأولى مدرسة سيق ومدرسة بلعباس ومدرسة قمار، ومن الثانية مدرسة القنطرة، هذا هو الواقع مع الأسف الشديد، ولكن من الحق الذي يجب أن نقوله وأن نتسلى به أنه ليس كل واحد من رجال الحكومة راضيا بهذه المعاكسة التي لا مبرر لها والتي هي صد لجمعية إصلاحية تهذيبية عن الإصلاح والتهذيب، وأما ترخيص الحكومة للجمعية فالفضل في ذلك للقانون، ولولا ثقتنا بذلك القانون والرجال الساهرين على تنفيذه ما كان لنا ان نصدع بهذه الحقائق التي يريد النائب غراب وملقنوه تغطيتها.
زعم أن الجمعية تدخلت في شؤون لا علاقة لها بالتعليم وانفجرت بتعاليم منافية للعلم ومثيرة للأحقاد والتحزبات.
كأن الملقنين لهذا الغراب يفهمون من التعليم أنه هو أن يجلس لشيخ في وسط حلقة ثم يلقي عليهم مسائل من النحو، ومسائل من كتاب الصلاة ، هذا فقط هو التعليم، فأما مكتب ابتدائي يعلم فيه أبناء المسلمين وبناتهم مبادئ دينهم ولغتهم ويحفظون فيه من مواطن الفساد ومهاوي الشقاء وبراثن المضللين، ويهيئون للحياة تهيئة صحيحة تكوّن منهم رجالا مسلمين يخدمون أمتهم ووطنهم ودولتهم ويشرفون سمعتها، وأما إلقاء دروس الوعظ والإرشاد على طبقات العامة التي تفقههم في دينهم وتعرفهم بالفضائل الإنسانية وتحذرهم من الرذائل الحيوانية وتفتح بصائرهم لإدراك حقائق الحياة الدنيا وما يفيدهم في الحياة الأخرى، وتصحيح عقائدهم وتهذيب أخلاقهم وتقويم أعمالهم.
حتى يعيشوا بذلك كله سعداء في الدنيا مع أنفسهم وجيرانهم
، ويكونوا على أقوى الأسباب لنيل السعادة في آخرتهم - فهذا كله شؤون لا علاقة لها بالتعليم، ولهذا لما اشتغلت بها الجمعية- زيادة على دروس رجالها لطلبة العلم، قال هذا المنقول المقول: إن الجمعية تدخلت في شؤون لا علاقة لها بالتعليم ؟!
أما التعليم كما يفهمه كل أحد، وكما جاء به الدين، وكما كان عليه سلف المسلمين، فهو نشر العلم لكل أحد، الكبير والصغير والمرأة والرجل: بحلق الدرس ومجالس الوعظ وخطب المنابر وبكل طريق موصل، وهذا ما اشتغلت به الجمعية وتوسلت بالطرق الموصلة إليه، ولن يستطيع الغراب ولا غيره أن يثبت عليها شيئا غيره.
ولا نظنه يعني التعاليم المنافية للعلم إلا ما قامت به الجمعية من بناء وعظها وإرشادها على آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ووصايا أئمة السلف، فإن كل هذا كان مهجورا في هذه الديار، وفي غير هذه الديار ، فإذا كانت هذه هي التعاليم المنافية للجهل المغيظة لأهل الجهل الماحقة لكل جهل ودجل وأنها هي هي مصدر الدين والعلم وكل خير وسعادة للبشر وأرغم الله أنف كل أفاك أثيم.
ثم يقول الغراب: إن هذه التعاليم مثيرة للأحقاد والتحزبات؟؟؟ ولقد صدق وهو الكذوب، فقد أثارت علينا هذه التعاليم الأحقاد، وأي حقد أعظم من الحقد الذي أكل قلبه وقلب مثله حتى اعتدى علينا هذا لاعتداء العظيم، وافترى علينا هذا الافتراء المبين، وكيف لا يحقد علينا الجهال الذين يعيشون على الجهل ونحن نحارب الجهل والمتعيشين عليه؟ وكيف لا يحقد علينا الذين يقولون للناس كونوا عبادا لنا بفنون من لسان المقال ولسان الحال، ونحن نقول للناس لا تكونوا عبادا إلا لله، وهم يقولون للناس اعبدونا وارزقونا، ونحن نقول لهم لا تعبدوا إلا الذي يرزقكم وهو وحده لا شريك له، وكيف لا يحقدون علينا من يريدون بقاء المسلمين عضوا أشلاٌ أو مريضا في الهيئة الجزائرية ونحن نريده عضوا حيا عاملا كسائر الأعضاء فيها يفيد ويستفيد يعين ويستعين.
فهذه الأصناف كلها وغيرها من أمثالها امتلأت صدورها على الجمعية حقدا حتى انفجرت بالشر أقوالها وأعمالها، وكانت حزبا واحدا في الكيد للجمعية والمكر بها والسعاية عليها والوشاية بها، وموقف هذا النائب الظالم المفتري مظهر من مظاهرها ومشهد من مشاهدها، وهذه الأصناف وغيرها من أمثالها هي الحاقدة المتحزبة دون عموم الأمة وسوادها التي ظهر للعيان التفافها حول الجمعية وسخطها على أضدادها، وما تملك الجمعية لتلك الأصناف من حقدها وتحزبها إلا أن تسأل الله هدايته، وتقاومها بالطرق المشروعة لترد كيدها وتخنق حقدها، وتدفع شر تحزبها عندما تدعوها الضرورة لمدافعتها، مثلما دعتها الضرورة للرد على هذا النائب بالحجة والبرهان لا بما سلكه هو -وسلكه أمثاله قبله- من الوشاية والإذاية والكذب والبهتان.
ثم يرمي الجمعية بدس الدسائس وقد علم الناس صراحة الجمعية في جميع مواقفها والجمعية التي يلقي رئيسها باسمها تلك الخطبة المشهورة في حفلة النادي بالجمعية في حفل حاشد من جميع الطبقات لا يتصور عاقل أن يكون الدس من خلقها.
ثم يرميها بنصب الحيل لجمع الأموال وقد علم الناس ضبط حساب الجمعية الدقيق بما يتلوه في أجتماعاتها العمومية أمين ماليتها وينشره على الناس.
ثم يرميها بنشر الشحناء، وكيف هذا وكلمات الجمعية التي كانت وفودها تلقيها على الناس وتلقنهم اياها هي: تعلموا تحابوا، تسامحوا.
وإذا كانت هذه الكلمات تثير الشحناء، والعداوة في القلوب المريضة التي لم تألف سماع هذه الكلمات ولم تخلق للإتصاف بها، فماذا تملك الجمعية لها؟
ثم يقول عن الجمعية " خالطت الطوائف الانتخابية" وماذا يعني هذا الجاهل بالطوائف الانتخابية؟ ولو كانت في الامة طوائف انتخابية تسير عل برامج منظمة لما كان مثله نائبا يهذي بهذا الهذيان؟؟؟
لكن لعلعه يعني شخصا او شخصين من النواب العماليين الذين أنطقهم شرفهم وغيرتهم بما يعلمونه عن الجمعية من خدمة الحق والخير، وهؤلاء لم يكن يبنهم وبين بعض رجال الجمعية إلا معرفة شخصية لست أكثر من المعرفة الشخصية التي بين هذا النائب الجهول وبين بعض رجال الجمعية الذين في قسمه، والجمعية نفسها لا خلطة لها، لا بهذا ولا بذاك، ثم كان ماذا لو أن الجمعية اعتمدت على أهل الصدق والشرف والغيرة لترد بهم كيد مثلك يا مسكين؟ فينكر على جمعية سلمية أن تتقوى بالأحرار الصادقين - والنواحي القوية لا تتنزه عن التقوي عند الحاجة بالعبيد الكاذبين؟ إلا أن الجمعية جمعية علم وتهذيب، فهي تتأيد بأهل العلم والتهذيب، جزائريين وفرنسيين، مسلمين وغير مسلمين ، وتمقت وتتبرأ من الجهل والوحشية من أي ملة وجنس.
ثم يرمي الجمعية بأنها تنشر المذهب الوهابي ، أفتعد الدعوة إلى الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة وطرح البدع والضلالات واجتناب المرديات والمهلكات ؛ نشرا للوهابية ؟!! ، أم نشر العلم والتهذيب وحرية الضمير وإجلال العقل واستعمال الفكر واستخدام الجوارح ؛ نشرا للوهابية ؟ !! ، إذاً فالعالم المتمدن كله وهابي! فأئمة الإسلام كلهم وهابيون ! ما ضرنا إذا دعونا إلى ما دعا إليه جميع أئمة الإسلام وقام عليه نظام التمدن في الأمم إن سمانا الجاهلون المتحاملون بما يشاءون ، فنحن - إن شاء الله - فوق ما يظنون ، والله وراء ما يكيد الظالمون .

ثم يقول : " إننا مالكيون " ومن ينازع في هذا ؟ !! وما يقرئ علماء الجمعية إلا فقه مالك ، ويا ليت الناس كانوا مالكية حقيقة إذاً لطرحوا كل بدعة وضلالة ، فقد كان مالك - رحمه الله - كثيرا ما ينشد :
وخير أمور الدين ما كان سنة *** وشر الأمور المحدثات البدائع
ثم يقول: " إن الأمة الإسلامية منذ قرون وهي متمتعة بدينها وحريتها وعاكفة على دروس علمائها" ونحن نريد في هذا القرن أن تزداد تمتعا بحريتها وانتفاعا بفقه دينها واتساعا في دائرة علمها على سنة التطور والرقي والتدريج، فثارت ثائرة هذا الجاهل ومن وراءه، ومن كان في الشر والجهل مثله يحاول ثارة الفتنة، والله يطفئها ويكيدون للجمعية والله يحفظها، ويكذبوا على الجمعية والله يظهر نزاهتها، حتى فضح الله أمرهم وعرفت الأمة أمرهم وعرفت الأمة دخيلتهم، وأصبحوا كلهم في غضب من الله وسخط من الناس، والله لا يهدي كيد الخائنين، ولا عدوان إلا على الظالمين والعاقبة للمتقين والحمد لله رب العالمين.
عبد الحميد بن باديس.

ابو مريم الجزائري
2010-05-11, 10:35
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الشيخ أحمد حمّاني رحمه الله تعالى، مفتي الجزائر ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى خير من يتحدث عن مواقف أستاذه العلامة عبد الحميد بن باديس وشيوخ جمعية العلماء المسلمين ، وفي كتابه الذي خصصه للحديث عن شهداء الثورة التحريرية المباركة من تلامذة معهد الإمام ابن باديس، أقتطف لكم منه هذه المواقف التي يتجلى فيها الحرص على حفظ القرآن الكريم والاهتمام والاحترام الذي يحضى به حفظته وغيرها ... :
- يذكر الشيخ أحمد حمّاني رحمه الله تعالى أنه أنتقل من مقر سكناه دوار تمنجر بلدية العنصر، دائرة الميلية ولاية جيجل رفقة ابني عمه الصادق حماني ( من شهداء المعهد)،و مسعود حماني الذين كانوا لا يفترقون إلا ليلا للمبيت، أو كما قال: "... فكنا معشر الثلاثة هكذا، فنحن أبناء عم أشقاء نشأنا معا وحفظنا القرآن الكريم وطلبنا العلم معا" إلى مدينة قسنطينة لمتابعة دراستهم بها حيث كان قد سبقهم إليها شقيقه الأكبر محمود حماني وهو أيضا من تلامذة ابن باديس وكان يدرس القرآن الكريم في الزاوية مولاي الطيب (الطيبية)، لينخرطوا في سلك طلبة الإمام عبد الحميد ابن باديس سنة 1930م.
يذكر الشيخ أحمد حمّاني أنه في سنة 1931م : " أقترح علي أخي أن أساعده في تحفيظ القرآن الكريم لطلبة الزاوية، وكان ذلك بسعي من الشيخ المدني رحمه الله لدى الشيخ الزواوي بن عقابو، وكانت بينهما صلات متينة... وقد انتقل إليها رفقة ابني عمي الصادق ،و مسعود بالإضافة إلى أخيه.
ولأترك الشيخ رحمه الله يواصل ذكرياته قائلا: "... وكنا قد اشتهرا بصلات المودة مع ابن باديس، فعمرنا الزاوية وزال عنها خمولها، وتهاطل علينا التلاميذ، وصرنا نقرأ الحزب جماعة في الصباح خمسة أحزاب وقبل العشاء حزبين، وفي وقت الفراغ نسرده، فكان إتقان الحفظ عظيما، واذكر أنني صليت التراويح به ثلاث مرات ...
لما جاء شهر رمضان عام 1931 قدمني أخي – رحمه الله- إلى صلاة التراويح في الزاوية الطيبية، وكان جزائي من شيخ الزاوية الشيخ عمرو بن شريط رحمه الله (خمسون) 50 فرنكا قديما، اشتريت منها – على ما أذكر – حذاءا جديدا وبذلة جديدة ( قاباردين) ، وكانت قيمة 50 فرنكا عظيمة يستطيع الإنسان أن يشتري بها كبشا يساوي اليوم مائتي ألف.
تحفظ القرآن [ الكريم] فأنت رجل:
جاء رمضان ولم يكن شيء من علامات البلوغ ظهر علي ، وترددت [هل أصوم أم لا ]؟ وقال لي الشيخ مسعود حماني الصيام لازم عليك، فقلت له لا بد أن استشير الشيخ عبد الحميد ابن باديس، فذهبت الى غرفته واستأذنت وسرعان ما أذن لي، ورحب بي وسألني عن سبب حالي، وحال قراءتي فسر سرورا شديدا بخبر حفظي القرآن [الكريم] كله، وقال لي : متى تحضر عندي للدروس؟ فقلت فورا وكان ذلك في فصل الربيع، ثم سألي عن غرضي من الزيارة، فقلت : هل أصوم رمضان؟ فقال لي : بما أنك تحفظ القرآن [الكريم] فأنت رجل فصم رمضان.
ومن تلك اللحظة أمسكت ورجعت فرحا إلى أخي وأبي رحمهما الله فاستبشرا بالزيارة وخبر القراءة والصيام، وكان الشيخ الصادق رحمه الله كجزء مني فيما أعمل، فذهب إلى العزم بما عزمت عليه، إذ أنه كان مثلي يحفظ القرآن [الكريم] فهو إذن رجل فعليه أن يصوم مثلي.

