alger2001
2009-05-12, 01:30
اجمل قصيدة في التعريف بالصديق والصداقة نغمة الاغاني في عشرة الاخوان
يقول راجي الصمد = ابن علي أحمد
حمداً لمن هداني = بالنطق و البيان
و أشرف الصلاة = من واهب الصِلات
على النبي الهادي = و آله الأمجاد
و بعد فالكلام = لحسنه أقسام
و القول ذو فنون = في الجد و المجون
و روضة الأريض = السجع في القريض
و الشعر ديوان العرب = و كم أنال من أرب
فانسل اذا رمت الأدب = اليه من كل حدب
رواية الأشعار = تكسو الأديب العاري
و ترفع الوضيعا = و تكرم الشفيعا
و تنجح المآرب = و تصلح المعائب
و تطرب الإخوانا = و تذهب الأحزانا
و تنعش العشاقا = و تؤنس المشتاقا
و تنسخ الأحقادا = و تثبت الودادا
و تقدم الجبانا = و تعطف الغضبانا
فقم له مهتما = و احفظه حفطاًَ جمّا
و خيره ما أطربا = مستمعاً و أعجبا
و هذه الأرجوزة = في فنها وجيزة
بديعة الألفاظ = تسهل للحفاظ
تطرب كل سامع = بحسن لفظ جامع
أبياتها قصور = و ما بها قصور
ضمنتها معاني = في عشرة الإخوان
تشرح للألباب = محاسن الآداب
فان خير العشرة = ما حاز قوم عشرة
و أكثر الإخوان = في الوصل و الأوان
صحبتهم نفاق = ما شانها وفاق
يلقى الخليل خله = إذا أتى محله
بظاهر مموه = و باطن مشوه
يظهر من صداقة = ما هو فوق الطاقه
و القلب منها خالي = كفارغ المخالي
حتى اذا ما انصرفا = اعرض عن ذاك الصفا
و إن يكن ثم حسد = انشب انشاب الاسد
في عرضه مخالبه = مستقصياً مثالبه
مجتهداً في غيبته = لم يرع حق غيبته
فهذه صحبة من = تراه في هذا الزمن
فلا تكن معتمدا = علىصديق أبداً*
و ان عصيت الا = تصحب منهم خلا
فإنك الموفق = بل السعيد المطلق
و ان قصدت الصحبة = فخذ لها في الأهبة
و احرص على آدابها = تعدّ من اربابها
و استنب من شروطها = توق من سقوطها
فان أردت علمها = و حدها و رسمها
فاستمله من رجز = هذا البديع الموجز
فإنه كفيل = بشرحه حفيل
فصلته فصولا = تقرّب الوصولا
لمنهج الآداب = في صحبة الاصحاب
تهدي جميع الصحب = الى طريق رحب
سميتها إذ اطربا = بنظمه ان اغربا
بنغمة الأغاني في = عشرة الاخوان
و الله ربي اسأل = وهو الكريم المفضل
الهادي للسداد = ومانح الإمداد
فصلٌ في تعريف الصديق و الصداقة
قالوا الصديق من صدق = في وده و ما مذق
و قيل من لا يطعنا = في قوله أنت أنا
و قيل لفظ لا يرى = معناه في هذا الورى
و فسروا الصداقة = بالحب حسب الطاقة
و قال من قد أطلقا = هي الوداد مطلقا
و الاآخرون نصوا = بأنها أخص
و هو الصحيح الراجح = و الحق فيه واضح
علامة الصديق = عند أولي التحقيق
محبة بلا غرض = و الصدق فيها مفترض
و حدها المعقول = عندي ما أقول
فهي بلا اشتباه = محبة في الله
فصلٌ فيمن يصادق ويصافى
أخو صلاح و أدب = و ذو حسب ذو نسب
ربّ صلاح و تقى = ينهاك عما يتقا
من حيلة و غدر = و بدعة و مكر
مهذب الأخلاق = يطرب للتلاقي
يحفظ ما في عيبتك = يصون ما في غيبتك
يزينه ما زانك = يشينه ما شانك
يظهر منك الحسنا = و يذكر المستحسنا
و يكتم المعيبا = و يحفظ المغيبا
يسره ما سركا = و لا يذيع سركا
إن قال قولا صدقك = أو قلت قولاً صدّقك
و إن شكوت عسراً = أخذت منه يسراً
يلقاك بالأمان = في حادث الزمان
يهدي لك النصيحة = بنية صحيحة
خلته مدانية في = السر و العلانية
صحبته لا لغرض = فذاك لللقلب مرض
لا يتغير إن ولي = عن الوداد الأول
يرعى عهود الصحبة = لا سيما في النكبة
لا يسلم الصديقا = إن نال يوما ضيقا
يعين إن أمر عنا = و لا يفوه بالخنا
يولي و لا يعتذر = عما عليه يقدر
هذا هو الأخ الثقة = المستحق للمقة
إن ظفرت يداكا = فكد به عداكا
فإنه السلاح = و الكهف و المناح
و قد روى الرواة = السادة الثقاة
عن الإمام المرتضى = سيف الآله المنتضى
في الصحب و الإخوان = أنهم صنفان
إخوان صدق و ثقة = و أنفس متفقة
هم الجناح و اليد = و الكهف و المستند
و الأهل و الأقارب = أدنتهم التجارب
فافدهم بالروح = في القرب و النزوح
و اسلك بحيث سلكوا = و ابذل لهم ما تملك
فلا يروك مالكا = من دونهم لمالكا
و صاف من صافاهم = و ناف من نافاهم
و احفظهم و صنهم = و انف الظنون عنهم
فهم أعز في الورى = إن عنّ خطب او عرى
من أحمر الياقوت = بل من حلال القوت
و إخوة للأنس = و نيل حظ النفس
هم عصبة المجاملة = للصدق في المعاملة
منهم تصيب لذتك = إذا الهموم بذّتك
فصلهم ما وصلوا = و ابذل لهم ما بذلوا
من ظاهر الصداقة = بالبشر و الطلاقة
و لا تسل إن أظهروا = للود عما اضمروا
و اطوهم مد الحقب = طي السجل للكتب
و قال بشر الحافي = بل عدة الأصناف
ثلاثة فالأول = للدين فهو الافضل
و آخر للدنيا = يهديك نجد العليا
و ثالث للأنس = لكونه من جنس
فأعط كلا ما يحب = و عن سواهم فاجتنب
فصلٌ في شروط الصداقة
صداقة الإخوان = الخلص العوان
لها شروط عدة = على الرخاء و الشدة
و الرفق و التلطف = و الود و التعطف
و كثرة التعهد = لها بكل معهد
البر بالأصحاب = من أحكم الأسباب
و النصح للإخوان = من أعظم الإحسان
و الصدق و التصافي = من أحسن الإنصاف
دع خدع المودة = و أوجهاً مسودة
فالمحض في الإخلاص = كالذهب الخلاص
حفظ العهود و الوفا = حق لإخوان الصفا
عاملهم بالصدق = و اصحب بحسن الخلق
و العدل و الإنصاف = و قلة الخلاف
و لاقهم بالبشر = و حيهم بالشكر
صفهم بما يستحسن = و اخف ما يستهجن
و إن رأيت هفوة = فانصحهم في خلوة
بالرمز و الإشارة = و ألطف العبارة
إياك و التعنيفا = و العذل العنيفا
و إن ترد عتابهم = فلا تسيء خطابهم
و أحسن العتاب = ما كان في كتاب
و العتب بالمشافهة = ضرب من المسافهة
وعن إمام نجل = فاتك كل فحل
عاتب أخاك الجاني = بالبر و الإحسان
حافظ على الصديق = في الوسع و المضيق
فهو نسيم الروح = و مرهم الجروح
و في الحديث الناطق = عن الإمام الصادق
من كان ذا حميم = ينجا من الجحيم
لقول أهل النار = و عصبة الكفار
فما لنا من شافع = و لا حميم نافع
فالقرب في الخلائق = أمن من البوائق
فقارب الأخوانا = و كن لهم معوانا
لا تسمع المقالا = فيهم و إن توالا
فمن أطاع الواشي = سار بليل عاش
و ضيع الصديقا = و كذب الصدّيقا
و إن سمعت قيلا = يحتمل التأويلا
فاحمله خير محمل = فعل الرجال الكُمّل
و إن رأيت وهنا = فلا تسمهم طعنا
