khelifa8
2009-05-09, 18:54
1- الشكل :
- أ –
إسم الكتاب : شروط النهضة
إسم المؤلف : مالك بن نبي
الترجمة : عبد الصبور شاهين
الطبعة : دون طبعة
دار النشر : دار الفكر للطباعة و التوزيع و النشر – دمشق
سنة النشر : دون تاريخ
عدد الصفحات : مائة وتسعة وخمسون ( 159 ) صفحة
- ب -
محتوى الكتاب: ثلاثة أبواب
الباب الاول : الحاضر و التاريخ ، من الصفحة 15 الى الصفحة 36
- دور الابطال
- دور السياسة و الفكرة
- دور الوثنية
الباب الثاني : المستقبل ، من الصفحة 37 الى الصفحة 142
- من التكديس الى البناء
- الدورة الخالدة
- العدة الدائمة
- أثر الفكرة الخالدة في تكوين الحضارة
- العنصر الاول : الانسان
- العنصر الثاني : التراب
- العنصر الثالث : الوقت
الباب الثالث : الاستعمار و الشعوب المستعمرة ، من الصفحة 143 الى الصفحة 159
- المعامل الاستعماري
- معامل القابلية للاستعمار
- مشكلة التكيف
التعريف بالكاتب : ولد مالك بن نبي في مدينة تبسة في الشرق الجزائري سنة 1905 م ، في أسرة فقيرة من مجتمع جزائري محافظ ، أنهى تعليمه 1925م . سافر بعدها مع أحد أصدقائه إلى فرنسا حيث كانت له تجربة فاشلة ، فعاد مجددا إلى مسقط رأسه . و بعد العودة تبدأ تجارب جديدة في الاهتداء إلى عمل ، كان أهمها عمله في محكمة ( آفلو ) حيث احتك أثناء هذه الفترة بالفئات البسيطة من الشعب ، فبدأ عقله يتفتح على حالة بلاده .
ثم أعاد الكرة سنة 1930م ، و لكن هذه كانت رحلة علمية . حاول أولا الإلتحاق بمعهد الدراسات الشرقية ، إلا أنه لم يكن يسمح للجزائريين أمثاله بمزاولة مثل هذه الدراسات . فاضطّر للتعديل في أهدافه و غاياته ، ملتحقا بمدرسة ( اللاسلكي ) فتخرج كمساعد مهندس .
ورغم تخصصه التقني انغمس في الدراسة و الحياة الفكرية ، فتزوج فرنسية و اختار الإقامة في فرنسا وشرع يؤلف في قضايا العالم الإسلامي كله ، فكان سنة 1946 كتابه " الظاهرة القرآنية " ، ثم "شروط النهضة " 1948 الذي طرح فيه مفهوم القابلية للاستعمار ، و " وجهة العالم الإسلامي " 1954، أما كتابه " مشكلة الأفكار في العالم الاسلامي" فيعتبر من أهم ماكتب بالعربية في القرن العشرين .
انتقل إلى القاهرة بعد إعلان الثورة المسلحة في الجزائر سنة 1954م و هناك حظي باحترام ، فكتب " الفكرة الإفريقية الآسيوية " 1956 . وتشرع أعماله الجادة تتوالى ، و عاد بعد الاستقلال إلى الوطن ، فعين مديراً للتعليم العالي الذي كان محصوراً في ( جامعة الجزائرالمركزية ) ، حتى استقال سنة 1967 متفرغاً للكتابة ، بادئاً هذه المرحلة بكتابة مذكراته ، بعنوان عام هو : " مذكرات شاهد القرن " . قضى نحبه يوم 31 أكتوبر 1973م ، في صمت معدما محاصرا منسيا ً.
2- المضمون :
أ – الاشكالية :
- ماهي الشروط الضرورية لقيام نهضة حضارية متوازنة ؟
ب - الفكرة العامة :
قيمة الانسان والتراب و الوقت و الفكرة في قيام النهضة الحضارية
جـ- الافكار الاساسية :
- دور الابطال و الافكار و السياسة في إحداث حركات التغيير .
- العناصر الاساسية التي تقوم عليها أي حضارة .
- طرح فكرتي المعامل الاستعماري و القابلية للاستعمار و ضرورة التكيف مع الحضارة .
الباب الاول
الافكار الاساسية :
- دور الابطال في صناعة الملاحم و البطولات .
- دور الافكار الاصلاحية في ايقاظ الشعوب
تحليل الباب الاول :
لقد كان دور الشعوب الاسلامية امام الزحف الاستعماري خلال القرن التاسع عشر و الربع الاول من القرن العشرين دورا بطوليا فقط ، و من طبيعة هذا الدور انه لا يلتفت الى حل المشاكل التي مهدت لتغلغل الاستعمار داخل البلاد .
ان مشكلة كل شعب هي في جوهرها مشكلة حضارته ، و لا يمكن لأي شعب ان يفهم او يحل مشكلته ما لم يرتفع بفكرته الى الاحداث الانسانية ، و ما لم يتعمق في فهم العوامل التي تبني الحضارات او تهدمها ..
ان التاريخ لا يلتفت الى الامم النائمة ، و انما يتركها لأحلامها التي تطربها حينا وتزعجها حينا آخر ؛ تطربها إذ ترى في منامها ابطالها الخالدين و قد أدوا رسالتهم ، و تزعجها حينما تدخل صاغرة ضعيفة في سلطة جبار عنيد .
وهكذا حال الجزائر ؛ فبعد سبات عميق بزغ في الافق ( الامير عبد القادر ) ، ثم اختفى سريعا كأنه حلم طواه النوم ، و ايضا بزوغ ( عبد الكريم الخطابي ) في المغرب ، الذي كانت القبائل العربية و البربرية تقاتل معه لا من اجل البقاء ، بل من اجل الخلود ، فكان لها الخلود ، ذلك لأن الاسلام كقوة روحية يعد حصنا منيعا للذين يتمسكون به من ان تحطمهم الايام او يذوبوا في بوتقة المستعمر [1] (file:///C:/Documents%20and%20Settings/KHELFA%20%20DAOUD/Bureau/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9%20%D8%A 7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D9%8A%20%D9%81%D9% 8A%20%D9%81%D9%83%D8%B1%20%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%83 %20%D8%A8%D9%86%20%D9%86%D8%A8%D9%8A.htm#_ftn1)...
هذا ، و ان كان للابطال دور فإن للكلمة و الفكرة دور أيضا ، فكلمة يطلقها انسان قد تكون من عوامل اثارة النفوس و تغيير الاوضاع ، و هكذا كانت كلمة ( جمال الدين الافغاني ) ، أحييت النفوس الميتة و زرعت البذور لفكرة بسيطة : ( فكرة النهوض )
و من آثار هذه الكلمة انها قد غيرت ما في نفوس الناس من تقاليد بالية ، و بعثت الحركة في كل مكان حتى وصلت الجزائر ، فكانت ساعة اليقظة مع كلمات ( عبد الحميد بن باديس ) .. فشاعت الافكار و انطلقت في صورة مدرسة او مسجد او حركة اصلاحية .. وكانت حركة الاصلاح التي قام بها العلماء الجزائريون اقرب الى النفوس و القلوب ، إذ كان اساس منهاجم قوله تعالى : " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " (سورة الرعد ، الآية : 11) ، فأصبحت هذه الاية شعار كل من يسلك الاصلاح في مدرسة ابن باديس ..
الباب الثاني :
الافكار الاساسية :
- العناصر الاساسية التي تقوم عليها الحضارة .
- اثر الفكرة الدينية في تأسيس الحضارة .
تحليل الباب الثاني :
لقد ظل العالم العربي خارج التاريخ دهراً طويلاً كأن لم يكن له هدف ، فاستسلم المريض للمرض ، و فقد شعوره بالألم حتى كأن المرض صار يؤلف جزءاً من كيانه . و قبل ميلاد القرن العشرين سمع من يذكره بمرضه ، فلم يلبث أن خرج من سباته العميق و لديه الشعور بالألم . و بهذه الصحوة الخافتة تبدأ بالنسبة للعالم الإسلامي و العربي حقبة تاريخية جديدة يطلق عليها : النهضة[2] (file:///C:/Documents%20and%20Settings/KHELFA%20%20DAOUD/Bureau/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9%20%D8%A 7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D9%8A%20%D9%81%D9% 8A%20%D9%81%D9%83%D8%B1%20%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%83 %20%D8%A8%D9%86%20%D9%86%D8%A8%D9%8A.htm#_ftn2) .
و لكن ما مدلول هذه الصحوة ؟ إن من الواجب أن نضع نصب أعيننا ( المرض ) بالمصطلح الطبي لكي تكون لدينا عنه فكرة سليمة ، فإن الحديث عن المرض أو الشعور به لا يعني بداهة ( الدواء ) .
و نقطة الإنطلاق هي أن الخمسين عاماً الماضية[3] (file:///C:/Documents%20and%20Settings/KHELFA%20%20DAOUD/Bureau/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9%20%D8%A 7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D9%8A%20%D9%81%D9% 8A%20%D9%81%D9%83%D8%B1%20%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%83 %20%D8%A8%D9%86%20%D9%86%D8%A8%D9%8A.htm#_ftn3) تفسر لنا الحالة الراهنة التي يوجد فيها العالم العربي اليوم ، و التي يمكن أن تفسر بطريقتين متعارضتين : فهي من ناحية : النتيجة الموفقة للجهود المبذولة طوال نصف قــرن من الزمان من أجل النهضة . و هي من ناحية أخرى : النتيجة الخائبة لتطور استمر خلال هذه الحقبة دون أن تشترك الآراء في تحديد أهدافه أو اتجاهاته .
و من الممكن أن نفحص الآن سجلات هذه الحقبة ، ففيها كثير من الوثائق و الدراسات و مقالات الصحف و المؤتمرات التي تتصل بموضوع النهضة ، هذه الدراسات تعالج الاستعمار و الجهل هنا ، و الفقر و البؤس هناك ، و انعدام التنظيم و اختلال الاقتصاد أو السياسة هنالك ، و لكن ليس فيها تحليل منهجي للمرض ، أعني دراسة مرضية للمجتمع العربي ، دراسة لا تدع مجالاً للظن حول المرض الذي يتألم منه منذ قرون . ففي الوثائق نجد أن كل مصلح قد وصف الوضع الراهن تبعاً لرأيه أو مزاجه أو مهنته . فرأى رجل سياسي كجمال الدين الأفغاني أن المشكلة سياسية تحل بوسائل سياسية ، بينما قد رأى رجل دين كالشيخ محمد عبده أن المشكلة لا تحل إلا بإصلاح العقيدة و الوعظ ... على حين أن كل هذا التشخيص لا يتناول في الحقيقة المرض بل يتحدث عن أعراضه .
و قد نتج عن هذا أنهم لا يعالجون المرض ، وإنما يعالجون الأعراض ، وكانت النتيجة قريبة من تلك التي يحصل عليها طبيب يواجه حالة مريض بالسل الجرثومي ، فلا يهتم بمكافحة الجراثيم ، وإنما يهتم بهيجان الحمى عند المريض .