من كتاب " شهداء علماء معهد ابن باديس"
الشيخ احمد حماني
قصر الكتاب، البليدة الجزائر ، الطبعة الأولى سنة 2004م
ج 2 ص 9- 10

ابو مريم الجزائري
2010-05-14, 19:34
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

من المواقف الإيمانية التي تتجلى فيها ثبات شجرة الإيمان في قلب الإمام ابن باديس، وكذا صلابة دينه وصبره في الشدائد، وكذا وعيه بأن الغاية من الابتلاء هو تمحيص المؤمن ومعرفة قوة إيمانه فكلما كان إيمانه أقوى كان صبره أتم وإذا ضعف الإيمان ضعف الصبر، هذا الموقف المؤثر:
(( في اليوم الذي توفي فيه ابنه وفلذة كبده الوحيد عبده إسماعيل ابن باديس (في سنة 1919 م، وكان سن الطفل حوالي 15 عاما، بسبب رصاصة بندقية صيد لأحد حراس مزرعة جده محمد المصطفى، حيث شاهد الطفل الحارس يعلق البندقية على شجرة تين، فدفعه تطفله إلى أخذها بين يديه وبينما هو يلهو بها، إذ برصاصة طائشة تخرج من فوهة البندقية لتصيبه في صدره، فيخر صريعا لا حراك به) قلت في أمسبة نفس اليوم لم يتخلف الشيخ ابن باديس عن درسه المعتاد في الجامع الأخضر، وبعد انتهاء الدرس انفرد في زاوية خاصة يذرف الدمع.
ويذكر سماحة الشيخ عبد الرحمن شيبان - حفظه الله - أن بعض إخوانه من العلماء عاتب ابن باديس على ذلك، فماذا كان جواب هذا الإمام المصلح؟
قال: " أي مبرر لي أمام الله والواجب إذا ما تخلفت عن الدرس وأضعت على الطلبة وقتا من أوقاتهم الثمينة؟" [ ذكرها الشيخ شيبان في محاضرة بعنوان " الجانب الحيوي في شخص ابن باديس " نشرتها جريدة النهضة التونسية العدد 6978، بتاريخ 22 رجب 1365هـ/ 22 جوان 1946م].
ويعلق سماحة الشيخ قائلا: "... وما هذا لعمري إلا ظاهرة لمبلغ ما يكمن في طلعه من الانقياد إلى غرضه السامي، والاستجابة لذلك الجانب الروحي المكين من جهة ودرس عملي في التضحية بالمصلحة الخاصة في سبيل المصلحة العامة من جهة ثانية، وآية صادقة على أن ابن باديس ما خلق ليكون أبا لفرد من الأسرة الباديسية ، وإنما خلق ليكون أبا لأبناء الجزائر أجمعين، من جهة ثالثة..."
مع العلم أن نفس الموقف تكرر مع الإمام عبد الحميد بن باديس عند وفاة شقيقه سليم، حيث التحق في مساء نفس اليوم بدروسه في الجامع ولم يتخلف رغم إلحاح إخوانه من العلماء والطلبة على تأجيل الدرس.

[ محاضرة الشيخ عبد الرحمن شيبان حفظه الله " الجانب الحيوي في شخص ابن باديس " موجودة في كتابه : "جمعية العلماء المسلمين، حقائق وأباطيل"
الطبعة الثانية، منشورات تالة الأبيار، الجزائر 2009م.].

ابو مريم الجزائري
2010-05-17, 10:20
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بعزيز بن عمر، إسمه الإداري (عبد العزيز بعزي) حسب ما هو مسجل في المصالح الإدارية لمسقط رأسه قرية آث حماد الواقعة في عرش إعزوزن دائرة (أزفون) ولاية تيزي وزو.
ولد في (10/2/1906م)، درس على يد والده، ثم انتقل إلى زاوية عبد الرحمن اليلولي المشهورة في بلاد القبائل، ومنها إلى قسنطينة ليلتحق بدروس الإمام ابن باديس ويلازمه حتى وفاته رحمه الله، سافر إلى تونس بنية الدراسة في جامع الزيتونة المعمور، لكنه عاد بعد فترة وجيزة.
يعتبر باعزيز بن عمر من الرجال العصاميين الذي اعتمدوا – بعد الله – على إرادتهم وحبهم للعلم والثقافة، حيث أنه أتقن بجهوده الشخصية اللغة الفرنسية كتابة ونطقا، وأهتم بالتراث المحلي فأصبح مرجعا وحجة فيه، كما قرأ وطالع الكتب التاريخية فكانت له اسهامات ودراسات تاريخية معتبرة.
بعد أن أكمل دراسته امتهن التعليم والصحافة في إطار جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، فكان مدرسا ناجحا في مدرسة الشبيبة بالعاصمة التي كان يديرها شاعر الجمعية محمد العيد آل خليفة، ومن زملائه في التدريس بها عبد الرحمن الجيلالي، فرحات ابن الدراجي، باعزيز بن عمر، الهادي السنوسي، وغيرهم.

أشتهر بكتاباته الإصلاحية والأدبية في جرائد ومجلات جمعية العلماء المسلمين كالشهاب والبصائر، توفي رحمه الله (06/05/1977م)
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام أن المقالات التي كان يكتبها يمضيها باسم " الفتى الزواوي " ولهذا الإسم المستعار قصة سنرويها في كتابات قادمة.
هذه المقدمة التي كتبتها للتعريف بهذا الرجل المصلح الذي كتب الكثير من ذكرياته عن الامامين الرئيسين عبد الحميد بن باديس ومحمد البشير الابراهيمي، وسأقوم بإذن الله بنقل ما تيسر من ذكرياته عن جمعية العلماء المسلمين ورجالاتها، وكذا مقالاته حتى يطلع عليها الإخوة والأخوات.

-----------

" شعور طلبة الزوايا بالزواوة نحو جمعية العلماء المسلمين "

اجتمعت في هذه الأيام بكثير من طلبة الزوايا بمناسبة رجوعي من قسنطينة في ختام السنة الدراسية فوجدتهم قد بلغهم تأسيس هذه الجمعية المباركة بسرور، جمعية العلماء التي هي مطمح كل مسلم يريد الخير لهذه البلاد ، وأنهم سيعملون على نصرتها إلى النفس الأخير ، وذلك بان يحسنوا الاستعداد من الآن بطلب العلم الصحيح وسهر الليل الطويل حتى يكونوا بحول الله وقوته من رجال تلك الأدوار المقبلة وشيوخ هاتيك الجماعات الآتية في الطريق.
هكذا كانت جمعيتكم أيها السادة عاملا عظيما في تشجيعنا وتنشيطنا معشر الشباب المتعلم ، وكل عامل يعمل لخير هذه الأمة رغم صعوبة المسلك، كما سيكون إقبالنا على الاسترشاد بهديكم والاستنارة بأنوار علومكم الغزيرة وآرائكم الصائبة مشجعا منشطا على عملكم المبرور.
إن الزوايا التي كانت تضم في ساحتها هذا الشعور الحي وهذا الوجدان الحر، والتي كانت أنجبت رجالا قديما كانوا المثال الأعلى للنبوغ في هذه الربوع لجديرة باهتمام جمعيتكم واهتمام كل مسلم يحمل بين جنبيه إيمانا صحيحا، ويفكر فيما أبناء جلدته إليه صائرون من التقهقر الساحب عليهم أذياله والقابض على أزمة عقولهم في عصر تقدم فيه الزنجي في مجاهيل أمريكا.
ذاك أن هذه الزوايا بصفتها معاهد علمية ومدارس نظامية بالنسبة إلى عصر تأسيسها كانت حاجتنا اليوم ماسة إلى رجال مفكرين مصلحين يقومون بإصلاح التعليم فيها، وبإدخال الأنظمة العصرية المفيدة في أقرب وقت ...

بعزيز بن عمر الزواوي

مجلة الشهاب، السنة السابعة: ربيع الثاني 1350هـ/ أوت 1932 م

ابو مريم الجزائري
2010-05-18, 10:52
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

حفظ القرآن الكريم هو أساس التعليم والتكوين والتوجيه عندنا

كما سبق لي وأن ذكرت فإن الأستاذ بعزيز بن عمر من تلاميذ الإمام عبد الحميد بن باديس الأوفياء الذي لازمه فترة لا بأس بها، ورافقه في بعض جولاته ورحلاته التربوية عبر تراب الوطن.
وفي هذه الكلمة يذكر ويصور لنا كيف كان أول لقاء ( تعارف) بالأستاذ عبد الحميد بن باديس.
" ... عرفت الأستاذ الرئيس عبد الحميد بن باديس لأول مرة في عاصمة الجزائر وكان ذلك على ما أذكر في سنة 1928م فقد قدمني إليه أستاذنا أبو يعلى الزواوي المعروف بمواقفه الإصلاحية وشرح له رغبتي في الالتحاق بقسنطينة للإنخرط في سلك طلبته الكثيرين الذين كانوا يؤمون عاصمة الشرق الجزائري لمزاولة دروسه فيها والاستفادة من علومه الواسعة والتزود من آدابه العالية، فسألني متلطفا عما تعلمت وعما أريد أن أتعلم في قسنطينة ؟ فترددت أولا في الإجابة عن هذا السؤال وبدا علي نوع من التهيب والخجل، ولكن لم يلبث أن أزال عني كل ذلك بقوله" تكلم ولا تهب فما أنا إلا معلم " فأدركت من انتسابه إلى هذا اللقب الذي لم يكن له يومئذ شأن معتبر في أوساطنا تواضعه الجم، وما يعلق على المعلم من أمل وطيد في وضع أسس النهضة وشق الطريق للشعب نحو مستفبل زاهر، ثم أنطلقت في الجواب قائلا: " ما علمت شيءً زائدا عما تعلمه أمثالي فقد حفظت القرآن [ الكريم] وحفظت مختصر الشيخ خليل عن والدي في بيتنا، وزدت فقرأت الأجرومية قراءة لم أخرج منها بطائل" فسر كثيرا من جوابي وقال مشجعا منشطا: " إن حفظ القرآن [الكريم] هو أساس التعليم والتكوين والتوجيه عندنا يا بني فأنت مقبول من الآن ونحن في انتظارك عندنا، فأقدم إلينا في مستهل السنة الدراسية المقبلة تجد ما يسرك، ويفتح آفاقا جديدة في وجهك"

باعزيز بن عمر
" من ذكرياتي عن الإمامين الرئيسين عبد الحميد ابن باديس ومحمد البشير الابراهيمي" منشورات الحبر، بني مسوس الجزائر: الطبعة الثانية، 2007 م، ص 21.

ابو مريم الجزائري
2010-05-19, 11:14
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لقد أحدث الإمام عبد الحميد بن باديس رحمه الله ثورة تعليمية في الجزائر كان هو رائدها من خلال دروسه الحية ومنهجه التربوي القويم، والتعاليم الإسلامية الحقة التي كان يبثها في نفوس مريديه، ومما كان يحث عليه ويشجعه تعلم اللغات الأجنبية ( الفرنسية بالخصوص) لأن تعلمها سيفيد الجزائريين في التعرف على المستدمرين وأفكارهم، والسعي لتجنب مكرهم وخبثهم ودسائسهم تطبيقا للمقولة : " من تعلم لغة قوم أمن مكرهم "، بالإضافة إلى إرشاد وتوعية أبناء وطنهم الذين تعلموا بالفرنسية رغما عنهم.
وفي هذا الخطاب الذي ألقاه في مؤتمر معلمي اللغة الفرنسية بقسنطينة،
يبدو الإمام في منتهى الشجاعة في التعبير عن رأيه، فقد كان "... رحمه الله جريئًا في غير تهوّر، شجاعًا في غير حمق، يطرح مواقفه، ويعرض قضايا الأمة ومشكلاتها، وكلّه استعداد للبذل والتضحية، غير مبالٍ بصولة المستعمر وظلمه، متمثلاً قول الرسول صلى الله عليه و سلم: (" أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ " [أبو داود ح (4334)، والترمذي ح (2265)، والنسائي، كتاب البيعة، باب فضل من تكلم بالحق، ح (4220) وصححه الألباني، انظر: صحيح الجامع: (1/163)].

