المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الانثروبولوجيا - مـدخـل إلـى علــم الإنسـان


أمجد الجلفـة
2009-05-16, 01:31
http://tbn0.google.com/images?q=tbn:eex8M5aM5A52XM:http://www.updwn.com/uploaded/1138/1165906768.jpg


مـدخـل إلـى علــم الإنسـان

الانثروبولوجيا
تقــديـم :
تعدّدت الدراسات والاتجاهات التي تناولت الأنثروبولوجيا، في الآونة الأخيرة، بوصفها علماً حديث العهد، على الرغم من مرور ما يقرب من القرن وربع القرن على نشأة هذا العلم.
لقد اتّسعت مجالات البحث والدراسة في هذا العلم الجديد، وتداخلت موضوعاته مع موضوعات بعض العلوم الأخرى، ولا سيّما علوم الأحياء والاجتماع والفلسفة. كما تعدّدت مناهجه النظرية والتطبيقية، تبعاً لتعدّد تخصّصاته ومجالاته، ولا سيّما في المرحلة الأخيرة حيث التغيرات الكبيرة والمتسارعة، التي كان لها آثار واضحة في حياة البشر كأفراد و كمجتمعات .
وبما أنّ الأنثروبولوجيا تهتمّ بدراسة الإنسان، شأنها في ذلك شأن العلوم الإنسانية الأخرى، فهي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمجتمع الإنساني الذي توجد فيه، حيث تعكس بنيته الأساسية والقيم السائدة فيه، وتخدم بالتالي مصالحه في التحسين والتطوير .
ثمّة من يردّ بدايات تاريخ الأنثروبولوجيا إلى العصور القديمة، إلاّ أنّ الأنثروبولوجيين الغربيين، ولا سيّما الأوروبيون، يرون أنّ الأصول النظرية الأساسية لعلم الأنثروبولوجيا، ظهرت إبّان عصر التنوير في أوروبا (عصر النهضة الأوروبية )، حيث تمّت كشوفات جغرافية وثقافية لا يستهان بها، لبلاد ومجتمعات مختلفة خارج القارة الأوربية .
وقد قدّمت هذه الكشوفات معلومات هامة عن الشعوب القاطنة في تلك البلاد، أدّت إلى تغيّرات جذرية في الاتجاهات الفلسفية السائدة آنذاك، عن حياة البشر وطبيعة المجتمعات الإنسانية وثقافاتها وتطوّرها. وهذا ما أدّى بالتالي إلى تطوير المعرفة الأنثروبولوجيّة، واستقلالها فيما بعد عن دائرة الفلسفة الاجتماعية .
لقد انحسرت الفلسفة – إلى حدّ ما – في النصف الثاني من القرن التاسع عشر أمام التفكير العلمي، حيث تطوّرت العلوم الاجتماعية واستطاع العالم البريطاني / إدوارد تايلورE. Tylor / أن يرى في تنوّع أساليب حياة الشعوب وتطوّرها، ظاهرة جديرة بالدراسة، وأنّ علماّ جديداً يجب أن ينشأ ويقوم بهذه المهمّة. وسمّى تايلور هذه الظاهرة بـ" الثقافة Culture أو الحضارة Civilization " .
ومع دخول الأنثروبولوجيا مجال القرن العشرين، بأحداثه وتغيّراته العلمية والاجتماعية والسياسية، طرأت عليها تغيّرات جوهرية في موضوعها ومنهج دراستها، حيث تخلّت عن المنهج النظري وأخذت بالمنهج التطبيقي باعتبارها ظاهرة علميّة، إضافة إلى تحديد علاقة التأثير والتأثّر بينها وبين منظومة العلوم الاجتماعية والإنسانية الأخرى. حيث أصبحت النظرة الشاملة تميّز المنهج الأنثروبولوجي، الذي يتطلّب دراسة أي موضوع – مهما كانت طبيعته وأهدافه- دراسة كليّة متكاملة، تحيط بأبعاده المختلفة، وبتلك التفاعلات المتبادلة بين أبعاد هذا الموضوع وجوانب الحياة الأخرى السائدة في المجتمع .
ويأتي هذا الكتاب، ليلقي الضوء على أبرز الجوانب في علم الأنثروبولوجيا، من حيث أبعاده النظرية والتطبيقية. ولذلك، قسّم الكتاب إلى ثلاثة أبواب تضمّن كلّ منها عدداً من الفصول، على النحو التالي :
الباب الأوّل – تضمّن ثلاثة فصول، تحدّثت عن : مفهوم الأنثروبولوجيا وأهدافها، ونشأتها وتاريخها، وعلاقتها بالعلوم الأخرى .
الباب الثاني- تضمّن ستة فصول، تحدّثت عن : الدراسات الأنثروبولوجية واتّجاهاتها المعاصرة، والفروع الأنثروبولوجية (العضوية – النفسيّة- الثقافية- الاجتماعية )، والمنهج الأنثروبولوجي والدراسات الميدانية .
الباب الثالث- تضمّن ثلاثة فصول، تحدّثت عن : البناء الاجتماعي ووظائفه، والأنثروبولوجيا في المجتمع الحديث، والاتّجاه نحو أنثروبولوجية عربية.
والأمل في أن يقدّم هذا الكتاب، رؤية واضحة عن هذا العلم الحديث (الأنثروبولوجيا)، على الأقلّ في مجتمعنا وجامعاتنا، وبما يحقّق الفائدة المرجوّة لطلبتنا الأعزّاء.
الخطة:
الفصل الأول – مفهوم الأنثروبولوجيا وطبيعتها وأهدافها
الفصل الثاني – نشأة الأنثروبولوجيا وتاريخها
الفصل الثالث-علاقة الأنثروبولوجيا بالعلوم الأخرى
مقدّمــة:
يجمع الباحثون في علم " الأنثروبولوجيا " على أنّه علم حديث العهد، إذا ما قيس ببعض العلوم الأخرى كالفلسفة والطب والفلك .. وغيرها. إلاّ أنّ البحث في شؤون الإنسان والمجتمعات الإنسانية قديم قدم الإنسان، مذ وعى ذاته وبدأ يسعى للتفاعل الإيجابي مع بيئته الطبيعية والاجتماعية .