فالطعن بالكلام = عند أولي الأحلام
أنفذ في الجنان = من طعنة السنان
فعدِّ من زلاتهم = و سد من خلاتهم
سل عنهم إن غابوا = و زرهم إن آبوا
و استنب عن أحوالهم = و عف عن أموالهم
أطعهم إن أمروا = و صلهم إن هجروا
فقاطع الوصال = كقاطع الأوصالي
إن نصحوك فاقبل = و إن دعوك أقبل
و اصدقهم في الوعد = فالخلف خلف الوعد
و اقبل إذا ما اعتذروا = إليك مما ينكر
و ارع صلاح حالهم = و اشفق على محالهم
و كن له غياثا = اذ الزمان عاثا
فصلٌ في الحث على إعانة الإخوان
حقيقة الصديق = تعرف عند الضيق
و تخبر الإخوان = إذا جفى الزمان
لا خير في إخاء = يكون في الرخاء
و إنما الصداقة = في العسر و الإضاقة
لا تدخر المودة = إلا ليوم الشدة
و لا تعدّ الخلة = إلا لسد الخلة
أعن اخاك و اعضد = وكن له كالعضد
لا سيما إن قعدا = به زمانٌ أو عدا
بئس الخليل من نكل = عن خله إذا اتكل
لا تجف في حال أخا = ضنّ الزمان أو سخا
وإن شكى من خطبه = فرم من اللطف به
و كن له كالنور = في ظلم الديجور
و لا تدع و لا تذر = ما تستطيع من نظر
حتى يزول الهم = و يكشف الملم
إن الصديق الصادق = من فرّج المضائق
و أكرم الإخوانا = إذا شكوا هوانا
و أسعف الحميما = و حمل العظيما
و أنجد الأصحابا = إن ريب دهر رابا
أعانهم بماله = و نفسه و آله
و لا يرى مقصرا = في بذل مال أو قرا
فعل أبي امامة = في خله الحمامة
فإن اردت فاسمع = حديثه لكي تعي
حكاية الفأر و الحمامة
حكى أريب عاقل = لكل فضل ناقل
عن سرب طير سارب = من الحمام الراهب
بكر يوماً سحرا = و سار حتى أصحرا
في طلب المعاش = و هو ربيط الجاش
فأبصروا على الثرا = حباً منقاً منُثرا
فأحمدوا الصباحا = و استيقنوا النجاحا
فأسرعوا إليه = و أقبلوا عليه
حتى إذا ما اصطفوا = حِذاءه أسفوا
فصاح منهم حازم = لنصحهم ملازم
مهلا فكم من عجلة = أدنت لحي أجله
تمهلوا لا تقعوا = و أنصتوا لي و اسمعوا
آليتكم بالرب = ما نثر هذا الحب؟
في هذه الفلاة = إلا لخطب عاتي
إني أرى حبالاً = قد ضمنت وبالا
و هذه الشباك = في ضمنها هلاك
فكابدوا المجاعة = و أنتظروني ساعة
حتى أرى و اختبر = و الفوز حظ المصطبر
فأعرضوا عن قوله = و استضحكوا من حوله
قالوا و قد خط القدر = للسمع منهم و البصر
ليس على الحق مرا = حب معدٌ للقرا
ألقي في التراب = للأجر و الثواب
ما فيه من محذور = لجائع مضرور
أغدوا على الغذاء = فالجوع شر داء
فسقطوا جميعا = لنقله سريعا
و ما دروا أن الردى = أكمن في ذاك الغدا
فوقعوا في الشبكة = و أيقنوا بالهلكة
و ندموا و ما الندم = مجد و قد زلّ القدم
فأخذوا في الخبط = لحل ذاك الربط
فالتوت الشباك = و التفت الأشراك
فصاح ذاك الناصح = ما كل سعي ناجح
هذا جزاء من عصى = نصيحه و انتقصا
للحرص طعم مر = و شره شمِّر
و كم غدت أمّنية = جالبة منية
فقالت الجماعة = دع الملام الساعة
إن أقبل القناص = فما لنا مناص
و الفكر في الفكاك = من ورطة الهلاك
أولى من الملام = و كثرة الكلام
و ما يفيد اللاحي = في القدر المتاح
فاحتل على الخلاص = كحيلة إبن العاص
فقام ذاك الحازم = طوع النصوح لازم
فإن أطعتم نصحي = ظفرتم بالنجح
وإن عصيتم أمري = خاطرتم بالعمر
فقال كل هات = فكرك بالنجاة
جميعنا مطيع = و كلنا سميع
و ليس كل وقت = يزول عقل الثبت
فقال لا تحركوا = فتستقر الشبك
و اتفقوا في الهمة = لهذه الملمة
حتى تطيروا بالشبك = و تأمنوا من الدرك
ثم الخلاص بعد = لكم علي وعد
فقبلوا مقاله = و امتثلوا ما قاله
و اجتمعوا في الحركة = و ارتفعوا بالشبكة
فقال سيروا عجلا = سيراً يفوت الأجلا
و لا تملوا فالملل = يعوق فالخطب جلل
فأمهم و راحوا = كأنهم رياح
و اقبل الحبّال = في مشيه يختال
يحسب أن البّركة = قد وقعت في الشبكة
فأبصر الحماما = قد حلقت أمامه
و قلّت الحبالة = و أوقعت خباله
فعض غيضاً كفه = على ذهاب الكفه
فراح يعدو خلفها = يرجو اللحاق سفها
حتى إذا ما أيسا = عاد و هو مبتئسا
و أقبل الحمام = كأنه غمام
على فلاة قفر = من الأنام صفر
فقالت الحمامة = بشراكم السلامة
هذا مقام الأمن = من كل خوف يعني
فإن أردتم فقعوا = لا يعتريكم فزع
فهذه المومات = لنا بها النجاة
و لي بها خليل = إحسانه جميل
ينعم بالفكاك = من ربقة الشباك
فلجأوا اليها = و وقعوا عليها
فنادت الحمامة = أقبل أبا أمامة
فأقبلت فويرة = كأنها نويرة
تقول: من ينادي = أبي بهذا الوادي
قال لها المطوق = أنا الخليل الشيق
قولي له فليخرج = وآذنيه بالمجي
فرجعت و أقبلا = فأرٌ يخد الجبلا
فأبصر المطوقا = فضمه و اعتنقا
و قال أهلا بالفتى = و مرحباً بمن أتى
قدمت خير مقدم = على الصديق الأقدم
فادخل بيمن داري = و شرفن مقداري
و انزل برحب و دعة = و جفنة مدعدعة
فقال كيف أنعم = أم كيف يهنى المنعم ؟
و أسرتي في الأسر = يشكون كل عسر
فقال مرني ائتمر = عداك نحس مستمر
قال أقرض الحبالا = قرضا بلا ملاله
و حل قيد أسرهم = و فكهم من أسرهم
قال أمرت طائعا = و خادماً مطاوعا
فقرض الشباكا = و قطع الأشراكا
و خلص الحماما = و قد رأى الحّماما
فأعلنوا بحمده = و اعترفوا بمجده
فقال قروا عينا = و لا شكوتم أينا
و قدم الحبوبا = للأكل و المشروبا
و قام بالضيافة = بالبشر و اللطافة
أضافهم ثلاثا = من بعد ما اغاثا
فقال ذاك الخل: = الخير لا يمل
فقت أبا أمامه = جوداً على ابن مامة
و جئت بالصداقة = بالصدق فوق الطاقة
ألبستنا نطاقه = و زدتنا أطواقا
من فعلك الجميل = و فضلك الجزيل
مثلك من يدخر = لريب دهر يحذر
و ترتجيه الصحب = إن عمّ يوماً خطب
فأذن بالإنصراف = لنا بلا تجافي
دام لك الإنعام = ما غرد الحمام
و دمت مشكور النعم = ما غنّى شاد بنغم
فقال ذاك الفأر = جفا الصديق عار
و لست أرضى بعدكم = لا ذقت يوماً فقدكم
و لا أرى خلافكم = إن رمتم انصرافكم
عمتكم السلامة = في الظعن و الإقامة
فودعوا و انصرفوا = و الدمع منهم يذرف
فاعجب لهذا المثل = المغرب المؤثل
أوردته ليحتذى = إذا عرى الخل أذى
فصلٌ في اتحاد الصديقين
الصدق في الوداد = يقضي بالاتحاد
في النعت و الصفات = و الحال و الهيئات
و يكسب المشوقا = ما يكسب المعشوقا
حتى يظن أنه = من الحبيب كنهه
لشدة العلاقة = و الصدق في الصداقة
و هذه القضية = في حكمها مرضية
أثبتها البيان = النقل و العيان