وإلى المقال:
" مؤتمر معلمي اللغة الفرنسية بقسنطينة"
عقدت جمعية معلمي اللغة الفرنسية من المسلمين مؤتمرها السنوي بقسنطينة، فانتهز أستاذنا عبد الحميد بن باديس فرصة انعقاد هذا المؤتمر، وأقام حفلة تكريم لأعضائه وألقى فيها خطابا نقتطف منه ما يلي:
" السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أيها الإخوان
إننا نلتقى معكم في ميدان نشر العلم وإعداد نشء الأمة لخدمة الجزائر النهوض بالشعب الجزائري إلى مستوى الشعوب الراقية، إن مجتمعنا في حاجة إلى العلم فمن نشره باللغة الفرنسية فقد خدمه، ومن نشره باللغة العربية فقد خدمه، وما دام العلم واحد فلا ضير في تعدد لغاته"
أيها الإخوان...
" إن على المدرسين بالعربية والفرنسية في الجزائر أن يتعاونوا على توجيه أبنائنا نحو هدف واحد وهو خدمة دينهم ووطنهم ورفع شأن أمتهم، ونجاحهم يتوقف طبعا على مقدار ما يبدبه المعلمون منا ومنكم من الاستعداد للتعاون والتفاهم بينهم، وإذا أبت أوضاعنا إلا أن ينشأ كثير من أبنائنا في مدارس أجنبية في لغتها عن دينهم وقوميتهم ولغتهم وتاريخهم، فإن من واجبنا جميعا إلا أن نأبى إلا توحيدهم وإخضاع ما تعلموه من لغات الأجانب لصالحهم وصالح شعوبهم"
أيها الإخوان....
إننا لا ننكر أن اللغة الفرنسية لغة علمية وعالمية معا، ولكن الاستعمار يريد أن تكون أداة لفرنسة أبنائنا وصرفهم بها عن لغتهم وجزائريتهم فكان عليكم أن تثبتوا له بمؤتمركم أنكم جزائريون تعّلمون جزائريين لا فرنسيين، كما كان علينا معاشر معلمي العربية أن نثبت له أننا لا نبغض اللغة الفرنسية ولا نحاربها، ولكننا لا نرضى بحال مهما انتشرت وتعددت مدارسها، أن تخلف لدى أبنائنا لغة قومنا وديننا ووطننا، وإن في إقبال الشعب على تأييدنا اليوم فيما نؤسسه من مدارس ومعاهد لتعليم أبنائه لغتهم على بالرغم ما نلقاه من مضايقات إدارية لرَّدُ فِعْلٍ ضد السياسة الاستعمارية التعليمية القائمة على محاربة اللغة العربية ... "

بعزيز بن عمر
"من ذكرياتي عن الإمامين الرئيسين عبد الحميد بن باديس ومحمد البشير الإبراهيمي"
منشورات الحبر: بني مسوس، الجزائر ط2 سنة 2007 م
ص 85 - ص86

ابو مريم الجزائري
2010-05-20, 11:03
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يعتبر الشيخ الامام الإبراهيمي الرئيس الثاني لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، أحد رجال الاصلاح الذين كان لهم دور كبير في توعية الشعب الجزائري ومحاربة الدجل والطرقية والشعوذة داعيا إلى العودة والتمسك بمناهج القرآن الكريم والسنة الشريفة، وقد مات الابراهيمي وهو يشعر كغيره من رجال النهضة والاصلاح الإسلامي بشيء يحز في نفسه حزا، وهو عجز المسلمين شعوبا ودولا وحكومات في الأغلب الاعم في تحكيم الاسلام في شؤونه والسر على أضوائه وانوار تعاليمه، وكأنهم اكتفوا بالانتساب اليه، والحال ان ما اصابهم من المثلات والنكبات وعطلهم عن السير في ركب الحياة في القرون الأخيرة كان بسبب اعراضهم عن هدي القرآن الكريم وإنحرافهم عن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كما انهم لما ارادوا ان ينهضوا من كبوتهم ويستيقضوا من سباتهم العميق ما كان لهم ذلك إلا
على صوت الاسلام المئوب الذي ردده رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ممن يقيضهم الله في كل زمان ومكان لرأب الصدع وجبر الكسر، وإحياء ما اماته الجهل من القيم والفضائل في مجتمعاتهم.
قلت في مجلس من مجالسه مرة " يكفى هؤلاء المصلحين جزاء على ما قدموا من أعمال وتضحيات في سبيل انهاض المسلمين وجمع كلمتهم أن إحدى امانيهم الكبرى قد تحققت وهي استقلال البلدان الاسلامية وعودة السيادة المسلوبة اليها بعد طرد المستعمرين العاصبين".

فقال الاستاذ رحمه الله: " إن في صدور رجال الاصلاح و النهضة الإسلامية أمنية أخرى لا تقل أهمية وشأنا عن الأولى لما بينهما من إرتباط متين، وتلك هي تعزيز السيادة الوطنية بتعاليم الإسلام والسير على هديه وتحكيمه في كل شؤون المسلمين، وبذلك يكون المسلمون قد استكملوا لأوطانهم السيادتين الزمنية والروحية تطبيقا لقوله عز وجل في القرآن [ الكريم]: { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } [ النساء:65].

بعزيز بن عمر
"من ذكرياتي عن الإمامين الرئيسين عبد الحميد بن باديس ومحمد البشير الإبراهيمي"
منشورات الحبر: بني مسوس، الجزائر ط2 سنة 2007 م
ص 119

afaf 87
2010-05-21, 00:18
الله يسلم ايديك يا ابو مريم الجزائري
على الموضوع
الموضوع جميل والفكره اجمل
الله يعطيك الصحة:19::19::19:

ابو مريم الجزائري
2011-11-20, 10:08
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عدت بعد غياب بسبب بعض االمشاغل البحثية

يعتبر الشيخ الفقيه المؤرخ البحاثة المهدي البوعبدلي رحمه الله ظاهرة خاصة في الجزائر، حيث أنه عاش حياته بين الكتب والمخطوطات، متنقلا بين المدن والبلدان مقتنيا أو ناسخا لها، ومشاركا في الملتقيات والمؤتمرات، وكما يقال:" له في كل عرس قرص ".
يرجع له الفضل في أنه عمل طوال حياته على جمع ونسخ مخطوطات نفيسة، ورصد أماكن وجودها قديما و حديثا، فكوَّن مكتبة عامرة بالمخطوطات والنوادر.
من المواقف المشرفة لهذا العالم المحقق أنه عين في أربعينيات القرن الماضي باقتراح من صديقه الشيخ ابن زكري مدير المدرسة الثعالبية بالجزائر العاصمة إماما بالمسجد الكبير بوهران، وكان في ذلك التاريخ الكاتب والأديب الكبير السعيد الزاهري قد عينته جمعية العلماء المسلمين في وهران لنشر الدعوة والإصلاح والتدريس في مدارس الجمعية، وكان شديدا على الإستدمار الفرنسي والحركات الطرقية الضالة التي انحازت إلى فرنسا وعملائها ضد أبناء الشعب الجزائري، وكان الشيخ المهدي البوعبدلي يزوره في بيته أو يلتقيه في المكتبات أو الأماكن العامة، وفي يوم من الأيام جاءه إستدعاء من مدير الشؤون الاسلامية الذي كانت له اليد الطولى على الوظيف الديني – على القارئ الكريم أن يعود بفكره إلى ذلك العهد حيث كانت فرنسا هي الحاكمة بأمرها في أمور الدين الإسلامي- وفي مكتب هذا المدير أخبره بأنه وصلته معلومات مؤكدة تُفيد أنه كثير اللِقاءات مع الشيخ الزاهري الذي لم يكن من الذين تليق صحبته في نظر الإدارة الفرنسية، فما كان من الشيخ المهدي إلا أن أجابه قائلا: " إن الزاهري عالمُ وأديبٌ، وهذه الصفة المشتركة بيننا هي التي تجمعنا، فإذا كان الوظيف الذي أشغله يفرِضُ علي الإمتناع من صحبة العلماء، ويلزمني مصاحبة الجهلة والسُّفهاء، فإنِّي أضعه رهن تصرُّف إدارتكم" (1).
فلما رأى المدير هذا الموقف الصارم من الشيخ المهدي البوعبدلي، وأنه مستعد للتضحية بالمنصب والوظيفة في سبيل صحبة رجل الإصلاح وعضو جمعية العلماء المسلمين، تراجع وطوى الحديث قائلا: " إني رجل شريف، وحاشاني أن أكون من أهل هذا الرأي، بل غاية ما أردت هو إطلاعك على ما بلغني، لا غير"(2) ولم يتوقف الأمر بالشيخ المهدي البوعبدلي عند هذ الحد، بل أنه بمجرد خروجه من مكتب المدير، كتب رسالة يطلب فيها تحويله من وهران إلى مدينة أخرى أو قبول إستقالته فورا.
وهذا الموقف كان سببا في تحويله إلى مدينة بجاية لإمامة المصلين بجامعها الكبير، وفي هذه المدينة فتح الله عليه فتعرف على عائلاتها الكبيرة وأطلع على ما تحتويه مكتباتهم من مخطوطات وكتب وتقاييد، وقيض الله له من دله على مكتبة الباي القلي [ باي قسنطينة من سنة 1756 – 1771م، وهو جد الحاج أحمد باي آخر بايات قسنطينة ] التي كانت بحوزة إحدى العائلات البجاوية، فألح عليهم ببيعها له، وبالفعل فقد ابتاعها منه فظفر بكنز ثمين لا يقدر بثمن من الكتب التراثية والمخطوطات والوثائق ، وهي توجد حاليا في مكتبة الزاوية ببطيوة.

الهامش:
(1)و(2) – من مداخلة بعنوان " نشأة وحياة الشيخ المهدي البوعبدلي " للشيخ عياض البوعبدلي – شقيق المهدي - في ملتقى:
(( الشيخ المهدي البوعبدلي شهاداتٌ ووثائق))
إعداد: عبد الرحمن دويّب ( الأخ والصديق الكريم)
منشورات المكتبة الوطنية الجزائرية – الجزائر 2008م، ص 73

ترجمة مختصرة للشيخ المهدي البوعبدلي:

ولد عام 1907م في مدينة بطيوة التابعة لولاية وهران بالغرب الجزائري،بعد حفظ القرآن الكريم ومبادئ العربية، التحق بالمدرسة الفرنسية،ثم درس في معهد "مازونة" الفقه لينتقل إلى تونس لمتابعة دراسته في جامع" الزيتونة" التي تحصل فيها على شهادة التطوع،وعاد بعدها إلى الجزائرواشتغل بالإمامة والفتوى في وهران وبجاية والشلف، شارك في الحركة الإصلاحية ضمن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، كتب ونشر عن التراث والتاريخ الجزائري،كما حضرعدة ملتقيات في الجزائر وخارجها،توفي الشيخ عام 1992م.
من آثاره:- تحقيقه لكتابين هما "الثغرالجماني في ابتسام الثغرالوهراني" للكاتب أحمدبن سحنون الغريسي،وكتاب "دليل الحيران وأنيس السهران في أخبار مدينة وهران " لمحمد بن يوسف الزياني.
- ساهم في نشر كثير من تراجم علماء وأدباء الجزائر في المجلات والصحف والجرائد الجزائرية.
- نشر العديد من الدراسات والمقالات عن التراث الثقافي والعلمي لمعظم حواضر القطر الجزائري.
- ألقى مئات المحاضرات والمداخلات في مختلف المؤتمرات والملتقيات والندوات بالجزائر والخارج للتعريف بالتاريخ والتراث الجزائري في مختلف الميادين.