لقد درج العلماء والفلاسفة في كل مكان وزمان عبر التاريخ الإنساني، على وضع نظريات عن طبيعة المجتمعات البشرية، وما يدخل في نسيجها وأبنيتها من دين أو سلالة، ومن ثمّ تقسيم كلّ مجتمع إلى طبقات بحسب عاداتها ومشاعرها ومصالحها. وقد أسهمت الرحلات التجارية والاكتشافية، وأيضاً الحروب، بدور هام في حدوث الاتصالات المختلفة بين الشعوب والمجتمعات البشرية، حيث قرّبت فيما بينها وأتاحت معرفة كلّ منها بالآخر، ولا سيّما ما يتعلّق باللغة والتقاليد والقيم .. ولذلك، فمن الصعوبة بمكان، تحديد تاريخ معيّن لبداية الأنثروبولوجيا.
أولاً: مفهوم الأنثروبولوجيا
إنّ لفظة أنثروبولوجيا Anthropology، هي كلمة إنكليزية مشتقّة من الأصل اليوناني المكوّن من مقطعين : أنثروبوسAnthropos ، ومعناه " الإنسان " و لوجوس Locos، ومعناه " علم ". وبذلك يصبح معنى الأنثروبولوجيا من حيث اللفظ " علم الإنسان " أي العلم الذي يدرس الإنسان .
(Nicholson, 1968, P.1)
ولذلك، تعرّف الأنثروبولوجيا، بأنّها العلم الذي يدرس الإنسان من حيث هو كائن عضوي حي، يعيش في مجتمع تسوده نظم وأنساق اجتماعية في ظلّ ثقافة معيّنة .. ويقوم بأعمال متعدّدة، ويسلك سلوكاً محدّداً؛ وهو أيضاً العلم الذي يدرس الحياة البدائية، والحياة الحديثة المعاصرة، ويحاول التنبّؤ بمستقبل الإنسان معتمداً على تطوّره عبر التاريخ الإنساني الطويل. . ولذا يعتبر علم دراسة الإنسان (الأنثروبولوجيا) علماً متطوّراً، يدرس الإنسان وسلوكه وأعماله (أبو هلال، 1974، ص 9)
وتعرف الأنثروبولوجيا أيضاً، بأنّها علم (الأناسة) العلم الذي يدرس الإنسان كمخلوق، ينتمي إلى العالم الحيواني من جهة، ومن جهة أخرى أنّه الوحيد من الأنواع الحيوانية كلّها، الذي يصنع الثقافة ويبدعها، والمخلوق الذي يتميّز عنها جميعاً .( الجباوي، 1997، ص 9)
كما تعرّف الأنثروبولوجيا بصورة مختصرة وشاملة بأنّها " علم دراسة الإنسان طبيعياً واجتماعياً وحضارياً " (سليم، 1981، ص 56) أي أنّ الأنثروبولوجيا لا تدرس الإنسان ككائن وحيد بذاته، أو منعزل عن أبناء جنسه، إنّما تدرسه بوصفه كائناً اجتماعياً بطبعه، يحيا في مجتمع معيّن لـه ميزاته الخاصة في مكان وزمان معينين .
فالأنثروبولوجيا بوصفها دراسة للإنسان في أبعاده المختلفة، البيوفيزيائية والاجتماعية والثقافية، فهي علم شامل يجمع بين ميادين ومجالات متباينة ومختلفة بعضها عن بعض، اختلاف علم التشريح عن تاريخ تطوّر الجنس البشري والجماعات العرقية، وعن دراسة النظم الاجتماعية من سياسيّة واقتصادية وقرابية ودينية وقانونية، وما إليها .. وكذلك عن الإبداع الإنساني في مجالات الثقافة المتنّوعة التي تشمل : التراث الفكري وأنماط القيم وأنساق الفكر والإبداع الأدبي والفني، بل والعادات والتقاليد ومظاهر السلوك في المجتمعات الإنسانية المختلفة، وإن كانت لا تزال تعطي عناية خاصة للمجتمعات التقليدية. (أبو زيد، 2001، ص 7)
وهذا يتوافق مع تعريف / تايلور/ الذي يرى أنّ الأنثروبولوجيا : "هي الدراسة البيوثقافية المقارنة للإنسان " إذ تحاول الكشف عن العلاقة بين المظاهر البيولوجية الموروثة للإنسان، وما يتلقاه من تعليم وتنشئة اجتماعية. وبهذا المعنى، تتناول الأنثروبولوجيا موضوعات مختلفة من العلوم والتخصّصات التي تتعلّق بالإنسان .
ثانياً : طبيعة الأنثروبولوجيا
إنّ الشعوب الناطقة باللغة الإنكليزية جميعها، تطلق على علم الأنثروبولوجيا : " علم الإنسان وأعماله " بينما يطلق المصطلح ذاته في البلدان الأوروبية غير الناطقة بالإنكليزية، على " دراسة الخصائص الجسمية للإنسان". ويصل هذا الاختلاف إلى طبيعة علم الأنثروبولوجيا .. فبينما يعني في أوروبا، الأنثروبولوجيا الفيزيقية، وينظر إلى علمي الآثار واللغويات كفرعين منفصلين، فإنّ الأمريكيين يستخدمون مصطلح (الإثنولوجيا أو الإثنوغرافيا) لوصف (الإثنوجرافيا الثقافية) والتي يطلق عليها البريطانيون (الأنثروبولوجيا الاجتماعية) .
ففي إنكلترا مثلاً، يطلق مصطلح الأنثروبولوجيا، على دراسة الشعوب وكياناتها الاجتماعية، مع ميل خاص للتأكيد على دراسة الشعوب البدائية. أمّا في أمريكا، فيرى العلماء أنّ الأنثروبولوجيا، هي علم دراسة الثقافات البشرية البدائية والمعاصرة، في حين أنّ علماء فرنسا يعنون بهذا المصطلح، دراسة الإنسان من الناحية الطبيعية، أي " العضوية " .( كلوكهون، 1964، 209 )
فعلم الأنثروبولوجيا يركّز اهتمامه على كائن واحد، هو الإنسان، ويحاول فهم أنواع الظاهرات المختلفة التي تؤثّر فيه .. في حين تركّز العلوم الأخرى اهتمامها على أنواع محدّدة من الظاهرات أنّى وجدت في الطبيعة .وكان علم الأنثروبولوجيا، وما زال، يحاول فهم كلّ ما يمكن فهمه أو معرفته عن طبيعة هذا المخلوق الغريب الذي يسير على قدمين، وكذلك فهم سلوكه الذي يفوق طبيعته الجسمية غرابة .