كذاك قال الأول = الحق لا يأوّل
نحن من المساعدة = نحيا بروح واحدة
و مثلوا بالجسد = و الروح ذي التجرد
فالروح إن أمر عنا = تقول للجسم أنا
و قال جلُّ الناظم = مستند الأعاظم
من العلوم قد نشر = منصور أستاذ البشر
و أمر هذا الحكم = لم يقترن بعلم
و أنه قد ظهرا = مشاهداً بلا مِرى
فمنه ما جرى لي = في غابر الليالي
أصابني يوم ألم = من غير أنذار ألمّ
فاحترت منه عجبا = لمّا فقدت السببا
واستغرقتني الفكر = حتى أتاني الخبر
أن حبيباً لي عرض = بجسمه هذا المرض
فازداد عند علمي = تصديق هذا الحكم
فالصدق في المحبة = يوجب هذه النسبة
فكن صديقاً صادقا = و لا تكن مماذقا
حتى تقول معلنا = أني و من اهوى أنا
فصلٌ في تزاور الإخوان
تزاور الإخوان = من خالص الإيمان
إن التآخي شجرة = لها التلاقي ثمرة
لا تترك الزيارة = فتركها حقارة
كل أخ زوّار = و إن تناءا الدار
و قد روو آراء = و اختلفوا مراءا
في الحد للزيارة = و المدة المختارة
فقيل كل يوم = كالشمس بين القوم
و قيل كل شهر = مثل طلوع البدر
و قيل ما نص الأثر = عليه نصاً واشتهر
زر من تحب غِبّا = تزدد إليه حبا
و اختلفوا في الغب = عن أي معنى ينبي
فقيل عن أيام = خوفا من الإبرام
و قيل عن أسبوع = وقفا على المسموع
و قيل بل معناه زر = يوماً و يوماً لا تزر
فاعمل بما تراه = في وصل من تهواه
و زر أخاك عارفا = بحقه ملاطفا
و إن حللت منزله = فاجعل صنيع الفضل له
و اقبل إذا ما راما = منه لك الإكراما
فمن أبى الكرامة = حلت به الملامة
و إن أتاك زائرا = فانهض إليه شاكرا
و قل مقال من شكر = فضل الصديق و ذكر
إن زارني بفضله = أو زرته لفضله
فالفضل في الحالين له = و وصل من تهوى صلته
و الضم والمصافحة = من سنة المصالحة
أو كان يوم عيد = أو جاء من بعيد
هذا هو المشهور = يصفه الجمهور
و قد أتى في الأثر = عن النبي المنذر
تصافح الاخوان = يُسن كل آن
ما افترقا و اجتمعا = يغشاهما الخير معا
فصلٌ في محادثة الإخوان
إن رمت أن تحدثا = بما مضى أو حدثا
لتؤنس الأصحابا = فأحسن الخطابا
و اختصر العبارة = و لا تكن مهذارا
و اختر من الكلام = ما لاق بالمقام
من فائق العلوم = و رائق المنظوم
و اذكر من المنقول = ما صح في المعقول
و اجتنب الغرائبا = كيلا تظن كاذبا
و الزم له السكاتا = و احسن له الإنصاتا
و لا تكن ملتفتا = عنه إلى أن يسكتا
و إن أتى بنقل = سمعته من قبل
فلا تقل هذا الخبر = علمته فيما غبر
و لا تُكّذب ما روى = و دع سبيل من غوى
فصلٌ في ممازحة الإخوان
المزح و الدعابة = من شيم الصحابة
فإنه في الخلق = عنوان حسن الخُلق
تولي به السرورا = خليلك المصدورا
فامزح مزاح من قسط = و كن على حد وسط
و اجتنب الإيحاشا = و لا تكن فحّاشا
فالفحش في المزاح = ضرب من التلاح
يجر للسخيمة = و الظنة الوخيمة
و جانب الإكثارا = و حاذر العثارا
فكثرة الدعابة = تذهب بالمهابة
و عثرة اللسان = توقع بالإنسان
و احمل مزاح الإخوة = و خل عنك النخوة
فالبسط في المصاحبة = يفضي إلى المداعبة
و إن سمعت نادرة = فلا تفه ببادرة
لا تغضبن فالغضب = في المزح من سوء الأدب
و انظر إلى المقام = وقائل المقام
فإن يكن وليا = و صاحبا صفيا
فقوله و إن نبا = فهو الولاء المجتبى
و إن يكن عدوا = مكاشحاً مجفوا
فقوله و إن حلى = هو البلاء المجتلا
ألا ترى للعرب = تقول عند العجب
قاتله الله و لا = تقول ذاك عن قلا
فصلٌ في ضيافة الإخوان
إذا الصديق طرقا = من غير وعد سبقا
فقدّمن ما حضر = فليس في البر خطر
و لا ترم تكلفا = خير الطعام ما كفى
و اعلم بأن الألفة = مسقطة للكلفة
و إن دعوت فاحتفل = و لا تكن كمن بخل
و قم بحق الضيف = في شتوة أو صيف
و أسأل له ما يشتهِ = من طرف التفكه
و أت بما يقترح = فاللطف لا يستملح
و اعمل بقول الأول = الضيف رب المنزل
و أظهر الإناسا = و لا تكن عباسا
فالبشر و اللطافة = خير من الضيافة
و خدمة الأضياف = سجية الأشراف
إحرص على سرورهم = بالبسط في حضورهم
لا تشك دهراً عندهم = و لا تكدر ودهم
و احلم عن الخدام = و العبد و الغلام
و إن أساؤ الأدبا = كيلا يروك مغضباً
و قدم الخوانا = و أكرم الإخوانا
عن إنتظار من يجي = فذاك فعل الهمج
و قد رووا فيما ورد = أعظم ما يضني الجسد
مائدة تنتظر = بأكلها من يحضر
آنسهم في الأكل = فعل الكريم الجزل
و أطل الحديثا = و لا تكن حثيثا
فاللبث في الطعام = من شيم الكرام
و شيع الأضيافا = إن طلبوا انصرافا
و إن دعاك من تحب = إلى طعام فأجب
إجابة الصدّيق فرض = على التحقيق
فإن أجبت دعوته = فلا تهيج جفوته
و لا تزرين صاحب = أو أحد الأقارب
و اجلس بحيث اجلسك = و أنس به ما آنسك
لا تأب من كرامته = و كف عن غرامته
إياك و التثقيلا = و لا تكن ثقيلا
لا تحتقر ما أحضرا = و لا تعب ما حضرا
فالذم للطعام = من عادة الطغام
لا تحتشم من أكل = كفعل أهل الجهل
ما جيء بالطعام = إلا للإلتقام
فصلٌ في عيادة الإخوان
عيادة العليل = فرض على الخليل
فعد أخاك إن مرض = و اعمل بحكم ما فرض
و سله عن أحواله = باللطف في سؤاله
و ضع عليه يدك = و اعطف عليه جهدك
و سائلاً عن مابه = و اسأل عن إكتسابه
و ادع له بالعافية = و الصحة الموافية
و احذر من التطويل = و ضجّر العليل
فمكث ذي الصداقة = قدر احتلاب الناقة
إلا إذا ما التمسا = من نفسه أن تجلسا
و العود للعيادة = بعد ثلاث عادة
هذا لمن أحبا = و إن يشأ فغبا
و سنة المعتل = إيذان كل خل
ليقصدوا و فادته = و يغنموا عيادته
و ليترك الشكاية = و يكتم النكاية
عن عائد و زائر = فعل الكريم الصابر
و ليحمد الله على = بلائه بما ابتلى
ليحزر الثوابا = و الاجر و الصوابا
فصلٌ في مكاتبة الإخوان
تواصل الأحباب = في البعد بالكتاب
فكاتب الإخوانا = و لا تكن خوّانا
فتركك المكاتبة = ضرب من المجانبة
و البدؤ للمسافر = فى الكتب لا للحاضر
و الرد للجواب = فضل بلا ارتياب
فصلٌ في التحذير من صحبة الأحمق
لا تصحبن الأحمق = المائق الشمقمقا
عدو سوء عاقل = و لا صديق جاهل
إن اصطحاب المائق = من أعظم البوائق
فإنه لحمقه = و خبطه في عمقه
يحب جهلاً فعله = و أن تكون مثله
يستحسن القبيح = و يبغض النصيحه
بيانه فهاهة = و حلمه سفاهة
و ربما تمطى = فكشف المغطى
لا يحفظ الأسرارا = و لا يخاف عارا