درقي
2011-11-20, 17:44
عالم جليل لم نسمع به في تاريخ الجزائر أبدا بارك الله فيك أخي أبو مريم

ابو مريم الجزائري
2011-11-21, 11:45
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الشيخ الصادق بوذراع رحمه الله (1892 - 1965م) أحد رجال العلم والاصلاح في مدينة تبسة المجاهدة، كان أحد أعمدة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بتبسة، وهو الرئيس الثاني لجمعية تهذيب البنين والبنات الشهيرة بتبسة التي أسسها الشيخ عبد العزيز حواس رحمه الله سنة 1929م، كما كان رفيق الشيخ العربي التبسي رحمه الله ، وموضع ثقته وحافظ أسراره، وقد تعرض للإعتقال والسجن من قبل السلطات الإستدمارية الفرنسية بسبب أعماله ومواقفه المؤيدة للجهاد والمجاهدين الجزائريين، ولم يطلق سراحه إلا أياما قبيل استقلال الجزائر( يوم 20 مارس 1962م) .
مما يروى عن مواقفه ومآثره الكثيرة، أنه كان - رحمه الله - عندما تصله مجلات وجرائد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين (كالمنقذ والشهاب والبصائر وغيرها) ليتكفل بتوزيعها وبيعها في مدينة تبسة وضواحيها، ونظرا لعدم قدرة المواطنين المالية في ذلك العهد على شراء الجرائد والمجلات رغم سعرها الزهيد، لما كانوا يعانونه من الفقر وصعوبة الحصول على لقمة العيش فلا يبيع منها إلا أعدادا قليلة جدا لا تتعدى أصابع اليدين، فكان الشيخ الصادق بوذراع رحمه الله يستدعي معلمي مدارس جمعية العلماء والمنخرطين فيها واحدا بعد الآخر، ويسلمهم ثمن شراء مجلات الشهاب والبصائر من ماله الخاص ولم يكن الرجل يملك إلا محلا يبيع فيه القمح والقهوة كائن في قلب تبسة القديمة.، ويطلب منهم أن يذهبوا لمحلات وأكشاك بيع الجرائد - وأن يتعمدوا أن يشاهدهم الفرنسيين وأذنابهم ومخبريهم - ويقتنوها علانية حتى يكيدهم، ويظهر لهم - الفرنسيين وأذنابهم- الإقبال على شراء جرائد الجمعية وارتفاع مبيعاتها، في الوقت الذي كان الفرنسيون يعلمون قلة ذات يد الجزائريين وعدم مقدرتهم المالية، ويهدف أيضا من هذا الموقف أيضا تشجيع الحركة الإصلاحية وشحذ همم رجال تبسة للالتفاف حولها وشد أزرها.

معلومة مستفادة من كتاب " مدينة تبسة واعلامها" للدكتور أحمد عيساوي، بتصرف.

كاترينا2
2012-02-26, 08:58
لم تكن نشاطات الإمام عبد الحميد بن باديس ( وغيره من رجال جمعية العلماء) التعليمية والتربوية مقتصرة على المساجد والمدارس في مدينة قسنطينة فقط، فقد امتد نشاطه إلى المدن الجزائرية الأخرى فكانت له زيارات ورحلات إلى معظم أنحاء القطر الجزائري رغم المضايقات والحواجز التي كان يضعها المستدمر الفرنسي وأذنابه في طريقه، ورغم بعد الشقة وطول المسافة، فقد تنقل في القطار وفي السيارة وفي أية وسيلة يجدها متوفرة في سبيل نشر الوعي وزرع الفهم الصحيح للإسلام على هدي السلف الصالح، وهذه نماذج من تسجيلات وكتابات بعضها بقلم الإمام، وبعضها بقلم تلامذته في وصف المدن والقرى التي زارها أو زاروها:

تعبير في القمة اشكركم
سعيت كثيرا لاجد مثل هذا التعبير وفيالاخير توصلت اليه اشكرك جزيل الشكر يا ابو مريم الجزائري

tarik13
2012-04-03, 15:36
جزاك الله خيرا .

الجليس الصلح
2012-06-24, 17:38
شكراااااااااا جزيلااااااااا بوركت على ما قدمت

عاشق التاريخ
2012-07-06, 14:56
شكرا بارك الله فيك على هذه المعلومات

karara17
2012-07-31, 01:12
شكرا على الموضوع الرائع

yassine.inf
2013-04-19, 14:40
بارك الله فيك

ابراهيم سوفي
2013-08-06, 07:31
http://img03.arabsh.com/uploads/image/2012/10/07/0d35464e66f40d.gif

عادل عبد الله
2013-09-01, 12:40
السلام عليكم ،
بارك الله فيك على ما قدمت .

البرنوس
2014-02-01, 17:43
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
اخي الفاضل , اذكر بالشيخ العالم الشيخ الطاهر بن عبد السلام وهو من سوق اهراس , وموقفه من الطرقية .
نقلا عن معجم البابطين لشعراء العربية .

شيء من هدي الرسول وأصحابه
فهـذا رسـولُ الله صـاحـبُ هَدْيـنـــــــــا ___________________________________

عـلـيـه صلاةُ اللهّ فـي كلِّ ســــــــــاعَةِ ___________________________________
وأصحـابُه الغرّ الكرام جـمـيعُهــــــــــم ___________________________________

لهـم لا كتســـــــــــاب الرزق أية حِرفة ___________________________________
نعـم إنّ بعضًا مـنهـمُ قـد تجـــــــــرَّدوا ___________________________________

عـــــــــــــن العَرَضِ الأدنى وآوَوا ل ___________________________________
ولكـنهـم لـم يفعـلـوا كشـيـوخنــــــــا ___________________________________

وحـاشـاهـمُ مـن فعـل شـرّ الـــــــــبريّة ___________________________________
أصـاحِ تـرى أن الشـيـوخ مقـامهـــــــــم ___________________________________

أجلُّ وأعـلى مـن مقـام الصحـــــــــــابة ___________________________________
فحـاشـا وكلاّ أن يسـاووا نعـالَهــــــــم ___________________________________

لأنّ لأصحـاب النـبــــــــــــــي كلَّ غرة ___________________________________
ويكفـيـهـمُ فخرًا ثنـاءُ كتـابنــــــــــا ___________________________________

عـلـيـهـم كـمـا فـي الفتح ثـــــم براءة ___________________________________
دعوة وتذكير
وهـا قـد دعـوتُ النـاسَ طرّاً لرشدهـــــــم ___________________________________

ولكـنْ قـلـوبُ القـوم ذاتُ أكـــــــــــنَّةِ ___________________________________
وأيـقـظتُهـم بـالشعـر مـن نـوم غـيِّهــــم ___________________________________

ولكـنَّ نـوم القـوم مـثلُ الـمـنــــــــيَّة ___________________________________
نعـم لـو دعـونـا للقطـيعة والخنـــــــا ___________________________________

وللـبـدع العـظـمـى للـبُّوا بســــــــرعة ___________________________________
أمَا والـدُّعـا لله والــــــــــحقّ والهدى ___________________________________

فهـم عـن سمـاع الـحق أصحــــــــابُ غفلة ___________________________________
ولستُ أبـالـي بـالطغام وقـولهــــــــــم ___________________________________

فـمـا بـالُ هـذا لـم يكـن ذا طريــــــقة ___________________________________
فإنَّ كتـاب الله ديـنـي وأسـوتــــــــــي ___________________________________

وسنَّة خـير الرسلِ تلك طريـقتــــــــــــي ___________________________________
وهـا قـد برزتُ الـيـومَ وحدي لـحـربـهـــم ___________________________________

أجـرُّ خمـيسَ الشعـر مـن غـير خشــــــــية ___________________________________
وكـيف أخـاف النـاسَ واللهُ شــــــــــاهدٌ ___________________________________

بأن الـذي أهـواه بثُّ النصــــــــــــيحة _____________________
http://www.almoajam.org/poet_details.php?id=1170#3450

http://im59.gulfup.com/lKH6v.png

Business.pro2100
2015-01-02, 12:54
موضوع مفيد .. شكرا جزيلا لك .

السنوسي الخطابي
2015-01-10, 10:22
جزاك الله خيرا

نمرالعمودي
2015-09-28, 20:39
الشيخ الشاعر محمد الأمين العمودي أحد مؤسسي جمعية العلماء المسلمين الجزائريين :
( 1308 - 1377 هـ)
( 1890 - 1957 م)
سيرة الشاعر محمد الأمين العمودي.

مناضل وشاعر وصحفي أعتنى بالإصلاح ..
الشهيد الشيخ محمد الأمين العمودي
لعب محمد الأمين العمودي دورا في الحركة الاصلاحية، باعتباره كان عضوا نشيطا في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، كما برزت هذه الشخصية التاريخية في عدة جوانب فقد كان مناضلا وطنيا، مصلحا، شاعرا، مترجما، وصحفيا. كان يعتني كثيرا بالإصلاح قبل ظهور جمعية العلماء المسلمين، فقد دعا على صفحات جريدة «الاصلاح» لصاحبها الطيب العقبي سنة 1930، إلى تأسيس جمعية دينية يلتقي فيها العلماء والمفكرون الجزائريون، يكون منهجها الاصلاح وأساسها الدعوة إلى الاسلام الصحيح.ولد الشهيد محمد الامين العمودي سنة 1890 بوادي سوف، من عائلة فقيرة ومحافظة، توفي أبوه وهو صغير فكفله عمه العلامة الشيخ محمد بن عبد الرحمن العمودي، الذي تعلم على يده القرآن الكريم ومبادئ اللغة العربية، وحين وصل سن التمدرس التحق بالمدرسة الرسمية الفرنسية الوحيدة بوادي سوف آنذاك، فحصل على الشهادة الابتدائية ثم التحق بمتوسطة بسكرة لكنه طرد منها، وعندما بلغ السنة السادسة عشرة تقدم إلى امتحان الدخول إلى المدرسة الفرنسية الاسلامية التي أنشأتها الادارة الاستعمارية لتكوين القضاة والمترجمين والوكلاء الشرعيين بكل من قسنطينة، العاصمة، وتلمسان، فحصل العمودي بمدرسة قسنطينة على شهادة وكيل شرعي.
بدأ الشهيد في نظم الشعر منذ كان طالبا، وكان شعره آنذاك يصوّر حياة البؤس والشقاء التي كان يعيشها الجزائريون، كما عبّر عن ذلك في إحدى قصائده، ثم تحول إلى الشعر الاجتماعي الساخر رافضا الخرافة، وداعيا إلى وحدة الشعب الجزائري ورفض الاستعمار.
كانت بدايته مع الصحافة سنة 1925، حيث كتب باللغتين العربية والفرنسية في أغلب صحف النهضة مثل جريدتي «النجاح» والإقدام والمنتقد والشهاب، الجزائر، صدى الصحراء والجزائر الجمهورية.
إنّ الثقافة الواسعة التي اكتسبها الشيخ محمد الامين العمودي، جعلته يرى الاشياء بمنظار الحق ويثور على الظلم ويدعو الى المساواة بين الفرنسيين والجزائريين، فالإدارة الفرنسية كانت تطلق اسم الاهالي على الجزائريين وتعتبرهم مجرد رعايا، وهذا ما كان يقلق بال محمد العمودي وغيره من المثقفين الجزائريين، لذلك ظل يناضل من أجل الدفاع عن الكرامة والحفاظ على مبادئ الشعب الجزائري وقيمه كاللغة والدين والتاريخ.
كان له موقف واضح من المستعمر الفرنسي، وهو فضح أفعاله وتوضيح اهدافه الخفية والمعلنة لضرب مقومات الشعب الجزائري، ظهر هذا الموقف في مقالاته الصحفية وأعماله الادبية والشعرية ونشاطه في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. وفي 5 ماي 1931، انعقدت جمعية عامة بنادي الترقي بالجزائر العاصمة حضرها عدد كبير من العلماء، كان محمد الامين ضمن وفد ناحية بسكرة مع الشيخين الطيب العقبي والشاعر محمد العيد آل خليفة، وقد نتج عن هذا الاجتماع تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وانتخاب محمد الامين العمودي كاتبا عاما لها لأنه كان يتقن اللغة العربية والفرنسية، فادى مهامه بعد ذلك في هذا المنصب خير آداء.
عند اندلاع الثورة التحريرية كان يتابع ما يكتب عنها باللغة الاجنبية ويترجمه إلى اللغة العربية، ليطلع عليه زملاؤه الذين لا يتقنون اللغة الفرنسية، طلبت منه السلطات الاستعمارية أن يقدح في الثورة والثوار، لكنه رفض ذلك، مما جعل المستعمر يضمر له الشر، لاسيما بعدما شك أنه هو الذي ترجم لائحة مطالب جبهة التحرير الوطني التي قدمت إلى هيئة الامم المتحدة، ونتيجة ذلك اختطفته عصابة اليد الحمراء وأعدمته دون محاكمة بتاريخ ال 10 أكتوبر 1957م ..