ومع أنّ علماء الأنثروبولوجيا، استطاعوا استخدام بعض الأساليب التي طوّرتها العلوم الاجتماعية، فإنّهم قلّما اضطروا إلى انتظار تطوّر مثل هذه الأساليب .. والواقع أنّ إسهامهم في تطوّر العلوم الاجتماعية، لا يقلّ شأناً عن إسهام هذه العلوم في تطوّر الأنثروبولوجيا. ولذلك، ينقسم علم الأنثروبولوجيا إلى قسمين أساسيين كبيرين : يبحث الأول في الإنسان، ويعرف بالأنثروبولوجيا الطبيعية، في حين يبحث الثاني في أعمال الإنسان، ويعرف بالأنثروبولوجيا الثقافية / الحضارية .( لينتون، 1967، ص 15-16)
واستناداً إلى هذه المنطلقات، فقد حدّدت الباحثة الأمريكية / مارغريت ميد/ طبيعة علم الأنثروبولوجيا وأبعاده، بقولها : " إنّنا نصنّف الخصائص الإنسانية للجنس البشري (البيولوجية والثقافية) كأنساق مترابطة ومتغيّرة، وذلك عن طريق نماذج ومقاييس ومناهج متطوّرة. كما نهتمّ أيضاً بوصف النظم الاجتماعية والتكنولوجية وتحليلها، إضافة إلى البحث في الإدراك العقلي للإنسان وابتكاراته ومعتقداته ووسائل اتصالاته. وبصفة عامة، نسعى – نحن الأنثروبولوجيين –لتفسير نتائج دراساتنا والربط فيما بينها في إطار نظريات التطوّر، أو ضمن مفهوم الوحدة النفسيّة المشتركة بين البشر .."( Mead, 1973, p.280)
وتأسيساً على ما تقدّم، فإنّ الأنثروبولوجيا هي العلم الذي يدرس الإنسان، ويدرس أوجه الشبه وأوجه الاختلاف بينه وبين الكائنات الحيّة الأخرى من جهة، وأوجه الشبه والاختلاف بين الإنسان وأخيه الإنسان من جهة أخرى.
وفي الوقت ذاته، يدرس السلوك الإنساني ضمن الإطار الثقافي والاجتماعي بوجه عام. فلا تهتمّ الأنثروبولوجيا بالإنسان الفرد، كما تفعل الفيزيولوجيا أو علم النفس، وإنّما تهتمّ بالإنسان الذي يعيش في جماعات وأجناس، وتدرس الناس في أحداثهم وأفعالهم الحياتية .
ثالثاً- أهداف دراسة الأنثروبولوجيا
استناداً إلى مفهوم الانثروبولوجيا وطبيعتها، فإنّ دراستها تحقّق مجموعة من الأهداف، يمكن حصرها في الأمور التالية :
3/1- وصف مظاهر الحياة البشرية والحضارية وصفاً دقيقاً، وذلك عن طريق معايشة الباحث المجموعة أو الجماعة المدروسة، وتسجيل كلّ ما يقوم به أفرادها من سلوكات في تعاملهم، في الحياة اليوميّة .
3/2- تصنيف مظاهر الحياة البشرية والحضارية بعد دراستها دراسة واقعية، وذلك للوصول إلى أنماط إنسانية عامة، في سياق الترتيب التطوّري الحضاري العام للإنسان : (بدائي- زراعي- صناعي – معرفي – تكنولوجي)
3/3- تحديد أصول التغيّر الذي يحدث للإنسان، وأسباب هذا التغيّر وعملياته بدقّة علمية .. وذلك بالرجوع إلى التراث الإنساني وربطه بالحاضر من خلال المقارنة، وإيجاد عناصر التغيير المختلفة .
4/3- استنتاج المؤشّرات والتوقعّات لاتّجاه التغيير المحتمل، في الظواهر الإنسانية / الحضارية التي تتمّم دراستها، وبالتصوّر بالتالي لإمكانية التنبؤ بمستقبل الجماعة البشرية التي أجريت عليها الدراسة. (لينتون، 1964، ص15)
ويبدو أنّ التباين العرقي بين بني البشر، هو الخاصة البيولوجية التي تستأثر باهتمام العالِم الحديث، أكثر من سائر الخواص البيولوجية الأخرى عند الإنسان. ويبذل المصنّفون العرقيون محاولات دائبة للتوصّل إلى تصنيف عرقي مثالي. فكان من نتائج انشغال علماء الأنثروبولوجيا الجسمية بمشكلة العرق، أن اكتسب مفهوم النوع (العرق) رسوخاً أعاق التفكير بالكائن البشري ذاته. فالأصناف العرقية البشرية ظلّت، وإلى عهد قريب، تعتبر كيانات ثابتة نسبياً، وقادرة على الصمود أمام تأثيرات البيئة أو قوى التغيّر الفطرية.
ويلاحظ أنّ التطرّف في تمجيد فكرة العرق، أدّى إلى فرض عدد محدود من التصنيفات الصارمة على بني البشر الذين يمتازون بتنوّع لا حدّ له، وأدّى بالتالي إلى زج الأفراد في هذه التصنيفات، بصورة تطمس صفاتهم الأصلية الخاصة. (لينتون، 1967، ص 46)
إنّ اهتمام الأنثروبولوجيا بدراسة المجتمعات الإنسانية كلّها، وعلى المستويات الحضارية كافة، يعتبر منطلقاً أساسياً في فلسفة علم الأنثروبولوجيا وأهدافها. ولكن على الرغم من التوسّع في مجال الدراسات الأنثروبولوجية، فما زالت الاهتمامات التقليدية للأنثروبولوجيا، ولا سيّما وصف الثقافات وأسلوب حياة المجتمعات، ودراسة اللغات واللهجات المحلية وآثار ما قبل التاريخ، تؤّكد ولا شك، تفرّد مجال الأنثروبولوجيا عمّا عداها من العلوم الأخرى، ولا سيّما علم الاجتماع. (فهيم، 1986، ص 35 )
ومن هنا كانت أهميّة الدراسات الأنثروبولوجية في تحديد صفات الكائنات البشرية، وإيجاد القواسم المشتركة فيما بينها، بعيداً عن التعصّب والأحكام المسبقة التي لا تستند إلى أية أصول علمية.
وإذا كان علم الأنثروبولوجيا، بدراساته المختلفة، قد استطاع أن ينجح في إثبات الكثير من الظواهر الخاصة بنشأة الإنسان وطبيعته، ومراحل تطوّره الثقافي / الحضاري، فإنّ أهمّ ما أثبته هو، أنّ الشعوب البشرية بأجناسها المتعدّدة، تتشابه إلى حدّ التطابق في طبيعتها الأساسية، ولا سيّما في النواحي العضوية والحيوية .
----------------------------------------------------------
المصادر والمراجع:

- أبو هلال، أحمد (1874) مقدّمة في الأنثروبولوجيا التربوية، المطابع التعاونية، الأردن، عمّان .
- سليم، شاكر (1981) قاموس الأنثروبولوجيا، جامعة الكويت .
- الجباوي، علي (1996/1997) الأنثروبولوجيا – علم الإناسة، جامعة دمشق .
- فهيم، حسين (1986) قصّة الأنثروبولوجيا – فصول في تاريخ علم الإنسان، عالم المعرفة (98)، شباط، الكويت .
- كلاكهون، كلايد (1964) الإنسان في المرآة، ترجمة : شاكر سليم، بغداد .
- لينتون، رالف (1964) دراسة الإنسان، ترجمة : عبد الملك الناشف، المكتبة العصرية، بيروت .
- لينتون، رالف (1967) الأنثروبولوجيا وأزمة العالم الحديث، ترجمة : عبد الملك الناشف، المكتبة العصرية، بيروت .
- Nicholson, C. (1968) Anthropology and Education , London.
- Mauduit, J. A (1960) Mannuel d, Athnographie, Payoy, Paris


http://t4.imagechef.com/ic/imgout/anm61805fdb74bb35f0.gif أرجو أني قد أفدت مما نقلت لكم من غيري.

* ريمة *
2009-05-16, 09:12
شكرا اخي حكيم ...لكن حبذا لو انك ذكرت لاتجاهات في الانتروبولوجيا مثل التطورية والانتشارية .....بالنسبة لعلم الاجتماع فرغم المصاعب والطروف فاظن انه سيلاقي نجاحا ان شاء الله

أمجد الجلفـة
2009-05-16, 12:25
اريد لمجرى النهر الطبيعي لعلم الاجتماع الذي سدوه او ابلوكاوه ان يرجعوه الى مجراه الطبيعي فليس اروع من ان يكون الشيئ على طبيعته

أمجد الجلفـة
2009-05-16, 12:27
سأبحث عما تريدين انشاء الله

أمجد الجلفـة
2009-05-16, 12:38
نهر علم الاجتماع الأصلي لا بد يا عاشقة الانثربولوجيا ان يرجع يجب ان يعيد مجراه وان ينزع ما وضع له من حجارة تسده وتبلوكيه لأن هدا النهر هو من يلهمني بالافكار والموضوعات التي كنت اتميز بها .ربي يرجع النهر الى مجراه الطبيعي ولو تطلب ان نحضر له ابن خلدون او اوغست كونت ليرجعه

* ريمة *
2009-05-16, 18:14
النظرية التطورية الثقافية

بعد هذا العرض لأفكار رائدين من رواد الاتجاه التطوري فى الأنثروبولوجيا نحاول تحديد الخطوط العامة لهذه النظرية كما تضح من أطروحتهما. فى المقام الأول يلاحظ أنه وبالنسبة لهذا الاتجاه لا يمكن فهم العقل الإنساني إلا من خلال ربطه بالعقل التاريخي. إن فهم الممارسة النظرية ممكن فقط من خلا ل التاريخ بحسبانه تاريخ بشر متجانسين تحتويهم دائرة واحدة عامة. أما التمايز فهو وليد ظرف تاريخي محدد. تمثل المجتمعات الإنسانية تواصلاً متجانساً مؤلفاً من طبقات تطورية وأقسام موازية. إن مفهوم درجات التطور التاريخي هو معيار أساسي بالنسبة للتطور الذى يسير بخط مستقيم. وطور البشر تبعاً لذلك، من خلال توحدهم ضمن مجال حياة معين وضمن شروط محددة، ومن خلال ما ينتج عن ذلك من ممارسات ومن اقتصاد، وحدة ثقافية ومجتمعية.
لقد رأى أنصار الاتجاه التطوري فى التقدم ثمرة التكامل فى الأدوات المادية وثمرة التعقيد فى العلاقات خلال مراحل تطورية معقدة. يتمظهر التقدم من خلال الانتقال من المرحلة الحيوانية إلى المرحلة البدائية ومن هذه إلى البربرية فالتمدن. وفى مرحلة الثورة الصناعية صار معيار التقدم يقاس بدرجة التطور التقني. إن مبدأ وحدة الجنس البشرى أساسه عالمية المعرفة التقنية كما عبر عن ذلك مورغان حيث كتب \"نجد وحدة فى فكر البدائيين البرابرة وإنسان المدنية. إنها هي نفسها ما ساعد البشر على ابتكار الأدوات نفسها والأواني ذاتها عندما يخضعون للعلاقات نفسها، وما يساعد أيضاً على اختراع المنشآت الاجتماعية نفسها وتطويرها انطلاقا من بدايات لا يمكن رؤيتها: من العصر الحجرى والسهام التي التمعت صورتها فى ذهن البدائي، إلى مزج المعادن، وفيه يتمثل ذكاء البربرى، وأخيراً إلى تحريك القطار الحديدي، هذا هو انتصار المدن\".
هكذا يترك كل من النمو والتقدم بصماته على مختلف مجالات الحياة الاجتماعية. وكان مورغان قد وصف ذلك فى كتاباته كما يلي: \"يتحدد الذكاء بالاختراع والاكتشاف\"، و\"تطور القانون الاجتماعي\"، \"وتطور مفهوم الأسرة\"، و\"تطور مفهوم الملكية\". بذلك يمكن عد كل وحدة، كل مجموعة إنسانية/ مجتمعاً بقدر ما تكون شروط حياة المجموعة المادية والذهنية. وبالإمكان وضعها فى الدرجة الاجتماعية نفسها طالما أنها نتاج الطبقة نفسها. يتضح من ذلك أن مورغان عدَّ التطور بمثابة خط مستقيم. فالبدائية حالة سبقت البربرية التي سبقت بدورها المدنية، وهذا ما يجده مورغان عند البشريَّة بمجموعاتها المختلفة كلها. إن تاريخ الجنس البشرى قد عرف شكلاً موحداً فى نشأته، وفى تجربته، وفى تقدمه (وهذا هو رأى تايلور أيضاً).
وبمكاننا رد التشكل نفسه الذي يشمل مراحل التمدن إلى المؤثرات والأسباب الأولية نفسها. أما مختلف درجات التشكل فهي بمثابة درجات التطور بحيث تكون كل دورة وليدة سابقتها وإسهاماً فى تشكيل تاريخ المستقبل.
هكذا يجوز القول بأن آراء التطوريين تتلخص فى أن تاريخ الإنسانية وتاريخ الثقافة يمثل خطاً متصاعداً من العادات والتقاليد والعقائد والتنظيمات والأدوات والآلات والأفكار. وأنَّ البشرية مرت بمراحل ثقافية تتدرج من الأشكال غير المعقدة إلى الأشكال المعقدة فالأكثر تعقيداً، وأن هذا الخط المتصاعد من الأسفل إلى الأعلى متشابه فى أجزاء العالم نتيجة الوحدة النفسية لبني الإنسان فى كل مكان وزمان وهو ما جعل التطوريين فى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر شغلتهم فكرة تطور الثقافة والمجتمع الإنساني عبر مراحل التبدل من حالة إلى حالة، أكثر مما شغلتهم فكرة اكتشاف القوانين الأساسية التى تحكم عملية تطور الثقافة.
إيجازاً نشير إلى أن مولد الأنثروبولوجيا مهنة ارتباطا باتجاهات نظرية محددة قد حدث فى النصف الثاني للقرن التاسع عشر فى جو فكرى سادت فيه الفروض والنظريات التطورية فى مجال التاريخ الطبيعي للكائنات الحية وفى مجال المجتمعات الإنسانية على حد سواء، وذلك جنباً إلى جنب مع ازدياد السيطرة الغربية على شئون العالم. ولقد كان للإنجازات العظيمة التي أحرزتها العلوم الطبيعية أثرها فى حث المشتغلين بالمسائل الاجتماعية والأخلاقية آنذاك، فى أن يتبنوا تطبيق أساسيات المنهج العلمي فى دراساتهم. فقد شغل بال المفكرين عامة، ومن بينهم الاجتماعيون وعلماء الأنثروبولوجيا بصفة خاصة، سؤالاً معيناً هو كيف نشأت ثقافات العالم وتطورت؟ وبالرغم من سيادة الفكر التطوري فى إطار نشأة المجتمعات وتطورها (أي الثقافات) الإنسانية فى خط واحد، إلا أنه كان هناك أيضاً إجابة أخرى لهذا التساؤل وذلك فى إطار النظرية الإنتشارية التي تمتد جذورها إلى مفكرين سابقين على القرن التاسع عشر.
الإتجاه الإنتشارى
يفترض دعاة هذا الاتجاه أن الاتصال بين الشعوب المختلفة قد نتج عنه احتكاك ثقافي وعملية انتشار لبعض السمات