والمريض نفسه يريد أن يبرأ من آلام كثيرة : من الاستعمار و نتائجه ، من الأمية بأشكالها ، من الفقر رغم غنى البلاد بالمادة الأولية ، من الظلم و القهر و الاستعباد ... و هو لا يعرف حقيقة مرضه و لم يحاول أن يعرفه ، بل كل ما في الأمر أنه شعر بالألم ، فجرى نحو الصيدلية ، يأخذ من آلاف الزجاجات ليواجه آلاف الآلام . و ليس هناك في الواقع سوى طريقتين لوضع نهاية لهذه الحالة المرضية ؛ فإما القضاء على المرض و إما إعدام المريض . لكن هناك من له مصلحة في استمرار هذه الحالة المرضية سواءً أكان ممن هم في الخارج أو ممن يمثلونهم في الداخل .
لقد دخل المريض إلى صيدلية الحضارة الغربية طالباً الشفاء ، و لكن من أي مرض ؟ و بأي دواء ؟ وبديهي أننا لا نعرف شيئاً عن مدة علاج كهذا ، و لكن الحالة التي تستمر هكذا تحت أنظارنا لها دلالة اجتماعية يجب أن تكون موضع تأمل و تحليل . و بذلك يمكننا أن نفهم المعنى الواقعي لتلك الحقبة التاريخية التي نحياها ، فيجوز ان نطلق على تلك الحقبة ( بادرة حضارة ) ، و ان كل ناتج حضاري = انسان + تراب + وقت و المركب بين هذه العناصر هو الفكرة الدينية[4] (file:///C:/Documents%20and%20Settings/KHELFA%20%20DAOUD/Bureau/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9%20%D8%A 7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D9%8A%20%D9%81%D9% 8A%20%D9%81%D9%83%D8%B1%20%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%83 %20%D8%A8%D9%86%20%D9%86%D8%A8%D9%8A.htm#_ftn4) .
إذن مشكلة الحضارة تتحلل إلى ثلاث مشكلات أولية : مشكلة الإنسان ، و مشكلة التراب ، و مشكلة الوقت ، فلكي نقيم بناء نهضة لا يكون ذلك بأن نكدس المنتجات ، و إنما بأن نحل هذه المشكلات الثلاث من أساسها .
أولا : مشكلة الإنسان : إن المشروع الإصلاحي يبدأ بتغيير الإنسان ، ثم بتعليمه الإنخراط في الجماعة ثم بالتنظيم ، فالنقد البنّاء . و تبدأ عملية التطور مـن الإنسان لأنه المخلوق الوحيد القادر على قيادة حركة البناء ، و تحقيق قفزات نوعية ، تمهيداً لظهور الحضارة . أما المادة فمهما يكن من أمرها تكديساً وزيادة ، فإنها تبقى تجميع كمي لا يعطي معنى كيفياً نوعياً ، إلا بسلامة استخدام الإنسان له .
و لكي يتحقق التغير في محيطنا يجب أن يتحقق أولاً في أنفسنا ، فمنهج الرسالة يقتضي التغيير ، و التغيير يقتضي تغيير ما في النفوس أولاً ... لقوله تعالى " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " ، و عندها يجب على المسلم أن يحقق بمفرده شروطاً ثلاثة :
- أن يعرف نفسه .
- أن يعرف الآخرين ، و أن لا يتعالى عليهم و أن لا يتجاهلهم .
- أن يعرف الآخرين بنفسه و لكن بالصورة المحببة ، أي بالصورة التي أجريت عليها كل عمليات التغيير بعد التنقية و التصفية من كل رواسب القابلية للاستعمار و التخلف وأصناف التقهقر .
إن الإنسان هو الهدف و هو نقطة البدء في التغيير و البناء ، و مهما جرت محاولات تحديثية بوساطة الإستعارة ، أو الشراء للمصنوعات ومنتجات التقنية ، فإن هذه المحاولات ستكون عقيمة ، طالما أنها لم تبدأ من حيث يجب ، فالحل الوحيد هو تكوين الفرد الحامل لرسالته في التاريخ ، و الغني بأفكاره على حساب اشيائه .
إن العلوم الأخلاقية و الاجتماعية و النفسية تعد اليوم أكثر ضرورة من العلوم المادية ، فهذه تعتبر خطراً في مجتمع مازال الناس يجهلون فيه حقيقة أنفسهم أو يتجاهلونها ، فإعداد إنسان الحضارة أشق كثيراً من صنع محرك أو تقنية متطورة ، و مما يؤسف له ان حملة الشهادات العليا في هذه الاختصاصات هم الأكثر عدداً في البلدان المتخلفة لكنهم ، لم يكونوا إلا حملة أوراق يذكر فيها اختصاصهم النظري ، فصاروا عبئاً ثقيلاً على مسيرة التنمية و الإصلاح ، فهم القادة في المجتمعات المتخلفة على الرغم من عجزهم عن حل أبسط المشكلات بطريقة علمية عملية ، و إلا لما تخلف مشروع النهضة حتى الوقت الحاضر ، و نحن بحاجة إلى دروس في منهجية العمل في سائر مستويات عملنا .
و لتبدأ المنهجية اولاً في مستوى الحديث المجرد ، لأن كل عمل اجتماعي يقتضي تبادل أفكار بين عدد من الاشخاص . إن الحوار هو أبسط صورة لتبادل الأفكار، و هو المرحلة التمهيدية البسيطة لكل عمل مشترك ، فقواعد الحديث إذن لا تخص حسن الآداب فقط ، بل هي جزء رئيسي من تقنية العمل .
فالقضية إذن ، لا تخص قواعد الحديث و حسن السلوك في المنتديات و المؤتمرات و الصالونات و المقاهي فحسب ، بل تخص مباشرة تقنية العمل من زاوية " الفعالية " ، حيث لا يكون الحديث لمجرد التسلية و انما يخضع لقواعد العمل ، الذي ليس سوى مشروع في محتوى بعض الكلمات و بعض الأفكار ، و في هذا المستوى ، يتداخل الجانب الأخلاقي و الجانب المنطقي ليكونا معاً العمل الفعال أو العمل التافه و نظن أننا لا نزال كأمة في المستوى الثاني .
و ليس من الضروري و لا من الممكن أن يكون لمجتمع فقير ، المليارات من الذهب كي ينهض ، و إنما ينهض بالرصيد الذي لا يستطيع الدهر ان ينقص من قيمته شيئاً ، الرصيد الذي وضعته العناية الإلهية بين يديه : " الإنسان " ...
و طالما كانت الإرادة الحضارية طوع الفكرة فإننا إزاء عصر التلقين المستبد بتصوراتنا و مفاهيمنا نواجه انهيار هذه الإرادة حتى لا تقوى على احتضان المصير، و الصراع الفكري يجد إطاره الأوسع في البلاد المحكومة بشبكة من الإيحاءات ، تدلي بها مراصد الاستعمار ، لتصنع الأحداث حيال كل نهضة فاعلة في عالمنا العربي و الإسلامي . فالمشكلة مشكلة أفكار في النهاية ، لأننا بها ننظم خطانا في ثبات ، و ندفع طاقتنا في مضاء العزيمة ، و نحشد وسائلنا في الإنجاز .
إن لكل حضارة نمطها و أسلوبها و خيارها ، و خيار العالم الغربي ذي الأصول الرومانية الوثنية قد جنح بصره إلى ما حوله مما يحيط به : نحو " الاشياء " ، بينما الحضارة العربية الإسلامية عقيدة التوحيد المتصل بالرسل قبلها سبح خيارها نحو التطلع الغيبي و ما وراء الطبيعة : نحو " الأفكار " .
و الإنسان حينما ينظم شبكة علاقاته الاجتماعية بوحي الفكرة في انبثاقها ، فإنه يتحرك في مسيرته عبر الأشخاص و الأشياء المحيطة به فيتخذ العالم الثقافي إطاره في إنجاز هذه المسيرة و يأخذ طابعه تبعاً للعلاقة بين العناصر الثلاثة المتحركة : الأشياء ، الأشخاص ، الأفكار . فهناك توازن لابد منه بين هذه العناصر الثلاثة يسكب مزيجها في قوالب الإنجاز الحضاري ، فإذا ما استبد واحد من هذه العناصر و طغى على حساب العنصرين الآخرين فثمة أزمة حقيقية في مسيرة الحضارة تلقي بها خارج التاريخ فريسة طغيان الشيء أو طغيان الشخص .
ففي بلد متخلف يفرض الشيء طغيانه بسبب ندرته ، تنشأ فيه عقد الكبت و الميل نحو التكديس الذي يصبح في الإطار الاقتصادي إسرافاً محضاً . أما في البلد المتقدم - و طبقاً لدرجة تقدمه - فإن الشيء يسيطر بسبب وفرته و ينتج نوعاً من الإشباع ، فيولد ميلاً نحو الهروب إلى الأمام الذي يدفع الإنسان المتحضر دائماً إلى تغيير إطار الحياة وفق صرعات الموضة في كل شيء حوله .
لكن طغيان الشخص يؤدي إلى نتائج في الإطار السياسي و الجتماعي تهدم بنيان الفكرة حينما تتجسد فيه . وكثيراً ما تعمد مراصد الرقابة في حركة العالم الثالث إلى دفع هذا الاتجاه المرضي إلى نهايته في عقول الجماهير لتحطم الفكرة البناءة من وراء سقوط الأشخاص الذين يمثلونها في النهاية ، وتدفع الجماهير للبحث عن بديل للفكرة الاصلية من الشرق و الغرب عبر بطل جديد .
فعدم التوازن في العناصر الثلاثة يفضي بنا على انهيار المجتمع ، و المجتمع العربي الإسلامي يعاني في الوقت الحاضر بصورة خاصة من هذه الاتجاهات ، لأن نهضته لم يُخطط لها . ولم يُفكر بها بطريقة تأخذ بإعتبارها عوامل التبديد و التعويق سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي ، و على الأغلب الاثنين معاً .
إن أهمية الأفكار في حياة مجتمع معين تتجلى في صورتين : فهي إما ان تؤثر بوصفها عوامل نهوض بالحياة الاجتماعية ، و إما أن تؤثر على عكس ذلك بوصفها عوامل ممرضة ، تجعل النمو الاجتماعي صعباً أو مستحيلاً . و هنالك فضلاً عن ذلك جانب آخر لأهمية الأفكار في العالم الحديث : ففي القرن التاسع عشر كانت العلاقات بين الأمم و الشعوب علاقات " قوة " ، وكان مركز الأمة يقدر بعدد مصانعها ، و مدافعها ، و اساطيلها البحرية ، و رصيدها من الذهب ، و لكن القرن العشرين قد سجل في هذا الصدد تطوراً معلوماً ، هو أنه قد أعلى من " الفكرة " باعتبارها قيمة قومية و دولية . هذا التطور لم تشعر به كثيراً البلدان المتخلفة ، لأن عقدة تخلفها ذاتها قد نصبت في طريقها ضرباً من الغرام السقيم بمقاييس القوة أي بالمقاييس القائمة على ( الأشياء ) . فالإنسان المتخلف وبسبب عقدة تخلفه يرد المسافة بين التقدم و التخلف إلى نطاق (عالم الأشياء) ، أو هو بتعبير آخر يرى أن تخلفه متمثل في نقص مالديه من مدافع و طائرات و مصارف ... و بذلك يفقد مركب النقص لديه فاعليته الاجتماعية ، إذ ينتهي من الوجهة النفسية إلى التشاؤم كما ينتهي من الوجهة الاجتماعية إلى تكديس المشكلات ، فلكي يصبح مركب النقص لديه فَعّالاً مؤثراً ينبغي أن يرد الإنسان تخلفه إلى مستوى الأفكار لا إلى مستوى الأشياء ، فإن تطور العالم الجديد دائماً يتركز اعتماده على المقاييس الفكرية .