يعجب من غير عجب = يغضب من غير غضب
كثيره وجيز = ليس له تمييز
و ربما إذا نظر = أراد نفعا فأضر
كفعل ذاك الدب = بخله المحب
حكاية الدب
روى أولوا الأخبار = عن رجل سيار
أبصر في صحراء = فسيحة الأرجاء
دباً عظيما موثقا = في صرحة معلقا
يعوي عواء الكلب = من شدة و كرب
فأدركته الشفقة = عليه حتى أطلقه
و حله من قيده = لأمنه من كيده
و نام تحت الشجرة = منام من قد أضجره
طول الطريق و السفر = فنام من فرط الضجر
فجاء ذاك الدب = عن وجهه يدب
فقال هذا الخل = جفاه لا يحل
أنقذني من أسري = وفك قيد عسري
فحقه أن أرصده = من كل سوء قصده
فأقبلت ذبابة = ترن كالربابة
فوقعت لحينه = على شِفار عينه
فجاش غيظ الدب = وقال لا وربي
لا أدع الذبابا =يسيمه عذابا
فأسرع الدبيبا = لصخرة قريبه
فقلها و أقبلا = يسعى إليه عجلا
حتى إذا حاذاه = صك بها محذاه
ليقتل الذبابة = قتلاً بلا إرابه
فرض منه الرأسا = و فرق الأضراسا
و أهلك الخليلا = بفعله الجميلا
فهذه الرواية = تنهى عن الغواية
في طلب الصداقة = عند أولي الحماقة
إذ كان فعل الدب = هذا لفرط الحب
و جاء في الصحيح = نقلاً عن المسيح
عالجت كل أكمه = وأبرص مشوه
لكنني لم أطق = قط علاج الأحمق
فصلٌ في صحبة الكذاب
صحابة الكذاب = كلامع السراب
يخلق ما يقول = معلومه مجهول
يقرب البعيدا = و يأمن الوعيدا
و يبعد القريبا = و يأمن المريبا
يحلف ثم يخلف = فلا يمين كلف
يميل في اليمين = و ليس بالأمين
و في كلام الأدباء = العلماء النجباء
لم ير في القبائح = و جملة الفضائح
كالكذب أوهى سببا = و لا أضل مذهبا
و لا أعز طالبا = و لا أذل صاحبا
يسلم من يعتصم = به و من يلتزم
طلوعه أفول = و فضله فضول
غليله لا ينقع = و خرقه لا يرقع
صاحبه مكذب = و في غد معذب
فجانب الكذابا = و أوله اجتنابا
و اسمع حديثاً عجبا = في رفض من قد كذبا
حكاية الفتى البغدادي مع الأمير المهلبي
روى أولو الأخبار = و ناقلو الآثار
عن حدث ذي أدب = و خلق مهذب
يسكن في بغداد = في نعمه تلادي
فارق يوماً والده = و طرفه و تالده
و حل أرض البصرة = بلوعة و حسرة
فظل فيها حائرا = يكابد المرائرا
و لم يزل ذا فحص = يسأل كل شخص
عمن بها من نازل = و فاضل مشاكل
فوصفوا نديما = ذا أدب كريما
ينادم المهلب = و هو أمير العرب
فأمه و قصده = و حين حل معهده
عرّفه بأمره = و حلوه و مره
فقال أنت تصلح = بل خير من يستملح
لصحبة الأمير = السيد الخطير
إن كنت ممن يصبر = لخصلة تستكثر
فقال أي خصلة = فيه تنافي وصله
فقال هذا رجل = لا يعتريه الملل
من إفتراء الكذب = في حزن و طرب
فإن أردت طوله = فصدقن قوله
في كل ما يختلق = و يفتري و ينطق
حتى تنال نائله = و لا ترى غوائله
قال الفتى سأفعل = ذاك و لست أجهل
فذهب النديم = و هو به زعيم
فعّرف الأميرا = بفضله كثيرا
حتى دعاه فحضر = و سره عند النظر
فراشه في الحال = بكسوة و مال
فلزم الملازمة = للأنس و المنادمة
و لم يزل يصدقه = في كل إفك يخلقه
فقال يوماً و افترى = بهتاً و كذبا منكرا
لي عادة مستحسنة = أفعلها كل سنة
أطبخ للحجاج من = لحم الدجاج
في فرد قدر نزلا = يكفي الجميع مأكلا
فحار ذلك الفتى = من قوله و بهتا
و قال ليت شعري = ما قدر هذا القدر
هل هي بئر زمزم = أو هي بحر القلزم
أم هي في الفضاء = بادية دهناء
فغضب الأمير = و غاضه النكير
و قال ردوا صلته = منه و قدوا خلعته
و أخرجوه الآنا = عنا فلا يرانا
فندم الأديب = و ساءه التكذيب
و عاود النديما = لعذره مقيما
و قال منذ دهري = لم اشتعل بسكر
فغالني الشراب = و حاق بي العذاب
و قلت ما لا أعقل = و الهفو قد يحتمل
فسل لي الإغضاء = و العفو و الرضاء
قال النديم إني = أُرضيه بالتأني
بشرط أن تنيبا = و تترك التكذيبا
فراجع الأميرا = و استوهب التقصيرا
و استأنف الإنعاما = عليه و الإكراما
فعاد للمنادمة = باللطف و الملائمة
فكان كلما كذب = و قال افكا وانتدب
صدقه و أقسما = بكونه مسلّما
حتى جرى في = خبر ذكر كلاب عبقر
و وصفها بالصغر = و خلقها المحتقر
قال الأمير و ابتكر = ليس العيان كالخبر
قد كان منذ مدة = لدي منها عدة
أضعها في مكحلة = للهزل و الخزعبلة
و كان عندي مسخرة = أكحل منها بصره
فكانت الكلاب = في عينه تناب
و هي على مجونه = تنبح في جفونه
فقام ذلك الفتى = يقول لا عشتُ متى
صدقت هذا الكذبا = شاء الأمير أم أبى
و رد ما كساه = به و ما حباه
و راح يعدو عاريا = من البلاد ناجيا
فصلٌ في التحذير من صحبة الأشرار
و صحبة الأشرار = أعظم في الإضرار
من خدعة الأعداء = و من عضال الداء
يقبحون الحسنا = و دأبهم قول الخنا
شأنهم النميمة = و الشيم الذميمة
إذا أردت تصنع = خيراً بشخص منعوا
الغل فيهم و الحسد = و الشر حبل من مسد
إن منعوا ما طلبوا = تنمروا و كلبوا
و أعرضوا إعراضا = و مزقوا الأعراضا
ليس لهم صلاح = حرامهم مباح
لا يتقون قبحا = و لا يعون نصحا
يغدون بالقبيح = و الضر و التبريح
كلامهم فحاش = و أنسهم إيحاش
الخير منهم و ان = و الشرّ منهم دان
شيطانهم مطاع = و دينهم مضاع
لا يرقبون إلاّ = و لا يرون خِلاّ
إخلاصهم مداهنة = و ودهم مشاحنة
صلاحهم فساد = رواجهم كساد
عزيزهم ذليل = صحيحهم عليل
ضياؤهم ظلام = و عذرهم ملام
تقريبهم بعيد = و وعدهم وعيد
إذا سألت ضنوا = أو منحوك منوا
و إن عدلت مالوا = و إن سألت قالوا
ربحهم خسران = و شكرهم كفران
و ودهم خداع = و سرهم مذاع
إذعانهم لجاج = معينهم أُجاج
و ليس فيهم عار = من إدراع العار
البعد عنهم خير و = القرب منهم ضير
فاحذرهم كل الحذر = لحاك لاح أو عذر
و اسمع مقال الناصح = سمع اللبيب الراجح
و قال أرباب الحكم = العالمون بالأمم
إن شئت أن تصاحبا = من الأنام صاحبا
فابدأه بالمشاوره = في حالة المحاورة
من حالة تريدها = او حاجة تفيدها
فإن أشار ناصحا = بالخير كان صالحا
فأوله الصداقة = و لا تخف شقاقه
فالخير فيه طبع = و اصله و الفرع
و إن اشار مغريا = بالشر كان مغويا
فاجتنب إصطحابه = و واظب اجتنابه
و الشيم الردية = أضحت له سجية
هذا و قد تم الرجز = بعون ربي و نجز
و هاكها أحكاما = أحكمتها إحكاما
كدرر البحور = عى نحور الحور
و الختم بالصلاة = على زكي الذات
و بالسلام السرمدي = على النبي أحمد
و الآل و الأصحاب = مع جملة الأحباب