.................................................. ..........
الأعضاء المؤسسون لجمعية العلماء المسلمين بالجزائر :
1- الرئيس : عبد الحميد بن باديس.
2- نائب الرئيس : محمد البشير الإبراهيمي.
3- الكاتب العام : محمد الأمين العمودي.
4- نائب الكاتب العام : الطيب العقبي.
5- أمين المال : مبارك الميلي.
6- نائب أمين المال : إبراهيم بيوض.
أعضاء مستشارين:
7- المولود الحافظي.
8- الطيب المهاجي.
9- مولاي بن شريف.
10- السعيد اليجري.
11- حسن الطرابلسي.
12- عبد القادر القاسمي.
13- محمد الفضيل اليراتني
.................................................. ....................‏'

hichamabassi
2015-11-09, 16:43
http://www13.0zz0.com/2015/11/09/18/379662656.jpg (https://www.0zz0.com)http://http://www13.0zz0.com/2015/11/09/18/379662656.jpg (https://www.0zz0.com)من العلماء الشهداء ..الشهيد عباسي محمد بن لخضر..سيرة علم ومسيرة جهاد واستشهاد

منقول بتصرف عن كتاب "منطقة بن سرور ..جهاد متصل من الحركة الوطنية الى ثورة التحرير"http://http://www13.0zz0.com/2015/11/09/18/379662656.jpg (https://www.0zz0.com)