و مشكلة الثقافة من الوجهة التربوية هي في جوهرها مشكلة توجيه الأفكار، و لذلك كان علينا أن نحدد المعنى العام لفكرة التوجيه ، فهو بصفة عامة قوة في الأساس ، وتوافق في السير ، و وحدة في الهدف ، فكم من طاقات و قوى لم تُستخدم ؛ لأننا لا نعرف كيف نُكتّلها ، وكم من طاقات و قوى ضاعت فلم تحقق هدفها حين زحمتها قوى أخرى صادرة عن المصدر نفسه ، و متجهة إلى الهدف نفسه . فالتوجيه هو تجنب الإسراف في الجهد و في الوقت ، فهناك ملايين السواعد العاملة و العقول المفكرة في البلاد الإسلامية صالحة لأن تستخدم في كل وقت ، و المهم هو أن ندير هذا الجهاز الهائل المكون من ملايين السواعد و العقول ، في أحسن ظروفه الزمنية و الإنتاجية . و هـذا الجهاز حين يتحرك يحدد مجرى التاريخ نحو الهدف المنشود . فلا يكفي مطلقاً أن ننتج أفكاراً ، بل يجب أن نوجهها طبقاً لمهمتها الاجتماعية التي نريد تحقيقها . إننا نرى في حياتنا اليومية جانباً كبيراً من اللا فاعلية في أعمالنا ، إذ يذهب جزء كبير منها في العبث و في المحاولات الهازلة .
وإذا ما أردنا حصراً لهذه القضية فإننا نرى سببها الأصيل في افتقادها الضابط الذي يربط بين الأشياء و وسائلها ، و بين الأشياء و أهدافها ، فثقافتنا لا تعرف مثلها العليا و فكرتنا لا تعرف التحقيق ، و إن ذلك كله ليتكرر في كل عمل نعمله و في كل خطوة نخطوها . إن الذي ينقص المسلم ليس منطق الفكرة ، و لكن منطق العمل و الحركة ، و هو لا يفكر ليعمل بل ليقول كلاماً مجرداً ، بل إنه أكثر من ذلك يبغض أولئك الذين يفكرون تفكيراً مؤثراً و يقولون كلاماً منطقياً من شأنه أن يتحول في الحال إلى عمل و نشاط .
أما في مستوى المجتمع الذي يعيش أزمة ثقافية فإننا نستطيع حصر العديد من الملاحظات و يكفينا لذلك أن نرى بالعين المجردة ما يدور في حياته الاقتصادية و السياسية[5] (file:///C:/Documents%20and%20Settings/KHELFA%20%20DAOUD/Bureau/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9%20%D8%A 7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D9%8A%20%D9%81%D9% 8A%20%D9%81%D9%83%D8%B1%20%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%83 %20%D8%A8%D9%86%20%D9%86%D8%A8%D9%8A.htm#_ftn5) .
إننا لو وضعنا سلماً للقيم الثقافية جنباً إلى جنب مع السلم الاجتماعي ، لوجدنا أن السلمين يتجهان في الاتجاه نفسه من الأسفل إلى الأعلى ، أي أن المراكز الاجتماعية تكون تلقائياً موزعة حسب الدرجات الثقافية . أما المجتمع الذي يواجه ازمة ثقافية فإن السلمين ينعكسان ، الواحد بالنسبة للآخر إنعكاساً تصبح معه القاعدة الشعبية - على الأقل بمحافظتها على الأخلاق – أثرى ثقافياً من قيادتها ، فمن يرقى درجات السلم و يأخذ مكانه و دوره الاجتماعي في العالم المتخلف ليس من أهل الدرجات العلمية الثقافية ، بل من يرضى عليه أولو الأمر في السلطة .
لكن كيف نخلص الإنسان من الاستعمار الثقافي و الذي معناه استمرار الاستعمار السياسي و الاقتصادي ؟ إن الإنسان المطلوب تغييره من أجل تنشيط عملية البناء الحضاري لا يمكن تغييره و تخليصه من الدونية باتجاه الآخر المستعمر ، إلا إذا هيأنا له مناخاً تربوياً متحرراً من النفوذ الاستعماري وجواً ثقافياً أصيلاً و شعوراً متعالياً بالشخصية ....
إن الإبداع و العطاء لن يكونا إلا عندما نترك لعالم الأفكار أن يحاول حلَّ خفايا عالم الاشياء ، في هذه الحالة تتوالى الحلول تترأى ، و بذلك تقوم النهضة العلمية في مجتمع ما ، أما إذا كان عالم الأفكار مستعاراً فسيكون عنده قصور في الكشف و تراوح الأمور العلمية مكانها .
و إذا أردنا أن ننشئ ذاتاً جديدة لإنسان اليوم في العالم العربي و الإسلامي ، فيقتضي ذلك قبل كل شيء تنقية المحيط الأسروي و المدرسي و الاجتماعي العام من الإستعارات التي تحمل في طياتها هدفاً إستعمارياً تخريبياً ، يحاول زرع التفقير و التجهيل و الإنحراف في مجتمعاتنا بشتى الوسائل ، و أهمها استغلال غفلتنا . و يتحدد دور ومكانة الفرد في أمته تبعاً لعلاقة المجتمع بالأشياء أو بالأشخاص أو بالأفكار .
إن كل مجتمع مهما كان مستواه من التطور له عامله الثقافي المعقد ، ففي نشاطه المتناغم هنالك تشابك بين العوالم الثلاثة : الأشياء و الأشخاص و الأفكار ، و لكن يظل هنالك دائماً رجحان لأحد هذه العوالم الثلاثة ، و بهذا الرجحان - الذي يظهر في سلوك المجتمع و فكره - يتميز كل مجتمع عن سواه من المجتمعات . و المجتمع المتخلف ليس موسوماً حتماً بنقص في الوسائل المادية ( الأشياء ) ، و إنما بافتقاره للأفكار ، و يتجلى بصفة خاصة في طريقة استخدامه للوسائل المتوفرة لديه ، بقدر متفاوت من الفاعلية ، و في عجزه عن إيجاد غيرها ، و على الأخص في أسلوبه في طرح مشاكله ، عندما يتخلى عن أي رغبة و لو مترددة بالتصدي لها ، أما حاله مع عالم الأشخاص ، فإنه يدور حول شخص الزعيم فيجعل منه وثناً يُعبد . و لا خلاص لمجتمع من تخلفه إلا إذا كان عالم أشياءه و أشخاصه يدور حول عالم الأفكار لذلـــــك : فإن أي ثورة ، لن تستطيع تغيير الإنسان إن لم تكن لها قاعدة أخلاقية قوية .
إن الحوار بين المسؤولين و الجماهير يعيد الجسر الذي يصل الشعب بالدولة ، و ليس غريباً في هذا المناخ من الثقة المتبادلة أن تتحقق المعجزات ، و لو كان ثمنها مزيداً من التقشف ، لأن الصعوبات لا تزال بين عشية و ضحاها بعصا سحرية ، و علينا أن نقدم الواجب قبل أن نطالب بالحقوق ؛ فالحق ... يجذب الانتفاعيين و الوصوليين و الإنتهازيين كما يجذب العسل الذباب ، بينما كلمة الواجب لا تجذب غير النافعين الذين يسعون حقاً لنهضة مجتمعهم ، فالفرد في المجتمع المتخلف يطالب بحقوقه قبل أن يقوم بواجباته ، بينما أداء الواجب هو الكفيل الوحيد بالحصول على الحقوق ، فإذا أردت أن تصلح أمر الدولة اصلح نفسك .
ثانيا : مشكلة التراب : حينما يتكلم ( ملك بن نبي ) عن التراب لا يبحث في خصائصه و طبيعته ، و لكن يتكلم عن التراب من حيث قيمته الاجتماعية ، و هذه القيمة الاجتماعية للتراب مستمدة من قيمة مالكيه ، فحينما تكون قيمة الأمة مرتفعة ، و حضارتها متقدمة ، يكون التراب غالي القيمة ، و حيث تكون الأمة متخلفة – كما هو الحال اليوم - يكون التراب على قدرها من الانحطاط ، و ذلك بسبب تأخر القوم الذين يعيشون عليه ، فها هي رمال الصحراء تغـزو بشراسة الحقول الخضراء على امتداد الوطن العربي . فتترك أهلها يتامى بين يدي الصحراء المقفرة . و بديهي أنه لا حل لهذه الأزمة غير الشجرة ، لكن إذا كان الإنسان الزارع لهذه الشجرة أو المؤتمن على رعايتها ، يعيش حالة تصحر داخلي ، فلا أمل من رؤية اللون الأخضر مرة ثانية تحت نظر و يد إنسان كهذا . فسنوياً يعلن المسؤولون أنه تم غرس عشرات الملايين من الاشجار ، لكننا على يقين أن واقع الحال غير ذلك سواء لعدم العناية المستمرة ، أو لعدم الدقة في الرقم الإحصائي .
إن ترابنا العربي لا يزال بكراً ، رغم كل أشكال النهب التي مورست عليه في السطح أو في العمق من قبل الآخرين ، و على الأغلب بسبب إهمالنا له و بشكل عدواني .
ثالثا : مشكلة الوقت : و هو العنصر الثالث في تكوين الحضارة ، إن الزمن نهر قديم يعبر العالم ، و يروي في أربع و عشرين ساعة الرقعة التي يعيش فيها كل شعب و الحقل الذي يعمل به ، و هذه الساعات التي تصبح تاريخاًً هنا و هناك قد تصير عدماً إذا مرت فوق رؤوس لا تسمع خريرها ، و إذا قسنا الزمن بمقياس الساعات التائهة فالقرون لا تساوي شيئاً .
ولكنه نهر صامت حتى إننا ننساه أحياناً ، و تنسى الحضارات في ساعات الغفلة قيمته التي لا تعوض ، و حينما لا يكون الوقت من أجل الإثراء أو تحصيل النعم الفانية ، أي حينما يكون ضرورياً للمحافظة على البقاء ، أو لتحقيق الخلود و الانتصار على الأخطار ، يسمع الناس فجأة صوت الساعات الهاربة ، و يدركون قيمتها التي لا تعوض ، ففي هذه الساعات لا تهم الناس الثروة أو السعادة أو الألم ، و إنما الساعات نفسها . فيتحدثون حينئذ عن ( ساعات العمل ) ، فهي العملة الوحيدة التي لا تبطل ، و لا تسترد إذا ضاعت ، إن العملة الذهبية يمكن أن تضيع ، و أن يجدها المرء بعد ضياعها ، و لكن لا تستطيع أي قوة في العالم أن تستعيد دقيقة إذا مضت . و حظ الشعب العربي و الإسلامي من الساعات كحظ أي شعب متحضر ، و لكن عندما يدق الناقوس منادياً الرجال و النساء و الأطفال إلى مجالات العمل في البلاد المتحضرة ... فأين يذهب الشعب ؟ تلكم هي المسألة المؤلمة .. فنحن في العالم الإسلامي نعرف شيئاً يسمى ( الوقت ) ! ، و لكنه الوقت الذي ينتهي إلى " عدم " ، و لأننا لا ندرك معناه و لا تجزئته الفنية ؛ لأننا لا ندرك قيمة أجزائه من ساعة و دقيقة و ثانية ، و لسنا نعرف إلى الآن فكرة ( الزمن ) الذي يتصل اتصالاً وثيقاً بالتاريخ ، و بتحديد فكرة الزمن يتحدد معنى التأثير و الإنتاج ، و هو معنى الحياة الحاضرة الذي ينقصنا ، هذا المعنى الذي لم نكسبه بعد ، هو مفهوم الزمن الداخل في تكوين الفكرة و النشاط ، في تكوين المعاني و الأشياء .