الثقافية أو كلها وهو ما يفسر التباين الثقافي بين الشعوب. وينطلق دعاة هذا الاتجاه من الافتراض بأن عملية الانتشار تبدأ من مركز ثقافي محدد لتنتقل عبر الزمان إلى أجزاء العالم المختلفة عن طريق الاتصالات بين الشعوب.
وبما أن نظرية الانتشار الثقافي تسعى إلى الكشف عن حلقات لربط الثقافات معاً نتيجة تفاعلها جغرافياً وزمنيا فإنها تلتزم أيضاً بالمبدأ التاريخي فى علاقات الثقافات بعضها بالبعض الآخر.
وقد ظهرت فى أوروبا مدرستان للانتشار الثقافي. كان فريدريك راتزل رائداً للمدرسة الأولى وتبني منهجاً تاريخياً-جغرافياً بتأثير المدرسة الجغرافية الألمانية وركز على أهمية الاتصالات والعلاقات الثقافية بين الشعوب ودور تلك العلاقات فى نمو الثقافة. وادعى راتزل بأنَّ الزراعة اعتمدت إما على الفأس أو المحراث وهو ما يفسر الاختلافات بين الثقافات الزراعية. وتبعه فى ذلك هان، المتخصص فى الجغرافيا البشرية، وادعى الأخير بأن تدجين الحيوانات أعقب اكتشاف الزراعة المعتمدة على الفأس. ومع اعتراف هان بأن الزراعة المعتمدة على الفأس يمكن أن تكون قد ظهرت عدة مرات فى أجزاء مختلفة من العالم إلا انه يؤكد على أن زراعة المحراث وتدجين الحيوانات واكتشاف عجلة الفخاري قد تمت كلها فى الشرق الأدنى القديم ثم انتشرت منه إلى بقية أجزاء العالم. أما هاينرينج شورتز فقد أبرز فكرة وجود علاقات ثقافية بين العالم القديم (اندونيسيا وماليزيا) وبين العالم الجديد (الأمريكتين). وقد طور ليوفروبينيوس فكرة انتقال الثقافات عبر المحيطات بادعائه حدوث انتشار ثقافي من اندونيسيا إلى أفريقيا. فقد حاول فى كتابه الذي نشره فى عام 1898 بعنوان \"أصل الثقافات الأفريقية\" إثبات وجود دائرة ثقافية ماليزية زنجية فى غرب أفريقيا فسرها بوصول نفوذ ثقافي اندونيسي فى صورة موجة ثقافية إلى ساحل أفريقيا الشرقي، ومن ثمَّ عبورها إلى غرب أفريقيا حيث لا تزال بقايا تلك الموجة موجودة فى حين أن بقاياها قد إندثرت فى شرق أفريقيا نتيجة هجرات البانتو والحاميين اللاحقة. بهذا يكون ليوفروبينيوس أول من أدخل مفهوم \"الدائرة الثقافية\" فى الاثنولوجيا وهو المفهوم الذي نال تطوره اللاحق فى أعمال جرايبز فكرة أحادية منشأ الثقافة الإنسانية مفترضاً وجود عدة مراكز ثقافية أساسية فى جهات مختلفة من العالم.. وبفعل التقاء الثقافات نشأت دوائر ثقافية وحدثت بعض عمليات الانصهار وبرزت تشكيلات مختلفة وهو الأمر الذي يفسر الاختلافات البادية فى الثقافات الأساسية. وفى عام 1905 نشر جرايبز بحثه عن \"الدوائر الثقافية والطبقات الثقافية فى جزر المحيط الهادي\" والذى استخدم فيه عدد لا يحصى من العناصر الثقافية التي ترتبط بعضها بالبعض الآخر لتؤلف دائرةً ثقافية. وباستخدام التتابع الزمني وانتشارها فى أستراليا وجزر المحيط الهادي. وفى عام 1911 نشر جرايبز كتابه \"منهج الاثنولوجيا\" الذى رسم فيه الخطوط العامة لمدرسته الإنتشارية.
أما فلهلم شميدت فقد نشر مع فيلهلم كوبرز خلاصة آراء مدرسة \"فينا\" وأكدا على وجود ثقافات أزلية تمثل أقدم أنواع المجموعات الثقافية المعاصرة. وكانت هذه الثقافات الأزلية (أقزام أفريقيا وآسيا والفيدا فى سيريلانكا، والسينوى فى الملايو، والكوبو فى سومطرة) تمثل الدائرة الثقافية الأولى. وتمثلت الدائرة الثانية فى الثقافات الرعوية فى مناطق سيبيريا وأواسط آسيا (حيث دجن الساموييد فى شمال سيبيريا الرنة، ودجن التركمان الحصان، ثم المجموعات التي دجنت الماشية والماعز … إلخ).
وتنطوي فكرة الدائرة الثقافية على نقطتين هما: وجود الدائرة الثقافية وكينونتها، والدائرة الثقافية بحسبانها منهجاً بحثياً اثنولوجياً. ويعرف شميدت الدائرة الثقافية بقوله: \"إذا احتوت ثقافة كاملة على كل شيء: النواحى المادية والاقتصادية والاجتماعية والاعتيادية والدينية، فإننا نطلق عليها اسم الدائرة الثقافية لأنها متكاملة وتعود على نفسها مثل الدائرة. إنها تكفى نفسها بنفسها، ومن ثم تؤمن استقلال وجودها. وهى – أى الثقافة- فى حالة إذا ما أهملت أو فشلت فى إرضاء واحد أو أكثر من الاحتياجات الإنسانية الهامة تتيح حدوث تعويض من ثقافة أخرى. وكلما زاد عدد عناصر التعويض تقل هذه الثقافة عن أن تكون دائرة ثقافية (مستقلة). ويضيف شميدت بأن كل مفردات الثقافة متماسكة تماسكاً عضوياً وليست مجرد ارتباطات تلقائية، غالباً ما يسيطر واحد من مظاهر الثقافة فى الدائرة على بقية المظاهر، ومن ثم تدمغ هذه المظاهر بصبغتها الخاصة ويسوق مثالاً النسب الأموي المرتبط بالجماعات الأموية النسب غالباً ما تعبد القمر، بينما إله السماء هو الإله المسيطر عند الرعاة وإله الشمس عند الجماعات الطوطمية الأبوية النسب.
وقد لخص كوبرز في بحثه الذى نشره عن \"الإنتشارية: الانتقال والتقبل\" ضمن كتاب \"الأنثروبولوجيا المعاصرة\" الذى أشرف عليه توماس وطبع فى عام 1956، أهم وجهات نظر المدرسة الانتشارية – النمساوية وقد ترجم محمد رياض تلك النقاط فى كتابه \"الإنسان : دراسة فى النوع والحضارة\".
- حيث أن الثقافة والإنسان (منذ نشأته) متزامنان فإن التاريخ فى أوسع معانيه يشتمل على كل الفترة التى ظهر فيها الإنسان على الأرض حتى اليوم.