ما غردت حمامة = إلى يوم القيامة
يقول راجي الصمد = ابن علي أحمد
حمداً لمن هداني = بالنطق و البيان
و أشرف الصلاة = من واهب الصِلات
على النبي الهادي = و آله الأمجاد
و بعد فالكلام = لحسنه أقسام
و القول ذو فنون = في الجد و المجون
و روضة الأريض = السجع في القريض
و الشعر ديوان العرب = و كم أنال من أرب
فانسل اذا رمت الأدب = اليه من كل حدب
رواية الأشعار = تكسو الأديب العاري
و ترفع الوضيعا = و تكرم الشفيعا
و تنجح المآرب = و تصلح المعائب
و تطرب الإخوانا = و تذهب الأحزانا
و تنعش العشاقا = و تؤنس المشتاقا
و تنسخ الأحقادا = و تثبت الودادا
و تقدم الجبانا = و تعطف الغضبانا
فقم له مهتما = و احفظه حفطاًَ جمّا
و خيره ما أطربا = مستمعاً و أعجبا
و هذه الأرجوزة = في فنها وجيزة
بديعة الألفاظ = تسهل للحفاظ
تطرب كل سامع = بحسن لفظ جامع
أبياتها قصور = و ما بها قصور
ضمنتها معاني = في عشرة الإخوان
تشرح للألباب = محاسن الآداب
فان خير العشرة = ما حاز قوم عشرة
و أكثر الإخوان = في الوصل و الأوان
صحبتهم نفاق = ما شانها وفاق
يلقى الخليل خله = إذا أتى محله
بظاهر مموه = و باطن مشوه
يظهر من صداقة = ما هو فوق الطاقه
و القلب منها خالي = كفارغ المخالي
حتى اذا ما انصرفا = اعرض عن ذاك الصفا
و إن يكن ثم حسد = انشب انشاب الاسد
في عرضه مخالبه = مستقصياً مثالبه
مجتهداً في غيبته = لم يرع حق غيبته
فهذه صحبة من = تراه في هذا الزمن
فلا تكن معتمدا = علىصديق أبداً*
و ان عصيت الا = تصحب منهم خلا
فإنك الموفق = بل السعيد المطلق
و ان قصدت الصحبة = فخذ لها في الأهبة
و احرص على آدابها = تعدّ من اربابها
و استنب من شروطها = توق من سقوطها
فان أردت علمها = و حدها و رسمها
فاستمله من رجز = هذا البديع الموجز
فإنه كفيل = بشرحه حفيل
فصلته فصولا = تقرّب الوصولا
لمنهج الآداب = في صحبة الاصحاب
تهدي جميع الصحب = الى طريق رحب
سميتها إذ اطربا = بنظمه ان اغربا
بنغمة الأغاني في = عشرة الاخوان
و الله ربي اسأل = وهو الكريم المفضل
الهادي للسداد = ومانح الإمداد
فصلٌ في تعريف الصديق و الصداقة
قالوا الصديق من صدق = في وده و ما مذق
و قيل من لا يطعنا = في قوله أنت أنا
و قيل لفظ لا يرى = معناه في هذا الورى
و فسروا الصداقة = بالحب حسب الطاقة
و قال من قد أطلقا = هي الوداد مطلقا
و الاآخرون نصوا = بأنها أخص
و هو الصحيح الراجح = و الحق فيه واضح
علامة الصديق = عند أولي التحقيق
محبة بلا غرض = و الصدق فيها مفترض
و حدها المعقول = عندي ما أقول
فهي بلا اشتباه = محبة في الله
فصلٌ فيمن يصادق ويصافى
أخو صلاح و أدب = و ذو حسب ذو نسب
ربّ صلاح و تقى = ينهاك عما يتقا
من حيلة و غدر = و بدعة و مكر
مهذب الأخلاق = يطرب للتلاقي
يحفظ ما في عيبتك = يصون ما في غيبتك
يزينه ما زانك = يشينه ما شانك
يظهر منك الحسنا = و يذكر المستحسنا
و يكتم المعيبا = و يحفظ المغيبا
يسره ما سركا = و لا يذيع سركا
إن قال قولا صدقك = أو قلت قولاً صدّقك
و إن شكوت عسراً = أخذت منه يسراً
يلقاك بالأمان = في حادث الزمان
يهدي لك النصيحة = بنية صحيحة
خلته مدانية في = السر و العلانية
صحبته لا لغرض = فذاك لللقلب مرض
لا يتغير إن ولي = عن الوداد الأول
يرعى عهود الصحبة = لا سيما في النكبة
لا يسلم الصديقا = إن نال يوما ضيقا
يعين إن أمر عنا = و لا يفوه بالخنا
يولي و لا يعتذر = عما عليه يقدر
هذا هو الأخ الثقة = المستحق للمقة
إن ظفرت يداكا = فكد به عداكا
فإنه السلاح = و الكهف و المناح
و قد روى الرواة = السادة الثقاة
عن الإمام المرتضى = سيف الآله المنتضى
في الصحب و الإخوان = أنهم صنفان
إخوان صدق و ثقة = و أنفس متفقة
هم الجناح و اليد = و الكهف و المستند
و الأهل و الأقارب = أدنتهم التجارب
فافدهم بالروح = في القرب و النزوح
و اسلك بحيث سلكوا = و ابذل لهم ما تملك
فلا يروك مالكا = من دونهم لمالكا
و صاف من صافاهم = و ناف من نافاهم
و احفظهم و صنهم = و انف الظنون عنهم
فهم أعز في الورى = إن عنّ خطب او عرى
من أحمر الياقوت = بل من حلال القوت
و إخوة للأنس = و نيل حظ النفس
هم عصبة المجاملة = للصدق في المعاملة
منهم تصيب لذتك = إذا الهموم بذّتك
فصلهم ما وصلوا = و ابذل لهم ما بذلوا
من ظاهر الصداقة = بالبشر و الطلاقة
و لا تسل إن أظهروا = للود عما اضمروا
و اطوهم مد الحقب = طي السجل للكتب
و قال بشر الحافي = بل عدة الأصناف
ثلاثة فالأول = للدين فهو الافضل
و آخر للدنيا = يهديك نجد العليا
و ثالث للأنس = لكونه من جنس
فأعط كلا ما يحب = و عن سواهم فاجتنب
فصلٌ في شروط الصداقة
صداقة الإخوان = الخلص العوان
لها شروط عدة = على الرخاء و الشدة
و الرفق و التلطف = و الود و التعطف
و كثرة التعهد = لها بكل معهد
البر بالأصحاب = من أحكم الأسباب
و النصح للإخوان = من أعظم الإحسان
و الصدق و التصافي = من أحسن الإنصاف
دع خدع المودة = و أوجهاً مسودة
فالمحض في الإخلاص = كالذهب الخلاص
حفظ العهود و الوفا = حق لإخوان الصفا
عاملهم بالصدق = و اصحب بحسن الخلق
و العدل و الإنصاف = و قلة الخلاف
و لاقهم بالبشر = و حيهم بالشكر
صفهم بما يستحسن = و اخف ما يستهجن
و إن رأيت هفوة = فانصحهم في خلوة
بالرمز و الإشارة = و ألطف العبارة
إياك و التعنيفا = و العذل العنيفا
و إن ترد عتابهم = فلا تسيء خطابهم
و أحسن العتاب = ما كان في كتاب
و العتب بالمشافهة = ضرب من المسافهة
وعن إمام نجل = فاتك كل فحل
عاتب أخاك الجاني = بالبر و الإحسان
حافظ على الصديق = في الوسع و المضيق
فهو نسيم الروح = و مرهم الجروح
و في الحديث الناطق = عن الإمام الصادق
من كان ذا حميم = ينجا من الجحيم
لقول أهل النار = و عصبة الكفار
فما لنا من شافع = و لا حميم نافع
فالقرب في الخلائق = أمن من البوائق
فقارب الأخوانا = و كن لهم معوانا
لا تسمع المقالا = فيهم و إن توالا
فمن أطاع الواشي = سار بليل عاش
و ضيع الصديقا = و كذب الصدّيقا
و إن سمعت قيلا = يحتمل التأويلا
فاحمله خير محمل = فعل الرجال الكُمّل
و إن رأيت وهنا = فلا تسمهم طعنا
فالطعن بالكلام = عند أولي الأحلام
أنفذ في الجنان = من طعنة السنان