فالتاريخ و الحياة الخاضعان للتوقيت كان و ما يزال يفوتنا قطارهما ، فنحن في حاجة ملحة إلى توقيت دقيق ، و خطوات واسعة لكي نعوض تأخرنا . و يكون ذلك بتحديد المنطقة التي ترويها ساعات معينة ، من الساعات الأربع و العشرين التي تمر على أرضنا يومياً . إن و قتنا الزاحف صوب التاريخ ، لا يجب أن يضيع هباء ، كما يهرب الماء من ساقية خربة . و لا شك أن التربية هي الوسيلة الضرورية التي تعلم الشعب العربي الإسلامي تماماً قيمة هذا الأمر . و لكن بأية وسيلة تربوية ؟ إنه من الصعب أن يسمع شعب ثرثار الصوت الصامت لخطى الوقت الهارب ! . إن شعباً هذه حاله أحوج ما يكون إلى قدوة وطنية ، قيادية ، حازمة في تطبيق القانون على الجميع ، و لا تسمح لأي انحراف عن مشروع النهضة التي تعلنه ريثما يعتاد الأفراد على هذا السلوك في حياتهم اليومية فتصبح ساعات العمل حقيقية ، و من خلال إنسان يستطيع استغلال الوقت على أكمل وجه نستطيع أن نقول : أننا بدأنا نهضة عملية علمية حقيقية وفق خوارزميات التغيير الإجتماعي التي تناسبنا ، و النهضة لا تقوم إلا بأيدي الأتقياء و الأذكياء .
الباب الثالث :
الافكار الاساسية :
- سياسة المستعمر بانتقاص من قيم الفرد الايجابية .
- قايلية الشعوب للاستعمار .
- ضرورة التكيف مع مجرى الحضارة الانسانية .
تحليل الباب الثالث :
ان للفرد – بصفته عاملا اوليا للحضارة – قيمتان : الاولى خام طبيعية ، و الثانية صناعية اجتماعية .
فالقيمة الاولى ، موجودة في كل فرد من الافراد ، في تكوينه البيولوجي ، وتتمثل في استعداده الفطري لإستعمال عبقريته و ترابه و وقته . اما القيمة الثانية و هي القيمة الصناعية ، فإن الفرد يكتسبها من وسطه الاجتماعي ، و تتمثل في الوسائل التي يجدها هذا الفرد في اطاره الاجتماعي لترقية شخصيته و تنمية مواهبه و تهذيبها .
و اذا نظرنا الى المسلم الجزائري ، فالتاريخ يشهد بكفاءته و عبقريته التي كانت محل اعتراف المستعمر× (file:///C:/Documents%20and%20Settings/KHELFA%20%20DAOUD/Bureau/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9%20%D8%A 7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D9%8A%20%D9%81%D9% 8A%20%D9%81%D9%83%D8%B1%20%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%83 %20%D8%A8%D9%86%20%D9%86%D8%A8%D9%8A.htm#_ftn6)* . و هنا تبدأ قضية الاستعمار تهمنا ، إذ يفرض على حياة الفرد عاملا سلبيا يسمى بلغة الرياضيات ( المعامل ) الاستعماري . فأمام عبقرية الجزائري ، فإن المستعمر عوضا ان أن يدفعه الشعور بالنقص الى الرفع من قيمة شعبه ( الفرنسي ) فإنه – ورغبة منه في اقرار التوازن بين المعمرين و المستعمرين – لجأ الى الانتقاص من من قيمة هؤلاء الاخرين و تحطيم قواهم الكامنة فيهم ، و منذ ذلك الحين بدا الحط من قيمة الاهالي ينفذ بطرق فنية كأنه معامل جبري وضع امام قيمة كل فرد بقصد التنقيص من قيمته الايجابية .
و يؤثر هذا المعامل في جميع اطوار حياة الفرد ، يؤثر فيه و هو طفل ، فلا يمده المجتمع بما يقوي جسده و ينمي فكره او يهيئ له مدرسة او توجيها .. هذا إن كان له أباً ، اما اذا فقد الاب فالامر أدهى و أمر ، فسوف يؤول الى ماسح احذية او متسولا فاقدا لعزته و كرامته . اما اذا ما كتب له النـجاة من هذه النكبات و وجد مقعدا في مدرسة ، فكم من العراقيل توضع في طريقه ، و اذا بلغ مبلغ الرجال فماذا يعمل غير وظيفة حقيرة .
هذا هو المعامل الاستعماري ، و هو معامل خارجي لكنه يؤثر في داخلنا ، فتولدت لدينا القابلية للاستعمار ، ذلك لأن المستعمر لا يتصرف في طاقتنا الاجتماعية الا لأنه درس اوضاعنا النفسية دراسة عميقة ، فأدرك مواطن الضعف فينا ، فسخرنا لما يريد ، فجعل منا ابواقا يتكلم فيها و اقلاما يكتب بها ، انه يسخرنا لأغراضه ، بعلمه هو ، و جهلنا نحن .
و رغم ذلك ... فما الذي بعث العالم الاسلامي من نومه ؟ من الذي أيقظه ؟ من الذي قال له قـــم ؟ إنه الاستعمار .. الذي سلب حريتنا و سيادتنا و كرامتنا .. و مع ذلك نعترف بأنه أيقظ الشعب الذي استسلم لنوم عميق ، و لقد عودنا التاريخ ان كل شعب يستسلم للنوم فإن الله يبعث عليه سوطا يوقظه ....
و ينتقل في الاخير الى مشكلة التكيف ، فالحياة الاجتماعية تخضع لقانون ( رد الفعل ) كما تخضع له الميكانيكا . و بما ان الاستعمار في نوعه هو ( فعل ) المدنية تسلطت به على الشعوب المستعمرة ، فلا غرابة إذن ان يكون لذلك الفعل ( رد ) .
و هذا الرد يظهر في صور مختلفة في حياة العالم الاسلامي ، فبرزت اشكالا جديدة من السلوك بدأنا نراها في الجزائر مثلا ، و هي ليست من عاداتنا ، و موجودة في الكثير من بلاد العروبة و الاسلام ..
فكانت النتيجة ان مجتمعنا فقد توازنه ، و نشاهد عدم الاستقرار هذا في انفسنا و تصوراتنا للاشياء ؛ فهناك من يرى المدنية في اعتناق الافكار التحررية ، و آخر يرى ان المدنية هي معركة اقتصادية ، و ثالث سلفي يظن انه يغير نظام المجتمع بتغيير لباسه و تطهير لغته ، ورابع يرى ان المثل الاعلى للمدنية يبرق في قعر كأسه و يلمع في جو الخمارة ، و خامس يرى ان نجاة الشعوب في تحرير المرأة و يظن انه يملك المدنية اذا فاز بإمرأة عصرية ، و هناك المقتنع بحاله الذي لا يرى شيئا و لا يفهم شيئا و لا يبحث عن شيئ ..
ان هذه الوجهات المتعددة لدليلا على دراجات متعددة من التكيف مع مجرى الحضارة ، و ان من الواجب ان لا توقفنا أخطاؤنا عن السير نحو الحضارة الاصيلة ، فالحياة تدعونا دائما ان نسير الى الامام ، بشرط أن لا يكون سيرا فوضويا ، بل علميا عقليا مدروسا ، يتجه نحو تاريخ الانسانية .
ملخص :
لقد أمعن مالك بن نبي في الحفر حول مشكلات التخلف المزمنة متجاوزا الظواهر التي تطفو على السطح إلى الجذور المتغلغلة في الأعماق ، و باحثا عن السنن و القوانين الكفيلة بتحول الشعوب من حالة العجز إلى القدرة و الفعالية ، و من مشكلة الاستعمار إلى مرض القابلية للاستعمار ، و من حالة تكديس الأشياء إلى حالة البناء ، و من المطالبة بالحقوق إلى القيام بالواجب أولا ، و الانتقال من عالم الأشياء و الأشخاص إلى عالم الأفكار التي بها نبدأ بحل مشكلة التخلف ، و يجب أن نصل إلى قناعة حتمية بأن مفاتيح حل المشكلات هي في الذات لا عند الآخر .
[1] (file:///C:/Documents%20and%20Settings/KHELFA%20%20DAOUD/Bureau/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9%20%D8%A 7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D9%8A%20%D9%81%D9% 8A%20%D9%81%D9%83%D8%B1%20%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%83 %20%D8%A8%D9%86%20%D9%86%D8%A8%D9%8A.htm#_ftnref1) معظم القبائل التي تعرضت للاستعمار اصبحت في طي النسيان ودفنها التاريخ ، فاين مثلا القبائل الامريكية قبل كريستوف كولمبوس ؟
[2] (file:///C:/Documents%20and%20Settings/KHELFA%20%20DAOUD/Bureau/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9%20%D8%A 7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D9%8A%20%D9%81%D9% 8A%20%D9%81%D9%83%D8%B1%20%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%83 %20%D8%A8%D9%86%20%D9%86%D8%A8%D9%8A.htm#_ftnref2) يؤرخ للنهضة العربية بحركة الاصلاح التي قادها جمال الدين الافغاني و محمد عبده ، و نحن نقول ان بوادر هذه النهضة بدأت قبلا مع حملة ( نابليون ) على مصر ، و التي كانت الى جانب كونها حملة عسكرية حملة علمية أيضا ، ثم بإصلاحات محمد علي باشا و ارساله للبعثات الى الخارج .
[3] (file:///C:/Documents%20and%20Settings/KHELFA%20%20DAOUD/Bureau/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9%20%D8%A 7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D9%8A%20%D9%81%D9% 8A%20%D9%81%D9%83%D8%B1%20%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%83 %20%D8%A8%D9%86%20%D9%86%D8%A8%D9%8A.htm#_ftnref3) و هذا بالنظر الى تاريخ كتابة هذا المؤلف و هو سنة 1948
[4] (file:///C:/Documents%20and%20Settings/KHELFA%20%20DAOUD/Bureau/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9%20%D8%A 7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D9%8A%20%D9%81%D9% 8A%20%D9%81%D9%83%D8%B1%20%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%83 %20%D8%A8%D9%86%20%D9%86%D8%A8%D9%8A.htm#_ftnref4) الفكرة الدينية " مطلقة " عند ابن نبي ، أي لا يحددها بدين معين ..