2- لا ينكر أي باحث – قديماً وحديثاً – أن الانتشار الثقافي، ودرجة انتقاله تقبله حقيقة واقعة.

3- إن الإنتشارية مبدأ هام فى الدراسات الاثنولوجية ودراسات ما قبل التاريخ. ونتيجة لنقص الوثائق المكتوبة فإن الأمر يحتاج إلى دراسات مقارنة للصفات الثقافية من أجل الحصول على العوامل المكانية والزمانية والسببية.

4- يجب أن يستخدم الإنتشاريون مقياس الشكل والعدد المعروف عن المنهج التاريخي. ولا شك أن هذا المنهج لن يؤدى إلى تاريخ مماثل لما نجده فى الكتابات التاريخية العلمية. يمثل العنصر الثقافي هنا دليلاً قائماً على الصلات، كما يزداد هذا الدليل قوة نتيجة لمدى ترابط العنصر الثقافي ببقية الثقافة. ولا يمكننا أن نهمل هذه الأدلة على إنها تمثل جزءاً من العملية التاريخية.

5- الانتشار الثقافي لا يمثل كل أحداث التاريخ، فدراسة العناصر الثقافية لا تحل محل الوثائق التاريخية لكنها تعطي إضافات هامة فى هذا الاتجاه التاريخى. وفى حالة نقص الوثائق التاريخية، كما هو الحال عند دراسة ما قبل التاريخ والجماعات البدائية، يصبح من غير المعقول أن نمتنع عن تفسير الحقائق فى الاثنولوجيا وعلم الآثار.

6- تقوم الدراسات الإنتشارية على المتشابهات الثقافية، حتى فى الحالات التى لا نستطيع فيها التأكد من وجود ارتباطات وهجرات بين المتشابهات الثقافية، فلا شك أن تأكيدنا بأنَّ الظاهرتين المتشابهتين قد نشأتا نشأة مستقلة يصبح غير مقبول لأنه يفترض شيئاً أبعد تحققاً من الارتباطات السابقة. وعلى العموم يمكننا أن نترك الباب مفتوحاً دون اتخاذ قرار.

7- إن الانتشار والنقل والتقبل لا تسير كلها حسب قواعد معينة هناك دائماً فرص متعددة للقبول أو التعديل ، وهى فرصة الاختيار الحر عند غالبية الجماعات.

8- يترتب على ذلك أن كل حالة من حالات الانتشار الثقافي يجب ان تعالج قائمة بذاتها وحسب ظروفها.



والجدير بالذكر أن فكرة الدوائر الثقافية كانت فى مجموعها وسيلة ومنهجاً أدق وأحسن من أفكار المدرسة الإنتشارية الثانية التى تأسست فى بريطانيا على يد عالم التشريح البريطاني اليوت سميث الذى كان مهتماً بالآثار والهياكل البشرية. وكان سميث وكذلك تلميذه بيري قد اعتقدا بأن الثقافة الإنسانية نشأت على ضفاف النيل وازدهرت فى مصر القديمة منذ حوالي خمسة ألف سنة قبل الميلاد تقريباً. وعندما توافرت الظروف وبدأت الاتصالات بين الجماعات والشعوب انتقلت بعض مظاهر تلك الثقافة المصرية القديمة إلى بقية العالم. ففى كتابه \"هجرة الحضارات\" الذى نشره عام 1915 يؤكد سميث من خلال دراسته للمتشابهات الاثنوغرافية خارج مصر بأن مصر كانت مركزاً للثقافة ومنها انتقلت إلى عالم البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط وأفريقيا والهند واندونيسيا وعالم المحيط الهادي والأمريكتين.



وفى عام 1923 نشر بيري كتابه \" أطفال الشمس\" الذى حدد فيه عنصراً واحداً سيطر على مجمل الثقافة المصرية … الاعتقاد في ألوهية الملوك أبناء الشمس، وبالتالي عبادة الشمس. واهتم بيري بعدة عناصر ثقافية مصرية فى توزيعها العالمي مثل التحنيط وبناء الأهرام والقيمة التي يعطيها المصريون القدماء للمعادن النفيسة بحسبانها قوة مانحة للحياة المديدة… إلخ.



أما فى أمريكا فإن الاتجاه الإنتشارى وجد تعبيراً له فى كتابات فرانز بواس العالم الطبيعي الألماني الذي استهوته الأنثروبولوجيا بعد زيارة قام بها إلى جزيرة بافن فى كندا فى عام 1883. فقد أشار بواس إلى أنه من خلال دراسة الشكل والتوزيع الجغرافي لمصدر السمات الثقافية وهجرتها واستعارتها عن طريق الاتصال بين الشعوب، يمكن للباحث أن يستدل على كيفية نشأة السمات الثقافية وتطورها، وبالتالي يمكن الوصول إلى نظرية تتوفر فيها عناصر الصدق والبرهان لتفسير المجتمعات الإنسانية وتطور النظم الاجتماعية أو السمات الثقافية. وانطلاقا من هذا الفهم استخدم بواس مصطلح المناطق الثقافية الذى يشير إلى مجموعات من المناطق الجغرافية التي تتصف كل منها بنمط ثقافي معين غض النظر عن احتواء أي من هذه المناطق على شعوب أو جماعات. ويشير مفهوم المنطقة الثقافية إلى طرق السلوك الشائعة بين عدد من المجتمعات التي تتميز باشتراكها فى عدد من مظاهر الثقافة نتيجة لدرجة معينة من الإتصال والتفاعل.