مولده ونشأته:
في يوم من أيام سنة 1911 ** وبقرية عين اعقاب الرابضة بين عدة قرى ودواوير على سفح جبل شاهق متصل بجبل الزعفرانية المنيع ..رزق الوالدان لخضر بن السـلامي بن محمد عباسـي المتصل نسبا بخالد بن زكري من ذرية سيدي محمد نائل، وحــدّة بنت أحمد بن المقــدم طاهري سليلة الأرومة نفسها، بطفل كان خامس إخوته الذكور وأصغرهم ، و قد علت الفرحة والابتهاج أرجاء البيت ترحيبا بالوافد الصغير، وبعد مشاورة سريعة في الأسرة استقر الرأي على أن يحمل المولود الجديد اسم محمد تبركا وتيمنا بصاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم ،لأن خير الأسماء ما عُبّد وحُمّد.
كان الوالد لخضر بن السلامي رجلا ميسور الحال نسبيا بمقاييس ذلك الزمن ، شهما جوادا مولعا بالفروسية وركوب الخيل وألعاب الفانتازيا ،معتدا بنفسه غاية الاعتداد ، معتدلا في آرائه وتصرفاته ،لم يعرف عنه تشددا أو تزمتا في الدين خارج أداء الفرائض المعروفة كسائر الناس، بل كان إلى اللهو وحب الاستمتاع بالحياة أقرب منه إلى التدين والالتزام بالفرائض الدينية ،ويروي أكبر أبنائه " موسى" أن والده كان ذا هيبة ومكانة وكان أبناء القرية يجلونه و يوقرونه يكنون له احتراما خاصا ، حيث كان الجميع ينادونه بالأب، ومع ذلك كان الرجل ذا مزاج غريب في حياته الخاصة وفي حياته الزوجية إذ لا يكاد يتزوج حتى يطلق، حيث تزوج إحدى عشرة امرأة ، أما سبب بقاء أم الأولاد في عصمته إلى آخر يوم في حياتها فلأنه كلما فكر في تطليقها وجدها حاملا فيتركها حتى تلد ثم ينتظر حتى يفطم الولد فيجدها حاملا من جديد وهكذا..، كما عرف عنه المواظبة على حضور المناسبات والأفراح مصطحبا فرسه وسلاحه حتى يظهر مواهبه في هذه الفنون التي يتقنها جيدا.
وفي هذه الأجواء الهادئة عاش الطفل محمد حياة عادية مستقرة ،وكان مفهوم الاستقرار في تلك الأيام يُترجَم بالإقامة الدائمة في مكان واحد بعيدا عن شظف العيش و حياة الحل والترحال ورحلة الشتاء والصيف التي عرف بها أبناء هذه الناحية خصوصا في السنوات العجاف حين يقل الزرع ويجف الضرع،ومما هو معروف لدى عامة الناس عن لخضر وأبنائه من بعده أنهم لم يرتحلوا خارج حدود منطقتهم قط مهما شحّت عليهم السماء و قست عليهم الظروف.
غير أن تلك الحياة العادية المستقرة التي نعمت بها الأسرة لم تدم طويلا، ولم تمنح الصبي فرصة الاستمتاع بحياة طفولة هادئة مطمئنة في كنف عناية ورعاية والديه ،إذ سرعان ما كشّر الدهر على أنيابه حين فُجع الطفل محمد بوفاة والدته على اثر عملية ولادة فاشلة قبل أن يكمل عامه الثاني، وبفقدها فقد الطفل الصغير الحضن الدافئ والصدر الحنون، وما هي إلا أشهر قليلة حتى تزوج الوالد من امرأة أخرى ولكنها كانت امرأة طيبة كريمة فاضلة فاحتضنت الطفل الصغير محمد وبقية الإخوة ، واستوصت بهم خيرا ،وعوضتهم حنانا بحنان وكانت لهم أما بعد أمهم ، واحتل محمد - باعتباره أصغر الأبناء - من نفسها وقلبها مكانا مميزا وغمرته بعطفها وحنانها فلم يشعر معها باليتم والحرمان. *
لكن كابوس الفواجع و مسلسل الآلام والمواجع لم ينته من حياته، و ما كاد يهنأ في ظل رعاية أمه الثانية حتى نُكب مرة أخرى بفقد والده ،وكانت الصدمة هذه المرة أشد و أقسى من أن يحتملها قلب الفتى الصغير محمد الذي بات يتيم الأبوين قبل أن يبلغ سن الخامسة من العمر، ومما زاد من آلامه وحرمانه خروج زوجة الأب من حياة الأسرة وانتقالها إلى بيت والدها لتبدأ حياة أخرى تاركة الطفل وبقية إخوته يكابدون ظروف اليتم والحرمان وآلام الفراق.
ولأنه كان خامس إخوته وأصغرهم سنا، فقد كان الطفل محمد أثيرا لدى أشقائه حبيبا إلى قلوبهم قريبا إلى نفوسهم، خصوصا لدى شقيقه الأكبر (موسى)، الذي كان عنده بمنزلة الابن، ويذكر موسى كيف كان يأخذ شقيقه الصغير لينام بجانبه محاولا تسليته والتخفيف عنه بعد أن تعذر عليه النوم طيلة أيام نتيجة استغراقه في نوبات من البكاء الهستيري حين وجد نفسه يتيم الأبوين ، ونتيجة لحالة التشتت الأسري والفراغ العاطفي التي حدثت في الأسرة خصوصا بعد فراق زوجة الأب وما كان يسببه ذلك الفراق من ألم وحزن للطفل و لبقية الأخوة.
ظل الصبي محمد في رعاية شقيقه الأكبر موسى الذي لم يدخر جهدا في سبيل تربيته ورعايته وإسعاده، وما إن رأى من علامات النباهة والذكاء عند شقيقه الصغير حتى آل على نفسه أن يتكفل به ويعتني بتربيته ويمكنه من مزاولة الدراسة والتعلم عسى أن يكون له شأن، وهكذا خطا به خطوته الأولى على درب العلم والمعرفة بأن توجه به نحو الكتاتيب القريبة لينال قسطا من القرآن الكريم وحفظ بعض المتون، غير أن الفتى محمد أبان منذ الأيام الأولى عن استعداد فطري واضح للتعلم، وأظهر رغبة جامحة في مواصلة تحصيله مما شجع شقيقه موسى على أن يخطو به الخطوة الثانية على المسار ذاته حيث توجه به شطر مدرسة الشيخ على بن عمر بطولقة (الزاوية العثمانية حاليا) جريا على عادة أبناء ذلك الزمان، فمكث بها مدة أتاحت له حفظ القرآن الكريم ،ونهل من فيض علمها فدرس التفسير والحديث النبوي الشريف والفقه واللغة والأدب والحساب، على أيدي خيرة شيوخها منهم : الشيخ بن علي بن عثمان شيخ الزاوية آنذاك ، و الأستاذ المداني عثماني وعبد الله بن مبروك ،وتزود من مكتبتها العامرة بالكتب القيمة والمخطوطات النادرة في شتى علوم الدين واللغة والأدب، و تُعد هذه المكتبة من أغنى المكتبات الخاصة في القطر الجزائري.
وأثناء وجوده بالزاوية العثمانية تعرّف على أحد أبنائها النجباء، وشيخ من شيوخها الأجلاء، وهو الشيخ العالم الشهيد المصلح عبد الحفيظ جلاب *، وربما انتقلت إليه فكرة اعتناقه للفكر التنويري الباديسي الإصلاحي عن طريق هذا الرجل، وقد شكّل تحصيله العلمي من هذه الزاوية زادا شجعه على العودة إلى بلدته ومسقط رأسه "بن سرور" التي استقر بها فور عودته من طولقة ،وجعلها مركزا لانطلاق عمله التربوي والإصلاحي الذي كان هدفه الأسمى ورسالته في الحياة ، ونقل ما تعلمه هناك وجعله في خدمة جحافل المحرومين من نور العلم والمعرفة من أبناء مدينته ومنطقته.
غير أن السياسة الاستعمارية المستندة إلى قانون "الأنديجينا le code de l'idigénat * العنصري السيئ السمعة القائم على التجهيل والعمل على طمس الهوية الثقافية و الحضارية للشعب الجزائري ، لم تكن لتسمح للشيخ بمزاولة التدريس بالحرية التي يتمناها، خصوصا بعد أن أبان عن ميوله السياسية وبدأت تتكشف لها صلاته واتصالاته بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين وبأحزاب الحركة الوطنية الأخرى، بل إن علاقة الشهيد سي محمد بن لخضر بجمعية العلماء في هذه الفترة قد تأكدت، وصلاته بها قد توطدت ، وبات بالفعل صوتا عاليا من أصواتها المسموعة، وعنصرا نشطا من عناصرها في المنطقة ، وهنا بدأت رحلة المضايقات ووضع الحواجز و العراقيل أمامه من طرف إدارة الاستعمار و بإيعاز من أعوانها من الطرقيين والانتفاعيين ، وغالبا ما تكون حجج و مبررات المنع هي عدم الحصول على الترخيص الإداري اللازم من السلطات، لكن إصراره على أداء المهمة مهما تعددت العراقيل وتنوعت الضغوط جعله يفكر في تخصيص جانب من جوانب بيته الفسيح للتدريس نهارا ، أما ليلا فكان يخصصه لاستقبال بعض رفاقه وخلصائه لإلقاء بعض المواعظ و الدروس، تتخللها مسامرات ومناقشات تتناول الأوضاع العامة في البلاد وخارجها، ويروي أحد جلسائه أنه كان يملك مذياعا يلتقط به عددا من المحطات العربية،وقليلا من يملك مذياعا في ذلك الوقت، وعندما يحين موعد الأخبار ترانا وكأن على رؤوسنا الطير، وكانت إسرائيل قد احتلت فلسطين في ذلك العام، وكان الشيخ حزينا ومتأثرا جدا لما حاق بالشعب الفلسطيني وببيت المقدس نتيجة هذه النكبة الموجعة ، وعند انتهاء النشرة يغلق المذياع ويلخص لنا ما جاء في الأخبار ، وكان في كل مرة يقول : يا إخواني مأساة الشعب الفلسطيني ومأساة الشعب الجزائري واحدة ،غير أن مشكلة الجزائر أقل تعقيدا وهي ستتحرر عن قريب من الاستعمار الفرنسي ،أما مأساة الشعب الفلسطيني فهي معقدة جدا ويعلم الله كم يلزمهم من الوقت حتى تنتهي محنتهم ويتحرروا من الاحتلال الصهيوني، أما حين يسافر أو ينشغل لسبب من الأسباب فكان ينتدب مكانه تلميذه ورفيقه في الوقت نفسه الغربي العربي للقيام مقامه في مهمة التدريس.
كان الشهيد ضمن لجنة العلماء التي شكلها بن الضيف زيان بعد انتخابه رئيسا لأول مجلس بلدي لبلدية بن سرور سنة 1947 وتتكون هذه اللجنة من السادة : سي محمد بن لخضر عباسي، سي محمد بن معاش ،سي محمد بن رمضان بن داود ، ، ومهمة هذه اللجنة الاضطلاع بأمور القضاء والإفتاء و حل الخلافات والمنازعات التي تنشأ بين المواطنين وإصلاح ذات البين بينهم ، وغالبا ما كان الشهيد يركز في دروسه وخطبه على جوانب الإصلاح في أمور العقيدة وتطهيرها من البدع والخرافات دافعا طلابه ومريديه إلى الشد على زناد اليقظة الروحية والفكرية والوطنية كلما شعروا بالخطر الداهم يبتغي استئصال هويتهم أو ينال من دينهم ووطنهم، وقد جعله ذلك النشاط التربوي الإصلاحي ذو المضمون السياسي موضع ترصد ومتابعة وتهديد ومطاردة ،بل ضمن دائرة الاستهداف الجسدي من قبل السلطات الفرنسية.
وفي هذه الأجواء المتوترة العاصفة بينه وبين الإدارة الاستعمارية واصل الشيخ سي محمد عملية التدريس والتكوين والإعداد لتلاميذه التي بدأها بهمة ونشاط إلى غاية 1949 وهي السنة التي غادر فيها أرض الوطن قاصدا البقاع المقدسة لأداء فريضة الحج.
*في رحاب جمعية العلماء المسلمين الجزائريين:
رأى الشهيد عباسي محمد - كما رأى غيره- في ميلاد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين أملا جديدا يشرق في دنيا الجزائر المظلمة ، ونورا يضيء سماءها المعتمة بغيوم الظلم والجهل والتخلف والحرمان ، و ما إن برزت الجمعية إلى حيز الوجود عام 1931 حتى كان الشهيد وجها من وجوهها النشطة، وعنصرا من عناصرها الفاعلة في ناحية بوسعادة ، وبقي وثيق الصلة بالجمعية وبقادتها ، ينشط ضمن صفوفها ويشترك في صحفها و يتبنى نهجها ويتقاسم أفكارها مع ثلة ممن كانت لهم اهتمامات علمية وإصلاحية وسياسية من رفاقه أبناء الحركة الوطنية في ناحية بوسعادة عامة وأبناء الجمعية خاصة، نذكر منهم الأستاذ عيسى بسكر، وعبد القادر بن حميدة،ورفيقه وابن بلدته الشيخ سي محمد بن معاش ، والعربي بن بازة، و فكاني العموري، ، وعلي بيوض ،كما كانت له صلة واحتكاك بالشيخ نعيم النعيمي * أديب الفقهاء وفقيه الأدباء وأحد أصحاب فكرة إنشاء المعهد الإسلامي بمدينة بوسعادة ** ويحضر دروسه ومحاضراته كلما سمحت الظروف بذلك، كما شارك مع إخوانه ورفاقه في جهود النهضة والإصلاح عبر مشاركته المنتظمة في الندوات والمجالس التي كانت تعمل على توحيد الجزائريين وشحذ هممهم لمقارعة عدوهم الأول الجاثم على صدورهم قبل أرضهم، كما كان شديد الالتزام والمواظبة على حضور المنتديات والملتقيات السياسية والتربوية والإصلاحية التي كانت تعقدها الجمعية في أنحاء مختلفة من البلاد، من بينها مثلا حضور لقاءات وندوات "نادي الترقي" بالعاصمة، ومشاركته في افتتاح دار الحديث بتلمسان سنة 1937 ، وحرصه على الحضور والمشاركة في توديع الشيخ البشير الإبراهيمي يوم قرر السفر إلى المشرق العربي سنة 1952.
لقد انصب اهتمام الشهيد وانصرف جهده إلى أحوال بلدته الغارقة في ظلام الجهل والتخلف وانتشار البدع و الخرافات الباطلة والاعتقادات الفاسدة، وكان من أبرز نشاطاته الإصلاحية في المنطقة رفقة زميله ورفيق دربه في العلم والجهاد والاستشهاد الشيخ سي محمد بن معاش هو التصدي بقوة لدعاة الحركة الطرقية التي كانت متفشية في أوساط العامة نتيجة لانتشار الفقر والجهل ،و لم يكونا راضيين عن ضلالها ولا مطمئنين لتصرفات رجالها بعد أن رأيا أن دين الله في هذه الجهة قد غشيته غاشية من البدع والمنكرات ، فرفعا الصوت، وأعلنا النكير، وشددا التحذير،واعتبرا ما يقوم به أتباع هذه الحركة الضالة المضللة من قبيل الشعوذة والدجل والزندقة وتشويه الدين الحنيف، وتخدير الجماهير وتنويمها وإبعادها عن المطالبة بحقوقها الوطنية المشروعة في الحرية والتعلم والعمل والعيش الكريم، فسفّها دعواهم وحاربا أباطيلهم وضلالهم معتمديْن في ذلك منهج الجمعية الصارم في محاربة الطرقية وأتباعها، ذلك المنهج القويم المستند إلى نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة "ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون"(01) و "أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون "(02)و "قال هل يسمعونكم إذ تدعون ، أو ينفعونكم أو يضرون "(03).
وإذا كان أسلوب سي محمد بن لخضر عباسي في محاربة هذه الآفة والتوعية بمخاطرها على حاضر الأمة ومستقبلها قائما على اللين والحكمة والموعظة والمجادلة بالتي هي أحسن ، فإن الشيخ سي محمد بن معاش كان أكثر حدة وصرامة و لم تأخذه في دين الله لومة لائم، ولم يرق له ما كان يسمع ويرى إذ اعتمد أسلوبا مغايرا في مقارعة أصحاب البدع و الشعوذة يقوم على الزجر والتعنيف والشدة والتقريع أحيانا، وكأني بالرجلين - اللذين ربطت بينهما روابط الأخوة والمودة والمصاهرة والأفكار والتوجهات الإصلاحية والسياسية المشتركة برباط وثيق - قد عمدا إلى هذا النهج عن قصد وسابق تخطيط بحيث اتضح مع الوقت أن أسلوب المزاوجة بين الشدة واللين ينسجم تماما مع ظروف الناس واختلاف طبائعهم ودرجة وعيهم، و كانت له في نهاية المطاف نتائج ايجابية على المجتمع في حاضره ومستقبله.