[5] (file:///C:/Documents%20and%20Settings/KHELFA%20%20DAOUD/Bureau/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9%20%D8%A 7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D9%8A%20%D9%81%D9% 8A%20%D9%81%D9%83%D8%B1%20%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%83 %20%D8%A8%D9%86%20%D9%86%D8%A8%D9%8A.htm#_ftnref5) حيث هناك ركود اقتصادي و استبداد سياسي
× (file:///C:/Documents%20and%20Settings/KHELFA%20%20DAOUD/Bureau/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9%20%D8%A 7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D9%8A%20%D9%81%D9% 8A%20%D9%81%D9%83%D8%B1%20%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%83 %20%D8%A8%D9%86%20%D9%86%D8%A8%D9%8A.htm#_ftnref6) * و يشهد بذلك اعتراف الجينرال ( بوجو ) بكفاءة ( الامير عبدالقادر)
- أ –
إسم الكتاب : شروط النهضة
إسم المؤلف : مالك بن نبي
الترجمة : عبد الصبور شاهين
الطبعة : دون طبعة
دار النشر : دار الفكر للطباعة و التوزيع و النشر – دمشق
سنة النشر : دون تاريخ
عدد الصفحات : مائة وتسعة وخمسون ( 159 ) صفحة
- ب -
محتوى الكتاب: ثلاثة أبواب
الباب الاول : الحاضر و التاريخ ، من الصفحة 15 الى الصفحة 36
- دور الابطال
- دور السياسة و الفكرة
- دور الوثنية
الباب الثاني : المستقبل ، من الصفحة 37 الى الصفحة 142
- من التكديس الى البناء
- الدورة الخالدة
- العدة الدائمة
- أثر الفكرة الخالدة في تكوين الحضارة
- العنصر الاول : الانسان
- العنصر الثاني : التراب
- العنصر الثالث : الوقت
الباب الثالث : الاستعمار و الشعوب المستعمرة ، من الصفحة 143 الى الصفحة 159
- المعامل الاستعماري
- معامل القابلية للاستعمار
- مشكلة التكيف
التعريف بالكاتب : ولد مالك بن نبي في مدينة تبسة في الشرق الجزائري سنة 1905 م ، في أسرة فقيرة من مجتمع جزائري محافظ ، أنهى تعليمه 1925م . سافر بعدها مع أحد أصدقائه إلى فرنسا حيث كانت له تجربة فاشلة ، فعاد مجددا إلى مسقط رأسه . و بعد العودة تبدأ تجارب جديدة في الاهتداء إلى عمل ، كان أهمها عمله في محكمة ( آفلو ) حيث احتك أثناء هذه الفترة بالفئات البسيطة من الشعب ، فبدأ عقله يتفتح على حالة بلاده .
ثم أعاد الكرة سنة 1930م ، و لكن هذه كانت رحلة علمية . حاول أولا الإلتحاق بمعهد الدراسات الشرقية ، إلا أنه لم يكن يسمح للجزائريين أمثاله بمزاولة مثل هذه الدراسات . فاضطّر للتعديل في أهدافه و غاياته ، ملتحقا بمدرسة ( اللاسلكي ) فتخرج كمساعد مهندس .
ورغم تخصصه التقني انغمس في الدراسة و الحياة الفكرية ، فتزوج فرنسية و اختار الإقامة في فرنسا وشرع يؤلف في قضايا العالم الإسلامي كله ، فكان سنة 1946 كتابه " الظاهرة القرآنية " ، ثم "شروط النهضة " 1948 الذي طرح فيه مفهوم القابلية للاستعمار ، و " وجهة العالم الإسلامي " 1954، أما كتابه " مشكلة الأفكار في العالم الاسلامي" فيعتبر من أهم ماكتب بالعربية في القرن العشرين .
انتقل إلى القاهرة بعد إعلان الثورة المسلحة في الجزائر سنة 1954م و هناك حظي باحترام ، فكتب " الفكرة الإفريقية الآسيوية " 1956 . وتشرع أعماله الجادة تتوالى ، و عاد بعد الاستقلال إلى الوطن ، فعين مديراً للتعليم العالي الذي كان محصوراً في ( جامعة الجزائرالمركزية ) ، حتى استقال سنة 1967 متفرغاً للكتابة ، بادئاً هذه المرحلة بكتابة مذكراته ، بعنوان عام هو : " مذكرات شاهد القرن " . قضى نحبه يوم 31 أكتوبر 1973م ، في صمت معدما محاصرا منسيا ً.
2- المضمون :
أ – الاشكالية :
- ماهي الشروط الضرورية لقيام نهضة حضارية متوازنة ؟
ب - الفكرة العامة :
قيمة الانسان والتراب و الوقت و الفكرة في قيام النهضة الحضارية
جـ- الافكار الاساسية :
- دور الابطال و الافكار و السياسة في إحداث حركات التغيير .
- العناصر الاساسية التي تقوم عليها أي حضارة .
- طرح فكرتي المعامل الاستعماري و القابلية للاستعمار و ضرورة التكيف مع الحضارة .
الباب الاول
الافكار الاساسية :
- دور الابطال في صناعة الملاحم و البطولات .
- دور الافكار الاصلاحية في ايقاظ الشعوب
تحليل الباب الاول :
لقد كان دور الشعوب الاسلامية امام الزحف الاستعماري خلال القرن التاسع عشر و الربع الاول من القرن العشرين دورا بطوليا فقط ، و من طبيعة هذا الدور انه لا يلتفت الى حل المشاكل التي مهدت لتغلغل الاستعمار داخل البلاد .
ان مشكلة كل شعب هي في جوهرها مشكلة حضارته ، و لا يمكن لأي شعب ان يفهم او يحل مشكلته ما لم يرتفع بفكرته الى الاحداث الانسانية ، و ما لم يتعمق في فهم العوامل التي تبني الحضارات او تهدمها ..
ان التاريخ لا يلتفت الى الامم النائمة ، و انما يتركها لأحلامها التي تطربها حينا وتزعجها حينا آخر ؛ تطربها إذ ترى في منامها ابطالها الخالدين و قد أدوا رسالتهم ، و تزعجها حينما تدخل صاغرة ضعيفة في سلطة جبار عنيد .
وهكذا حال الجزائر ؛ فبعد سبات عميق بزغ في الافق ( الامير عبد القادر ) ، ثم اختفى سريعا كأنه حلم طواه النوم ، و ايضا بزوغ ( عبد الكريم الخطابي ) في المغرب ، الذي كانت القبائل العربية و البربرية تقاتل معه لا من اجل البقاء ، بل من اجل الخلود ، فكان لها الخلود ، ذلك لأن الاسلام كقوة روحية يعد حصنا منيعا للذين يتمسكون به من ان تحطمهم الايام او يذوبوا في بوتقة المستعمر [1] (file:///C:/Documents%20and%20Settings/KHELFA%20%20DAOUD/Bureau/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9%20%D8%A 7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D9%8A%20%D9%81%D9% 8A%20%D9%81%D9%83%D8%B1%20%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%83 %20%D8%A8%D9%86%20%D9%86%D8%A8%D9%8A.htm#_ftn1)...
هذا ، و ان كان للابطال دور فإن للكلمة و الفكرة دور أيضا ، فكلمة يطلقها انسان قد تكون من عوامل اثارة النفوس و تغيير الاوضاع ، و هكذا كانت كلمة ( جمال الدين الافغاني ) ، أحييت النفوس الميتة و زرعت البذور لفكرة بسيطة : ( فكرة النهوض )
و من آثار هذه الكلمة انها قد غيرت ما في نفوس الناس من تقاليد بالية ، و بعثت الحركة في كل مكان حتى وصلت الجزائر ، فكانت ساعة اليقظة مع كلمات ( عبد الحميد بن باديس ) .. فشاعت الافكار و انطلقت في صورة مدرسة او مسجد او حركة اصلاحية .. وكانت حركة الاصلاح التي قام بها العلماء الجزائريون اقرب الى النفوس و القلوب ، إذ كان اساس منهاجم قوله تعالى : " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " (سورة الرعد ، الآية : 11) ، فأصبحت هذه الاية شعار كل من يسلك الاصلاح في مدرسة ابن باديس ..
الباب الثاني :
الافكار الاساسية :
- العناصر الاساسية التي تقوم عليها الحضارة .
- اثر الفكرة الدينية في تأسيس الحضارة .
تحليل الباب الثاني :
لقد ظل العالم العربي خارج التاريخ دهراً طويلاً كأن لم يكن له هدف ، فاستسلم المريض للمرض ، و فقد شعوره بالألم حتى كأن المرض صار يؤلف جزءاً من كيانه . و قبل ميلاد القرن العشرين سمع من يذكره بمرضه ، فلم يلبث أن خرج من سباته العميق و لديه الشعور بالألم . و بهذه الصحوة الخافتة تبدأ بالنسبة للعالم الإسلامي و العربي حقبة تاريخية جديدة يطلق عليها : النهضة[2] (file:///C:/Documents%20and%20Settings/KHELFA%20%20DAOUD/Bureau/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9%20%D8%A 7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D9%8A%20%D9%81%D9% 8A%20%D9%81%D9%83%D8%B1%20%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%83 %20%D8%A8%D9%86%20%D9%86%D8%A8%D9%8A.htm#_ftn2) .
و لكن ما مدلول هذه الصحوة ؟ إن من الواجب أن نضع نصب أعيننا ( المرض ) بالمصطلح الطبي لكي تكون لدينا عنه فكرة سليمة ، فإن الحديث عن المرض أو الشعور به لا يعني بداهة ( الدواء ) .
و نقطة الإنطلاق هي أن الخمسين عاماً الماضية[3] (file:///C:/Documents%20and%20Settings/KHELFA%20%20DAOUD/Bureau/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9%20%D8%A 7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D9%8A%20%D9%81%D9% 8A%20%D9%81%D9%83%D8%B1%20%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%83 %20%D8%A8%D9%86%20%D9%86%D8%A8%D9%8A.htm#_ftn3) تفسر لنا الحالة الراهنة التي يوجد فيها العالم العربي اليوم ، و التي يمكن أن تفسر بطريقتين متعارضتين : فهي من ناحية : النتيجة الموفقة للجهود المبذولة طوال نصف قــرن من الزمان من أجل النهضة . و هي من ناحية أخرى : النتيجة الخائبة لتطور استمر خلال هذه الحقبة دون أن تشترك الآراء في تحديد أهدافه أو اتجاهاته .
و من الممكن أن نفحص الآن سجلات هذه الحقبة ، ففيها كثير من الوثائق و الدراسات و مقالات الصحف و المؤتمرات التي تتصل بموضوع النهضة ، هذه الدراسات تعالج الاستعمار و الجهل هنا ، و الفقر و البؤس هناك ، و انعدام التنظيم و اختلال الاقتصاد أو السياسة هنالك ، و لكن ليس فيها تحليل منهجي للمرض ، أعني دراسة مرضية للمجتمع العربي ، دراسة لا تدع مجالاً للظن حول المرض الذي يتألم منه منذ قرون . ففي الوثائق نجد أن كل مصلح قد وصف الوضع الراهن تبعاً لرأيه أو مزاجه أو مهنته . فرأى رجل سياسي كجمال الدين الأفغاني أن المشكلة سياسية تحل بوسائل سياسية ، بينما قد رأى رجل دين كالشيخ محمد عبده أن المشكلة لا تحل إلا بإصلاح العقيدة و الوعظ ... على حين أن كل هذا التشخيص لا يتناول في الحقيقة المرض بل يتحدث عن أعراضه .
و قد نتج عن هذا أنهم لا يعالجون المرض ، وإنما يعالجون الأعراض ، وكانت النتيجة قريبة من تلك التي يحصل عليها طبيب يواجه حالة مريض بالسل الجرثومي ، فلا يهتم بمكافحة الجراثيم ، وإنما يهتم بهيجان الحمى عند المريض .