وفق هذا الإطار النظرى سعت المدرسة الأمريكية بزعامة بواس إلى إنجاز الدراسة التاريخية الدقيقة للعناصر المختلفة لثقافة محددة وتحليل كل جزء أو عنصر من حيث مصدر نشأته وتطوره واستخدامه وتتبع عمليات هجرته أو استعارته بين الشعوب المختلفة. وكان من نتيجة هذا الاتجاه الإنتشارى أن أخذ علماء الإنسان فى النظر إل الثقافات الإنسانية بحسبان أنها تؤلف كيانات مستقلة من حيث المنشأ والتطور ومن حيث ملامحها الرئيسة التى تميزها عن غيرها، وهو ما يضع الاتجاه الإنتشارى على عكس الاتجاه التطوري الذى يرى ان الثقافات متشابهة وأن الاختلاف الوحيد بينها يكمن فقط فى درجة تطورها التقني والاقتصادي. لقد زعزعت المدرسة الإنتشارية إن لم يكن إشكالية الاتجاه التطوري فعلى الأقل طريقته. فالاتجاه الإنتشارى قد ابتعد على الأقل عن الفهم الخطى للتاريخ، ومن ناحية ثانية جعل نظرية التاريخ لاحقة لتحليل التواريخ الجزئية لكل مجتمع بحسبانه كلاً مستقلاً، هكذا كتب بواس قائلاً \"حين نوضح تاريخ ثقافة واحدة ونفهم مؤثرات المحيط والشروط النفسيَّة التى تنعكس فيها، نكون قد خطونا خطوة إلى الأمام . كذلك يمكننا أن نبحث فى الأسباب المؤثرة أثناء تكونه، أو إبانة تطور تلك الثقافة . وهكذا، وبفهمنا لمقاطع النمو، يمكننا اكتشاف قوانين عامة. هذه الطريقة أكثر ضماناً من الطريقة المقارنة (التطورية). والتى غالباً ما تمارس، فبدل وضع فرضية تتناول نمطاً لتطور، يقدم التاريخ الفعلي قاعدة الاستنتاجات.



اعتقادنا أن جل الانثروبولوجيا الثقافية كامن فى هذا النص: مفهوم الثقافة، والتحليل الوصفى للمحيط المادي، والتفسير النفسي، والشك بالتاريخ. اهتم بواس فى عبارته بالتساؤل عن المنهج الذى يتحكم بالعمل الأنثروبولوجي التقليدي. ومع ذلك فثمة نقد لمفهوم الطبقات، والشرائح. ونجد فى كتاب لوفي \"المجتمع البدائي\" (1920) رفضاً كاملاً لمفاهيم مورغان الأساسية : تتابع ذو خط واحد لطبقات التطور، مفهوم نسق القرابة، مفهوم الأصل … إلخ. استخلص مالينوفيسكي وراد كليف بروان، كما سنرى، هذه النتائج فى ما لها من أبعاد.



الإتجاه الوظيفى

يعد الاتجاه الوظيفي من الاتجاهات النظرية الأساسية فى علم الإنسان وفى علم الاجتماع. أخذ هذا الاتجاه فى التبلور منهجاً نظرياً لدراسة الثقافات الإنسانية فى الوقت الذى نشأ فيه الاتجاه الإنتشارى فى كل من أوروبا وأمريكا كرد فعل على منطلقات الاتجاه التطوري. إلا أن فكرة الوظيفة قديمة وجدت تعبيراً لها فى أعمال الفلاسفة والمفكرين فى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. اقترن الاتجاه الوظيفي بصور ة أساسية بالأنثروبولوجيا الاجتماعية فى بريطانيا بأسماء مالينوفسكى ورادكليف بروان.



اقترنت الوظيفية بالاتجاه العضوي فى العلوم الطبيعية عرف الاتجاه الوظيفي فى الأنثربولوجيا الاجتماعية بتركيزه على دراسة الثقافات الإنسانية كل على حدة وفق واقعها المكاني والزماني ذلك أن الوظيفية ليست دراسة متزامنة بقدر ما هى آنية. وفى ذلك اختلف الاتجاه الوظيفي عن الدراسات التاريخية النزعة المميزة لكل من الاتجاهين التطوري الإنتشارى. وقد تجلى الاتجاه الذى صار يعرف باسم المماثلة العضوية بداية فى أعمال الفلاسفة الأخلاقيين الاسكتلنديين من أمثال آدم سميث وديفيد هيوم وغيرهما من الذين رأوا فى المجتمع نسقاً طبيعياً ينشأ من الطبيعة البشرية لا من العقد الاجتماعي. وقد استخدم مونتسكيو مفهوم النسق فى كتابه \"روح القوانين\" بوضعه أسس النسق الاجتماعي الكلى بناءً على ارتباط أجزاء المجتمع ارتباطا وظيفياً. وأصبحت فكرة النسق الاجتماعي العامل القوى فى إرساء دعائم علم الاجتماع المقارن والأنثروبولوجيا الاجتماعية. أصبح التحليل الوظيفي مدخلاً أساسياً فى تحليلات علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا الاجتماعية للربط بين النظام الاجتماعي ووظيفته وبين خصائص سلوك الأفراد الذين يؤلفون ذلك النظام. يشتمل النسق الاجتماعي على عدد من النظم يقوم كل نظام بوظيفته المعينة بغية الحفاظ على سلامة النسق. وينظر الوظيفيون إلى المجتمعات البشرية أنساقاً اجتماعية تعتمد أجزاؤها بعضها على بعض ويدخل كل جزء منها فى عدد من العلاقات الضرورية مع الأجزاء الأخرى. وقد ذهب هربرت سبنسر فى موضوع المماثلة إلى أبعد من ذلك حيث شبه المجتمع من حيث البناء والوظيفة بالكائن الحي بحسبان أن المجتمع ينمو ويتطور تماماً كما ينمو الأول ويتطور.



واستخدم سبنسر إصطلاحات العلوم الطبيعية فى تحليلاته البنائية الوظيفية للمجتمع والحياة الاجتماعية مثل الفسيولوجيا والمورفولوجيا والإيكولوجيا…إلخ. وأشار بوضوح إلى أن البناء يتألف من الأجزاء التى تدخل فى تركيبه وفى عناصر جزئية لا حصر لعددها تؤدى دورها فى عملية التساند بين جميع الأجزاء التى تدخل فى تركيب البناء الكلى.