فعدِّ من زلاتهم = و سد من خلاتهم
سل عنهم إن غابوا = و زرهم إن آبوا
و استنب عن أحوالهم = و عف عن أموالهم
أطعهم إن أمروا = و صلهم إن هجروا
فقاطع الوصال = كقاطع الأوصالي
إن نصحوك فاقبل = و إن دعوك أقبل
و اصدقهم في الوعد = فالخلف خلف الوعد
و اقبل إذا ما اعتذروا = إليك مما ينكر
و ارع صلاح حالهم = و اشفق على محالهم
و كن له غياثا = اذ الزمان عاثا
فصلٌ في الحث على إعانة الإخوان
حقيقة الصديق = تعرف عند الضيق
و تخبر الإخوان = إذا جفى الزمان
لا خير في إخاء = يكون في الرخاء
و إنما الصداقة = في العسر و الإضاقة
لا تدخر المودة = إلا ليوم الشدة
و لا تعدّ الخلة = إلا لسد الخلة
أعن اخاك و اعضد = وكن له كالعضد
لا سيما إن قعدا = به زمانٌ أو عدا
بئس الخليل من نكل = عن خله إذا اتكل
لا تجف في حال أخا = ضنّ الزمان أو سخا
وإن شكى من خطبه = فرم من اللطف به
و كن له كالنور = في ظلم الديجور
و لا تدع و لا تذر = ما تستطيع من نظر
حتى يزول الهم = و يكشف الملم
إن الصديق الصادق = من فرّج المضائق
و أكرم الإخوانا = إذا شكوا هوانا
و أسعف الحميما = و حمل العظيما
و أنجد الأصحابا = إن ريب دهر رابا
أعانهم بماله = و نفسه و آله
و لا يرى مقصرا = في بذل مال أو قرا
فعل أبي امامة = في خله الحمامة
فإن اردت فاسمع = حديثه لكي تعي
حكاية الفأر و الحمامة
حكى أريب عاقل = لكل فضل ناقل
عن سرب طير سارب = من الحمام الراهب
بكر يوماً سحرا = و سار حتى أصحرا
في طلب المعاش = و هو ربيط الجاش
فأبصروا على الثرا = حباً منقاً منُثرا
فأحمدوا الصباحا = و استيقنوا النجاحا
فأسرعوا إليه = و أقبلوا عليه
حتى إذا ما اصطفوا = حِذاءه أسفوا
فصاح منهم حازم = لنصحهم ملازم
مهلا فكم من عجلة = أدنت لحي أجله
تمهلوا لا تقعوا = و أنصتوا لي و اسمعوا
آليتكم بالرب = ما نثر هذا الحب؟
في هذه الفلاة = إلا لخطب عاتي
إني أرى حبالاً = قد ضمنت وبالا
و هذه الشباك = في ضمنها هلاك
فكابدوا المجاعة = و أنتظروني ساعة
حتى أرى و اختبر = و الفوز حظ المصطبر
فأعرضوا عن قوله = و استضحكوا من حوله
قالوا و قد خط القدر = للسمع منهم و البصر
ليس على الحق مرا = حب معدٌ للقرا
ألقي في التراب = للأجر و الثواب
ما فيه من محذور = لجائع مضرور
أغدوا على الغذاء = فالجوع شر داء
فسقطوا جميعا = لنقله سريعا
و ما دروا أن الردى = أكمن في ذاك الغدا
فوقعوا في الشبكة = و أيقنوا بالهلكة
و ندموا و ما الندم = مجد و قد زلّ القدم
فأخذوا في الخبط = لحل ذاك الربط
فالتوت الشباك = و التفت الأشراك
فصاح ذاك الناصح = ما كل سعي ناجح
هذا جزاء من عصى = نصيحه و انتقصا
للحرص طعم مر = و شره شمِّر
و كم غدت أمّنية = جالبة منية
فقالت الجماعة = دع الملام الساعة
إن أقبل القناص = فما لنا مناص
و الفكر في الفكاك = من ورطة الهلاك
أولى من الملام = و كثرة الكلام
و ما يفيد اللاحي = في القدر المتاح
فاحتل على الخلاص = كحيلة إبن العاص
فقام ذاك الحازم = طوع النصوح لازم
فإن أطعتم نصحي = ظفرتم بالنجح
وإن عصيتم أمري = خاطرتم بالعمر
فقال كل هات = فكرك بالنجاة
جميعنا مطيع = و كلنا سميع
و ليس كل وقت = يزول عقل الثبت
فقال لا تحركوا = فتستقر الشبك
و اتفقوا في الهمة = لهذه الملمة
حتى تطيروا بالشبك = و تأمنوا من الدرك
ثم الخلاص بعد = لكم علي وعد
فقبلوا مقاله = و امتثلوا ما قاله
و اجتمعوا في الحركة = و ارتفعوا بالشبكة
فقال سيروا عجلا = سيراً يفوت الأجلا
و لا تملوا فالملل = يعوق فالخطب جلل
فأمهم و راحوا = كأنهم رياح
و اقبل الحبّال = في مشيه يختال
يحسب أن البّركة = قد وقعت في الشبكة
فأبصر الحماما = قد حلقت أمامه
و قلّت الحبالة = و أوقعت خباله
فعض غيضاً كفه = على ذهاب الكفه
فراح يعدو خلفها = يرجو اللحاق سفها
حتى إذا ما أيسا = عاد و هو مبتئسا
و أقبل الحمام = كأنه غمام
على فلاة قفر = من الأنام صفر
فقالت الحمامة = بشراكم السلامة
هذا مقام الأمن = من كل خوف يعني
فإن أردتم فقعوا = لا يعتريكم فزع
فهذه المومات = لنا بها النجاة
و لي بها خليل = إحسانه جميل
ينعم بالفكاك = من ربقة الشباك
فلجأوا اليها = و وقعوا عليها
فنادت الحمامة = أقبل أبا أمامة
فأقبلت فويرة = كأنها نويرة
تقول: من ينادي = أبي بهذا الوادي
قال لها المطوق = أنا الخليل الشيق
قولي له فليخرج = وآذنيه بالمجي
فرجعت و أقبلا = فأرٌ يخد الجبلا
فأبصر المطوقا = فضمه و اعتنقا
و قال أهلا بالفتى = و مرحباً بمن أتى
قدمت خير مقدم = على الصديق الأقدم
فادخل بيمن داري = و شرفن مقداري
و انزل برحب و دعة = و جفنة مدعدعة
فقال كيف أنعم = أم كيف يهنى المنعم ؟
و أسرتي في الأسر = يشكون كل عسر
فقال مرني ائتمر = عداك نحس مستمر
قال أقرض الحبالا = قرضا بلا ملاله
و حل قيد أسرهم = و فكهم من أسرهم
قال أمرت طائعا = و خادماً مطاوعا
فقرض الشباكا = و قطع الأشراكا
و خلص الحماما = و قد رأى الحّماما
فأعلنوا بحمده = و اعترفوا بمجده
فقال قروا عينا = و لا شكوتم أينا
و قدم الحبوبا = للأكل و المشروبا
و قام بالضيافة = بالبشر و اللطافة
أضافهم ثلاثا = من بعد ما اغاثا
فقال ذاك الخل: = الخير لا يمل
فقت أبا أمامه = جوداً على ابن مامة
و جئت بالصداقة = بالصدق فوق الطاقة
ألبستنا نطاقه = و زدتنا أطواقا
من فعلك الجميل = و فضلك الجزيل
مثلك من يدخر = لريب دهر يحذر
و ترتجيه الصحب = إن عمّ يوماً خطب
فأذن بالإنصراف = لنا بلا تجافي
دام لك الإنعام = ما غرد الحمام
و دمت مشكور النعم = ما غنّى شاد بنغم
فقال ذاك الفأر = جفا الصديق عار
و لست أرضى بعدكم = لا ذقت يوماً فقدكم
و لا أرى خلافكم = إن رمتم انصرافكم
عمتكم السلامة = في الظعن و الإقامة
فودعوا و انصرفوا = و الدمع منهم يذرف
فاعجب لهذا المثل = المغرب المؤثل
أوردته ليحتذى = إذا عرى الخل أذى
فصلٌ في اتحاد الصديقين
الصدق في الوداد = يقضي بالاتحاد
في النعت و الصفات = و الحال و الهيئات
و يكسب المشوقا = ما يكسب المعشوقا
حتى يظن أنه = من الحبيب كنهه
لشدة العلاقة = و الصدق في الصداقة
و هذه القضية = في حكمها مرضية
أثبتها البيان = النقل و العيان
كذاك قال الأول = الحق لا يأوّل