والمريض نفسه يريد أن يبرأ من آلام كثيرة : من الاستعمار و نتائجه ، من الأمية بأشكالها ، من الفقر رغم غنى البلاد بالمادة الأولية ، من الظلم و القهر و الاستعباد ... و هو لا يعرف حقيقة مرضه و لم يحاول أن يعرفه ، بل كل ما في الأمر أنه شعر بالألم ، فجرى نحو الصيدلية ، يأخذ من آلاف الزجاجات ليواجه آلاف الآلام . و ليس هناك في الواقع سوى طريقتين لوضع نهاية لهذه الحالة المرضية ؛ فإما القضاء على المرض و إما إعدام المريض . لكن هناك من له مصلحة في استمرار هذه الحالة المرضية سواءً أكان ممن هم في الخارج أو ممن يمثلونهم في الداخل .
لقد دخل المريض إلى صيدلية الحضارة الغربية طالباً الشفاء ، و لكن من أي مرض ؟ و بأي دواء ؟ وبديهي أننا لا نعرف شيئاً عن مدة علاج كهذا ، و لكن الحالة التي تستمر هكذا تحت أنظارنا لها دلالة اجتماعية يجب أن تكون موضع تأمل و تحليل . و بذلك يمكننا أن نفهم المعنى الواقعي لتلك الحقبة التاريخية التي نحياها ، فيجوز ان نطلق على تلك الحقبة ( بادرة حضارة ) ، و ان كل ناتج حضاري = انسان + تراب + وقت و المركب بين هذه العناصر هو الفكرة الدينية[4] (file:///C:/Documents%20and%20Settings/KHELFA%20%20DAOUD/Bureau/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9%20%D8%A 7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D9%8A%20%D9%81%D9% 8A%20%D9%81%D9%83%D8%B1%20%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%83 %20%D8%A8%D9%86%20%D9%86%D8%A8%D9%8A.htm#_ftn4) .
إذن مشكلة الحضارة تتحلل إلى ثلاث مشكلات أولية : مشكلة الإنسان ، و مشكلة التراب ، و مشكلة الوقت ، فلكي نقيم بناء نهضة لا يكون ذلك بأن نكدس المنتجات ، و إنما بأن نحل هذه المشكلات الثلاث من أساسها .
أولا : مشكلة الإنسان : إن المشروع الإصلاحي يبدأ بتغيير الإنسان ، ثم بتعليمه الإنخراط في الجماعة ثم بالتنظيم ، فالنقد البنّاء . و تبدأ عملية التطور مـن الإنسان لأنه المخلوق الوحيد القادر على قيادة حركة البناء ، و تحقيق قفزات نوعية ، تمهيداً لظهور الحضارة . أما المادة فمهما يكن من أمرها تكديساً وزيادة ، فإنها تبقى تجميع كمي لا يعطي معنى كيفياً نوعياً ، إلا بسلامة استخدام الإنسان له .
و لكي يتحقق التغير في محيطنا يجب أن يتحقق أولاً في أنفسنا ، فمنهج الرسالة يقتضي التغيير ، و التغيير يقتضي تغيير ما في النفوس أولاً ... لقوله تعالى " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " ، و عندها يجب على المسلم أن يحقق بمفرده شروطاً ثلاثة :
- أن يعرف نفسه .
- أن يعرف الآخرين ، و أن لا يتعالى عليهم و أن لا يتجاهلهم .
- أن يعرف الآخرين بنفسه و لكن بالصورة المحببة ، أي بالصورة التي أجريت عليها كل عمليات التغيير بعد التنقية و التصفية من كل رواسب القابلية للاستعمار و التخلف وأصناف التقهقر .
إن الإنسان هو الهدف و هو نقطة البدء في التغيير و البناء ، و مهما جرت محاولات تحديثية بوساطة الإستعارة ، أو الشراء للمصنوعات ومنتجات التقنية ، فإن هذه المحاولات ستكون عقيمة ، طالما أنها لم تبدأ من حيث يجب ، فالحل الوحيد هو تكوين الفرد الحامل لرسالته في التاريخ ، و الغني بأفكاره على حساب اشيائه .
إن العلوم الأخلاقية و الاجتماعية و النفسية تعد اليوم أكثر ضرورة من العلوم المادية ، فهذه تعتبر خطراً في مجتمع مازال الناس يجهلون فيه حقيقة أنفسهم أو يتجاهلونها ، فإعداد إنسان الحضارة أشق كثيراً من صنع محرك أو تقنية متطورة ، و مما يؤسف له ان حملة الشهادات العليا في هذه الاختصاصات هم الأكثر عدداً في البلدان المتخلفة لكنهم ، لم يكونوا إلا حملة أوراق يذكر فيها اختصاصهم النظري ، فصاروا عبئاً ثقيلاً على مسيرة التنمية و الإصلاح ، فهم القادة في المجتمعات المتخلفة على الرغم من عجزهم عن حل أبسط المشكلات بطريقة علمية عملية ، و إلا لما تخلف مشروع النهضة حتى الوقت الحاضر ، و نحن بحاجة إلى دروس في منهجية العمل في سائر مستويات عملنا .
و لتبدأ المنهجية اولاً في مستوى الحديث المجرد ، لأن كل عمل اجتماعي يقتضي تبادل أفكار بين عدد من الاشخاص . إن الحوار هو أبسط صورة لتبادل الأفكار، و هو المرحلة التمهيدية البسيطة لكل عمل مشترك ، فقواعد الحديث إذن لا تخص حسن الآداب فقط ، بل هي جزء رئيسي من تقنية العمل .
فالقضية إذن ، لا تخص قواعد الحديث و حسن السلوك في المنتديات و المؤتمرات و الصالونات و المقاهي فحسب ، بل تخص مباشرة تقنية العمل من زاوية " الفعالية " ، حيث لا يكون الحديث لمجرد التسلية و انما يخضع لقواعد العمل ، الذي ليس سوى مشروع في محتوى بعض الكلمات و بعض الأفكار ، و في هذا المستوى ، يتداخل الجانب الأخلاقي و الجانب المنطقي ليكونا معاً العمل الفعال أو العمل التافه و نظن أننا لا نزال كأمة في المستوى الثاني .
و ليس من الضروري و لا من الممكن أن يكون لمجتمع فقير ، المليارات من الذهب كي ينهض ، و إنما ينهض بالرصيد الذي لا يستطيع الدهر ان ينقص من قيمته شيئاً ، الرصيد الذي وضعته العناية الإلهية بين يديه : " الإنسان " ...
و طالما كانت الإرادة الحضارية طوع الفكرة فإننا إزاء عصر التلقين المستبد بتصوراتنا و مفاهيمنا نواجه انهيار هذه الإرادة حتى لا تقوى على احتضان المصير، و الصراع الفكري يجد إطاره الأوسع في البلاد المحكومة بشبكة من الإيحاءات ، تدلي بها مراصد الاستعمار ، لتصنع الأحداث حيال كل نهضة فاعلة في عالمنا العربي و الإسلامي . فالمشكلة مشكلة أفكار في النهاية ، لأننا بها ننظم خطانا في ثبات ، و ندفع طاقتنا في مضاء العزيمة ، و نحشد وسائلنا في الإنجاز .
إن لكل حضارة نمطها و أسلوبها و خيارها ، و خيار العالم الغربي ذي الأصول الرومانية الوثنية قد جنح بصره إلى ما حوله مما يحيط به : نحو " الاشياء " ، بينما الحضارة العربية الإسلامية عقيدة التوحيد المتصل بالرسل قبلها سبح خيارها نحو التطلع الغيبي و ما وراء الطبيعة : نحو " الأفكار " .
و الإنسان حينما ينظم شبكة علاقاته الاجتماعية بوحي الفكرة في انبثاقها ، فإنه يتحرك في مسيرته عبر الأشخاص و الأشياء المحيطة به فيتخذ العالم الثقافي إطاره في إنجاز هذه المسيرة و يأخذ طابعه تبعاً للعلاقة بين العناصر الثلاثة المتحركة : الأشياء ، الأشخاص ، الأفكار . فهناك توازن لابد منه بين هذه العناصر الثلاثة يسكب مزيجها في قوالب الإنجاز الحضاري ، فإذا ما استبد واحد من هذه العناصر و طغى على حساب العنصرين الآخرين فثمة أزمة حقيقية في مسيرة الحضارة تلقي بها خارج التاريخ فريسة طغيان الشيء أو طغيان الشخص .
ففي بلد متخلف يفرض الشيء طغيانه بسبب ندرته ، تنشأ فيه عقد الكبت و الميل نحو التكديس الذي يصبح في الإطار الاقتصادي إسرافاً محضاً . أما في البلد المتقدم - و طبقاً لدرجة تقدمه - فإن الشيء يسيطر بسبب وفرته و ينتج نوعاً من الإشباع ، فيولد ميلاً نحو الهروب إلى الأمام الذي يدفع الإنسان المتحضر دائماً إلى تغيير إطار الحياة وفق صرعات الموضة في كل شيء حوله .
لكن طغيان الشخص يؤدي إلى نتائج في الإطار السياسي و الجتماعي تهدم بنيان الفكرة حينما تتجسد فيه . وكثيراً ما تعمد مراصد الرقابة في حركة العالم الثالث إلى دفع هذا الاتجاه المرضي إلى نهايته في عقول الجماهير لتحطم الفكرة البناءة من وراء سقوط الأشخاص الذين يمثلونها في النهاية ، وتدفع الجماهير للبحث عن بديل للفكرة الاصلية من الشرق و الغرب عبر بطل جديد .
فعدم التوازن في العناصر الثلاثة يفضي بنا على انهيار المجتمع ، و المجتمع العربي الإسلامي يعاني في الوقت الحاضر بصورة خاصة من هذه الاتجاهات ، لأن نهضته لم يُخطط لها . ولم يُفكر بها بطريقة تأخذ بإعتبارها عوامل التبديد و التعويق سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي ، و على الأغلب الاثنين معاً .
إن أهمية الأفكار في حياة مجتمع معين تتجلى في صورتين : فهي إما ان تؤثر بوصفها عوامل نهوض بالحياة الاجتماعية ، و إما أن تؤثر على عكس ذلك بوصفها عوامل ممرضة ، تجعل النمو الاجتماعي صعباً أو مستحيلاً . و هنالك فضلاً عن ذلك جانب آخر لأهمية الأفكار في العالم الحديث : ففي القرن التاسع عشر كانت العلاقات بين الأمم و الشعوب علاقات " قوة " ، وكان مركز الأمة يقدر بعدد مصانعها ، و مدافعها ، و اساطيلها البحرية ، و رصيدها من الذهب ، و لكن القرن العشرين قد سجل في هذا الصدد تطوراً معلوماً ، هو أنه قد أعلى من " الفكرة " باعتبارها قيمة قومية و دولية . هذا التطور لم تشعر به كثيراً البلدان المتخلفة ، لأن عقدة تخلفها ذاتها قد نصبت في طريقها ضرباً من الغرام السقيم بمقاييس القوة أي بالمقاييس القائمة على ( الأشياء ) . فالإنسان المتخلف وبسبب عقدة تخلفه يرد المسافة بين التقدم و التخلف إلى نطاق (عالم الأشياء) ، أو هو بتعبير آخر يرى أن تخلفه متمثل في نقص مالديه من مدافع و طائرات و مصارف ... و بذلك يفقد مركب النقص لديه فاعليته الاجتماعية ، إذ ينتهي من الوجهة النفسية إلى التشاؤم كما ينتهي من الوجهة الاجتماعية إلى تكديس المشكلات ، فلكي يصبح مركب النقص لديه فَعّالاً مؤثراً ينبغي أن يرد الإنسان تخلفه إلى مستوى الأفكار لا إلى مستوى الأشياء ، فإن تطور العالم الجديد دائماً يتركز اعتماده على المقاييس الفكرية .