لم تكن محاربة الشهيدين للشعوذة والدجل وأباطيل الحركة الطرقية التي كانت نهجا ثابتا وأسلوبا متبعا لدى بعض الزوايا لتحجب رؤيتهما إلى الحق أو تقودهما إلى التطرف والشطط وإطلاق الأحكام الجائرة و تعميم تلك الأوصاف والنعوت على بعض الزوايا الوطنية ذات النهج التربوي القويم التي كانت على الدوام منارات شامخة للعلم والمعرفة، وحصونا منيعة حاضنة لقيم الأمة وهويتها الثقافية والحضارية.
لقد ساهمت جهود الشيخين الإصلاحية والسياسية مساهمة واضحة في إعادة تشكيل الوعي الفكري والاجتماعي لأبناء المنطقة ، و انتسب إلى صفوف الجمعية عدد معتبر من رجال تلك الفترة و شبابها ببن سرور نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر : بن الضيف زيان الذي كان من أوائل من ربطوا الاتصال بالجمعية وكانت تصله صحفها ومنشوراتها بانتظام ،دحماني أحمد بن عامر ، بن الضيف "القائد" البشير ، سي عبد الرحمان بن صوشة ، بن الضيف البشير، محمدي مصطفى بن عطية ،طويري امحمد ، بن محجوبة زيان ، بن الضيف الحفناوي ،الغربي العربي ، حبيب محمود ، ، دحماني السقاي ، بن الوناس السعيد ،بن خناثة الدواحي، صديقي البشير، بليح امحمد ،بن صوشة علي ، الحامدي أحمد وغيرهم.
*على درب النضال السياسي الوطــني:
مع مطلع العام 1946 أخذ الشهيد يعمق نضاله الوطني ، وأضحت له نشاطات ومساهمات واضحة ضمن أحزاب الحركة الوطنية الناشطة في الساحة آنذاك عبر صحفها ومنتدياتها ، خصوصا حزب الشعب الجزائري (PPA PARTI DU PEUPLE ALGERIEN. ، وحزب أحباب البيان والحرية AMIS DU MANIFESTE ET DE LA LIBERTE A.M L ، وحزب الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري (U .D.M.A UNION DEMOCRATIQUE DU MANIFESTE ALGERIEN) ، وكانت مدينة بوسعادة آنذاك تمثل ملتقى للمناضلين من أجل القضية الوطنية وبرزت فيها أسماء وطنية معروفة من أمثال: الأستاذ عيسى بسكر ،عبد القادر بن حميدة، العربي بن بازة ،فكاني العموري وغيرهم ، يقصدها قادة الحركة الوطنية بين الحين والآخر، ومنها ينطلقون إلى المناطق المجاورة لبوسعادة للوقوف على أحوال هذه المناطق وظروف سكانها ، والاتصال برفاقهم وأتباعهم هناك وتزويدهم بالنصائح والتوجيهات وما إلى ذلك.. .
ومن بين هذه الزيارات تلك الزيارة المشهودة،والخطوة المعدودة التي قام بها بعض زعماء أحزاب الحركة الوطنية إلى مدينة بن سرور سنة 1946 برئاسة الزعيم فرحات عباس* الذي كان مرفوقا بثلة من كبار القادة السياسيين من بينهم على الخصوص : محمد بوضياف ،أحمد فرنسيس ،عبد القادر الأغواطي ،بومنجل يرافقهم بعض ممثلي الحركة الوطنية بناحية بوسعادة من أمثال: سي عيسى بسكر ، عبد القادر بن حميدة ، الحاج العربي بن بازة، الباهي عامر،إبراهيم سرقين،عماري عبد القادر، بوزيان جلول،عمر قطاي وآخرون، بمناسبة حملة التحضير والتوعية للانتخابات البرلمانية المقررة في تلك السنة، فاستقبلوا بالمدينة استقبالا شعبيا حافلا بالخطب والأناشيد الوطنية الحماسية، و أعد لهم سكان المدينة ما يليق بهم من حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة وقد اتخذ الوفد من بيت الشهيد شي محمد عباسي مقرا للإقامة والضيافة ومكانا للاجتماع، وأصبح هذا البيت شاهدا على رمزية هذا الحدث التاريخي الكبير وأهميته وتأثيره في تاريخ هذه المنطقة .
ومع أنه كان من شبه المؤكد أن هذه الزيارة حصلت في النصف الأول من سنة 1946 ،غير أن هناك سؤالا وجيها يثيره البعض و تبقى الإجابة عنه معلقة حول السبب الحقيقي للزيارة برأيهم ..هل هي ترويج ودعوة للمشاركة في انتخابات 02 جوان 1946 التي شارك فيها عباس فرحات بحزبه الوليدU.D.M.A وحلفاؤه من جمعية العلماء؟ أم جاءت للدعوة إلى المقاطعة وعدم المشاركة في انتخابات 10نوفمبر 1946 التشريعية التالية التي قاطعها عباس وحلفاؤه وشارك فيها مصالي الحاج وحزبه الجديد M.T.L.D ؟.
غير أن مجريات الأحداث تؤكد أن الزيارة جاءت لحث المواطنين ودعوتهم إلى المشاركة في انتخابات 02جوان 1946 التي كانت نتيجتها لصالح فرحات عباس وحلفائه من العُلمائيين وغيرهم حيث حصد 11 مقعدا من أصل 13 مقعدا مخصصة للجزائريين في المجلس التأسيسي الثاني(01) ، في حين لم يحصل الاشتراكيون على أكثر من مقعدين ، أما الشيوعيون فلم يحصلوا على أي مقعد.
وبفضل هذه الزيارة الناجحة **، ونتيجة لعملية التوعية والتجنيد ورفع درجة الوعي الوطني في أوساط المواطنين تمكن فرحات عباس ورفاقه من تمرير خيارهم وفرض إرادتهم المتمثلة في دعم قائمة عباس وحلفائه في هذه الانتخابات، التي حقق فيها نتائج جيدة ، ومنيت فيها فرنسا ومشروعها وحلفاؤها ومرشحوهم بهزيمة سياسية قاسية، وكانت النتيجة التي حصلت عليها القائمة المدعومة من الفرنسيين ببن سرور 14 صوتا فقط ، فجن جنون فرنسا لهذه النكسة السياسية التي لحقت بها ، وراح مسؤولوها يخبطون يمينا وشمالا بحثا عمن كان وراء هذه الهزيمة، وألقوا باللائمة في ما حدث على عاتق من كانوا يظنون أنهم أنصار فرنسا وخدامها في المنطقة ، فتوجهوا رأسا إلى الآغا أحمد بن الضيف وأخيه الحاج زيان يسألون عن الأسباب التي أدت إلى هذه الخسارة، فكان ردهما أن قيم الحرية ومبادئ الديمقراطية الفرنسية تعطي للمواطن الحق في أن ينتخب من يشاء أو يقاطع إن أراد المقاطعة.. فسأله المسؤول : دعني من أصوات المواطنين العاديين أين هي أصوات عائلة الآغا وحاشيتهم وحراسهم وخدمهم و.و.و الخ ؟ وازداد حنق السلطات وسخطها وفهمت أن الخسارة نتيجة منطقية لزيارة وفد الأحـزاب الوطنية إلى بن سرور وترجمة عملية لتعليمات رجالها إلى الأنصار والمريدين،وقد أضمرت فرنسا شرا مستطيرا للمنطقة ورجالها* بفعل هذه الهزيمة النكراء ،وقررت أن تنتقم لنفسها ، وكانت الخطوة الأولى أن جمعت الأعيان الذين التقوا بوفد الحركة الوطنية وفي مقدمتهم الشهيد سي محمد عباسي ورفاقه** وقررت نفيهم خارج حدود المنطقة باتجاه عين الصفراء ، ولم تقرر السماح لهم بالعودة إلى ديارهم إلا بعد حركتي ضغط وتضامن واسعتين من طرف وجهاء وأعيان القبائل والعروش المجاورة،الذين هددوا بالتمرد والخروج على السلطات الاستعمارية الفرنسية إن لم تبادر بإطلاق سراح أعيان عرش أولاد خالد فورا ، وكان الشيخ سي مصطفى بن محمد القاسمي الذي كان شيخا لزاوية الهامل القاسمية في الفترة (1970.1928)، قد قام بوساطة وتدخل لدى الحاكم الفرنسي العام بالجزائر الذي كانت تربطه به وبالسلطات الفرنسية علاقة وطيدة لإيجاد حل للقضية ، وقد أثمرت هذه الجهود والضغوط والوساطات في ثني السلطات الفرنسية عن تنفيذ قرارها التعسفي ، واضطرت بعد هذه الحركة الاحتجاجية إلى إصدار أمر بإعادة الرجال المحتجزين إلى ديارهم ،ولولا تدخل الشيخ سي مصطفى القاسمي لانتهى الأمر بالموقوفين إلى النفي وربما الإعدام ، ومازال أبناء المنطقة يحفظون للشيخ الوقور سي مصطفى ذلك الموقف الرائع إلى اليوم.
غير أن الذي لاشك فيه هو أن هذا المهرجان السياسي والنجاح الذي حققه قد شكل نقطة تحول فاصلة في تاريخ هذه المنطقة النضالي، وأعطى إشارة انطلاق لمرحلة نضالية حاسمة للمنطقة وأبنائها ضد الوجود الاستعماري البغيض ، كما شكل من جهة أخرى بداية لمرحلة جديدة في مسار الشهيد عباسي محمد وعلاقته المتأزمة بالسلطات الفرنسية التي أخذت تتطور بمرور الوقت من سيئ إلى أسوأ، حيث أن هذه السلطات لم تكن سعيدة بسبب السمعة الطيبة و المكانة اللائقة التي يحظى بها الرجل في أوساط أبناء المنطقة ،بل توجست منه وراحت تنظر بعين الشك والقلق والارتياب لأية حركة أو نشاط يقوم به الشيخ ، وأحاطته بمراقبة سرية دقيقة، وبدأت تترصد أقواله وأفعاله وتحركاته، فقابل هذا التضييق والمراقبة بوضع احتياطات أمنية صارمة، واتخذ لنفسه أعلى درجات الحيطة والحذر خلال تنقلاته إلى مختلف جهات الوطن، بحيث إذا سافر بالقطار مثلا عاد بالحافلة أو العكس .
لكن هذه النشاطات السياسية على أهميتها وكثافتها لم تكن لتصرف اهتمام الشهيد عن هدفه الرئيسي وهو العمل التربوي المتصل من أجل تهيئة الشباب وإعداده ليوم عظيم لا ريب فيه يحق الحق ويبطل الباطل، وكان المسجد العتيق ببن سرور الذي كان الشهيد إماما خطيبا به أفضل مكان للقيام بهذه المهمة الجليلة ، حيث كان هذا المسجد جامعا وجامعة ومركز إعداد وتوعية وتنظيم وتدريب في الوقت نفسه ، وكان من ثمار عمله التربوي والتوعوي هذا أن برزت على يديه نخبة طيبة من شباب المنطقة تشبعوا بالقيم الوطنية الأصيلة وروح الجهاد والاستشهاد،فانخرطوا في أتون الثورة المباركة منذ أيامها الأولى ومن هؤلاء: بن عزوز محمد(شهيد)،العيشي الأزهري (شهيد)(01)، دحماني عيسى(شهيد)،بن السلامي مخلوف(شهيد) جلد عطية (شهيد)، بن سديرة أحمد (شهيد)حبيب أحمد (مجاهد)، محمودي محمود (مجاهد)،عباسي عبد الرحمان(مجاهد)،الغربي العربي(مجاهد) ، عمار القبايلي (مجاهد)، بن صوشة عبد الكريم (مجاهد)، مزياني صالح(مجاهد)، لبادي محمد بن البشير(مجاهد) ، بن الوناس العمري (مجاهد)، عامر دحماني (مجاهد) بن الموفق عبد القادر (مجاهد)،بن صوشة محمد الصغير(مجاهد)، بن الوناس أحمد (مجاهد) ،بن عزوز الصحراوي(مجاهد)،ومن تلاميذه أيضا سعدي عثمان ، العشي العربي ، محمودي عبد العزيز ، بن قسمية عمر، مني محمد ، الحامدي سليمان ، الحامدي محمد ،خضار بوسعيد ،بوناب بلال وغيرهم..ولقد كان هؤلاء الفتية النجباء الذين آمنوا بربهم ووطنهم مثالا في الإخلاص والتضحية وروح الفداء ، فكانوا جميعا على موعد مع التاريخ حين لبوا نداء الوطن و انخرطوا في ركب الثورة التحريرية المباركة "فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا" (02).
*في ركب الثورة التحريرية:
لقد تعلقت همة الشهيد سي محمد بن لخضر عباسي بالدفاع عن وطنه منذ تفتحت عيناه على الواقع المرير الذي فرضه الاستعمار البغيض على وطنه وشعبه،وضاق صدره مما يسمع ويرى ،وبإحساس الرجل الوطني المناضل المتشبع بأفكار الحركة الوطنية، الشاهد على جرائم فرنسا ضد الشعب الجزائري في مجازر الثامن ماي 1945 الدامية ، لم يكن ليفوّت سانحة أو يترك مناسبة إلا وعبر فيها عما يحس به من مشاعر الحزن و الألم ، وما بداخله من براكين الثورة والغضب من جور الاستعمار وظلمه وعسفه وبشاعة جرائمه، وما كان يمر يوم إلا و تعلق قلبه بالأمل في تغيير هذا الواقع الظالم المظلم إلى واقع آخر أكثر عدلا وإشراقا وإنصافا ، وبحس المناضل أيضا وإيمان المؤمن كان يدرك أن انتصار الثورة أمر لا ريب فيه وحتمية تقرها قوانين الأرض وشرائع السماء، وأن ليل الاستعمار الطويل ستبدده حتما شمس الحق التي ستشرق مع الرصاصات الأولى لثورة نوفمبر المجيدة .
التحق الشهيد بالثورة مبكرا وبارك انطلاقتها المباركة منذ بيانها الأول، وكان في طليعة من أيدوها وناصروها* ، مسلحا بإيمانه بالله وحب وطنه، مسترشدا برصيده النضالي الطويل في الحركة الوطنية، وقد لاحظ القريبون منه تحركاته غير المعهودة خلال الأشهر التي سبقت اندلاع الثورة ، بحيث تعددت تنقلاته إلى الجزائر العاصمة وإلى جهات أخرى خلال تلك الفترة في مهمات سرية على ما يبدو ،وكان في بعض هذه الأسفار يصطحب معه جاره وجليسه و رفيق دربه في الجهاد والاستشهاد الشهيد بلوناس السعيد**.
وباعتباره كان المحرك الأول للثورة في أوساط تلاميذه وأنصاره ومريديه، والمشجع لهم على مؤازرتها والانضمام إلى صفوفها ، فقد نجح الشهيد - بالفعل - في استثمار شبكة الروابط و العلاقات النضالية الواسعة التي كان أقامها في الفترة السابقة لاندلاع الثورة مع كل من كانت له مواقف وطنية مخلصة للجزائر وقضيتها ومعادية للاستعمار ورموزه ، ومن بين هؤلاء بعض الشخصيات الثورية المحلية وخصوصا القائدان الشهيدان علي بن المسعود ،وبن الضيف البشير ،وغالبا ماكانت هذه الاتصالات تتم بمبادرة من الشهيد علي بن المسعود فيأتي للقائه في البيت أو في المسجد وأحيانا بنواحي وادي الشعير،وأعتقد أنه كان يفعل الشئ نفسه مع سي محمد بن معاش أيضا، وقد وظف الشهيد هذه الروابط و العلاقات بالشكل الذي يخدم الثورة في المنطقة ويحقق أهدافها وغاياتها.
كما كانت للشهيد صلات واتصالات بطلائع جيش التحرير الوطني بالمنطقة ،و توطدت بينه وبينهم علاقات تنسيق وعمل وثيقة منذ وقت مبكر ، وكان دائم اللقاء بالقائد زيان عاشور في إطار مساعيه لتوعية أعراش المنطقة وتوحيد كلمتها وحثها على الانضمام إلى العمل الثوري، بالإضافة إلى صلته بالعقيدين سي الحواس ومحمد شعباني ورفاقهما إضافة إلى الشهيد الرائد علي بن مسعود كما سبقت الإشارة.