نحن من المساعدة = نحيا بروح واحدة
و مثلوا بالجسد = و الروح ذي التجرد
فالروح إن أمر عنا = تقول للجسم أنا
و قال جلُّ الناظم = مستند الأعاظم
من العلوم قد نشر = منصور أستاذ البشر
و أمر هذا الحكم = لم يقترن بعلم
و أنه قد ظهرا = مشاهداً بلا مِرى
فمنه ما جرى لي = في غابر الليالي
أصابني يوم ألم = من غير أنذار ألمّ
فاحترت منه عجبا = لمّا فقدت السببا
واستغرقتني الفكر = حتى أتاني الخبر
أن حبيباً لي عرض = بجسمه هذا المرض
فازداد عند علمي = تصديق هذا الحكم
فالصدق في المحبة = يوجب هذه النسبة
فكن صديقاً صادقا = و لا تكن مماذقا
حتى تقول معلنا = أني و من اهوى أنا
فصلٌ في تزاور الإخوان
تزاور الإخوان = من خالص الإيمان
إن التآخي شجرة = لها التلاقي ثمرة
لا تترك الزيارة = فتركها حقارة
كل أخ زوّار = و إن تناءا الدار
و قد روو آراء = و اختلفوا مراءا
في الحد للزيارة = و المدة المختارة
فقيل كل يوم = كالشمس بين القوم
و قيل كل شهر = مثل طلوع البدر
و قيل ما نص الأثر = عليه نصاً واشتهر
زر من تحب غِبّا = تزدد إليه حبا
و اختلفوا في الغب = عن أي معنى ينبي
فقيل عن أيام = خوفا من الإبرام
و قيل عن أسبوع = وقفا على المسموع
و قيل بل معناه زر = يوماً و يوماً لا تزر
فاعمل بما تراه = في وصل من تهواه
و زر أخاك عارفا = بحقه ملاطفا
و إن حللت منزله = فاجعل صنيع الفضل له
و اقبل إذا ما راما = منه لك الإكراما
فمن أبى الكرامة = حلت به الملامة
و إن أتاك زائرا = فانهض إليه شاكرا
و قل مقال من شكر = فضل الصديق و ذكر
إن زارني بفضله = أو زرته لفضله
فالفضل في الحالين له = و وصل من تهوى صلته
و الضم والمصافحة = من سنة المصالحة
أو كان يوم عيد = أو جاء من بعيد
هذا هو المشهور = يصفه الجمهور
و قد أتى في الأثر = عن النبي المنذر
تصافح الاخوان = يُسن كل آن
ما افترقا و اجتمعا = يغشاهما الخير معا
فصلٌ في محادثة الإخوان
إن رمت أن تحدثا = بما مضى أو حدثا
لتؤنس الأصحابا = فأحسن الخطابا
و اختصر العبارة = و لا تكن مهذارا
و اختر من الكلام = ما لاق بالمقام
من فائق العلوم = و رائق المنظوم
و اذكر من المنقول = ما صح في المعقول
و اجتنب الغرائبا = كيلا تظن كاذبا
و الزم له السكاتا = و احسن له الإنصاتا
و لا تكن ملتفتا = عنه إلى أن يسكتا
و إن أتى بنقل = سمعته من قبل
فلا تقل هذا الخبر = علمته فيما غبر
و لا تُكّذب ما روى = و دع سبيل من غوى
فصلٌ في ممازحة الإخوان
المزح و الدعابة = من شيم الصحابة
فإنه في الخلق = عنوان حسن الخُلق
تولي به السرورا = خليلك المصدورا
فامزح مزاح من قسط = و كن على حد وسط
و اجتنب الإيحاشا = و لا تكن فحّاشا
فالفحش في المزاح = ضرب من التلاح
يجر للسخيمة = و الظنة الوخيمة
و جانب الإكثارا = و حاذر العثارا
فكثرة الدعابة = تذهب بالمهابة
و عثرة اللسان = توقع بالإنسان
و احمل مزاح الإخوة = و خل عنك النخوة
فالبسط في المصاحبة = يفضي إلى المداعبة
و إن سمعت نادرة = فلا تفه ببادرة
لا تغضبن فالغضب = في المزح من سوء الأدب
و انظر إلى المقام = وقائل المقام
فإن يكن وليا = و صاحبا صفيا
فقوله و إن نبا = فهو الولاء المجتبى
و إن يكن عدوا = مكاشحاً مجفوا
فقوله و إن حلى = هو البلاء المجتلا
ألا ترى للعرب = تقول عند العجب
قاتله الله و لا = تقول ذاك عن قلا
فصلٌ في ضيافة الإخوان
إذا الصديق طرقا = من غير وعد سبقا
فقدّمن ما حضر = فليس في البر خطر
و لا ترم تكلفا = خير الطعام ما كفى
و اعلم بأن الألفة = مسقطة للكلفة
و إن دعوت فاحتفل = و لا تكن كمن بخل
و قم بحق الضيف = في شتوة أو صيف
و أسأل له ما يشتهِ = من طرف التفكه
و أت بما يقترح = فاللطف لا يستملح
و اعمل بقول الأول = الضيف رب المنزل
و أظهر الإناسا = و لا تكن عباسا
فالبشر و اللطافة = خير من الضيافة
و خدمة الأضياف = سجية الأشراف
إحرص على سرورهم = بالبسط في حضورهم
لا تشك دهراً عندهم = و لا تكدر ودهم
و احلم عن الخدام = و العبد و الغلام
و إن أساؤ الأدبا = كيلا يروك مغضباً
و قدم الخوانا = و أكرم الإخوانا
عن إنتظار من يجي = فذاك فعل الهمج
و قد رووا فيما ورد = أعظم ما يضني الجسد
مائدة تنتظر = بأكلها من يحضر
آنسهم في الأكل = فعل الكريم الجزل
و أطل الحديثا = و لا تكن حثيثا
فاللبث في الطعام = من شيم الكرام
و شيع الأضيافا = إن طلبوا انصرافا
و إن دعاك من تحب = إلى طعام فأجب
إجابة الصدّيق فرض = على التحقيق
فإن أجبت دعوته = فلا تهيج جفوته
و لا تزرين صاحب = أو أحد الأقارب
و اجلس بحيث اجلسك = و أنس به ما آنسك
لا تأب من كرامته = و كف عن غرامته
إياك و التثقيلا = و لا تكن ثقيلا
لا تحتقر ما أحضرا = و لا تعب ما حضرا
فالذم للطعام = من عادة الطغام
لا تحتشم من أكل = كفعل أهل الجهل
ما جيء بالطعام = إلا للإلتقام
فصلٌ في عيادة الإخوان
عيادة العليل = فرض على الخليل
فعد أخاك إن مرض = و اعمل بحكم ما فرض
و سله عن أحواله = باللطف في سؤاله
و ضع عليه يدك = و اعطف عليه جهدك
و سائلاً عن مابه = و اسأل عن إكتسابه
و ادع له بالعافية = و الصحة الموافية
و احذر من التطويل = و ضجّر العليل
فمكث ذي الصداقة = قدر احتلاب الناقة
إلا إذا ما التمسا = من نفسه أن تجلسا
و العود للعيادة = بعد ثلاث عادة
هذا لمن أحبا = و إن يشأ فغبا
و سنة المعتل = إيذان كل خل
ليقصدوا و فادته = و يغنموا عيادته
و ليترك الشكاية = و يكتم النكاية
عن عائد و زائر = فعل الكريم الصابر
و ليحمد الله على = بلائه بما ابتلى
ليحزر الثوابا = و الاجر و الصوابا
فصلٌ في مكاتبة الإخوان
تواصل الأحباب = في البعد بالكتاب
فكاتب الإخوانا = و لا تكن خوّانا
فتركك المكاتبة = ضرب من المجانبة
و البدؤ للمسافر = فى الكتب لا للحاضر
و الرد للجواب = فضل بلا ارتياب
فصلٌ في التحذير من صحبة الأحمق
لا تصحبن الأحمق = المائق الشمقمقا
عدو سوء عاقل = و لا صديق جاهل
إن اصطحاب المائق = من أعظم البوائق
فإنه لحمقه = و خبطه في عمقه
يحب جهلاً فعله = و أن تكون مثله
يستحسن القبيح = و يبغض النصيحه
بيانه فهاهة = و حلمه سفاهة
و ربما تمطى = فكشف المغطى
لا يحفظ الأسرارا = و لا يخاف عارا
يعجب من غير عجب = يغضب من غير غضب