و مشكلة الثقافة من الوجهة التربوية هي في جوهرها مشكلة توجيه الأفكار، و لذلك كان علينا أن نحدد المعنى العام لفكرة التوجيه ، فهو بصفة عامة قوة في الأساس ، وتوافق في السير ، و وحدة في الهدف ، فكم من طاقات و قوى لم تُستخدم ؛ لأننا لا نعرف كيف نُكتّلها ، وكم من طاقات و قوى ضاعت فلم تحقق هدفها حين زحمتها قوى أخرى صادرة عن المصدر نفسه ، و متجهة إلى الهدف نفسه . فالتوجيه هو تجنب الإسراف في الجهد و في الوقت ، فهناك ملايين السواعد العاملة و العقول المفكرة في البلاد الإسلامية صالحة لأن تستخدم في كل وقت ، و المهم هو أن ندير هذا الجهاز الهائل المكون من ملايين السواعد و العقول ، في أحسن ظروفه الزمنية و الإنتاجية . و هـذا الجهاز حين يتحرك يحدد مجرى التاريخ نحو الهدف المنشود . فلا يكفي مطلقاً أن ننتج أفكاراً ، بل يجب أن نوجهها طبقاً لمهمتها الاجتماعية التي نريد تحقيقها . إننا نرى في حياتنا اليومية جانباً كبيراً من اللا فاعلية في أعمالنا ، إذ يذهب جزء كبير منها في العبث و في المحاولات الهازلة .
وإذا ما أردنا حصراً لهذه القضية فإننا نرى سببها الأصيل في افتقادها الضابط الذي يربط بين الأشياء و وسائلها ، و بين الأشياء و أهدافها ، فثقافتنا لا تعرف مثلها العليا و فكرتنا لا تعرف التحقيق ، و إن ذلك كله ليتكرر في كل عمل نعمله و في كل خطوة نخطوها . إن الذي ينقص المسلم ليس منطق الفكرة ، و لكن منطق العمل و الحركة ، و هو لا يفكر ليعمل بل ليقول كلاماً مجرداً ، بل إنه أكثر من ذلك يبغض أولئك الذين يفكرون تفكيراً مؤثراً و يقولون كلاماً منطقياً من شأنه أن يتحول في الحال إلى عمل و نشاط .
أما في مستوى المجتمع الذي يعيش أزمة ثقافية فإننا نستطيع حصر العديد من الملاحظات و يكفينا لذلك أن نرى بالعين المجردة ما يدور في حياته الاقتصادية و السياسية[5] (file:///C:/Documents%20and%20Settings/KHELFA%20%20DAOUD/Bureau/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9%20%D8%A 7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D9%8A%20%D9%81%D9% 8A%20%D9%81%D9%83%D8%B1%20%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%83 %20%D8%A8%D9%86%20%D9%86%D8%A8%D9%8A.htm#_ftn5) .
إننا لو وضعنا سلماً للقيم الثقافية جنباً إلى جنب مع السلم الاجتماعي ، لوجدنا أن السلمين يتجهان في الاتجاه نفسه من الأسفل إلى الأعلى ، أي أن المراكز الاجتماعية تكون تلقائياً موزعة حسب الدرجات الثقافية . أما المجتمع الذي يواجه ازمة ثقافية فإن السلمين ينعكسان ، الواحد بالنسبة للآخر إنعكاساً تصبح معه القاعدة الشعبية - على الأقل بمحافظتها على الأخلاق – أثرى ثقافياً من قيادتها ، فمن يرقى درجات السلم و يأخذ مكانه و دوره الاجتماعي في العالم المتخلف ليس من أهل الدرجات العلمية الثقافية ، بل من يرضى عليه أولو الأمر في السلطة .
لكن كيف نخلص الإنسان من الاستعمار الثقافي و الذي معناه استمرار الاستعمار السياسي و الاقتصادي ؟ إن الإنسان المطلوب تغييره من أجل تنشيط عملية البناء الحضاري لا يمكن تغييره و تخليصه من الدونية باتجاه الآخر المستعمر ، إلا إذا هيأنا له مناخاً تربوياً متحرراً من النفوذ الاستعماري وجواً ثقافياً أصيلاً و شعوراً متعالياً بالشخصية ....
إن الإبداع و العطاء لن يكونا إلا عندما نترك لعالم الأفكار أن يحاول حلَّ خفايا عالم الاشياء ، في هذه الحالة تتوالى الحلول تترأى ، و بذلك تقوم النهضة العلمية في مجتمع ما ، أما إذا كان عالم الأفكار مستعاراً فسيكون عنده قصور في الكشف و تراوح الأمور العلمية مكانها .
و إذا أردنا أن ننشئ ذاتاً جديدة لإنسان اليوم في العالم العربي و الإسلامي ، فيقتضي ذلك قبل كل شيء تنقية المحيط الأسروي و المدرسي و الاجتماعي العام من الإستعارات التي تحمل في طياتها هدفاً إستعمارياً تخريبياً ، يحاول زرع التفقير و التجهيل و الإنحراف في مجتمعاتنا بشتى الوسائل ، و أهمها استغلال غفلتنا . و يتحدد دور ومكانة الفرد في أمته تبعاً لعلاقة المجتمع بالأشياء أو بالأشخاص أو بالأفكار .
إن كل مجتمع مهما كان مستواه من التطور له عامله الثقافي المعقد ، ففي نشاطه المتناغم هنالك تشابك بين العوالم الثلاثة : الأشياء و الأشخاص و الأفكار ، و لكن يظل هنالك دائماً رجحان لأحد هذه العوالم الثلاثة ، و بهذا الرجحان - الذي يظهر في سلوك المجتمع و فكره - يتميز كل مجتمع عن سواه من المجتمعات . و المجتمع المتخلف ليس موسوماً حتماً بنقص في الوسائل المادية ( الأشياء ) ، و إنما بافتقاره للأفكار ، و يتجلى بصفة خاصة في طريقة استخدامه للوسائل المتوفرة لديه ، بقدر متفاوت من الفاعلية ، و في عجزه عن إيجاد غيرها ، و على الأخص في أسلوبه في طرح مشاكله ، عندما يتخلى عن أي رغبة و لو مترددة بالتصدي لها ، أما حاله مع عالم الأشخاص ، فإنه يدور حول شخص الزعيم فيجعل منه وثناً يُعبد . و لا خلاص لمجتمع من تخلفه إلا إذا كان عالم أشياءه و أشخاصه يدور حول عالم الأفكار لذلـــــك : فإن أي ثورة ، لن تستطيع تغيير الإنسان إن لم تكن لها قاعدة أخلاقية قوية .
إن الحوار بين المسؤولين و الجماهير يعيد الجسر الذي يصل الشعب بالدولة ، و ليس غريباً في هذا المناخ من الثقة المتبادلة أن تتحقق المعجزات ، و لو كان ثمنها مزيداً من التقشف ، لأن الصعوبات لا تزال بين عشية و ضحاها بعصا سحرية ، و علينا أن نقدم الواجب قبل أن نطالب بالحقوق ؛ فالحق ... يجذب الانتفاعيين و الوصوليين و الإنتهازيين كما يجذب العسل الذباب ، بينما كلمة الواجب لا تجذب غير النافعين الذين يسعون حقاً لنهضة مجتمعهم ، فالفرد في المجتمع المتخلف يطالب بحقوقه قبل أن يقوم بواجباته ، بينما أداء الواجب هو الكفيل الوحيد بالحصول على الحقوق ، فإذا أردت أن تصلح أمر الدولة اصلح نفسك .
ثانيا : مشكلة التراب : حينما يتكلم ( ملك بن نبي ) عن التراب لا يبحث في خصائصه و طبيعته ، و لكن يتكلم عن التراب من حيث قيمته الاجتماعية ، و هذه القيمة الاجتماعية للتراب مستمدة من قيمة مالكيه ، فحينما تكون قيمة الأمة مرتفعة ، و حضارتها متقدمة ، يكون التراب غالي القيمة ، و حيث تكون الأمة متخلفة – كما هو الحال اليوم - يكون التراب على قدرها من الانحطاط ، و ذلك بسبب تأخر القوم الذين يعيشون عليه ، فها هي رمال الصحراء تغـزو بشراسة الحقول الخضراء على امتداد الوطن العربي . فتترك أهلها يتامى بين يدي الصحراء المقفرة . و بديهي أنه لا حل لهذه الأزمة غير الشجرة ، لكن إذا كان الإنسان الزارع لهذه الشجرة أو المؤتمن على رعايتها ، يعيش حالة تصحر داخلي ، فلا أمل من رؤية اللون الأخضر مرة ثانية تحت نظر و يد إنسان كهذا . فسنوياً يعلن المسؤولون أنه تم غرس عشرات الملايين من الاشجار ، لكننا على يقين أن واقع الحال غير ذلك سواء لعدم العناية المستمرة ، أو لعدم الدقة في الرقم الإحصائي .
إن ترابنا العربي لا يزال بكراً ، رغم كل أشكال النهب التي مورست عليه في السطح أو في العمق من قبل الآخرين ، و على الأغلب بسبب إهمالنا له و بشكل عدواني .
ثالثا : مشكلة الوقت : و هو العنصر الثالث في تكوين الحضارة ، إن الزمن نهر قديم يعبر العالم ، و يروي في أربع و عشرين ساعة الرقعة التي يعيش فيها كل شعب و الحقل الذي يعمل به ، و هذه الساعات التي تصبح تاريخاًً هنا و هناك قد تصير عدماً إذا مرت فوق رؤوس لا تسمع خريرها ، و إذا قسنا الزمن بمقياس الساعات التائهة فالقرون لا تساوي شيئاً .
ولكنه نهر صامت حتى إننا ننساه أحياناً ، و تنسى الحضارات في ساعات الغفلة قيمته التي لا تعوض ، و حينما لا يكون الوقت من أجل الإثراء أو تحصيل النعم الفانية ، أي حينما يكون ضرورياً للمحافظة على البقاء ، أو لتحقيق الخلود و الانتصار على الأخطار ، يسمع الناس فجأة صوت الساعات الهاربة ، و يدركون قيمتها التي لا تعوض ، ففي هذه الساعات لا تهم الناس الثروة أو السعادة أو الألم ، و إنما الساعات نفسها . فيتحدثون حينئذ عن ( ساعات العمل ) ، فهي العملة الوحيدة التي لا تبطل ، و لا تسترد إذا ضاعت ، إن العملة الذهبية يمكن أن تضيع ، و أن يجدها المرء بعد ضياعها ، و لكن لا تستطيع أي قوة في العالم أن تستعيد دقيقة إذا مضت . و حظ الشعب العربي و الإسلامي من الساعات كحظ أي شعب متحضر ، و لكن عندما يدق الناقوس منادياً الرجال و النساء و الأطفال إلى مجالات العمل في البلاد المتحضرة ... فأين يذهب الشعب ؟ تلكم هي المسألة المؤلمة .. فنحن في العالم الإسلامي نعرف شيئاً يسمى ( الوقت ) ! ، و لكنه الوقت الذي ينتهي إلى " عدم " ، و لأننا لا ندرك معناه و لا تجزئته الفنية ؛ لأننا لا ندرك قيمة أجزائه من ساعة و دقيقة و ثانية ، و لسنا نعرف إلى الآن فكرة ( الزمن ) الذي يتصل اتصالاً وثيقاً بالتاريخ ، و بتحديد فكرة الزمن يتحدد معنى التأثير و الإنتاج ، و هو معنى الحياة الحاضرة الذي ينقصنا ، هذا المعنى الذي لم نكسبه بعد ، هو مفهوم الزمن الداخل في تكوين الفكرة و النشاط ، في تكوين المعاني و الأشياء .