ويعد إميل دوركايم بحق حلقة الوصل بين الفكر الذى كان سائداً فى القرن التاسع عشر والاتجاهات الجديدة للفكر الاجتماعي التى ظهرت فى بداية القرن التاسع عشر والاتجاهات الجديدة للفكر الاجتماعي التى ظهرت فى بداية القرن العشرين. اتخذ دوركايم موقفاً رافضاً للتفسيرات العضوية التى قال بها أنصار الاتجاه العضوي من أمثال هربرت سبنسر، مستبعداً إمكانية تفسير الظواهر الاجتماعية من خلال المماثلة العضوية. وكان دوركايم يسعى إلى تحرير الظواهر الاجتماعية من محتوياتها النفسية وإلى تجريدها من أصولها البيولوجية بالتركيز على دراسة تلك الظواهر من وجهة نظر اجتماعية صرفة فى حدود علم الاجتماع. يرى دوركايم أن الظاهرة الاجتماعية يجب أن تتمتع باستقلالها بحسبانها ظاهرة قائمة بذاتها، أي أنَّ لها وجودها المستقل عن الظواهر البيولوجية ولا يمكن لها ان تتأثر إلا اجتماعيا ولا تفسر إلا على أسس اجتماعية. وفى كتابه \"تقسيم العمل\" استخدم دوركايم الوظيفة بمعنيين اثنين: أولاً بالإشارة إلى نسق من الحركات الحيوية اللازمة لحياة الكائن العضوي، وثانياً بالإشارة إلى العلاقة التى تربط بين تلك الحركات الحيوية وبين حاجات الكائن العضوي (وظيفة التنفس، والهضم على سبيل المثال). استخدم دوركايم مفهوم الدور مرادفاً لمفهوم الوظيفة ذلك أنه حين يتحدث عن وظيفة الدين مثلاً فإنه يشير إلى الدور الذي يقوم به الدين فى الحياة الاجتماعية. ويوصى دوركايم تلاميذه بكلمته: إذا كنت ترغب فى دراسة ظاهرة اجتماعية فعليك أن تصل إلى السبب الذى أدى إلى الوظيفة التى تقوم بها الظاهرة.

أمجد الجلفـة
2009-05-17, 07:43
كان يجب على العضو ranau rose ان تطلب مني الاذن في وضع هاته الاضافة الكبيرة فهذا ليس رد؟؟؟؟؟؟؟ بل موضوع جديد وربما اوفى من موضوعي
المهم القصد .انشالله تكوني قد اوفيتي ..........

http://barom11.jeeran.com/شكر%20على%20الموضوع%20الرائع.gif

* ريمة *
2009-05-17, 08:37
عفوا ولكن لم اكن اعلم انهم يطلبون الاذن في الردود....المهم شكرا ممكن تكون محق فتالرد طويل..

أمجد الجلفـة
2009-05-17, 13:12
اختي حق الرد مكفول لكي لكن انا اعتقدت انه موضوع بحد ذاته .تشكرين على الموضوع فقد وددت ان يكون في موضوع مستقل ليستفيد الجميع منه
......

أمجد الجلفـة
2009-05-18, 00:35
http://vb.eyesweb1.net/images/smilies/s/Un83titled-1.gif

انا متأكد انك انت الاقدر على فهم الانثربولوجيا لأنها تخصصك واما نحن نمر عليها كمصلح او تعريفات بسيطة

اميرة.KSA
2009-05-18, 00:50
مشكور اخي حكيم وما قصرت انشالله . والله موضوعك عجبني بس فيها صعوبة في الفهم .

أمجد الجلفـة
2009-05-18, 17:43
هو موضوع صعب لأنه يدرس الانسان والانسان بطبيعته المتغيرة غير الثابتة مجال صعب الدراسة لكن انشالله في القريب يكون لي عودة اختي.لكن يمكن لريمة ان تدلو بدلوها لأن لها تخصص فيه .
http://www.watein.com/thumbnail.php?file=MCj01977620000_5B1_5D_965523238 .gif&size=article_medium

* ريمة *
2009-05-18, 18:30
سلام عليكم يعني نحن ندرس الانتربولوجيا كمقياس وانا متوسطة فيه لكن نصيحتي لكي ان تتاني وتبسطي الامور ...فالانتربولوجيا الاجتماعية تهتم بدراسة المجتمعات البدائية من طقوس وعادات وتقاليد وثقافات مثال: تفسر تلك الامور البسيطة ممكن ان تكون تافهة في نظر البعض ...واستطيع ان ادرج لكي متال ممكن تفهمي ...كانت الانتربولوجيا اداة في يد المستعمر..في بداية الامر ..فاستغلها في دراسة المجتمعات المستعمرة التي كان يسميها بالمجتمعات البدائية المتوحشة...
ففي الجزائر مثلا قام بدراسة الطقوس التي كان يقوم بها الشعوب مثل بدعة زيارة قبور الاولياء .فقام بجلب مضخة مياه وامدهم بالماء حتى اعتقد البعض ان وليا ما هو من قام بذلك ولما سمعوا الاستعمار يسميه بالفرنسية moteur يعني محرك اصبحوا ينادوه سيدي موتور ....فازدادوا جهلا...هكذا الى ان اصبحت الانتر اداة في يد العلماء الوطنيييييتن..
اخيرا اخي حكيم ارجو ان لا اكون قد اطلت عليك
...
.

أمجد الجلفـة
2009-05-18, 21:39
كما توقعت مشاركة رائعة من عند ريمة واوجزت واوفت وفهمت على الاقل انا .برجاء الاستفادة العامة


http://www.albumna.net/uploads/images/albumna-25a47e95dd.gif



rimahttp://tbn3.google.com/images?q=tbn:fewj7Mtq31pLMM:http://chalkpaperscissors.com/zencart/images/thank%2520you.jpg

أمجد الجلفـة
2009-05-19, 18:25
هل يمكن اعطاء بعض مصطلحات الانثربولوجيا يا ريمة

أمجد الجلفـة
2009-05-19, 18:28
ريمة هل انت مووووووووووووووجدة

* ريمة *
2009-05-19, 18:36
يمكن لكن ليس الان .....لاني مشغولة جدا بارك الله فيكم

أمجد الجلفـة
2009-05-20, 13:33
ربي يوفقك انشاء الله

* ريمة *
2009-05-20, 14:01
مييييييييييييييييييييييييييييين لنا وليكم ولجميع الاعضاء..

أمجد الجلفـة
2009-05-24, 23:12
مشكورة ريمة للمرور وبالتوفيق في امتحانات السداسي الثاني