كثيره وجيز = ليس له تمييز
و ربما إذا نظر = أراد نفعا فأضر
كفعل ذاك الدب = بخله المحب
حكاية الدب
روى أولوا الأخبار = عن رجل سيار
أبصر في صحراء = فسيحة الأرجاء
دباً عظيما موثقا = في صرحة معلقا
يعوي عواء الكلب = من شدة و كرب
فأدركته الشفقة = عليه حتى أطلقه
و حله من قيده = لأمنه من كيده
و نام تحت الشجرة = منام من قد أضجره
طول الطريق و السفر = فنام من فرط الضجر
فجاء ذاك الدب = عن وجهه يدب
فقال هذا الخل = جفاه لا يحل
أنقذني من أسري = وفك قيد عسري
فحقه أن أرصده = من كل سوء قصده
فأقبلت ذبابة = ترن كالربابة
فوقعت لحينه = على شِفار عينه
فجاش غيظ الدب = وقال لا وربي
لا أدع الذبابا =يسيمه عذابا
فأسرع الدبيبا = لصخرة قريبه
فقلها و أقبلا = يسعى إليه عجلا
حتى إذا حاذاه = صك بها محذاه
ليقتل الذبابة = قتلاً بلا إرابه
فرض منه الرأسا = و فرق الأضراسا
و أهلك الخليلا = بفعله الجميلا
فهذه الرواية = تنهى عن الغواية
في طلب الصداقة = عند أولي الحماقة
إذ كان فعل الدب = هذا لفرط الحب
و جاء في الصحيح = نقلاً عن المسيح
عالجت كل أكمه = وأبرص مشوه
لكنني لم أطق = قط علاج الأحمق
فصلٌ في صحبة الكذاب
صحابة الكذاب = كلامع السراب
يخلق ما يقول = معلومه مجهول
يقرب البعيدا = و يأمن الوعيدا
و يبعد القريبا = و يأمن المريبا
يحلف ثم يخلف = فلا يمين كلف
يميل في اليمين = و ليس بالأمين
و في كلام الأدباء = العلماء النجباء
لم ير في القبائح = و جملة الفضائح
كالكذب أوهى سببا = و لا أضل مذهبا
و لا أعز طالبا = و لا أذل صاحبا
يسلم من يعتصم = به و من يلتزم
طلوعه أفول = و فضله فضول
غليله لا ينقع = و خرقه لا يرقع
صاحبه مكذب = و في غد معذب
فجانب الكذابا = و أوله اجتنابا
و اسمع حديثاً عجبا = في رفض من قد كذبا
حكاية الفتى البغدادي مع الأمير المهلبي
روى أولو الأخبار = و ناقلو الآثار
عن حدث ذي أدب = و خلق مهذب
يسكن في بغداد = في نعمه تلادي
فارق يوماً والده = و طرفه و تالده
و حل أرض البصرة = بلوعة و حسرة
فظل فيها حائرا = يكابد المرائرا
و لم يزل ذا فحص = يسأل كل شخص
عمن بها من نازل = و فاضل مشاكل
فوصفوا نديما = ذا أدب كريما
ينادم المهلب = و هو أمير العرب
فأمه و قصده = و حين حل معهده
عرّفه بأمره = و حلوه و مره
فقال أنت تصلح = بل خير من يستملح
لصحبة الأمير = السيد الخطير
إن كنت ممن يصبر = لخصلة تستكثر
فقال أي خصلة = فيه تنافي وصله
فقال هذا رجل = لا يعتريه الملل
من إفتراء الكذب = في حزن و طرب
فإن أردت طوله = فصدقن قوله
في كل ما يختلق = و يفتري و ينطق
حتى تنال نائله = و لا ترى غوائله
قال الفتى سأفعل = ذاك و لست أجهل
فذهب النديم = و هو به زعيم
فعّرف الأميرا = بفضله كثيرا
حتى دعاه فحضر = و سره عند النظر
فراشه في الحال = بكسوة و مال
فلزم الملازمة = للأنس و المنادمة
و لم يزل يصدقه = في كل إفك يخلقه
فقال يوماً و افترى = بهتاً و كذبا منكرا
لي عادة مستحسنة = أفعلها كل سنة
أطبخ للحجاج من = لحم الدجاج
في فرد قدر نزلا = يكفي الجميع مأكلا
فحار ذلك الفتى = من قوله و بهتا
و قال ليت شعري = ما قدر هذا القدر
هل هي بئر زمزم = أو هي بحر القلزم
أم هي في الفضاء = بادية دهناء
فغضب الأمير = و غاضه النكير
و قال ردوا صلته = منه و قدوا خلعته
و أخرجوه الآنا = عنا فلا يرانا
فندم الأديب = و ساءه التكذيب
و عاود النديما = لعذره مقيما
و قال منذ دهري = لم اشتعل بسكر
فغالني الشراب = و حاق بي العذاب
و قلت ما لا أعقل = و الهفو قد يحتمل
فسل لي الإغضاء = و العفو و الرضاء
قال النديم إني = أُرضيه بالتأني
بشرط أن تنيبا = و تترك التكذيبا
فراجع الأميرا = و استوهب التقصيرا
و استأنف الإنعاما = عليه و الإكراما
فعاد للمنادمة = باللطف و الملائمة
فكان كلما كذب = و قال افكا وانتدب
صدقه و أقسما = بكونه مسلّما
حتى جرى في = خبر ذكر كلاب عبقر
و وصفها بالصغر = و خلقها المحتقر
قال الأمير و ابتكر = ليس العيان كالخبر
قد كان منذ مدة = لدي منها عدة
أضعها في مكحلة = للهزل و الخزعبلة
و كان عندي مسخرة = أكحل منها بصره
فكانت الكلاب = في عينه تناب
و هي على مجونه = تنبح في جفونه
فقام ذلك الفتى = يقول لا عشتُ متى
صدقت هذا الكذبا = شاء الأمير أم أبى
و رد ما كساه = به و ما حباه
و راح يعدو عاريا = من البلاد ناجيا
فصلٌ في التحذير من صحبة الأشرار
و صحبة الأشرار = أعظم في الإضرار
من خدعة الأعداء = و من عضال الداء
يقبحون الحسنا = و دأبهم قول الخنا
شأنهم النميمة = و الشيم الذميمة
إذا أردت تصنع = خيراً بشخص منعوا
الغل فيهم و الحسد = و الشر حبل من مسد
إن منعوا ما طلبوا = تنمروا و كلبوا
و أعرضوا إعراضا = و مزقوا الأعراضا
ليس لهم صلاح = حرامهم مباح
لا يتقون قبحا = و لا يعون نصحا
يغدون بالقبيح = و الضر و التبريح
كلامهم فحاش = و أنسهم إيحاش
الخير منهم و ان = و الشرّ منهم دان
شيطانهم مطاع = و دينهم مضاع
لا يرقبون إلاّ = و لا يرون خِلاّ
إخلاصهم مداهنة = و ودهم مشاحنة
صلاحهم فساد = رواجهم كساد
عزيزهم ذليل = صحيحهم عليل
ضياؤهم ظلام = و عذرهم ملام
تقريبهم بعيد = و وعدهم وعيد
إذا سألت ضنوا = أو منحوك منوا
و إن عدلت مالوا = و إن سألت قالوا
ربحهم خسران = و شكرهم كفران
و ودهم خداع = و سرهم مذاع
إذعانهم لجاج = معينهم أُجاج
و ليس فيهم عار = من إدراع العار
البعد عنهم خير و = القرب منهم ضير
فاحذرهم كل الحذر = لحاك لاح أو عذر
و اسمع مقال الناصح = سمع اللبيب الراجح
و قال أرباب الحكم = العالمون بالأمم
إن شئت أن تصاحبا = من الأنام صاحبا
فابدأه بالمشاوره = في حالة المحاورة
من حالة تريدها = او حاجة تفيدها
فإن أشار ناصحا = بالخير كان صالحا
فأوله الصداقة = و لا تخف شقاقه
فالخير فيه طبع = و اصله و الفرع
و إن اشار مغريا = بالشر كان مغويا
فاجتنب إصطحابه = و واظب اجتنابه
و الشيم الردية = أضحت له سجية
هذا و قد تم الرجز = بعون ربي و نجز
و هاكها أحكاما = أحكمتها إحكاما
كدرر البحور = عى نحور الحور
و الختم بالصلاة = على زكي الذات
و بالسلام السرمدي = على النبي أحمد
و الآل و الأصحاب = مع جملة الأحباب
ما غردت حمامة = إلى يوم القيامة