فالتاريخ و الحياة الخاضعان للتوقيت كان و ما يزال يفوتنا قطارهما ، فنحن في حاجة ملحة إلى توقيت دقيق ، و خطوات واسعة لكي نعوض تأخرنا . و يكون ذلك بتحديد المنطقة التي ترويها ساعات معينة ، من الساعات الأربع و العشرين التي تمر على أرضنا يومياً . إن و قتنا الزاحف صوب التاريخ ، لا يجب أن يضيع هباء ، كما يهرب الماء من ساقية خربة . و لا شك أن التربية هي الوسيلة الضرورية التي تعلم الشعب العربي الإسلامي تماماً قيمة هذا الأمر . و لكن بأية وسيلة تربوية ؟ إنه من الصعب أن يسمع شعب ثرثار الصوت الصامت لخطى الوقت الهارب ! . إن شعباً هذه حاله أحوج ما يكون إلى قدوة وطنية ، قيادية ، حازمة في تطبيق القانون على الجميع ، و لا تسمح لأي انحراف عن مشروع النهضة التي تعلنه ريثما يعتاد الأفراد على هذا السلوك في حياتهم اليومية فتصبح ساعات العمل حقيقية ، و من خلال إنسان يستطيع استغلال الوقت على أكمل وجه نستطيع أن نقول : أننا بدأنا نهضة عملية علمية حقيقية وفق خوارزميات التغيير الإجتماعي التي تناسبنا ، و النهضة لا تقوم إلا بأيدي الأتقياء و الأذكياء .
الباب الثالث :
الافكار الاساسية :
- سياسة المستعمر بانتقاص من قيم الفرد الايجابية .
- قايلية الشعوب للاستعمار .
- ضرورة التكيف مع مجرى الحضارة الانسانية .
تحليل الباب الثالث :
ان للفرد – بصفته عاملا اوليا للحضارة – قيمتان : الاولى خام طبيعية ، و الثانية صناعية اجتماعية .
فالقيمة الاولى ، موجودة في كل فرد من الافراد ، في تكوينه البيولوجي ، وتتمثل في استعداده الفطري لإستعمال عبقريته و ترابه و وقته . اما القيمة الثانية و هي القيمة الصناعية ، فإن الفرد يكتسبها من وسطه الاجتماعي ، و تتمثل في الوسائل التي يجدها هذا الفرد في اطاره الاجتماعي لترقية شخصيته و تنمية مواهبه و تهذيبها .
و اذا نظرنا الى المسلم الجزائري ، فالتاريخ يشهد بكفاءته و عبقريته التي كانت محل اعتراف المستعمر× (file:///C:/Documents%20and%20Settings/KHELFA%20%20DAOUD/Bureau/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9%20%D8%A 7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D9%8A%20%D9%81%D9% 8A%20%D9%81%D9%83%D8%B1%20%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%83 %20%D8%A8%D9%86%20%D9%86%D8%A8%D9%8A.htm#_ftn6)* . و هنا تبدأ قضية الاستعمار تهمنا ، إذ يفرض على حياة الفرد عاملا سلبيا يسمى بلغة الرياضيات ( المعامل ) الاستعماري . فأمام عبقرية الجزائري ، فإن المستعمر عوضا ان أن يدفعه الشعور بالنقص الى الرفع من قيمة شعبه ( الفرنسي ) فإنه – ورغبة منه في اقرار التوازن بين المعمرين و المستعمرين – لجأ الى الانتقاص من من قيمة هؤلاء الاخرين و تحطيم قواهم الكامنة فيهم ، و منذ ذلك الحين بدا الحط من قيمة الاهالي ينفذ بطرق فنية كأنه معامل جبري وضع امام قيمة كل فرد بقصد التنقيص من قيمته الايجابية .
و يؤثر هذا المعامل في جميع اطوار حياة الفرد ، يؤثر فيه و هو طفل ، فلا يمده المجتمع بما يقوي جسده و ينمي فكره او يهيئ له مدرسة او توجيها .. هذا إن كان له أباً ، اما اذا فقد الاب فالامر أدهى و أمر ، فسوف يؤول الى ماسح احذية او متسولا فاقدا لعزته و كرامته . اما اذا ما كتب له النـجاة من هذه النكبات و وجد مقعدا في مدرسة ، فكم من العراقيل توضع في طريقه ، و اذا بلغ مبلغ الرجال فماذا يعمل غير وظيفة حقيرة .
هذا هو المعامل الاستعماري ، و هو معامل خارجي لكنه يؤثر في داخلنا ، فتولدت لدينا القابلية للاستعمار ، ذلك لأن المستعمر لا يتصرف في طاقتنا الاجتماعية الا لأنه درس اوضاعنا النفسية دراسة عميقة ، فأدرك مواطن الضعف فينا ، فسخرنا لما يريد ، فجعل منا ابواقا يتكلم فيها و اقلاما يكتب بها ، انه يسخرنا لأغراضه ، بعلمه هو ، و جهلنا نحن .
و رغم ذلك ... فما الذي بعث العالم الاسلامي من نومه ؟ من الذي أيقظه ؟ من الذي قال له قـــم ؟ إنه الاستعمار .. الذي سلب حريتنا و سيادتنا و كرامتنا .. و مع ذلك نعترف بأنه أيقظ الشعب الذي استسلم لنوم عميق ، و لقد عودنا التاريخ ان كل شعب يستسلم للنوم فإن الله يبعث عليه سوطا يوقظه ....
و ينتقل في الاخير الى مشكلة التكيف ، فالحياة الاجتماعية تخضع لقانون ( رد الفعل ) كما تخضع له الميكانيكا . و بما ان الاستعمار في نوعه هو ( فعل ) المدنية تسلطت به على الشعوب المستعمرة ، فلا غرابة إذن ان يكون لذلك الفعل ( رد ) .
و هذا الرد يظهر في صور مختلفة في حياة العالم الاسلامي ، فبرزت اشكالا جديدة من السلوك بدأنا نراها في الجزائر مثلا ، و هي ليست من عاداتنا ، و موجودة في الكثير من بلاد العروبة و الاسلام ..
فكانت النتيجة ان مجتمعنا فقد توازنه ، و نشاهد عدم الاستقرار هذا في انفسنا و تصوراتنا للاشياء ؛ فهناك من يرى المدنية في اعتناق الافكار التحررية ، و آخر يرى ان المدنية هي معركة اقتصادية ، و ثالث سلفي يظن انه يغير نظام المجتمع بتغيير لباسه و تطهير لغته ، ورابع يرى ان المثل الاعلى للمدنية يبرق في قعر كأسه و يلمع في جو الخمارة ، و خامس يرى ان نجاة الشعوب في تحرير المرأة و يظن انه يملك المدنية اذا فاز بإمرأة عصرية ، و هناك المقتنع بحاله الذي لا يرى شيئا و لا يفهم شيئا و لا يبحث عن شيئ ..
ان هذه الوجهات المتعددة لدليلا على دراجات متعددة من التكيف مع مجرى الحضارة ، و ان من الواجب ان لا توقفنا أخطاؤنا عن السير نحو الحضارة الاصيلة ، فالحياة تدعونا دائما ان نسير الى الامام ، بشرط أن لا يكون سيرا فوضويا ، بل علميا عقليا مدروسا ، يتجه نحو تاريخ الانسانية .
ملخص :
لقد أمعن مالك بن نبي في الحفر حول مشكلات التخلف المزمنة متجاوزا الظواهر التي تطفو على السطح إلى الجذور المتغلغلة في الأعماق ، و باحثا عن السنن و القوانين الكفيلة بتحول الشعوب من حالة العجز إلى القدرة و الفعالية ، و من مشكلة الاستعمار إلى مرض القابلية للاستعمار ، و من حالة تكديس الأشياء إلى حالة البناء ، و من المطالبة بالحقوق إلى القيام بالواجب أولا ، و الانتقال من عالم الأشياء و الأشخاص إلى عالم الأفكار التي بها نبدأ بحل مشكلة التخلف ، و يجب أن نصل إلى قناعة حتمية بأن مفاتيح حل المشكلات هي في الذات لا عند الآخر .
[1] (file:///C:/Documents%20and%20Settings/KHELFA%20%20DAOUD/Bureau/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9%20%D8%A 7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D9%8A%20%D9%81%D9% 8A%20%D9%81%D9%83%D8%B1%20%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%83 %20%D8%A8%D9%86%20%D9%86%D8%A8%D9%8A.htm#_ftnref1) معظم القبائل التي تعرضت للاستعمار اصبحت في طي النسيان ودفنها التاريخ ، فاين مثلا القبائل الامريكية قبل كريستوف كولمبوس ؟
[2] (file:///C:/Documents%20and%20Settings/KHELFA%20%20DAOUD/Bureau/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9%20%D8%A 7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D9%8A%20%D9%81%D9% 8A%20%D9%81%D9%83%D8%B1%20%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%83 %20%D8%A8%D9%86%20%D9%86%D8%A8%D9%8A.htm#_ftnref2) يؤرخ للنهضة العربية بحركة الاصلاح التي قادها جمال الدين الافغاني و محمد عبده ، و نحن نقول ان بوادر هذه النهضة بدأت قبلا مع حملة ( نابليون ) على مصر ، و التي كانت الى جانب كونها حملة عسكرية حملة علمية أيضا ، ثم بإصلاحات محمد علي باشا و ارساله للبعثات الى الخارج .
[3] (file:///C:/Documents%20and%20Settings/KHELFA%20%20DAOUD/Bureau/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9%20%D8%A 7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D9%8A%20%D9%81%D9% 8A%20%D9%81%D9%83%D8%B1%20%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%83 %20%D8%A8%D9%86%20%D9%86%D8%A8%D9%8A.htm#_ftnref3) و هذا بالنظر الى تاريخ كتابة هذا المؤلف و هو سنة 1948
[4] (file:///C:/Documents%20and%20Settings/KHELFA%20%20DAOUD/Bureau/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9%20%D8%A 7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D9%8A%20%D9%81%D9% 8A%20%D9%81%D9%83%D8%B1%20%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%83 %20%D8%A8%D9%86%20%D9%86%D8%A8%D9%8A.htm#_ftnref4) الفكرة الدينية " مطلقة " عند ابن نبي ، أي لا يحددها بدين معين ..
[5] (file:///C:/Documents%20and%20Settings/KHELFA%20%20DAOUD/Bureau/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9%20%D8%A 7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D9%8A%20%D9%81%D9% 8A%20%D9%81%D9%83%D8%B1%20%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%83 %20%D8%A8%D9%86%20%D9%86%D8%A8%D9%8A.htm#_ftnref5) حيث هناك ركود اقتصادي و استبداد سياسي
× (file:///C:/Documents%20and%20Settings/KHELFA%20%20DAOUD/Bureau/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9%20%D8%A 7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D9%8A%20%D9%81%D9% 8A%20%D9%81%D9%83%D8%B1%20%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%83 %20%D8%A8%D9%86%20%D9%86%D8%A8%D9%8A.htm#_ftnref6) * و يشهد بذلك اعتراف الجينرال ( بوجو ) بكفاءة ( الامير عبدالقادر)