وكان الشهيد حاضرا ومواكبا للتحركات والاتصالات الأولى التي جرت مع بداية 1955 تحضيرا لإشعال الثورة في المنطقة، فحضر الاجتماع التنظيمي الأول المنعقد بناحية امدوكال رفقة مجموعة من رجال المنطقة منهم على الخصوص: دحماني أحمد بن الحاج عامر ،سي عبد الرحمن بن صوشة ،يرافقهم علي بن المسعود* بإشراف وتأطير قيادات عسكرية من الأوراس ، بل كان الشهيد عباسي محمد مطلعا ومتابعا بدقة للقاءات الفردية التي جرت بعد ذلك بوقت قليل بين موفدي الشهيد مصطفى بن بولعيد وهم: محمد بن أحمد عبدلي ،الصاق جغروري، والحسين بن عبد الباقي ،يرافقهم الشهيد علي بن المسعود بوصفه قائدا عسكريا من أبناء الجهة العارفين بدروبها ومسالكها وسكانها ، وبين كل من : دحماني أحمد بن عامر في جبل القنانة ، وبن الضيف العلا في جبل ميزارزو بالقرب من الزعفرانية وكان يومئذ يشغل منصب رئيس بلدية بن سرور خلفا لوالده بن الضيف زيان، حيث زودهم ببعض الأسلحة التي كانت معه ، وطويري امحمد في جبل الميمونة. وكان الغرض من تلك اللقاءات هو جمع الأسلحة لفائدة الثورة و دراسة الطبيعة الجغرافية للمنطقة ،واختيار الأماكن المناسبة لتمركز جنود جيش التحرير والبحث في تشكيل الخلايا الأولى للثورة وإعداد اللجان ومراكز التموين واختيار الرجال.وربما يكون الاختيار قد وقع على جبل الزعفرانية الحصين ليكون مقرا دائما لقيادة الثورة منذ تلك اللقاءات الأولى بالنظر لموقعه الاستراتيجي وكثافة أشجاره ووعورة مسالكه ، وما ان علمت فرنسا بهذه العلاقة وهذه التحركات حتى أدركت خطورة الرجل دوره وتأثيره، فسعت بكل الوسائل لتحُول بينه وبين المجتمع، ولما يئست - بعد أن اختبرت عزمه وصلابة موقفه وصموده أمام أساليب الترغيب والترهيب التي انتهجتها معه -كشرت عن أنيابها وحاولت أن تجرب معه أسلوبا آخر فبدأت بمضايقته ومطاردته ومصادرة ممتلكاته وكتبه ووثائقه ومخطـوطاته، وما بقي من هذه الكتب في أيدي أصدقائه وتلاميذه بادروا إلى التخلص منها مخافة بطش السلطات الاستعمارية، وبالرغم من أنه كان يخفي نشاطاته السياسية و الثورية تحت غطاء التجارة حين فتح متجرا له بوسط المدينة إلا أن السلطات الاستعمارية ظلت له بالمرصاد خصوصا بعد أن أحرقت متجره ومتجر رفيقه سي محمد بن رمضان بن داود البوسعادي وجزءا من مقهى رفيقه الشهيد بلوناس السعيد ، بعد العملية الفدائية الناجحة التي استهدفت عناصر الدرك الفرنسي بالمدينة.*
وبحكم دوره السياسي السابق و مكانته العلمية وشبكة علاقاته الاجتماعية فقد كان قادة الثورة يطلبون رأيه في بعض المسائل الشرعية وقضايا الصلح، والقضاء وفض المنازعات وتطبيق بعض العقوبات ومسائل أخرى .."ومن قضاة المنطقة الثالثة للولاية السادسة التاريخية الشيخ عباسي محمد بن الأخضر الذي كانت له فاعلية وتأثير في الوسط الاجتماعي لما يمتاز به من صفات علمية وثقافية وقمة في الوطنية ومجابهة المستعمر
الفرنسي...وبعد اندلاع الثورة ساهم في بث الأفكار وتكوين اللجان والخلايا والتطوع لصالح الثورة التحريرية فكان القاضي والمحرض والمجابه.."(01).
لقد تعرض الشهيد أثناء جهاده إلى مخاطر جمة ، وظل مطاردا و دمه مهدرا من قبل جيش الاحتلال، ونتيجة لاشتداد المطاردة وإحكام طوق التضييق والمراقبة المستمرة حوله، أشار عليه بعض الأصدقاء بتدبير أمر ترحيله إلى تونس أو المغرب ، ويروي المجاهد مسعودي بن سالم أن قيادة الثورة بالزعفرانية وردت إليها رسالة من تونس سنة 1958 تأمر بضرورة الإسراع في إخراج الشهيدين عبد القادر بن حميدة وسي محمد بن لخضر عباسي عبر الحدود إلى تونس (02) بعد أن وصلتها معلومات تؤكد استهدافهما من طرف جيش العدو بالتصفية الجسدية أو بالاعتقال، لكن الشهيد بدا غير مقتنع تماما بهذا الطرح و رفض فكرة الخروج من الجزائر تحت أي ظرف من منطلق إيمانه أن مقارعة العدو ينبغي أن تكون من داخل أرض الوطن، وبدل ذلك آثر الخروج من مدينة بن سرور للعيش متخفيا بين شعاب المنطقة وجبالها، بعيدا عن أعين الاستعمار وأعوانه حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
*صفات الشهيد وجوانب من شخصيته وخصاله:
الذين عايشوا الشهيد عن قرب واحتكوا به احتكاكا مباشرا من أقربائه و أصهاره ورفاقه وتلاميذه يذكرون صورا من حياته ويروون عنه بعض المواقف والتصرفات وما تميز به من مناقب و خصال ، حقيق بنا أن نعرف جوانب منها ونتوقف عند بعضها .
و في غياب أي رسم أوخط أو وثيقة أو أي أثر من آثاره ،لأن الاستعمار الفرنسي لم يترك لنا من آثاره ومتعلقاته أي شي باستثناء صورة شمسية واحدة عُثر عليها بعد مضي عدة سنوات من الاستقلال الوطني مع بعض أصدقائه وقد كَتب على ظهرها بخط يده بيتين من شعر تمثلهما من شعر المنفلوطي وكأنه كان يتوقّع قرب نهايته ، وهما:
أيها الناظـرون هذا خـيالي فيه رمـزُُ بالاعتـبارِ جديـُر
لا تظنوا الحياة تبقـى طويلا هكـذا الجسم بعد حين يصـير
وحرصا منا على رسم صورة تقريبية عن شخصية هذا الرجل ومعرفة المزيد عنه ومحاولة نقل هذه الصورة لمن يرغب في معرفتها ممن لم يعاصره، اتصلنا ببعض أصدقائه وتلامذته في المنطقة ، وببعض أفراد أسرته وأصهاره ومعارفه* فكانت هذه الصورة.
كان الشهيد ربعة نحيلا، أسمر مستدير الوجه، أسود الشعر، ذو عينين سوداوين بهما حِـدّة،يطلق لحية خفيفة مهذبة، على وجهه ملامح النجابة وعلامات المهابة، متوسط البنية، يشكو بين الحين والآخر من اعتلال صحته بسبب إصابته بقرحة معِدية ،خفيف المشية سريع الخطو، خافت الصوت، يعتم عمامة بيضاء على عادة أهل المنطقة ،يلبس من الثياب الجيد النظيف وغالبا ما يكون عبارة عن عباءة " قندورة بوسعادي" بيضاء تحتها قميص و سترة بها ساعة، وفوقها برنوس من الصوف الأبيض الرقيق حسب حالة الجو ،وينتعل حذاء خفيفا أو "بلغة" ، و كان رحمه الله يواظب على ارتداء اللباس الأبيض في حالتين ، في صلاة الجمعة ، وفي حال السفر.
نشأ الشهيد سي محمد عباسي وطنيا معتزا بجزائريته ، متمسكا بدينه، مؤمنا متين العقيدة، واقفا على حدود الله ، قائما بسننه وفرائضه، مصلحا عريق النسبة في الإصلاح، وثيق الصلة برجاله، بعيد الغور في التفكير، سديد النظر في الحكم على الأشياء،معتدل التفكير شعاره "ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" *(سورة النحل الآية: 125) عالي الهمة ،باذل النعمة ،كثير النصح ، بعيدا عن التصنع و المظاهر ، حرا صريحا لاذع الصراحة فيما يعتقد أنه حق، شجاع الرأي ، غيورا على وطنه غيرته على دينه، زانه العلم وجملته الأخلاق وحنكته التجارب والمحن.
كان رحمة الله عليه لا يأمر بمعروف حتى يكون أول العاملين به، ولا ينه عن منكر حتى يكون أول التاركين له، وكانت المبادئ عنده ثوابت ليست قابلة للمساومة ، عُرف عنه أنه كان حادّ الذكاء، متوقد الذهن، قويّ الذاكرة، قليل الكلام، وإذا تكلم أوجز، مؤثرا للصمت أحيانا، منكِرا للثرثرة والتشدق الفارغ، لأنه يرى في ذلك نقيصة وإضاعة للوقت الثمين من غير فائدة، وكان مولعاً بالمطالعة واقتناء الكتب، فاتخذ الكتاب جليسه وصاحبه وأنيسه، وقد ساعدته ذاكرته القوية في حفظ الكثير من المتون والنصوص والْتهام الجيد والمأثور من ثمرات العقول شعرا ونثرا، ويذكر بعض معارفه أنه كان يمتلك مكتبة ضخمة بها أمهات الكتب وبعض المخطوطات النادرة، لكن السلطات الاستعمارية صادرت هذه المكتبة وكل الوثائق والمقتنيات، وحتى تلك الكتب التي اعتقد الشهيد أنه هرّبها وأمّنها في متجره بالمدينة طالها الحرق و التدمير حين تم حرق متجره بالكامل. *
عرف عنه أنه كان سخيا جوادا ، يكرم ضيوفه ويبالغ في إكرامهم ، وكانت له صدقات مستورة للفقراء والمحتاجين لا يعلمها إلا بعض تلاميذه الذين ينوبون عنه في إيصالها إلى مستحقيها. وكان مع أهله على نهج الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم القائل : (خيركم خيركم لأهله ،وأنا خيركم لأهلي) (01) يرشدهم برفق ولين، ويأكل مما يشتهون، ويوسّع عليهم، ويلبّي مطالبهم وحاجاتهم بما فاء الله به عليه وبما تيسر له، كما كانت له أساليب وطرق خاصة في تربية أطفال الأسرة الصغيرة والكبيرة، وتعليمهم آداب الأكل والشرب والجلوس وما إلى ذلك.
عرف عن الشهيد ـ رحمه الله ـ أنه كان يتهيب الإفتاء، ويتحاشى الخوض فيه ما استطاع إلى ذلك سبيلا، على الرغم من أنه كان أهلا لذلك،ولكنه كان يقدّر عاقبة الإفتاء وخطورته بنص القرآن والسنة ،قال تعالى :"ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا"(02) ، وقوله صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤوسًا جُهّالاً فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وأضلّوا"(03) ، وقد روى بعض مجاهدي الثورة* أنهم طلبوا منه ـ ذات مرة ـ رأيه في قضية ميراث عرضت عليهم، فأبدى تبرمه وعدم استعداده للإفتاء فيها، وطلب منهم عرض سؤالهم على غيره، فأصروا على سماع رأيه هو فامتنع، فلجأوا إلى حيلة حيث تظاهروا أمامه بدراسة القضية والقول فيها بأنفسهم ما دام لا يريد هو إعطاء رأيه في المسألة، وأثناء مناقشتهم للأمر لم يتمالك نفسه وتدخل بحدة معاتبا إياهم على استصغارهم للأمر والقول في الموضوع بغير علم، ثم أجابهم عن المسألة على الوجه الصحيح.
وحتى في حياته الخاصة عرف عن الشهيد أنه كان شديد العناية بتنظيم شؤونه ،حريصا على ترتيب أوقاته، دقيقا في ضبط مواعيده، لا يقدم فيها ولا يؤخر، بحيث يكون من الممكن معرفة الوقت الذي يمر فيه من هذا الطريق أو ذاك المكان **، كما كان شديد الحرص على أن تكون أعماله منسجمة ومنظمة ولها معنى وهدف، وفيها مصلحة له ولمن هم حوله، تواقا لحيازة المناقب والخصال النبيلة والمثل السامية.
لقد كان من أسباب نجاح الشيخ في أداء الأمانة الثقيلة ، أمانة العلم والإصلاح والجهاد التي حلم بها و حملها في قلبه وضميره طوال سنوات حياته ، ولم يؤده حفظها و نشرها والتبشير بها بين قومه ومحبيه و طلابه ومريديه ، أنه كان طاهر السريرة صادق العزم ، مؤمنا بما يقوم به ، ولم يكن يسعى لدينا زائلة يصيبها، أو لزعامة زائفة ينالها، ولكنه كان يجاهد في سبيل الله وفي سبيل عزة وطنه وكرامة شعبه، وفي سبيل ما يؤمن به من قيم ومُثل عليا فتحقق له ما أراد.
*في رحاب الله مع الصديقين والشهداء:
ظل الشهيد طوال سنوات نضاله الحافلة تحت مجهر المراقبة العسكرية الفرنسية الدقيقة، والمضايقة الأمنية اللصيقة، مطاردا من مكان إلى مكان، ورغم أنه كان يواجه تفنن السلطات الاستعمارية في مطاردته ومحاولة الإيقاع به بتفننه أيضا في المراوغة وابتكار الحيل والأساليب وطرق التضليل والتمويه التي تجعله يفلت من الوقوع في شباكها ،فمن تغيير مكان إقامته باستمرار، إلى اختفائه الكلي في ساعات النهار ،إلى مغادرته النهائية للمدينة واحتمائه بشعاب المنطقة وجبالها.
وفي شهر نوفمبر 1958 وأثناء زيارة خاطفة قادته لزيارة شقيقه (الحاج بن لخضر) الخارج لتوّه من المعتقل ، حيث أطلقت السلطات الفرنسية سراحه من معتقل بوسعادة بعد تدهور حالته الصحية بسبب التعذيب ـ ويبدو أن فرنسا كانت تنتظر هذه الفرصة، فجعلت من هذه الزيارة مصيدة للإيقاع بالشهيد ـ فترصدت له عن طريق عيونها و أعوانها من الخونة والعملاء، وهكذا وبمجرد وصول الشهيد إلى بيت شقيقه، حرك الجيش الفرنسي قوة عسكرية كبيرة من قـواته المرابطة بمركزي وادي الشعير وبن سرور بهدف الإطباق عليه من الجهتين وإلقاء القبض عليه دون أن تترك له فرصة للنجاة ،فوجد نفسه بين فكي كماشة، لكنه نجح في التسلل واختراق الطوق العسكري المضروب حوله، وبعد مطاردة شاقة له في أحراش المنطقة وجبالها استطاع التواري عن أنظار مطارديه والسير بوادي عميق يقوده إلى جبل منيع صعب المسالك ، ونظرا لوعورة المكان توقفت الآليات الفرنسية عن المطاردة، فأشار أحد الحركى على قائد العملية باستعمال الخيول فهي الأقدر على اللحاق به ، وكان الفلاحون وقتها منهمكين في حراثة الأرض بواسطة الأحصنة غير بعيد منهم ، فصدرت الأوامر من القائد العسكري باستعمال الخيول ، ويروي أحد الفلاحين * أنه عندما جاء العساكر ليأخذوا فرسه تعمد الإبطاء في نزع المحراث و فك الحبال حتى يعطي الوقت الكافي للشهيد للنجاة بنفسه، لكن الحركى تفطنوا للحيلة وعمدوا إلى تقطيع الحبال بالخناجر، وهكذا ما كاد الشهيد يصل إلى حضن الجبل حتى أمسك به العساكر وأفراد الحركى الذين كانوا على ظهور الخيل، وكانوا قد أصابوه عن بعد بجروح بليغة عطلت سيره، وفي هذه الأثناء كان الشهيد قد تمكن من إخفاء محفظة الوثائق المهمة التي كانت معه حتى لا تقع في أيدي عساكر الاستعمار، وقد عثر عليها أحد الرعاة بعد عدة أسابيع في مكان العملية..وهكذا وقع الشهيد سي محمد عباسي بعد سنوات من النضال والجهاد ،وبعد سنوات من المضايقة و المطاردة في قبضة الجيش الفرنسي الذي اقتاده إلى مقر القيادة العسكرية بوادي الشعير قصد معالجته واستنطاقه ومحاولة ثنيه عن دعم الثورة وتأييدها، ولما يئس المحققون أمام إصراره على مواقفه وعدم الحصول على أية معلومات منه ،أدركوا خطورة بقائه على قيد الحياة فقرروا تصفيته و التخلص منه بعد أيام قليلة من اعتقاله وتم إعدامه بدم بارد دون محاكمة ودون أن يرف لهم جفن مع اثنين من المجاهدين هما: عمار بن عون *و بن عطا الله الغربي** حيث اقتادوهم إلى "جبل ميزارزو" قرب الزعفرانية مقر قيادة جيش التحرير الوطني وضعوهم في مغارة في عمق الجبل وألقوا عليهم قنبلة، ويروي أحد السكان القريبن من المكان أنه سمع دوي القنبلة حوالي الساعة الخامسة صباحا ثم تلا ذلك إطلاق نار كثيف ربما ابتهاجا و احتفالا من قِبل الجنود الفرنسيين بتنفيذ جريمتهم البشعة ، و ذلك يوم الأثنين 10 نوفمبر 1958 حسب بعض الروايات، وكان عمره يومئذ 47 سنة (1911ـ 1958)،تاركا من الذكور خمسة ومن الإناث اثنتين، كلهم أعقبوا إلا واحدا مات قبل الزواج، وبعد الاستقلال نُقل رفاته وأعيد دفنه بمقبرة الشهداء بمدينة بن سرور.
إن أمثال هؤلاء الرجال ـ أصحاب الفضل علينا جميعا ـ لم يعيشوا لأنفسهم، بل عاشوا لمجتمعهم، ولوطنهم الذي آمنوا به، وجاهدوا من أجله، واستشهدوا في سبيله، ولم يكونوا يبغون عن استقلاله حولا ، ولا بغير حريته وكرامته بدلا ، إنهم الشهداء الأبرار..تيجان المجد ، فخر الأمم، أكرم من في الدنيا وأنبل بني البشر.
رحم الله شهداءنا الأبرار، وجزاهم عن الأمة والوطن كريم الجزاء، ورحم من قال في حقهم:*
هتفت بهـــم ريح العُلا فأجابـوا وإلى الوغـى بعـد التجهّـز ثابوا
علّمــوا الأجيــال أن صلاحهـا بجهادهــا والباقيات ســـراب
ملكوا نفوسَهم فباعوا واشتـــروا في الله ما خـــافوا العٍدا أو هابوا

mima64
2016-03-09, 16:58
جميل جدااااا